رواية لأجلك أحيا الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا الجزء الخامس والعشرون
رواية لأجلك أحيا البارت الخامس والعشرون
رواية لأجلك أحيا الحلقة الخامسة والعشرون
تسمرت “تيجان” في مكانها بصدمة، تحدق في عينيه السوداوين بذهولٍ، كادت أن تتراخى قدماها فحاوط خصرها برفق يجذبها إليه، وعيناه تلتمعان بوميض غريب.. ولكن جميل، حركت رأسها بالسلب هامسة بصوتٍ مرتجف:
-إنت بتقول إيه؟؟.. إنت بتهزر مش كده؟؟..
ضيق حاجبيه هاتفًا بخشونة:
-يعني إنتي شايفة أن كلامي فيه هزار يا تيجان، أنا قولت هتجوزك يعني هتجوزك.
همست بعدم إستيعاب:
-ليه؟؟..
رد عليها في نفس الثانية بقوة:
-لأنك تخصيني.
أبعدت ذراعه عن خصرها وهي تقول بجدية:
-ده مش سبب.
رفع حاجبه للأعلى وهو يقول بسُخرية:
-أومال إيه الأسباب إللي عاوزاها سيادتك!!!..
صمت طويل ساد بالمكان، التأمل هو الشيء الوحيد الذي سيطر عليهما معًا، ملامحها الشاحبة الحزينة، عيناها التي تلتمعان بوميض الألم، قلبها الذي رغم عنها ينبض سريعًا، عقلها الذي يعمل بلا توقف من كثرة تزاحم الأفكار.
بينما هو عينيه السوداوين القاسيتين، ولكن من خلفهما عشق لا يعلمه أبدًا، كل ما يعمله هو أن خلقت لأجله، وهو يحيا لأجلها فقط.
قبل أن يتحدث وجدها تستدير بجسدها نحو الباب كي تهرب منه لأول مرة، فهي دائمًا تقف أمامه تواجهه مهما كانت النتيجة، إلا اليوم.. فقد أستسلمت للهروب.
*****
لم يهدأ أحد من أهل القرية الذين أتوا ووقفوا أمام المشفى، يصيحون بإسم “أصهب” كي يخرج لهم ويتأكدون من أنه بخير معافي، وما أن أبلغه أحد الأطباء بما يحدث في الأسفل، حتى تحرك معه بعكازه نحو الخارج بخطوات بطيئة، هبط إلى الأسفل، يستمع إلى تلك الصيحات العالية بإسمه مع جملة؛ “نعم، معًا مع أصهب”.
أخذوا يقولون تلك الجملة حتى ظهر إليهم، فـ تعالت صياحهم مع سعادتهم، لم يصدق ما يراه ومن ذلك العدد والذي في تزايد غريب، ولكن من الواضح أن وقت الخوف أنتهى وأتى وقت الشجاعة أخيرًا.
رفع “أصهب” يده عاليًا مشيرًا إلى الجميع بالصمت كي يتحدث، وما أن حلّ الصمت حتى قال بصوتٍ عاليًا قويًا:
-زمن الخوف أنتهى خلاص، ده الوقت إللي كلنا نقف فيه جنب بعض ونكون إيد واحدة، الخوف يعني الموت، الخوف يعني متقدرش تعيش، فإللي لسه خايف أعرف إنك ميت، والقوي له قيمة كبيرة لا أحد يتخيلها، كفاية أن إللي قدامك يعرف إنك مش سهل وأنه يتعملك ألف حساب وحسـاب.
سكت لحظةً قبل أن يضيف بصوتٍ أجش:
-ولازم الكل يعرف، إني لو خرجت من هنا على خير، يبقى تستعدوا للنظام إللي هنعيش بيه كلنا، كل حاجة هتتغير، أسلوب حياتنا، والعقاب على الجرايم اللي بتحصل، كله هيتغير، مفهوم؟؟..
إجابة واحدة كُررت أكثر من مرة من الجميع وهي:
-مفهوم يا كينج.. مفهوم يا كينج.
حرك رأسه بالإيجاب مبتسمًا بخفة، ولكن ما يراه الآن، وما يحدث له يعود إلى تلك الفتاة الوحيدة التي وقفت في أمامه؛ كي تسترد حقها، هي الوحيدة التي أظهرت له الجانب الإيجابي في شخصيته المخيفة، الفضل يعود إليها هي.. “تيجــــــان”.
******
عاد “ساهد” إلى منزله بعد تلك المقابلة الهامة، تلك المقابلة التي جعلته يحسم أمره نحو “تيجان”، تلك المقابلة التي ستجعل كل شئ يعود إلى الصواب، تحرك بخطى هادئة نحو غرفة والدته فـ وجدها جالسة على الفراش كعادتها، ما أن نظرت إليه حتى عبست وأشاحت بوجهها ناحية الأخرى، جلس على طرف الفراش وقبض على يدها برفق قبل أن يقول ببسمة صغيرة:
-إنتي لسه زعلانة مني؟؟..
لم تجيبه.. ولم تنظر إليه حتى، فحرك رأسه بإيماءة خفيفة:
-معاكي حق، بس بكرا هتسامحيني، كل أم بتسامح إبنها، وبتسامحه لما بيصلح غلطته، وأنا هصلح غلطتي يا أمي ماتقلقيش.
صمت قليلاً قبل أن يقول بصوتٍ حزين رغم إبتسامته:
-إنتي وحشتيني أوي يا أمي، وحشني حضنك جدًا، وحشتني حنيتك عليا، وحشتيني جدًا فوق ما تتخيلي.
هنا نظرت إليه وعيناها تلتمعان بالدموع، فنهض من مكانه وأنحنى برأسه يقبل رأسها بحب، ثم رمقها بنظرة أخيرة قبل أن يلج إلى الخارج، أغمضت عيناها سامحة لعبراتها الهبوط على وجنتيها ببطء.
*****
خمسة أيام وهي تجلس في منزل “يسر” مع شقيقها “وافي” كي لا ترى والدتها وشقيقها الأكبر، فهي تحمل الكثير من الهموم، تذهب إلى المشفى في الصباح كي تطمئن عليه من بعيد، ثم تعود إلى المنزل وتجلس على فراشها والحزن يملؤها، إبتسمت “تيجان” بتهكم أليم وهي تغمغم مع ذاتها:
-صعب جوازنا يتحقق، صعب جدًا، كفاية موضوع الداغر ده، ده مستني لحظة يعرف يلاقيني فيها عشان يحقق إنتقامه، مش هينفع أدخل أصهب فالحكاية دي وإلا هبقى بحكم عليه بالموت، ولو ده حصل يبقى أنا كمان هحصله!!!..
حركت رأسها نفيًا وهي تنهض من مكانها كي تستعد إلى الخروج والذهاب إلى المشفى، أضافت بسُخرية:
-لأ وكمان بقوله ليه عاوز تتجوزني، يقولي إنتي تخصيني، مش عشان بيحبني مثلاً، مغرور.
*****
بعد قليل، أغلقت “تيجان” باب المنزل من خلفها، نظرت حولها فـ وجدت القرية شبه خالية من المرء، تقوس فمها للجانب، فمن الواضح أن الجميع قد ذهب إلى القصر الذي يجلس فيه “الهامي” مرة أخرى، ها قد مر أسبوع والثورة لاتزال مستمرة، هتفت بحنق:
-ما يغور بقى من القرية، يعني الناس مش طيقاه وهو لسه قاعد؟؟.. راجل غريب.
-هو مين اللي غريب؟؟..
شهقت بفزع وهي تلتفت بجسدها، فوجدته يقف أمامها بشموخ وإبتسامة صغيرة قد أعتلت ثغره، وضعت يديها على صدرها محاولة التنفس بطبيعية قبل أن تقول بضيق:
-حرام عليك خضتني.
تابعت بإهتمام:
-خرجت إمتى من المستشفى؟؟..
أجابها “أصهب” بصوتٍ غريب:
-لسه حالاً.
دنا منها وهو يقول بصوتٍ حاد قاسي:
-دلوقتي عاوز أعرف طالمًا كنتي بتيجي المستشفى، ليه مكونتيش بترضي تدخلي عندي يا تيجان؟؟.. ليه كنتي بتهربي مني؟؟.. أنطقـــي.
هتفت “تيجان” بهدوء زائف رغم قلقها منه من هيبته الطاغية بالنسبة لها:
-لأني لازم أبدأ أبعد عنك يا أصهب.
قبض على رسغها بقوة هادرًا بصوته المخيف:
-تبعدي إيه يا تيجان؟؟.. الكلام ده لو سمعته منك تاني مش هيحصلك طيب، آخر مرة قولتلك إني هتجوزك لأنك تخصيني، أظن أنك فاكرة الكلام ده.
صرخت بغضب:
-فاكرة وعشان كده مش موافقة.
صاح “أصهب” بشراسة:
-ليه؟؟.. عاوز أعرف دلوقتي حالاً.
هتفت “تيجان” بقلق شديد من ملامحه القاسية ولهجته:
-طيب ممكن تهدى الأول وسيب إيدي، عشان خاطري.
رمقها بنظرات طويلة قبل أن يرخى قبضة يده عن معصمها، سحبت نفسًا عميقًا وزفرته على مهل قبل أن تقول بحذر:
-المرة اللي فاتت كنت قولتلك أن ده مش سبب.
هتف بصوتٍ غليظ:
-وسألتك أومال هي الأسباب اللي هتخليكي تفكري تتجوزي.
ردت عليه بقوة:
-يا أصهب أنا لازم يوم ما أتجوز، أتجوز واحد يكون بيحبني، لازم يكون بيحبني بجنون.
عقد ما بين حاجبيه وهو يقول بإستنكار:
-حب!!!.. حب إيه؟!!..
تساءلت بذهول:
-إنت مش عارف يعني إيه الحب؟؟..
أشار بيده مُتسائلاً بتهكم:
-إيه الكلمة دي؟؟..
ردت عليه بغضب:
-كمان مش عارف معناها، وعوزاني أتجوزك، أنت إزاي كده؟؟؟.. تفكيرك غريب و….
شهقت “تيجان” ما أن أندفعت قبضته القوية تقبض على ذقتها مقربًا وجهها إليه، ثم هدر وإبتسامة تثير الإستفزاز:
-إسمعي يا تيجان، إنتي تخصيني، ومهما حصل مش هتقدري تبعدي عني، مصيري ومصيرك بقا واحد.
أرخى قبضته عنها قبل أن يضيف بإبتسامته الساخرة:
-وبالنسبة للحب، فالكلمة دي مش فالقاموس عندي، الحب ده للعيال التوتو إنما أنا كينج، فهتجوزك لأنك تخصيني، فاهمة ولا تحبي أفهمك أكتر؟؟..
******
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لأجلك أحيا)