رواية لأجلك أحيا الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا الجزء الخامس والأربعون
رواية لأجلك أحيا البارت الخامس والأربعون
رواية لأجلك أحيا الحلقة الخامسة والأربعون
أرتفعت نبضات قلبها بتوتر وهي تنظر له بألم خفي، تلك الحقيقة المريرة أصابت قلبها.. ثقتها.. قوتها، وجدت “وافي” يدخل الغُرفة وهو ينظر حوله نظرات متوترة وخلفه “أصهب” الذي ألتوى ثغره للجانب بإمتعاض واضح، وجدته ينظر لها بعينين كالصقر مشيرًا برأسه أن تتحلى بالهدوء، فـ أجابته بعينيها قبل أن تواجه عينيّ “وافي” الحزينتين.
جلس على طرف الفراش بعيدًا عنها قبل أن يهمس بإسمها:
-تيجان؟!..
رمقته بنظرات خالية من الحياة وهي تسأله:
-ليه مقولتش الحقيقة ليا يا وافي؟؟.. ليه تخبي عليا أهم سر وتخلي ثاقب هو إللي يقولي الحقيقة بطريقته إللي فيها قسوة وتشفي، ليـه؟!!..
بلع ريقه بمرارة قبل أن يجيبها:
-لو كنت عملت كدا، يبقى كنت خلفت وعدي لأبويا، أنا عمري ما فكرت فإنك مش أختي، مهما حصل هفضل أعتبرك أختي الصغيرة اللي بحبها ومستعد أعمل أي حاجة عشان أسعدك.
سحب “أصهب” نفسًا حادًا وهو يغمغم بضيق:
-أستغفر الله العظيم.
بسمة متهكمة شقت شفتي “تيجان” وهي تقول:
-بردو يا وافي، بردو كان لازم تقولي، يمكن لو كنت قولتها أنت أو أصهب مكنتش أنهارت بالطريقة دي!!..
قبض “وافي” على يدها وهو يقول بنبرة صادقة:
-بلاش تفكري بالشكل ده، فكري بإنك مش لوحدك، بإن أنا جمبك و…
توقفت الكلمات في حلقه ما أن وجد قبضة يد فولاذية تقبض على يده المُمسكة بيد شقيقته مبعدًا إياه عنها، رمق “أصهب” بذهول ليجده ينظر له ببرود وهو يخبره بـ:
-معلش إيدك فجنبك، مراتي محدش يقرب منها حتى لو كنت إنت.
رفع حاجبه للأعلى وهو يقول بغيظ:
-دا أنت ماسك إيديها أومال لو حضنتها هـتعمل آآ..
صاح “أصهب” به بشراسة مقاطعًا حديثه الذي يجعله يثور أكثر:
-فكر تعمل كدا وشوف هيجرالك إيه مني، كنت مستحمل بالعافية وأنا شايفك أخوها لكن دلوقتي لأ، مش هيحصل.
ألتفت برأسه بعدها نحو “تيجان” التي فغرت شفتيها بذهول، ليقول بنبرة صارمة:
-وأنتي.. إياكي تفكري تخليه يمسك إيديكي حتى، وإلا مش هعدي الحكاية على خير، تمام يا روحي.
حاولت إخفاء إبتسامتها المدهوشة وهي تقول بخفوت:
-آآ، حاضر، ولو إني مش مستوعبة بس حاضر.
هز رأسه بإيماءة خفيفة قبل أن يعود بأنظاره إلى “وافي” الحانق، إبتسم له ببرود قبل أن يهتف:
-وأنت ياريت تنجز، تيجان المفروض ترتاح شوية بعد ما عملت الجلسة.
تبدلت أنظاره الحانقة إلى نظراتٍ خائفة وهو يقول لها:
-ألف سلامة عليكِ يا حبيبتي، إن شاء الله ترجعي أحسن من الأول.
مسح “أصهب” على وجهه بقوة وهو يهمس بأعصاب مستثارة:
-يارب نخلص.
سمعها تقول بصوتٍ مرتجف:
-هو بابا الله يرحمه كان بيحبني بجد؟!..
صمت “وافي” قليلاً قبل أن يجيبها بحنان:
-كنت بحس إنه بيحبك أكتر مننا، وده اللي ضايق ثاقب وأمنا، كان نفسه يخلف بنت جدًا، كان دايمًا يقولي أن وجودك فحياته نعمة كبيرة، وبيقدرها جامد، كنت بسمعه وهو بيصلي في الفجر وبيشكر ربنا على وجودك فحياته، كان نفسه يخلف بنت عشان يشوف حنانها وطيبتها وتخفف عليه بكلامها.
أدمعت عيناها وهي تهمس بشوق:
-الله يرحمه، بجد هو واحشني أوي.
إبتسم “وافي” لها قبل أن يتمتم بهدوء:
-أنسي الماضي يا تيجان، بصي للمستقبل وبس.. أنتي وقعتي كتير، أعتقد أنه جه الوقت إللي تعيشي فيه مرتاحة وتحققي كل اللي كان نفسك فيه.
أومأت برأسها بالإيجاب، فـ نهض “وافي” من مكانه وهو يقول:
-طيب أنا هامشي بقى، لو عوزتي حاجة قوليلي.
ربت “أصهب” على كتفه وهو يقول ببرود:
-لا متشكرين، جوزها موجود والحمدلله، يالا بقى عشان عاوزين نرتاح.
حدجه “وافي” بغيظ وهو يجبر شفتيه على الإبتسام:
-ماشي يا كينج، حقك.
رمق شقيقته نظرةً أخيرة قبل أن يلج إلى خارج الغرفة، هنا.. أستطاع “أصهب” أن يطلق زفيرًا مطولاً بإرتياح، جاورها على الفراش وهو ينظر لها بحب قبل أن يتمتم بهمسٍ:
-صدعك مش كدا؟!!..
أطلقت “تيجان” ضحكةً صغيرة جعلت قلبه ينتفض من مكانه بسعادة، فـ جذبها إلى أحضانه يضمها بقوة وهو يقول بصوتٍ عميق:
-إنتي محتاجة ترتاحي، يالا نامي الوقت أتأخر.
إجابتها هي إغماض جفنيها براحة وهي تستنشق رائحة عطره الجذابة، بسمة صغيرة أعتلت وجهها قبل أن يهاجمها سلطان النوم، في حين ظل محتضنًا إياها بتملك وعقله لم يتوقف عن التفكير في كيفية إستعادة ثقتها بنفسها وزرع القوة بداخل قلبها.
*****
بعد مرور عشرة أيام، وقفت “تيجان” أمام المرآة متأملة ذاتها بعينين باسمتين، فقد أختفى أخيرًا شحوب وجهها، وعادت تقف من جديد بعد تلك الأيام الصعبة التي عايشتها في قلق من إحتمالية إصابتها بـ شلل، فإن كانت وصلت إلى تلك المرحلة حتمًا كان ستموت قهرًا وألمًا.
ولكن بفضله هو فقط، عادت تقف من جديد وقد تزين وجهها بحمرة جميلة، وباتت إبتسامتها لا تفارق شفتيها إلا في أوقاتٍ قليلة، خاصةً بعدما شعرت بدفئ وحب والدته، وإحترام كبير من والده لها، توسعت إبتسامتها أكثر وهي تقول ببهجة وقد تلألأت عيناها:
-الحمدلله، كل حاجة أتصلحت.
التفتت برأسها نحو الباب ما أن وجدته يدخل بخطى ثابتة، إبتسم تلقائيًا فور رؤيته لها بكامل صحتها، فقال بهدوءٍ مبتسم:
-صباح الخير يا حبيبتي.
أقتربت منه خطوة واحدة مجيبة:
-صباح النور.
دنى منها وهو يسألها بإهتمام:
-حاسة بأي تعب في رجليكي؟!..
حركت رأسها بالسلب وهي ترد عليه بسرور:
-لأ الحمدلله، أنا كويسة أوي دلوقتي.
أومئ رأسه بإيماءة خفيفة وهو يغمغم:
-طيب كويس.
طوق كتفيها بذراعه وهو يُضيف:
-يالا تعالي ننزل.
سحبها بلطف نحو خارج الغرفة وهو ينظر حوله نظرات شمولية، ما أن وصلا إلى الأسفل حتى سمعها تقول بجدية:
-أصهب، أنا عاوزة أركب “ريحانة” -حصان-.
أمتعضت فجأة ملامحه وهو يقول بحدة:
-نعم ياختي؟!!.. خيل إيه دلوقتي يا تيجان، أنتي لسه قايمة إمبارح ووقفتي على رجليكي بعد معاناه كبيرة، جاية تقوليلي تركبي “ريحانة”؟!!..
قطبت جبينها بقوة وهي تقول بضيق:
-أصهب أنا محتاجة أركب فعلاً خيل، وبصراحة بقى إنت مكبر موضوع أوي، خلاص الحمدلله بقيت كويسة همنع نفسي إني أعيش شوية؟!..
نفخ بضجر وهو يقول بجدية:
-حبيبتي من حقك طبعًا تعملي إللي نفسك فيه بس مش على حساب صحتك.
تنهد بعمق قبل أن يقترب منها وهو يقول برفق:
-لما تبقي كويسة ١٠٠ فالمية هخليكي تركبي ريحانة وتعيشي أحلى جو، وكمان لازم لما تركبي أول مرة لازم أكون جمبك مش لوحدك.
هتفت “تيجان” بلهفة:
-ممكن أبقى أركب لوحدي.
صمت “أصهب” قليلاً قبل أن يردف هادرًا:
-هو أنتي عمرك ركبتي خيل أصلاً.
حركت رأسها نفيًا، فهدر بغضب:
-كماااااان؟؟!!..
أشارت بإصبعيها قائلة بحنق:
-أصهب مش عشان مركبتش حصان قبل كده هتعاملني المعاملة دي، فيها إيه أركب لوحدي؟؟..
هنا وقد طفح الكيل، تحرك نحوها وهو يهدر بغضب:
-مش هتعملي ده لوحدك يا تيجان، أنتِ فاهمة؟!!..
رسمت إبتسامة تهكم على وجهها وهي تقول بإستفزاز:
-طب لو عملت يا أصهب، هتعمل فيا إيه؟!!..
صمت “أصهب” قليلاً قبل أن يبتسم إبتسامته المخيفة وهو ينطق بـ:
-بلاش، لأن إللي هعمله مش هيعجبك خالص.
ثم أستدار متوجهًا نحو الدرج بخطى سريعة غاضبة، رمقته “تيجان” بضيق وهي تقول بتحدٍ سافر:
-وأنا بردو هعمل يا أصهب، ونبقى نشوف هتعمل فيا إيه.
نظرت حولها قبل أن تتحرك بخطى سريعة نحو الخارج وقد عزمت على فعل ما تريده هي، فلن تعيش تحت رحمة أحد حتى لو كان هو.. “أصهب”.
*****
دلف “أصهب” لداخل غرفته وشرع في نزع قميصهِ عنه، وهو يجذب ثياب أخرى، لكي يقضي اليوم بحركة حُرة غير مُكتفة، “تيشيرت” قُطني أسود ثقيل رفع أكمامهِ لمنتصف عضدهِ، وبنطال أبيض بجانب حِذاء رياضي أسود داكن.. مشّط شعرهِ الذي تبعثر قليلًا، ثم مسح بـ كفيهِ على ذقنهِ وتناول هاتفهِ وخرج ما أن أصدر رنين صاخب.
خرج من غرفته وقد قرر أن يتجه نحو الحديقة، حتى يستنشق بعض من الهواء العليل، وضع الهاتف على أذنهِ قبل أن يقول:
-نعم؟!!..
كانت والدة “ثاقب” هي المتصلة، حيث صرخت بغضب وهي تسأله:
-إبني فين يا كينج؟؟.. عملت في إيه؟؟..
أضافت وقد تبدلت نبرتها إلى الخوف:
-قتلته؟!!!.. قتلت أبني؟.. رد عليا أوعى تكون آآ..
قاطعها “أصهب” بحدة أكبر:
-هقتله ليه يعني، واحد زي ده ميستهلش ألوث إيديا عشانه، وبعدين بقالك ١٠ أيام ببتصلي والإجابة عندي هي هيَ، أنا معرفش مكانه.
ألتفت برأسه ينظر للحديقة الواسعة بعينين حادتين، ولكن سرعان ما تجمدت حواسه وتصلب جسده ما أن وجد “ريحانة” تركض بها ركضًا سريعًا للغاية، فـ قطب جبينه متابعًا حركة الخيل وهي أعلاه كأنها فقدت سيطرتها عليها، وسرعان ما قرر التدخل قبيل أن يقع حادثًا لها:
-ياريت متتصليش بيا تاني.
ودسّ هاتفهِ في جيب بنطاله وهو يوفض بخطواتهِ بـ إتجاهها صائحًا:
– تيجاااان! كفاية كده وقفـيه.
لم تستمع له تقريبًا، فـ لوح لها ورفع صوتهِ عاليًا:
– تيجـــــــــــان!! بــقـولك وقفــيـه!
التقطت مسامعها صوتهِ، ولكنها بالفعل كانت مُلتهيه بـ وضعها الصعب.. فـ هي فقدت السيطرة فعليًا على “ريحانة” التي بدت وكأنها تنفث عن رغبتها الجامحة للركض، لم تقوَ حتى على فتح فمها للرد أو طلب الإستغاثة في حالتها المذعورة تلك التي غلفتها، انفلتت أعصابها منها وظنت إنها لا تمسك باللجام جيدًا رغم انقباض أصابعها عليه جيدًا، وهذا الشعور جعلها تفقد قدرتها المسيطرة على حركة قدميها، وانفلتت إحداهن من الرِكاب، في اللحظة التالية كانت تطير من أعلاه وقبل أن ترتطم بالأرض ارتطامًا عنيفًا قاسيًا.. شعرت بذراعين حديدتين تلتقطها بأعجوبة، أغمض عينيها وهي تصرخ بهلع، تراخت قدماها ما أن أدركت أنها بداخل أحضانه، فجلست بركبتيها على الأرض وكذلك هو.
ثوانٍ وكانت تبتعد عنه لتجد وجهه قد غلفه الظلام وعينيه القاتمتين تنظر لها بطريقة مرعبة، إبتسمت له بتوتر وهي تقول بخوف:
-طبعًا أنت مش هتعملي حاجة، صح؟؟..
تجهم وجه “أصهب” أكثر وهو يجيبها بنبرة مخيفة:
-عملالي فيها أحمد مظهر؟!!.. !! مرتاحة يعني بعد ما فردتي عضلاتك.
قبض على معصمها بقوة وهو يقول بغضب يكاد أن يحرق الأخضر واليابس:
-مش هعديلك اللي عملتيه يا تيجان، هتدفعي تمن عنادك ده عشان متكررهاش تاني.
هب واقفًا من مكانه وهو يستعد الإبتعاد عن المكان بأكمله، ولكن وجدها تقبض على يده بقوة وهي تقول بوهن:
-أصهب ألحقني.
ألتفت برأسه لها بقلق خفي، لتتابع بتعب:
-حاسة إنه هيغم عليا، متسبنيش أرجوك.
تراخت أصابعها فجأة عن يده وهي تغمض عينيها بتعب، فأنحنى بجذعه يحملها بين ذراعيه متوجهًا بها نحو الداخل وهو يقول بقلق:
-ماتقلقيش هتبقي كويسة.
لم يرى إبتسامتها العابثة وهي تدفن وجهها أكثر في صدره حتى لا يراها وينكشف مخططها، همست لنفسها برجاء:
-يارب ميقفشنيش وإلا هاروح في داهية.
*****
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لأجلك أحيا)