رواية لأجلك أحيا الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا الجزء الخامس والثلاثون
رواية لأجلك أحيا البارت الخامس والثلاثون
رواية لأجلك أحيا الحلقة الخامسة والثلاثون
تراقصت إبتسامة مرهقة على شفتي “أصهب” وهو يتحرك بخطوات حذرة بطيئة نحو المقعد المجاور لفراشها، جلس عليه وهو يتأملها بعينين عاشقتين هامسًا بصوت هادئ عميق:
-وحشتيني.
قبض على كف يدها برفق متابعًا بتنهيدة:
-وحشتيني لدرجة إني نفسي أخطفك حالاً وأخدك فمكان بعيد عن الهموم والحزن.
رفع عينيه ينظر إلى سقف الغرفة بنظرات خاوية مضيفًا بقساوة:
-كل ما الواحد يقول أن كله هيتغير وأن وقت التعب عدا، يلاقي قدامه عقبة أكبر، بس المرة دي أنا عارف إللي مستنينا كويس، ومش هسمح أن أي حد يكسرك يا تيجان، ثقي فـ ده.
عاود النظر إليها بإبتسامة ساحرة وهو يقول بصدق:
-قصتنا كانت غريبة، غريبة جدًا، لأ أنا عرفت أعيش من إللي عدا بسلام ولا إنتي عرفتي تعيشي في أمان، يمكن القدر قرر يجمعنا عشان ده؟!.. عشان نكمل إللي ناقصنا من زمان ونعيش زي ما الباقي عايش؟؟..
أغمض عينيه للحظات مرجعًا رأسه إلى الخلف يسحب نفسًا عميقًا حادًا ثم زفره على مهل، ظل على تلك الوضعية لدقائق معدودة حتى شعر بوضع كف على كف يده، فحرك رأسه سريعًا ليجد “تيجان” تنظر له مبتسمة إبتسامة تذيب قسوة قلبه، إبتسم تلقائيًا وهو يعتدل في جلسته قبل أن يقول بخفوت:
-وحشتيني.
ردت بصوتٍ عذب:
-وإنت كمان وحشتني أوي، كنت فين اليومين إللي فاتوا دول؟؟..
مسح بيده على خصلات شعرها الناعمة مجيبًا بهدوء:
-كنت لازم أبعد عن عيون الداغر ورجالته وإلا كانوا هيشكوا إنك لسه عايشة وكل إللي عملناه يتهد في الآخر.
أعتدلت في جلستها وهي تسأله بلهفة:
-طب وإمتى هنخلص من الحكاية دي؟؟..
رد بعد دقيقة من الصمت:
-الحكاية خلصت فعلاً.
-قصدك إيه؟؟..
أجابها “أصهب” بلهجة جادة:
-يعني داغر أتقبض عليه فعلاً بس آآ..
صمت قليلاً قبل أن يقول بعبوس:
-بس ساهد مات.
توسعت عيناها بصدمة وهي تنتفض من مكانها هاتفة:
-إنت بتقول إيه؟؟.. إيه علاقة ساهد بالموضوع ده؟!..
نهض من مكانه ماسحًا على شعره بقوة وهو يقول بحدة غير قاصدة:
-كان عاوز يكفر عن ذنبه، فـ راح لممدوح وهو دخله في لعبة مع واحد بيشتغل في تجارة المخدرات عشان يوصل للداغر، والنهاردة كان موجود هناك، بس للأسف أول الداغر عرف ولقى نفسه هيتقبض عليه، قرر ينتقم منه، وعقبال ما الشرطة خدوا ساهد للمستشفى كان مات.
فغرت شفتيها وهي تحاول إستيعاب كل كلمة حادة نطقها، نكست رأسها وهي تبلع تلك الغصة المسننة التي تقف في حلقها، همست بقلب مفطور:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، أنا أتمنيت له أذى بس مش لدرجة الموت، مش لدرجة أنه يموت مقتول، هـ.. هو غلط بس مكنش قصده، كان متخيل حاجة تانية وندم بعد كدا، كان يستاهل فرصة تانية.
هبطت دمعة حارقة على وجنتها وهي تحرك رأسها بالسلب:
-لا إله إلا الله، يارب أنا سامحته، مفيش جوايا أي غضب من ناحيته ولا كُره، هو كفر عن ذنبه بإنه حاول ينتقم من داغر، يارب أنا سامحته.. سامحتــه.
لم تشعر بإنهمار دموعها الحارة وهي تكرر كلمتها الأخيرة بصوت يقطع نياط القلوب، أعتصر قلبه ألمًا فسار نحوها ليجاورها على الفراش ثم جذب رأسها دون مقدمات إلى صدره يحتضنها بعاطفة قوية، همس لها بصوته العميق:
-هُششش، إهدي، ربنا رحيم ويسامحه أكيد لإنه ندم، وقبل ما يموت كان صلح الغلطة إللي أرتكبها فـ حقك.
مسح دموعها بأنماله الباردة وهو يهمس لها بحنو:
-بلاش دموع، كل واحد بياخد نصيبه، والموت لما بيجي محدش يقدر يمنعه!!..
ظلت بداخل أحضانه مغمضة عينيها بشدة محاولة أن لا تهبط دموعها مرة أخرى ولكن عاجزة عن فعل ذلك، فأطلقت سراح لشهقاتها فـ دسها أكثر بداخل أحضانه وعينيه القاسيتين تلتمعان بشرٍ دفين لما هو مقبل.
*****
بعد يومين، دخل “أصهب” منزله وهو يشير بيده قائلاً بحماس:
-تعالي يا تيجان، أدخلي.
دخلت المنزل بخطوات بطيئة وهي تنظر حولها بقلق طفيف، طمأنها “أصهب” بكلمات هادئة وهو مبتسم قائلاً:
-ماتخفيش يا تيجان أنا عمري ما هأذيكي.
بادلته الإبتسامة وهي تسأله بتوتر:
-هو إحنا جينا هنا ليه؟؟..
وقف قابلتها قبل أن يهمس لها بجدية:
-أولاً إنتي محتاجة الراحة، ثانيًا دلوقتي أهل القرية متخيلين إنك ميتة، ثالثًا في موضوع لازم أتصرف في مع والدي قبل ما أرجعك على القرية وفي كام مشوار لازم أعملهم قبل ما تظهري تاني.
زفر بحرارة مضيفًا:
-أنا هنزل دلوقتي أروح لوافي أجيبه هنا عشان هو بقاله كام يوم عاوز يشوفك، إياكي تفتحي الباب لأي حد مهما كان، مفهوم؟؟..
حركت رأسها بالإيجاب وهي تبتسم له بإرتباك طفيف، قَبّل جبينها برقة ثم غادر من المنزل بأكمله وقلبه يدق كالطبول من فرط سعادته.
ما أن غادر من المنزل حتى بدأت رحلتها على التعرف عن كل شيء يتعلق بذلك المنزل، وعقلها لم يتوقف عن التفكير فيما هو قادم وعلى ما ينوي فعله “أصهب”.
دخلت غرفته وهي تتأمل المكان بإهتمام كبير، عقدت ما بين حاجبيها حينما التقطت عيناها على تلك المذكرة التي تقع على فراشه الكبير، سحبتها لتفتحها على الفور، وإذا بعنوانها يتلألأ أمام عينيها وهي تقرأه عدة مرات بذهول.
“لأجـــلــكِ أحــــــــيـــــا”
-بــلا رحمـــــة-
خفق قلبها بقوة وهي تقلب الصفحة الأخرى لتجد إسمها كُتب بخط منمق جذاب ويسرد قصة طويلة عاشها بنفسه..
“تيجــــــــان، خط فاصل وتغيير جذري أصاب حياتي التي كان يملؤها العاصفة لتنقلب إلى حياة هادئة، أصابتني بالعمى لأكون في حضرتها كفيف غير مدرك لما يحدث لي وما حولي”
أدمعت عيناها وهي تبتسم بدهشة ثم همست بصوتٍ مرتجف:
-إيه ده!.. أصهب!!..
*****
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لأجلك أحيا)