روايات

رواية لأجلك أحيا الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم أميرة مدحت

رواية لأجلك أحيا الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم أميرة مدحت

رواية لأجلك أحيا الجزء السادس والثلاثون

رواية لأجلك أحيا البارت السادس والثلاثون

لأجلك أحيا
لأجلك أحيا

رواية لأجلك أحيا الحلقة السادسة والثلاثون

لم تشعر بالوقت وهي تقرأ كل صفحة بتمعن دقيق، وقلبها يخفق بجنون، وإبتسامتها تشق شفتيها ببهجة، بينما عيناها تلتمعان بالدموع ولكن خلفهما سرور لا يمكن أن يراه أحد بسهولة، كل جملة.. كل كلمة وصفت كثيرًا عن عشقه الخفي لها، هو لا يؤمن بكلمة الحب، ولكنه يعيش بداخله دون شعور.
وكما وصفها في مذكرته، أنها نقطة البيضاء ساعدته في الوصول إلى الجنة، ونقطة قوته ستجعله يواجه المصاعب، ونقطة ضعفه في أن تُضيع من بين يديه.
أحتضنت مذكرته بقوة وهي تغمض عينيها بسعادة، ولكن سرعان ما عاودت فتحهما ما أن سمعت صوت فتح باب المنزل وصوته الأجش مناديًا عليها قائلاً:
-تيجــــان؟!..
ثم من صوت شقيقها المتسائل بغرابة:
-هي راحت فين؟؟..
ضيق “أصهب” حاجبيه بريبة وهو يراها تلج من خارج غرفته، دقق النظر في ملامحها ليجدها تحاول أن تتحاشى النظر إليه وهي تقول ببسمة عذبة لـ”وافي”:
-أنا أهو يا حبيبي.
-عن إذنكم.
قالها “أصهب” بإقتضاب وهو يتحرك بخطى ثابتة نحو غرفته كي يتأكد من شكه، في حين أقتربت “تيجان” من شقيقها بلهفة، فتح الأخير ذراعيه لها وهو يقول بإبتسامة واسعة حنونة:
-حمدلله على سلامتك.
أحتضنها بقوة وهو يزفر براحة، هبطت دموعها رغم عنها وهي تريح وجنتها على صدره، أغمضت عينيها وهي تهمس بإشتياق:
-وحشتني أوي يا وافي.
شدد عليها وهو يجيب بعتاب:
-إزاي فكرتي تستسلمي للموت؟؟.. إزاي فكرتي تسبيني تاني؟؟.. يعني أول مرة كان حظك أنك وقعتي فطريق الكينج، جاية في الآخر تستلمي بسهولة دي؟!..
ردت عليه بخفوت شارد:
-غصب عني، صدقني مش بإيدي.
مسح على خصلات شعرها برفق وهو يقول:
-خلاص، بلاش عتاب، المهم إنك كويسة دلوقتي، دي أهم حاجة.
دخل “أصهب” غرفته وهو ينظر حوله باحثًا عن مذكرته ليجدها على الفراش كما وضعها بالأمس قبل أن يغط في نومٍ عميق، مسح على وجهه بحنق عارم وهو يهمس من بين أسنانه:
-غبي، أنا غبـي.
زفر بغضب مكتوم وهو يتسائل بضجر:
-أطلع أوريها وشي إزاي بعد إللي كتبته ده، كان عقلي فين لما دخلتها البيت وأنا سايب المذكرة على السرير؟!!!..
حاول أن يتمالك أعصابه وهو يلج إلى خارج غرفته وعينيه تبحثان عنها بحنق، زادت قساوة عينيه وهو يراها بين أحضان أخيها، فهدر بغضب غريب:
-ما كفاية أحضان بقى!.. إبعد عنها خلينا نجهز الأكل إللي جبناه.
عقد “وافي” ما بين حاجبيه بتوجس وهو يبعدها عن أحضانه بحذر، في حين حاولت “تيجان” إخفاء إبتسامتها وهي تنظر إليه بحاجب مرفوع، أشاح “أصهب” وجهه بعيدًا عنها كي يتحاشى نظراتها الماكرة وهو يتحرك نحو المائدة الصغيرة هاتفًا بعدة كلمات غير مفهومة.
*****
بعد قليل، خرج “وافي” من المنزل كي يقوم بشراء بعض من المشروبات الغازية بعد أن أنهى طعامه، نهض “أصهب” هو أيضًا وهو يقول بإقتضاب:
-أنا نازل.
هبت “تيجان” واقفة وهي تقول بلهفة:
-إستنى.
لم يستدير إليها بل ظل واقفًا كالصلب، فهمست بصوتٍ متسائل مرتجف:
-إنت ليه بتهرب مني يا أصهب؟؟..
نطقها لإسمه بطريقتها المثيرة بالنسبة إليه جعلته يستدير إليها أخيرًا ويجذبها بعنف إلى أحضانه، يحتضنها بقوة بل يعتصرها بين ذراعيه، وذقنه مستريحة على خصلات شعرها الناعمة مُستنشقًا رائحتها المغرية بالنسبة إليه، أما هي فكانت تثير جنونه أكثر بتشبثها في ملابسه حتى أعتصرتها بين كفيها وكأنها قشة نجاتها الوحيدة، مع همسها كلمات الإشتياق التي تهفو لسماع كلمة.
حاول تدارك نفسه بعد دقائق وهو يبعد نفسه عنها بالقوة الإجبارية، ثم ألتفت ثانية واضعًا كفيه المرتعشين في جيب بنطاله، أقتربت منه تهمس بصوتها المُهتز قليلاً:
-أصهب؟!..
لم يلتفت بل ظل محدقًا أمامه بتوتر، فهسمت مرة أخرى بصوتٍ مرتعش:
-أنا خايفة!!..
قطب جبينه بقوة وهو يلتفت برأسه إليها متسائلاً بقلق:
-من إيه؟؟.. أوعي يكون ليكي أعداء تانين!!..
إبتسمت بسخرية وهي تقول:
-عندي، وأهو واقف قدامي بهيبته المعروفة ومش فارق معاه حاجة.
قبض على معصمها فجأة وهو يهدر بلهجة مخيفة:
-نعم ياختي؟!.. مين ده إللي عدوك؟!!.. أنا عدوك يا تيجان، بعد كل ده وتقولي عدوك؟!!..
ضربت صدره بقوة وهو تصرخ بوجهه بعصبية:
-أيوة عدوي، لما تبقى بتحاول تغطي حبك ليا ومش عاوز تطلعه ليا تبقى عدوي، لما الاقيك بتكتب كلام حلو ليا وبتوصف أدق مشاعرك إتجاهي وفي الآخر مش بلاقيك على أرض الواقع تقولي كلمة حلوة حتى تبقى عدوى ولا حتى راضي تعترف بحبك، أنا محتاجة حبك يا أصهب، ومحتاجة حنانك أكتر من إنك تفضلي تبصلي بنظراتك القاسية، محتاجة حبك أوي عشان جروحي تتلم.
أشار بإصبعبه ناحية عقلها وهو يقول بتهكم:
-إنتي واضح أن في فعقلك حاجة، إنتي ليه مش قادرة تفهمي حُكم ظروفي وتربيتي طلعتني بالشكل ده؟!.. أنا راجل ميعرفش يقول كلام حلو، معرفش أقول بحبك وكلام الفاضي ده، أنا راجل بيعمل أفعال تأكد اللي بقوله مرة واحدة، مش لسه هيقعد يتكلم ويرغي كتير.
أتسعت عيناها بصدمة وهو تقول بإستنكار:
-إنت مصدق نفسك؟!!.. إزاي مبتعرفش تقول وإنت كاتب فيا شعر فمذكرتك، إنت هتجننــي!!!..
قالت كلمتها الأخيرة وهي تضرب صدره مرة أخرى بقوة أكبر، وصوت صراخها يتعالى أكثر بجنون، قبض على ذراعيها بقوة وهو يصرخ بلهجة جهورية صارمة:
-وطي صوتك يا تيجان، وإهدي.
هبطت دموعها بقهر وهي تهمس:
-أنا تعبانة يا أصهب، محتاجة منك أي كلمة تداوي أي جرح من الجروح إللي جوايا، أنا بمــوت صدقني.
جذب رأسها إلى صدره، يضمها إلى أحضانه الدافئة وهو يهمس لها بخفوت حاد:
-عوزاني أعمل إيه يا تيجان، قوليلي وأنا هحققلك إللي عوزاه وأكتر، بس بلاش دموعك، بتحرقني حي.
أغمضت عينيها بتعب غير مستشعرة بالحياة وهي بداخل أحضانه، أحضانه التي دائمًا تستقبلها بحنو مثير بعيدًا عن حزن وهموم، أحضانه فقط هي الملجئ الوحيد لها في تلك الحيـاة.
مسح على خصلات شعرها برفق لفترة طويلة وهي بداخل أحضانه، همس بإسمها بصوتٍ أجش:
-تيجان؟!..
همهمت كردًا عليه، فإبتسم تلقائيًا وهو يسألها:
-عاوزة إيه وأنا هعمله من غير تفكير.
صمتت قليلاً وهي تبتعد عمه قبل أن تقول بشرود:
-عاوزة أتحجب.
عقد ما بين حاجبيه وقبل أن يسألها، كانت سبقته بقولها الشارد الجاد:
-من صغري وأنا عاوزة أتحجب بس دايمًا كنت ببقى خايفة إني أزهق منه فـ أقلعه، وأنا عمري ما هسمخ لنفسي إني أعمل كده، ده الوقت إللي أنا متأكدة فيه إني عمري ما هقلعه.
إبتسامة حانية شقت شفتيه وهو يدنو منها أكثر هاتفًا بتشجيع:
-بس كده؟؟.. من بكرا نروح سوا نشتري لبس المحجبات، وأي حاجة تعجبك أو إنتي عاوزاها هتكون عندك، إلا زعلك إنتي.
ألتمعت عيناها أكثر وهي تتابع بصوتٍ مرتجف:
-وعاوزة حبك يا أصهب، مش عايزة نظراتك القاسية بتفكرني بالماضي، أنا عاوزة الحاضر والمستقبل يداوا جروحي إللي كل يوم بتزيد.
أبتلع ريقه بصعوبة وهو يتذكر تلك الحقيقة التي لن يخبرها بها حتى لا تنهار، فإن أنهارت سينهار هو تلك المرة، لم يتحمل وهنها وإنهيارها، فإذا كانت دموعها تحرقه بشدة، تُرى كيف سيكون شعوره وهو يشاهد إنهيارها بصمت عاجزًا عن فعل شيء.
طرد تلك الأفكار المخيفة من عقله ثم إبتسم وهو يتمتم بثقة عالية لا تليق إلا به:
-طلباتك أوامر، إنتي تؤمري والكينج كل إللي عليه ينفذ.
قبض على يدها وهو يجذبها سريعًا نحو باب المنزل هاتفًا بصيغة آمرة:
-تعالي معايا.
*****
لاحقًا، تعالت همسات وأصوات أهل القرية وهم ينظرون بعيون مدهوشة.. مصدومة.. مذهولة نحو “تيجان” التي ظهرت برفقة ملكهم “أصهب”، إبتسامة جانبية أرتسمت على وجهه وهو يرى ردة فعلهم، فهي تظهر أمامهم بعد هروبها من الموت للمرة الثانية.
همس أحدهم إلى صديقه بتساؤل:
-هي مش المفروض ماتت؟؟!!..
هتف شخص آخر:
-دي كل شوية بتعلمنا مقلب وترجع تاني عايشة ولا ميتة ولا حاجة.
فتاة تحدثت:
-يعني العياط إللي عيطناه والزعل مكنش ليهم أي تلاتين لازمة بقى على كده.
سيدة أخرى قالت:
-أومال كنتِ فين يا تيجان طول الفترة دي؟؟..
بعد ذلك السؤال، عم الصمت على المكان بأكمله، منتظرين تلك الإجابات التي سترضي فضولهم، تزايد عدد أفراد القرية كي يشاهدون يحدث بإهتمام كبير.
وقف “أصهب” بثبات، وثقة عالية مرتسمة على تعبيراته القاسية، قال بنبرة هادئة ولكنها صارمة:
-محدش طبعًا فاهم حاجة، خرجت من الموت إزاي؟؟.. وكانت فين؟؟.. كل إللي أقدر أجاوب بيه هو أنها فعلاً كانت بين الحياة والموت ودخلت فـ غيبوبة مدتها غير معلومة وبعدها تفاجئت بظهور إشاعة موتها لأ وكمان أنتشرت، وأنا من خوفي وقلقي عليها مقدرتش أطلع أكدب الخبر.
إزدادت الهمسات مرة أخرى بين الجميع، ما بين المتسائل.. والغير مقتنع بما قاله، أخفضت “تيجان” رأسها بحرج وهي تتمنى شق الأرض وأمن تبتلعها حتى لا يجتاحها ذلك الشعور السيء، شعرت بإصبعين قويتين على ذقنها يرفع وجهها إليه بقوة، كانت عيناها قد لمعت بالألم لتعانق عينيه الحادتين وهو يقول:
-إياكِ تنزلي عينيكِ على الأرض مهما كان مين واقف قصادك، حتى لو كنت أنا.
إبتسم “وافي” وهو يتراجع قليلاً للخلف هامسًا بخفوت:
-أنا كده أرتحت.
نظر إلى السماء بألوانها الزرقاء الصافية هامسًا وهو يزفر براحة:
-أرتاح إنت كمان يا بابا، تيجان أمانها دلوقتي بقى أصهب.
بينما تابع “أصهب” مشددًا على كل كلمة ينطقها بقوة:
-خلي دايمًا راسك مرفوعة لفوق بشموخ، إياكِ تقللي من نفسك يا تيجان، إنتي أسم على مسمى، خليكي فاكرة ده.
إبتسمت له ببهجة قبل أن تومئ رأسها بإيماءة خفيفة وهي تعاود النظر إلى جميع أفراد القرية الذين يتابعونهما بإبتسامة ذات مغزى، إستمعت إلى جملته القوية والتي بدت كالقنبلة للجميع:
-ودلوقتي أنا حابب أعلن قدامكم كلكم إن علاقتي بـ تيجان موصلتش لعلاقة الضحية وقعت فإيد السجّان بتاعها وهو نجاها وبس، علاقتنا وصلت لأعمق من كدا.
ألتفت ينظر إليها وبداخل عينيه وميض العشق قائلاً بنبرة يملؤها الثقة و الصدق:
-أنا بحبك يا تيجان، بحبك لدرجة إنتي عمرك ما تتخيليها، إنتي عارفة إني مكنتش أعرف معنى الكلمة دي، بس عرفتها على يدك إنتي وبس.
عاود النظر إليهم وهو يضيف بإبتسامته:
-وإن شاء الله قريب هنعلن عن ميعاد جوازنا.
ران الصمت لبضع لحظات قبل أن يسأله أحد بذهول:
-معقولة يا كينج هتتجوزها رغم كل إللي حصلها زمان؟!!..
أتسعت إبتسامته أكثر وهو يجيبه بلهجة حارصة على تعبير حبه لـ”تيجان”:
-عمرك شوفت الملك من غير التاج بتاعه؟؟.. الملك ميقدرش يبقى ملك من غير التاج بتاعه، يعني من غير تيجان مبقاش ملك.
*****

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لأجلك أحيا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى