رواية لأجلك أحيا الفصل الأربعون 40 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا الجزء الأربعون
رواية لأجلك أحيا البارت الأربعون
رواية لأجلك أحيا الحلقة الأربعون
رغم صلابته المعهودة إلا أنه منذ أن رأى من أمتلكت قلبه وهي في حالة إنهيار وهو يشعر بالضعف، ضعفه الذي أستدعى قسوته حتى ينتقم لشعوره، ينتقم منه على هبوط كل دمعة على وجنتيها، تحرك “أصهب” نحوه ثم جذبـه من تلابيبـه بـ قوتـه الغاضبة المستثارة لـ يسدد لـه لكمة عنيفة عرفت طريقهـا، هتف الأخير وهو يكافح لـ صد ضرباتـه المؤلمة على وجهه:
-إبعد عنـي، مش عايز أأذيك.
خرجت نبرتـه كـ زمجرة وهو يرد:
– أنـا مش هسيبك إلا وإنت بتتمنى الموت.
كانت عينيـه أشبـه بأعين صقر الجـارح وعيونـه متلونـة بالظلام الدامس، تحولت ملامحـه لـ مزيج من القوة والشراسة وهو يسدد لـهُ لكمـات عنيفة، صورتها بعينيها الباكيتين الحمراوتين وأنهيارها بتلك الطريقة جعلت النيران تشتعل بداخل قلبه قبل صدره.
سقط “ثاقب” على الأرضية وهو يلهث بوهن والدماء تهبط من بين شفتيه وأنفه، وجهه لم يعد كما كان بل يحتاج ما يقارب شهر حتى يعود كما كان، ورغم ذلك لم يتركه “أصهب”، بل أنحنى بجذعه ثم لف يديـه بإحكـام حول رقبتـه وهو يهدر بـ صوتٍ مُرعب:
-وريني بقى هتقدر تأذيني ولا تقرب منها تاني إزاي؟؟..
أخذ يضغط بـ شدة على رقبتـه وهو يزمجر غاضبًا، أرتجف “ثاقب” تحت قبضتـه كمـا تحشرج صوتـه، أخذ يُصـارع ويحاول بكُل قدرتـه على أن يستنشق نسمة هواء، تحول وجهه للون الأحمر الداكن ثم تغير إلى اللون الأزرق، ومع ذلك لم تتراخى أصابع “أصهب” عن عنقـه، بل أشتدت وعينيه تشتد وحشية من غضبه الأسود، وصل إليـه صوت يُناديــهِ صارخًا بـ بقلق:
-خلاص يا باشا كده كفاية، الراجل هيموت.
كان صوت أحد رجاله وهو يقترب منـه بخُطواتٍ سريعة، وقف أمامـه ثم قبض على ذراعـه بقوة، حاول أنتزاع يده المطبقة على رقبة “ثاقب” قائلاً بـ رجاءً رغم حدة لهجتـه:
-سيبـه يا باشا، متوديش نفسك فـ داهية عشان واحد زي ده.
لم تنجح محاولاتـه، فـ تـابع قائلاً بتردد:
-طب عشان خاطر تيجان أبعد.
عند أسمها فقط، هنا هدأت ثائرته وهو يستوعب حجم الكارثة التي كاد أن يقع بها من هول غضبه أرخى أصابعـه عن رقبتـه وهو يستمع إلى جملته المؤكدة:
-سيبه يا باشا وإحنا هنربيه، هنخليه يتمنى الموت وميلاقوش.
أحتقنت عينـي “أصهب” بـ حُمرة مُخيفة وهو يطالعـه بـ بنظراتـه الشرسة، أخذ “ثاقب” يسعل بـ قوة، لم يستطع أن يتحرك من مكانـه وهو يتحسس رقبتـه غير مُصدق أنـه على قيد الحيـاة، فقد كان محاصر بين براثن وحش كاسر، فقد كان على شفى حفرة من الموت، وقف “أصهب” ثم تحرك مبتعدًا عنـه.
بدأ يزحف بكُل قوتـه للخلف وهو ينظر إليه بفزع، في حين إبتسم “أصهب” له إبتسامة جانبية قبل أن ينظر لرجاله هاتفًا بصيغة آمرة:
-مش عاوزهُ ينام، عينيه لو أتقفلت تضربوه، لكن طول ما هو صاحي محدش يقرب منه، مفهوم؟؟..
تمتم “ثاقب” بهلع:
-ينهار أسود، ده قمة الظلم وآآ..
ألتفت “أصهب” بوجهه صارخًا بوحشية:
-أخـرس وإلا لسانك ده هقطعهولك.
أخفض “ثاقب” رأسه وهو يئن بألم، رمقه “أصهب” بنظراتٍ قاسية قبل يلقى نظرة على الساعة ليجدها السادسة صباحًا، أومئ برأسه إيماءة خفيفة ثم غادر من المكان بأكمله تاركًا خلفه من تسبب له الألم عن طريق “تيجان”.
*****
لم يزوره النوم منذ أن غادر وحيده من القصر بعد تلك المواجهة، لم يتوقع أن إبنه سيصل إلى تلك المرحلة من العشق الأسود، أغمض عينيه محاولاً أن يفكر بشكل صحيح، عاود فتح عينيه نحو زوجته النائمة، ولكن تعبيرات وجهها قد أرتسم عليه الحزن بعد ذهاب إبنها الوحيد من القصر ورفضه للعودة إلا بصحبة زوجته.
حرك “راجي” رأسه إيجابيًا وهو يهمس بشرود:
-أصهب عرف يضغط عليا إزاي صح، وأنا فعلاً مش هقدر أسيبه بعيد خصوصًا عشان أهل القرية.
سكت لحظةً قبل أن يضيف:
-مفيش حل غير إني أوافق على وجود تيجان معانا هنا حتى لو على حساب تقاليدنا.
ألتفت بوجهه نحو وجه “شاهيناز” المستكين وهو يتمتم بعدم رضا:
-الخوف دلوقتي منك إنتي لو عرفتي أصل تيجان الحقيقي.
أغمض عينيه وهو يختم حديثه مع نفسه بتعب:
-ربنا يستر من الجاي.
*****
بعد ثلاثة ساعات بداخل السجن، كان “ثاقب” يتطلع حوله بقلق وهو يبلع ريقه بصعوبة، يحاول أن يظل مستيقظًا حتى يبتعد عن شر هؤلاء، ولكن لسوء حظه أن نومه في ليلة الأمس كان قلقًا، فـ لم يأخذ قسط كافي من النوم، وها هو الآن سيذيق العذاب، إذا أغمض عينيه فقط.
دقائق أخرى وكان جفنيه يغلقان ببطء ورأسه تسقط، ولكن سرعان ما فتحهما سريعًا وهو يصرخ بألم حينما هوى أثنين منهم بعصياهم على جسده، صرخ مرة أخرى حينما هاجمته ضربة أشد قسوة:
-آآه.
هدر رجل منهم بصوتٍ مخيف:
-إنت مش نايم فبيتكم يا (….)، فوق بدل ما أفوقك.
حرك رأسه إيجابيًا بضعف وهو يرجع رأسه للخلف قبل أن يهمس بداخله بتهكم مرير:
-أنا إللي جبته لنفسي.
*****
بعد فترة كبيرة، وصل إلى منزله وهو يتنفس بعمق محاولاً ضبط إنفعالاته، سار في إتجاه الغرفة وهو قلبه يخفق بألم حاول جاهدًا إخفاءه، تصلب جسده ما أن رآها جالسة على طرف الفراش تحدق أمامها بشرود وتحديدًا ناحية المرآة، وكأنها تشاهد أنهيارها ببطء.
أغمض عينيه بقوة قبل أن يتحرك نحوها مبتسمًا وهو يسألها برفق:
-تاجي إيه إللي مصحيها دلوقتي؟؟..
همست بشرود:
-تاجك؟؟..
جلس بجوارها وهو يلتقط يدها هامسًا بتأكيد:
-طبعًا، مش الملك دايمًا بيلبس تاج، فأنتي تاجي، يعني من غير أنا ولا حاجة.
أغمضت “تيجان” عيناها وهي تهمس له بصوتٍ مرتعش:
-أقلع التاج ده ودور على غيره يا أصهب، أنا هـ.. هلوثك وأنا مش عايزة يحصل ده، هلوثك.
قالت كلماتها الأخيرة ودموعها تنهمر بغزارة من عينيها، حاولت كتم شهقاتها ولكن ما أن جذبها إلى صدره ولامست وجنتها الباردة صدره الدافئ حتى أطلقت العنان لشهقاتها ودموعها الحارقة التي سقطت على صدره فـ ألهبت قلبه أكثر.
شدد عليها بذراعيه وهو يهمس بصوت مؤلم:
-لو العياط هيريحك، يبقى عيطي وإنتي فحضني يمكن أقدر أخفف عنك الوجع ولو شوية.
دفنت رأسها في صدره قبل أن تبدأ في الصراخ بحرقة، دقائق وهي تصرخ بوجع وهو يتركها تخرج ما في روحها محاولاً أن يظل ثابتًا، شعرت أن أحبالها الصوتية قد أصابها الألم، فـ لم يعد صوتها كما كان، بل حل عليه الضعف.
دقائق أخرى وكانت أبتعدت عنه وهي تكفكف دموعها بظهر يدها قبل أن تنهض ببطء، فوقف هو الآخر متطلعًا إليها بقلق، هو يعلم جيدًا أنها ستنهار مرة أخرى وسيكون أشرس ولكن لا بأس سيكون بجوارها دائمًا حتى إن رفضت ذلك.
حدجته بغرابة وهي تلتفت إليه بكامل جسدها، في حين عقد “أصهب” ساعديه أمام صدره الضخم عاقدًا حاجبيه بتوجس، همست بصوت لا حياة فيه رغم إختناقه:
-طريقي بقى صعب حد يمشي فيه، وإللي هيمشي لازم واحد بس مينفعش أتنين.
سألها بحدة وهو يرخى ذراعيه:
-قصدك إيه يا تيجان؟؟..
قالت هامسة بذات الصوت المختنق المعبأ بالألم:
-يعني هتطلقني، أنا عاوزة أطلق يا أصهب.
أخذ نفسًا عميقًا يعبئ صدره بالهواء لكن عبثًا، فالاختناق الذي يشعر به مصدره قلبه، جذوات محترقة تكويه بنيران الوجع وهو يهمس بصوتٍ حاد كالسيف:
-لو سمعتك بتقولي الكلمة دي هتندمي يا تيجان.
قبض على فكها بقوة يقرب وجهها إليه بشدة هادرًا بهمسٍ خطير:
-مصيرك بقى هو مصيري، ولو حاولتي تهربي منه مش هتلاقي غير الموت في الطريق التاني.
الدهشة بأقسى أنواعها ارتسمت على وجهها وهي تهمس مبهوتة:
-ومين إللي هيسلمني للموت؟؟..
سمعته يقول بحسيس مرعب محترق وهو يقرب وجهه من وجهها:
-أنتي إللي هتسلمي نفسك بنفسك لو بعدتي عن طريقي، ومش بس كدا هتلاقيني بردو وراكِ وإنتي راحة للموت.
أكمل بصوت أكثر قوة، بعنف غير موجه لها وكأن الكلمة تحررت أخيرًا:
-يوم ما عيني وقعت عليكي وإنتي بفستان فرحك في الساحة وإنتي مصيرك بقى فإيدي أنا، وطريقي بقى هو طريقك، وطريقنا يا تيجان بلا عودة.
أعتقدت أن دموعها ستعود من جديد وتنهمر بغزارة على وجهها، ولكن حزنها الطاغي مع ألمها الموحش جعل دموعها تجف، لا دموع ولا شهقات!!..
ألتمعت عينيها بوميض الأستياء وهي تسأله بتهكم:
-مش محتاجة شفقتك، خد شفقتك وأبعد عني، أنا ولا حاجة يا أصهب.
مسح على وجهه بقوة قبل أن يصرخ بغضب:
-وأنا من غيرك مسواش حاجة!!!!..
حركت رأسها بالسلب وهي تقول بمرارة:
-صدقني ده إحساس طيب منك، لكن مش دي الحقيقة، إزاي تقدر تحب واحدة زيي والمفروض من الأو…
هدر مقاطعًا إياها بهمسٍ مخيف:
-أسكتي يا تيجان.
هدرت بغضب وهي تهز رأسها سلبًا بقوة:
-مش هسكت.
حاوط خصرها يجذبها إليه هادرًا وهو يضع إصبعه على شفتاها:
-بقولك أسكتي.
أبعدت إصبعه عن شفتاها وهي تقول بعصبية:
-مش هسكت، لازم تواجه الحقيقة و..
وفي اللحظة التالية كان يسكتها، بفاعلية شديدة، بطريقته هو فقط، ذراعه تحتضن خصرها يدعمها والأخرى تلتقط يدها يرفعها قليلاً ثم يضعها على صدره ناحية قلبه مباشرةً حتى تشعر بدقاته العالية التي تدق مالطبول، بينما شفتاه تنهل من شفتيها بـ.. رقة.
يعلمها وبتروٍ جمال الصمت وفوائده، يعلمها مدى عشقه بداخل قلبه، أرتجف جسدها وهي تغمض عينيها ببطء مستسلمة لتلك المشاعر التي تختبرها لأول مرة بتلك القوة، رفع يده يحرر شعرها بخفة ليتخلله بأصابعه من فروة رأسها حتى نهايته، ثم أفلت شفتيها ففتح عينيه وهو يلهث مبتسمًا وهو يهمس بجوار أذنها باحتراق:
-ده إحساسي بيكِ، تفتكري كل المشاعر اللي حسيتها دي شفقة؟؟..
فتحت عيناها بألم قبل أن تواجه عيناه وهي تسأله بضعف:
-يعني مش هتسبني؟؟..
أتسعت إبتسامته الحانية وهو يُجيبها بهدوء:
-تبقي عبيطة لو فكرتي إني ممكن أعمل كده.
أحتضن وجهها قبل أن تهمس بصوت متقطع:
-بس إنت أكيد أتمنيت واحدة فظروف أحسن مني.
قَبّل وجنتها برقة قبل أن يقول بشغف:
-الظروف دي مش إنتي إللي حطيتي نفسك فيها، وأنا فعلاً أتمنيت، بس أتمنيت أنك تفضلي على طول فحياتي، وعوضي من ربنا.
دفنت وجهها في عنقه وهي تسأله:
-مش هتندم؟؟..
كان رده هو أنه ضمها إليه بشدة وقلبه يخفق بقوة، أخفض رأسه نحوها متناولاً شفتيها في قبلة عميقة حارة يبث بها حاجته إليها وعشقه لها، أصدرت “تيجان” تأوه منخفض عندما بدأ يقبلها بنهم وحرارة أكثر من قبل، عقد ذراعيه من حولها جاذبًا إياها نحوه صدره الصلب أكثر بعدما شعر بإرتجافتها حتى باتت ملتصقة به تمامًا.
أخذ يلثم وجهها بعدة قبلات متفرقة حنونة.. شغوفة قبل أن يعود إلى شفتيها يُقبلها برقة يتخلله الإلحاح، أستجابت له “تيجان” بكل جوارحها لتجرفهما على الفور مشاعرهما التي لم تترك مجالاً لأي عاطفة أخرى
******
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لأجلك أحيا)