رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء التاسع والخمسون
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت التاسع والخمسون
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة التاسعة والخمسون
ج٢-١٣-” أكاذيب مشروعة ”
أراد إستجلاب العطف واللين منها ، لعلها تكون رحيمة بمطلبها الذى لم يسمعه منها بعد ، ولكنه يفعل ذلك ليأخذ إحتياطه اللازم قبل أن يسمع منها ما لم يكن بحسبانه ، فرفع يــده الأخرى وجذب تلك الخصلة الملتفة التى تحط قريباً من وجنتها اليمنى ، لف خصلتها حول إصبعه وإبتسم لها برفق لا يخلو من الدهاء المحبب ، فعلم مدى نجاحه بمخططه عندما وجدها تأخذ أنفاسها بقوة وتحملق به هائمة ، وأنفرجت شـ ـفتيها الورديتين بإنفراجة بسيطة لتسمح بمرور ذلك الهواء الدافئ الذى أرسلته رئتيها لعلها تخفف من شعورها بإنقباض أنفاسها وهو قريباً منها
شعرت بدنو وجـهه منها حتى بعدما أغمضت عيـنيها ، تاركة له زمام أمرها ، فها هو عمران ، الذى نجح بإيصالها لأقصى درجات العشق ومن هوى بها إلى غياهب ودياجير اليأس والشعور بالخوف منه ، فجانبها الأنثوى الضعيف منها ، دائماً ما كان بحاجة للأمان ، والذى إستمدته من تلك الأيام التى كان بها عمران زوجًا لها يفعل المستحيل ليجعلها تشعر بمدى عشقه ولم يكن يدخر جهداً بتدليلها
ما أن أنتهت موجة الضعف العذبة التى إجتاحتهما سوياً ، أرادت ميس العودة لحديثها ، فشدت على ذراعيه وإبتعدت بوجهها عنه
إزدردت لعابها وقالت بجدية بعدما نأت بنفسها قليلاً عنه :
– أنا كنت عايزة نعمل عملية حقن مجهرى
رفت جفونه وقطب عمران حاجبيه متسائلاً بدهشة وتعجب :
– نعم ! حقن مجهرى إزاى يعنى مش فاهم يا ميس
حتى وإن حمل حديثه طابع الدهشة ، إلا أنه ما أن حدق بوجهها ورآى معالم الجدية ، علم أنها لم تكن تمزح بل هى جادة بحديثها معه ، فحمحم مستطردًا ومن ثم فغر فاه من غرابة إقتراحها الذى لم يضعه بباله يوماً :
– ميس أنتى بتتكلمى جد ، حقن مجهرى إيه ده كمان ، أكيد أنتى بتهزرى صح
لوت ميس فـمها جانباً لعلمها بأنه يحاول تضليلها بإدعاءه الجهل بمطلبها ، فذكاءه المعهود يجعلها تعلم أنه فهم مغزى حديثها منذ أن تفوهت به ، وربما هو محقاً فى رد فعله ، فإن سمع أحد إقتراحها لن تقل دهشته عن دهشة زوجها وربما دهشتها هى الاخرى فى تقدمها بإقتراح كهذا ، ولكن عمران يفعل ذلك لكسب المزيد من الوقت معها ، حتى لا يعلن عن موافقته ويجدها تنصرف على الفور لبدأ ما أتفقا عليه
وضعت سبابتها أسفل ذقنه ورفعت وجهه لها وهى تقول بدهاء :
– بقى أنت مش فاهم يا عمران ولا بتستعبط
قبض على سبابتها وقبل طرفه برقة أربكتها وقال بحنان :
– طب وليه يا قلب عمران نعمل كده وإحنا فى إمكانا نخلف بيبى عادى من غير اللفة دى كلها ، إيه الطلب الغريب ده ، أنا أفتكرت أنك هتطلبى نروح لدكتور أو دكتورة علشان نحل مشاكلنا ، مش أنك تطلبى منى طلب زى ده ، لاء طبعاً أنا مش موافق
توهجت وجنتيها بلهيب الخجل وردت قائلة بحيرة :
– متفتكرش إن أنا محاولتش أتعالج نفسى علشان أنسى اللى حصل ، فاكر صاحبتى اللى شوفتها معايا فى المطعم بتاعك يوم ما شوفتك أنت وليالى ، دى مامتها دكتورة نفسية وكنت بروحلها ، بس لحد دلوقتى مش قادرة أتجاوز الليلة اللى هدت كل حاجة بينا ، علشان كده فكرت طالما أنا لسه مش قادرة أرجع لطبيعتى معاك ، أن نعمل حقن مجهرى وترجع الفرحة اللى مكملتش ، جايز لما أحس بأن جوايا حتة منك وأشوف فرحتك بالبيبى وأنك تهتم بينا ، جايز أقدر أنسى اللى حصل ، عايزة نبدأ تانى من وقت ما كنت حامل
يعلم مدى رقتها وهشاشتها وإنها لا بد لها من أن تأمن جانبه قبل أن تفكر بالعودة إليه ، ولكن كيف له بالموافقة وهو من يتحرق شوقاً لأن تعود معه لمنزله وأن تعود ليالى الحب بينهما ، فأثر تلك الليالى مازال عابقاً بنفسه المشتاقة إليها أشد الإشتياق ، ولكنه علم الآن مدى خوفها من الخوض بعلاقتها مرة أخرى
زفر قائلاً بيأس وقلة حيلة :
– ماشى يا ميس موافق علشان خاطرك بس ولو أن أنا مستغرب الموضوع ، بس ماشى
وافق على مضض واعدًا إياها بأنه سيفعل المستحيل من أجل عودتها إليه ، ولا ينكر شعوره الطفيف بالسعادة من كونه سيمنح بعض الإمتيازات ، كأن تعود إلى منزله ، أو أن يحصل منها على عناق وقتما يريد ، فربما تلك مغامرة مثيرة سيحلو له أن يخوضها معها ، حتى تعود إليه زوجة عاشقة مثلما كانت
تركت مكانها ونظرت لمرآة طاولة الزينة لتعيد ترتيب خصيلاتها وهندامها قبل الخروج ، فعادت وتذكرت ليالى ، فإستدارت برأسها إليه قائلة بجدية :
– فى حاجة كمان يا عمران ليالى مش عيزاك تعرفها تانى ولا هى تقرب منك ، لأن أنا مش حابة وجودها قريبة منك ، حتى لو كنت عارفة أنك مش ممكن تفكر فيها ، بس إبعد عنها وخلاص
ترك عمران مكانه وأقترب منها مطوقاً إياها بتملك واضعاً رأسه على كتفها ، ونظر لإنعكاس صورتهما سوياً بالمرأة ، فهمس لها قائلاً بحب:
– الجميل يؤمر بس هتملها صفقة المطعم لأن أنا اتفقت مع صاحبه مش عايز أطلع قدامه إن مش قد كلمتى وأوعدك تتم البيعة وخلاص مش هيبقى بينى وبينها أى صلة وهى عارفة إن أنا متجوز وبحب مراتى وبموت فيها كمان اللى مجننانى دى
قضم وجنتها بخفة ومداعبة ، فضحكت ميس على فعلته ، ولا تصدق أنها الآن بين ذراعيه وهى من كانت منذ أيام ، كانت لا تطيق رؤية وجـهه ولا سماع صوته ولا تفكر بالعودة إليه ، ولكن جاء أمر عودة ليالى كشرارة أشعلت لهيب غيرتها وعشقها له من جديد ، لذلك لم ترغب بأن تتشدد برأيها وتخسره للأبد ، لأن حتى وإن كانت أخذت قرارها بالإنفصال عنه سابقاً ، إلا أن من داخلها وأعماق قلبها مازال عشقها له موجود كحقيقة راسخة لا تقبل الشك أو الجدل ، وربما ماحدث لراسل وحياء ساهم بأن تعيد تفكيرها فى أمر الإنفصال ، فهى تراهما يعانيان مُر الألم والوجع وكل منهما بعيداً عن الآخر
إستدارت بين ذراعيه وتنهدت بصوت مسموع ، ولم تكتفى بذلك ، بل أحنت رأسها على كتفه وهى تقول بهمس حائر :
– أنا لازم أمشى دلوقتى ولما أكلم الدكتور اللى هيعمل العملية هأتصل عليك وهقولك ، بس مش عارفة أروح أقولهم ايه فى البيت وأصلاً جدو عنده هموم كفاية
مسد على خصيلاتها الشقراء وطمأنها بقوله :
– أنا هروح ليه وهقوله ، واظن أنهم هيبقوا فرحانين علشان هنرجع لبعض ، بس متغيريش أنتى رأيك ، خايف أجى ألاقيكى أتحولتى
رفعت ميس رأسها عن كتفه ونظرت إليه باسمة وقالت وهى تعبث بياقة قميصه :
– لاء متروحش أنت وسيبنى أقولهم أنا ومتخافش مش هتحول ومش هغير رأيى ، سلام بقى
تركته وبحثت عن حقيبتها ، وقبل أن تصل للباب ، قبض عمران على ذراعها ، إلا أنها تملصت منه حتى لا يعودان لنقطة البداية مرة أخرى ، فعلمها بأنه يريدها قريبة منه على وجه السرعة ، يجعلها تخشى إخفاقها بخوض الأمر معه ، لأنها حتى الآن لم تستطع التخلص من رواسب تلك الذكرى الأليمة ، ولا تريده أن يحنث بوعده لها ، الذى وعدها إياه منذ دقائق
جذبت ذراعها من يـده برفق وإبتسمت له إبتسامة أخفت بين طياتها توترها البادى بملامحها الغضة ، وأسرعت بفتح الباب وهرولت بخطواتها خارجة من الفندق ، بينما عاد عمران لغرفة مكتبه ، ووجد ليالى كما هى بإنتظاره جالسة على المقعد أمام المكتب الخشبى
فإبتسم بتهذيب قائلاً بإعتذار :
– أسف يا ليالى إن أتأخرت عليكى ، يلا بينا علشان نلحق ميعادنا مع صاحب المطعم
هبت ليالى واقفة وتساءلت بفضول :
– هى مين دى اللى أنت جريت وراها ؟
وضع عمران يـديه بجيبى بنطاله قائلاً بإبتسامة شغوفة :
– دى تبقى ميس مراتى ، حفيدة رياض النعمانى لو تسمعى عنه
رفعت ليالى حاجبها بعد سماع كنية عائلة زوجته وقالت بدهشة طفيفة :
– رياض النعمانى نفسه ، أغنى أغنياء إسكندرية ، واللى صيته مسمع فى كل حتة ؟
هز عمران رأسه تأكيداً على صحة ما تفوهت به ، ولا يعلم هل صرح بهوية زوجته من أجل أن تلتزم بالأداب المتعارف عليها بينهما ، أو لتعلم أن المنافسة بينهما خاسرة وستصب بمصلحة زوجته فى المقام الأول
إبتسمت ليالى إبتسامة لا تخلو من الإرتباك وضرورة أن تتوخى الحذر ، حتى لا ترى عالمها ينقلب رأساً على عقب وتكون هى الخاسرة بالنهاية ، فحتى وإن بلغ مقدار ثراءها الآن ، إلا أنه لن يصل لمعشار ثراء تلك العائلة ، والتى يهابها الجميع ، سواء الغنى أو الفقير
نظرت ليالى بشاشة هاتفها وقالت وهى تسبقه بمشيتها :
– طب يلا بينا لأن كده أتأخرنا ، وشكراً على مساعدتك ليا
سار خلفها حتى وصلا لأمام الفندق ، فصعد كل منهما لسيارته ، وأمرت ليالى سائقها بأن يتبع سيارة عمران ، وما أن وصلا لذلك المطعم الفاخر ، ترجلت ليالى من السيارة وهى تنظر بإعجاب لموقعه وأستحسنت إختيار عمران له ، فيبدو على المطعم أنه لا يرتاده إلا ذوات الطبقة الثرية والمخملية ، لذلك سيدر عليها ربحاً ومالاً وفيرًا ووقتها تستطيع تبرير ثراءها المفاجئ
أقترب منها عمران وأشار لها بأن تتقدمه بالدخول ، فولجا للداخل وقابلا صاحب المطعم ، الذى رحب بقدوم عمران ترحيباً حارًا ، وبعدما جلس ثلاثتهم نظر صاحب المطعم لليالى قائلاً بتهذيب :
– أهلا بيكى يا مدام ليالى ، لو حابة تتفرجى على المطعم أتفضلى حضرتك خدى جولة فيه وبعدين نتكلم
رفع الرجل يـده وأشار لفتاة تعمل نادلة بالمطعم بأن ترافق ليالى لتتفقد المطعم قبل الإتفاق على السعر النهائى ، نهضت عن مقعدها ورافقت الفتاة وما أن إبتعدتا
نظر الرجل لعمران متسائلاً بصوت منخفض :
– عمران طب إيه اللى هيحصل لو عجبها المطعم ؟
إبتسم عمران ورد قائلاً بمزاح :
– هتبعولها طبعاً هى دى محتاجة تفكير
فغر الرجل فاه ورد قائلاً بدهشة :
– يا حلاوتك يا عمران ، يعنى عايزنى أبيع مطعمى ، طب ما كنت تبعلها مطعم ولا فندق من بتوعك بتدبسنى أنا فى الموضوع ده ليه
أشار له عمران بالصمت ما أن رآى ليالى بمكان قريب منهما ، وما أن إبتعدت هتف به قائلاً بتحذير :
– وطى صوتك يا مجنون ، هتبوظلنا الحكاية بصوتك ده ، ثم مش قولتلك إن مينفعش أبيعلها مطعم أو فندق من بتوعى علشان ميبقاش عندها شك من ناحيتى ، وأخرس بقى خلى الموضوع يمشى كويس ، وقولتلك لا هتبيع مطعمك ولا نيلة أنا بس عايزك لما تقولها على السعر تضرب فى العالى لحد ما تعجزها عن الدفع والباقى عليا أنا فهمت
قطع عمران إسترساله فى حديثه بعدما رآها تعود إليهما ، فجلست ليالى ويبدو على وجهها أنها أحبت المكان وستنوى شراءه
وضعت نظارتها من يـدها ونظرت لصاحب المطعم وهى تقول برقة تجيد دائماً إستخدامها عندما تتحدث مع الرجال :
– هو المطعم جميل جدا وفخم كمان ، عجبنى جدا وأنا على إستعداد أشتريه ، حضرتك طالب فيه كام ؟
ضم الرجل كفيه ونظر لعمران ومن ثم نظر إليها قائلاً بجدية مصطنعة :
– أنا عايز ١٠ مليون جنية
فغرت ليالى فاها من سماع السعر ، فهل مطعم واحد يتطلب هذا الثمن كله ؟ رفعت شـفتها العليا وردت قائلة بعدم إقتناع:
– عشرة مليون فى مطعم ، ليه يعنى
أسند الرجل ظـهره لمقعده ورد قائلاً بهدوء:
– حضرتك ده مش مطعم بس مشوفتيش القاعة اللى جمبه دى تبعه والفرح الواحد فيها بس بيتعمل بمبالغ عالية ، لأن مش أى حد بيعمل فرحه فيها ، يعنى العشرة مليون دول فى مدة بسيطة جدا ، تكونى رجعتيهم من ربح المطعم والقاعة ، وأنتى شايفة موقعه فى أفخم مكان فى إسكندرية وعمران أكيد فاهم وعارف شغل المطاعم والقاعات والفنادق والحاجات دي بتكسب إزاى ، خصوصاً لو كان الزباين من الناس الأغنياء أوى والفاتورة الواحدة بس بألوفات
حدقت ليالى بعمران لعلها تسمع رآيه بما تفوه به ذلك الرجل ، فوجدته ينهض عن مقعده قائلاً وهو يشير لها بالنهوض :
– مدام ليالى هتاخد وقتها فى التفكير وهنرد عليك إن شاء الله
نهض الرجل وصافحهما وهو يقول بتهذيب :
– خدوا راحتكم خالص فى التفكير وأنا موجود وتحت أمركم
خرجا عمران وليالى من المطعم ونظر إليها وجدها شاردة ، فهتف بها بمكر :
– متفكريش كتير يا ليالى ، لو السعر مش عاجبك نشوف مطعم تانى ، هو مكدبش عليكى تقريباً ده أقل سعره معروض للمطاعم والفنادق اللى من النوع ده ، لأن لو عايزة مطعم أو فندق تكونى ضامنة أنها ترجعلك الفلوس اللى هتدفعيها فيها ، يبقى لازم يكون له صيت ومعروف أن زباينه من الطبقة الراقية
حكت ليالى جبهتها بتفكير ، فهى على تقة عمياء بمدى ذكاءه أو صيته بعالم الأعمال الخاصة بإدارة الفنادق أو المطاعم الفاخرة ، لذلك ردت قائلة بشعور من الإحباط :
– هو المبلغ فعلاً كبير ، لأن حالياً مش معايا سيولة كافية تغطى المبلغ ده لأن الفلوس اللى كانت معايا إشتريت البيت والعربية ، بس أنا ممكن أدبر المبلغ بس عايزة شوية وقت ، فلو ممكن يستنى وميبعش المطعم لحد تانى على ما جهزله المبلغ
رد عمران قائلاً دون محاولة منه أن يظهر مدى سعادته فى نجاح أولى خططه:
– مفيش مشكلة هو صاحب المطعم أنا أعرفه كويس وممكن أضمنك عنده
بغمرة سعادتها مدت راحتيها وقبضت على كفيه قائلة بإمتنان :
– أنا متشكرة جدا يا عمران
إبتسم عمران إبتسامة متكلفة ، واهماً إياها بأن ما يفعله من أجلها يأخذه على الرحب والسعة ، وبعد أن أستقلت سيارتها ، رفع يـده يلوح لها بإبتسامة عريضة ، بادلته إياها بإبتسامة أخرى ، وما أن غادرت أختفت إبتسامته وحل محلها العبوس ، فهى لا تعلم أنه يعد لها مفاجأة على الأغلب لن تكون سارة بالنسبة لها ، ولكن هى تستحق ما ستناله ، كونها أرادت توريطه بأمر هو بغنى عنه ، لولا أن أراد الله إنقاذه من كارثة كانت ستحل عليه بعودتها ، لذلك أراد تلقينها درساً لن تنساه بعمرها ، متأسفاً على تلك الوعود والعهود التى وعدتها إياه سابقاً بأنها ستتخلى عن أى سلوك سيئ ، ولكن ما أن غادرت عادت لما كانت عليه ، وعادت من جديد وأخبرته قصة زواجها التى إستطاعت حبكها بدقة ، حتى أنه صدقها بالبداية ، ليعلم فيما بعد بأن زوجها ذلك الرجل الثرى حامت الشكوك حول وفاته وأن تلك النقود التى تملكها حصلت عليها من إرث زوجها المزعوم بطرق ملتوية ، ولم يوافق عمران على أن يسايرها بكذبتها إلا من أجل أنه لا يريد أن يظهر بمظهر الأبله أو الذى تم خداعه من إمرأة مثلها ، فتلك آفة لديه من أنه لا يريد أن يشكك أحد بذكاءه ودهاءه ، ولا بد لها أن تنال جزاءها جراء أفعالها وأنها أرادت العبث معه وجره إلى شباكها المغرية والتى لا تقتصر على علاقة رجل وإمرأة فقط ، ولكن كانت تريد أن تتخذ من صداقتهما غطاء لحقيقتها
❈-❈-❈
صاحت بيرى فى وجه ذلك الرجل الذى وضع باقات الزهور على الطاولات بتلك القاعة التى سيقام بها اليوم حفل زفاف تم تكليفها بتصميمه ، معنفة إياه برقة على أنه جلب نوع أخر غير تلك الورود التى تم الإتفاق عليها ، ولكن قدم الرجل إعتذاره بأنه حدث خطأ وتم تبديل باقات الورود والزهور مع القاعة الأخرى بذلك الفندق والتى سيقام بها حفل زفاف أخر تابع لإحدى مصممات حفلات الأعراس ، فلملم الورود وذهب بها للقاعة الأخرى وتبعته بيرى لتأكدها من أنها ستحصل على الورود والزهور التى كلفته بجلبها .وصلا للقاعة الأخرى وقابلت المصممة التى إبتسمت على ذلك الخطأ اللطيف ، وحصلت كل منهما على الورود خاصتها ، حملت بيرى باقة من الورود وإشتمتها بتلذذ ، ولم تنتبه وهى تسير بتلك الردهة الفاصلة بين القاعتين ، فإصطدمت بأحدهم وسقطت الورود من يدها
نظرت للورود على الأرض ورفعت وجهها وكادت تعرب عن ضيقها وغضبها لما فعله ذلك الذى إصطدم بها ، ولكن علقت حروفها بجوفها عندما علمت من هو صاحب ذلك الطول الفارع
لا تعلم كيف غزت تلك الدموع عينيها وهى تتلفظ بإسمه بتلك الغصة القوية والتى كادت تقضى على صوتها وأنفاسها :
– عبد الرحمن هو أنت
أنحنى عبد الرحمن وألتقط الورود بذراعه السليمة ، ورفعها إليها وهو يقول بصوت بارد :
– الورد بتاعك يا أنسة
دققت النظر بذراعه الأخر ، وجدته يضع طرفاً صناعياً وليس مثل تلك المرة الأولى التى رآته بها وعلمت بعاهته ، ودون وعى منها مدت يـدها ولمست الذراع الصناعية ومن ثم نظرت بوجهه وهى تسأله بأدمعها الحارة قبل حروفها :
– أنت هنا فى إسكندرية من أمتى ؟ وبتعمل إيه هنا ، أنا قابلت أختك من سنتين وعرفت أنك كنت بتضحك عليا يا عبد الرحمن وأنك مش متجوز ، ليه كذبت عليا
جمدت ملامحه وأشاح بوجهه عنها ونظر بعيداً ورد قائلاً ببرود :
– عن أذنك يا أنسة علشان أنا مش فاضى ، لأن النهاردة خطوبتى فى القاعة اللى هناك دى
إستدارت برأسها ونظرت حيث أشار بيده السليمة ، فوجدته يشير لتلك القاعة التى خرجت منها منذ قليل وتم تبديل الورود والزهور بها ، وما لبثت أن عادت ببصرها إليه وهى تقول بنبرة تفيض بالحزن :
– النهاردة خطوبتك ولا بتضحك عليا زى ما ضحكت عليا قبل كده
قال وهو يتجاوزها ليكمل سيره :
– لو مش مصدقة ممكن تيجى تحضرى الخطوبة أنا عازمك يا أنسة بيرى
تابع سيره حتى وصل للقاعة ،إستدارت تنظر إليه وجدته يتحدث مع تلك المصممة التى تعرفت إليها منذ قليل ، فعلمت أن ربما هو صادقاً بقوله ، ولا تعلم لما أنتفض قلبها بين أضلعها ، رافضاً ذلك القرار المجحف بحقه ، حتى وإن كانت من قبل لم تفكر بشأن البحث عنه ومحاولة أن تعيده إليها ، إلا أنها شعرت بإحتراق قلبها من أنه بصدد إتمام خطبته من فتاة أخرى
– ماشى يا عبد الرحمن هتشوف أنا هعمل إيه
قالتها بيرى ومسحت دموعها بإصرار وهى تفكر بإيجاد حل ، فإن كان هو هنا فلن تجعل فتاة أخرى تحوز عليه أو تناله ، خاصة أنها الآن حرة ولم يعد أباها على قيد الحياة ليمنعها من أن تصير له زوجة ، لذلك عادت للقاعة التى تتم بها الإستعدادات من أجل حفل الزفاف المكلفة به
وبالمساء كان كل شئ بأبهى صورة بالقاعة وبدأ حفل الزفاف ، وكلفت أحد العاملين لديها بأن يراقب القاعة الأخرى ويخبرها عندما يقوم عبد الرحمن بوضع خاتم الخطبة بيـد تلك الفتاة التى من المفترض أنها ستصبح خطيبته
أقترب منها الشاب المكلف بمراقبة القاعة ، وأدنى برأسه منها وهو يقول بهمس :
– أنسة بيرى فاضل هناك فى القاعة التانية خمس دقايق ويلبسوا الدبل
أماءت بيرى برأسها وردت قائلة بصوت خفيض :
– تمام ، خليك أنت هنا تابع المصور وكل حاجة وأنا عشر دقايق وراجعة ماشى
هز الشاب رأسه بطاعة ، وخرجت بيرى متجه للقاعة الأخرى ، وما أن ولجت إتجهت لذلك الشاب المختص بتشغيل الموسيقى ، فأخذت ميكروفون ووقفت بمنتصف القاعة
حدقت بعبد الرحمن ومن ثم بتلك الفتاة الواقفة بجواره ، فإبتسمت وقالت ونظراتها تطوف بوجوه الحاضرين :
– معلش لو كنت قطعت عليكم حفلة الخطوبة ، بس مقدرتش أشوف جوزى حبيبى وأبو إبنى اللى فى بطنى بيخطب ومجيش علشان أباركله وأقوله ألف مبروك
شهق الجميع بصوت واحد تقريباً ، وجحظت عيـنىّ عبد الرحمن من قولها وكذبتها التى قالتها دون خوف أو وجل ، بل زادت بالأمر ووضعت يـدها على بطنها تمررها بحنان ، كأنها تربت على جنينها الوهمى
ترك عبد الرحمن مكانه وأقترب منها جاذباً ذراعها حتى كاد يفصله عن باقى جـسدها ، فصاح بوجـهها قائلاً بحنق :
– أنتى إيه اللى بتعمليه وبتقوليه ده أنتى مجنونة
طافت عيـنيها بقسمات وجـهه المليحة وردت قائلة بإصرار :
– أنا أبقى مجنونة لو سيبتك لواحدة تانية تاخدك منى وأنا واقفة أتفرج
أقتربت منهما العروس وجذبت ذراع عبد الرحمن وتساءلت بإلحاح :
– هى إيه الحكاية أنت فعلاً متجوزها وهى حامل ؟
مدت بيرى يـدها وأزاحت يـد الفتاة عنه وهى تقول بعبوس :
– شيلى إيـدك من عليه يا أنسة
وقف عبد الرحمن بالمنتصف وتلبسته حالة من البلادة والبلاهة وهو يرى بيرى تتشاجر مع الفتاة الأخرى ، ولم ينتهى الأمر لهذا الحد بل تدخل أقارب العروس ، وكانوا على وشك بدأ مشادة كلامية ومشاجرة معه ، لولا تقدم رجل عجوز ولم يكن سوى عمه ويبدو أن الجميع سيبدى إحترامه له ، لعله هو يتكفل بحل الأمر
فتقدم الرجل العجوز من عبد الرحمن متسائلاً:
– قولنا يا عبد الرحمن إيه الحكاية بالظبط وتبقى مين دى
قضمت بيرى شـفتها السفلى وسرعان ما ردت قائلة بتأثر وإنفعال مزيف :
– أكيد هينكر أنه يعرفنى ويقول عليا كدابة ، بس أروح فين أنا وإبنه اللى فى بطنى ، ولا علشان هو راجل ميتحاسبش وأنا اللى ست حقى يضيع ، أنا مش عايزة حاجة غير أنه يرجع لعقله وبيته ويتجوزنى رسمى علشان إحنا كنا متجوزين عرفى ، أكيد حضرتك عندك بنات ومترضاش لهم بالفضيحة ، ولا علشان أنا مش مسلمة زيكم هترضوا أن يعمل فيا كده ويسيبى
لطمت والدة العروس خديها ونظرت لإبنتها قائلة بتأنيب على سوء إختيارها :
– يعنى هو ده اللى أصريتى تتخطبى ليه وتتجوزيه مش كفاية أن دراعه مقطوع لاء كمان متجوز عرفى ومراته حامل ، أومال لو مكنش مؤدب ومحترم زى ما قولتى كان عمل إيه أكتر من كده
أثارت والدة العروس بنفسه الضيق لإتيانها على ذكر عاهته ، إلا أنه لم يفه بكلمة ، ولكن بيرى هى من تولت الأمر دون أن تنتظر منه السماح لها بفعل ذلك
فجذبت ذراع والدة العروس وطالعتها بعيـنان تنذرانها بالشر وهى تقول بدفاع عن حبيبها:
– وأنتى مين علشان تتكلمى عليه كده ، دا ضفره برقبتك أنتى وبنتك ، دا..
جذبها عبد الرحمن من ذراعها لتكف عن حديثها ، فيكفيها إثارة اللغط وتلك البلبلة بين المدعويين ، وكل منهم ينظر إليه على أنه إرتكب جريمة شنعاء ، حتى عائلته المؤلفة من شقيقته الوحيدة وزوجها وعمه وبعض الأقارب ، باتت أعينهم تحمل له إتهاماً على أنه فعل ذلك حقاً دون علمهم
تأزم الأمر أكثر عندما هم شقيق العروس بالشجار معه ، ولكن تولى زوج شقيقته أمره ، وكادت القاعة تتحول لساحة معركة حامية بين العائلتين
ولكن صاح بهم عمه المسن قدر سماح أحباله الصوتية بفعل ذلك :
– خلاص إهدوا كلكم ، أولاً إحنا بنتأسف وبنعتذر عن اللى حصل وإحنا زينا زيكم مكناش نعرف باللى عمله إبن أخويا ، وإحنا مستعدين ندفع التعويض اللازم على اللى حصل وأسفين على أن حفلة الخطوبة مش هتم
سكتت الألسنة وساد الصمت ورمقه عمه بنظرة مأنبة على أن يجعله يتأسف لمن هم أصغر منه سناً ، وبدقائق معدودة كان المدعويين يغادرون القاعة ولحق بهم العروس وعائلتها ، ولم يتبقى إلا هو وعمه وشقيقته وزوجها وبيرى
تظاهرت بيرى بالإرهاق وسحبت مقعد وجلست عليه وهى تقول بإدعاء الوهن :
– أه مش قادرة أقف على رجلى الحمل فى أوله صعب جدا ، ودماغى لفت والنفس فى القاعة كان كتير أنا شوية وكان هيغمى عليا
كل هذا وعبد الرحمن ظل محملقاً بها لا يصدق أن تلك الفتاة هى بيرى بذاتها تلك الفتاة الرقيقة والهادئة ذات الطباع التى تميل للحزن والشجن قليلاً ، فكأنها أصبحت فتاة أخرى تجيد تدبير المكائد وتوريط الأخرين بها
تقدمت شقيقته منها وناولتها كوب من الماء وهى تقول برفق :
– خدى إشربى مايه وإهدى الإنفعال غلط عليكى
أخذت منها بيرى كوب الماء ورفعته لفـمها ولم تنسى أن تغمز لعبد الرحمن بإحدى عيـنيها ، فقبـل إقترابه منها رغـبة فى دق عنقها وجد عمه يعترض طريقه قائلاً بجدية :
– أنت لازم تصلح غلطتك يا عبد الرحمن وتتجوزها
صاح عبد الرحمن بإنفعال :
– غلطة إيه يا عمى دى بتكذب عليكم ، والله ما عملت حاجة ولا اتجوزتها ولا هى حامل أصلاً
وزع زوج شقيقه نظراته بينه وبين بيرى متسائلاً:
– يعنى أنت متعرفهاش وهى بتتبلى عليك ؟
صمت عبد الرحمن ، فتركت بيرى مكانها وأقتربت منه قائلة بتحدى :
– متحاولش تنكر يا عبد الرحمن أنك تعرفنى وبتحبنى ، مش أنتوا بتقولوا الكذب حرام
أقتربت أكثر منه وهمست مستطردة :
– بس الكذب عندى أنا مش حرام وقولتلك مش هسيبك لواحدة تانية تاخدك منى ، فتتجوزنى كده بهدوء ولا تلاقينى ناشره خبر جـوازنا المزيف فى كل مكان وبدل ما تبقى فضيحة بين عيلتين تبقى فضيحة على الملأ
كز عبد الرحمن على أسنانه ورد قائلاً بصوت خفيض :
– هو جنانك وصل للدرجة دى يا بيرى ، ثم أنتى عايزة منى إيه مش كفاية اللى حصلى من أبوكى
كسا الحزن وجـهها وبدون وعى منها رفعت يـديها وأحاطت وجـهه قائلة بإعتذار :
– أنا بابا مات من سنتين ، وأنا أسفة على كل اللى عمله ، وصدقنى أنا لسه بحبك ومش قادرة أحب حد غيرك أنت ، والنهاردة لما شوفتك هتخطب واحدة تانية عقلى طار منى
حمحم عمه لينهى ذلك المشهد العاطفى بينهما ، والذى أكد لهم أنهما حقاً بينهما معرفة سابقة ، فنظر إليهما متسائلاً برصانة :
– أنتى يا بنتى بتقولى أنك مش مسلمة أنتى مسيحية ؟
إلتفتت بيرى إليه وحركت رأسها سلباً وردت قائلة بأنفاس تكاد تتلاشى :
– لاء أنا يهودية
دبت شقيقته على صـدرها بعد سماع ما تفوهت به بيرى من حقيقة ديانتها ، والتى لم تضعها ببالها ، فما ظنته أنها مسيحية ولكن أن تكون يهودية لهو بالأمر المفزع لها
فتلعثمت وهى تردد :
– يـ يـ هودية
إستطاعت بيرى أن تفطن مقصدها من ترديد تلك الكلمة بكل هذا الخوف أو التعجب ، فقالت بثقة :
– أيوة وفيها إيه مش فى دينكم حلال الراجل يتجوز من غير ديانته وأنا بحب عبدالرحمن وعيزاه زى ما هو كده
عادت لأمور دهاءها ومسدت على بطنها برفق وهى مستطردة :
– ولما إبنه يتولد هيتبع ديانته هو مش ديانتى متقلقوش ، ومش يمكن لما ألاقى دينكم دين تسامح وأنتوا كويسين أغير ديانتى أنا كمان وأبقى زيكم
لو لم يكن سيلوم عليه أحد فيما يفعله، لكان لطم عبد الرحمن خده على كذباتها المتوالية والتى تقولها بإتقان بالغ ، حتى كاد هو ذاته أن يصدقها ، ولكن جاءته الطامة الكبرى ، عندما سمع عمه يقول بهدوء :
– أنا الصراحة مش عارف أقول إيه ولا أصدق مين ولا أكدب مين ، بس أكيد كل اللى كان هنا من المعازيم صدق الحكاية لأن مفيش واحدة هتيجى تتبلى عليك وتجيب لنفسها فضيحة بالساهل كده ، فلو أنت يا عبد الرحمن شهم وراجل زى ما أنت طول عمرك ، اتجـوزها ويمكن تكسب ثواب بجـوازك منها ، ولو فعلاً هى حامل منك زى ما بتقول ، يبقى اتجوزها
أشرق وجه بيرى بعد سماع قول عمه ، وزادت بالأمر بأن تأبطت ذراع عبد الرحمن ، دلالة على أنها ستصير له زوجة سواء شاء بذلك أم آبى ، فظل يحدق فى وجهها بصمت ، كأنه فقد النطق ويلزمه الوقت الكافى لإستعادة رشده مما إفتعلته اليوم بجنونها الذى لم يكن له حد أو رادع ، ورغم رؤيتها لملامح عدم الارتياح على وجه شقيقته أو زوجها إلا أنها لم تجعل ذلك يحد من رغـبتها أو سعادتها بأن تكون زوجة لحبيب دام الفراق بينهما أعواماً ، وطار صوابها بلحظات عندما علمت أنه يريد أن يتخذ فتاة أخرى زوجة له ، فخرجت من داخلها تلك الأنثى الشرسة ، التى ستستميت بالدفاع عن من يخصها هى بالأساس
فإن كان هو وكل من يعرفها عن ظهر قلب ، لا يصدق أنها تفعل ذلك وتتخلى عن برودها بل وتفتعل فضيحة من أجل الحصول على حبها ، إلا أنها فعلت ذلك حقاً ، ولو كان والدها على قيد الحياة ، لكان تلك المرة لن يكتفى بعقاب عبد الرحمن بل كان سيقتله ، ولكن كل هذا أنتهى الآن ، لعلمها بأن ديفيد لن يرفض بأن تتزوج من شاب مسلم ، مثلما فعلت حياء ، حتى هو علمت أنه وقع بعشق فتاة مسلمة ، ولن تجد مانعاً لديه من أن تنعم بقصة عشقها الذى كان محرماً عليها ، لذلك ستخبره بنواياها أنها ستتزوج ، حتى وإن كان هناك إحتمال ضئيل من عدم موافقته ، ستعمل على إتمام زواجها رغم أنفه
❈-❈-❈
كورت سهى قبضتها ووضعتها بفـمها وقضمتها بغيظ ، لعلها تفرغ تلك الشحنة العارمة من الغضب ، فذلك الأحمق ربما سيتسبب فى رسوبها بالدراسة نظراً لتفكيرها الدائم بأمر زواجها المرتقب ، تتمنى لو كان ذلك حلماً أو كابوساً وتفيق منه تجد نفسها حرة ولا يوجد شاب بحياتها يدعى عمرو ، فما أن تذكرت إسمه ، تمنت لو كان أمامها الآن وتقوم بخلع أسنانه وأنيابه ولتجعله هو أول مرضاها وتمارس عليه مهنتها التى مازالت بالسنة الدراسية الثانية منها ، ولولا ذكاءها وحبها لدراستها لما كانت إستطاعت تأدية إختباراتها والتى بدأت منذ بضعة أيام ، فكل يوم يمر عليها ويقربها من يوم زفافها الموعود ، يثير بنفسها الإنقباض وتتمنى لو أن يتوقف بها الزمن ، حتى لا يأتى ذلك اليوم الذى ستزف إليه وتصبح له زوجة
بسطت ذراعيها على مكتبها الصغير وألقت برأسها عليهما وحدقت بأحد جدران غرفتها ، ولكن سمعت رنين هاتفها الموضوع على حافة المكتب ، بالبداية تأففت من سماع رنينه المتكرر ، ولم تشأ أن تعتدل لترى من يهاتفها ، ولكن الرنين المستمر جعلها بالأخير ترفع رأسها المثقل ورفعت الهاتف بفتور ، ولكن ما أن رآت إسم من يهاتفها ، إنتفضت من مكانها حتى كاد يسقط الهاتف من يدها
فتحت الهاتف ووضعته على أذنها وهى تصيح بإنفعال :
– أخيراً إفتكرت وأتصلت عليا يا عمرو بيه ، دا أنا لو شوفتك هقـ ـتلك
حاول الحد من إنفعالها وصياحها ، فهتف بها برفق :
– إهدى يا سهى وبطلى زعيق بليز خلينا نتكلم بهدوء ، وبلاش طولة لسان إذا سمحتى
كزت سهى على أسنانها وردت قائلة بغيظ :
– أنت إيه البرود اللى أنت فيه ده ، يعنى تدبسنى فى الجـوازة وأنت عارف أن أنا مش عايزة أتجـوزك ، وإن خطوبتنا كانت لعبة ، ثم مش يمكن أنا بحب واحد تانى
نضبت الدماء من وجـهها بعدما أنهت جملتها ، فما كان الداعى لها بأن تقول ما قالته ، خاصة أنه ليس بحقيقة ، ولكنها تريد قول أى شئ يستطيع إنقاذها من تلك الزيجة
فتمتم عمرو بحدة ودهشة خفيفة :
– بتحبى واحد تانى ! ويبقى مين ده ، يبقى زميلك اللى شوفته فى الكلية ؟
جاءها سؤاله بإطار الإلحاح وأن تجيبه بسرعة ، ولكن إستطاعت لمـس حدته ودهشته بحديثه ، بعدما علا صوته قليلاً عن تلك النبرة الهادئة التى كان يتحدث بها
تسلحت بعنفوان مزيف وردت قائلة بكذب :
– أه هو زميلى ده ، والصراحة هو كويس جدا ، يعنى على ما نخلص دراسة هنكون مناسبين لبعض ، وهكون اتأكدت من مشاعرى ناحيته
إستطاعت زعزعة هدوءه بتلك الأكاذيب التي أخبرته بها ، وظنت أنه سيبدى أسفه وينسحب من حياتها بهدوء ، ولكن قوله الذى أخترق مسامعها هدم أمالها ، إذ سمعته يقول بإصرار لا مثيل له :
– طب إسمعينى أنتى بقى ، فرحنا فى ميعاده ومش هرجع فى كلامى ولا إن أقولك اه أنا أسف على اللى عملته وربنا يسعدك مع اللى قلبك اختاره ، دا فى المشمش الكلام ده ماشى يا سهى
صاحت بإنتفاضة قوية بعد سماعها لحديثه :
– لاء إسمعنى أنت بقى يا قمور ، مفكرنى هخاف منك وأنك تتجـوزنى غصب عنى وجو الأفلام والروايات السايكو دى ، لاء يا بابا دا انا اهد الدنيا على دماغك قبل ما تفكر أنك بس تمشى كلامك عليا وأتقى شرى أحسن ليك ، أنا بس اللى مسكتنى إن مش عايزة بابا يتصدم فيا وإنه يرجع يفكر يجـوزنى لحاتم إبن عمى أو أى حد تانى ، لكن شغل البنت الضعيفة والشاب اللى بيمسكها من دراعها اللى بيوجعها ده مبياكلش معايا ، دا أنا ممكن أبقى زى العضمة فى زورك متبلعش ولما تبلعها متتهضمش ، فاهم يا عمور القمور أنت
– سهى أنا بحبك
قالها عمرو بعفوية رافقها تنهيدة قوية ولا يعلم كيف أنطلقت العبارة من بين شـفتيه ، أو لم قالها الآن وهو لم يصرح بها بينه وبين ذاته التى مازالت تتخبط بين نيران الماضى ، ووهج الحاضر ، وبريق المستقبل الذى يأمل بأن يحمل له الدواء لكل ألامه الماضية والحاضرة
لو كان حاضراً أمامها الآن ورآها وهى واقفة جاحظة العيـنين وفاغرة فاها ومتحجرة بوقفتها ، سيظن أنها تحولت لتمثال حجرى بلمـسة واحدة من عصى سحرية ، وعندما طال صمتها ، أعاد جملته يضمنها حلاوة ذلك الشعور الذى يزوره لأول مرة :
– سهى أنا بحبك ، أنتى مش سمعانى ؟
كيف لم تسمعه وعبارته أخترقت أذنيها كصدى الطلقات النارية ، جف حلقها وردت قائلة بصدمة :
– ببتحبنى إزاى يعنى ، ولا أنت بتقول كده علشان تضحك عليا وتتجـوزنى بجد
زفر عمرو بتأفف ورد قائلاً بسماجة :
– وأنا إيه اللى يغصبنى أضحك عليكى ، ما أنا بإمكانى أتجـوز أجمل بنت فى إسكندرية ومش إسكندرية بس فى أى مكان فى العالم ، هو أنتى شيفانى متحبش يعنى
ستكون عمياء وبلهاء إذا صدقت أنها لن يكون بإمكانها أن تشعر بإنجذابها إليه ، خاصة أنه شاب ثرى ووسيم ، وبإمكانه الحصول على أى فتاة يريد ، ولكن طباعه التى علمتها هى دون قصد منها ، تجعل أى فتاة تتحلى بالقليل من الذكاء ، ستختار الإبتعاد عن محيطه الشائك والمحاط بأسوار الخوف والخطر
ردت قائلة بإندفاع :
– حتى لو أنت حلو وغنى كفاية أنك مدمن وشغال فى عصابة وبتكسب فلوسك من الحرام
صرخ عمرو عبر الهاتف وهو يقول بنزق :
– قولتلك أنا بطلت زفت مخدرات ومبقتش مدمن ولا بشتغل فى عصابة خلاص كل ده أنتهى مش عايزة تصدقى ليه ، بس أقولك أنتى أصلاً اللى واحدة عندها تخلف فى كلامها ومشاعرها ، وأنا اللى غبى إن ملقتش واحدة غيرك أحبها
سمعت صوت تتابع أنفاسه كمن كان يركض بطريق طويل ، ورغماً عنها دمعت عيناها ، ولم تعلم ما الداعى لدموعها الآن وهى من تحاول قطع حبال الود بينهما ، إلا أن عاد مستطردًا حديثه بعد ثوانٍ معدودة :
– مش عارف كل ما أحاول أقربلك خطوة تبعدينى عشرة ، أنسى بقى عمرو القديم اللى قابلتيه أول مرة شيلى الصورة دى من دماغك ، دا ربنا غفور رحيم وبيسامح وبيدى الإنسان فرصة تانية فى حياته ، ليه أنتى بخيلة كده ومش عايزة تدى نفسك وتدينى فرصة تانية ، أنا مش حابب نتجـوز وأنتى تكونى مغصوبة على الجـوازة أنا عايزك برضاكى ويمكن اللى خلانى احول موضوع خطوبتنا المزيفة لجواز حقيقى إن فعلاً حبيتك يا سهى إفهمينى بقى
– أنا خايفة يا عمرو
تمتمت بها سهى دون مواربة أو محاولة منها أن تدارى خوفها الذى كاد يسحق قلبها
فأسرع عمرو بالرد قائلاً برفق ولين :
– خايفة من إيه بس يا حبيبتى ، لو عايزة الضمانات الكافية اللى تخليكى تطمنى ، أنا مستعد أكتبلك نص ثروتى
أخذت سهى نفساً عميقاً وقالت بغصة :
– وهى ثروتك وفلوسك دى هتعوضنى عن كسرة قلبى لو حبيتك وأنت طلعت متستاهلش الحب ده ، ولا هتعوضنى لما أرجع بيت أهلى وشايلة لقب مطلقة وأنا لسه سنى صغير وياريت هبقى راجعة زى ما خرجت من البيت ، لاء راجعة مطلقة وخسرانة كل حاجة
فكر عمرو فى إيجاد حل لصرف خوفها ، وبعد هنيهة رد قائلاً بإقتراح :
– طب لو اتجـوزنا وعيشنا مع بعض فترة لحد ما تتأقلمى على الوضع وتشوفى بنفسك إن أنا أتغيرت وتثقى فيا ، يعنى هنبقى كأننا لسه مخطوبين ، بس هتبقى عايشة معايا وتعرفينى كويس ، لأن لو قولت لباباكى نطول فترة الخطوبة تانى مظنش أنه هيوافق لاء هيفركش الجـوازة ، قولتى إيه
لو كانت تتخلى بذرة من الذكاء لرفضت عرضه المغرى ، ولكن شعورها كأى فتاة تسمع كلمة الحب الأولى ، وترى دفاعه المستميت عن نقاء حبه لها ، جعلها تعلن موافقتها مع إبداء بعض الشروط :
– ماشى أنا موافقة بس بشرط أنت هتقعد فى أوضة وأنا فى أوضة ومتقربش منى ولا تلمـسنى غصب عنى ، وتسيبى أروح الكلية وأركز فى دراستى ، ومش عيزاك تضغط عليا علشان أحبك ، يعنى سيبنى أنا لحد ما أعرف إذا كنت هحبك ولا لاء ، يعنى بلاش إستعجال ماشى
رد عمرو موافقاً :
– ماشى يا سهى هنفذلك كل طلباتك ومتقلقيش وزى ما قولتلك أنا برضه هأمنلك مستقبلك وهحطلك مبلغ كبير فى البنك
لم يكن المال يعنيها ، قدر إهتمامها بألا تخفق بتلك الزيجة ، فهى لا تريد أن تتزوجه ويعودان وينفصلان وتخرج من تلك العلاقة محطمة القلب ، خاصة أن عقلها بدأ يهيئ لها كيف ستكون الحياة بقربه وستتحالف وسامته مع الظروف المحيطة وجعلها تلقى أسلحتها مبكراً ، فخطر الوقوع بحبه ، أكثر خطراً من إلقاء نفسها وسط النيران ، حتى وإن كانت من قبل شعرت بحب المراهقة ، إلا أن الأمر سيكون مختلفاً تلك المرة
أغلق عمرو الهاتف وإبتسم بإتساع بعد إنهاء المكالمة على نحو مُرضى لكلا الطرفين ، وربما إقتراحه هو الأنسب والأفضل فى ذلك الوقت ، حتى ينتهى من علاجه النفسى ، وأن يبدى لها حسن نواياه مثلما أخبره إمام المسجد ، فمازالت نصيحته ترن بأذنه ، من أنه إن لم يكن على إستعداد كافِ لبدأ حياته الزوجية ، لابد له من أن يتريث حتى لا يتسبب بظلم لزوجته ، وربما وجود سهى قريبة منه ، سيساهم ذلك فى أن يبرأ سريعًا ويكون لها زوجًا مثلما يريد ويتمنى ، ولا ينكر أن إقتراحه سيدر عليه بفائدة من أن يرى أنثى تشاركه حياته ، يستطيع الإقتراب منها أو لمـسها وقتما يريد ، وسهى ربما إختياره الملائم كونها فتاة ذات طباع شرسة ولا تقبل الخضوع والخنوع بسهولة ، وهذا ما بحاجة إليه ، وهو أنها لن تعلن عن إستسلامها السريع ، بل ستأخذ وقتها الكافى ، وبذلك تعود عليه المنفعة من أن يكمل علاجه النفسى ، حتى يستطيع عبور أى حاجز بإمكانه أن يحول بينه وبينها
❈-❈-❈
لم يجد مفر من العودة لممارسة مهنته بمشفاه ، عوضاً عن الجلوس بالقصر ويرى أباه يضيق عليه الخناق بكل غدوة وروحة ، فبعدما تم إحتجازه بالإسكندرية بأمر منه ، ولم يكتفى بأخذ جوازات السفر ، بل زاد بالأمر وأحبط مخططاته فى الحصول على جواز سفر جديد ، أخبر ميس بأنه سيعود للمشفى مرة أخرى ، وعلى الرغم من ضيقها منه لأفعاله بحق زوجته والجميع إلا أنها أبتهجت بذلك ، حتى يكون لديها الوقت الكافى لإصلاح أمورها الخاصة مع عمران ، فبوجوده تستطيع ترك مهام إدارة المشفى له مثلما كان من قبل ، بل ويستطيع هو أن يديرها بقبضة من حديد ، لعلمها بجديته فى العمل ، وأن العاملين بالمشفى يخشون إثارة غضبه إذا قصر أحد منهم بتأدية مهام عمله
وضعت أمامه كافة الأوراق الخاصة بإدارة المشفى بالعاميين الماضيين ، ليكون على علم ودراية بما حدث أثناء غيابه ، وظلت معه بغرفة المكتب حتى تجيبه على كل أسئلته التى لم يكف عن طرحها كلما طالع ورقة من أوراق ذلك الملف الموضوع أمامه ، رفع راسل حاجبيه تزامناً مع زم شفتيه دلالة على إعجابه بما أحدثته ميس من إنجازات أثناء توليها إدارة المشفى
أغلق راسل الملف وضم كفيه قائلاً بإعجاب :
– دا أنتى عملتى إنجازات فى المستشفى خلال السنتين دول مكنتش عارف أنك مديرة شاطرة كده
عدلت ميس من ياقة رداءها الطبى وقالت بزهو مصطنع :
– دى أقل حاجة عندى ، دا سنتين كمان وكنت دخلتلك المستشفى دى موسوعة جينس
ضحك راسل من مزاحها ولم يصدق أن من فعلت كل ذلك ، هى بذاتها إبنة شقيقه الرقيقة والمدللة ، ولكن ربما ما حدث لها وعلم هو به كان سبباً فى حدوث كل هذا ، فهى وحياء متشابهتان بذلك الأمر ، الذى صنع من كل منهما فتاة أخرى ، إحداهما كانت تدير مشفى بأكمله ، وأخرى كانت تدير أعمال العائلة
رمقها راسل متسائلاً بحذر :
– ميس أنتى مش ناوية ترجعى لجـوزك ؟
لم تفهم ميس سر او مغزى سؤاله خاصة الآن ، إلا أنها أجابته بصدق :
– لاء ناوية بس لما أحـس إن خلاص أقدر أرجع أعيش معاه زى الأول ، لأن اللى حصل مكنش سهل على الأقل بالنسبة ليا ، وإحنا تقريباً دلوقتى متفقين على أننا نبدأ من جديد ، بس بتسأل السؤال ده ليه ؟
أسند راسل ظـهره لمقعده وزفر زفرة مطولة ورد قائلاً بتيه :
– مش عارف سألتك ليه جايز علشان مش عايز أكون أنا وأنتى فشلنا فى جـوازاتنا
أعقب حديثه بإبتسامة حزينة ، لن يعلم دلالتها إلا من كان قادراً على قراءة تعبيرات وجهه التى أختزنت الألم كأنها جعلته حكراً عليه
نقرت ميس على سطح المكتب نقرات خفيفة وهى تقول بإستياء طفيف :
– طب أنا سيبت عمران علشان اللى حصل كان وقتها صعب أن أسامح فيه ، أنت بقى سيبتها ليه ، أو أتجـوزت ليه ، قدرت إزاى أصلاً تعمل كل ده ، أنا لو منها مكنتش إكتفيت بقـ ـتلك ، أنا ست وحاسة بيها ، يعنى إيه تشوف جـوزها اللى بتحبه مع واحدة تانية ، دا أنت جبار يا راسل ، وشوف على الرغم من أن بحبك إلا إن أنا مضايقة منك ومش قادرة أستوعب اللى أنت عملته
أغمض عيـناه وترك لأذنيه مهمة سماع حديثها المقتضب ، وليس هذا بشئ جديد ولكن سمعه تقريباً من عائلته بأكملها ، فكلما يراه أحد منهم يسمم أذنيه على أنه فعل ذلك بزوجته ، وكأن حياء صارت تمتلك جيشاً مدافعاً عنها ، فى حين أنه هو فقد حتى دعمه الوحيد ، الذى كان متمثلاً بخالته وفاء ، فمنذ مشادتهما الكلامية وصفعها له وهى صارت تتجنبه ، كأنها لم تعد تطيق رؤية وجهه قبل أن يُصلح أموره مع زوجته
بعدما سكتت ميس عن الكلام ، فتح عيـناه وأنحنى للأمام ونظر لهاتفه يقرأ نص تلك الرسالة التى وصلت إليه ومن ثم وضع مرفقيه على حافة المكتب قائلاً ببرود وإستياء كأنه تلقى نبأ غير مستحب :
– أنا بقول نقوم نشوف شغلنا بدل الهرى ده كله
رفعت ميس حاجبها ونظرت إليه بطرف عيـنيها ، ومن ثم قالت وهى تترك مقعدها :
– ما أنا بقول كده برضه ، أحسن ما تجبلى جلطة من برودك ياراسل أعوذ بالله أنا مشفتش برود كده
تمتمت ميس بجملتها ولم تكتفى بذلك ، بل أخرجت له لسانها لتغيظه ، وما أن سمعت رنين هاتفها وأخرجته من جيبها ورآت إسم عمران ، إبتسمت إبتسامة وضاءة وتركت غرفة المكتب لتجد مكان تتحدث فيه مع زوجها بُحرية
نقر راسل بالقلم على سطح مكتبه عدة مرات ، قبل أن ينفخ بضيق ويلقيه من يده ، فخرج من غرفة المكتب لعله يجد شئ يلهيه عن كثرة التفكير الذى سيودى به فى النهاية لفقدان عقله ، مر بين أقسام المشفى وأصدر تعليماته بشأن بعض المرضى بغرف الإفاقة ، وبعدما أنتهى يومه بالمشفى عاد للمنزل
ما أن ولج للبيت لمح غرفة المعيشة الكبيرة الخاصة بمجلس أبيه الدائم بها حركة غير معتادة ، بعدما رأى حياء تقترب بكوب ماء من رياض ، فخشى أن يكون عاد وأصابه مكروه ، فهرع ناحية الغرفة ووقف على أعتاب الغرفة متسائلاً بإهتمام :
– هو فى حاجة ؟ أنت تعبان ولا إيه ؟
نظر تجاهه كل من عاصم وحياء ورياض ، فتعجب راسل من تلك الملامح المشدوهة التى أعترت وجوههم ، وحياء واضعة يدها على وجنتها وتنظر بالفراغ ، كأنه أقتحم جلسة سرية لا يرغبون فى أن يسمع أحد غيرهم ما يتم مناقشته بها
ولكن عاصم الذى حدق براسل رد قائلاً من أثر صدمته مما سمعه من حياء عندما أخبرته بشأن أدم :
– أنا طلع عندى إبن شاب واسمه أدم ، بيقول إنه إبنى من لحمى ودمى
أشفقت عليه حياء من صدمته مما سمعه منها ، فهى لم تستطع كتمان الأمر عنه وعن رياض ، لذلك أصرت على أن تخبرهما هما فقط على أن يجدا حل لذلك الأمر ، ولم تنسى صيحات الدهشة والصدمة التى أنطلقت من فمه وفم عمه بعدما سماعهما بما تفوهت به
حرك راسل رأسه قائلاً بعدم فهم:
– عندك إبن إزاى يعنى وخلفته أمتى ده ، دى تلاقيها إشتغالة من واحد عايز ياخدله قرشين منك أو من رياض باشا
طافت حياء بنظراتها بينهم وردت قائلة ببرود كسبيل لإغاظته :
– على فكرة هو مش فقير دى غنى ومشهور كمان وهو مكنش أصلاً عايزنى أقول لحد ، بس هو قالى أنا علشان المفروض إن أبقى مرات عمه ، يعنى مبروك يا راسل جالك واحد هيقولك يا عمو غير ميس ، وأنت مشوفتهوش هو وسيم إزاى وشاب تقريباً ليه معجبين بالملايين ، حتى لو ركزت فى ملامحه هتلاقيه فى شبه من باباه
رغم علم عاصم بتلك الأهوال وأبواب الجحيم التى ستفتح بوجهه إذا صح قول حياء وكان له إبن ، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يسألها بنبرة مختلجة بالفضول مع شئ قليل من الإنكار بحقيقة ما سمعه :
– معقول يا حياء هو أدم ده زى ما بتقولى عليه كده ، دا على كده هو دلوقتى سنه معدى الخامسة وعشرين سنة يعنى تقريباً أكبر منك بكام شهر ، طب هو فين دلوقتى ، وليه محاولش يقابلنى ويقولى أنا بدل ما يقولك أنتى ، وليه فضل ساكت السنين دى كلها هو وأمه لو فعلاً زى ما بيقول إنه أبنى
أجابته حياء وهى مازالت تنظر لزوجها الذى إمتقع لونه من حديثها ، فردت قائلة بأسف :
– للأسف هو سافر فرنسا تانى بعد ما خلصت حفلاته هنا وقالى على الموضوع ، يعنى لو هو زى ما راسل بيقول بيشتغلنا كان زمانه جالكم هنا وحاول يقابلكم ، بس هو قالى أنه مش حابب يسبب مشاكل لحد لأنه عارف أنك ملكش ذنب فى أنه اتولد فى الظروف دى ، وعلشان كده سافر على فرنسا تانى
بدا كل منهما أنه يفكر بذلك الأمر حسب أهواءه وما يخدم معتقداته ، إلا أنها لا تعلم سر ذلك الشعور بإنها إستطاعت إفساد مزاج زوجها ، ولن يعود هو الشغل الشاغل لتلك العائلة ، بل ستتجه أنظار الجميع حول من يكون ذلك الشاب الذى من المفترض أنه فرد جديد ينتمى لتلك العائلة برابط دم ونتاج مكيدة وخدعة حصلت فى الماضى ، لعل ذلك يعيده إلى حجمه الطبيعى ، عوضاً عن ممارسته بروده وغروره كطاووس تفرد بأن يستقطب فكر وأنظار الجميع إليه
وتجلت سعادتها على وجـهها بسماع قول رياض وهو يقول برصانة وحزم :
– يبقى أدم لازم ييجى هنا ونعرف إذا كان إبن عاصم ولا إيه حكايته بالظبط ، لأن لو طلع فعلاً شايل دم النعمانى ، يبقى القصر ده وإسم العيلة أولى بيه ، لو تعرفى توصليله يا حياء بلغيه ييجى فى أقرب وقت علشان عايز أقابله وأعرف إذا كانت عيلة النعمانى ليها حفيد جديد ولا لاء
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)