رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثامن 8 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثامن
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الثامن
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الثامنة
٨ – ” لهيب و رماد الصمت ”
اليد التى ألتفت حول رسغه ، هى من ألجمت يده وأحجمتها عن صفع وجه حياء ، ألتفت بجانبه فرأى ولاء تنظر له بوجه مشدوه وعينان جاحظة ، مما كان ينتوى فعله ، فعاد ونظر لتلك التى كأنها علمت بما كان سيفعله ، فأتخدت كفيها حصناً أمام وجهها ، حتى لا يصل كفه لوجنتها ، التى ربما بعد رؤيتها ضخامة كفه ، كانت متيقنة من أنه قادر على إقتلاع أسنانها من مكانها إذا تم فعلته وصفعها
أنتظرت حياء قليلاً ، وبعد أن رأت أنه لم يمسها ، أزاحت راحتيها من أمام وجهها ، وفتحت عيناها ببطئ ، كمن تعتاد رؤية الضوء لأول مرة بعد فترة حالكة من الظلام
أبتلعت ريقها لتقول شيئاً ، فلم تحسن فعل ذلك ، ولكن أمتنت لتلك الفتاة التى أنقذتها ، فظلت واقفة تستمع إليهما كأن قدميها فقدت الحياة فجأة
سحبت ولاء يدها من حول رسغ راسل ، عندما رأت بوادر الغضب تنحسر تدريجياً عن وجهه الوسيم ، فعاتبته قائلة بصوت هادئ :
–إيه ده يا أبيه معقولة أنت كنت هتضربها بجد
بعبارتها تلك عاد إلى رشده ، فكيف كان سيقدم على فعل ذلك ؟ ولكن هى من أثارت شيطانه بالبداية ، تلقيه بتهم باطلة من وحى خيالها ، فهو لم يكن يتبعها لمكان ، فالصدفة هى من لعبت دوراً كبيراً اليوم ، عندما أرادت طفلته شراء ثياب جديدة لها ، ليأتى ويجدها هنا بنفس التوقيت ، ولم تنتهى الصدفة لهذا الحد بل المتجر الذى ذهبت هى إليه ، ملاصق لمتجر ثياب الأطفال
عادت عيناه تلقى بنظراتها التى خفت بريقها الغاضب على محيا حياء المصدوم ، فتمتم ببرود كعادته دائماً:
– بعد كده يا أنسة حياء فكرى فى الكلام قبل ما تقوليه ، أحسن ما فى يوم تلاقى نتيجة وعواقب كلامك مش حلوة ومحدش هيندم غيرك
أنسحب راسل مبتعداً عن المكان ، الذى ظلت حياء وولاء وسجود ينظرن ثلاثتهن لأثره بثلاث تعبيرات مبهمة ، فحياء أصابها الخوف والصدمة ، وولاء أصابتها الغرابة ، وسجود أصابتها الحيرة لا تفهم شيئاً مما يحدث
رفعت ولاء يدها تربت على ذراع حياء بلطف :
– أنا أسفة بالنيابة عنه أنا سمعت صوتكم قدام المحل خرجت أنا وسجود صحيح أنا معرفش فى إيه بس أبيه مبيتعصبش كده إلا لو كان الموضوع كبير
رآت حياء أن عينيها أكتفت من إقتفاء آثره ، فحولت بصرها لوجه ولاء قائلة بتساؤل:
– هو أنتى أخته ؟
أماءت ولاء برأسها رفضاً ، بإبتسامة تزين ثغرها :
– هو أنا مش أخته شقيقته ، بس فى مقام أخته ، كانت أختى الكبيرة الله يرحمها أخته فى الرضاعة واللى أنتى برضه تبقى شب….
كفت ولاء عن إكمال عبارتها ، فتلك الفتاة لن يعنيها إذا كانت تشبه شقيقتها أم لاء ، فيكفى ما رأته من نظراتها الكارهة لراسل ، فوجهها الذى تحول للون الأحمر القانى من فرط غضبها وغيظها منه ، جعلها تدرك أن ربما صار العداء بينهما بأوج مراحله
قبضت ولاء على يد سجود ، تعتذر مغادرة للحاق به ، تراجعت بخطواتها للخلف ، فوجدت الجدار سانداً لجسدها ،الذى سرت به رجفة قوية ، بدأت بالتأثير على قدميها ، فكرت فى حالتها إذا أنتهى مصيرها بتلقى تلك الصفعة من يده ، بعد أن أستعادت أنفاسها ، عادت لداخل المتجر ثانية ، وجدت مديحة أبتاعت لها الكثير من الثياب ، فلم تبدى إعتراضها على شئ ، فهى تريد العودة للمنزل ، وبالأخص لغرفتها ، فأنهيارها الوشيك يهدد خلاياها بين الفنية والأخرى
حثت والداتها على الإسراع بالعودة إلى البيت ، فأثناء ذهابها لمرآب السيارات لمحته يقترب من سيارته ، تسير خلفه ولاء وسجود ، ولا تعرف لما أخذتها الشفقة على تلك الصغيرة التى أراد الله لها بأن يكون هذا الرجل الفظ الغليظ لها أباً ، فهى رآت أنه لا يستحق طفلة مثلها ربما يقع بعشقها كل من يراها وخاصة عفويتها وبراءتها بأفعالها
____________
بالمساء ….
الطرقات المتتالية على باب الغرفة ، الذى حرص على أن يوصده من الداخل ،حتى لا يفاجئه أحد بالدخول ، جعلته يتأفف بصوت مسموع ، فهو يخشى أن يكتشف أحد أمره البغيض ، الذى أستحل فعله بخلوة صنعها له شيطانه ، غافلاً عن أن الله يراه ، فوجه المتعرق خلاف العادة بذلك الطقس البارد ، ناتج عن زيادة إرتفاع حرارة جسده من سريان الدم حاراً بعروقه ، مما يراه أمامه على شاشة هاتفه ، من محرمات ، يزدرد لعابه من حين لآخر ، تنهش عيناه كل المشاهد التى يراها أمام عيناه
علا صوته قائلاً بسخط من إستمرار القرع على باب الغرفة :
– أيوة فى إيه
جاءه صوته أبنته من خلف الباب وهى تقول بصوتها الناعم:
– بابا كنت عايزة أتكلم معاك شوية
خرج صوته متحشرجاً :
– شوية وجاى يا هبة أصبرى
أبتعدت هبة عن الباب ، بينما أغلق هو هاتفه ، يسرع بالذهاب للمرحاض ، فالحل الأنسب له الآن أن يغتسل بالماء البارد ، لعله يتخلص من تلك الحالة التى تعتريه بعد مشاهدة مثل تلك النوعية من الأفلام ، التى لم يحجب عيناه عن رؤيتها من وقت لأخر ، يتلذذ برؤية ما جمله له الشيطان ، معللاً لنفسه ، أن زوجته ، صارت بدينة أو بُهت جمالها
بعد إنتهاءه من الاغتسال وخروجه من الغرفة ، رآى باب الشقة يفتح تلج منه قسمت بعد عودتها من الخارج ، فهى أخبرته بشأن ذهابها لرؤية صديقة لها أصابها المرض ، وستذهب للإطمئنان عليها ، فلم يمانع بذهابها ، فلو بيده يجعلها تذهب بدون عودة
سحبت قسمت حجابها تلقيه على الأريكة ، وجلست لتريح قدميها الذى أصابها التشنج من صعود الدرج العالى
فزفرت قائلة بحنق :
– السلم يقطع النفس أووف إيه ده
لوى شكرى فمه قائلاً بمزاح ساخر :
– دا علشان جسمك بس تقل يا قسمت وتخنتى زيادة
كمن ألقاها بعيار نارى أو سهم مسموم ، فأنتفضت من مكانها تصيح به ، حتى تطاير الرزاز من فمها بوجهه :
– هى مين دى اللى تقلت وتخنت زيادة يا سى شكرى أنت هتلم لسانك ده على المسا ولا لاء دا أنا اللى يشوفنى يقول عليا أخت هبة مش أمها ، ولا إيه مبقتش عجباك
خرجت هبة وأشقاءها الصغار من الغرفة ، على صوت صياح والداتهم الذى أعتدوه منها دائماً ، فربما إذا أنقضى يوماً بدون صياحها وصراخها ، سيعلمون أن ربما أصابها المرض
قبل أن يفه شكرى بكلمة ، أسرعت هبة بالوقوف بالمنتصف ، لتمنع مشاجرة جديدة بينهما ، مثلما أعتادت أن ترى ذلك منذ صغرها
فحاولت تهدئة والداتها بقولها :
– ماما مالك بس فى إيه إهدى يا حبيبتى مش كده
اغتاظت قسمت أكثر ، بعد رؤيتها زوجها يجلس على مقعد واضعاً ساق على الأخرى ، يلقى بذراعيه على طرفى المقعد ، يثير غضبها بنقر أصابعه على حافة مقعده
فخرج صوته لامبالياً:
– فى إيه يا قسمت كنت بهزر معاكى أنتى خلقك ضيق كده ليه
فوجه حديثه تلك المرة لإبنته قائلاً بتساؤل:
– أنتى كنتى عيزانى فى إيه يا هبة ؟
وزعت هبة نظراتها بين أبويها ، تزن الأمور بعقلها ، هل تخبره الآن بما تريد ؟ أم تنتظر أن تعود أمها لهدوءها ، فلو تحدثت معهما بشأن زواجها الآن ، ستثور والداتها أكثر مما هى ثائرة بالأساس ، ولكنها تريد إنهاء هذا الأمر ، فالايام تمر وتخشى أن يصيب زوجها وحيد السأم من إنتظارها ، وهى لا تريد خسارته
– كنت عايزة أتكلم معاكم بخصوص قرار أخدته أنا ووحيد وهو أن هروح أعيش معاه فى شقتنا طالما أنتوا مش عايزين نكمل الفرح
قالت هبة فجأة ، لتنال صفعة مدوية من يد قسمت ، شعرت هبة على أثرها بأن لحم وجهها كادت تزيله أمها من شدة اللطمة على وجهها الرقيق
لم تتحمل الفتاة قسوة الصفعة التى باغتتها بها أمها ، ليختل توازنها فجأة وتسقط أرضاً وهى تشهق بصوت عالى ، فأسرع شكرى فى الاقتراب من إبنته التى أصتطدم جسدها بالأرض الصلبة
فرفع وجهه لزوجته يكاد يحرقها حية بنظراته وهو يساعد أبنته فى الاعتدال :
– أنتى أتجننتى يا قسمت بتمدى إيدك عليها دا أنا هكسرلك إيدك دى
– كسر رقبتك أنت وهى أنت نسيت نفسك ولا إيه ياشكرى
قالت قسمت عبارتها ببرود ، وهى تعود لتجلس أمامهما على الأريكة ، بينما مازالت هبة جالسة على الأرض تبكى واضعة يدها على وجنتها ، وشكرى يربت على كتفيها يضمها إليه
بعد سماع عبارتها ، ترك إبنته وأقترب منها ، وما كاد يرفع كفه ليصفعها ،وجدها تحدجه بنظرة قوية تحمل بطياتها تهديداً خفياً مما سيؤل إليه أمره إذا صفعها حقاً ، فتراجع عن فعلته ، بعدما علم مدلول نظرتها له
فتبسمت قسمت بإتساع بعد رؤيتها له يطرق برأسه أرضاً :
– شاطر يا شكرى وخليك حاطط فى بالك أنك متفكرش تعملها تانى وأن كان على قليلة الأدب دى أنا هربيها من أول وجديد
المشهد المخزى لأبيها أمام والداتها ، جعلها أكثر تصميماً على رأيها الذى أتخذته بعد مقابلتها الاخيرة بوحيد ، فهى فعلت ما أملاه عليها ضميرها وتربيتها وخوفها من غضب والدايها ، ولكن الآن هى ستلتجأ لحماية زوجها ، فهى لن تساهم فى تخريب زيجتها مثلما تريد أمها ، فهى تريد زوجها ، ولكن والداتها طمث على قلبها فلم تعد ترى سوى ما يحقق لها مصلحتها الخاصة ، دون مراعاة لمشاعر من حولها ، حتى وإن كانت أبنتها ، التى كانت أحق بالتفكير بسعادتها وليس هدم حياتها من أجل أهواء وأطماع شخصية
____________
بمنزل ” عرفان الطيب”
تراصت على المائدة الكبيرة ، أطباق الطعام الشهى ، الذى أعدته الخادمة خصيصاً من أجل مجئ نادر لتناول العشاء معهم ، فمديحة أوصتها بعمل عدة أصناف من الطعام ، التى تم وضعها على المائدة تساهم سيدة المنزل فى تنسيقها
فتبسمت مديحة برضا :
– تمام كده كل حاجة جاهزة وفاضل ١٠ دقايق ونادر ييجى هى فين حياء يا صالحة
وضعت صالحة طبق الحساء من يدها وهى ترد باسمة :
– فى أوضتها شكلها لسه مخلصتش لبس عقبال ما تفرحى بيها يوم فرحها يارب
– يارب يا صالحة يارب
أمنت مديحة على دعوتها ، فتوجهت صوب غرفة أبنتها ، بعد طرقة خفيفة ، أدارت مقبض الباب ، تلج للداخل باحثة عنها بعيناها ، فوجدتها جالسة على طرف الفراش واضعة وجهها بين كفيها ، تنحنى قليلاً للأمام ، كأنها على وشك السقوط
فقطبت حاجبيها قائلة بتساؤل:
– حياء مالك فى إيه وقاعدة كده ليه
أزاحت كفيها عن وجهها ورفعت رأسها ترمق والداتها بإبتسامة باهتة :
– أبداً يا ماما مفيش حاجة بس دماغى كانت مصدعة شوية هو نادر جه ولا إيه
– لاء لسه مجاش زمانه على وصول
جلست مديحة بجانبها على الفراش ، فأخذت يدها بين كفيها ، تشعر بوجود خطب ما بها فعادت معقبة:
– حياء فى إيه حاسة أنك مخبية عليا حاجة أنا بعرفك على طول لما بيكون فى حاجة مضيقاكى
– أبدا مفيش حاجة يلا بينا جرس الباب بيرن شكل نادر وصل برا
أرادت صرف تفكير والداتها عن التفكير فيما يقلقها ، فهى لا تعرف ما أعتراها منذ ماحدث صباحاً بالمول التجارى ، لا ينفك عقلها عن التفكير فى سخافة فعلتها ، يلهبها ضميرها بسياط الشعور بالغباء على أنها هى من أسرعت تلك المرة فى بدأ المشادة الكلامية بينهما ، فهى كان لا يحق لها بأن تفعل ذلك وتكتفى بتجاهل الأمر برمته ، ولكن وجدت قدميها تسوقها إليه لتنفث به جام غضبها
خرجتا من الحجرة ، فتبسمت بعد رؤية مجئ نادر وإستقبال عرفان له بعد خروجه من غرفته هو الآخر ، فجلسوا جميعهم على المائدة ، يتناولون طعامهم بجو هادئ ، تدور الأحاديث بينهم ودية ، يتناقشون بأمور الزفاف والأثاث وخلاف ذلك ، وبعد الإنتهاء ، أرادت حياء الخروج لحديقة المنزل ، فهى تشعر بشئ يجثم على صدرها ، لعل الهواء بالخارج يصرف عنها ضيقها الذى لا تعلم له سبب أخر
ضمت بيديها وشاح ثقيل وضعته على كتفيها ، ليقيها لسعات الهواء الباردة ، رفعت وجهها للسماء فوجدتها ملبدة بسحب رمادية كأنها تنذر بهطول مطر غزير ، فالسحب حجبت ضوء القمر ، فكأن الليلة كل شىء يتحالف مع مزاجها الكئيب ، الذى تحاول هى الظهور بمظهر عادى مكتفية بالابتسام على أى شئ يقوله نادر
جلست على أحد مقاعد تلك الطاولة الموضوعة بالحديقة ، وجلس نادر بالمقعد المقابل لها ، فأستند بذراعيه على الطاولة ينحنى قليلاً قائلاً بهمس :
– تعرفى أن أنا بعد الأيام اللى فاضلة دى علشان ييجى فرحنا ومش مصدق ان خلاص كتب كتابنا اخر الأسبوع ده يا حياء
لم تنتبه إلا على لفظه إسمها ، فعقدت حاجبيها قائلة بعدم فهم :
– كنت بتقول إيه يا نادر
صدق حدسه وهو أنه يشعر بأنها ليست على سجيتها هذا المساء ، كأن عقلها بمكان أخر ، توهم من حولها بأن كل شئ على ما يرام ، كأنها ليست حياء التى يعرفها
فقبل أن يعيد على مسامعها ما قاله ، سمعت صوت صالحة يناديها بشأن أمر هام ، فتركت مكانها لترى ماذا تريد منها ؟
بعد إبتعادها وعودتها لداخل المنزل ، سمع نادر صوت هاتفه ، فأخرجه من جيبه ، رآى ذلك الإسم الذى ينير الشاشة ، فإلتفتت عيناه تلقائياً تجاه ذلك الباب الفاصل بين البيت والحديقة ، ليتأكد من عدم مجئ أحد
فتح الهاتف وأزدرد لعابه قائلاً بصوت هامس :
– أيوة فى إيه
جاءه صوت على الطرف الآخر:
– أنت فين دلوقتى لازم نتقابل ضرورى
مسح نادر جبهته كأنها أصبحت متعرقة فجأة فغمغم قائلاً بصوت مرتجف :
– مش هينفع دلوقتى أنا فى بيت خطيبتى ومش هينفع أعتذر وأمشى نتقابل بكرة ماشى
– ماشى ميعادنا الساعة ٦ لو أتأخرت دقيقة مش هتعرف اللى هيجرالك يانادر
بعد تلك العبارة سمع صوت إنتهاء المكالمة ، فزفر براحة بأن الأمور سارت على ما يرام ، ولكنه عاد يفكر فى تلك المقابلة بالغد ، التى من المفترض أن يكون طرفاً بها
بعد أن دلفت حياء لداخل البيت ، وجدت صندوقاً كرتونياً بالحجم المتوسط ، مغلف بورق لامع باللون الأحمر ، ملصق به ورقة بيضاء صغيرة قرأت ما خط عليها بحبر أسود
” خاص للأنسة حياء ”
أسرعت فى فض تلك العلبة الكرتونية بفضول ، فوجدت بطاقة أخرى قرأت ما كتب عليها بخط عريض تلك المرة
” هيبقى أحلى عليكى من اللى أشتريتيهم ”
لاتعلم لما أنبأها حدسها بأن ما ستراه سيصعقها ، وهذا ما كان فرفعت ذلك الثوب القابع بالعلبة بأصابع أصابتها الرجفة ، فها هو ذلك الثوب الذى أمتنعت عن شراءه ، فألقته من يدها ترتد بخطواتها ، كأن جمرات حارقة أصابت أصابع يدها التى كانت ترفع بها الثوب أمام وجهها
رجفة قوية أحتلت جسدها بالكامل وهى مازالت تحدق بالثوب الملقى على الأرض ، فتعالت وتيرة أنفاسها ، فوضعت يدها على صدرها تستشعر صوت دقات قلبها التى تخبطت بين أضلعها
– مين اللى بعته ده ويقصد إيه
هذا أول سؤال تبادر إلى ذهنها لتطرحه على ذاتها ، لتجد إجابة ، فعيناها تجمعت بها العبرات ، تشعر بالخوف يكاد يشل أطرافها ، لم تخرج من تلك الحالة إلا بإقتراب مديحة منها ، فسألتها وهى تجيل ببصرها بالعلبة والثوب الملقى على الأرض
– إيه ده يا حياء
أنحنت مديحة والتقطت الثوب ترفعه أمام وجهها لتراه ، فأتسعت حدقتيها وهى معقبة :
– هو مش ده اللى مرضتيش تشتريه ايه اللى جابه هنا ومين اللى بعته ؟
أقتربت حياء من البطاقات فناولتها لها ، فقرأت مديحة فحواهما ، فلم تفقه شيئاً ، فمن أتته الجرأة لفعل ذلك ؟
لم يكن سوى شخص واحد هو من إرتسمت صورته بعقلها ، وأنه ربما هو من فعل ذلك من أجل رد إهانتها له ، فلو نهر من الماء لن يكون كافياً ليطفىء ذلك اللهيب من الغضب الذى جعل سريان الدم بخلايا جسدها يشتد حرارة كفوهة بركان على وشك أن يثور ، يغرق ماحوله بحممه البركانية
فراحت تدمدم بغضب وغيظ بصوت هامس:
– أكيد مفيش غيره دكتور راسل مفيش حد وقح غيره ممكن يعمل كده
لم تستمع مديحة لما تتمتم به حياء لنفسها ، فوجدتها تقترب تأخذ الثوب منها تضعه بالعلبة مرة أخرى ، وذهبت إلى المطبخ ، وأخذت علبة ثقاب ،وخرجت للحديقة ثانية تتبعها مديحة لمعرفة ماذا ستفعل ، فوجدتها تلقى العلبة على الأرض ،وتشعل عود ثقاب تلقى به على العلبة الكرتونية ، التى أشتعلت بملامسة اللهيب لأوراقها ، فظلت تحدق بالنيران التى سرعان ما ألتهمت العلبة والثوب
رأى نادر ذلك ترك مكانه وركض إليها يسألها باهتمام:
– إيه ده يا حياء اللى بتولعى فيه
– دى حاجة ملهاش لازمة فحبيت أولع فيها وأخلص منها
تراقصت ألسنة اللهب التى أنعكس ضوءها بمقلتيها ، وهى تتمنى بداخلها أن يكون راسل حاضراً ليحترق مثل الثوب ، فماذا تفعل معه لتجعله يكف عن إزعاجها ؟ ذلك الطبيب المتعجرف ، الذى غرس بنفسها نبتة الكراهية ، يسقيها بأفعاله المزعجة ، حتى باتت تكره وقع إسمه على أذنيها
_____________
وكزت إحدى الممرضات كتف رفيقتها ، لتجعلها تنتبه ، على مجئ تلك الشقراء ، التى كانت تسير بأروقة المشفى ، توزع إبتسامتها الخلابة ، على كل من تراه بطريقها ، يتفحصان مشيتها المدللة وثيابها الأنيقة ، التى لايرتديها سوى فتاة مدللة ثرية ، فوضعت تلك الممرضة العقاقير الطبية التى تحملها على السطح الرخامى بردهة الإستقبال
لتضع بعد ذلك يدها على وجنتها ترمق ميس بإعجاب ظاهر وهى تقول :
– هى البت دى بتأكل إيه علشان تبقى حلوة كده ولا هدومها دى بتجبها منين دى ولا البرنسيسات يا أختى
لوت الممرضة الأخرى شفتيها يميناً ويساراً وهى تقول بتهكم واضح :
– ماهى فعلا برنسيسة أنتى متعرفيش هى تبقى حفيدة مين
حركت الاخرى رأسها سلباً قائلة بفضول :
– حفيدة مين ها ؟ وعرفتيها منين ما تقولى بقى
– تبقى حفيدة رياض النعمانى بنت إبنه الوحيد اللى مات وإسمها بالكامل” ميس وجدى رياض النعمانى ” وأكيد يعنى أنتى عارفة مين رياض النعمانى ولا أنتى مش عايشة فى البلد دى ، وجبت كل حاجة من صفحتها على الفيس بوك
بعد أن قالت ما لديها ، عادت لتحدق بتلك التقارير الطبية التى بين يديها
فأجابت الأخرى قائلة بذهول :
– رياض النعمانى ! طب جاية تتدرب هنا ليه دا جدها يشتريلها بدل المستشفى عشرة
تبسمت الأخرى قائلة بمكر :
– أصل هوا المستشفى هنا عاجبها يا ستى هواها يرد الروح زى ما أنتى عارفة
تبسمت الاخرى كالبلهاء :
– اه قصدك على دكتور راسل ، كان غيرها أشطر دا هند الصاوى مش قادرة عليه ، بمعنى أصح مفيش واحدة قادرة على لوح التلج اللى بنشتغل عنده ده بس ….
قبل أن تفه بكلمة أخرى وكزتها صديقتها لتكف عن الكلام ، بعدما رأت راسل يقترب منهما ، فألجمت لسانها سريعاً ، فوقفتا الاثنتان بإحترام حتى مر راسل ذاهباً لغرفة مكتبه
فتنفستا الصعداء ، وأسرعت كل منهما لتباشر عملها ، خشية أن ينتبه أحد على ذلك الهراء الذى تفوهتا به
ولج راسل لمكتبه ، يغلق الباب خلفه ، فخلع سترته ليرتدى رداءه الطبى أمام تلك المرآة الموضوعة بأحد أركان غرفة مكتبه ، فرأى انعكاس صورتها أمامه ، فلم يشأ أن يفسد عليها مزحتها ، مثلما يفعل معها كل مرة
فأقتربت منه تصيح به لتفزعه ، لكن خاب أملها عندما رأته ثابتاً بوقفته بل أنه يعمل على تنسيق خصلات شعره ، فهتف بها بهدوء :
– مش هتبطلى شغل العيال بتاعك ده يا ميس
نفخت ميس بضيق وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها:
– مفيش مرة تسيبنى أخضك وأرعبك دايما تحبطنى كده
قرص وجنتها ممازحاً على غير العادة:
– هو أنتى عايزة بعد اللى شفته أتأثر بالخضة ، دا تقريباً مشاعرى كلها ماتت بس أوعدك المرة الجاية هعمل نفسى مخضوض
– وهتعملها إزاى دى بقى ؟
قالتها ميس وهى تتفرس بوجهه فى إنتظار أن يجيبها
– هقول هاااا كده يعنى
ضحكت ميس على قوله ، وخاصة تمثيله صوت شهقة الخوف ، فعندما حاول مد يده لثنى ياقة قميصه ، بادرت هى بفعل ذلك ، وبعد أن أنتهت مسحت على كتفيه ، كأن شيئاً كان عالقا بهما وأزاحته
فرمقته بتقييم وهى تمط شفتيها :
– أممم تمام كده أنت محتاج تشترى قمصان ألوانها فاتحة شوية ، الألوان الغامقة دى متناسبش دكتور حليوة زيك كده ما تيجى أعملك شوبينج ونروح لحلاق أحلق دقنك دى وأخليك واحد تانى خالص ، خسارة الحلاوة اللى أنت مداريها ورا الالوان الغامقة دى وورا دقنك دى مع أنها مخلياك قمر موت
أدارها بين ذراعيه يدفعها برفق لتتقدمه بالمسير :
– يلا بينا علشان ورانا عملية دلوقتى وبطلى كلامك الفاضى ده يا ميس
ألتفتت له ميس ثانية تحاول إقناعه :
– إسمع بس كلامى المرة دى مش هتندم دا انت يعنى لسه فى عز شبابك ولا علشان عندك ٣٥ سنة يبقى كده مفكر أنك خلاص هتعجز
أجابها قائلاً بنبرة آمرة :
– أنتى هتمشى قدامى ولا تروحى بيتكم أحسن مش فاضى لدلعك ده دلوقتى
أخذت الرداء الأبيض خاصتها لترتديه ، وهى تدمدم بشفتيها بغيظ ، حريصة على ألا يسمعها ، ولكن حركة شفتيها جعلته يتيقن من أنها ربما تعبر عن إستياءها منه
– بطلى برطمة علشان سامعك
وضعت ميس يدها على فمها ، دليلاً على إتباعها الصمت تنفيذاً لأمره
فبعد إنقضاء يوم العمل المرهق ، عاد لبيته وجد طفلته تجلس على ساق وفاء ، وولاء تفترش الأرض ، أمامها العديد من الصور الفوتوغرافية القديمة ، تشاهد الصورة تلو الأخرى ، تضحك على بعض المواقف الكوميدية التي تخبرها بها وفاء وقت إلتقاط الصورة
فألقى عليهن التحية ، وجلس بجانب والداته ،فتركت الصغيرة مجلسها ، لتجلس على ساق أبيها
مدت ولاء يدها بصورة لوفاء وهى تقول :
– إيه الصورة دى يا طنط وفاء
تعالت ضحكت قوية صادرة من وفاء وهى ترد قائلة :
– دى كانت يوم شم نسيم وراسل كان عنده ١٥ سنة فى اليوم ده أخدنا مركب فى البحر وراسل وقع فى المايه وهو بيبص على بنت كانت قاعدة فى مركب تانية
تبسم راسل على تلك الذكرى ، فمد يده يأخذ صورة أخرى خاصة بزفافها ، فناولها الصورة وهى يمازحها :
– دا أنتى كنتى يوم الفرح قمر منور يا ماما أنتى وبابا
أخذت الصورة من يده تطالعها بحنين وأنزلقت دمعة من إحدى عينيها فتبسمت وهى تقول :
– الله يرحمه كان دكان العطارة بتاعهم القديم قصاد البيت بتاعنا ، وكانت كل بنات الشارع عينها منه ، كنت عيلة بنت ١٧ سنة وكنت كل شوية أنزل أشترى منه حاجة ، لحد أبوة الحاج “محمود” الله يرحمهم جميعاً ما قفشنى مرة ونادانى وقالى أنتى يا بنت الحاج عوض قولى لأبوكى أن إحنا جايين نزوركم بكرة علشان نخطبك لأبنى صفى الدين بدل ما كل شوية تنسى حاجة ، وساعتها ضحك جامد وأنا كنت فى نص هدومى من الكسوف ومن حظى الحلو جدك عوض الله يرحمه ، كان واقف ورايا وسمع الكلام ، وعينك ما تشوف إلا النور
سألتها ولاء بفضول وحماس :
– حصل إيه يا طنط وفاء بعد كده
أهتز جسد وفاء من ضحكاتها التى لم تفلح فى كبتها :
– أبويا فى اليوم ده خلانى دخلت البيت من هنا وضربنى علقة محترمة وتانى يوم لما جه الحاج محمود وابنه دخلت قدمت الشربات وأنا مدارية عينى الوارمة وباصة فى الأرض خفت يخاف ويطفش وأنا مصدقت أنه جه
تعالت الضحكات على سرد وفاء مواقف الغرام خاصتها هى وزوجها الراحل ، حتى أنتبه راسل على تلك الصورة التى لا يعلم كيف جاءت لهنا ، فإبتسامته التى كانت تزين ثغره أختفت فجأة، وصارت سوداوتيه مظلمتان وأكفهرت ملامح وجهه ، عندما وقع بصره على صورة زفافه هو وصوفيا
أمعن النظر بتلك الصورة ،وهو مازال جالساً مكانه ، كأنه يخشى أن يمد يده ليلتقطها ، ويرى بوضوح سيمات الغرام التى كانت مرتسمة على وجهه ، وهو يحتضن قوامها الرشيق بذراع صلب ، كأنه كان يخشى عليها أن يمسها الهواء بسوء ، وهى واضعة رأسها على كتفه ويدها على صدره ، يتذكر ملمسها الذى يشبه ملمس الحيات الناعم ، فتبسم بحزن على ظنه بذلك الوقت أنه ربح ورقة اليناصيب ، وأن تلك المرأة هى من ملكت قلبه دون نساء حواء
صيحة سجود الضاحكة ، هى من جعلته يكف عن التحديق بتلك الصورة ، فكأن الصغيرة أنتبهت هى الاخرى عليها، فتركت ساقه وألتقطتها من على الأرض بعد رؤيتها أبيها يتصدر تلك الصورة
فلوحت بها أمام وجهه وهى تقول :
– بابى أنت أهو ودى عروسة مين دى يا بابى وسجود فين
ساد الصمت على الجالسين ، وخاصة بعدما عادت تلح سجود على أن تعلم من تكون تلك المرأة التى شبهتها بلفظ ” العروسة ” يكتنف سؤالها الطفولى سؤالها اللطيف عن سبب عدم وجودها بالصورة
فأدركت وفاء غلطتها فى أنها مازالت تحتفظ بصور زفافه ، وهو من حرص على أن لايرى شيئاً يذكره بزوجته
فألتفطت الصورة من يد الصغيرة وهى تقول بتوتر :
– سجود حبيبتى يلا تعالى علشان عملتلك الأكل اللى بتحبيه أنتى وبابا ، وهجبلك الصور بتاعتك أنتى نتفرج عليها
أخذت وفاء سجود ، تضع الصورة بجيب رداءها البيتى ، ذاهبة للمطبخ لتنبيه الخادمة بشأن تحضير العشاء
وضع راسل رأسه بين يديه ، ولكن ربما أصابته الغرابة قليلاً من عدم ثورته من رؤية شئ يخص صوفيا ،كأن شئ بداخله رفض تلك الثورة التى سرعان ما تندلع تعبر عن غضبه
ولكن لفت إنتباهه تفتيش ولاء بالصور كأنها تبحث عن شئ بعينه ، فسألها متعجباً :
– أنتى بتدورى على إيه يا ولاء عمالة تقلبى فى الصور كلها زى ما تكونى بتدورى على حاجة معينة
رفعت ولاء رأسها تجيبه بغرابة :
– عمالة أدور على صورة لماما وهى صغيرة فى الصور دى مش لاقية مع ان بحكم صداقة ماما وطنط وفاء من صغرهم أكيد يعنى كانت معاها وحاضرة فرحها أو ليهم صورة وهم صغيرين بس مش لاقية حاجة ، الصور الوحيدة اللى لقيتها صورتها ومعاها أشجان أختى وأنت كنت معاهم فى الصورة
حركة بؤبؤ عينيه غير المستقر ، جعل القلق يتسرب إليها ، كأنه يبحث عن شئ ضائع ، إلا أنها وجدته يبتسم لها قائلاً بهدوء :
– جايز يكون ليها صورة تانية وماما عيناها أو ممكن تكون ضاعت أنا هطلع أغير هدومى علشان نتعشى
تركها راسل يصعد الدرج ، وعلى الرغم من أن إجابته لم تحمل لها ذلك الشك الذى إستشعرته من قول وفاء ذلك اليوم بالمتجر ، إلا أن قلقها ربما تضاعف الآن ، وعقلها أصابه الحيرة ، فحتى بالأيام الفائتة حاولت أن تعلم شئ من أمها عن ماضيها ، مستخدمة حنكتها فى أن تضفى على أسئلتها لها طابع التندر والفكاهة بأن تقص عليها نوادرها مع وفاء بصغرهما ، فلم تخبرها بشئ جديد لا تعلمه ، فكل ما قالته تعلمه هى منذ صغرها ، بأن وفاء رفيقة طفولتها وأيام صغرها وصباها وحتى الآن
_______________
فى إحدى البنايات السكنية بأحد أحياء الإسكندرية ، وبشقة بالطابق الثالث ، تصدر أصوات موسيقى عالية ، كأن حفل صاخب يقام بالداخل ، فالسيدة التى تقطن بتلك الشقة ، من المفترض أنها تحتفل بيوم مولدها ، الذى ربما تحتفل به مرتين بالإسبوع ، وتفعل ذلك حتى لا تثار الشكوك حول مجئ كل هؤلاء الرجال والنسوة لشقتها
فعلى مائدة مستديرة خاصة بلعبة الميسر ” القمار ” ، يلتف حولها عدة رجال ونساء ، تتعالى أصوات الضحكات الخليعة ، والهواء معبأ بدخان السجائر التى تحوى مواد مخدرة ، ومائدة مجهزة بالكامل بأطباق الحلوى وقوالب الكيك ، تحسباً لمجئ أحد من رجال الشرطة
ألقى حسان الورق من يده وهو يبتسم قائلاً بزهو :
– فور آس أكسب يا حلوين
تعالت الصيحات المحتجة من فوزه الدائم منذ بداية اللعب الليلة ، فصاح رجل أخر به :
– أنت شكلك بتسرقنا يا حسان دى تالت مرة تكسب فيها أنت شكلك بتغش فى اللعب
نفث حسان دخان سيجارته بعدم إكتراث قائلاً ببرود :
– هو لما تخسروا تقولوا أن أنا بغشكم ثم اللى مش قد اللعب مع حسان ميلعبش يا حلوين والصراحة بقى زهقت منكم النهاردة ومش مكمل لعب
ترك حسان المائدة ، بعدما لملم النقود يضعها بجيبه ، وأقترب من قنينة خمر ، يحتسى منها مباشرة ، فأقتربت منه تلك المرأة تضع يدها على كتفه ، فإستدار إليها قائلاً بإمتعاض :
– ما تنقى الزباين اللى بتيجى هنا يا سونيا بلاش العرر دول
وضعت سونيا السيجارة التى تحملها بين اصابعها بفم حسان وهى تقول :
– ماهم دول اللى هتعرف تضحك عليهم يا حسان وتعرف تقلبهم فى القرشين اللى بييجوا يلعبوا بيهم بس متنساش يا روحى كله بالنص يا عنيا
نفث حسان الدخان تلك المرة بوجهها يلوى فمه هازئاً :
– ما أنتى يا روحى مقلبانى أول بأول وبخرج من هنا أبيض يا ورد وبضطر أروح لإسعاد علشان أجيب منها قرشين أمشى حالى بيهم ، تصدقى فكرتينى عايز أروح أجيب منها فلوس الشهر ده سلام
خرج حسان من الشقة ، عازماً على الذهاب لزوجته إسعاد ، فأشار لعربة أجرة توقفت بجانبه ، فأستقلها يخبر السائق بالعنوان الذى يريد منه إيصاله إليه
لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً ، ليصل حسان للمنزل ، فوضع سبابته على جرس الباب ، حتى فتحت إسعاد الباب ، فتبسم لها يميل إليها قائلاً بسماجة :
– مساء الخيرات على الست إسعاد
تنحت إسعاد بجسدها قليلاً للخلف ، مشمئزة من تلك الروائح التى تفوح منه تثير الغثيان ، فولج حسان يغلق الباب خلفه
فتلفت يميناً ويساراً وهو يقول :
– هى البت ولاء هنا ولا فين
أجابته إسعاد بجفاء :
– ولاء عند صاحبتى وفاء لسه مجاتش عايز منها إيه
كأنه تذكر فجأة أنه والداها ، فحاول أن يتحدث بصرامة وهو يصيح :
– وليه تفضل عندها لدلوقتى أنتى ناسية أن وفاء عندها راجل وعيب كده تفضل هناك
لم تفلح إسعاد فى كتم ضحكة السخرية الحزينة فقالت :
– غريبة أنت اللى بتتكلم عن العيب يا حسان ، ثم أنت مش عارف أن بنتك أصلاً متحلش ليه ، وهو بيعاملها زى أخته ولولا لطف ربنا بينا ثم وقفة وفاء و راسل معانا كان زمانى أنا وبنتى ضايعين دلوقتى
فزفرت بضيق معقبة :
– وسيبك من ولاء يا حسان وأبعد عنها كفاية اللى راحت أبوس إيدك أبعد عن دى مش عيزاها تحصل أختها وأقعد بحسرتى عليهم هم الاتنين
– بكام
قالها حسان ، وهو يجلس على المقعد بأريحية ، يرمقها بتعبير الشر المحتدم على وجهه
لطمت خديها من يأسها وهى تجيبه بصوت عالى :
– حرام عليك بقى أنت واخد فلوسى أول بأول أعمل إيه تانى أرحمنى بقى يا أخى ربنا يرحمك منك لله منك لله
أنتفض حسان من مقعده ، بعد رؤيته أنها تلك المرة تجرأت عليه بالقول ، وهى من كانت خاضعة وخانعة له دائماً ، فأقترب منها يقبض على ذراعها تكاد تنفذ أصابعه لعظامها
فهز جسدها بعنف وهو يزمجر بشر :
– الله الله ولا وطلعلك صوت يا إسعاد وبقيتى بتبجحى فيا كمان نسيتى نفسك ولا إيه ، دا أنا أوديكى فى ستين داهية وأوصلك لحبل المشنقة ولا نسيتى القتيل يا إسعاد ولا أقول يا نبيلة …..
_____________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)