روايات

رواية لأجلك أحيا الفصل السابع والأربعون 47 بقلم أميرة مدحت

رواية لأجلك أحيا الفصل السابع والأربعون 47 بقلم أميرة مدحت

رواية لأجلك أحيا الجزء السابع والأربعون

رواية لأجلك أحيا البارت السابع والأربعون

لأجلك أحيا
لأجلك أحيا

رواية لأجلك أحيا الحلقة السابعة والأربعون

-الأخير-
بعد مرور أكثر من أربعين يومًا على وفـاة “الهامي”، عادت الحياة طبيعية على الجميع إلا “أصهب”، فـ ما أن وصل إليه خبر وفاة جده بتلك الطريقة القاسية حتى شعر بأن قداماه تتراخى، والدموع تعرف طريقهـا جيدًا إلا أنه سُرعان ما أرتدى قنـاع الجمودٍ وهو يستقل سيارته حتى يذهب إلى منزل جده.
في تلك الأيام، رغم حُزنــه القابع بداخل قلبــه إلا أنه حاول أن يخفف الألم لدى والده الذي بكى بعد أن ظل جامدًا كالصلب لليالٍ طويلة، ومن بين كل ذلك حاول أيضًا أن يكمل ما بدأه في زرع ثقة بالنفس والقوة لدى حبيبـه قلبه.. “تيجان”.
ولكنـه في النهاية إنسان، رغم قسوتـه وبروده الطاغي إلا أنه إنسان ليس آلة يُمكن أن تفعل كل شيء دون تعب أو ملل، أنتظرتــه “تيجان” في ذلك اليوم حتى غلبهـا النوم، لم تشعر بعدهـا بأي شيء إلا حينما أستمعت إلا أصوات آنات وآهات مجروحة، مكتومة، أدارات رأسهـا للجانب الأيمن حيثُ يرقد “أصهب”، كان ممددًا على ظهره، رأت بشرته البرونزية تلمع بـ حبيبات العرق وقد بدأ يهذي بكلمات غير واضحة.
تمتمت “تيجان” وهي تهز كتقـه بقلق:
-أصهب، أصهب أصحى، أصهــب.
أعتدلت “تيجان” في جلستهـا وهي تحدق فيه بخوف، تبينت أنه مريض، إذ آلمت به حمى مصحوبة بالتعرق الشديد، وضعت كفها على جبينه، فـ شهقت بقوة وقد أرعبتهـا درجة حرارتـه المرتفعـة، هبطت من على الفراش قبل أن تهرول نحو الثلاجة الصغيرة لرابضة بأخر الغرفة والمغلفة بالألواح الخشبية المصقولة اللماعة، أخرجت قالب قطع الثلج وأخذت زجاجة ميارة باردة، ثم فتشت عن قطعة قماش حتى وجدتهـا، ثم أودعت كل تلك المحتويات داخل طبق فاكهة البيضوي بعدما أفرغتـه، إتجهت صوبـه مرة أخرى وهي تغمغم بخوف:
-ما أنت كنت كويس، إيه إللي حصل بس ياربي.
أنتفض مذعورًا ما أن وضعت قطعة القماش على جبينه الملتهب بعدمـا بللتهـا بالماء، ألمتهـا حالته وهي تراه للمرة الثانية هامدًا.. ضعيفًا.. لا يقوى على تحريك إصبعه حتى.
*****
بعد مرور عدة ساعاتٍ كثيرة، أنخفضت حرارتـه نسبيًا، بعد ذلك المجهود المضني الذي بذلتـه “تيجان” في تمريض “أصهب” والأعتناء به، لاحظت أنه بدأ الأستيقاظ شيئًا فـ شيء حيثُ فتح عينيهِ بتثاقل، وزاغ بصره يمنة ويسرة عدة مرات حتى أستقرت أنظاره عليهـا، وبدون أن يتحرك قيد أنملة، تكلم بخفوت شديد، وقد خرج صوتـه واهنًا متحشرجًا:
-في إيه؟؟.. مالك؟؟.. هو في حاجة حصلت؟!..
هُنـا.. زفرت بإرتياح بعد أن هدأت أعصابهــا أخيرًا، إبتسمت له بتوتر وهي تجيبه:
-ولا حاجة يا حبيبي، أنت تعبت شوية، بس الحمدلله شكلك بقيت أحسن.
قطب حاجبيه بإستغراب وهو يسألهـا بذهول:
-تعبت!!..
أومأت برأسها وهي تسأله بتلهف:
-حاسس بإيه؟؟..
-راسي وجعاني، حران وعطشان.
-أنت جيت على نفسك أوي يا أصهب، كل حاجة كنت بتعملهـا لوحدك ومش عاوز حد يحس بإللي أنت شايله حتى أنا، شوفت وصلت لإيــه.
هز رأسه نفيًا وهو يغمغم بتعب:
-تيجان.. أنا تعبان فعلاً، أنا أتعودت على ده، مش بعد السنين دي كلهـا هقدر أغير الطباع إللي فيا.
لم تودّ أن تناقشه وهو بتلك الحالة الواهنة لذا همست له بهدوء وهي تتحسس جبينـه:
-حرارتك خلاص نزلت، هقوم أروح أعملك حاجة تاكلهـا.
نهضت من مكانهـا متوجهة نحو الخزانة، أخرجت ثياب لهـا ثم ولجت إلى المرحاض، بينما هو كان يراقبهـا حتى توارت عن ناظريه، فشعر بثقل جفنـاه، ليغط في نوم عميق مرة أخرى من شدة الإعياء.
*****
بعد مرور فترة قصيرة، دخلت “تيجان” الغرفة وهي تحمل صينية متوسطة، وضعت الطعام جانبًا وهي تجلس مكانها بجواره، مدت يدهـا تهزه بلطف وهي تهتف به ليفيق:
-أصهب، أصهب أصحى يالا.
فتح “أصهب” عيناه بتثاقل شديد، نظر لهـا بغرابة وهو يسألها بخمول:
-إيه؟؟.. في إيه يا تيجان؟!..
إبتسمت له وهي تساعده في أن يعتدل بجلستـه:
-يالا عشان تاكل.
إنصاع “أصهب” لهـا، فقد بدأ يشعر بالجوع، ساعدته “تيجان” بعد أن وضعت خلف ظهره واليد الأخرى أحاطت بها عنقه، ناضلت لترفعه قليلاً وتسند ظهره إلى حائط الفراش، تمتمت بأنفاس متلاحقة للجهد العظيم الذي تبذله:
-آآه، إيه ده يا أخي، إنت تقيل أوي كدا ليه؟!..
أستغل فرصتـه جيدًا، فقد مرغ وجهه في ثنايا عنقهـا وصدرهـا ويشتم رائحتهـا الطيبة الذكية ليملأ صدره بهـا، وبعد معاناه عاودت “تيجان” الجلوس ثم قربت صينية الطعام قليلاً، أخذت طبق الحساء هي تقول:
-يالا بقى عشان تاكل.
شرعت في أطعامه، وبعد عدة دقائق صغيرة.. سألتـه بضيق:
-قولي بقى، إيه إللي إنت عملته فـ ثاقب ده؟؟..
إبتسم لهـا ببراءة وهو يسألها:
-هو أنا عملت حاجة؟؟..
أجابتــه بضجر:
-حرام عليك يا أصهب، ترميه فالمخزن بتاعك شهر ونص!!!.. نادرًا تسيبه ينام ده غير الأكل والشرب وآآآ..
قاطعهـــا بغضب وهو يرمقهـا بنظراتٍ مظلمة:
-أومال كنتِ عوزاني أخده فـ حُضني مثلاً وأشكره على إللي عمله فيكِ؟!!.. ده يحمد ربنا إني سبته عايش، وخليته يكمل عيشتـه هنا هو وأمـه بدل ما كنت أطرده من القرية.
حركت رأسهـا بيأس وهي تقول:
-قسوتك دي هتتعبني وهتتعب حياتنا يا أصهب.
إبتسامة قاسية شقت شفتيــه وهو يقول بتهكم:
-سبتلك الطيبة بزيادة يا تيجان هانم.
نظرت له بسخط وهي تقول بحنق:
-بتتريق؟!.. إنت بتستعمل قسوتك جامد يا أصهب وده مينفعش، رغم أن ليك مُميزات كتير حلوة مش موجودة فـ ناس كتير، لكن كله كوم وقسوتك دي كوم تاني!!..
حدجها بنظرات ساخرة متمتمًا بجدية:
-تيجان، أنا في الأول وفي الآخر تربية الهامي، صحيح عرفت أبعد نفسي عنه في قاونينه وأوامره وكل حاجة، لكن القسوة إللي زرعها فيا مش هقدر أخرجهـا.
سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بهدوء زائف:
-إنت كدا في يوم من الأيام ممكن تبقى زيه.
تقوس فمـه بإبتسامة قاسية وهو يقول بخشونة:
-لو كنت هبقى زيه كان ده حصل من زمان، ولو كان حصل فعلاً.. كان زمان حياتك منتهية، وبعدين القسوة إللي بتتكلمي عنهـا يا تيجان مش بتظهر إلا لو حد قرب من إللي يخصني.
وضعت الطعام بمكانـه الأول ثم هزت رأسهـا بالإيجاب وهي تهمس بتنهيدة عميقة:
-على العموم هو دلوقتي مايجوزش عليه إلا الرحمة، أدعيله ربنا يرحمه ويغفرله.
صمت قليلاً قبل أن يسألهـا بإهتمام:
-روحتي لوالدة “ساهد”؟؟..
سرعان ما تذكرت تلك الزيارة التي فعلتهـا مساء أمس، عقدت حاجبيهـا بألم وهي تقول:
-ياربي، متفكرنيش بالوجع إللي حسيته من ناحيتهـا، قلبهـا محروق على ولادهـا الأتنين الله يرحمهم.
زفر بحرارة وهو يقول بصرامة طفيفة:
-للأسف يا تيجان، لو كانت قالت الحقيقة لساهد مكنش كل ده حصل، بس في النهاية مفيش حد بيموت ناقص عُمر.
أجابتــه “تيجان” بشرودٍ تام:
-كفاية أنه ساعدني في الآخر، كنت حابة أنه ياخد فرصة تانية، بس ملحقش.
قبض على كف يدهــا، فـ رفعت عينيها تحدق في عينيه مباشرةً لتنتبه إلى تلك اللمعة المميزة التي لا تظهر إلا لهـا هي وفقط، قَبّل باطن يدهـا بعُمق وهو يقول بعبث:
-سيبك بقى من كل دا، ما تجيبي حتة بسبوسة يا بسبوسة أحسن أنا لو مخدتهـاش هيجرالي حاجة.
توسعت عيناها قليلاً وهي تجيبه بذهول:
-ده أنا إللي هيجرالي حاجة، حبيبي إنت من خمس دقايق كنت تعبان، بسبوسة إيه إللي إنت بتفكر فيهـا؟؟..
ضيق عينيــه بضيق مصطنع وهو يقول بلهجة ماكرة أستشعرتهـا بعد أن طوق خصرهـا بنعومة:
-لألأ، إحنا عندنا مباحثات ومشاورات مؤجلة يا تيجان، ولازم أدي كل جلسة حقهــا.
أتسعت إبتسامتهـا وهي تقول بدلال:
-أصهب.
بادلهـا إبتسامة وهو يهمس لهـا بعذوبة حالمة:
-عيون أصهب وقلب أصهب وروح أصهب..
*****
أنقضت ثلاثة سنوات ساهمت في تغيير شخصيتهـا وبناء حياتهـا من جديد، فـ لم تعد تفكر بإحساسهـا كمان كانت تفعل من قبل، وساعدهـا في كل ذلك وتخطي الماضي هو “أصهب”، كما كان يفعل دائمًا لهـا، رزقهـا الله بإبنة جميلة مثلهـا منه “حلا”.
جلست “تيجان” مع والدة زوجهــا التي أنشغلت بـ ملاعبة إبنتها “حلا”، إبتسمت لهمـا بحُب قبل أن تقول بمرح لإبنتها:
-يا حلا!!.. مفيش حُضن لمامي ولا إيــه ولا هتفضلي تلعبي بالبالونة؟؟..
نهضت صغيرتهـا من مكانها تركض نحوهـا وهي تهمل بالونتهـا الكبيرة:
-مامي، العبي معايا.
-لما أخد حضن الأول.
قالتها وهي تفتح ذراعيهـا لتستقبلهـا في أحضانها، شعرت فجأة به يقف خلفها ويهمس لها في أذنها بعبث:
-وأنا مفيش حُضن ليا؟!..
ألتفتت له ترمقه بضيق قبل أن تهب واقفة وهي تقول بحنوٍ لصغيرتهـا:
-أقعدي يا حبيبتي كملي لعب مع تيتة، عقبال ما أعمل حاجة وجاية على طول.
أنتبهت الصغيرة لوجود أبيهـا، فركضت نحوه صارخة بسعادة:
-بابي.
حملهـا بين ذراعيه ليقبلهـا قائلاً:
-روح قلب بابي، وحشتيني.
تابع حديثه بصوتٍ خفيض وهو يبتسم لهـا:
-كمان شوية هقعد العب معاكي بس أصالح مامتك الأول.
أجلسهـا على الأريكة قبل أن يتحرك نحو حديقة القصر، وجدهــا تقف تحدق أمامهـا بنظرات شاردة، دنى منهــا وهو يسألهـا:
-هتفضلي مضايقة كدا كتير؟؟..
رمته بنظرة حانقة وهي تقول:
-أظن أنت عارف أنا مضايقة ليه، والمرة دي مش هتنازل.
عقد ما بين حاجبيه وهو يقول بضجر:
-يا تيجان، كل ده عشان عيد جوزانا؟!!..
-إنت مفيش مرة أفتكرته، مش بتفتكر حاجة غير عيد ميلادي!!..
تنهد بعمق قبل أن يقول:
-تيجان الحكاية كلهـا إني مش بؤمن مثلاً بعيد الحب، إيه عيد الحب ده؟!.. ما أنا كل يوم بقولك بحبك!!.. وعيد جوازنا أنا شايف من وجه نظري أن وجودك في حياتي ده عيد، مش لازم يوم محدد!!.. دي نظريتي ومش هغيرهـا.
ألتفتت له وهي تقول بحنق:
-يعني هو أنا مش زي بقية الناس و..
-متقارنيش نفسك بحد، ده أولاً.. ثانيًا، مش لازم يجي يوم محدد وأقولك كل سنة وأنتي معايا، ما أنا ممكن أعمل كدا وفي بقية الأيام أطلع عينيكي، لكن أنا شايف أني أعيشك العمر كله سعيدة على أد ما أقدر، وعيد الحب ده أنا مش مؤمن بيه، إذا كان في بداية علاقتنا كنت بسألك إيه الحب ده؟!… عوزاني دلوقتي أحتفل بيه!!!..
حركت رأسهـا وهي تقول:
-تمام، بصراحة بدأت أقتنع بكلامك.
إبتسم لهـا وهو يقول بجدية:
-وعشان إنتي أقتنعتي عاملك مفاجأة.
رمقتـه بفضولٍ كبير، فـ وضع يده في جيبه ثم أخرج منها دعوة صغيرها، جذب يدها ثم وضعها في راحتها برفق، أتسعت إبتسامته وهو يقول ببساطة:
-يارب مفاجئتي تسعدك.
فغرت “تيجان” شفتيهـا بصدمة أنعكست على نظراتها وتعبيراتها وهي تقول:
-دي تأشيرة عمرة.
أحتضن وجههـا بيديه هاتفًا بسعادة بعدما رأى سعادتها تتراقص بحدقتيهـا:
-أظن كدا أنتي مش زعلانة.
لم تعرف “تيجان” ما عليهـا قوله أو فعله، من غمرة سعادتهـا، طوقتـه بذاعيهـا فـ أحتضنهـا هو الأخر، سمعهـا تقول بنبرة باكية:
-أنا بحبك أوي.
أغمض جفنيـه وهو يهمس لهـا بهمسٍ عذب:
-وأنا معاكي عرفت يعني السعادة والحب بجد، أنا عايش بس عشانك.
‘‘هي الحب الذي أتي بعد أن تآكل قلبــه فـ بدأت بـ ترممه وإعادته فتيًا، كل النساء قبلها كن لا شيء بالنسبة له إلا هي، فالحب معهـا مفهوم آخر، ومن أجلهـا بات يحيـا.
-تـمـــت بحمدلله-

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لأجلك أحيا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى