رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الأول 1 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الأول
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الأول
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الأولى
بين السعادة والشقاء والحقيقة والوهم ،حد فاصل كالخيط الرفيع ، الذى إذا إنقطع فجأة ، صارت الحياة متاهات لاتعلم أي منها ستقودك للحقيقة التى تهفو لمعرفتها
ماضى تحيف به الشُبهات ، لا يعلم أحد ما تكتنفه القلوب ، من ندوب وجروح وويلات أرواح معذبة ..!!!
سمعت هى عنه قبل أن تراه ،كانت سعيدة بحياتها وبخطبتها وحبها لجارها الوسيم ،حتى وضعها القدر بين يديه ..!!!
تتقاطع طرقهما سوياً ، فتاة عنيدة وطبيب ذائع الصيت ، نسجت الحياة لها شِباكاً وألقت بطرف الشِباك بيده ، وهو أخر من تتمنى أن يجمعهما مكان واحد ، فكيف تشعر بالراحة وهو من كان سيزهق روحها …بالخطأ
ذلك الكره الذى سكن عينيها كلما وقع بصرها عليه ،جعله يتيقن انها تنظر إليه كالأخرين، فتلك الوصمة ربما ستظل رفيقته،فربما لن يرى بعينيها نظرة مخالفة لتلك التى يراها بها ، فكيف له ذلك وهى لا تراه سوى طبيب بدرجة قاتل ؟
١– ” طيف من الجحيم ”
صارت الساعة الثامنة بصباح أحد أيام شهر ديسمبر ، فقد ولت أيام الخريف ، لتتزين السماء والأرض بحُلى الشتاء ، فالنسمات الباردة بدأت فى تسكين برودتها بالأجساد ، وأوقات تروى الأرض بقطرات الغيث الغزير ، فيسعى الناس للحصول على الدفء
ففى ضاحية من ضواحى مدينة الأسكندرية، وفى أحد المنازل المطلة على الشاطئ، منزل أحد التجار المشهورين وهو منزل ” عرفان الطيب”
يحيا “عرفان” وزوجته وإبنته مترفين بوسط مخملى ، يرجع أثره لنيل رب الأسرة لشهرة واسعة فى صنع و بيع الأقمشة ، والتى انعكست بدورها على أسرته
تصاعدت أبخرة الأكواب الموضوعة أمامها ،تداعب أنفها جعلتها تغمض عينيها تشعر بلذة تعلو بداخلها من رائحة القهوة ، التى أعدتها من أجلها وأجل والدايها
فتحت عينيها التى تشبه بلونها حبات البندق الفاخرة ولكن سرعان ما أخذت ترفرف بأهدابها عدة مرات من تيار الهواء المنعش القادم من نافذة المطبخ المطلة على الشاطئ ، الذى ظل يداعب وجهها بنعومة تشبه نعومة الحرير، فسارعت بضم رداءها البيتى لجسدها النحيل لمنع البرودة من التسلل إليها ، فحملت الصينية تسير بخطوات هادئة تكاد لا تسمع من سُمك أغطية الأرضية السميكة ، تنتعل خفها البيتى الطريف متخذاً شكل دب الباندا ،فوصلت للصالة وجدت والديها أنهوا طعام الإفطار ، فناولت كل منهما قدح القهوة الخاص به
فتبسمت تلك المرأة الجميلة والتى تدعى “مديحة” قائلة بصوت عذب:
–أممم جيبالنا القهوة بنفسك يبقى وراها حاجة يا “حياء” خير يا ترى
أصطبغ وجه تلك الفتاة ذات الثانية والعشرون ربيعاً بلون أحمر قانى ، فتوهج خديها بلهيب الخجل من كشف والداتها سر إعتناءها بهما بصباحها الباكر ، خلاف عادتها اليومية ، فهى لا تغفو بنومها إلا قبيل الفجر بعد إنتهاءها من الصلاة ولا تستيقظ إلا عند إقتراب أذان الظهر ، فرأت “مديحة” أن نشاطها اليوم على غير عادتها ، لابد أنه ينطوى على إستجداء جديد من لائحة مطالبها التى لا تكف عن طلبها ولا يستطيعان هما الرفض
أبتلعت ” حياء” ريقها قبل أن تنفرج شفتيها الوردية قائلة بلطف:
–ههكون عايزة إيه يعنى يا ماما ولا حاجة
صدحت ضحكة ” عرفان” من تلعثمها الواضح بحديثها فسحب نظارته قليلا أسفل عينيه قائلاً بدهاء:
–أنتى متأكدة يا “حياء” أنك مش عايزة حاجة ولا حتى “نادر”
أتسعت حدقتيها بعد سماع تصريح والداها بإسم من يشغل بالها ، ومن أستيقظت خصيصاً له منذ الصباح الباكر ، أو ربما لم تنم ليلتها البارحة من أجل الحديث مع أبيها قبل إنصرافه إلى عمله ، فهى تستيقظ من نومها تجده رحل إلى مقر عمله، فأرادت إنهاء ذلك الأمر المتعلق بنادر وبخطبتهما التى من المفترض أن تقام مراسمها بعد يومان،على أن يكون حفل الزفاف بعد شهران فقط ، وذلك بناء على رغبة عريسها المستقبلى
أطرقت حياء برأسها أرضاً قائلة بخجل:
–وبعدين بقى يا بابا مش هتبطل تكسفنى كده كل شوية
سحبت ” مديحة” مرفقها تجلسها بجوارها تدنيها منها فقبلتها على رأسها قائلة بسعادة:
–وجه اليوم يا قلبى وهشوفك عروسة
لفت” حياء” ذراعيها حولها فرفعت رأسها وقبلتها على وجنتها قائلة بحب:
–ربنا ما يحرمنى منكم أبدا يا ماما
ترك “عرفان” الجريدة من يده وهب واقفاً قائلاً بصوت هادئ:
–أنا همشى دلوقتى علشان متأخرش بس مقولتيش أنتى كنتى عايزة إيه يا “حياء”
أبتعدت “حياء ” قليلاً عن والداتها تحدق بوالدها قائلة بتوتر:
–هو الصراحة كنت عايزة أكلم حضرتك يعنى بخصوص الشقة اللى هيشتريها نادر علشان نتجوز فيها
عندما إستمعت والداتها لما قالته ، قطبت مديحة حاجبيها قائلة بإستياء:
–حياء مش أتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده يا بنتى ليه عايزة تبعدى عنى أحنا محلتناش غيرك وأنتى شايفة البيت هنا عامل إزاى وباباكى هيجهزلكم الدور اللى فوق كله وعيشوا معانا هنا مش عيزاكى تبعدى عنى كفاية بعدتى عنى لما كنتى بتكملى تعليمك برا مصر
وضعت مديحة يدها على يد حياء ،تضغط عليها بحنان وخوف من إبتعادها ، لم يكن من حياء سوى رفع يد مديحة قائلة وهى تقبلها بحب :
–ماما يا حبيبتى أنا كنت هقولكم كده نادر فكر ان الشقة اللى هيشتريها يجهزها و يعملها عيادة وهنعيش معاكم هنا
لم يعقب عرفان على ما سمعه من إبنته ، ففرحة زوجته بما سمعته جعله يصمت ، فهو أيضاً لا يحب إبتعادها ، ولكن كان بإنتظار إصرار نادر على إستقلالهما بحياتهما الخاصة ، مبرزاً جديته فى تحمل مسئوليته تجاهها
رفعت حياء عينيها بإنتظار سماع ما أقره والداها بشأن هذا الأمر ، فلم يكن منه سوى أن أهداها إبتسامة خفيفة وجملة قصيرة:
–ماشى يا حبيبتى ومبروك
لم يزد عرفان كلمة أخرى وخرج من المنزل ، بينما تركت مديحة مجلسها المريح لتبدأ فى البحث عن مهندس للبدء فى عمل التعديلات والإصلاحات اللازمة بالطابق الثانى
وضعت حياء طرف إصبعها بين شفتيها ، تقضم أظافرها بتوتر ، فما شعرت به من صوت أبيها جعل الريبة والشك يسكناها ، فهى لا تنكر ترحيب والداها بنادر عندما أبدى رغبته فى الإقتران بها ، ولكن حرص على أن يكون زوج إبنته مثالاً يحتذى به للرجولة والكرامة
___________
فى إحدى غرف الجراحة بذلك المشفى الذى يطلق عليه ” مشفى الرحمة ” ، بدأ الخوف يسير بأوردته ، خشية إخفاقه بإنقاذ ذلك المريض ، المتسطح أمامه ينازع الموت ، فعيناه منصبة على ما تفعل يداه ، وأذناه تتبع صوت ذلك الجهاز ، الذى كلما انتظم صوت صفيره ، إطمأن قليلاً من أن الأمور تسير بخير
فهتف بتلك الممرضة الواقفة بجانبه :
– مشرط
عقب كلمته مد يده لتضع بها ما يريد ، فتباطأت يداها فى فعل ذلك ،بسبب خوفها ورؤية تلك الدماء التى لطخت قفازه الطبى وهو ممدود أمامها هكذا ، فتلك هى المرة الأولى التى ترافق طبيب بغرفة الجراحة
تأخرها فى تنفيذ أمره ، جعله يدير رأسه إليها يهديها نظرة تهديد من سوداويتيه قائلاً بإقتضاب:
– أطلعى برا
ورفع يده يشير لممرضة أخرى وهو يقول:
– تعالى أنت أقفى مكانها
وقفت الممرضة التى بت بأمرها بالخروج ، تحدق به وهى مشدوهة ، فهى لم تتأخر فى إجابة مطلبه سوى ثوانى معدودة ، فرأت أنه من الأفضل أن تستمع لما قاله ، فهى حديثه العهد بالعمل هنا ، ولا تريد أن تزيد من حنقه عليها
بعد أن فرغ من إجراء الجراحة ، نظر لمساعديه قائلاً بمهنية :
– يتنقل العناية المركزة
بعد أن أنتهى من إصدار أوامره وسحب قفازيه الغارقين بالدماء ، خرج من غرفة الجراحة ، سحب ذلك القناع الطبى الموضوع على وجهه ، يزفر بارهاق شديد فقد مرت حوالى أكثر من خمس ساعات ، كان يجرى بها تلك الجراحة الخطيرة لشاب جاء إلى المشفى فى حالة يرثى ، لها بسبب حادث سير
رأى والدة ذلك الشاب تقترب منه ودموعها تسبقها فى سؤاله عن ابنها
– ابنى عامل ايه دلوقتى يا دكتور طمنى الله يباركلك
نظر إليها بابتسامة طفيفة مطمئناً لها:
– الحمد لله عدت على خير وان شاء الله هيبقى كويس اطمنى
نظرت إليه المرأة بامتنان فطفقت تثنى عليه بالدعاء:
– ربنا يباركلك يا دكتور يارب
تركها وذهب الى غرفة مكتبه ، فأرتمى على ذلك السرير الصغير الموضوع بالغرفة والمستخدم لفحص المرضى ، والذى لا يكاد يكون كافياً ليتمدد عليه بإرتياح ، نظراً لطوله الفارع ، فإحدى ساقيه تدلت على الأرض ، يضغط بيديه على عيناه التى جفاها النوم منذ البارحة
فأنين خافت خرج من بين شفتيه ، وهو يشعر بألم شديد بجميع انحاء جسده فهو منذ البارحة لم يترك غرفة الجراحة فبعد انتهاءه من اجراء عملية جراحية لطفلة صغيرة ، جاء هذا الشاب أيضاً فلم ياخذ قسطاً من الراحة ، فهو يشعر بحاجته للنوم الآن الا انه رأى باب الغرفة يفتح ، تدلف منه فتاة ربما فى أواخر العشرينات ، ولم تكن سوى إبنة أحد رجال الأعمال ذو النفوذ والثراء الواسع ، والذى تمتد أواصر الصداقة بينهما منذ سنوات
فتبتسمت له قائلة بغنج:
– صباح الخير يا راسل انتى فينك من امبارح مشوفتكش مش المفروض كنت هتيجى عندنا امبارح أنا وبابى ومامى كنا مستنينك على العشا امبارح
تقدمت من إحد مقاعد المكتب ، فجلست بإرتياح واضعة ساق على الأخرى ، ويداها تعمل على تنسيق شعيراتها السوداء المنسدلة على جانبى وجهها ، تلتمع أظافرها بطلاء أحمر ، يتماشى مع لون شفتيها القرمزيتين ، وهى مازالت تتبعه بنظراتها التى باتت أقرب للهوس ،وخاصة وهى تراه مستلقياً ، كأسد أخذ كفايته من التنقل بغابته ، وحان وقت نيل راحته بعرينه
اعتدل راسل فى جلسته قائلا بإرهاق:
– اهلا يا هند من امبارح وانا عندى عمليات كتير لسه يا دوب خارج من اوضة العمليات من شوية حتى ما رجعتش البيت من امبارح زمان امى وسجود زعلانين منى دلوقتى
طاف الضجر بعين هند وهى تنقر بأصابعها على طرف المكتب :
–اه قولتلى بقى ان مامتك وسجود زمانهم زعلانين ومش هامك زعلى انا ما انا مش مهمة عندك يا راسل خالص
زفر راسل بضيق ليس من حديث هند فقط ، ولكن بسبب أنها دائما ما تفتعل الحزن او الغضب منه ليراضيها هو ، ولا يعلم لما تفعل ذلك فهما لا يربط بينهما شئ ، فمن يراها يظنها زوجته وتحاسبه على أفعاله ، ولكنه الآن فى وضع لا يخوله فعل شئ ، فهو لا يشتهى الآن سوى ان يضع رأسه على وسادة ويغرق فى نوم عميق ، فهو لم يذق للراحة طعما منذ البارحة ، لتأتى هند وتزيد من ارهاقه وتعبه
فنظر اليها قائلا بحدة:
–هند انا بقولك من امبارح منمتش ولا رجعت البيت اظن يبقى عندك احساس بتعبى شوية ثم انا مش فاضى للعب العيال بتاعك ده
امتعضت هند من حديثه فرمقته بنظرة مستاءة:
–لعب العيال ! بتقولى أنا كده يا راسل هو علشان ….
أغلق راسل عينيه بتعب فهى ستبدأ الآن فى اسماعه ذلك الحديث الذى لاتمل منه أبدا الا انه رفع يده يشير إليها بأن تلتزم الصمت
–هند بلاش تبدأى كلامك ده دلوقتى انا تعبان و تقريباً مش شايف قدامى فياريت تسبينى أرتاح شوية بعد إذنك يعنى
عبثت هند بازرار حقيبتها ، التى تحمل شعار أشهر الماركات ، وهى ولا شك تشعر بتجمع الدموع بعينيها من حديثه الفظ معها ، فهو لاينمق حديثه ابدا
فهبت واقفة تبتسم ابتسامة خفيفة توارى خلفها إستياءها:
–ماشى يا راسل انا همشى دلوقتى انا جيت اطمن عليك لما مجيتش امبارح سلام
–مع ألف سلامة
قالها راسل وهو يراها تخرج من الباب، فعاد وتسطح على السرير ثانية ، ولكن لم يمر برهة وجيزة ، حتى سمع طرق على باب الغرفة، فنفخ بضيق ألن ينتهى هذا اليوم بدون ان يحصل على قسط من الراحة
قام بفتح الباب فعلا صوته بضيق:
–ايوة فى ااايه
ارتعدت تلك الممرضة من حدة صوته فقالت :
–اسفة يا دكتور راسل بس فى حالة جت فى حادثة عربية وعايزينك ضرورى
ضيق راسل ما بين عينيه قائلاً بتساؤل:
–هو فين الدكاترة اللى موجودين فى المستشفى ها ، فين دكتور نادر مش المفروض يكون موجود هنا دلوقتى ولا المستشفى دى ملهاش ظابط ولا رابط خليهم يجهزوا أوضة العمليات وبعدها بلغى كل الدكاترة المحترمين اللى موجودين فى المستشفى والممرضين أن فى إجتماع
صفق راسل الباب فى وجه تلك المرأة ، التى انتفضت ليس من حدة صوته فقط ، ولكن من اغلاقه للباب بوجهها
فرفعت شفتها العليا وهى تقول:
–اعوذ بالله عليك يا أخى شغالين عند مين إحنا دا أنت جبروت يا ساتر يا رب
دائما ما ينعته العاملين لديه بهذا اللقب من جفاءه وصرامته فى التعامل معهم ،فهو لا يحبذ إخفاق أى فرد منهم بعمله ، فهو يكره الاعتذرات والاعذار الواهية ،يردد لهم دائماً شعار أن ” دقيقة واحدة ربما تكون الحد الفاصل بين حياة المريض وموته ”
®~~~~~~~~~~®
سحبت سيدة فى منتصف الخمسينات ، مزلاج الباب المعدنى لذلك المتجر الذى تملكه باحد ضواحى مدينة الإسكندرية، ولجت إلى الداخل وضعت المفاتيح التى تحملها بيدها ، نظرت لتلك العلب الكرتونية بالداخل وبدأت فى تنسيقها على الارفف الخشبية
فهذا المتجر الخاص ببيع كل أنواع العطارة ، هو الأشهر فى ذلك الحى ، فتلك السيدة المدعوة وفاء قد ورثته عن زوجها الراحل ، فهى تولت ادارة ذلك المتجر بعد وفاة زوجها ، وصقلت موهبتها فى تحضير وصفات الأعشاب الطبيعية من زوجها ومن خلال تلك السنوات التى عملت بها بتلك المهنة ، رافضة قرار راسل بأن تتخلى عنها وتلازم المنزل ، حتى لا تجهد نفسها بكثرة العمل
إلا انها قابلت قراره بالنفى القاطع ، فهى تشعر دائما بأنها قريبة من زوجها ، من خلال عملها بالمهنة التى كان يعشقها ويتقنها ، جالت بعينيها فى جميع الارفف لتتأكد أن كل شئ على ما يرام ولا ينقص عشبة أو شئ من الممكن أن يحتاجه أحد من الزبائن الذين يرتادون هذا المتجر
فهتفت بصوت منخفض:
– كده كل حاجة تمام وكل الانواع موجودة واه دى نوع البخور اللى بتحبه اسعاد هخليه ليها على ما تيجى
حملت احد اعواد البخور ، لتقوم باشعالها ووضعها على باب المتجر ، ففاحت تلك الرائحة العطرية التى راحت تستنشقها وفاء بحنين ، فهذا كان النوع المفضل لدى زوجها ، رفعت رأسها لمحت تلك المرأة التى تملك المتجر المجاور لها
فابتسمت لها وهى تقول:
–صباح الخير يا اسعاد
اقتربت منها اسعاد وهى باسمة فهى حقا اسم على مسمى سيدة دائما مبتسمة المحيا وبشوشة الوجه ، ولكن عيناها يتوارى خلفها سُحب من الألم
– صباح النور يا وفاء استنى افتح المحل بتاعى وبعدين نجيب حاجة نفطر بيها سوا
وضعت وفاء ما بيدها ترمقها باسمة:
– لاء انا سبقتك انتى عارفة لازم افطر سجود قبل ما أنزل وكمان علشان أوديها الحضانة
هزت إسعاد رأسها بتفهم وشرعت فى فتح متجرها هى الاخرى ذلك المتجر الخاص ببيع العطور
سمعت وفاء رنين هاتفها فرأت إسم معلمة حفيدتها فعلمت ان ربما اليوم افتعلت سجود شجارا مع احد الأطفال بالروضة
فلم تجد مفر سوى الرد عليها :
_ الو صباح الخير يا ميس نورا
ردت عليها نورا بصوت جاهدت على الا يخرج حاداً الا انها لم تستطع ان تكمل بهدوءها وتلك الجنية الصغيرة المسماة سجود ذات الرابعة من عمرها قد اخرجتها كالعادة عن طورها :
– صباح الخير يا وفاء هانم لو سمحتى انا عيزاكى تجيلى الحضانة دلوقتى حالا و ضرورى بعد اذنك
أيقنت وفاء أن هناك أمر مهم للغاية فأغلقت عينيها بشئ من التعب ، فماذا تفعل مع حفيدتها فهى حادة الطباع مدللة ، وربما يرجع ذلك الى دلال راسل الزائد لها ، ولا تنكر هى أيضاً انها تحب تدليلها ، فهى حرصت على دلال الصغيرة منذ صغرها
خرجت وفاء من أفكارها لتجيب قائلة بهدوء:
– حاضر يا ميس نورا نص ساعة وهكون عندك
اغلقت وفاء الهاتف فسحبت حقيبتها الصغيرة وخرجت نادت على إسعاد فخرجت إليها سريعاً:
– خير ياوفاء فى ايه
زفرت وفاء قائلة بضيق:
– هيكون فى ايه يعنى غير سجود وعمايلها السودة انا راحة الحضانة اشوف فى ايه خلى بالك من المحل على ما أرجع ماشى واه ده البخور اللى بتحبيه
اخذته اسعاد من يدها بابتسامة قائلة بإمتنان:
– تسلميلى ، ماشى يا حبيبتى ربنا يهديهالك يارب بس انتوا اللى مدلعينها أوى يا وفاء
تنهدت وفاء بقلة حيلة :
–اعمل ايه لراسل هو اللى مبيحبش يزعلها ومهاودها فى كل حاجة لما قربت تجننى انا كمان سلام
استقلت وفاء سيارتها ذاهبة سريعا الى تلك الروضة الخاصة بالأطفال وتلك هى ثالث روضة ترتادها حفيدتها هذا العام..!!!
وصلت وفاء للروضة ،وهى تستحضر كلمات الاعتذار التى أعتادت على قولها لكل من تراه بسبب أفعال حفيدتها ، ولجت للداخل فوجدت المعلمة تنتظر بجوارها سجود ،التى ركضت عند رؤية جدتها
فأقتربت المعلمة قائلة بوجه متجهم :
– أنا أسفة يا وفاء هانم بس حفيدتك دى مش هتقعد هنا تانى كفاية اللى عملت وزمايلها اللى بهدلتهم وأخرهم طفل دماغه أتفتحت لما زقته واتخبط فى الحديد بتاع الألعاب ، مستحيل أخلى طفلة شيطانة زى دى هنا أنتوا بجد سايبنها كده إزاى
رمقت وفاء سجود بعتاب من أنها دائما تتسبب فى سماعها لتلك الأحاديث بشأنها ، فنكست الطفلة رأسها ، كأنها تعى خطأها ولكن تأبى الإعتراف به
حاولت وفاء أن تبدى إعتذارها على ما فعلت الصغيرة :
–أنا أسفة بجد يا ميس نورا هى بس علشان مدلعة شوية
أومأت المعلمة برأسها نفياً:
– أسفة لحضرتك ممكن تشوفيلها مكان تانى تتعلم فيه عن إذنك
رحلت المعلمة ، فأخذت وفاء بيد الصغيرة ،لتعود للسيارة ، وضعت الصغيرة بالمقعد الأمامى ، وصعدت وفاء خلف المقود
فألتفتت لها قائلة بتأنيب:
– يعنى كويس كده كل شوية تسيبى حضانة يا سجود وبعدين معاكى باباكى لو عرف هيزعل منك على اللى بتعمليه ده
أطرقت الصغيرة برأسها باكية قائلة بنهنهة:
– هو بابى فين هو أصلاً بييجى وقت صغير ومش بشوفه كتير على طول فى الشغل وأنا معنديش ماما والاولاد بيضحكوا عليا ويقولولى أنتى شبه العروسة اللعبة
فالصغيرة حقاً جميلة جداً ، كأنها دمية حية ، وكثيراً ما يخبرها كل من يراها أنها تشبه دمية ” الباربى ” حتى أثار الأمر إستياءها ، تشعر كأنها مختلفة عن الآخرين ، ولا تشعر بالاندماج مع الأطفال بمثل سنها
®~~~~~~~~~~~®
تبسمت بثغرها الوردى ،وهى تضع الهاتف على أذنها تتحدث مع ذلك الطبيب الوسيم ،الذى سيصبح خطيبها بعد مرور يومان فقط ، فهو يقطن ببناية سكنية قريبة من منزلها ، كانت تراه أثناء ذهابها ومجيئها ، حتى ذلك اليوم الذى علمت من يكون ، وكان هذا أثناء حفل مقام بمنزل إحدى جيرانها ، ليمر أسبوع كامل ، وأتى هو برفقة أقاربه لخطبتها
خرج صوتها خافتاً وهى تقول:
– نادر مش هنروح نشوف القاعة اللى هنعمل فيها حفلة الخطوبة ، دى خلاص فاضل يومين بس
أجابها نادر بصوت مرهق:
– أنا أسف يا حياء بس صاحب المستشفى مشدد أوامره علينا النهاردة أن مفيش حد يستأذن ويمشى فأنا ممكن أخلص على الساعة ٤ تعالى المستشفى ونروح نشوف القاعة ولو أن أنا مش شايف قدامى دكتور راسل مطلع عينينا من الصبح وكمان فى إجتماع دلوقتى
زفرت حياء بقلة حيلة قائلة بإشفاق :
– الله يكون فى عونك يا نادر وباين على الدكتور اللى اسمه راسل ده واحد مستقوى وشايف نفسه إيه ده بكره أنا النوعية دى من الناس اللى بتحب تتعب اللى حواليا علشان مزاجها ربنا يسهل وتعمل العيادة الخاصة بيك وشوية شوية ربنا يفتحها عليك ويبقى عندك مستشفى زيه
رد نادر قائلاً بأمل :
– يارب يا حياء ربنا يسمع منك سلام بقى علشان شكله جاى وهيبتدى يزعق
قبل أن يغلق الهاتف سمعت حياء صوت عالى صارخاً فعلمت أن ربما يكون هذا هو ذلك الطبيب المتعجرف الذى سمعت عنه من نادر
فأسترعى إنتباهها تلك الجملة التى سمعتها عبر الهاتف ،عندما سمعت راسل يوبخ نادر قائلاً :
– هو حضرتك واقف هنا تحب فى التليفون وسايب شغلك اتفضل يلا وده اخر إنذار ليك يا دكتور نادر مفهوم ، عايز تلعب متبقاش تيجى تانى من بيتكم ، ويلا علشان فى إجتماع ، علشان أشوف المهزلة بتاعتكم دى أخرتها إيه
غفلة نادر عن إغلاق الهاتف ، هى من جعلتها تستمع لذلك الحديث المهين الذى يوجهه صاحب المشفى لنادر
فأبعدت الهاتف عن أذنها تنظر إليه بغيظ وهى تدمدم :
– دا باين عليه فعلا واحد قليل الذوق ومبيحترمش حد بس مش عيب يكون دكتور وصاحب مستشفى ويهزق الدكاترة كده ، ماهى قلة الأدب بتبقى طبع
ألقت الهاتف ونظرت بساعة معصمها وجدت أن الوقت مازال باكراً ، فتذكرت أن موعدها مع نادر بالرابعة ، والساعة الآن مازالت الواحدة ظهراً ، فأستلقت على فراشها ، تلهو بهاتفها تتصفح مواقع التواصل الإجتماعي ، فرأت تلك الصورة التى ربما وضعها نادر حديثاً ، فتأملت ملامحه جيداً ، فهو حقاً وسيماً بعينيه الخضراوتين ، وشعره البنى ، وبشرته البيضاء
قضت وقتاً طويلاً بتصفح هاتفها ، فلم تشعر بمرور الوقت ،الا عندما نظرت بساعة الهاتف ،ووجدت أن الوقت شارف على الثالثة والنصف
فقزت من مكانها بحماس ترتدى ثيابها وحجابها ، وبعد أن أنتهت خرجت تنادى والداتها بصوت صادح:
– يا ماما يا مااااااما
خرجت مديحة من غرفتها على صوت صياحها قائلة بإضطراب:
– أيوة يا حياء فى إيه مالك حصل حاجة
ضحكت حياء وأقتربت منها تطوق كتفيها فدائما ما تفزعها هكذا بصياحها ولا تعلم كيف تكف عن فعل ذلك ؟
قبلت وجنتها قبلة طويلة وهى تقول:
– قلبى ما تتخضيش أنا بس بنادى عليكى عادى
قطبت مديحة حاجبيها قائلة بغضب مصطنع:
– أنتى مش هتبطلى إلا لما مرة تموتينى بالخضة
أسندت حياء رأسها على جانب رأس أمها قائلة بحنان:
– بعد الشر عليكى يا ماما أنا بس كنت هقولك ان هروح لنادر المستشفى علشان نروح نشوف القاعة اللى هنعمل فيها الخطوبة
رمقتها والداتها بغرابة :
– أنتى هتخرجى معاه لوحدك يا حياء لاء طبعاً مينفعش
فهمت حياء مغزى قول والداتها ، فتبسمت برقة :
– ماما أنا هروحله المستشفى اللى بيشتغل فيها بعربيتى ولما نروح نشوف القاعة هكون فى عربيتى وهو فى عربيته وطبعا فى القاعة فى ناس مش هنكون لوحدنا ، ثم أنتى مش عارفة بنتك وتربيتها ، لو كان ليا أصحاب كنت أخدت واحدة منهم ، بس أعملكم إيه ،خلتوا معظم سنوات دراستى فى أمريكا ، ومعملتش صداقات هنا ، دا أنا لسه عارفة جيرانا قريب ، الغلط عندك يا مديحة أنتى وبابا
ضحكت مديحة على جملة حياء الأخيرة ، فأماءت برأسها موافقة ، فخرجت حياء من المنزل ، وأستقلت سيارتها ، فقادتها وهى مبتهجة ، فهى تعيش أجمل أيام حياتها بتلك الآونة حسب معتقدها
®~~~~~~~~~~®
بتلك الغرفة التى خصصها راسل لعقد الاجتماعات ، كان كل الاطباء والممرضين ، الذين حضروا بناء على أوامره ، جالسين بصمت مطبق ، فى إنتظار إنتهاء ذلك الاجتماع الذى سينتهى كالعادة بإلقاء راسل أوامره الصارمة ، مشدداً على عدم تراخى أى فرد منهم بتأدية واجبه
حمحم راسل قائلا بصوت جهورى:
– طبعا حضراتكم عايزين تعرفوا أنا طلبتكم ليه فأنا هقولكم ، أنا طلبتكم علشان أى دكتور محترم منكم أو دكتورة أو سواء ممرض أو ممرضة ، شايفين أن الشغل فى المستشفى هنا صعب عليهم ياريت يقدموا إستقالتهم ، لأن مش فى الأوقات الحرجة اللى بيبقى فيها مرضى بين الحيا والموت ونقعد ندور على دكتور يدخل أوضة العمليات ده ملوش إسم غير إنه تهريج وعدم مسئولية
كل واحد فيكم بياخد أجر نظير عمله هنا ، يبقى يشوف شغله ، علشان مش كل ما محتاجين جراح يطلبونى ، حد قالكم أن أنا هرقل علشان أفضل الساعات دى كلها فى أوضة العمليات
افلتت ضحكة خافتة من طبيب يجلس بأخر مقعد ، ولكن حظه السيئ أن راسل سمع صوت ضحكته التى يحاول كبتها
فإستندت راسل بظهره للمقعد ، يعبث بقلم بين أصابعه فدمدم بهدوء:
– ما تضحكنا معاك يا دكتور دى حتى القاعدة ناشفة ودمها تقيل
شعر الطبيب بالحرج ، فألتزم بالصمت ، وعاد راسل لإكمال حديثه ، وبعد مرور مزيد من الوقت ، أشار إليهم بالإنصراف ، مع تشديد اوامره بالالتزام بكل ما أخبرهم به
شعر بالانزعاج من تلك الروائح التى تفوح منه ، من قضاء وقته بغرفة الجراحة ، ومروره بين المرضى ، عوضاً عن أنه لم يعود لمنزله منذ البارحة ، ففكر أن ربما حمام دافئ بالمرحاض الملحق بغرفة مكتبه ، سيكون كافياً الآن حتى يعود للمنزل
أتجه لخزانة صغيرة موضوعة بأحد أركان الغرفة ، وأخرج منها ما يلزمه من ثياب ومناشف ، فعمله بالمشفى يقتضيه ،قضاء وقتاً طويلاً هنا ، لذلك حرص على أن يجعل له ثياب نظيفة لوقت الحاجة
أخذ الثياب وولج للمرحاض ، بعد أن شدد أوامره بعدم الازعاج ، وأنه نال كفايته اليوم والأمس ، فليرتاح قليلاً ، حتى أنه وضع تلك الشارة على الباب ” ممنوع الدخول ” ، فهو يعلم أنه إذا فعل ذلك ، لن يجرؤ أحد على الإقتراب من غرفة مكتبه
وقف أمام المرآة والماء يقطر من رأسه ووجهه وباقى أطرافه ،مسح بيده الزجاج الذى غلفه طبقة من بخار الماء ، ظل يمرر بيده على تلك الندوب والجروح التى ملأت صدره ،فإستدار بجسده قليلاً ،ليرى ندوب مشابهة بظهره
سرت رجفة خفيفة بجسده عندما نظر بالمرآة ورأى طيفها ، كأنها تقف خلفه تضحك بصوت عالى وكأنها تهمس له بصوت أثار ذكريات يود لو تمحى من ذاكرته
” هل تفتقدنى يا راسل ، فأنا أعلم أنك لن تنسانى يوماً ، فأنا مازالت بإنتظارك على أبواب الجحيم ، الذى سنتشاركه سوياً لنكمل ما كان عالقاً”
أغمض عينيه لوهلة ، وعندما فتحها ثانية وجد الطيف قد أختفى ،فياليت تلك الذكريات تختفى مثله
أنتهى من الاغتسال ، وأرتدى ثياب مريحة ،وخرج من المرحاض ، ألقى المنشفة التى جفف بها رأسه ، وسحب بيده الأريكة التى سرعان ما تحولت لسرير ، فتمدد عليها ،لعل النوم يريحه مما به
وصلت حياء المشفى ، فأقتربت من عاملة الإستقبال المنهمكة بعملها والرد على الهاتف
فتبسمت حياء لها قائلة بتهذيب:
– لو سمحتى هو دكتور نادر فين
رمقتها الفتاة بهدوء تشير بيدها لأحد أروقة المشفى قائلة بسرعة لعلها تعود لما تفعله :
– عندك الأوضة فى أخر الممر ده
وعادت لترد على الهاتف ، سارت حياء حيث أشارت ، ولكن وقعت بحيرة من أمرها فأى باب غرفة تطرق ، فلم تجد سوى تلك الغرفة التى علقت على بابها الشارة
فدقت الباب عدة طرقات خفيفة ولكن لم تجد رد
فحسمت أمرها وفتحت الباب لترى إذا كان أحد بالداخل أم لا ، ولجت الغرفة تبحث بعينيها عن أحد ولكنها لم تجد سوى شخص متسطحاً على وجهه ، لم تستبين ملامحه جيداً
ولكن قبل أن تعود أدراجها لتخرج من الغرفة سمعت صيحته المختنقة :
– لاء لاء مش هتقدرى تعملى فيا كده لاء لاء هقتلك هقتلك
يتلوى جسده كمن يتقيد بقيود لا يستطيع كسرها ، فعلمت أنه ربما يعانى من كابوس مزعج ، غير قادر على الاستيقاظ ، تسلل إليها الشعور بالشفقة عليه ، ففكرت أن ربما تساعده بأن توقظه ، فأقتربت قليلاً منه فنادت بصوت خائف ، ولكنه لم يجيبها ،فمدت يدها المرتجفة توكزه بلطف ،لكى يكف عن الهمهمة والتى أنتهت بصرخة عالية كادت تصم أذانها
– لااااااااااء
نضبت الدماء من عروقها ، من صوت صياحه ولم يكتفى بذلك ،بل وجدته ينتفض من مكانه يقترب منها يقبض على عنقها بأصابع فولاذية ، فجعلها ترتطم بالجدار ، حاولت دفعه عنها لتخلص عنقها من يده ،فهو على وشك خنقها ،ولكن كلما زادت بدفعه ،كلما زادت صلابة وقساوة أصابعه على عنقها ، حتى أرتخى جسدها ولم يعد لديها طاقة على المقاومة
____________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)