رواية لأجلك أحيا الفصل السادس والأربعون 46 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا الجزء السادس والأربعون
رواية لأجلك أحيا البارت السادس والأربعون
رواية لأجلك أحيا الحلقة السادسة والأربعون
ما أن وصل إلى غرفته حتى وضعها برفق على الفراش وكأنها ماسة يخشى عليها، راقبها بعينين قلقتين وهو يجول بأنظاره على جسدها كي يتأكد من عدم وجود أي إصابة بها، زفر بإرتياح وهو يجلس بجوارها على الفراش، مسح يده بحنوٍ على خصلات شعرها وهو يتساءل بإهتمام:
-ينفع إللي إنتي عملتيه ده؟!..
حركت رأسها بالسلب وهي تقول بخفوت:
-أنا آسفة.
قال “أصهب” بعتابٍ رقيق:
-مش عاوز إللي حصل ده يتكرر تاني، بلاش عند معايا، وخصوصًا إنك بتتكلمي مع واحد عمره ما هيأذيكي، بالعكس هو بيبقى شايل هم الدنيا كلها لما بيبقى حاسس إنك في خطر.
إبتسمت له وهي تقول:
-حاضر، أوعدك.
بادلها إبتسامة صغيرة قبل أن يقول بهدوء:
-طب أسيبك بقى عشان ترتاحي شوية.
قبضت على يده وهي توقفه بلهفة:
-إستنى، أنا عاوزة أعترفلك بحاجة.
عقد ما بين حاجبيه بقلق وهو يسألها بإهتمام:
-إيه، خير؟!..
أرتسمت إبتسامة صغيرة على شفتيها وهي تقول بتوتر:
-بما أنك سامحتني فـ لازم تعرف إني لا تعبانة ولا حاجة، أنا بس عملت كدا عشان متتعصبش عليا ومتعاقبنيش.
تجهم وجهه بطريقة مفاجئة.. مرعبة وهو يسألها بهمسٍ خطير:
-أنتي بتقولي إيه؟!.. قصدك إيه بظبط؟!..
بلعت ريقها بصعوبة وهي تهمس بإرتباك:
-أنا حبيت أقولك بنفسي عشان متضايقش مني لو عرفت بالصدفة وآآ…
قاطعها بلهجة عنيفة وهو يهب واقفًا:
-مضايقش!!!!..
أشار بيده وهو يهدر بنبرة غاضبة:
-جاية تمثلي عليا إنه هيغم عليكي وإنك فجأة تعبتي، وأنا قبلها أساسًا كنت بحمد ربنا إنه خلاكِ ترجعي تقفي على رجليكي من تاني.
زادت لهجته غضبًا وهو يقول:
-إنتي أكيد بتستعبطي!!!!..
اعتدلت في جلستها وهي تهمس بضيق:
-أصهب أسمعني، مفيش داعي لغضبك ده وكمان آآ..
أتسعت عيناه وهو يقاطعها بنبرة شرسة:
-غضبي!!!.. إنتي لسه شوفتي حاجة، بتلعبي بمشاعري عشان تهربي من العقاب، مش أنا يا تيجان، إذا كنت حنين معاكي فـ ده لأنك حبيبتي لكن أنا ليا وش إللي يشوفه بينهار من الخوف وإنتي شكلك نستيه.
سحب نفسًا حادًا وهو يتمتم:
-لما تعرفي غلطتك ساعتها هنبقى نتكلم، غير كدا لأ.
رمقها بنظرةً أخيرة حانقة قبل أن يستدير بجسده متوجهًا نحو باب الغرفة، تابعته “تيجان” بعينين لامعتين من الدموع وهي تراه يلج إلى الخارج صافقًا الباب بقوة، أطرقت رأسها بحزن وهي تهمس لنفسها بضجر:
-يا ريتني ما قولتله.
*****
لاحقًا، قررت بعد تفكير طويل أن تهبط إلى الأسفل حتى تعتذر منه، فقد أدركت ولكن بعد فوات الأوان أن هناك طرق أخرى يمكن أن تفعلها تجعله يتغاضى عن عقابه لها، ولكن هي أختارت الأسوأ ورغم ذلك أخبرته عن خطتها بكل حماقة!!..
تأكدت من تعديل شكل حجابها، فإبتسمت برضا وهي تدلف إلى خارج غرفتها، نظرت حولها نظرات شمولية قبل أن تهبط إلى الأسفل بثبات، ولكن سرعان ما أجتاحها دوارٍ غريب.
دلكت بيدها جبينها محاولة تخفيف الدوار وهي تغمض عينيها، سحبت نفسًا عميقًا ثم زفرته ببطء، عاودت الهبوط وهي تبحث عنه بعينيها، ولكن ما أن وصلت إلى الأسفل حتى شعرت بألم غريب يقبض على قدماها، تشنجت عضلات قدماها بطريقة قاسية، فـ أطلقت صرخة مدوية مؤلمة وهي تجلس على الأرضية الصلبة أمام الدَرَج بعد أن أستشعرت بأن قدماها سوف تنكسر إن أستمرت في الوقوف.
أغمضت عينيها بقوة تكاد أن تعتصرهما وهي تلمس بأنمالها قدماها التي تخشبت تمامًا، فـ أطلقت صرخة أخرى أشد ألمًا ووجعًا وعيناها قد أدمعت من فرط الألم.
كانت “شاهيناز” على وشك الدخول إلى القصر، بعد أن جلست لفترةً طويلة هي وزوجها بالحديقة، ولكن تصلب جسدها بقلق ما أن أستمعت إلى صوت صراخ زوجة إبنها، فـ ركضت دون شعور بإتجاه الصوت حتى وجدتها جالسة على الأرضية الصلبة الباردة تبكي بألم، شهقت وهي تدنو منها هاتفة بفزع:
-تيجان، في إيه مالك؟!!..
جلست على ركبتيها أمامها وهي تحتضن وجه “تيجان” براحتي يديها مسائلة بقلق:
-مالك يا حبيبتي، إنتي وقعتي من على السلم؟!!..
حدجتها “تيجان” بعينين باكيتين وهي تقول:
-رجليا، هموت من الوجع مش عارفة أحركهم خالص، آآآه.
أحتوتها “شاهيناز” بداخل أحضانها وهي تخبرها:
-أهدي يا حبيبتي، بلاش إنفعال، أومال أصهب فين؟!!.. إزاي سايبك كدا؟!..
التفتت برأسها للجهة الأخرى، فـ لمحت زوجها يدخل القصر، هدرت بنبرة عالية جدًا حتى تصل إليه:
-راجــي، يا راجــــي!!!..
*****
أرتجف قلبه ما أن أستمع إلى صوت صراخها وكأنها حقًا تتألم، بلع ريقه بصعوبة محاولاً إقناع نفسه أنها بخير ولكن تفعل ذلك حتى يركض إليها من جديد، أندفعت والدته نحو غرفة مكتبه وهي تصرخ بفزع:
-ألحق يا أصهب مراتك، وقعت من على السلم ومش عارفة تتحرك من مكانها.
هب واقفًا وهو يقول بضيق:
-تلاقيها تمثيلية جديدة عملاها الهانم.
قبضت على يده وهي تقول بغضب:
-أصهب مفيش هزار.. صدقني.
ضيق حاجبيه بقلق ما أن تمعن في وجه والدته، وجه أنظاره نحو باب غرفته قبل أن يهمس بخوف:
-تيجان!!..
بدون شعور، ركض “أصهب” خارج غرفته متوجهًا نحو الدرج ليجد والده يساعدها في النهوض وهو يتحدث إليها بقلق، أقترب منها وهو يسألها بتلهف:
-تيجان، مالك؟؟..
لم تستمع إليه من الأساس، فما أن وقفت على قدميها حتى شعرت بألم حارق يضربهما من جديد، فكادت أن تقع لولا ذراعه التي طوقت خصرها بقوة يرفعها إليه، صرخت بوجع هائل:
-رجليا هتتكسر يا أصهب.
أنحنى بجذعه يمرر ذراعه أسفل ركبتيها كي يحملها بين ذراعيه وهو يقول بثبات رغم إنتفاض قلبه:
-ماتخفيش يا حبيبتي، واضح كدا أن التشنجات هاجمت رجليكي من جديد، ماتقلقيش.
ثم ألتفت برأسه نحو والديه قائلاً:
-محدش يجي الأوضة ولا يتصل بالدكتور، أنا هتصرف.
شد عليها بذراعيه وهو يتحرك بخطى سريعة على الدرج، دفنت وجهها في صدره وهي تقول بلهجة متشنجة:
-هموت يا أصهب، هموت من الوجع آآآه.
خفق قلبه بجنون بعدما أعتراه الفزع من كلماتها، وصل بها إلى الغُرفة ثم وضعها على الفراش بحرص وهو يقول بنبرة مرتجفة قليلاً:
-هتبقي كويسة، دول شوية وجع هيروحوا لحالهم.
وكأنه يحاول بث الطمأنينة بداخل قلبه المرتعب عليها، فهي جنته ولكن هلاكه من كثره خوفه عليها، جلس بجوارها على طرف الفراش، ثم قبض أبعد عباءتها من على قدميها وهو يقول بجدية:
-أهدي خالص، خدي نفس عميق وطلعيه براحة.
حركت رأسها بالإيجاب وهي تسحب نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل، أستمرت في فعل ذلك، فقال “أصهب” مضيفًا:
-أيوة كدا أستمري، لازم تهدي الأول، وأنا هبدأ دلوقتي أعملك تمرينات الرجل، ماتقلقيش.
وبالفعل بدأ في تدليك قدماها بأهتمام دقيق، أغمض عينيه للحظات وهو يقرأ بصوتٍ خفيض بعض من آيات القرآنية مستمرًا في تدليك قدميها برقة ولكن حازمة.
فتح عينيه السوداوين موجهًا أنظاره القلقة نحو وجهها ولسانه لا يزال يردد بعض من آيات القرآنية، وجدتها تغمض عينيها بتعب وهي تهمس بعدة كلمات غير مفهومة.
دقائق وكان ينهض من مكانه ساحبًا ذلك الغطاء، جاورها على الفراش وهو يطوق خصرها بذراعه، بعد أن دثرها ودثر نفسه، إبتسم لها بعذوبة ليجدها تحرك شفتيها بهمسٍ واهن لا يكاد أن يسمع:
-آسفة.
جذب رأسها إلى صدره وهو يغمغم:
-ياريت كنت أتوجعمكانك، فترة وهتعدي.
*****
بعد مرور عدة أيام، لم تتصور أبدًا أنها من الممكن أن تعود إلى سجن زوجها، ذلك السجن الذي قام بـ بناءه منذ عدة أعوام كثيرة حتى تحتجز فيه من باتت زانية، فغرت “تيجان” شفتيها قليلاً وهي تدخل البوابة، اعترتها رهبة المكان والذكريات تدور من حولها، أستمعت إلى صوتٍ قوي يأتي من خلفها قائلاً:
-يالا يا تيجان، أنا معاكي.
ألتفتت له مسائلة بتعجب:
-إحنا خلاص وصلنا، ممكن أعرف جايبني هنا ليه؟!!..
إبتسامة جانبية أرتسمت على شفتيه القاسيتين وهو يقول:
-طب براحة عليا شوية، شوفي يا تيجان، أنا كل سنة بخرج كام واحدة من الزانيات هنا، بعد ما يكونوا قضوا مدة كبيرة من العقوبة، بطلع إللي حاسس أنها ندمت بجد.
عقدت ساعديها أمام صدرها مسائلة:
-والمطلوب؟!..
وضع يديه بداخل جيبي بنطاله مجيبًا بهدوءٍ واثق:
-إنك إنتي إللي هتختاري مين اللي هيخرجوا، هخليكي تتولي المهمة دي، لأنك أكتر واحدة هتحسي بإللي ندمت بجد وإللي بتستعبط، فهمتي؟؟..
عبست قليلاً وهي تقول بقلق:
-فاهمة، بس قلقانة من إختياري.
إبتسم لها إبتسامة جانبية وهو يقول بثقة:
-مرات الكينج مينفعش تقلق من أي حاجة، خليكي واثقة في نفسك يا تيجان، وبعدين أنا معاكي.
حركت رأسها بإيماءة خفيفة قبل أن تتحرك بخطى ثابتة وخلفها “أصهب” الذي يتابع خطواتها ببسمة صغيرة، ولكن سرعان ما تلاشت ما أن وصلا إلى الطابق الثاني حيثُ البداية.
أعتدل كل حارس في وقفته ما أن وصل إليهم خبر وجود الملك وتاجــه، أحنى الجميع رُؤوسهم إحترامًا لهما، فـ إبتسمت “تيجان” وشعور الثقة يعود إليها من جديد بعد أن كانت هشة.. ضعيفة والفضل يعود إليه دائمًا.. “أصهب”.
*****
دخلت تلك الخادمة “آية” البناية التي يقطن بها “الهامي”، ما أن رأها حارس العقار حتى هرول نحوها وهو يقول بلهفة:
-أخيرًا جيتي، لازم تشوفي الريحة اللي جاية من شقة الراجل المرعب شوية ده بسبب إيه، الشقة اللي قدامه أشتكت؟!!..
ردت عليه بجدية:
-أنا باجي كل ٣ أيام، بس المرة اللي فاتت مجتش عشان أمي كانت عيانة وكنت بلغت هامي باشا، وبعدين كنت تخبط عليه وتشوف إيه حكاية الريحة دي.
قال حارس العقار بتوتر طفيف:
-بلاش، ده له حتت بصة، لو أنا عدوه مش هيبصها ليا، وبصراحة من كام يوم لما جبتله أكل من برا ومعجبوش لقيته بيرمي الأكل فوشي وخلى منظري زي زفت، فكان الله في عونك إنتي بصراحة.
أخرجت “آية” مفتاح الشقة فهي تحمل نسخة منها بعد أن أعطاها “الهامي” إليها حتى لا ينهض ويفتح لها، فتحتها لتجد الرائحة بشعة بحق، وكأن الدود قد سكن منزلهم أو شيء من هذا القبيل، ولجت “آية” وهي تكتم أنفاسها ومن خلفها حارس العقار، وصلا إلى غرفة النوم فـ وقعت أعينهما على” الهامي” وهو مُسجى على الفراش، بشرته زرقاء غير طبيعية، ورائحة العفن تفوح بشكل غير طبيعي، يبدو أنه توفى منذ عدة أيام ولم يشعر به أحد، مات في فراشه وهو نائم تقريبًا، فقد كان مغطي بالكامل ماعدا وجهه ويداه، جفونه مطبقة بشكل مرعب، وعظام وجهه تبرز من جلده تكاد تخترقه، صرخت “آية” صرخة مدوية جمعت الجيران على بابهم:
-مش ممكن!!!.. ده مـــاااااات، لا حول ولا قوة إلا بالله.
أبتعد حارس العقار وهو يقول بفزع:
-لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون.
*****
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لأجلك أحيا)