روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء التاسع والعشرون

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت التاسع والعشرون

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة التاسعة والعشرون

٢٩–” صديق قريب وعدو أقرب ”
لا يكاد يسمع صوتاً ، سوى صوت نشيجها ونحيبها المكتوم وهى تحاول كبت دموعها ، فصوت أزيز بعض الحشرات ، التى لا تظهر بوضوح ، سوى بالأماكن الخالية ومع سواد الليل ، جعله يكاد يصاب بالجنون ، ألا يكفى ما سمعه منها ، شاعراً كأنه تم وضعه بغرفة للتعذيب النفسى ، فأصوات الحشرات تجعله عاجزاً عن التفكير ، فلما أختار ذاك المكان من البداية ؟ ولكن ليس هذا وقت تأنيب ذاته على أفعاله الرعناء وسوء إختياره
فهو لم يضع بباله أنه سيقضى وقتاً أطول بهذا المكان ، فمخططه كان أن يذهب بها سريعاً من هنا إلى المأذون ومنه إلى تلك الشقة ، التى إستطاع شقيقه نصر تدبير أمرها من أجله ، بعد أن ألح عليه وأقنعه بصعوبة بالغة في مساندته ومساعدته ، بإتمام زواجه من حفيدة أشهر رجل أعمال بالمجتمع السكندرى ، واعداً إياه بأن إذا تمت أموره وأصبحت على مايرام ، سيساعده بمنحه فرص ذهبية من أجل كسب المال ، وسيكون هو غطاءه عن أعين الشرطة ، نظراً لكونه سيكون صهراً لرياض النعمانى
– هنعمل إيه دلوقتى يا نادر
قالتها ميس فجأة وهى تنظر إليه بطرف عينيها ، فحركته المفرطة التى بدأت تزداد وتيرتها ، جعلتها تشعر بشئ من الخوف ، فلم يكتفى بذلك ، بل عمل على جذب شعره بغيظ
فصاح بغلظةٍ :
– يعنى إيه الكلام اللى بتقوليه ده يا ميس يعنى إيه راسل بقى هو المالك الوحيد لأملاك جدك ، يعنى أنتى خلاص شالك من حساباته لازم بتهزرى معايا
هزت كتفيها وهى تقول بقلة حيلة:
– هو ده اللى حصل والمحامى سيباه مع جدو فى البيت وتقريباً مضى كل أوراق التنازل ، فاضل بس تتسجل
للمرة الثانية يتم خداعه ، فبالأولى كانت الفتاة متبناه ، والآن على الرغم من أن فريسته تلك المرة من أصول عريقة وثرية، إلا أنها لن ترث ، فبعد أن سأم من الدوران حول نفسه ، جلس على مقدمة السيارة ، وحملق بالفراغ ، كأنه ينتظر ظهور حلاً أو مخرجاً من وسط الظلام
عقدت ميس ذراعيها وهى تغمغم :
– والموضوع مش بس كده دا فى عريس كمان متقدملى وعايز يتجوزنى ، وشكلهم ممكن يوافقوا علشان العريس غنى وحتى كمان أنا أعرفه صاحب سلسلة فنادق مشهورة
ضم نادر كفيه ، فتلاحما سبابتيه ببعضهما بإستقامة ، فنقر بهما على شفتيه ، كأنه يفكر فيما سمعه منها ، فبعد مرور دقيقتين على صمته
حدق بها وهو يقول ببرود وخبث :
– طب ما تتجوزيه يا ميس وإحنا برضه هنفضل مع بعض تاخدى منه قرشين حلوين ونهرب
لطمته بكفها على وجنته ، فما ظنه بها ؟ هل هى محتالة وسيئة الخلق ، حتى توافق على إقتراحه الدنئ ، ألا يعلم من تكون هى ومن عائلتها ؟
نظرت إليه بإشمئزاز واضح وهى تقول بكره لسذاجتها ، قبل كرهها لما قاله :
– مكدبوش راسل وحياء لما قالوا عنك إنك واطى وانتهازى وبتحب الفلوس يا نادر ، طلعت زبالة فعلاً زى ما قالوا
تذكرت جلستها مع راسل وحياء بذلك اليوم ، عندما أخبرتها حياء حقيقة تركه لها ، وأنه ليس الشاب الملائم أو الأمين عليها ، فدعم راسل قول حياء ، وحاول بشتى الطرق ، أن يجعلها ترى حقيقته ، فهى ممتنة لهما الآن ، تشعر بالغباء على أن حاولت أن تثير عداء عائلتها وبالأخص راسل من أجل هذا الخبيث ، الذى لايتحلى بأى صفة للنخوة والرجولة ، بل بشاعة أفكاره ، وصلت للحد الذى أراد أن يجعلها كعاهرة تسلب أموال زوجها من أجله
أتسعت حدقتيه من فعلتها ، ولكن قبل أن يصدر منه رد فعل على صفعها له ، لمح سيارة تقترب منهما ، فلم يعى أى منهما ما يحدث ، إلا بعد أن ترجل ثلاث رجال ضخام الجثة ، مهرولين إليهما ، فيما خلفت أقدامهم سحابة ترابية ، من إسراعهم بالإقتراب منهما
قبل أن يعى نادر ما يحدث ، كان أحد الرجال الثلاثة ، قابضاً على ذراعه يكاد يحطم عظامه ، فأزدرد نادر لعابه قائلاً بخوف شديد:
– هو فى إيه وأنتوا مين
– هتعرف دلوقتى
قالها رجل أخر بصوت خشن ، فما لبث أن أخرج من جيبه غمامة سوداء وضعها على عينى نادر ، والأخر يكبل حركته فكلما حاول الإفلات من بين يديه ، يفشل بذلك
غريزتها كأنثى جعلتها تحاول الصراخ ، لعل أحد يستطيع نجدتها من ذلك الرجل ، الذى يحاول الإمساك بها قدر إمكانه بلطف ولين ، حسبما تلقى أوامره
فالثلاثة أمروا بأن يأتوا بنادر وميس ، دون المساس بها هى فقط ، فجرها الرجل بلين حتى وصل للسيارة ، ففتح الباب الخلفى ، وجعلها تجلس بجانب نادر ، الذى أصبح معصوب العينين ومكتوم الفم
– أنتوا مين وعايزين منى إيه أنتوا مش عارفين أنا أبقى مين أنا أبقى حفيدة رياض النعمانى
صاحت بها ميس ، ظناً منها بأن ذكر إسم جدها كافياً ، لجعل هؤلاء الرجال يرهبون جانبها ، ويعلموا أن عقابهم سيكون شديداً إذا مسها ضر أو سوء
فأخرج الرجل الجالس بجانبهما بالمقعد الخلفى سلاحه النارى ، مصوباً به تجاه جبهتها ، فقال بوعيد :
– مش عايز أسمع منك كلمة مفهوم ، لأن ردى هيبقى رصاصة من المسدس ده
فوهة السلاح القريب من جبهتها ، وهى رافعة بؤبؤ عينيها تنظر إليه بخوف ، ألجمت لسانها عن التفوه بكلمة أخرى ، بل أنزوت بجوار باب السيارة المحكم الإغلاق ، وأنكمشت على نفسها تضم ذراعيها حول نفسها ، وعقلها لا ينفك عن التفكير ، عن من يكونوا هؤلاء الرجال الثلاثة ؟ أو إلى أين هم ذاهبون بها وبذاك الخبيث نادر ؟
فعلى الرغم من الخوف ، الذى يسير بدماءها ، إلا أنها تشعر بالتشفى ، وهى ترى الرجل الجالس بجانبه ، يلكزه بقسوة بين الفينة والأخرى ، فهى كانت بنيتها أن تعود للقصر ، وتقدم إعتذارها وندمها لعائلتها ، وخاصة راسل ، فكلما تتذكر بلاهتها وسذاجتها ، تشعر بوخز بضميرها وبأنها كانت حقاً فتاة حمقاء
_______________
بعد مكوثها عدة ساعات بالغرفة ، خرجت وهى تتأهب للخروج من الشقة ، فهما بعد ما حدث بينهما لم يتحدثان ، بل سمعت صوت باب الشقة يفتح ويبدو أنه خرج منذ وقت طويل ، فترددها بادئ الأمر ، جعلها تأخذ وقتاً أطول فى التفكير ، ولكنها حسمت أمرها بالأخير ، فلتذهب هى بمفردها للطبيبة
وضعت حقيبتها على كتفها ، وتنفست بعمق وزفرت الهواء على عدة مرات ، لعلها تعيد تنظيم أنفاسها ، وتقضى على ذلك التوتر الساكن بخلاياها ، خرجت من الشقة وهبطت الدرج بحرص ، حتى لا تخطأ موضع قدمها ، وتنزلق من على ذاك الدرج المتهالك كالبناية السكنية نفسها
أشارت لعربة أجرة ، وبعدما جلست بمقعدها قالت بجمود :
– مستشفى الرحمة لو سمحت
انطلق السائق بالسيارة ، وهى لا تعلم هل من الصواب الذهاب للطبيبة بمستشفى راسل ، أم أن ذلك حماقة منها ؟ ولكنها الآن متزوجة ، فبإمكانها أن تبرر زيارتها للطبيبة ، أنها تزوجت وتشك بأمر حملها ، فهى لم ترى راسل إلا أثناء مكوث والدها بالمشفى ، ولم تتحدث معه مطلقاً ، ولا تعلم عنه شئ سوى أنه تزوج ، فلا أحد يمكن أن تساوره الشكوك حيالها ، هكذا صور لها عقلها ، فكأن كل شئ يسير بنمطى عكسى ، ولا تعلم كيف تزن أمورها أو حديثها
أستغرقت بتفكيرها ولم تنتبه على صوت السائق ، الذى أعلن وصولهما للمشفى ، فبعد أن أنتبهت على ما قاله ، أخرجت النقود وناولته إياها وترجلت من السيارة
ولجت للمشفى ، فرآت نظرات الممرضات لها ، ولكنها لم تأبه بشأن أحد ، ولكن تلك الممرضة ، التى كانت تخبرها بالكبيرة والصغيرة عن راسل ، أقتربت منها وهى ترحب بقدومها
– أهلا وسهلا يا أنسة هند عاش من شافك فينك كده
ردت هند بجفاء :
– مدام هند ، أصل أتجوزت دكتورة النسا موجودة عايزاها ضرورى
فغرت الممرضة فاها ببلاهة من قولها ، ولكنها أشارت لها بيدها وهى تقول بدهشةٍ:
– أه أتفضلى للممرضة اللى هناك
تجاوزتها هند وهى تمشى بإباء ، وصوت حذاءها على الأرضية ، يرن بأذنيها كأجراس الخطر ، وصلت للممرضة ، وطلبت موعداً مع الطبيبة على وجه السرعة ، فأشارت لها الممرضة بالجلوس ، ريثما تخرج المرأة المتواجدة بالداخل
جلست هند والخوف يتأكلها ، فكلما حرضها قلبها على الهرب قبل الدخول ، يعود عقلها يحثها على عدم الإستماع إليه
بعد مرور عشر دقائق ، ولجت هند للطبيبة ، فبعد أن تصافحتا ، حاولت هند الابتسام كما تقتضيها الظروف بتلك الحالة
بادلتها الطبيبة إبتسامتها وهى تقول بمهنية :
– أتفضلى حضرتك قوليلى إيه الموضوع
نشبت هند أظافرها بجلد حقيبتها فقالت وهى تبتلع لعابها بصعوبة :
– هو أنا حضرتك متجوزة فبيجيلى حالات قئ ودوخة فقولت جايز أكون حامل فجيت أتأكد
أماءت الطبيبة برأسها وقالت بتساؤل :
– معملتيش أختبار حمل سواء فى البيت أو إختبار دم
حركت هند رأسها بالنفى على ما سألتها إياه ، فردت الطبيبة قائلة بهدوء :
– هو أفضل حاجة تعملى إختبار دم علشان لو فى حمل هيظهر على طول فأتفضلى فى المعمل هنا أعملى إختبار دم وأرجعيلى تانى
خرجت هند من غرفة الفحص ، وذهبت للمعمل الخاص بإجراء فحوص الدم ، تم سحب عينة الدماء منها ، وجلست بإنتظار النتيجة
ولكنها لمحت مجئ راسل عبر الرواق الطويل ، وهو يتحدث مع أحد الممرضين ، فهو مازال كما هو يبدو عليه الجدية فى العمل ، فكان هو الأسبق فى الإقتراب منها بعدما رآها
فزوى حاجبيه قائلاً بغرابة:
– هند إنتى بتعملى إيه هنا
تبسمت هند إبتسامة خافتة وهى تجيبه :
– كنت تعبانة شوية و جاية أكشف ، أخبارك إيه يا راسل
قال راسل وهو يضع يديه بجيبى رداءه الطبى:
– الحمد لله تمام أخبار باباكى ومامتك إيه دلوقتى
– الحمد لله عن إذنك يا راسل
قالتها هند وهى تهم بترك مكانها بعد سماع الممرضة تناديها ، لأخذ نتيجة فحص الدم خاصتها
إستدار راسل برأسه وألقى عليها نظرة أخيرة ، قبل ذهابه لغرفة مكتبه ، فكأن تلك التى كانت تحدثه فتاة أخرى ، غير هند التى كان يعرفها من قبل
بيد مرتجفة أخذت هند الأوراق من يد الممرضة ، وعادت ثانية لغرفة الطبيبة ، فناولتها الاوراق ونظرت إليها بقلق فى إنتظار حديثها
فبعد فحص التقرير كاملاً ، طالعت الطبيبة هند وهى تقول بأسف :
– للأسف يا مدام هند حضرتك مش حامل
تتابعت أنفاس هند وأنفرجت شفتيها بإبتسامة ، فصاحت بصوتها بسعادة :
– بجد يا دكتورة أنا مش حامل حضرتك بتتكلمى جد
تعجبت الطبيبة من أمرها ، فهى رآت العديد من النساء ، يصابن بالحزن ، إذا أعلنت هى أسفها لعدم حملها أنباء سارة لهن عن حملهن ، ولكنها أصيبت بالحيرة من أمر تلك الفتاة ، وعبرت عن ذلك بأن سألتها بحذر :
– هو أنتى فرحانة كده أنك مش حامل مش انتى قولتى أنك متجوزة
ادركت هند خطأها بأن تعبر عن سعادتها هكذا أمام الطبيبة ، فعادت وأنكمشت ملامح وجهها وهى تحاول أن تكون أكثر حذراً بردها :
– لاء مش حكاية فرحانة أن مش حامل بس علشان لسه فى أول الجواز ومش عايزة طفل فى بداية الجواز كده عايزة أخد وقتى علشان أتاقلم على حياتى الجديدة عن أذنك يا دكتورة
فرت هند هاربة من غرفة الطبيبة ، حتى قبل أن تتمكن من سماع ردها على أسبابها الواهية ، التى أخبرتها بها ، فقبل أن تترك المشفى نهائياً ، فكرت برؤية طبيب آخر ، لتعلم أسباب تقيئها وغثيانها ، فهى بعد أن تنتهى ستذهب رأساً لشقة زوجها ، فكم هى ترغب بالعودة سريعاً إليه
ولكن أغتمت ملامحها بتذكرها تصريحه ، بأنه مغرم بآخرى ، فحماسها الذى ملأها منذ برهة بالعودة للشقة ، ظل يخبو شيئاً فشيئاً ، كجذوة من النار طالتها الماء ، فانطفىء نورها ولم يتبقى سوى دخان ورماد الأمنيات
بعد ساعة عادت هند لشقة زوجها ، فتحت الباب لتلج للداخل ، فوجدت كرم ينتظرها بالصالة مكفهر ومتجهم الوجه ، لم ترى بعيناه سوى سخط ونقم ، ولا تعلم علام كل هذا ؟
قبض على ذراعها وهز جسدها بخشونة وهو يصيح بوجهها :
– كنتى فين ده كله وبرن عليكى تليفونك مقفول ، حتى رنيت على مامتك فعرفت أنك مش عندهم فكنتى فين يا هند أنطقى
رآت إتهام صريح بعيناه ، يحاول أن يواريه هو خلف غضبه ، فنفضت يده عن ذراعها وهى تقول بحدة :
– هكون فين يعنى كنت فى المستشفى روحت أكشف علشان أعرف إيه سبب الحالة اللى أنا فيها ، وأطمن مطلعتش حامل ولا حاجة لاء طلع عندى إلتهابات فى المعدة وأدى الدوا والروشته بتاعه الدكتور شوفهم بنفسك
وضعت ما تحمله بيدها بين يديه بخشونة ، فكاد أن يترنح بوقفته ، بعدما إصطدمت بكتفه ، أثناء مرورها من جانبه ؛ لتذهب لغرفتها ، فصفعت الباب خلفها ، محدثاً صوت صرير مزعج
جلس على الأريكة ووضع الدواء من يده على المنضدة الصغيرة أمامه ، فظل على جلسته تلك ما يقرب من النصف ساعة تقريباً ، وهو يأنب ذاته على إندفاعه بسؤالها هكذا ، فهو عندما عاد للشقة ولم يجدها ، طار صوابه خاصة بأنه لا يعلم أين ذهبت بهذا الوقت ؟ ولكن لم يكن عدم علمه بمكان وجودها ، هو من أجج نيران الغضب بداخله ، بل شعوره القاتل بالغيرة ، ومن الوساوس التى ملأت عقله
_____________
إصطف الخدم والعاملين بالقصر والحرس صفاً واحداً ، أمام سيد المنزل الأول وكبير تلك العائلة ، فبعد علمه بأن حفيدته ، تركت غرفتها ، بل وتركت القصر بأكمله ، ولم يعثر لها على أثر ، آمر بأن يقف الجميع آمامه ، من أجل محاسبتهم ، على التقصير بمهامهم ، فلا يعنى أنه إذا صار عجوزاً ، أنه لن يستطيع إحكام سيطرته على كل من يعمل لديه ، فهو كان ومازال رياض النعمانى ، الذى بإمكان إسمه فقط أن يرهب الجميع
كل منهم يقف يضم كفيه ، ومنحنى الأكتاف والرأس،إحتراماً لسيدهم ، وخوفاً من مصير غضبه ، الذى تجلى بوضوح فى نقره لعصاه على الأرض ، بكل ما يحمله بداخله من إستياء
فصاح بهم بصوت جهورى :
– أنطقوا قولوا مين اللى ساعد ميس تخرج من القصر ، وإلا والله العظيم هيبقى حسابكم عسير سواء اللى غلط أو مغلطش كلكم هتتعاقبوا
تصبب العرق على وجوههم ، حتى قررت تلك الفتاة التى ساعدتها ، بأن تعلن عن نفسها وندمها بأنها هى من ساعدت السيدة الصغيرة على الهروب من القصر
ففركت يداها ونكست رأسها المغطاة بنقابها ، فكادت تشعر بألم بأصابع قدميها ، وهى تحاول ضمهما من شدة خوفها بعد أن يعلم سيد المنزل الكبير ، بأنها هى الجانية التى يبحث عنها
– أنا يا رياض باشا اللى ساعدتها تخرج
صدحت تلك الكلمة من فمها بإرتعاش ، وجسدها يرتجف بأكمله ، كأنها تلميذة ستتلقى عقاب شديد من معلمها
فبإشارة من إصبعه كان آمراً البقية بالانصراف ، بينما أشار لها هى بالاقتراب منه بضع خطوات ، فتلك الفتاة كان أبيها المتوفى من رجاله المخلصين ، ووالدتها تعمل هنا بالقصر منذ زمن بعيد ، فذلك ما سيشفع لها بأن يحدثها بهدوء ، عوضاً عن تأديبها بالطريقة الملائمة لتقصيرها ومخالفتها لأوامره
ولكن لم يمنع صوته أن يخرج مستاءاً أثناء قوله :
– عملتى ليه كده ، أنتى مش عارفة أن مانع ميس تخرج من اوضتها ، تقومى تخرجيها من القصر كله
لم تجد ما تبرر به فعلتها ، سوى أنها لم ترد أن تخيب رجاء ميس بها ، فدمعت عيناها وهى تقول بعد أن أطرقت برأسها أرضاً:
– محبتش أزعل الأنسة ميس أنا بحبها ومحبتش أزعلها
نظر رياض لسوزانا الجالسة بجانبه ولا تفه بكلمة ، بل تحدق بالفراغ ، كأنها أصيبت بضربة رأس قوية ، فهى كانت أول من إكتشفت أمر إختفاء إبنتها ، فخرج عاصم برجاله للبحث عنها ، بينما هى ظلت هنا بإنتظار سماع أى خبر عنها
فقبل أن يعود رياض للحديث مع الفتاة ، أعلنت الخادمة عن مجئ ضيف يصطحب معه ميس ورجل أخر معصوب العينين ، فصرف رياض الخادمة وأمر الأخرى بأن تجعل الضيف يلج لغرفة المعيشة
فدلف عمران يجر نادر من يده المكبلة أيضاً ، وتتبعهما ميس الساخطة على ما حدث لها اليوم ، من إكتشاف حقيقة من ظنت أنه حبها الحقيقى ، ومن وقوعها بيد عمران بعد إختطاف رجاله لهما ، فربما هى نائمة وتحلم بكل هذا
وقف عمران على مقربة من مجلس رياض ، فأفتر ثغره عن إبتسامة جانبية وهو يقول بسخرية تجلت بكلماته الشامتة :
– مساء الخير يا رياض باشا أنا عمران الزناتى ، سمعت كده خير اللهم أجعله خير أنك بتدور على حفيدتك فجبتهالك هى واللى كانت هتهرب معاه من وراكم ، أصل الصراحة خفت على إسم عيلتكم ، فحبيت ألم الموضوع من غير شوشرة
ظن عمران أنه سيرى نظرة إنكسار بعينى رياض ، بعدما تفوه بعباراته الساخرة ، ولكن وجده يستند بظهره للأريكة بأريحية ، ويده قابضة على رأس عصاه بشموخ معتاد
فتبسم رياض وقال ليجاريه بسخريته :
– لاء شهم يا إبن الزناتى
تلفتت ميس خلفها ، لعلها ترى من ينقذها من براثن والدتها ، التى رآتها تقترب منها بخطوات حثيثة ، آثارت بقلبها الخوف ، فهى على علم ودراية بما ستفعله ، فلم تنتظر طويلاً حتى تلقت وجنتها صفعة قوية ، فلم تكتفى سوزانا بذلك ، بل قبضت على شعرها وهزت رأسها بعنف وهى تصرخ بوجهها :
– لييييه تعملى كده أنا ربيتك على كده يا دكتورة ليييه
همت برفع يدها ثانية ، لتصفعها صفعة أخرى ، فوجدت من يقبض على رسغها مانعاً إياها من فعل ذلك ، فحولت بصرها عن وجه إبنتها لوجه راسل ، الذى لا تعلم من أين آتى هو الآن ؟
أرتمت ميس بين ذراعيه وهى تبكى بصوت مسموع وشهقات متلاحقة ، منعته من أن يلتقط حروفها بوضوح وهى تتحدث :
– رراسل وو الله اانا كنت هرجع تانى أنا عرفت القذر ده على حقيقته ، بس لقيت رجالة خطفونا قبل ما أرجع
حدق راسل بأبيه ، فى حين أن يده تربت على ميس لتجعلها تكف عن البكاء ، فهو تلقى منها رسالة عبر الهاتف ، تخبره بضرورة المجئ للقصر ، وبأن الأمر هام للغاية ، بل هو أمر حياة أو موت ، فدب القلق بقلبه ، وبسرعة فائقة كان يقود سيارته للوصول لقصر أبيه
– بس يا حبيبتى إهدى وقوليلى فى إيه بالظبط
قالها راسل بهدوء وحنان ، فى حين أن عيناه ترمق عمران ، الواقف على مقربه منه ، وليس هو بمفرده بل نادر راكعاً على الأرض ، كأنه ينتظر تنفيذ الحكم بالموت
أصبح الموقف أكثر تأزماً بعودة عاصم هو الآخر ، فآمر رياض بإبتعاد جميع الحرس والعاملين عن غرفة المعيشة ، وإذا علم أن أحد إسترق السمع على تلك الجلسة ، فسيعاقب عقاباً عسيراً
– آه يا عمران يا أبن …
همست ميس بقرارة نفسها بإستياء ، فكلما رآت إبتسامته وهو يطالع الحاضرين ، تود لو تقترب من عنقه وتزهق أنفاسه ، فهى كانت ستعود وستنهى الأمر ، لولا تدخله اللعين
فراسل لم يحجم نفسه عن ضرب نادر ، الذى خرج صوته مكتوماً نظراً لتكميم فمه ، فأزاح عصبة عيناه وفمه ، فعلا صوت صراخه ، كلما تلقى ضربة أو صفعة من يده
– بس يا راسل
أتاه هذا الأمر من أبيه ، بأن يكف عما يفعله ، فضرب بآمره عرض الحائط ، وعاد لما يفعله ثانية ، فأشار رياض لعاصم بأن يفض الأمر ، قبل أن يؤل للأسوء
– خلاص بقى سيبه أنت ما صدقت
هتف بها عاصم وهو يجذب راسل ، الجاثم على صدر نادر يكاد يزهق روحه
فنفض راسل يد عاصم عنه ، بعدما إستقام بوقفته فقال ببرود :
– أنا هاخد ميس عندى البيت اليومين دول يلا يا ميس
– ميس مش هتخرج من هنا إلا على بيت جوزها وفرحها الأسبوع الجاى على عمران الزناتى
قال رياض فجأة ، فألجمت عبارته ألسنة الحاضرين جميعهم ، فعمران لم يظن أنه سيوافق هكذا بكل سهولة ، على ما سبق وأخبر به عاصم ، فبعد أن أنقشعت سحابة الصمت ، أبدى راسل رفضه لزواجها من ما يضعه بمنزلة الأعداء ، ولكن كانت كلمة أبيه كالسيف ، ولن يتراجع عن قراره ، فرآى أنه من الأفضل الذهاب لمنزله ، عوضاً عن بدء مشاجرة بينهما ، فأبيه يبدو عليه التصميم الكامل على زواج ميس من عمران ، فلا أحد آخر سيخالف له آمراً ، فهو على ثقة بذلك
_____________
حملت حياء قدح القهوة الخاص بوفاء ، والذى كانت أوصت الخادمة ، أن تأتى لها به بالحديقة ، ففضلت هى حمله إليها ، فهى تريد الحديث معها قليلاً ، لعلها تصبح أكثر تفهماً لحالات زوجها المزاجية المتغيرة بإستمرار ، فتذكرت بالأمس بعد عودته من الخارج ، وكأن العالم سيفنى بين دقيقة وأخرى ، فهو لم يصعد للغرفة ، بل وجدته بالملعب خاصته ، فلم يكتفى بتنفيث غضبه بلعبته المفضلة ، بل رآته كيف حطم الزجاج الموجود بالغرفة بالمضرب
– أتفضلى يا ماما وفاء القهوة بتاعتك
هتفت بها حياء بإبتسامة وهى تضع قدح القهوة أمامها ، فتبسمت لها وفاء بدورها شاكرة إياها
أرتشفت وفاء القهوة مغمغمة بإستمتاع ، ولكنها رآت نظرات حياء الحائرة ، وكأنها تود سؤالها عن شئ ، فبادرت بسؤالها :
– مالك يا حياء فى إيه شكلك عايزة تسألى على حاجة
زفرت حياء وهى تقول بقلة حيلة :
– الصراحة كنت عايزة أتكلم معاكى بخصوص عصبية راسل المفرطة دى ، دا بيأذى نفسه وهو مش حاسس أنا الصراحة بقيت أخاف من ردود أفعاله
وضعت وفاء قدح القهوة من يدها ، فهى على علم ودراية بما تقوله حياء ، فهى سابقاً كانت تبذل مجهوداً كبيراً لقمع غضب راسل
ضغطت بيدها على عينيها بإرهاق :
– مش عارفة أقولك إيه يا حياء ، ليكى حق تخافى ، إذا كنت أنا بخاف من عصبيته ، أنا لما كان بيعمل كده وهو صغير كنت بحايله لحد ما يهدى ، لكن لما كبر الموضوع بقى صعب شوية ، بس بالرغم من كده هو ميقدرش يأذى اللى بيحبهم
تعلم هى هذا ، ولكن خوفها لم يكن على شئ إلا عليه ، فهى لا تريده أن يتسبب بإيذاء لنفسه ، فجلستها مع وفاء أسفرت عن نصائحها لها بأن تكون صبورة وتحاول إحتواءه وقت غضبه
نظرت حياء بهاتفها ، فوجدت أن الوقت حان للذهاب لمنزل مربيتها صالحة ، فهى بالغد ستسافر لتأدية مناسك العمرة ، وتريد رؤيتها قبل سفرها
فنهضت حياء وهى تقول باسمة :
– عن إذنك يا ماما أنا هروح لدادة أسلم عليها قبل ما تسافر بكرة تعمل عمرة ، أنا كنت هاخد سجود معايا بس نامت ، هى فى أوضتها فوق وأنا مش هتأخر
أماءت وفاء برأسها موافقة ، فخرجت حياء من المنزل ، تقود تلك السيارة التى أبتاعها لها راسل بوقت قريب ، لم تستغرق وقتاً طويلاً فى الوصول لذلك الحى ، الذى تقطن به صالحة وتقع به تلك الشقة التى كانت تسكنها قبل زواجها من راسل ، ففكرت أن تعرج عليها بعد إنتهاءها ، فهى كانت تاركة كل أغراضها بها
طرقت حياء الباب ، ففتحت صالحة الباب وصاحت بسعادة لرؤيتها :
– حبيبة قلبى أتفضلى
إحتضنتها حياء وقبلت وجنتيها ، فولجت للداخل ورآت أبناء صالحة ، اللذان رحبا بقدومها ، فأنصرفا بعد وقت قصير ، وظلت حياء بمفردها مع صالحة
ناولتها صالحة كوب الشاى وهى تستطلع أحوالها مع زوجها :
– عاملة إيه يا حبيبتى مع جوزك كويسة الحمد لله
تبسمت حياء وقالت وهى تحرك رأسها بالإيجاب :
– الحمد لله يا دادة راسل كويس أوى معايا وبيحبنى وانا كمان بحبه وحبيت بنته كأنها بنتى أنا كمان ، وحبيت ماما وفاء ، بقوا عيلتى وعزوتى
فرحت صالحة بسماع قولها ، فوعدتها أنها ستدعو لها بأن يديم الله عليها السعادة ، فبعد أن ودعتها حياء وداعاً لم يخلو من الدموع والأحضان ، خرجت من المنزل وأستقلت سيارتها ، فقادتها حتى وصلت أمام المسجد ، فترجلت منها وصعدت للشقة ، ففتحت الباب وولجت وأضاءت زر الإنارة بالصالة
سمعت رنين هاتفها بإسم زوجها ، فأخبرته بمكان وجودها ، فطلب منها إنتظاره وسيأتى إليها
فتحت نافذة الصالة ونظرت للخارج ، وسمعت صوت زغاريد قادم من مكان قريب ، ففكرت بالذهاب لشراء طعام لها ولزوجها من أحد المطاعم ، فهى تريد قضاء بعض الوقت معه هنا قبل عودتهما للمنزل ، لعلها تعلم ما أمتنع عن إخبارها إياه حول ما أزعجه بالأمس
قبل أن تصل للمطعم ، قابلت زوجة الإمام ، التى صافحتها بحرارة مرحبة بقدومها ، فعلمت منها أن اليوم ستتم خطبة بلال على إحدى فتيات الحى ، فأصرت على الذهاب معها من أجل تهنئته
فولجت برفقتها لإحدى البنايات وصعدت لتلك الشقة المقام بها حفل الخطبة ، تعجب بلال بادئ الأمر من رؤيتها ، إلا أنه تبسم لها وهى تقترب منه تردد عبارات التهنئة
– ألف مبروك يا أستاذ بلال ربنا يتمم بخير مبروك يا عروسة
رد بلال قائلاً بتهذيب :
– الله يبارك فيكى ونورتى
جلست حياء لما يقرب من العشر دقائق ، وأعتذرت مغادرة معللة أنها لا تريد التأخير فى العودة لمنزل زوجها ، فخرجت من البناية وذهبت للمطعم وإبتاعت ما ألزمها وعادت للشقة ثانية
وجدت راسل يقف أمام الشقة واضعاً الهاتف على أذنه وينفخ بضيق ، فرآها تصعد الدرج فهتف بها بتساؤل :
– حياء أنتى كنتى فين برن عليكى مبترديش قلقتينى عليكى
رفعت الأكياس البلاستيكية أمام عيناه وهى تقول بإبتسامة :
– نزلت أشترى أكل كنت حابة نأكل مع بعض هنا والتليفون سيبته فى الشقة ، بس وانا راحة أشترى الأكل عرفت أن حفلة خطوبة بلال إبن إمام المسجد فرحت أباركله معلش يا حبيبى لو كنت أتأخرت عليك
فتحت باب الشقة وسبقته بالدخول ، فولج بأثرها وأغلق الباب خلفه ، فخلع عنه سترته وقام بثنى أكمامه عن ساعديه ، بينما هى كانت بالمطبخ ، تقوم بوضع الطعام بالأطباق ، فأستند بمرفقيه على الحائط المنخفض والفاصل بين المطبخ والصالة
فحك لحيته وهو يقول بمكر طفيف :
– بس ليه عايزة ناكل هنا لوحدنا
تبسمت وهى تضع الأطباق على السطح الرخامى قريباً منه ، فقالت بصوت منخفض وهى تنحنى إليه :
– علشان حابة أستفرد بيك النهاردة يعنى أعتبر نفسك مخطوف بس مع خدمة فايف ستار
قبض على طرف حجابها ؛ ليمنع إبتعادها ، فصعدت يده لوجنتها يلاطفها بوله هامساً :
– وأنا موافق تخطفينى زى ما خطفتى قلبى منى
لم يكن أمر تناول الطعام محل طلب منهما الآن ، فجوعه للقاءها كان هو الغالب على كل ما تقتضيه الظروف ، من تناولهما للطعام والعودة للمنزل ، ولكن بإمكانه إختطاف لحظات من السعادة بقربها ، كتلك الدقائق التى مرت وعيناها وشفتيها تفى بنذور وعهود العشق
فبعد وصول زورق الخيال لمرفأ الأحلام ، وجدت عيناها تطالبها بالنعاس ، الذى يستطيع سرقته من بين جفونها بسهولة ، فالآن ستغفو على صوت نبضات قلبه الصادحة أسفل أذنيها وهى تتوسد صدره ، بعدما نجح بإلهاءها عن التفكير بسؤاله عما حدث البارحة وتسبب بتعكير صفو مزاجه
_____________
تلك الرفاهية التى يحيا بها بمنزل أبيه ، جعلته يتخذ قراراً من شأنه أن يغير مستقبله بالأيام القادمة ، فوالده لم يبدو عليه أنه مستاء من وجوده ، بل على النقيض يشعر بأنه أكثر تفهماً لوجوده ، كأنه أعتاد على رؤيته يتجول هنا وهناك بالمنزل الفسيح ، فأخذ هاتفه وذهب لغرفته ، فهو سيتحدث مع والدته بشأن إقامته بالاسكندرية بصورة فعلية ونهائية ، فهو حتماً لا يرغب بالعودة للولايات المتحدة الأمريكية ، ويحيا بكنف زوج والدته الحقير ثانية
رآى والدته تبتسم له عبر الفيديو ، آثناء محادثتهما على موقع التواصل الإجتماعي ” فيسبوك ” ، فتبسم لها بدوره وهو يقول بتوتر :
– ماما أخبارك إيه وحشتينى
ردت والدته قائلة بحب :
– وأنت كمان يا حبيبى وحشتنى هترجع أمتى المفروض أيام سفرك لباريس تخلص وترجع هنا تانى
شاعراً بالألم من ضمه لشفتيه ، يخشى خروج الكلمات من بينهما ، فمن المؤكد أن والدته ستثور بوجهه الآن بعد علمها بما ينتوى قوله ، ولكن حاول أن يتحلى بالشجاعة ،فقال دفعة واحدة بدون أن يلتقط أنفاسه :
– ماما على فكرة أنا مش فى باريس لاء أنا فى إسكندرية وفى بيت بابا ومش راجع أمريكا تانى أنا هعيش هنا وده قرارى الأخير وأتمنى متزعليش منى
أنتظر لسماع رد والدته على ما قاله ، إلا أنها ظلت على حالتها الساكنة والمذهولة من حديثه معها ، فبعد أن ازاحت عن فمها غطاء الصمت
قالت بعصبية مفرطة:
– باباك ! وهو تلاقيه فاكرك ولا عايزك أصلاً يا عمرو قدامك ٤٨ ساعة ترجع فيهم أمريكا وإلا صدقنى مش هتعرف أنا هعمل إيه أنا …..
قطعت حديثها بعد جلوس زوجها بجانبها ، الذى تبسم لعمرو عبر الهاتف ، فتعكر مزاجه بالكامل ، فربت على ساق زوجته وهو يقول بهدوء وخبث متقن :
– إهدى يا حبيبتى إبنك كبر دلوقتى وأكيد عارف مصلحته مش كده يا عمرو يا حبيبى
رد عمرو بإنفعال قوى وغيظ عظيم :
– أه عارفها وأنا قولتلكم على قرارى سلام بقى علشان مش فاضى
أغلق الهاتف وألقاه على الفراش، وهو يطلق سباب لاذع من بين شفتيه يخص به زوج والدته ، فترك غرفته وهبط الدرج ، ولكن أثناء مروره من أمام غرفة مكتب أبيه ، سمع صوت بالداخل ، فوقف يتنصت على الحديث
فسمع أبيه وهو يقول بإنزعاج :
– يعنى إيه الكلام ده عايز ترجع فى كلامك وتنزل فى السعر لاء أنت بتحلم
فرد أحد الرجلين المتواجدين معه بغرفة المكتب :
– يا فواز بيه المبلغ المطلوب فى البضاعة دى كتير أوى ومش ده السعر اللى أتفقنا عليه قبل كده
– يا حبيبى ده أغلى صنف موجود دلوقتى دى بودرة هيروين بيور مش مضروبة زى اللى بتشتغلوا فيها ومش موجود عند أى حد فى مصر كلها
قالها فواز بشئ من الفخر ، فأتسعت حدقتى عمرو الواقف بالخارج ، فبعد علمه أن أبيه يعمل بتجارة المخدرات ، قرر أن يستمع للحوار كاملاً
فهتف الرجل الأخر قائلاً بضيق :
– مش معنى أن “أدريانو إسكندر “هو اللى مخليك أنت بس اللى تشتغل فى الصنف ده يبقى تغلى علينا السعر كل شوية يا فواز بيه كده كتير أوى
قال فواز بعدم إكتراث:
– ده اللى عندى عاجبكم كان بها مش عاجبكم يادار ما دخلك شر وشوفوا هتجيبوا بضاعة منين ومع السلامة بقى دلوقتى علشان صدعت من الكلام معاكم
كاد عمرو يهشم تلك المزهرية ، التى إصطدم بها ، أثناء محاولته الهرب من أمام غرفة المكتب ، قبل خروج والده وضيوفه ، فبسرعة البرق كان يستند على أحد الأشجار بالحديقة ، يحاول إلتقاط أنفاسه ، وعقله لا ينفك عن التفكير فيما سمعه وعَلمه عن والده ، فأبيه لا يختلف كثيراً عن زوج والدته ، ولكنه يفكر الآن فى كيفية الإستفادة من معرفته بما يفعل والده ، فتلك الفرصة لن تتاح له ثانية
_____________
وقف بجوار الفراش المستلقى عليه شقيقه ، فالطبيب يعمل على تضميد تلك الجروح التى ملأت وجهه وجسده ، ولكن أخبره الطبيب بأن يطمئن ، فنادر بإمكانه التماثل للشفاء بوقت قريب، فتذكر عندما هاتفه نادر ، يكاد يخرج صوته من فمه ، وهو يطالبه بالمجئ لأخذه ، بعدما تخلص منه رجال عاصم وأخرجوه من القصر ، فهم أيضاً أبرحوه ضرباً ، بعدما تركه راسل
فها هو يرقد بالفراش منذ ثلاث ليال ، ويأتى الطبيب يومياً للإطمئنان عليه ، ووضع ضمادات جديدة على تلك الجروح ، التى إن دلت على شئ ، تدل على أن نادر كان أقرب أو أدنى من الموت
– تمام كده يا نصر بيه أنا خلصت وإن شاء الله قريب يبقى كويس
هتف بها الطبيب وهو يخلع قفازه الطبى ، ويلملم أدواته الطبيبة ، التى كان بحاجة إليها ، آثناء إعتناءه بتضميد جراح نادر
شكره نصر على صنيعه وهو ينظر لوجه شقيقه :
– شكراً يا دكتور أتفضل أنت مع السلامة
خرج الطبيب من الغرفة ، فجلس نصر على طرف الفراش ، وعيناه ساخطة على رؤية شقيقه الأصغر ، بتلك الحالة الصحية المزرية
ولكنه لم يستطع منع نفسه من أن يصيح بنقم :
– كويس كده يعنى يا نادر ، أنا مش حذرتك بلاش تلعب مع عيلة النعمانى ، أدى أخرتها إهى كنت فى ثانية ممكن يخلصوا عليك خالص مش بس يضربوك
كأنه وضع مادة ملتهبة على جراحه ، فأنتفض نادر بجزعه العلوى ، فعلى الرغم من شعوره بالألم ، إلا أن ذلك لم يمنعه من الرد على نصر بحدة مماثلة :
– خلاص بقى مش كل ما هتبص فى وشى هتقولى الكلمتين دول يا نصر ، أنا غلطان أن استنجدت بيك وجيت بيتك ، أنا ماشى
عندما حاول ترك الفراش ، لم تسعفه قدميه المصابة ، فبمجرد وقوفه عاد وسقط ثانية مكانه ، فأسرع نصر بتقديم يد المساعدة له ، حتى عاد وأستلقى على الفراش ثانية
زفر نصر أنفاسه قائلاً بضيق :
– أنا مش بلومك ولا بعاتبك ، أنا بس بفكرك أنك أنت اللى أخترت تدخل عش الدبابير برجليك وأنا حذرتك وقولتلك ، عيلة النعمانى وخصوصاً رياض النعمانى مش زى عرفان الطيب ، وكمان طلعلك إبن الزناتى ده كمان فى البخت
تذكر نادر وجه عمران ، وكيف كان رجلاً مهاب من رجاله ، ذو شخصية تحير الأخرين ، فمن يراه يظنه شاب لطيف ، من ذوات الطبقة المخملية ، ولكن بالحقيقة ربما يشبه رجال العصابات بدهاءه وذكاءه ، فالأمر لا يقتصر على ذلك ، بل أنه سيتزوج من الفتاة ، التى حلم هو بالثراء على يديها ، ولكن خاب آمله بكل ما وضعه من مخططات ، عندما ظهر عمران ليفسد له مخططه وليس هو فقط بل راسل أيضاً
غلت الدماء بعروقه ، كلما تذكر ما حدث له بقصر النعمانى ، فقال من بين أسنانه بوعيد :
– والله ما هسيبهم وهاخد حقى منهم واحد واحد وأولهم راسل إما خربت حياته مبقاش أنا نادر ، هخلى سيرته وسمعته على كل لسان ، لدرجة أنه مش هيقدر يرفع عينه فى عين حد
تختمر خطط الانتقام بعقله ، فهو سينتقم منهم ، حتى وإن كان هذا أخر شئ سيفعله بحياته ، فحاول الهرب بعينيه عن مطالعة وجه شقيقه ، الذى ملأه الاحتجاج على ما يفكر به ، وكأن لسان حال نصر يخبره
– ألا يكفيك ما لقيته منهم
ولكن العناد تملك منه ، فما أنهى تلك المحادثة ، التى ستنتهى حتماً بالمشاجرة ، سوى رنين هاتف نصر
فترك مكانه ووضع الهاتف على أذنه قائلاً بطاعة :
– تمام تمام جاى دلوقتى
لم يفه سوى بتلك العبارة القصيرة ، فوضع الهاتف بجيبه ونظر لنادر قائلاً وهو يغلق أزار سترته:
– أنا جالى تليفون من أدريانو إسكندر عايزنى ضرورى أنا رايح له وأنت الشغالة هتطلعلك الأكل ياريت تاكل ومتعملش زى العيال الصغيرة سلام
قبل أن يصل نصر للباب هتف به نادر :
– نصر أنا عايز منك خدمة
إستدار إليه نصر ، وعبر عن غرابته من مطلبه بتجعيد جبينه :
– خير خدمة إيه تانى يا نادر ، ياريت متكونش مصيبة تانية
إعتدل نادر بالفراش ، وإستند بظهره للوسائد الموضوعة خلفه ، فمسد بيده السليمة ، على ذراعه المصاب وهو يقول بتعبير مبهم :
– عايز أقابل أدريانو إسكندر شخصياً ، أنا على طول بتعامل معاكم عن طريقك أنت ، بس المرة دى عايز أقابله لأن هو ده اللى هيساعدنى أنتقم من عيلة النعمانى وأولهم راسل
حك نصر لحيته بتفكير ، فما لبث أن قال مغمغماً :
– لما تبقى تخف الأول هبقى أوديك ليه ودلوقتى سيبنى بقى علشان متأخرش عليه
خرج نصر من الغرفة ، ومنها إلى الخارج ، فأستقل سيارته آمراً السائق بإيصاله لمنزل ” أدريانو إسكندر” أو إذا صح القول قلعته الحصينة
بعد أن أطلق السائق زمور السيارة ، حشد من الرجال ألتف حول السيارة ، ليعلموا من يكون مالكها ، فبعد علمهم بمن يكون ، سمحوا له بالدخول
فرافق نصر عدة رجال مدججين بالسلاح ، كأنهم على وشك دخول الحرب
– أهلا يا نصر أتأخرت كده ليه عن ميعادك دقيقتين
صدحت تلك الجملة من بين شفاه ذاك الرجل الجالس واضعاً ساق على الأخرى ، يحمل بيده اليمنى سيجاراً ضخماً بنى اللون ، يتصاعد دخانه بخيوط رمادية ملتوية ، وبيده اليسرى كأس من النبيذ الفاخر ، يشبه لونه الأحمر لون الدماء ، التى يحب سفكها دائماً
وهناك فتاة جميلة و ناعمة تجلس على سور النافذة وهى تعزف على الكمان وتدندن بصوتها العذب إحدى الأغنيات بصوت منخفض ، فنظرت لنصر وعادت تكمل عزفها وغناءها وهى تهز ساقيها المكشوفين من فتحة ثوبها
– بيرى سيبينا لوحدنا شوية
آمرها أدريانو بضرورة الخروج ، فتركت مكانها وأقتربت منه ، وقبلته على وجنته وهى تقول بإبتسامة :
– أوك يا بابى بس مش عيزاك تنسى أن النهاردة عندنا حفلة فى الأوبرا هنحضرها
إيماءة خفيفة من رأسه ، كانت دلالة كافية ، على أنه سيرافقها ، فهو لا يخالف لها آمراً ، وكيف يصح له ذلك وهى إبنته المدللة
بعد سماعه صوت إغلاق بيرى الباب خلفها ، وضع أدريانو الكأس من يده فقال وهو يحدق بوجه نصر :
– أنا سمعت أن أخوك داخل فى مشاكل مع عيلة النعمانى وده مش حلو علشانكم فاهمنى طبعاً يا نصر
أزدرد نصر لعابه عدة مرات ، فهو يعلم أن أدريانو ، إذا سأم من أحد رجاله ، لا يملك غير طريقة واحدة للتخلص من سأمه وهى القتل ، فهذا الرجل يطلق عليه ” عراب عالم الاجرام ” على الرغم من أنه ذائع الصيت بأنه أحد كبار رجال الأعمال المخلصين بالاسكندرية وصقلية مسقط رأس والدته
رد نصر بتوجس :
– أدريانو خلاص نادر بعد عن بنت النعمانى ، بس هو طلب منى انه عايز يقابلك علشان عايز ينتقم منهم
أرتشف أدريانو من كأس النبيذ خاصته وهو يفكر بما سمعه من نصر ، فهتف به :
– المهم دلوقتى عايزك تجهزلى ٤ بنات مطلوبين ضرورى وبعدين أبقى أشوف موضوع أخوك ده وأتفضل أنت دلوقتى ونفذ اللى قولتلك عليه
لم يكن نصر بحاجة لسماعها منه ثانية ، فمثلما آتى مثلما خرج يرافقه رجال أدريانو
ببطئ كان أدريانو يحرك السائل الأحمر داخل الكأس ، قبل أن يرفع لفمه ، ويبتلع ما تبقى بكأسه دفعة واحدة ، فترك الغرفة وخرج لحديقة المنزل ، ينظر لإبنته التى تركض هنا وهناك ، ويركض خلفها كلبها الأليف ، فتبسم ومسد على لحيته التى أختلط بها المشيب ، مثلما فعل برأسه ، ولكن لم يدوم تأمله لها طويلاً ، فإذ بأحد رجاله يقف بجانبه هامساً بأذنه ، أن هناك ضيف ينتظره بالداخل ، ويريد مقابلته ، فأشار إليه بأن يصرف ذلك الضيف ، فهو لم يعد يملك حالة مزاجية تمكنه من مقابلة أحد ، فهذا الوقت خاص به وبإبنته الشابة
____________
لا أحد يعلم كيف مرت تلك الأيام قبل حفل الزفاف الضخم ، ذلك الحدث الكبير ، الذى سيشهده المجتمع السكندرى ، من زواج حفيدة رياض النعمانى ، فصهره لم يكن سوى حفيداً لرجل شهد له الجميع بحسن السيرة الطيبة ، ومازال الكثيرون يتذكرونه على أنه أحد أعلام النبلاء من ذوات الطبقة الثرية
فكأن الجميع يتصرف بآلية ، وكأنهم أصبحوا فجأة خاليين من الشعور ، فلا أحد يفهم ما يجرى هنا ، أو لما وافق رياض النعمانى على زواج حفيدته من عمران ، والكل يعلم بشأن الشكوك حول والد عمران بتورطه بقتل وجدى النجل الأكبر لرياض
فأول من أعرب عن غرابته هو راسل ، فهو لم يفهم بعد سر إصرار أبيه من زواج ميس ، فكلما حاول أن يخرج من متاهة تفكيره ، يعود ويدور بالدائرة المغلقة ثانية ، فلم يقتصر الأمر لهذا الحد ، بل أن اليوم هو يوم زفاف ولاء أيضاً ، فمعتصم بعد علمه بموعد زفاف شقيقه عمران ، ذهب لراسل بالمشفى يستجديه من أجل الموافقة على أن يقيم حفل زفافه مع شقيقه ، فهو يريد إقتسام سعادته معه ، فوافق راسل ولم يرده خائباً ، خاصة بعد شعوره بميل ولاء وإسعاد للموافقة
– حبيبى أنت بتعمل ايه هنا يلا علشان المأذون جه وكتب الكتاب هيبدأ خلاص
قالتها حياء وهى تقف بجواره وتهز ذراعه لتجعله ينتبه على قولها ، فمنذ مجيئهما لتلك القاعة الكبرى ، التى سيقام بها حفل الزفاف ، وهى تراه يقف متبلد الشعور ومتصنم بوقفته ، كأنه يشاهد عرض سينمائى
أنتبه راسل على وكز حياء له ، فحاول الابتسام قدر إمكانه ، فالليلة سيتم زواج ميس إبنة شقيقه ، وولاء التى تكون بمثابة شقيقته الصغرى
– ماشى يا حبيبتى يلا بينا
جذب يدها وجعلها تتأبط ذراعه ، فهو يريدها قريبة منه ، حتى لا يثور بوجه أحد ، وحتى تنتهى تلك الليلة بسلام
قريباً من باب القاعة المفتوح على مصراعيه ، كانت عيناها ترصد تحركه بالقاعة ، فهو يعمل على إستقبال المدعوين ، وتلقى التهانى والمباركات بزيجة إبنة شقيقته ، فهى لا تعلم سبب تجاهله المتعمد لها الليلة ، فتقابلت أعينهما فعاد عاصم وأشاح بوجه عنها وهو يتحدث مع أحد الرجال الواقفين بجانبه
شعور بالمهانة تملك منها ، بعد رؤية تجاهله الواضح لها ، ولكن رأت فواز يقترب منها يصطحب معه شاب لا تعلم من يكون
فأقترب منها مهنئاً لزواج أبناء شقيقها :
– ألف مبروك لجواز عمران ومعتصم يا غزل هانم أقدملك عمرو إبنى
تقدم منها عمرو وأخذ يدها يقبلها قائلاً بكياسة :
– مبروك
سحبت غزل يدها وهى تحاول الابتسام :
– الله يبارك فيك وعقبالك مكنتش مفكرة أنك كبير كده يا عمرو أنا باباك كان حكالى عنك زمان
فهى تتذكر أن فواز أخبرها بشأن أنه كان متزوجاً عندما بدأ العمل لدى والدها ، ولكن زواجه لم يدم طويلاً ، فأسفر عنه إنجابه لولده عمرو وتم الطلاق ، وتزوجت والدة عمرو من رجل ميسور الحال وهاجرت معه لأمريكا مصطحبة الصغير معها
دعتهما غزل للجلوس على إحدى الطاولات ، فاعتذر فواز من ولده واعداً إياه بأنه سيعود إليه قريباً ، فهو لمح تلك الطاولة ، التى يجلس حولها أدريانو وإبنته ، فلم يتعجب من وجوده ، فحفل الزفاف ضم كل أصحاب الثراء والأعمال بالمجتمع السكندرى بأكمله
فسحب فواز مقعد قريباً منه قائلاً بإبتسامة جانبية :
– منور يا أدريانو أنا مصدقتش لما شوفتك هنا
نفث أدريانو دخان سيجاره بوجه فواز وهى يجيبه :
– وفيها إيه يعنى لما أجى أحضر الفرح أنا جاتلى دعوة فمحبتش أفوت الفرصة دى وأجى أشوف النعمانى الكبير ، أنت عارف كان بيعز والدى جداً
مال فواز برأسه إليه قليلاً وهو يقول بصوت هامس :
– هو كان بيعز والدك وأنت الصراحة رديت الجميل كويس قتلت إبنه وجدى بس وكمان جاى تحضر فرح بنته
ألتمعت عينى أدريانو ببريق شيطانى وهو يقول ساخراً :
– مسمعتش المقولة اللى بتقول خلى أصدقاءك قريبين منك وأعداءك أقرب ، يعنى أنا قتلت وجدى النعمانى وأنت سهلت عليا دخول قصر الزناتى وقتلتهم ، لأن الصراحة مراد الزناتى ووجدى النعمانى كانوا عاملين ليا صداع بالرغم من أنهم كانوا أصحابى أوى يا فواز ، بس أنا اللى خلقى ضيق زيادة عن اللزوم
_______________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى