رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الأربعون 40 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الأربعون
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الأربعون
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الأربعون
٤٠– ” كفانى منكِ مراوغة ”
وقف مشدوهاً وهو يراها تلقى برأسها على صدره ، تحيطه بذراعيها ، تتشبث بثيابه كمن تحتمى به من وحش ضارى يركض خلفها يريد النيل منها ، وما ذلك الوحش الضارى سوى فكرة رحيلها عنه إلى أجل غير مسمى ، فتلك المتاهة التى خطت بقدميها فيها ، ما تنفك تقذفها من عذاب لعذاب أشد وأقسى ، كالذى عاشته الليلة ، فهى كانت كمن تم ذبحها ببطئ ، وتم حرمانها من أن يصدر لها صوت ، تعبر به عن ألمها ، بل كان عليها أن تبتسم وتؤدى دورها ببراعة ، ليأتى هو بالختام ويزيد من شقاءها ، بأنه سيجعلها تحيا معه وبرفقة عروسه الجديدة
مازالت دقات قلبه تهدر صاخبة بإسمها ، كأنها بين فينة وأخرى ، ستحطم ضلوعه من شدة خفقانها ، فكم يهوى هو بتلك اللحظة من أن يسكنها بين حنايا قلبه ، فربما سيأمن عدم فرارها منه ثانية ، فما تلك اللعنة التى أصابته ، تجعله كل مرة يقابلها ويريد أخذ ثأره منها ، يتراجع عن قراره ، بل يكون أقرب إلى التوسل بأن تمنح قلبه الراحة من ذلك العذاب الذى يفتك به
ابتعدت عنه قليلاً ، لتمنح عيناها الدامعتان الفرصة بأن تراه بوضوح ، فما لبثت أن عادت ودفنت وجهها بكتفه ، فخرج صوتها ناعماً خافتاً مرتجفاً :
– عايز تتجوز واحدة تانية يا راسل وكمان عايزنى أعيش معاك أنت وهى ، هترضى لحبيبتك بالعذاب ده ، أن أشوفك أنت وهى قدام عينيا ، وهى بتاخد منك اللى أنا أخدته قبل كده
قبض على كتفيها وأرتد خطوة للخلف ، لكى يتسنى له التمعن بوجهها ، ليعلم مغزى حديثها المتناقض مع تصرفاتها
فقطب حاجبيه قائلاً بغرابة ودهشة :
– أنا مبقتش فاهم تصرفاتك ولا فاهم كلامك ما تخليكى واضحة فى كلامك ، إحنا هنفضل نلعب لعبة القط والفار دى لحد إمتى
أنتظر أن تجيبه على سؤاله ، فما كان منها سوى أن رفعت يديها وحلت رابطة عنقه الأنيقة ، وفتحت الزران الأولان من قميصه ، حتى تمنحه فرصة للتنفس ، فإبتسمت قائلة وهى تلف رابطة عنقه على كف يدها :
– كنت حاسة أنك مخنوق منها ، عارفة أنك مبتحبش تلبس الجرافت بتتخنق منها بسرعة
فمن أتى على ذكر رابطة العنق ؟ وما صلة ذلك بحديثهما الآن ؟ فلا معنى لأفعالها ، سوى أنها تريد تغيير دفة الحديث لصالحها كالعادة
فصاح بها وهو يشد رأسها إليه :
– أنتى عايزة تجننينى أحنا بنتكلم فى إيه دلوقتى جرافت إيه وزفت إيه
أجابته بهمس ووداعة :
– أنا غلطانة يعنى أن حسيت بخنقتك وحبيت أريحك منها يا حبيبى
شد بأصابعه على مؤخرة عنقها وهو يقول من بين أسنانه :
– متقوليش يا حبيبى دى تانى يا حياء ، أنا لو كنت حبيبك مكنتيش عملتى فيا اللى عملتيه ده كله
أسدلت جفنيها فردت قائلة بصوت مبحوح :
– ماهو علشان أنت حبيبى عملت ده كله
– قصدك إيه بكلامك ده يا حياء قولى إيه اللى…..
منعته من أن يكمل حديثه ، إذ بترت الحديث بينهما ، بمبادرتها بعناقه ، فهى لا تريد أن يسترسلا بحديثهما ، وتكون نهايته مأساوية ، فيكفيها عذاباً بأنها تعلم بأن كل منهما سيأوى لمنزله بعيداً عن الأخر ، بل لا تأمن ما سيحدث له بغيابها
إذا تم ضبطهما على هذا الوضع ، ستكون فضيحة تتغنى بها الألسن ، من أن عريس تلك الليلة بعد إنتهاء حفل خطبته ، أراد إتمام ليلته بمغازلة مصممة حفلة الخطبة ، فلا أحد من العاملين لديها أو الفندق ، يعلم بأمر أنها هى زوجته
– راسل أرجوك أبعد حد يدخل هتبقى فضيحة
قالت حياء بتوسل ، فهى أرادت إبعاده عنها بشتى الطرق ولم تفلح ، فهى كمن أعطته الضوء الأخضر ، بأن ينقل إليها تلك النيران التى أحرقت قلبه ، ويريد أن يذيقها منها القليل
فلم تكن إجابته على توسلها ، سوى جملة خرجت من بين شفتيه همساً بدون وعى :
– أنا ميهمنيش أى حد ثم أنتى مراتى
ولكن رؤيتها مقبض باب القاعة الكبير يتحرك دلالة على أن أحد قادم ، كان ذلك أدعى بأن تشحذ قوتها كاملة ، لتستطيع أن تدفعه عنها ، فهو كان يلقى بثقله عليها ، وهو يحاصرها بينه وبين الجدار
أنفتح الباب وولج ديفيد وهو يبتسم ويصيح :
– حياء كل ده مخلصتيش
وزع ديفيد نظراته بين حياء ، التى تقف مستندة على الجدار ، تطأطأ رأسها وهى واضعة يدها على صدرها ،تحاول إلتقاط أنفاسها ، كمن كانت بسباق للركض ، وبين راسل الذى يقف على مقربة منها وصدره يعلو ويهبط ، كمن خرج من عراك حامى
– أنتى كنتى بتعملى إيه ده كله يا حياء
قال ديفيد بغيظ ، ولكن لم يكن هذا ما أثار حنقه فقط ، فهيئتهما المشعثة ، ورابطة العنق الملقاة على الأرض بجوارها ، وحجابها الذى كاد يسقط من على رأسها ، وقميص راسل المفتوح من الأعلى ، كل هذا جعله يتيقن من أن شقيقته وزوجها كانا يتبادلان عناق العشاق ، وربما لولا مجيئه ، كان سيجدها برفقته بإحدى غرف الفندق
خشيت حياء رفع وجهها ورؤية ديفيد ، ولكنها تذكرت أن ربما راسل سيعرف من يكون ، فديفيد أخبرها بأنه كان أحد الرجلان اللذان قاما بتعذيبه بالسجن فى إيطاليا
إتسعت عيناها بفزع ، عندما تذكرت كل هذا ، ولكنها لم ترى رد فعل من زوجها ، سوى أنه قام بإغلاق أزرار قميصه ، ونظر لديفيد متسائلاً:
– أنت مين أنت كمان
سبقت حياء ديفيد القول ، فقالت وهى تزدرد لعابها بشئ من الخوف :
– دا دا بيشتغل معانا فى المكتب ، ده شريكنا التالت وهو الممول الرئيسي لينا
أقترب ديفيد منها وهو يجز على أسنانه قائلاً بإبتسامة صفراء :
– خلاص خلصتى يا شريكتى علشان نقعد نصفى حساب الليلة قبل ما نروح
فهمت هى مغزى حديثه ، فعندما أرادت أخذ ذكرى من راسل قبل رحليها ، أنتهى الأمر بمجئ ديفيد وربما فطن لما حدث بينهما ، ولا تأمن تصرفه تجاه زوجها
أمرت قدميها بالحركة ، التى ظنت أنها مستحيلة ، بعد سريان تلك الرجفة ، الناتجة عن خوفها من مقابلة راسل وديفيد ، ولكن ما كادت تمر خطوة من جانب زوجها ، حتى التقط ذراعها ، وبنيته أن يأخذها معه على القصر
فقال بلطف ولين:
– خلصى ويلا علشان نروح مع بعض هتيجى معايا على قصر النعمانى
فألتفتت برأسها إليه وتوسلته عيناها بأن يتركها :
– أرجوك سيبنى أمشى دلوقتى ، وغلاوة سجود عندك سيبنى لأن مش هقدر أروح معاك على قصر النعمانى
عادا لنقطة البداية ثانية ، فحل وثاق يده عن ذراعها ، وهى تعلم بأنها كل مرة تزيد من وقود النيران بقلبه ، حتى وإن كان حتى الآن لم يظهر لها سوى تلهفه إليها كلما أقتربت منه ، ولكن صارت بأفعالها كالثعلبة المراوغة ، فإلى متى سيظل يتقبل منها أفعالها ؟
أنحنى وأخذ رابطة عنقه وإستقام قائلاً بسخط على ضعفه :
– أنا مش لعبة فى إيدك تلعبى بيها وقت ما تحبى وترميها وقت ما تحبى ، أنا أساساً اللى غلطان أن لحد دلوقتى بتعامل معاكى بشكل متحضر ، قدامك خمس دقايق ميزدوش ثانية واحدة تكونى حاسبتى الناس اللى بتشتغلى معاها وتحصلينى على العربية قدام الفندق علشان نروح ومش عايز أسمع منك كلمة تانية مفهوم ، وإلا قسماً بربى الليلة دى ما هتعدى على خير
خرج من القاعة كالإعصار ، بينما أقترب منها ديفيد وقبض على ذراعيها وهز جسدها بعنف وهو يصرخ بوجهها :
– كنتى بتعملى إيه أنتى وهو يا حياء ، أنطقى خلتيه يقربلك تانى ليه ، يعنى لو مكنتش جيت كان زمانك أنتى وهو مقضيين الليلة مع بعض
نفضت حياء يديه عنها وهى صارخة بوجهه كهرة متوحشة :
– وفيها إيه ده جوزى فاهم يعنى إيه جوزى يعنى هو ليه حق فيا وأنا ليا حق فيه ، وأنتوا اللى عايزين تهدوا اللى بينى وبينه ، وأهو ناوى يتجوز عليا علشان ترتاحوا ، وأنا اللى كنت بغير عليه من فكرة أنه كان متجوز واحدة قبلى ، دلوقتى هعمل ايه لما يتجوز عليا وأشوف واحدة تانية بتاخده منى ، دا عذاب ، أنا قلبى بيتحرق يا ديفيد ، أنا بموت بموت
أنهارت قدميها وسقطت جالسة على الأرض ، لتكمل بكاءها ونواحها ، فجثى ديفيد على ركبتيه بجانبها ، وضمها إليه وربت عليها ليجعلها تهدأ ، إلا أنها عادت لتستأنف حديثها المرير :
– عارف يعنى إيه لما أفضل أتخيل أنه هيبقى مع واحدة تانية ويبقى جوزها زى ما كان جوزى ، دى لوحدها تخلينى أتجنن أنا بحبه يا ديفيد بحبه ليه مش عايز تفهمنى
– روحى معاه يا حياء والصبح أرجعى البيت ، وكويس أن عمك أدريانو مسافر ومش هنا وإلا مكنتش هقدر أخليكى تعملى كده
نهض من مكانه ، فصدمت حياء من قوله ، هل هو أعطاها تصريحاً الآن بأن ترافق زوجها ، فتصرفاته محيرة ، تارة لينة وتارة قاسية ، ولكنها إستطاعت إستخلاص نتيجة واحدة ، وهى أن ديفيد ربما قلبه ليس بالفظ ولا بالغليظ مثل عمهما أدريانو ، فهو يشبه بيرى من حيث رقة قلبها التى تظهرها بعض الأحيان خلافاً لبرودها المعتاد معظم أوقاتها
أستقامت بوقفتها وأزالت عبراتها بظاهر يدها وهى تبتسم له ، ولكن قبل أن ترحل ، نظرت إليه وتساءلت :
– ديفيد هو إزاى راسل لما شافك معرفكش ، وأنت قولتلى أنك كنت واحد من الإتنين اللى عذبوه فى إيطاليا
دلك ديفيد عنقه قائلاً كأنه يشعر بإرهاق شديد :
– علشان كانوا بيغموا عينيه قبل ما أدخله أنا ، هو ميعرفش غير شكل الرجل التانى وكمان كنت بكلمه إيطالى مش مصرى فممكن ميكنش كمان أخد باله من صوتى علشان كان متنرفز وشكله مش مركز وكده أحسن لأن كان فاضل دقيقة وأضربه بالنار لما دخلت ولقيتكم كده ، فهتمشى ولا أرجع فى كلامى
تلك هى المرة الأولى ، التى تكون أكثر ليناً معه ، بأن أخذت كفيه وشدت عليهما بيديها الناعمتين ، بل لم تكتفى بذلك فأهدته إبتسامة صافية ممتنة وهى تقول بشعور صادق :
– شكراً يا ديفيد دلوقتى حسيت أنك فعلاً أخويا
ربت على وجنتها بحنان قائلاً بمداعبة :
– طب يلا يا سندريلا علشان وقتك مبقاش فيه كتير وقولتلك لازم ترجعى الصبح أنا مضمنش عمى أدريانو ممكن يرجع فى أى لحظة ، بس برضه حاذرى يا حياء جوزك مش لازم يعرف حاجة إن كنت إتساهلت وهخليكى تروحى معاه فده علشان خاطرك أنتى مش علشان خاطر حاجة تانية
رفعت طرف ثوبها وركضت خارج القاعة حتى وصلت أمام الفندق ، وجدت راسل يقف ويميل بجسده مستنداً على سيارته ، فتقدمت منه بحذر وببطئ ، كأنها ممزقة بين إطاعة رغبتها فى أن تقضى الليلة برفقته ، وبين حزنها على أنها ستكون مجبرة على تركه عندما يحين الصباح ، فوقتها محسوب بعدة ساعات ، ربما بعد إنقضاءها ستزداد الهوة والفجوة بينهما أكثر ، ولكنه لم يمهلها وقتاً للتفكير ، إذ أخذها من ذراعها بجفاء ، وجعلها تجلس بالمقعد المجاور له ، ودار حول السيارة ، وأنطلق بها بطريقه صوب قصر النعمانى وهو ينتوى أن يقوم بتصفية الحساب بينهما ، فإن كانت أخذت لينه ورفقه بالتعامل معها كحق مكتسب ، فلا مانع أن يذيقها من قسوته قليلاً لعلها تكف عما تفعله ، وتعلم أن مخزون صبره قد أوشك على النفاذ
________________
ظنه بأن يستطيع إختراق ذلك المنزل ، الذى كان كالحصن المنيع ، كان به شئ من السخافة والرعونة ، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يحاول مرة أخرى ، فبالأيام الماضية حاول أكثر من مرة وأنتهى الأمر بالفشل كالعادة ، ولكن الليلة إصطحب معه رجال أشداء كعوناً له على ذلك الهجوم ، الذى سيشنه على منزل أدريانو من أجل أخذ سهى ، وإنقاذ الفتاتان اللتان تحدث عنهما أدريانو سابقاً ، قبل أن تنتهى تلك المهلة المحددة لهن بالسفر لإيطاليا ، ويصبح من المحال مساعدتهن
فعلمه بأن أدريانو غادر البلاد وأصطحب معه معظم رجالة ، تاركاً حرساً كافياً للمنزل ، كان ذلك أدعى للتفكير بأن ربما الحرب التى ستقام الآن ، ستكون أقل خسائر للأرواح ، فالرجال الذين إصطحبهم معه ، كانوا مدربين ومؤهلين لخوض تلك المعركة ، فهم بالأساس كانوا رجال أبيه المخلصين ، والذين صاروا يتبعوا إمرته بعد حمله لواء العمل بعد موت أبيه
أخرج عمرو سلاحه النارى ، الذى أصبح اشد مهارة بإستخدامه خلاف لتلك المرة الأولى التى حمله بها ، فنظر لرجاله قائلاً بصوت منخفض :
– مش عايز غلطة واحدة وإلا هتبقى كارثة ، أكيد أنتوا عارفين رجالة أدريانو مبيتفاهموش ، بس كويس أن مفيش فى البيت حد دلوقتى غير ٦ حراس بس ، بس برضه مش عايزكم تقتلوا حد منهم ، أنا عايز أخد البنات ونمشى من غير خساير مفهوم
أظهروا طاعتهم لقوله ، بأن أماء كل رجل منه برأسه ، بينما بدأو التسلل بحذر للداخل ، فكل رجل يقابله حارس ، كانت تدور المناوشات بينهما حامية الوطيس ، حتى تنتهى بإغماء الحارس ، حتى صارت الحديقة خالية من الحماية ، بعد أن أصبح الحرس الموجودين بها نائمون كالجثث
فتح عمرو القبو بطلقة نارية من سلاحه الكاتم للصوت ، وركل الباب بقدمه ، فولج وجد سهى نائمة على الأرضية المتسخة ، وحولها طعام فاحت منه رائحة العفن والعطب ، ويبدو عليها أنها رفضت تناوله ، ففتش بالقبو فلم يجد أحد غيرها ، فيبدو أن أدريانو لم يعثر على الفتاتان حتى الآن
أقترب منها وأنحنى إليها وربت على وجهها منادياً :
– أنتى أنتى أصحى فوقى سمعانى
ولكن لم يأتيه رداً منها ، لم يجد مفر من حملها للخروج من القبو ،فحملها كالمتاع مغمغماً:
– ربنا يستر ومروحش فى داهية بسببك
خرج بها عمرو من القبو ، يركض بها وينظر حوله ليأمن أن الطريق ممهد للخروج حتى يصل بها لسيارته ، ولكن أتته طلقة نارية أصابت كتفه من الخلف ، مما أدى لإرتخاء يديه وسقطت سهى على الأرض
طفرت الدماء من كتفه ، فإستدار خلفه وجد حارس ملقى على الأرض ، ويبدو عليه أنه أفاق من إغماءه بصعوبة ، ويهم بإطلاق رصاصة أخرى ، فكان هو الأسرع بإطلاق عيار نارى إستقر بجبهته ، فأرتطم بالأرض صريعاً
جحظت عيناه وهو ينظر للحارس ، فهو لم يقتل أحداً من قبل ، بل لم يكن لديه الشجاعة الكافية برد تلك الأفعال الواقعة عليه من زوج والدته
لم تنتهى صدمته مما فعله ، إلا بإقتراب رجاله ، وواحداً منهم حمل سهى ، والأخرون عملوا على جذبه ليسرعوا بالخروج من المنزل ، فبسيارة عمرو كانت سهى ملقاة على المقعد الخلفى ، وعمرو جالساً بجوار أحد الرجال ، الذى سيقوم بقيادة السيارة عوضاً عنه
رفع عمرو يده وضغط على جرحه متألماً :
– أنا لازم أروح المستشفى ، أنا أخدت طلقة فى كتفى
فرد الرجل قائلاً بهدوء :
– مش هينفع تروح المستشفى وإلا هنروح فى س و ج وهيسألوا أنت أنضربت بالرصاصة إزاى
أعتصر عينيه من الألم ، وأنحنى للأمام من شعوره المتزايد بتدفق دماءه :
– طب هنعمل ايه دلوقتى
قاد الرجل السيارة مسرعاً ، وحاول طمأنته :
– متقلقش هجبلك الدكتور لحد البيت ، إحنا كنا متعودين على كده
إسترخى عمرو بمقعده، كأنه على وشك فقدان وعيه ، فأخر ما رآه بمرآة السيارة تلك الفتاة فاقدة الوعى ، فلم يعد يرى شيئاً بعدما أسلم نفسه لتلك الهوة السوداء التى عملت على جذبه لها وأسقطته بحالة من الإغماء
فى المنزل وبالأخص بإحدى الغرف ، التى تحولت كأنها غرفة جراحة ، كان ذلك الطبيب ، يعمل على إخراج تلك الرصاصة التى كان مستقرها بكتفه ، وأمر الرجل بإحضار أكياس الدم اللازمة لعمرو وتطابق زمرة دمه ، فتلك الغرفة خصصها أبيه سابقاً للحالات الطارئة ، إذا أصيب أحد رجاله بإحدى عمليات التسليم الغير مشروعة
أنتهى الطبيب من إخراج الرصاصة بنجاح وقطب جرحه ، فنظر للرجل المرافق له بالغرفة قائلاً ببرود معتاد :
– أنا خلاص خرجتله الرصاصة و عملتله اللازم كله وبكرة هجى أشوفه
أخرج الرجل من جيبة النقود وأعطاها للطبيب وأمره بالإنصراف قائلاً بتحذير وتهديد :
– أنت طبعاً عارف لو كلمة طلعت كده ولا كده مش هتعرف هيجرالك إيه يا دكتور
وضع الطبيب النقود بجيبه وهو يبتسم بسخرية :
– ومن أمتى بتكلم دا على أساس أنها أول مرة يعنى ما ياما عملتها قبل كده من أيام شغل فواز بيه الله يرحمه سلام
خرج الطبيب من الغرفة ، بينما كان عمرو مستلقياً على بطنه على ذاك السرير الخاص بالجراحة ، فنظر له الرجل وزفر بقلة حيلة وتركه وخرج ليرى تلك الفتاة ، فهو نسى أمرها ، بعدما جاء بسيده الجديد للمنزل وهو بتلك الحالة
فقبل أن يرحل الطبيب ناداه :
– يا دكتور استنى فى بنت عايزك تكشف عليها قبل ما تمشى
تبعه الطبيب لإحدى الغرف ، ليرى من تكون تلك الفتاة التى يريده منه أن يفحصها ، فوجد سهى تفتح عيناها بصعوبة وتعيد وتغلقهما ثانية ، وتحرك شفتيها كأنها تقول شيئاً بصوت هامس
فأقترب منها الطبيب وفحصها فنظر للرجل وقطب حاجبيه قائلاً بمهنية :
– دى شكلها بقالها كام يوم مبتاكلش لازم يتعلق ليها محاليل بسرعة
أخرج من حقيبته ورقة بيضاء ودون بها كل ما يلزمه من الصيدلية ، فقال وهو يناولها للرجل :
– الحاجات دى تيجى من الصيدلية بسرعة
أخذ منه الرجل الورقة وخرج أمر أحد الرجال الأخرين ، بأن يبتاع كل ما هو مدون بالورقة ، ويأتى به على وجه السرعة ، لم يمر وقت طويل ، حتى عاد الحارس يحمل معه كل ما طلبه الطبيب
بدأ بتوصيل المحلول المغذى لها ، وشعرت بوخز الإبرة بيدها ، ولم تقوى على إصدار رد فعل سوى همهمات متألمة ، فلو كانت بكامل وعيها لملأت الدنيا صراخًا ، فهى تخشى وتخاف من وخز الإبر المحقنة منذ أن كانت طفلة صغيرة ، شعرت بحرق طفيف بحلقها ، وهى تحاول أن تتلفظ بأى كلمة ، فعندما يأست من إنتزاع الكلمات من حنجرتها ، أغلقت فمها وعينيها ، تاركة نفسها لحالة الإسترخاء ، التى بدأت تشعر بها من سريان مفعول المحلول المغذى بجسدها
____________
صف سيارته بمرآب السيارات داخل القصر ، وترجل منها ، ولكن كانت هى الأسرع بفتح الباب من جانبها ، حتى لا يقترب هو ويفتحه وتراه يعاملها بقسوة وجفاء ، مثل تلك التى عاملها بها ، أثناء جعله لها تستقل السيارة ، وطأت قدميها الأرض بثبات ، خلافاً لذلك الإرتجاف الذى عصف بكيانها بأكمله ، تخشى أن تلج للداخل وترى أحد من قاطنى القصر وتستمع للتقريع والتأنيب
أطالت الوقوف بمكانها ، حتى وجدته يهتف بها ببرود :
– هتفضلى واقفة عندك كده كتير يلا خلينا ندخل
تبع حديثه بمد يده وقبض على رسغها وجرها خلفه ، ولجا لداخل القصر ، فرآى إيلين تركض إليه بإبتسامة سرعان ما أختفت برؤيتها لحياء تأتى خلفه
فوزعت نظراتها بينهما وهى تقول بضيق :
– راسل أنت كنت فين ده كله
غلت الدماء بعروق حياء بعد رؤيتها لإيلين ، فرفعت يدها تشير لها وهى تقول بنزق :
– هى بتعمل إيه دى هنا هى عايشة هنا فى القصر من دلوقتى
عقدت إيلين ذراعيها وقالت بدلال مستفز :
– عندك مانع يعنى إن أكون عايشة هنا ما قريب أوى هيكون بيت جوزى
أطاحت إيلين بعقل حياء من تلفظها بتلك الصفة التى سيصبح عليها راسل بالنسبة لها ، فنفضت يده عنها بقسوة :
– أنا ماشية ومش هقعد هنا دقيقة واحدة
دارت على عقبيها وهمت بالمغادرة ، فعاد راسل وأحكم قبضته على رسغها ، أمراً إياها بصوت أجش :
– راحة فين أنتى دلوقتى ، هو خلاص مبقتيش تسمعيلى كلمة
فعاد وألتفت برأسه لإيلين مستأنفاً حديثه بهدوء :
– إيلين أتفضلى روحى على أوضتك ثم أنتى عارفة أن متجوز وطبيعى حياء هتعيش معانا ، أنتوا الإتنين زى بعض ولا تحبى أعيد كلامى تانى
ردت إيلين بخنوع :
– تمام يا حبيبى تصبح على خير
أرتقت إيلين الدرج ، حتى وصلت لغرفتها ، فعينى حياء لم تحيد عنها ، إلا بعدما وجدتها تغلق باب تلك الغرفة التى دلفت إليها ، أتسعت طاقتى أنفها وهى تشخص ببصرها لزوجها ، وبجنون مطبق تلبسها ، حاولت الفرار من قبضة يده المحكمة حول رسغها
فقالت وهى تدفعه بيدها الحرة :
– سيب إيدى وخلينى أمشى
بإفراطها فى الحركة للخلاص منه ، شعرت بأنها صارت منهكة القوى ، فى حين أنه لم يستخدم قوته كاملة للسيطرة على جنونها المفاجئ ، فزاد جنونها أكثر بتذكرها لأفعال إيلين أثناء حفل الخطبة من أمور الدلال الأنثوية
ففجأة إنتابها دوار قوى ، وكفت عن الحركة ، ظلت تفتح عيناها وتغلقهما بشكل مستمر ، لتعيد لجسدها توازنه المفقود ، ولكن كأنه إستنفذ طاقته ، ولن يعود بالإمكان الحفاظ على ثباته
ترنحت بوقفتها وسرعان ما أرتطم رأسها بصدره وهى فاقدة الوعى ، فتلقاها بين ذراعيه ، قبل أن تسقط أرضاً ، حملها وصعد بها الدرج حتى وصل غرفته ، فالقصر أصبح ساكناً بعد ذهاب إيلين إلى غرفتها
ولج الغرفة ووضعها بالفراش ، وبحث عما يمكنه من جعلها تستعيد وعيها المسلوب ، فبعد أن أتى بقنينة عطره ، وهم بنثر العطر على يده ، نظر إليها نظرة مطولة ، فهى جميلة هادئة ناعمة ، تفتنه وجنتيها الحمراوتين ، ولا يراها سوى فاتنة بعينيه ، على الرغم أنه رآى من أشد منها جمالاً وفتنة ، ولكن قلبه يراها أجمل نساء الدنيا ، فتاته الصغيرة ، التى مازالت بمقتبل عمرها الزاهى ، بريئة كنسمة صباح لم تختلط بها الأنفاس فظلت طاهرة نقية ، وهو رجل عارك الحياة بحلوها ومرها ، ولكن نصيبه الأكبر منها كان المُر ، ولكن هى حلواه
– لاء خليكى كده نايمة هادية يا حياء ، لأن وانتى صاحية بقيتى مزعجة
تبسم على قوله ، ولا يعلم سر رغبته المجنونة ، بأن يتركها هكذا لينعم بتلك اللحظات من الهدوء ، فحالتها لا تتعدى حالة عادية من الإغماء ، التى بإمكانه كطبيب أن يجعلها تفيق منها بسرعة
ترك الفراش وذهب لغرفة الثياب لتبديل ثيابه والعودة إليها ، ولكن هى إستعادت وعيها المسلوب وظلت تنظر حولها ، لتعلم أين كان مستقرها بعد إغماءها ، فرأته قادماً ، وسريعاً عملت على إدعاء النوم ، لتعلم ماذا سيفعل معها ؟
إستلقى بجانبها وجذبها إليه ، فسحب حجابها بهدوء ، لتنام براحة ، ولكن أنفاسها المضطربة ، أنبأته بأنها لم تكن غافية كما تدعى ، فلم يريد إفساد خطتها ، وجعلها تتوهم بأنه مازال يظن أنها غائبة عن الوعى
بدا عاشقاً متلهفاً يحترق بنيران الهجر وهو يقول بدهاء :
– حبيبة قلبي يا حياء أه لو تعرفى أنتى وحشانى قد ايه يا حبيبتى ، كده تعملى فى جوزك وحبيبك كده وعلشان إيه ، أنا مش مصدق كلامك أنك بتقولى سبتينى علشان الفلوس بس معقولة تكونى كرهتينى ومش عايزة تعيشى معايا ، فعلشان كده عملتى الفلوس حجتك علشان تسبينى
وجد يدها تزحف ببطئ حتى أحاطت عنقه وهى تجيبه بصوت هامس :
– أنت متتكرهش يا حبيبى ، وزى ما قولت قبل كده أنت مفيش حاجة تليق بيك غير العشق وبس
بادلها الهمس بعتاب المحبين :
– طب طالما شيفانى كده بتعملى عمايلك دى ليه قولى اثبتيلى كلامك ده يا حياء
تلك الساعة المعلقة على الجدار ، جعلتها تعلم أن وقتها يتناقص ، فالصباح سيأتى سريعاً ، وهى لا تملك سوى سويعات قليلة ، فأرادت إغلاق باب النقاش بعبارة واحدة:
– أنت وحشتنى أوى يا حبيبى
انهارت حصونه ، وانصهر قلبه لصوتها الناعم الرقيق ، تلك الروائح الزكية التى ملأت الغرفة ، محمولة على تلك النسمات القادمة من النافذة ، تتبختر اوراق الأشجار وتتمايل بدلال بمداعبة نسمات الهواء لها ، فهى لن تنسى تلك الليلة بعمرها ، التى أمتزج بها العشق بروائح وعطور الياسمين القادمة من حديقة القصر
صب كل ما بقلبه العاشق ، وتقبلته هى بترحيب حار ، كإثنان ضلوا الطريق ، ووجدا وجهتهما أخيراً ، سابقاً كان ينجح بجعلها تنسى ما تريد السؤال عنه ، أما الآن صارت هى تتبع ذلك المنهج ، وكلما أراد معرفة أسبابها الحقيقة لأفعالها ، تعود وتجعله ينغمس بنهر الحب ثانياً ، حتى يدركه الغرق
ها هو يعود من جديد ، عاشقاً ، راغباً ، خاضعاً لتلك القوى السحرية والخفية التى تجذبه إليها ، فعندما يقطع عهداً بأن يذيقها ويلات قلبه ، يجد عيناها تجرده من قوته ، فيصبح عاجزاً عن أن يكمل ثأره ، فمن يراه الآن ، وهو مستلقياً وهى تتخذ من صدره متكأ لرأسها الجميل ، لم يكن يصدق أنه منذ بضع ساعات كان يرغب بحرقها حية ، ليكى ينهى ألمه برؤياها
–راسل
همهمت بإسمه وهى مغمضة العينين ، وتحرك رأسها على صدره ، كأنها تعدل من وضعية غفوتها ، التى إستطاعت سرقتها من الزمن
– عيونه وقلبه أنتى يا حياء
قال همساً وهو يمرر يده على وجهها بحنان بالغ ، وملمس وجنتها يكاد يذهب بالبقية الباقية من عقله ، فقبل جبينها بحنو كأنه يخشى أن يفرط فى لمس شفتيه لمنبت شعرها ويجدها تفزع من نومها
أرادها له وقتاً أطول ، فكأنما حرم عيناه أن تغفو أو ترف جفونه ، فظل مسهدًا بعد لقاء كان مشوقاً وعاصفاً ، فكل شئ ذهب أدراج الرياح ، منذ سقوطها فاقدة الوعى بين ذراعيه ، وكأن قلبه هو من سقط بين أضلعه ، ولكن كما يقال النوم سلطان ، إذ غرق بسبات عميق وهو يتأمل وداعتها وهى غافية بحصنه الأمين
ولكن حان وقت ذهابها ، كسندريلا التى وجدت أن تعويذتها السحرية قد أنتهى مفعولها ويجب عليها العودة لعالمها ، فحلت ذراعيه من حولها بحرص ، مما جعله يتململ برأسه على الوسادة ، فعادت تترك أثار شفتيها على وجنته ، لتوهمه أنها ستظل معه ، فحيلتها جاءت بالفائدة المنتظرة منها ، إذ رأته يبتسم وهو نائماً كطفل ادركه النعاس بعد تناوله وجبة دسمة
بعد إستعدادها للذهاب ، نظرت للفراش وهى تقول بأسف :
– أنا أسفة يا راسل ، عارفة أن لما تقوم ومش هتلاقينى هتكرهنى ، بس لسه الحساب منتهاش ، ولسه موصلناش لأخر الطريق ، لأن مش هسيب حق أهلى يروح بالساهل ، فمتزعلش منى
أقتربت من الفراش وركعت بجانبه ، تمعن النظر بوجهه ، فبظاهر يدها كانت تتلمس لحيته بحنان ، وعادت تمرر أناملها على أثار تلك الندوب بصدره وأكملت حديثها ووعدها بهمس :
– ولا هنسى بتارك أنت كمان يا حبيبى ، وكل لحظة وجع وألم مريت بيها لازم أجبلك حقك
أنحنت وقبلت وجنته ، رأته ينظر لها بنعاس باسماً ، فتبسمت بوجهه ، جذبها إليها وجعلها تستكين على صدره وعاد لنومه ثانية ، فبعد إطمئنانها أنه نائم ، أنسلت من بين ذراعيه وخرجت من الغرفة ، فالوقت مازال باكراً على إستيقاظ ساكنى القصر ، فهى يجب أن تذهب من هنا بسرعة ، ولكن معضلتها الوحيدة ، فى كيفية خروجها من بوابة القصر ، ولكن تذكرت أن الحارس يعلم بشأن أنها زوجة راسل ، وكان لها ما أرادت ، فهى الآن بالشارع بعد فتح الحارس لها البوابة الكبيرة ، أخرجت هاتفها من حقيبتها وأسرعت الخطى وهى تهاتف ديفيد ليأتى ويقلها لمنزل عمها أدريانو ، أو إذا صح قولها إلى ” الجحيم”
_______________
فاتنة ، ساحرة ، جذابة ، هكذا كان حالها تماماً بتلك اللحظة ، التى أنتهت بها من تصفيف شعرها بأحد صالونات التجميل ، التى لا يرتادها سوى صفوة نساء المجتمع المخملى ، فهى أرادت مفاجئته اليوم ، بإقامة حفل خاص بهما من أجل الإحتفال بيوم مولده ، ولكن بالحقيقة ، لن يقتصر هذا الحفل على تلك المناسبة وحسب ، بل هى لديها شئ أخر ستخبره به ، مثل ذلك التصريح ، الذى أحرق جوفها ، تريد البوح به
كأن قلبها لم يعد لديه متسع من تحمل تدفق تلك المشاعر به ، ويريدها أن تتقاسمها معه ، يريدها أن تزرع بقلبه شئ من تلك النيران ، التى باتت تحرقها ،حتى وإن كانت برفقته ، ولم يبخل عليها بمودته ورحمته ، التى جعلها الله بين الزوجين ، ولكنها كأنها صارت غير قنوعة بتلك الأوقات وتريد المزيد ، فهو لم يترك لها مجالاً للتفكير بشئ أخر ، فمستقلبها الذى وضعت له خطط لتحقيق ذاتها كطبيبة ، أصبح الأن ينحصر بجعل عمران يغرم بها كما أصبحت هى مغرمة به إلى حد كبير ، فمتى وكيف جعلها وهى المتمردة والأبية ومدللة عائلة النعمانى ، بأن تصير له زوجة مطيعة ؟ ولكن تتلخص إجابة كل تلك الأسئلة بأن العشق قادر على جعل القلوب تلين ، وتصير أكثر دفئاً
عادت للمنزل فقابلت ولاء ، التى راحت تصفر إعجاباً بمظهرها الخلاب :
– واوووو إيه الجمال ده كله راحة مسابقة ملكة جمال ولا إيه
ضحكت ميس وهى تقول بتفكه :
– لاء تقريباً راحة أعمل مصيبة فى عمران
قهقهت ولاء على قول ميس ، ولكن أثناء ضحكها ، أنتابتها حالة قوية من الغثيان ، حاولت تمرير الأمر ، ولكن وصلت للحد الذى لم يعد بإمكانها تجاهل الأمر ،فهى تريد التقيؤ على وجه السرعة
فركضت للمرحاض وتبعتها ميس ، فأفرغت ما بجوفها حتى أنهكها كثرة تقيؤها ، فقالت ميس بقلق :
– مالك يا ولاء فى إيه
وضعت ولاء يدها على بطنها وقالت بألم طفيف :
– مش عارفة لقيت مرة واحدة بطنى قلبت شكلى عكيت فى الفطار
ولكن ميس تبسمت بهدوء وقالت ببشاشة :
– أو ممكن تكونى حامل يا ولاء وولى العهد لمعتصم جاى فى السكة
إبتسمت ولاء إبتسامة أقرب للبلاهة وقالت بحالمية:
– معقولة أجيب بيبى لمعتصم ويبقى فى شبه منه دا مش بعيد يسميه قيصر بتاع كيلوباترا ده
هز ميس رأسها بحركات متتابعة وهى تبتسم على قول ولاء ، فنصحتها بالذهاب لطبيبة نسائية ، أو إجراء إختبار حمل منزلى للتأكد من الأمر ، صعدت للغرفة وهى تمنى نفسها بلية عشق أخرى تقضيها برفقة زوجها ، وتتمنى لو يأتى يوماً وتخبره أنها تحمل بأحشاءها طفلاً منه
نظرت بساعة معصمها الثمينة ، وجدت الوقت مازال باكراً لعودته ، ففكرت بالذهاب لمنزل جدها ، لرؤية عائلتها وتستأنس بالحديث معهم لحين عودة زوجها
وصلت ميس لمنزل جدها ، وولجت وجدت المنزل بحالة من الهرج والمرج ، فانتفض قلبها رعباً خشية أن يكون أصاب جدها مكروه
فركضت حيت إجتماعهم وهى تصيح بتساؤل :
– فى إيه مالكم جدو مالك
نظر لها رياض ولا يعرف ماذا يبرر لها تلك الحالة من الفوضى والصياح التى تسبب بها عمها راسل ، رفع عصاه يشير لراسل قائلاً بقلة حيلة:
– عمك من ساعة ما قام من النوم عمال يزعق ومبهدل الدنيا حتى مش فاهمين البيه المحترم بيعمل ليه كده
نفخ راسل بضيق فقال صارخاً بهم :
– محدش ليه دعوة بيه فاهمين
إستقام رياض بوقفته وأقترب منه ، فدفعه بطرف عصاه بقوة ، حتى سقط راسل جالساً على المقعد خلفه ، دب رياض الأرض بعصاه عدة مرات قبل أن يقول برصانة :
– طالما عايزنا ملناش دعوة بيك واجع دماغنا ليه بزعيق وصوتك اللى تقريباً الناس فى الشارع برا القصر سمعوه ، وأوضتك اللى بهدلتها وعامل زى التور الهايج ومش عارفين نلمك
إستاء راسل من نعت أبيه له ، ولكنه التزم الصمت ، فإيلين هى من أرادت إخبار الجميع عن سبب إهتياجه الغير معتاد ، فقالت بهدوء :
– ممكن علشان كانت حياء معاه وسابته ومشيت
إلتفت لها رياض عاقداً حاجبيه الأشيبين متسائلاً:
– وهى حياء جت هنا أمتى ؟
أجابته إيلين وهى تنظر لراسل بحذر :
– رجعت مع راسل إمبارح باليل وبعد كده مشوفتهاش ، فقولت جايز تعصيبه بسبب كده
عند هذا الحد ، وأنفجر راسل بحديثه الحاد:
– إستغفلتنى زى العادة ، رجعت معايا وقومت من نومى ملقتهاش ، كلكم قولتولى محدش يخلى الواحدة تغير على جوزها غير لما تشوف واحدة غيرها هتاخده ، وعملنا كلنا مع بعض تمثلية الخطوبة علشان نعرف هى ليه بتعمل كده ، او ليه قاعدة فى بيت أدريانو إسكندر حتى لو بنته شريكتها فى الشغل بتاعها ، حتى لو إفتراض غزل صح وأنها ممكن تكون بنت أخو ادريانو ، ليه مخبية وانت قولت أن أدريانو وأخوه كانوا أصحاب وجدى ، هى مثلاً خايفة تقولى أن أهلها يهود ، طب أنا مالى بده كله المهم هى عندى ، لكن إزاى المدام شكلها بقت مبسوطة بعمايلها وأنها عملانى فى إيدها زى اللعبة
– يعنى أنت معرفتش تخليها تقولك اى حاجة خالص يا راسل
قالت غزل ونظرت إليه بحيرة ، فهى بعد أن إستطاعت تجميع بعض الخيوط ببعضها ، وأخبرتهم بشكوكها بأن ربما حياء إبنة دانيال مستندة بذلك لتلك الشامة ، وإخبار رياض لهم بأن تحيا بتلك الاونة بمنزل أدريانو إسكندر ، أرادوا جعلها تبوح بسر إخفاءها الأمر عنهم ، فأفتعلوا أمر تلك الخطبة المزيفة
قال راسل وهو يجز على أنيابه بغيظ :
– معرفتش أخد منها حق ولا باطل
فبعد مقابلة راسل لها وعلمه بعودتها للإسكندرية ، لم يكن يمرر الأمر مرور الكرام ، فبعد أن صرف غضبه الذى كان يعميه ، أخبر والده بأن يجعل رجاله يتتبعوها لمعرفة أين تسكن حالياً بعد علمه أنها لم تعود لشقتها أو لمربيتها
ولكن كبرياءه الثائر جعله يستأنف حديثه بتصميم :
– بس طالما هى بتعمل كده يبقى خلاص والخطوبة المزيفة هتبقى حقيقية وهتجوز إيلين وكمان هخليها ترجع البيت هنا غصب عنها الظاهر الأدب والذوق مش نافع معها يبقى مفيش مانع أوريها قلة أدبى
حدق به الجميع بفم مفتوح خاصة إيلين ، فهى لم تبخل بمساعدته ، حين أخبرها بشأن ما يحدث ، على الرغم من شعورها بالحزن ، بأن قلبه أصبحت تملكه أخرى ، فهى لم تنسى أيام طفولتهما ، ولم تنسى دلاله لها ومحاولات إسترضاءه لها عندما كان تنتابها حالة من الحزن أو الضيق ، فهو صديق طفولتها ، الذى وضعته بمكانه لا يستطيع أحد غيره أخذها ، فلم سمحت لقلبها بأن يشعر بتلك السعادة وهو يعلنها صريحة بأنها سيتزوجها حقاً ولن يقتصر الأمر على مجرد خدعة الخطبة ،
بعد إنتهاء جلستها بمنزل جدها ، عادت لمنزل زوجها ، فما كادت تطأ غرفة نومها ، حتى وجدته يتبعها ويطوقها بذراعيه هامساً بأذنها :
– كنتى فين يا ماسة
تبسم ثغرها الفاتن وردت قائلة بشوق مختلج بصوتها :
– كنت فى بيت جدو ولسه راجعة طب لما رجعت مرنيتش عليها ليه
أطلق سراحها فإستدارت إليه ، فداعب أطراف شعرها :
– أنا لسه راجع دلوقتى وشوفتك وأنتى داخلة البيت وطلعت وراكى
أقتربت منه ووضعت ذراعيها حول عنقه وهمست قائلة بحب :
– كل سنة وأنت طيب يا حبيبى
نفض رأسه وظن أنه إستمع لتلك الكلمة بالخطأ ، فحدق بها قائلاً بدهشة :
– حبيبى ! ميس أنتى قولتى الكلمة دى بجد
هزت رأسها بالإيجاب وأعادتها على مسامعه ثانية :
– أيوة قولتها يا حبيبى لأنك بقيت فعلاً حبيبى
عناق أبلغ من أى كلمات ستقال بتلك اللحظة ، فراح يردد على مسامعها عبارات الحب والغزل ، فوجدتها فرصة سانحة من أن يفتح لها قلبه ويخبرها بكل ما تريد معرفته
وضعت رأسها على كتفه وغمغمت بخفوت :
– قولى بقى ليه بتقولى يا ماسة وإيه حكاية أنك تعرفنى من وأنا صغيرة
لم يجد مفر من إخبارها بالحقيقة كاملة ، فأخذها من يدها وأجلسها على طرف الفراش ، بينما ركع هو أمامها على إحدى ركبتيه قائلاً بهدوء ، ولكنه يخشى أن تثور بعد علمها بأمر حقيقة زواجه منها :
– أنا عيلتى وعيلتك من زمان أصحاب وقرايب وباباكى ووالدى كانوا أعز أصحاب وأنا من ساعة ما شوفتك بعد ما أتولدتى وقالوا إسمك ميس قولتلهم لاء دى ماسة وهتبقى بتاعتى ، بس زمان غزل وأنا ومعتصم سافرنا اليونان ولما رجعنا وشوفتك أول مرة فى المطعم وعرفتى إنتى مين قلبى رجع يدق تانى بس المرة دى مكانش حب طفل لطفلة ، لاء دا حب راجل لبنت ، عرفت أنك كنتى عايزة تتجوزى اللى إسمه نادر ده فبوظت الجوازة علشان أتجوزك أنا ومحدش تانى ياخدك منى
لم يقوى على إخبارها الحقيقة كاملة ، فأكتفى بذكر حبه لها وأنه السبب الأساسى ، الذى دفعه ليتزوجها ، فهو لا يريد إفساد سعادتهما بأن يخبرها أنه أرادها من أجل الإنتقام من عائلتها
أرادت إتمام الليلة مثلما رسمتها بمخيلتها ، فالأن لا يوجد ما يمنعها من إظهار حبها له ، خاصة بعد إعترافه هو الأخر بحقيقة حبه لها منذ نعومة أظافرها ، فكانت ليلتهما عامرة بخفقات القلوب المشتاقة ، وتلاوة العديد من العهود والنذور ، التى أقسم كل منهما أن يبر ويفى بها ، خاصة ذلك العهد الذى أخذه عليها بعدم تركها له حتى وإن إشتد عواصف ورياح الشدائد ، التى يعلم بأنها لابد ستمر بحياتهما
_____________
عاد للبيت مخمور ، تفوح منه رائحة الخمر والنساء ، فلو أقترب أحد منه سيتقيأ لا محالة ، فتلك الروائح التى تفوح منه تثير الغثيان ، ولكن لم يقتصر الأمر على رائحته وحسب ، بل تلك المرأة التى جلبها معه وتسير بجواره تترنح بمشيتها من آثر الخمور ، يبدو عليها أنها ستساهم بإتمام ليلته الماجنة ، فلم يكتفى بأن يكون سكير ولكنه عربيد وماجن
جلجلت ضحكة خرجت من فم المرأة وهى تراه على وشك السقوط ، فوضع ديفيد يده على فمه قائلاً بتحذير :
– هششش أسكتى ووطى صوتك لحد من البيت يصحى
وضعت المرأة يدها على فمها ، وحركت رأسها الثقيل مراراً ، تعبيراً عن كونها ستسمع لقوله ، فجذبها من يدها ، وصعدا الدرج بحذر ، فعلى الرغم من أن عمه لا يمانع أفعاله ، بل أحياناً كثيرة يشجعه عليها ، بأن يجلب له النساء حتى باب غرفته
غمغم بإرتباك وعيناه تدور بكل مكان :
– اتمنى تكون حياء وبيرى ناموا وإلا حياء مش هتسكت
فشقيقته الصغرى لن تمرر له الأمر ، وهى من صارت تتابع تصرفاته عن قرب وتأمره بفعل هذا وترك هذا ، ويتركها تفعل ما تفعله من أجل أن تظل تحيا برفقته ، حتى عندما ترجته أن تعود لشقتها القديمة لتقيم بها بشكل مؤقت لحين عودة أدريانو من سفره ، فهى لم تتحمل البقاء هناك ، لذلك عادت لذلك الحى الفقير تصطحبه معها هو وبيرى ، التى فرحت كثيراً بتركها المنزل هى الأخرى ، فهو لن يتركها تعود لزوجها بشكل نهائى ، وينسى ثأره من تلك العائلة بسهولة
فتح الباب بالمفتاح الذى حصل عليه من حياء ، من أجل دخوله وخروجه بدون أن يسبب إزعاجها هى أو بيرى ، فوجد الصالة غارقة بالظلام و السكون يغلف المكان
ففرك يديه بحماس وهو يهمس للمرأة :
– شكلهم ناموا تعالى معايا
ولجا لتلك الغرفة التى يسكنها بتلك الشقة ، وأوصد الباب عليهما ، وما كاد يخلع عنه قميصه ، حتى وجد حياء تقتحم الغرفة وهى تصيح بصوت عالى :
– إيه اللى أنت بتعمله ده يا ديفيد جاى ت ن ج س البيت الطاهر كاتك القرف برا خدها واخرج براااااااا
ضيقت المرأة عيناها ونظرت لحياء بتشويش وقالت وهى تترنح بوقفتها :
– هى تبقى مين دى أنت متجوز ولا إيه
إبتسم ديفيد ببلاهة قائلاً وهو يشير لحياء :
– لاء دى مش مراتى دى أختى بس تقدرى تقولى أنها مرات أبويا اللى مش مهنيانى على حاجة ، وواقفة ليا على الواحدة
جذبته حياء من ذراعه حتى إستقام بوقفته ، فدفعته وحثته على الخروج من الغرفة وهى تقول بإنزعاج :
– أتفضل خدها وأخرج برا الشقة يا ديفيد فاهمنى
تثائب ديفيد وأخرج من جيبه نقود وناولها لحياء قائلاً :
– خدى الفلوس دى حاسبيها علشان عايز أنام
أرتمى بالفعل على الفراش ، وتركها واقفة تنظر للمرأة ،التى مازالت تترنح بوقفتها ، فوضعت النقود بيدها وسحبتها خلفها حتى وصلت لباب الشقة
هتفت بها حياء بضيق من تلك الأفعال المشينة التى تفعلها :
– يلا أتفضلى روحى بيتكم وربنا يهديكى ويصلح حالك
خرجت المرأة وظلت حياء واقفة بأعلى الدرج لتضمن خروجها نهائياً من المبنى ، فعادت وولجت الشقة ودلفت لتلك الغرفة التى تتقاسمها مع بيرى
قالت بيرى وهى تجلس بالفراش :
– هو فى إيه ديفيد ماله
ردت حياء ودماءها تغلى بعروقها :
– جايب واحدة معاه عامل فيها شهريار وجايب ستات البيت مش كفاية القرف اللى شاربه لاء جايبها يتم بيها ليلته المقرفة وأنا اللى أفتكرته محترم
رفعت بيرى يدها وكممت فمها لتكتم صوت ضحكتها على قول حياء ، فقالت بضحكة صاخبة :
– ديفيد محترم ! دا هو والسفالة أخوات توينز كده ، أنا كنت مستغربة أن الكام يوم اللى فاتوا كان مؤدب ومبيعملش عمايله دى
فغرت حياء فاها من قول بيرى ، فكل يوم تكتشف أمر جديد يخص تلك العائلة ،التى من المفترض أنها عائلتها ، فيبدو أن شقيقها بحاجة لمعجزة إلهية لتقويم سلوكه
ولكن نفضت كل هذا عن ذهنها ، وأوت للفراش تفكر بحال راسل بعد تركها له ، فكم تمنى لو يأتى سعياً للبحث عنها ، فهى إشتاقته أكثر من ذى قبل ، وكأن تلك الليلة ماهى إلا وقود زاد من لهيب شوقها وحنينها إليه
إتسعت إبتسامتها وهى تتذكر تفاصيل تلك الليلة الحالمة ، فهمست بإسمه وهى تغلق عيناها لتستدعيه بأحلامها ، فمرت ساعات الليل مسرعة وحل الصباح بنوره ، الذى ملأ الدنيا ضياءاً
يوم جميل ومناسب للذهاب للشاطئ ، فاليوم ليس لديها ما يمنعها من قضاء يومها برفقة بيرى على أحد الشواطئ ولتسبح قليلاً ، علها تلقى بهموها بالبحر وتجرفها الأمواج بعيداً
بعد إنتهاءها من وضع كل ما سيحتاجونه بالحقيبة ، ناداها ديفيد قائلاً بإعتذار :
– حياء أنا أسف على اللى حصل إمبارح أوعدك مش هتتكرر هنا تانى
– ولا فى أى مكان يا ديفيد
قالت حياء وعقدت ذراعيها بتصميم ، فمنذ اليوم لن تتركه بحاله ، حتى يتخلص من تلك العادات السيئة
سمعوا صوت جرس الباب ، ففتحت بيرى ورأت رجل يقف على الباب ، فنظر لها قائلاً بفتور :
– أنتى السيدة حياء عرفان الطيب
سمعت حياء إسمها فأقترب بخطاها منهما وتساءلت :
– أنا حياء مين حضرتك وعايز إيه
نظر الرجل بعدة أوراق بيده وعاد ينظر إليها قائلاً بلهجة رسمية :
– لو أنتى السيدة حياء عرفان الطيب زوجة السيد راسل رياض النعمانى ، فأنا جاى علشان أخدك لبيت جوزك هو طالبك فى بيت الطاعة
_____________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)