رواية لأجلك أحيا الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا الجزء الرابع والأربعون
رواية لأجلك أحيا البارت الرابع والأربعون
رواية لأجلك أحيا الحلقة الرابعة والأربعون
نغزة عنيفة ضربت قلبها وهي تراه غاضبًا منها، يجلس معها بناءً على رغبتها في التحدث معه على أنفراد، كان عابس الوجه متجهم النظرات، رمقته “شاهيناز” بنظرات مطولة تحمل الأسف، أعتصرت عقلها لتفكر في طريقة تسترضيه بها، نظرت له من طرف عينها فوجدته شاردًا في عالم آخر، تنهدت محدثة إياه بخفوت:
-هتفضل زعلان مني يا أصهب؟!.. إنت مش قولتلي هيبقى في فرصة تانية؟؟..
سحب نفسًا عميقًا حبسه في صدره ليضبط به انفعالاته قبل أن يفسد الأمور، تابعت بنبرة مختنقة:
-غضبي منها كان عاميني.
ألتفت ناحيتها قبل أن يسألها بعتابٍ:
-يوم ما شوفتي تيجان، كان في المستشفى، يومها كانت هي إللي أنقذتني مش حد تاني، يومها كانت جمبي من غير ما أطلب، ولما حست أنها فخطر بعدت عني عشان متأذيش!!.. أتبهدلت معايا وأتعذبت جامد.
أمتعض وجهه وهو يضيف:
-وبدل ما تشكريها جيتي عليا، مش مهم أي حاجة، المهم إنكم كلكم ترموا ليها كلام زي السم يموتها ببطء وبعدين تقعدوا تتفرجوا عليها.
تمتمت بنبرة مريرة:
-مكنش قصدي يا أصهب والله.
أنفلتت أعصابه من كلماتها الأخيرة وكأن ما حدث أمرًا هينًا، لذا رد بعصبية متهورة:
-قصد إيه؟!!!.. مكنش قصدكم إزاي يعني؟؟.. بصوا هي وصلت لإيه بسبب تعبها ده؟؟!!.. كل ما أبني جواها القوة تعملوا حاجة تخليها تتهد تاني، بفضل أزرع جواها القوة والثقة وإنتوا كل إللي بتعملوه إنكم بتهدوا كل ده في أعز إنسانة في حياتي.
تضاعف إحساسه بالذنب لإيصال “تيجان” إلى تلك الحالة حتى وإن لم يكن بطريقة مباشرة، مسح على وجهه بقوة وهو يقول بنبرة شبه مختنقة:
-إنتوا مش عارفين هي بالنسبة ليا إيه، دي مش مراتي وبس، دي النور إللي في حياتي، هي راحتي إللي عمري ما هلاقي زيها، رفيقتي وحبيبتي قبل ما تكون مراتي، كفاية العذاب إللي شافته في حياتها ومعايا، كفاية لحد كدا، دي كانت هتوصل لمرحلة الشلل لولا ستر ربنا.
دخل والده في تلك اللحظة وهو يقول بهدوء:
-خلاص يا أصهب، بلاش نكبر الموضوع.
هب “أصهب” واقفًا فجأة وهو يقول بشراسة مشيرًا بسبابته:
-إلا إهانة مراتي يا بابا، مش هاقبل أن مراتي تتهان لا في غيابي ولا في وجودي و..
كظم غضبه رغمًا عنه حينما أمعن النظر في عيني “شاهيناز” ورأى الدمعات تتجمع فيهما، راقب “راجي” ردة فعله بتفرس قبل أن يستمع إلى صوت زوجته وهي تقول بنبرة نادمة:
-عارفة إني ظلمتها، كرهتها من أول ما عرفت حكايتها، أنا بس كان نفسي أجوزك واحدة تليق بيك.
إبتسم بتهكم وهو يقول:
-يبقى كنت هغرق أكتر ما أنا غرقان.
قالت بلهجة راجية:
-أديني فرصة يا أصهب، أنا هحاول أصلح غلطتي وأراضيها.
رفع حاجبه وهو يسألها بنظرات جادة:
-تفتكري تيجان الكلام ده هيراضيها؟!..
هزت رأسها متفهمة غضبتها هي الأخرى منها، فالمسامحة لن تكون بالخيار المتاح معها خصيصًا، تمتمت بنبرة تحمل الألم رغم الإبتسامة الصغيرة التي أرتسمت على ثغرها:
-أنا هراضيها، ماتقلقش.
كان موقفها حرجًا جدًا، فقد كانت مجحفة في حقها وظلمتها، أصدرت حكمها عليها دون أن تعرفها أولاً، أو حتى تتحرى جيدًا عن أخلاقها، ناهيك عن حقيقة هامة غفلت عنها، ألا وهي شخصًا مثل “أصهب” لن يتزوج إلا وهو على دراية كفاية عن كل ما يتعلق بها.
أخرج “أصهب” زفيرًا مخنوقًا من صدره وهو يقول:
-قرار الموضوع ده راجع لتيجان يا أمي، وإللي هي عاوزاه أنا هعمله.
عقدت ما بين حاجبيها وهي تقول:
-إنت جوزها وليك كلمة عليها وتقدر تأثر عليها بردو.
رد بلهجة صارمة لا تقبل النقاش:
-في الموضوع ده بذات لأ.
*****
ظلت جالسة على الفراش محدقة في قدماها بإبتسامة ألم، أدمعت عيناها حزنًا على حالها وهي تسحب نفسًا عميقًا كي تزفره على مهل، أنتبهت إلى صوت فتح باب غرفتها، وقبل أن تحرك شفتيها للتحدث ظنًا منها أنه “أصهب”، ولجت “شاهيناز” إلى داخل الغرفة، تجمدت أعينها المزعوجة على وجهها النادم، أرتعشت من حضورها الذي كان مصحوبًا بالكره دائمًا، فقد كفى ما وصلت إليه، زادت ملامحها تعقيدًا وبدت متحفزة للغاية، قالت “شاهيناز” بإرتباك:
-كنت عاوزة أتكلم معاكي.
رفعت “تيجان” عينيها نحو الباب لتجد “أصهب” واقفًا عاقدًا ساعديه أمام صدره الضخم، وجوده معها بنفس المكان بث الطمأنينة بداخلها، جلست والدته أمامها وهي تقول بحرج:
-أنا آسفة يا تيجان، حقك عليا.
بلعت ريقها بصعوبة هاتفة بمرار:
-أنا غلط جامد، حكمت عليكي من غير ذنب، عارفة إللي قولته ليكي صعب يتنسي، بس أنا ندمت وربنا يعلم بده، أنا عمري ما أعتذرت لحد، حتى الهامي ذات نفسه، لكن إلا أنتي.
أتسعت عيني “تيجان” بصدمة كبيرة من أعتذارها الغريب، تابعت الأخيرة ببسمة صغيرة:
-أنا من النهاردة هعتبرك زي بنتي بظبط، وأنتي اعتبريني مكان والدتك.
ثم أقتربت منها وهي تفتح ذراعيها قاصدة أحتضانها، لكن تراجعت “تيجان” بعيدًا عنها كردة فعل طبيعية، نظرت لزوجها لتجده يرسل لها إشاراتٍ ضمنية من عينيه آملاً أن تقبل بالعفو، سمعتها تقول بنبرة ندم:
-أرجوكي متحسسنيش بالذنب أكتر من كدا، ربنا بيغفر، إحنا يا عباده مش هنسامح.
بعد تلك الكلمات، تحركت “تيجان” ببطء نحو أحضانها، أحتضنتها “شاهيناز” بقوة وقد لمعت عيناها بالدموع، طوت “تيجان” تلك الصفحة الحزينة آملة ان تكون الصفحة الأخيرة بحكايتها الصعبة، أغمضت عينيها ببطء مستشعرة بحنانٍ غريب يغمرها.
هبطت دموعها بصمت دون شعور، وهي تتمنى أن تظل بداخل تلك الأحضان الدافئة لفترة طويلة عسى أن تلتئم جروحها، إبتسم “أصهب” متنهدًا براحة هامسًا بحسمٍ غامض:
-الحمدلله، مفضلش حاجة دلوقتي غير إني أزرع الثقة جواها من أول وجديد.
*****
بعد فترة طويلة، كانت قد أتت الممرضة التي أستدعاها “أصهب” حتى تباشر أولى جلسات العلاج مع “تيجان”، وما أن أنتهت حتى ركض إلى غرفتها بقلبٍ متلهف كي يطمئن عليها، فمن المؤكد أنها قد تعبت كثيرًا بعد خضوعها لتلك الجلسة، وجدها متمددة على الفراش تنتظره بعينيها، جاورها على الفراش وهو يسألها بإهتمام:
-إيه أخبارك يا تيجان، حاسة بتعب؟؟..
ردت عليه بخفوت:
-شوية.
إبتسم لها بحنوٍ مثير مرددًا:
-ماتخفيش يا تاجي، صدقيني كلها يومين وهتبقي أحسن، الممرضة قالتلي إنك بدأتي تحركي رجلك، وده مؤشر حلو.
حركت رأسها بالإيجاب، فجذبها إليه ليهمس لها بتنهيدة تحمل الأشواق:
-ودلوقتي بقى سبيني أطمن عليكي.
وصل إليها إحساس كلماته الموحية بأفكار جامحة تجعلها تحلق فوق السحاب، فتوترت أكثر من طريقته الماهرة في استدراجها نحو بحور عشقه، لف ذراعه حول خصرها ليقول بعبث:
-لازم أطمن عليكي كلك، عشان لو في حاجة نلحق.
حدجته بنظرات مغتاظة قائلة:
-أنا مش ناقصة كفاية رجليا.
انحنى على جبينها يقلبه مطولاً فأستشعرت حرارة الأشواق تجتاح جسدها، همس لها بألم:
-كله هيعدي يا حبيبتي زي ما في حاجات كتير حصلت وعدينا منها.
أضاف بإبتسامة واثقة:
-وأنا هفضل جمبك مهما حصل.
حركت رأسها بالسلب وهي تقول برقة:
-أثبتلي، لأني مش مصدقاك.
أتسعت عينيه بدهشة وهو يقول:
-مش مصدقاني؟؟..
عضت على شفتها السفلى بخجل، قبل أن ينحني بوجهه عليها يقول بمكر:
-لأ إحنا كده في مشكلة ولازم ألحق أحلها قبل ما تتفاقم، وأنا هثبتلك بطريقتي يا تاجي.
بلا تفكير طويل أحنى رأسه على شفتيها طابعًا قبلة حسية عليها، زادت نبضات قلبها وهي تطوق عنقه، زاد من تعميق قبلته ليمنعها لحظيًا عن ألتقاط أنفاسها سامحًا للمزيد من مشاعره المتلهفة لها بالتدفق إليها.
تراجع برأسه مبتعدًا عنها هامسًا بصوتٍ شبه لاهث:
-بحبك يا تاجي.
إبتسمت له وقد نهج صدرها من فرط الحماس المفاجئ، أحتضن وجهها براحتيه ليقربها إليه من جديد معاودًا تكرار قبلاته المشتاقة لها، همس لها من بينهم:
-هفضل جمبك دايمًا.
أتت الرياح معهما بما لا تشتهيه السفن، فقد قطع خلوتهما رنين هاتفه المحمول، فتصلب جسده وتبلدت حواسه، أطلق “أصهب” سبة خافتة من بين أسنانه المضغوطة وهو يبتعد عن “تيجان” التي تراجعت للخلف ململمة شتات نفسها بخجل كبير رغم كون ما تفعله معه طبيعيًا.
نهض عن الفراش ليجيب عن الهاتف وهو يقول بحنق بائن في نبرته:
-أفندم؟!..
رد “وافي” عليه بجدية:
-كنت عاوز أطمن على تيجان، وبقالي كام يوم بحاول أكلمها بس مش عارف.
رد عليه بنفور:
-يعني عاوز إيه؟؟..
رفع “وافي” حاجبيه للأعلى متعجبًا من طريقة حديثه، ورغم ذلك قال بإستفزاز:
-ولا حاجة، بلغ تيجان بس إني في الطريق للقصر ليكم عشان أطمن عليها، قدامي دقيقتين عقبال ما أوصل.
صمت “أصهب” قليلاً قبل أن يقول بهدوء قاسي:
-تصدق إنك بني آدم غتت، أقفل.
أغلق هاتفه وهو يزفر أنفاسه بضجر، نظر أمامه طويلاً قبل أن يسمعها تناديه بخفوت، ألتفت برأسه إليها ليجدها تقول:
-عاوزة أطلب منك طلب.
حرك رأسه بإيماءة خفيفة مستمعًا إليها بإهتمام، فقالت بعينين لامعتين:
-ساعدني أنسى وجعي وأعرف أبدأ من جديد، عشان أعرف أعيش معاك صح.
جلس بجوارها محتضنًا وجهها بكفيه قائلاً وهو ينظر في عينيها مباشرةً:
-أنا مش عاوزك تبعدي عني يا تيجان، وبعدين إحنا أتفقنا أننا هننسى الماضي بكل إللي فيه، مش كدا؟!..
حركت رأسها إيجابيًا، فأضاف بهدوء:
-كلنا بنمر بتجارب قاسية، المهم إننا منقفش في مكان الوجع كتير وإلا هندمر، أتعلمي ترمي ورا ضهرك عشان تعرفي تعيشي.
تابع بإبتسامة واثقة:
-وأنا بوعدك إني مش هتخلى عنك أبدًا، لأن بأختصار مقدرش أعيش من غيرك.
زادت لمعان عينيها وهي تقول بحب:
-ربنا يخليك ليا يا أصهب.
أجابها بإبتسامة شغوفة:
-ويخليكي ليا يا تاجي.
صمتت قليلاً قبل أن تنظر لحال قدماها وهي تسأله بإختناق:
-هو أنا هفضل كده كتير؟!..
قال ببسمة صغيرة:
-مش قولتلك ماتقلقيش يا تيجان وبعدين لتاني مرة بقولك إنك إنتي أتحسنتي عن الأول.
تنهدت بعمق قبل أن تسمعه وهو يقول بعبث:
-نرجع بقى لموضوعنا.
عقدت ما بين حاجبيها وهي تسأله:
-موضوع إيه؟؟..
خلل أصابع يده بين خصلات شعرها وهو يهمس لها بخبث:
-كان ليا عندك حتت بسبوسة يا بسبوسة، قبل ما أخوكي يتصل ويهد علينا اللحظة.
إبتسمت بنعومة وهي تقول بدلال:
-أصهب.
أتسعت إبتسامته وهو ينحني برأسه نحو شفتيها:
-عيون أصهب، وقلب أصهب و..
وقبل أن تمس شفتيه شفتيها كان إنتبه إلى صوت طرقات الباب وصوت والدته القائل:
-أصهب، وافي أخو تيجان تحت وعاوز يشوفها عشان يطمن عليها.
أغمض عينيه بحنق بالغ وهو يقول من بين أسنانه:
-وافـي!.. هادم اللذات!!!..
*****
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لأجلك أحيا)