روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم سماح نجيب

موقع كتابك في سطور

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثالث والأربعون

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الثالث والأربعون

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الثالثة والأربعون

أفترشا الأرض وأسند راسل ظهره للسور ، تتصاعد رأسها وتهبط ، تزامناً مع صعود وهبوط صدره ، وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة ، جراء وقوفه أمامها ليتلقى جسدها بين ذراعيه ، ويحول بين سقوطها من على السور ، فإختلال توازنهما سوياً كان ولا شك سيودى بحياتهما معاً ، فهى بإمكانها سماع دقات قلبه النابضة بخوف شديد ، وهى واضعة رأسها على صدره مستكينة وعيناها تتساقط منها الدموع ، فكلما تتذكر ما حدث معهما منذ برهة ، تعود وتقبض بيديها على كتفيه ، كأنها تريد التأكد من أنه مازال هنا وأنهما مازالا على قيد الحياة ، بعد ما كادا يسقطان بالحديقة ، فلو كان حدث هذا ، كانا سيلقيان حتفهما على الفور ، فالمسافة بين الأرض والسطح بعيدة وتقدر بعدة أمتار ليست بالقليلة
سالت دموعها على عنقه وهى دافنة وجهها بتجويفه ، فقالت وصوتها مازال يرتعش بخوف :
– ليه كده يا راسل ، معقولة كنا هنموت إحنا الاتنين دلوقتى
فصيحتها المنادية بإسمه ، لم تكن سوى صرخة خوف وهى ترى ظهره منحنى على السور ، تزيد هى من إحتمال سقوطه ، وهو متشبث بها بين ساعديه ، إلا أنها أسرعت بالابتعاد لتخفف من ضغطها على جسده ، فالله أنقذهما إذ كان السور بالإرتفاع المناسب ، الذى مكن راسل من إنقاذها وإنقاذ نفسه ، فإحتمال سقوطه كان وشيكاً نظراً لطوله الفارع
أغمض عينيه بإرهاق قائلاً بخفوت :
– الحمد لله أنها عدت على خير
أنتظر ريثما إستعادت هدوءها ، فحدق بها بتعبير مبهم ، وخشيت هى أن تمعن النظر بوجهه ، فكيف وصلا إلى تلك الحالة ؟
فقال وهو يحل أزرار قميصه الأولى ، كأنه يشعر بالإختناق :
– يعنى فضلتى تستفزينى يا حياء وتعملى عمايلك دى لحد ما قربتى تجننينى وخلتينى فقدت أعصابى بس لو بتفكرى أن كان ممكن أذيكى بحاجة زى دى تبقى غلطانة
ردت نظرته لها وهى تقول بصوت جاف :
– كنت بتحاول تخوفنى مش كده علشان تبينلى أنك تقدر تأذينى فى الوقت اللى أنت عايزه يا راسل ، بس كده كان ممكن تموتنى
قبض على كتفيها وأبعدها عنه بجفاء ، فهو ممتعض من نفسه ومنها ومن كل ما يحيط به ، فأنفاسه صارت تسبب له الضيق ، فما بال رؤيته لنظراتها التى أشبعته إتهاماً بأنه كان قاصداً بث الرعب بنفسها ، ولكن ليست تلك الحقيقة ، فهو كان يحسب حساباً لكل فعل يصدر منه بحقها ، وهو ليس معتوهاً ليجعلها تلقى حتفها هكذا ، فإن كان جعلها تظن ذلك ، فهو كان على علم ودراية بأنه قادراً على إنقاذها قبل أن يمسها سوء ولكن ربما أخطأ بتقدير طوله وأرتفاع السور ، لذلك كان من المحتمل أن يسقطا سوياً
عبس راسل بوجهها وقال بإنفعال :
– لو اللى بتفكرى فيه ده صح ، كنت أنا كمان هقع معاكى يعنى مكنتيش هتموتى لوحدك ، وإحتمال كنت مت قبل منك وياريت ده كان حصل خلينى أخلص من حياتى اللى خلاص زهقت منها
ترك مكانه ونفض ثيابه من الأتربة العالقة بها ، وتركها جالسة مكانها وهبط الدرج مهرولاً حتى وصل للحديقة ، رأى إبنته تركض هنا وهناك خلف هرة صغيرة ، إبتاعها لها بعد إلحاحها الشديد
فجلس أسفل إحدى الشجيرات ، وأسند ظهره ورأسه لها ، فأغمض عينيه يلعن نفسه مراراً وتكراراً على تفكيره وعلى تلك الحالة من الضعف التى سكنته
فلما يصر على تعذيب نفسه هكذا ؟
أفمن أجل قلبه وذلك الشعور النابض به ، صار يلتمس لها العذر تلو الآخر ، فتارة عصبى وتارة يحاول ممارسة الهدوء ، وهى بكلتا الحالتين أفعالها لا تفى بالغرض المطلوب منها ، من أن تحاول إعطاءه الجواب الذى يريح قلبه وعقله ، ولكنها صارت متمكنة من تعذيبه ، بل تجعله يرقص على ألحانها ، فما عليها سوى إظهار وداعتها وتذرف بندقيتها الدموع ، ويجد قلبه ينشق لنصفين لمجرد بكاءها ، ولكن إلى متى سيظل ضعيفاً قبالتها ؟ فحتماً لو إستمرت بأفعالها تلك ، سيأتى الوقت ويتهدم كل شئ بينهما ، ولن يكون الإكتفاء بجلب زوجة أخرى ، بل ربما سيصير الفراق حتمياً
شعر بثقل على ساقيه ، ففتح عيناه على الفور ، ووجد صغيرته تطالعه بزرقاوتيها الوديعة وهى تبتسم إبتسامة صافية من شأنها أن تنسيه همومه ولو مؤقتاً
رفع كف يده العرض ، ووضع خصيلاتها الناعمة المنسدلة حول وجهها خلف أذنها ، فقبل وجنتها المكتنزة والمشربة بحمرة حفيفة ، تضفى عليها رونقاً خلاباً كقطعة الحلوى
رفعت سجود يديها ورمقت والدها بحب وناولته تلك الزهرة البيضاء ، التى قامت بقطفها من الحديقة ، وهى تقول بشغب طفولى محبب لنفسه العاشقة لها :
– بابى الوردة دى إسمها سجود مامى قالتلى كده
بعد ذكرها لحياء ،أختفت إبتسامته التى كانت تزين محياه منبسط الأسارير بعد تلك اللحظات التى كانت أشبه بالمحنة
فعاد وإبتسم بدون مرح قائلاً :
– أه يا روحى أنتى أحلى من الوردة وأنتى وردة بابى ودنيتى كلها
– هى بس
هاتان الكلمتان الصادرتان من إيلين وصلت لمسامعه وجعلته يحيد بناظريه عن وجه إبنته ، ليمنح تلك المتحدثة إنتباهه على قولها
فبعد جلوسها بجوارهما ، رأت إيلين كيف كان جالساً يضم صغيرته كأنها جوهرة نفيسة أو كنز ثمين ، فبتلك المدة القصيرة التى عاشتها هنا ، إستطاعت معرفة قوة تلك الرابطة بينه وبين صغيرته ، ومتعجبة قليلاً من أنه شغوفاً بحب إبنته على الرغم مما حدث من والدتها الحقيقية بحقه ، عندما أخبرها بشأن زيجته الأولى
داعبت وجنة سجود التى إبتسمت لها وسرعان ما أخفت وجهها بصدر أبيها لشعورها بالخجل ، فإبتسمت إيلين بدورها وهى تقول بصوتها الناعم الرقيق:
– عسولة أوى سجود واللى عنده بنت زيها مظنش أنه يفضل زعلان ومكشر ومهموم كده على طول ، كفاية أنك تبص فى وشها الجميل ده وتنسى كل مشاكلك
ضم صغيرته إليه أكثر ، فهى محقة بشأن كل ما قالته ، ولكن قلبه مقسوم لشطرين أحدهما خاص بصغيرته والأخر خاص بمعشوقته العنيدة ، والتى لن تهدأ وتكف عن أفعالها ، إلا إذا صارا كندين متواجهان بحرب ضارية وربما تنتهى بنهاية أحدهما
قبلة رقيقة ومحبة وضعها على رأس صغيرته ، التى يبدو أنها تتهيأ للنعاس ، وعلم ذلك من كونها كفت عن حركتها المفرطة ، وأسندت رأسها لصدره بوداعة ولا تثرثر أو تحاول جذب إنتباهه مثلما تفعل
فناداها همساً :
– سيجو أنتى هتنامى يا روحى
حركت الصغيرة رأسها بالإيجاب ، فقالت إيلين وهى تمد يديها لحملها :
– أنا هوديها أوضتها علشان تنام
ما كادت إيلين تضع يديها على الصغيرة ، حتى وجدت يدان تمسكان بمعصميها بقوة وحزم ، فنظرت إيلين بجانبها وجدت حياء منحنية إليها ، تناظرها بعداء سافر ، تراه بعيناها لأول مرة منذ مقابلتهما
كزت حياء على أسنانها وقالت بتحذير وتحدى :
– متحاوليش تقربى من بنتى تانى مفهوم ، كفاية هسيبهولك هو متبقيش طماعة بزيادة
نفضت حياء يد إيلين ، ومازال راسل ينظر لها بتعجب ودهشة من هجومها الغير مبرر إلا تحت بند الغيرة ، فإن كانت تغار هكذا فلما تترك الأمور تأخذ ذلك المنحنى الخطر
فأخذ راسل دوره من حدة حديثها ، حيث نظرت إليه وكأنه تأنبه على سرعة إيجاده من تأخذ دورها بحياته وحياة صغيرته ، فهتفت به بسخرية مبطنة :
– أنا لسه موجودة هنا وطالما أنا موجودة محدش يهتم ببنتى غيرى يا دكتور ماشى
حملت الصغيرة من بين ذراعيه ، ولفت سجود ذراعيها حول عنق حياء ووضعت رأسها على كتفها ، فزادت من ضم الصغيرة لها ، كأنها ترسل لهما رسالة بليغة من أنها هى فقط ، من رآت بها سجود صورة والدتها التى كانت تنتظرها دوماً ، حتى وإن كانت الصغيرة لا تعى كون حياء زوجة أبيها وليست هى من أنجبتها ، ولكن يكفى حياء أنها قطعة من زوجها الحبيب ، والذى تعلم أنه وصل لأقصى درجات الغضب من أفعالها ، ولكنها مجبرة على ما تفعله ، فلو كان الأمر سهلاً لكانت أخبرته بكل شئ ، ولكن كل شئ سيتهدم إذا علم راسل خاصة وأنه عصبى المزاج ، بل يعانى من عصبية مفرطة قادرة على جعل الأمور أسوء
____________
لم يكن تلك المرة متشدداً برأيه أن يمكث بالغرفة المنفصلة بالحديقة ، بل وافق على عرض خالته ، عندما أقترحت عليه أن يقيم بإحدى الغرف بالطابق الثانى من المنزل ، فأولاً وأخيراً هى خالته وإبنتها مازالت زوجته حتى الآن ، لذلك صعد للغرفة بدون أن ينبس ببنت شفة ، فولج للداخل ودارت عيناه بأرجاء الغرفة كافة ، فمساحتها الفسيحة ربما تعادل مساحة شقته بذاك الحى الفقير ، وآثاثها الفاخر ربما لن يستطيع شراءه إلا بعد عمله بكد لمدة سنوات
فكل تلك الدلائل والظواهر تثبت له مدى الفرق الشاسع بينه وبينها ، وكأن ألف جدار بينه وبينها وليس جدار واحد كالذى يفصل بين الغرفتين
طرقت الخادمة الباب وهى تحمل له الطعام ، الذى أوصتها به سيدة المنزل الأولى ، ففتح كرم الباب متسائلاً بتهذيب :
– إيه ده
تبسمت الخادمة وهى تقول بإحترام :
– حضرتك ده أكل الهانم الكبيرة قالتلى أجبهولك علشان لو حبيت تتعشى قبل ما تنام
أراد الرفض بالبداية ، إلا أنه شعر بالحرج من رد الخادمة بما تحمله من طياب الأكل ، فدعاها للدخول ، ووضعت الصينية على المنضدة وخرجت بعد أن سألته إذا كان يريد منها شيئاً أخر قبل ذهابها ، وأجابها بأنه لا يريد سوى بعض أقراص الدواء ، لعل الصداع الذى ألم برأسه يهدأ قليلاً ، فأخبرته أن بأحد الجوارير يمكن أن يجد ما يريده
ضغط على جانبى رأسه قائلاً بألم :
– أه يا دماغى ، ايه الصداع ده دماغى هتنفجر
فتش بالمكان المخصص لوضع الأقراص ، ووجد ما يريده ، فتناول الدواء وولج للمرحاض ووضع رأسه أسفل صنبور الماء ، لم يشعر بما يفعل إلا بعدما إبتل رأسه وتساقطت الماء على ثيابه ، فتناول منشفة وجفف رأسه وخرج من المرحاض
– يا الله هدومى أتبلت وانا أساساً مش معايا هدوم
قالها بسخط وهو يخلع عنه قميصه ، وألقاه على المقعد حتى يجف
جلس أمام الصينية ونظر للطعام عدة ثوانى ، فبدأ بتناوله ببطئ وهو يفكر بوضعه الحالى ، وعندما شعر بالإكتفاء من الطعام والتفكير خرج للشرفة، بعدما أرتدى قميصه الذى مازال رطباً من الماء ، ولكن هذا أفضل من أن يخرج بجزعه عارياً وهو ليس بمنزله
إسند ذراعيه على السور وأنحنى بجزعه العلوى ينظر للأشجار بالحديقة تارة ، وينظر للسماء تارة أخرى ، إلا أنه أسترعى إنتباهه صوت حركة بالغرفة المجاورة ، فالغرفتان متصلتان بشرفة واحدة
فسار بخطوات وئيدة حتى وصل لباب الشرفة الأخر المفتوح على مصراعيه ، ولم يكن يعلم أن تلك الغرفة تخص هند ، فوقف بجانب أحد شقى الباب الزجاجى ونظر بداخل الغرفة ، وجد زوجته تخرج من غرفة الثياب ترتدى ثياب النوم خاصتها والتى لم تكن سوى ثوب أسود قصير ورداء من اللون نفسه
فإن كان سبق ورآها بثياب مماثلة ، إلا أن تلك المرة كأنها تختلف عن سابقيها ، ولا يعلم مصدر تلك الحرارة التى غزت وجهه فجأة ، فرفع يده ومسح وجهه وكأن جبينه صار متعرقاً بغزارة
أرتطمت يده بزجاج الباب ، فأنتبهت هى على الصوت قبل أن تستلقى على الفراش ، فإستدارت للخلف وحدقت به وهى تضم حاجبيها بتعبير الدهشة ، عما يفعل هنا بهذا الوقت ؟
بادرت هى بسؤاله عن سبب وقوفه هكذا ، وهى تقترب منه :
– فى إيه وواقف هنا ليه كده فى حاجة ؟
حرك رأسه بعنف نافياً أنه يريد منها شئ ، وربما لم يفعل ذلك إلا لينفض عن رأسه تلك الأفكار التى تراود عقله ، بأن يراودها هى عن نفسها :
– لاء مش عايز حاجة يا هند أنا سمعت صوت ومكنتش أعرف أن دى أوضتك فأفتكرت أن فى حاجة
ردت قائلة وهى تشير بيدها لمدخل غرفة الثياب :
– أه دا فى مراية أنكسرت فى الدريسنج روم وجايز هو ده الصوت اللى وصلك سورى لو كنت قلقتك من النوم
تباً له ولكل ما أعتراه بتلك اللحظة ، فهل هو مراهقاً رآى صورة لممثلة جذابة ، فأراد الحصول عليها ؟ ولكنه ليس مراهق ، بل هو رجل بالغ وبإمكانه تفسير تلك العواطف التى عادت تزوره ثانية بشأنها
مسد بيده على خصيلاته الرطبة وهو يغمض عينيه :
– لاء مكنتش نمت كان عندى شوية صداع
أقتربت منه أكثر وسألته بإهتمام :
– عندك صداع ، ثوانى هجبلك برشام مسكن
قبل أن تبتعد ، تحدث قائلاً برفض :
– لاء أنا أخدت من شوية مسكن وشوية كده والصداع هيروح ، متقلقيش نفسك أنتى
أبتعد عن الباب وظن أنها ستعود لغرفتها ، ولكن وجدها تقطع المسافة الفاصلة بينهما ، ووقفت بجانبه عندما عاد مستنداً بكفيه على السور ، فأربكته برائحة عطرها ونعومة صوتها وهى تسأله بتوتر :
– هو أنت خلاص كلمت البنت اللى قولت أنك جاى علشان تخطبها ، أصل من ساعتها مشوفتكش ومعرفش حتى موضوع طلاقنا عملت فيه إيه
أماء برأسه دون محاولة منه أن يقول شيئاً ، فأزدردت لعابها وقالت بتوجس :
– وكان رأيها إيه ؟ أكيد وافقت لأن اللى تعرفك يا كرم تبقى محظوظة لو هى بقت مراتك
نظر إليها رافعاً حاجبه قائلاً بدهشة وسخرية :
– يا سلام ليه يعنى ، دا على أساس أن واحد محصلتش يعنى ولا فى منى إتنين فى البلد ، بس هى موافقتش بيا ولا حاجة وخصوصاً لما عرفت أن أنا متجوز
– على الأقل فى عينيا أنا ، أنت فعلاً مفيش منك إتنين يا كرم
قالت هند بصوت متهدج ، وأنتفض قلبها بصدرها ، أشبه بطائر تم ذبحه وتُرك يرفرف بجانحيه حتى الرمق الأخير
حط بكفه العريض على يدها ، التى وضعتها على السور ، فشعرت كأنه تم سحب الهواء من رئتيها ، وفتحت فمها الصغير لتطلق تلك النهدات الحارة العالقة بصدرها من بين شفتيها ، اللتان كانت تشعر بأنهما ستنزفان دماً من قضمها لهما بعدما قالت عبارتها
– معقولة للدرجة دى حبتينى يا هند
قال كرم متسائلاً ومتلهفاً لسماعها منه ثانية ، فالمرة الأولى لم يمهل نفسه الوقت الكافى ليستشعر صدق قولها ، ولكن تلك المرة سيتمعن بتفكيره فى الأمر ، فهو لن يستطيع أن يعاند قلبه أكثر من هذا ، وإن كانت حقاً تحبه وهو مازال مغرماً بها ، فسيحاول إعطاءها فرصة ثانية
أطرقت هند برأسها أرضاً وهى تقول بخفوت :
–أوى أوى يا كرم ، أنا كنت عمية عن أن أشوف معدنك الحقيقى وأنك أفضل مليون مرة من أى واحد من الوسط اللى أنا عايشة فيه ، بس الفترة اللى قعدتها معاك عرفت قد إيه أنت راجل بمعنى الكلمة ، على الرغم من الخناقات اللى كانت بتحصل بنا وكنا….
كادت تشعر بذوبان عظامها من شدة ذلك الشعور بالخجل ، والذى لا تعلم من أين جاءها بتلك اللحظة ؟ ولكن إستطاعت تفسير ذلك ، بتذكرها لتلك المشادات الكلامية بينهما والتى كانت تنتهى بعناق عاصف من جانبه
أبتعد عن السور وأخذ يديها بين كفيه قائلاً بحذر:
–لو أنتى فعلاً بتحبينى وهتكونى راضية تعيشى معايا فى المستوى اللى أنا عايش فيه ، وتستحملى ظروفى ، أنا حابب نكمل حياتنا مع بعض ، لكن لو حاسة أن ده مجرد زهوة أو نزوة وبعد كده ممكن تفوقى منها ، فلازم تاخدى وقتك وتفكرى علشان حتى أنتى متتعبيش فى حياتك معايا
إتسعت عيناها قليلاً وقالت بعدم إستيعاب :
– يعنى أنت سامحتنى حتى على الغلطة اللى حصلت يا كرم
أرادت معرفة صدق مسامحته لها ، فهى حتى الآن لم تخبره بشأن أنها مازالت فتاة عذراء ، وأن الأمر برمته تم بتدبير شيطانى وتم إيقاعها بفخ دنئ ، ولكنها وجدته يبادر بشأن مسامحتها على الرغم من جهله بحقيقة الأمر
إستنشق القدر الكافى من الهواء وعاد يزفره ببطئ ، للتخلص من توتره ، فإن شق عليه أن يقول ما لديه ، فلابد من أن يجعلها تفهم حقيقة وضعه وتفكيره بهذا الشأن خاصة
فأجابها بهدوء وروية :
– صدقينى يا هند مش من السهل أن أنسى الموضوع ، وخصوصاً أن لما تكون البنت اللى فضلت عمرى كله أحبها وأتمنتها ، يكون فى حد قبلى لمسها وبالطريقة دى ، فالحرب بين قلبى وعقلى مش هتهدا إلا لما أحاول أوزن الأمور كويس ، حتى لما رجعت وقولت هخطب واحدة تانية كنت عايز أهرب من كتر التفكير وبين رغبتى فى أن أسامحك أو أبعد عنك ، بس حتى دى فشلت فيها لما لاقيت البنت فهمت أن أنا لسه بحبك وواجهتنى بحقيقة الوضع اللى كنا هنبقى فيه لو الموضوع تم ، فعلشان كده هحاول أدى حياتنا مع بعض فرصة تانية ، ويمكن الأيام تقدر تنسينا المر اللى فات ، فهل أنتى موافقة على كلامى ؟ ولو موافقة هنستنى باباكى يخرج من المستشفى بالسلامة وهطلب منه أنك تسافرى معايا الأقصر وتكونى برضه أخدتى وقتك فى التفكير
سكتت هند لهنيهة قبل أن تهز رأسها بدليل الموافقة ، فإن كان راغباً فى إكمال حياتهما الزوجية سوياً بدون علمه بحقيقة أمرها ، فهى ستجعله يكتشف الأمر بنفسه ، فإبتسمت لا إرادياً عندما طاف بمخيلتها كيف ستكون ردة فعله حينها ؟
وجدها تشد بأناملها على يديه التى تحتضن كفيها ، ووجد إبتسامة هادئة تزين محياها ، ولا يعلم علام هى تبتسم ؟ فأرادت زيادة حيرته وأن تربكه أكثر ، بأن سحبت يديها من بين كفيه ووضعتهما على كتفيه ، كأنها شعلة من نار كادت تحرق جلده من أسفل قميصه بدون رحمة ، فقبل أن يطاوع وساوسه بأن يعانقها فر هارباً لغرفته ، ورآى أنه من الأفضل أن ينتظر حتى تكون معه وبمكانهما الخاص ، وليس أن يتمم زواجه منها هنا ببيت أبيها فالوقت والمكان ليسا ملائمان حسب معتقده
____________
بحثت عن الصغيرة بغرفتها وبكل الغرف ، التى يمكن أن تتواجد بها ،ولكنها لم تعثر لها على أثر ، فكرت بالذهاب لغرفة راسل فربما هى هناك الآن ، فخرجت من غرفتها وسارت بالممر المؤدى لتلك الغرفة الفارهة التى يقيم بها راسل ، ولكن بوصولها أمام الباب خشيت أن تطرقه وتراه يخرج إليها
كلما رفعت يدها وتقترب بها من الباب تعود وتسحبها سريعاً ، ففكرت أن تعيد أدراجها لغرفتها وأن الصغيرة لابد لها من أن تعود إليها
– لاء يا راسل بس بقى
أخترقت تلك الجملة مسامعها مع صوت ضحكات عالية ، فذلك الصوت هو صوت إيلين
قبل أن تبتعد خطوة ، أنفتح باب غرفة راسل ورآت إيلين تخرج راكضة وهى تضحك ، فأصطدمت بها وكادت تسقطها أرضاً لولا حفاظها على توازنها بأن تشبثت بجانب الدرج
أبتعدت عنها إيلين وهى تعتذر بصوتها الناعم :
– أوه سورى أسفة مشوفتكيش
– أنتوا كنتوا بتعملوا إيه جوا ؟ وإيه اللى دخلك أوضة راسل أساساً
تساءلت حياء وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها ، كأنها تحكم سيطرتها عليهما قبل أن تعمل على جذب شعر إيلين ، وعيناها تبحث عنه ، فهو لم يكلف نفسه عناء أن يخرج إليهما ويعلم ما يدور بينهما أمام غرفته
ردت إيلين وهى تطوف بعيناها على محيا حياء :
– والله أنا حرة ثم دى هتبقى أوضتى أنا وراسل يعنى أدخل أخرج ملكيش فيه
فكت حياء عقدة ذراعيها وقبضت على ذراعى إيلين بقسوة وهى تصيح بوجهها :
– هو إيه اللى مليش فيه ، ده جوزى فاهمة يعنى إيه جوزى
دفعتها إيلين عنها فذراعيها بدأتا تؤلمانها من غرز حياء لأضافرها بلحمها فصرخت بوجهها هى الأخرى:
– وهيبقى جوزى أنا كمان ومتنسيش أن أنا أصلاً أول حب فى حياته مسمعتيش عن جملة وما الحب إلا للحبيب الاول
تبسمت حياء قائلة بسخرية :
– بس مش هتقدرى تخليه يحبك زى ما بيحبنى أنسى يا إيلين
ألتوى ثغر إيلين بإبتسامة جانبية فأحنت رأسها وأقتربت من أذن حياء قائلة بهمس :
– ولما هو بيحبك أوى كده رافض يقرب منك ليه متفتكريش أن معرفتش أنك روحتيله أوضته وحاولتى تخليه يسامحك وفشلتى وخرجتى زى ما دخلتى
خرج راسل من الغرفة قبل أن تهم حياء بالرد عليها ، فناولها هاتفها وهو يقول باسماً:
– نسيتى تليفونك يا مجنونة جوا وفى حد بيرن عليكى
ضحكت إيلين وهى تقول برقة :
– ميرسى يا حبيبى هنزل بقى أجبلك القهوة بتاعتك
أخذت الهاتف ووضعته بجيب بنطالها وهبطت الدرج ، تابعها بإبتسامة وهى تهبط الدرج ، فتعمد ألا ينظر لحياء ، ولكن عندما أراد العودة لغرفته ، قبضت حياء على مرفقه وجعلته يقف مكانه
فنظر ليدها الممسكة بذراعه وسرعان ما حدق بوجهها وأنتظر أن تقول ما لديها ، فأختلج صوتها وهى تقول بصعوبة :
– أنتوا خلاص هتتجوزوا الأسبوع الجاى
أماء راسل برأسه قائلاً ببرود:
– أظن أنك عرفتى ميعاد الفرح مش أنتى اللى هتنظمى حفلة الجواز زى ما عملتى حفلة الخطوبة ؟
أشارت حياء لنفسها وهى تقول بصدمة :
– أنا ! عايزنى كمان أنظملكم حفلة الجواز
وضع يديه بجيبى سرواله البيتى وهو يقول بتهكم:
– وفيها إيه مش هتاخدى فلوس قصاد كده ومتخافيش المرة دى هديكى فلوس أكتر من اللى أخدتيها المرة اللى فاتت ، دلوقتى بقى عندى فلوس متتعدش، وأكيد مش هبخل على حفل جوازى اللى أكيد هيكون أسطورى ، طالما العريس والعروسة من عيلة النعمانى ، يعنى كمان هحقق أمنية والدى اللى كان دايما فى كل مرة أتجوز فيها يقولى إزاى تتجوز واحدة مش من عيلتك ، فأكيد المرة دى هيكون مبسوط ، وزى ما بيقولوا التالتة تابتة
عادت تعقد ذراعيها بإحكام كحركة دفاعية ، حتى لا تجد نفسها تقبض بيديها على عنقه ، فهى تعلم أن كل ما يفعله ويقوله ، لا يريد به سوى أن يزيد من نيران غيرتها والشعور بفداحة أفعالها
فإبتسمت قائلة بسخافة :
– يا سلام حسيت فجأة كده بأنك الإبن البار واللى عايز ينفذ رغبة باباه ، قلبك حنين أوى يا دكتور ، دا على أساس أن أنا معرفش اللى فيها وأن ده….
رفعت يدها تشير لكتفها الأيمن وعادت تكمل حديثها :
– ياما حطيت رأسك عليه وأنت بتشكيلى من وجعك واللى حصلك ، وإن علاقتك أنت وباباك أنا عارفة حقيقتها ، شوف واحدة تانية تضحك عليها بكلامك ده يا راسل ، لأن زى ما قولتلك أنا الوحيدة اللى أنت كنت قدامها زى الكتاب المفتوح ، كنت بتبقى زى البيبى اللى فى حضن مامته وبيحكلها عن كل اللى مضايقه وواجعه وميرتحش إلا لما هى تهديه وتطمنه أنها جمبه
إستند بكتفه على إطار الباب ورمقها بنظرة باردة وهو يقول بسخرية :
– ماهو أنا لقيت دلوقتى واحدة تانية يا روحى وهحط رأسى على كتفها وأشكيلها همى ، وهى مش هتقصر فى واجبها بأنها تهون عليا ، وأديكى شايفة من ساعة إيلين ما رجعت وأنا أحوالى أتغيرت ، وواحدة بجمالها أظن مش هتلاقى عقبة فى أنها تنسى جوزها نفسه مش بس همومه
نظرت إليه ملياً ، فهى لم تكن عمياء حتى لا تلاحظ التغيير الجذرى الذى حدث بمظهره ، من طلة جذابة أكثر شبابية عن ذى قبل ، ولم يقتصر التغيير على مظهره فقط ، بل وأنه يحاول الآن جعل إيلين البديلة لها ، فكل غدوة وروحة تكون هى برفقته ، بل وأنه يبدو عليه أنه أكثر إستمتاعاً بممارسة الرياضة وتمارين الإسترخاء ، التى ربما ساهمت بأن يعود لما كان عليه من صفات البرود واللامبالاة مثلما كان أول مرة قابلته بها ، كأنه عاد راسل القديم ، ذو الشخصية الباردة والغير مكترثة
فبإتيانه على ذكر حُسن وجمال إيلين ، أيقنت أن أبواب الجحيم على وشك أن تفتح بوجهها، فلم ترد جواباً على ما قاله ، بل جل ما فعلته أنها دبت الأرض بغيظ وعادت لغرفتها
ولجت الغرفة وسمعت رنين هاتفها ، ففتحت الهاتف وهى تصرخ دون أن تعى قولها :
– سيبووونى فى حالى بقى أنا حياتى باظت هيحصل إيه تاااانى
لم تمنح المتصل فرصة للرد ، إذ أغلقت الهاتف وألقته من يدها ، فخرجت من غرفتها لتبحث عن والد زوجها ، حتى وجدته بغرفة المعيشة يتحدث مع أحد رجاله ، فبرؤيته لها صرف الحارس وجعله يغلق الباب خلفه
وما كاد الباب يُغلق حتى وجد حياء تدور حول نفسها بجنون وهى تبكى وتصرخ بأن واحدٍ :
– إحنا لازم نشوف حل للى بيحصل ده أنا خلاص أعصابى مش مستحملة أكتر من كده ، دا هيتجوز عليا الأسبوع الجاى
نقر رياض الأرض بعصاه ، فرد قائلاً بهدوء ورصانة :
– إهدى يا حياء راسل لا هيتجوز الأسبوع الجاى ولا هيتجوز عليكى
أرتمت على أحد المقاعد ووضعت وجهها بين كفيها وصوت شهقاتها تعلو أكثر فأكثر ، فقالت بنحيب :
– دا مصمم وكمان عايزنى أحضرله حفلة الجواز ، دا عايز يموتنى بالبطئ ، أنا مش قادرة أستمر فى اللعبة دى أكتر من كده
– تحبى نقوله ونعرفه كل حاجة
قالها رياض بصوته الرصين ، وأنتظر إجابتها على إقتراحه
فرفعت وجهها عن يديها وقالت بفزع :
– لاء لاء راسل لو عرف مش هيسكت وراسل عصبى يعنى كل حاجة هتتهد ، أنا لما حكيتلك على كل حاجة وعرفتك حقيقة وضعى ، كنت مطمنة أنك أنت هتتصرف بحكمة وهتقدر تسيطر على الوضع لحد ما نخلص من الكابوس ده ، بس أن راسل يعرف باللى حصله واللى كان هيحصله وخصوصاً لسجود ، فده مش يخليه عصبى دا يخليه يتجنن
زفر رياض بخفوت فقال وهو يدير عصاه بين يده :
– عارف وحاسس بخوفك وأن فعلاً ممكن عصبية راسل تبوظ الدنيا ، بس عايزك تطمنى مش هخليه يتجوز عليكى لا دلوقتى ولا بعدين
تركت مكانها وجلست على مقربة من والد زوجها ، فأطرقت برأسها أرضاً وهى تقول بأسف وإعتذار :
– أنا عارفة أنه مكنش سهل عليك أنك تعرف أن أهلى الحقيقين هم اللى سببولك الأذى وأنك خسرت إبنك الكبير وكمان إبنك التانى أتأذى وكان ممكن يروح فيها ، أنت لو واحد تانى مكنتش رضيت أدخل بيتك ولا تبص فى وشى ، وخصوصاً لما كل ما هتشوفنى هتفتكر اللى حصل
منحها إبتسامة هادئة ، على الرغم مما يكتنفه من حزن وهم خاصة بعدما هى أخبرته بحقيقة الأمر منذ أول يوم وطأت بقدميها المنزل
فرد قائلاً بهدوءه وحكمته المعتادة :
– لما جيتى وحكتيلى على كل حاجة يا حياء مش هقولك أن الموضوع كان سهل عليا ، بس برضه أنتى ملكيش ذنب فى اللى حصل ، أنتى لا كنتى تعرفى مين أهلك ولا كان ذنبك أنك تلاقيهم هم اللى أذوا جوزك وأهله ، فأنا مش هأخدك بذنبهم وكفاية أنك بتحبى إبنى وخايفة علينا كلنا لدرجة أنك كنتى هتضحى بحبك ونفسك علشان تنقذيه
تغشى الحب عينيها وتهدج صوتها وهى تقول بصدق :
– أنا أفديه بروحى وأشوفه هو وسجود كويسين وبخير
ولكن عادت مستطردة بغيظ :
– بس أنه يتجوز عليا ويعمل عمايله دى ، يبقى أقتله أحسن ومفيش واحدة تانية تاخده منى
على الرغم مما يحدث بتلك الأونة من أحداث مؤسفة وأخرها عودة ميس من منزل زوجها ، إلا أنه لم يمنع ضحكته على قول زوجة ولده ، التى يبدو عليها أنها مهوسة بحب زوجها ، تكاد غيرتها تقتلها ، فهو يراقب أفعال كل قاطنى القصر ، ويفرض حمايته على كل من حوله ، وتلك المرة التى خرجت بها حياء من المنزل ، كان هو الذى مهد لها الطريق للخروج والعودة ، فهى لا تتحرك خطوة واحدة إلا بعد علمه
فإن كانت علاقته براسل أخذت بالتحسن عن ذى قبل ، فبعد أن يعلم بشأن الإتفاق بينه وبين حياء على إخفاء الأمر عليه ، فربما سيعود الوضع بينهما لما كان عليه سابقاً ، وربما يعودان لنقطة الصفر من جديد ، ولكن الإبقاء عليه هو وعائلته بخير ، أفضل من أن يخسرهم جميعاً دفعة واحدة ، وبالأخص تلك الصغيرة ” سجود ” والتى باتت تعنى له الكثير ، فإن كان مقصراً بدلال أبيها وهو صغير ، فسيحاول تعويض ذلك بها ، بأن يمنحها كل الحب والدلال
____________
طرق معتصم باب غرفة شقيقه ، فمنذ أخر محاولة لعمران بأن يجعل ميس تفهم حقيقة الوضع وتعود معه للمنزل وهو حبيس غرفته ، ولكن اليوم سيذهبان لقصر النعمانى بأمر من مالكه بأن يأتياه من أجل البحث عن حل لتصليح الأمور بين الزوجان المتخاصمان
فتح عمران الباب وهو على أهبة الإستعداد للذهاب ، فربت معتصم على كتفه محاولاً أن يبث به الأمل على أنهما سيعودان اليوم وقد تم حل الأمور كافة
ولكن ما كاد معتصم يفتح فمه ، حتى سبقه عمران القول :
– يلا بينا يا معتصم عارف أنت عايز تقول إيه
حاول معتصم الابتسام كعادته وهو يقول بهدوء:
– إن شاء الله خير يا عمران ومراتك هترجع معاك وكل حاجة هتنتهى على خير
– إن شاء الله
لم يزد عمران كلمة أخرى ، فهبطا الدرج سوياً ،ووصلا لمرآب السيارات وأخذ عمران سيارته يجاوره شقيقه ، فقادها بهدوء خلافاً لذلك الخوف الذى سكنه من إصرار ميس على رفضها لرؤيته أو عودتها معه ، فعنادها وتصميمها بعدم عودتها لمنزله ، كان بمقدار شغفها بوجودها قريبة منه
لم ينتبه على حاله إلا عندما وجد نفسه أمام قصر النعمانى ، فولج بسيارته حتى الباب الداخلى وترجل منها هو ومعتصم ، و دلفا سوياً لغرفة الصالون ووجدا رياض وعاصم بإنتظارهما ، وأنتظروا مجئ راسل لبدء الجلسة ، التى كانت أشبه بالجلسات العرفية ، التى يتم عقدها من أجل التصالح والتسامح بين المتخاصمين
فبالطابق الثانى ، كان راسل يتهيأ للنزول إليهم ، رابطة عنق أنيقة ، تتماشى مع حُلته الرمادية ، مثالاً للرجولة والوسامة والهيبة هكذا كانت هيئته للناظرين ، مشط خصيلاته الرطبة ، ووضع عطره الثمين ، وخرج من غرفته ، وجد باب غرفتها موارباً تطل برأسها من فتحته الضيقة ، لعلها تراه أثناء هبوطه الدرج
ولكن إصطدمت عيناها بساقيه ، بعد وقوفه أمامها واضعاً يده بجيبى بنطاله ، فرفعت عيناها ورأته يطل عليها بإبتسامة من فعلتها
فخرج صوته هادئاً وهو متسائلاً:
– أنتى بتعملى إيه يا إيلين
حمحمت إيلين وإعتدلت بوقفتها وفتحت الباب على مصراعيه وهى تقول بإبتسامة وحماس :
– كان نفسى أشوفك وأنت نازل تقعد مع جدو رياض علشان الجلسات العرفية اللى بتعملوها دى
رفع حاجبه الأيسر قائلاً بحزم :
– طب يلا أدخلى أوضتك وحسك عينك تعملى عمايلك دى وألاقيكى داخلة علينا الصالون علشان تقعدى معانا
قهقهت إيلين من تحذيره لها ، فوضعت يدها على فمها وقالت:
– بموت فى بتقولوها إيه أه حمشنتك لاء متخافش يا حبيبى مش هاجى مع ان هموت وأشوف خطيبى حبيبى والكل عامله ألف حساب فى القاعدة
تبسم وحرك رأسه بيأس من أفعالها ، فجعلها تغلق الباب وتستمع لأمره ، فأكمل سيره ولكن توقفت قدماه فجأة أمام تلك الغرفة الثانية ، فعلى حين غرة فتحت حياء الباب ، فظل كل منهما ينظر للأخر بصمت
أراد إكمال سيره ولكنها إستوقفته بقولها :
– كانت عايزة أتكلم معاك فى موضوع مهم
إستدار برأسه قائلاً ببرود من خلف منكبه العريض:
– خير كنتى عيزانى فإيه مظنش فى مواضيع مهمة بينا يا حياء
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت ببرود يماثل بروده :
– كنت عايزة أقولك أن هنزل الشغل من بكرة لأن مش هفضل قاعدة فى القصر ده وأنا شيفاك أنت وهى قدام عينيا وكمان هى مش مقصرة فى الدلع عليك خلاص معدتى بقتى بتقلب من شوفتكم مع بعض
إستدار لها بكامل جسده وخطى خطوتين تجاهها ، ففضلت الابتعاد عن مرماه ، ولكن حظها السيئ جعلها تصطدم بالجدار خلفها
حاصرها بالزاوية وأدنى رأسه منها وهو يقول بهمس :
– موجوعة يا حياء حاسة أن قلبك بيوجعك أوى ومفكرتيش فى اللحظة دى ليه وإحنا الاتنين بقينا قصاد بعض كل واحد عايز يجرح التانى ، أنا قولتهالك قبل كده لو قلبى أتكسر هيموت يا حياء وأنتى كسرتينى فى عز وجعى وشدتى يبقى ملكيش حق تلومينى على اللى بعمله
لا حساب للزمن ولا للمكان ، كأن العالم أصبح خالياً فجأة إلا من وجوده قريباً منها ، عيناها تكاد تلتهم وجهه من نظراتها المشتاقة إليه ، ولكن لا فلتنتهى أنفاسها خيراً من أن يعلم أنها تشتاقه
فأبتعد عنها ليهبط الدرج ، ولكنه عاد ينظر إليها من جديد قائلاً بما يشبه الأمر:
– أه نسيت أقولك أن النهاردة هبات فى أوضتك ، أصل الصراحة مليش مزاج أنام فى أوضتى لوحدى فعلى ما أخلص القاعدة تحت أرجع ألاقيكى جاهزة يا مراتى يا حرم راسل النعمانى، قصدى يا مدام حياء ، أحسن تكون كلمة حرم راسل النعمانى مضيقاكى
لا تشعر هى بهويتها إلا إذا صرح هو بترافق كنيته مع إسمها ، حتى وإن كان يتلفظ بها من أجل إغاظتها وأن يمارس معها إحدى ألاعيبه اللفظية المنهكة للأعصاب
فمارست كيد حواء وهى تجيبه :
– وأنا إيه اللى يضايقنى يا حبيبى فى كده ، متعرفش فايدة إسم النعمانى إيه ، ساعات بيفتحلك الأبواب المقفولة
رفع ذقنها بطرف سبابته قائلاً بدهاء هو الآخر:
– طب طالما حابة وجود إسم النعمانى مع إسمك ، فحاولى بقى تبقى مطيعة وتسمعى الكلام ، لأن مش حابب الليلة دى إن إحنا نتخانق ، لاء عايزها ليلة محصلتش يا روحى
تركها وهبط الدرج ببطئ ، ويعود وينظر لها من وقت لأخر وهو يبتسم تلك الإبتسامة التى إن لم تكن سمجة ، فهى إبتسامة من ينتظر لقاءها على أحر من الجمر
ولكن قبل أن تعود لغرفتها ، رآت إيلين تخرج من غرفتها ويبدو عليها أنها بطريقها للخروج من المنزل ، وهذا ما كان إذ نادت راسل قبل دخوله غرفة الصالون وأخبرته أنها خارجة من القصر لأجل قضاء أمر هام خاص بزفافهما الوشيك ، فمنحها موافقته وإصطحب ميس ، التى وافته عند الباب بأمر من جدها
دلفا غرفة المعيشة سوياً وميس تتأبط ذراعه ، فألقى راسل التحية ، بينما أكتفت ميس بعدم النظر لزوجها ، وجلست بجانب عمها بهدوء
بدأ رياض الحديث وهو يقول بحكمته المعتادة :
– دلوقتى إحنا سمعنا منك يا ميس ودلوقتى دورك يا عمران تبرر كلامك ، وهنعتبر كأننا أول مرة نتكلم فى الموضوع
إهتاجت ميس وقبل أن يفه زوجها بكلمة سبقته وهى تقول بإنفعال :
– هيقول إيه يا جدو ، هيقول أنه كان حابب ياخد حق أهله منى بكسرتى وكسرة قلبى وفرحتى ، فين بقى الرجولة فى اللى هو عمله أو كان بيفكر فيه ده دى تبقى….
– ميس
صاح عمران بإسمها قبل أن تكمل حديثها وتحاول الإنتقاص من رجولته لفظياً ، فإن كان هو فعل ذلك بالبداية ، لم يكن هذا عجزاً من قدرته على إيذاء تلك العائلة ، ولكن رغبته بأن تكون زوجته والتى كانت دفينة حقده ، هى من كانت تحركه ، وحاول هو تبرير أفعاله وزواجه منها بمنطق الإنتقام
شد راسل على يد ميس ، ومال برأسه إليها يهمس برفق :
– متحاوليش تقللى من جوزك قدام حد علشان لو رجعتوا لبعض مش هينسهالك وهتفضل تحز فى نفسه ، فخليكى عاقلة يا حبيبتى فى كلامك
رفرفرت بأهدابها كأنها تقدم إعتذار مسبق قبل إعتذارها اللفظى ، فهى لا تريد الحط من شأن زوجها قدر ما تريد إظهار غضبها مما سمعته منه ، فهى حتى الآن لا تريد النظر بوجهه ، حتى لا يخذلها قلبها ، أو أن تعيث عيناه الإضطراب بأنفاسها ، فهى مستاءة منه أشد الإستياء
ضم رياض كفيه على عصاه وهو يقول بإرهاق :
– أظن إحنا قاعدين علشان نتكلم بالعقل لكن لو هتبتدوا تغلطوا فى بعض هحكم فى القاعدة من غير ما أسمع حد فيكم لأن أنا الصراحة تعبان ومش مستحمل وجع قلب
تركت ميس مكانها على الفور وجلست بجانب جدها ، وقبلت يده وهى تقول بإهتمام :
– جدو لو تعبان بلاش ترهق نفسك أكتر صحتك أهم من اللى بيحصل ده
ضمها إليه بحنان وقبل رأسها ، ونظر لعمران الذى قرأ بعيناه تلهفه لعودتها معه فأشار إليه بأن يقول ما لديه ، فزفر عمران بقوة قبل أن يقول :
– أنا عارف أن ليها حق تزعل من اللى هى سمعته ، بس هى سمعت أخر كلامى يعنى لو كانت سمعت الكلام اللى قبل كده كانت سمعتنى وأنا بقول لغزل أن أنا بحبها وأن لا بفكر أنتقم ولا أعمل فيها أى حاجة وحشة وكل خوفى أنها كانت تعرف بدافع جوازى منها فى الأول علشان متزعلش
رفعت ميس رأسها عن صدر جدها وهى تناظره بغيظ وقالت بإمتعاض :
– يعنى أنت مش بتنكر أن ده اللى كنت بتفكر فيه أول ما أتجوزتنى ، وتنتقم من عيلتى ليه أصلاً وأنت قولتلى ان عيلتك وعيلتى أصحاب من زمان ، إيه بقى اللى حصل عايزة أفهم
هتف بها عمران بثقة :
– لاء مش هنكر بس جايز كان كل ده ستار على السبب الحقيقى وهو أنك كنتى حبى من أيام طفولتى ، وموضوع الخلاف بين العيلتين كان سوء تفاهم وراح لحاله وبلاش نفتح فى مواضيع توجع دماغنا كلنا
إستمر النقاش بينهم وقتاً طويلاً ، فشعور رياض بالإرهاق يتزايد من كثرة تلك العقبات والعراقيل ، التى تعترض طريقهم بتلك الأونة ، ولكن إستطاع فض الجلسة بقرار عودة ميس مع زوجها لمنزله ، وأن يحاول عمران جعلها تسامحه ، فإن كانت ميس قبلت بقرار جدها دون مناقشة ، فهى من داخلها لم تكن تريد العودة معه بهذا الوقت ، خاصة وأنها تشعر كأنها كالجدباء لاتفهم شيئاً من تلك الأسرار التى يحاولون التستر عليها ولا يجعلونها تعلم حقيقة الأمر بين العائلتان
أخذت حقيبتها ووضعها زوجها بالسيارة وما كادت يده تلمس يدها ، حتى نفضتها هى بجفاء ، فيبدو أن مهمته بإقناعها ستكون شاقة ، فلولا وجود معتصم معهم بسيارة واحدة ، لكان تصرفه معها سيكون غير ذلك الهدوء ، الذى يحاول أن يمارسه معها حتى لا تتفاقم الأمور أكثر
وصلوا ثلاثتهم للمنزل ، فولجت ميس بتؤدة وقابلت ولاء التى رحبت بعودتها بحرارة على الرغم من عدم غيابها سوى بضعة أيام :
– ميس الحمد لله أنك رجعتى معاهم ، البيت ملوش طعم من غيرك
إبتسمت لها ميس وردت قائلة بهدوء :
– تسلمى يا ولاء اخبارك إيه واخبار النونو إيه
مسدت ولاء على بطنها بحركة دائرية وهى تقول بتفكه :
– زى الفل يا حبيبتى وبيسلم عليكم نفر نفر
إبتسمت ميس على قول ولاء الممازح لها ، فبرؤية عمران لإبتسامتها أطمئن قليلاً لحسن مزاجها ، ولكن ما أن كادا معتصم وولاء يخرجان للحديقة ، وصعدا هما الدرج حتى وصلا غرفتها ،حتى ولجت ميس الغرفة وأغلقت الباب خلفها ومنعت دخوله ، بل أنها هتفت به من خلف الباب ، أن يبحث عن مكان أخر يقيم به ، فهى وإن كانت عادت معه ، فهى لن تسمح له بالأقتراب منها أو أن يقيما سوياً بغرفة واحدة ، فألح بطرق الباب ومناداتها ، إلا أنها لم تعيره إنتباهها ، بل قامت بتشغيل الموسيقى بصوت عالى ، حتى لا تستمع لصوته وتجد نفسها تخرج إليه وتراه يفرض هيمنته وسيطرته عليها
______________
أراد رؤيتها على وجه السرعة ، فهاتفها بأن تقابله بتلك الشقة التى أعتادا أن يتقابلا بها ، والتى يبدو كأنها وكر للخطط الشيطانية ، فهو يمارس بها كل ما يمكن أن يفعله بشرى من أمور الفساد والفسق ، فهو جاحد بكل منطق ، ولا يرى ما يردعه عن أفعاله ، فهى واحدة فقط من إستطاعت تقويم سلوكه قليلاً بتلك الأيام التى عاشتها بكنفه ألا وهى شقيقته الصغرى ” حياء ” ، فبعد عودتها لزوجها وكأن تلك الطباع اللينة واللطيفة التى كان يظهرها لها ، لم يعد لها وجود ، وعاد لما كان عليه من أمور الفسق والفجور
لم يطيل المكوث ببيت عمه أدريانو ، خاصة بعد علمه بما حدث بينه وبين إبنته بيرى ، التى أطلقت عليه رصاصة بإحدى نوبات جنونها المفاجئ ، فهو إطمئن أن أموره صارت بخير ، ولا يحتاج سوى الراحة بفراشه عدة أيام ليلتئم جرحه ، ويعود ثانية زعيم المافيا الدامى ، والذى زرع به حب الانتقام، وجعله يفعل ما بوسعه للإنتقام من تلك العائلة ، التى يرى أنها هدمت حياته وحرمته من والديه وأشقاءه ، وقضى حياته بأسرها يسمع بأمور القتل والدماء من عمه ، ولم يحيا حياة طبيعية خارج نطاق دائرة الإنتقام
فأراد الاطمئنان عليه ثانية عبر الهاتف ، إذ أخذ هاتفه الجوال من جيب بنطاله ، وأنتظر حتى جاءه الرد من عمه وهو يقول بصوت خشن :
– أنت فين دلوقتى يا ديفيد
أجابه ديفيد وهو ينظر لإنعكاس صورته بإحدى المرايا :
– عندى مشوار مهم وهخلصه وهرجع على البيت أنا اتصلت أطمن عليك وأخبار بيرى إيه دلوقتى
قال أدريانو بما يشبه الأمر:
– لسه زى ماهى و عايزك ترجع البيت وكمان تكلم حياء تيجى تشوفها أظن هى هتسمع ليها وتخرج من الحالة اللى فيها فاهمنى يا ديفيد
نفخ ديفيد بملل ورد قائلاً بإستياء :
– هى حياء شغالة دكتورة نفسية يا عمى ، بيرى لازم تتعالج نفسياً ودكتور نفسى يتابع حالتها أحسن ما تتجنن وتعمل فى نفسها حاجة ولا تموت نفسها
رد أدريانو عليه لم يكن سوى صراخ :
– أخرررس خاااالص ومش عايز أسمع منك كلمة تانية وتنفذ اللى قولتلك عليه فاهم
أنتهت المكالمة بعد صراخ عمه بوجهه ، فإن كان مدين لعمه بأنه أعتنى به بعد موت والديه ، فأوقات كثيرة يشعر بالضيق والإستياء منه ، كأنه بيدق بيده يريد تحريكه يميناً ويساراً ، دون أن يملك الحق بالقبول أو الرفض
مرر يده على تلك المنضدة التى تراصت عليها كافة أنواع الأسلحة النارية ، وأخذ سلاح متوسط الحجم ، ورفعه بوضع الإستعداد كأنه بصدد إطلاق الرصاص منه
وجد باب الشقة يفتح وتلج هى منه ، فأول ما قابلها هو وقفته المتأهبة كأنه بإنتظارها ليقتلها ، فأزدردت لعابها بخوف :
– إيه دى أنت بتعمل إيه ناوى تموتنى ولا إيه
قهقه ديفيد على قولها ، فخفض يديه وهو يقول بدهاء :
– أقتلك إزاى بس يا حبيبتى ، دا أنا كنت بتمرن بس ، إن لو أنتى حبيتى تضحكى عليا أموتك بأى مسدس
أغلقت الباب خلفها بحدة ، وخطت بخطواتها للداخل ووقفت أمامه ، دفعته بصدره بقوة وهى تصيح به :
– وتقتلنى ليه أنا بنفذ اللى بتقولى عليه بالحرف الواحد عايزنى أعمل إيه أكتر من كده
جذبها من شعرها وهو يكز على أسنانه بغضب :
– فين اللى نفذتيه ده ، مش شايف أى فايدة من وجودك فى قصر النعمانى لدلوقتى
خلصت شعرها من يده وارتدت بخطواتها قليلاً للخلف وهى تقول بإمتعاض :
– يعنى كل الأخبار اللى بجبهالك عنهم دى مش كفاية أنا خلاص قربت أبقى مرات راسل النعمانى وهيبقالى وضعى فى القصر ، مع أنه صعبان عليا لأن هو ما يستاهلش أى حاجة وحشة دا راجل بجد مفيش منه ، وكفاية أنه منسيش أيام الطفولة وبيتعامل بكل أدب وذوق
لم يتركها تعدد مناقب راسل ، إذا قبض على ذقنها بطريقة مؤلمة ، فسكنت إبتسامة هازئة شفتيه وهو يقول بثغر ملتوى ساخر :
– أنتى مبسوطة أنه بيتعامل معاكى زى أيام الطفولة وبيتعامل بذوق ، وياترى معاملته ليكى هتبقى إزاى لو عرف إنك مش “إيلين النعمانى ” أصلاً ، وأن “إيلين النعمانى” الحقيقية لسه عايشة فى روسيا ومتجوزة وعندها أطفال

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى