رواية كواسر أخضعها العشق الفصل الخامس 5 بقلم نورهان العشري
رواية كواسر أخضعها العشق الجزء الخامس
رواية كواسر أخضعها العشق البارت الخامس
رواية كواسر أخضعها العشق الحلقة الخامسة
تجاوزت عن جميع زلاتك وتغاضيت عن كل أخطائك؛ ظنًا مني أني هكذا أُنقذ بيتًا شُيدت أعمدته بالحُب، وبُنيت جُدرانه بقوالب العشق، الذي كان خالصًا لك وحدك، ولكنك هدمته فوق قلبي، الذي لطالما كان بالود والحب عامرًا، والآن بات القهر والشقاق مسكنه.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
مر أسبوع منذ أن عادت من بيت والدها، وهي منكمشة على نفسها تحاول مداواة جراحها بالهرب، فقد كان شغلها الشاغل أن تلهي نفسها عن التفكير؛ عل ذلك يهدئ من ألمها القاتل الذي يستوطن كل خلية بها، فضاعفت اهتمامها بأطفالها وتجاهلت كل شيء يحدث حولها وعادت إلى حياتها الطبيعية، ومهامها التي كانت تفعلها ولكن بصمت… صمت متبادل مِن جميع مَن في المنزل، فقط نظرات متبادلة في أوقات الطعام التي كانت تجمعهم وقد كانت تتحملها بشق الأنفس وتحمد ربها كثيرًا أنه كان يغيب عنها، فلا طاقة لها برؤيته، يكفيها سماع صوته حين يتحدث مع الأولاد أو ينادي على الخدم، وقد تعطف عليها وحرمها من رؤيته وقام بنقل أغراضه إلى غرفة أخرى بعيدة عن جناحهما، ولا تعلم إن كانت فرحه لذلك أم غاضبة، هي متألمة وهذا كل ما تشعر به.
تقدمت بخطى ثقيلة إلى المطبخ لتتفقد الخدم، فبعد نصف ساعة سيحين موعد الإفطار، وما أن همت بالاقتراب من الباب حتى توقفت إثر طعنة مباغتة احتلت قلبها، حين سمعت حديث زينات وهي تقول بنبرة لينة:
_ أريد رؤية زوجتك والتعرف إليها.
لون الاندهاش ملامحه من طلب والدته، وتجلى في نبرته حين قال:
_هل تسخرين مني عند الصباح؟
زينات بهدوء:
_لا أبدًا، لمَ تقول ذلك؟
تشدق ساخرًا:
_طلبك غريب للحد الذي يجعلني أظن بأنكِ تعانين من صداع أو ربما حمى مثلًا؟
جعدت ملامحها بحزن زائف حين قالت:
_هل تسخر مني؟ وأنا التي أموت شوقًا لرؤيه تلك الفتاة التي سلبت عقل ابني للحد الذي جعله يتزوجها بتلك الطريقة.
شاهين بملل:
_الأمر ليس هكذا، ولا يشبه الوقوع في العشق وما شابه ذلك، ولكن إن أردتِ أن تريها فسأرى موعدًا مناسبًا وأخبرك.
تجمعت هزائم العالم أجمع بعينيها اللتين فاضا بهما الوجع، ولكن تلك المرة لم تبكِ إنما خبئت عبراتها بداخل صدرها المحتقن ألمًا، وتراجعت إلى الخلف قاصدة مكتب زين الذي فتحته دون أن تدق الباب وأغلقته بعنف، ثم تقدمت بخطى مبعثرة إلى أن توقفت أمام مكتبه تحت نظراته المندهشة، حين سمعها تقول مغلولة:
_ أوافق على ما عرضته عليّ سابقًا.
_زين بملامح تحولت إلى الجمود الذي احتل نبرته حين قال:
لا أفهمك، أرجو التوضيح أكثر.
قمعت عبراتها ووجعها الهائل وهي تقول بلهجة محتقنه:
_أريد الثأر، وجعل الجميع يدفع ثمن ما فعلوه بي، ولكن خطتي تشمل زوجتك أيضًا، فلتعلم هذا مسبقًا.
تفهم ما تمر به، ولدهشتها وجدته يبتسم بهدوء، قبل أن يقول:
_لا أريد معرفة ماذا حدث، ولكن سأخبركِ أمرًا يا هدى، الذنب ليس ذنب زوجتي ولا والدك ولا حتى شاهين، فهم أناس واضحين من البداية.. الذنب ذنبك لأنك ترين الأشخاص بنظارة يكسوها الغبار.. اخلعيها ولتري كل إنسان على حقيقته.
بقلب يرتجف ألمًا تحدثت:
_رأيت، رأيتهم على حقيقتهم، وهذا أكثر ما يؤلمني.
زين بقوة:
_اجعلي هذا الألم دافعًا قويًا لأن تعيدي بناء نفسك من جديد.
أومأت بألم، فأردف بخشونة:
_أقسى عقاب للرجل بعد هجره للمرأة أن يراها ناجحة وجميلة، وهذا يعني أن فراقه لم يؤثر فيها، وهذه أقوى صفعة قد يتلقاها كبرياءه.
صرخت بقهر:
_يا ليتني أستطيع فراقه، سأكون حينها أفضل.
_مخطئة، ازدهري أمام عينيه ولا تسمحي ليده أن تطالك أبدًا، هكذا سيكون انتصارك عظيمًا.
على الرغم من اقتناعها بحديثه، إلا أنه أثار بداخلها زوبعة من الاستفهامات والتي أفصحت عنها قائلة بجفاء:
_لمَ تفعل معي هذا؟ إن من نتحدث عنه هو ابنك ولن أصدقك إن أخبرتني بأنك تفضلني عنه، مهما بلغ غضبك منه.
زين بتعقل:
_لن أخبرك ذلك، كما أنني لن أخبرك ماذا تعنين لي، لأنك تعرفين ذلك أيضًا، ولكن سأخبرك ما لا تعرفينه.. قد تندهشين، ولكن تأكدي أنني لا أكذب أبدًا.
خربش الفضول جدران قلبها، فقالت بترقب:
_أسمعك.
زين بألم دفين:
_أكفر عن ذنبي بحق شاهين، نعم أخطأت بحقه وحق شقيقته باختياري لهم أمًا مثل “زينات” كنت أعرف جميع صفاتها السيئة، ولكنِ لم أحميهما من بطشها، كنت أرى إهمالها لهما واهتمامها بالمظاهر كثيرًا وجفائها اللامتناهي في معاملتهما ولكن لم أردعها، كنت مشغولًا بجمع المال والحفاظ على تراث العائلة، ولم ألتفت لهما.
أطلق زفرة حادة من جوفه قبل أن يتابع بشجب:
_شاهين ليس سيئًا، إن بداخله طفل يحتاج إلى الحنان والاهتمام، ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي هرول إليّ وهو يخبرني عن الفتاة التي وقع بعشقها.
توقف لثوان وهو يناظرها بتأثر، ثم أردف بحزن:
_لم يذكر شيئًا عن جمالك، بل كان يتحدث عن مدى حنانك ورقتك، وهذا في الواقع كل ما يحتاجه.
تآزر بها الوجع، فهمست بصوت يتضور ألمًا:
_لقد أغدقته بحناني ولم أبخل عليه يومًا.
زين بتعقل:
_سأسألك سؤالًا وأنتظر منكِ أن تجيبيني بصدق.
_ سأفعل.
زين بترقب:
_متى آخر مرة جلستٓ مع شاهين وتحدثتما معًا مثل باقي الأزواج؟!
لم تعلم الإجابة، فهي أبعد من أن تتذكرها، لذا لم تجب، فواصل استجوابه:
_متى آخر مرة خرجتِ معه بمفردكما؟!
دام صمتها، فهذا السؤال أيضًا لا تعلم إجابته، فتابع بلهجة تشوبها الحد:
_هل هو السبب؟ هل طلبتِ منه ورفض؟!
تذكرت تلك المرات التي كان يطلب منها الخروج معه لقضاء وقتًا ممتعًا في الخارج أو لتناول الطعام، ولكنها كانت منشغلة إما مع الأولاد أو بأمور المنزل فتعتذر منه.
_هذا الصمت يعني أنه لم يكن السبب.
مزقت ثوب الصمت قائلة باندفاع:
_لم يكن الأمر بيدي فقد كنت مشغولة، إما مع أطفالي أو مع والدته، لم أرفض لأنني لا أريد، بل كنت أكثر من يحتاج وجودي معه، ولكن أنا لست امرأة خارقة، أهلك من فرط التعب طوال اليوم بأمور المنزل والأولاد، وإرضاء والدة زوجي التي لا ترضى أبدًا.
زين بهدوء:
_وهذا أعظم أخطائك، الوحيد الذي كلفك الله بإرضائه هو زوجك.
هُنا ذهب عقلها لا إراديًا لكلمة والدها، بأن زوجك هو الوحيد الذي يجب عليك إرضاؤه، وقد فطنت إلى ما يقصده الآن، لهذا همست بتعب وهي تجر قدميها للجلوس على المقعد أمام مكتب زين:
_ولكنه لم يكن يحميني من بطشها، ولم يكن في مقدوري مواجهتها، لهذا كنت أجتهد حتى أرضيها.
_وهذا هو خطأك الثاني، تقتلين نفسك لإرضائها وهي لا ترضى… لذا كان عليك التوقف عن فعل ذلك ما أن رأيتِ أن كل ما تفعليه يذهب أدراج الرياح.
كلماته أيقظت جروحًا غائرة بقلبها عن مدى تسلط تلك المرأة وتجبرها، وهتف عقلها مؤنبًا لمَ احتملتِ كل هذا؟
تابع زين بعدما رأى أن حديثه قد وصل إلى مبتغاه:
_انتظرت أن تشتكي مرات ومرات، ولكنك كنتِ مستسلمة بدرجة تثير حنقي، فاكتفي بتأنيبها ببضع كلمات، يكون ردها هي لم تشتكي لذا لا تتدخل.
همست بمرارة:
_أنتَ محق، لم أكن أشتكي، ولا أعلم لمَ كنت مستسلمة هكذا؟ ولأجل من؟!
صمتت لثوان قبل أن تهب مندفعة:
_نعم، اعترف أنني قصرت بحقه، قليلًا! ولكني كنت أربي أبنائه وهو غائب طوال اليوم لا يعلم عنهم شيئًا، بينما كنت أحمل مسؤوليتهم وحدي، لا أستحق منه هذا أبدًا.
أومأ برأسه وهتف قائلًا:
_نعم، وأنتِ بالمناسبة أم عظيمة، ولكنك غفلت عن واحد من أبنائك وأهملته وهذا الابن تلبسه الشيطان وأخطأ، نعم خطأ كبير، ولكن هل تتخلين عنه؟ هل تتخلى الأم عن أبنائها؟
ارتجفت الحروف على شفتيها وهي تقول:
_ ما الذي تقصده؟!
زين بتوضيح:
هنا نعود إلى سؤالك لمَ أفعل هذا معك؟ لأجل هذا الابن التائه الذي أعلن العصيان على والدته، وأراد أن يثبت لها أنه لا يحتاجها، وبمقدوره الاستغناء عنها، بينما هو لا يستطيع الابتعاد عنها أبدًا، فهي والدته.
لم ترد أن تجعل حديثه يحتل مكانًا بقلبها، لذا صاحت بعنف:
لست والدته، وأرجوك لا تحاول التأثير عليّ.
قاطعها بقوة:
_بلى، أنتِ والدته، أنتِ هي التي رأى بها ما يغنيه عن أم متسلطة لم يتذوق رشفة واحدة من حنانها.
بحثت بداخلها عن كلمات تجيبه بها فلم تجد، فأردف محاولًا الوصول إلى قلبها:
_اعترفتِ منذ لحظات أنكِ أخطأتِ، وقصرتي بحقه كزوج، وهذا ما يجعلني أطالبك بالغفران.
حين أوشكت أن تتابعه، صاح بقوة:
_هذا بعد أن تلقنيه درسًا قاسيًا يجعله يعرف قيمتك تمامًا وسأساعدك في ذلك، أقسم أن أساعدك حتى تجعليه يأتي باكيًا طالبًا منكِ الصفح، ولكن رجاءً لا تهدمي ذلك البيت، فأنا لن أثق بأحد سواك ليحافظ على بنيانه.
لا تنكر بأنه محق في أشياء كثيرة، ولكنه يطلب منها فوق طاقتها، لا تستطيع مسامحته، والغفران بالنسبة إليها درب من دروب المستحيل، خاصةً مع هذا الوجع القاتل الذي يثقل صدرها.
_لن أطلب منكِ ما هو فوق طاقتك، لذا سندع كل شيء يمضي كما هو مقدر له، وأنا عند وعدي لكِ سأساعدك حتى تستعيدي نفسك.
تشوش عقلها وطغى وجعها على كل شيء، فنظرت إليه بعينين واهنتين تشبهان نبرتها حين قالت:
_ أريد أن أرتاح قليلًا، هل تسمح لي؟!
زين بتفهم:
_بالطبع، تفضلي، وتذكري أنني هنا دائمًا لأجلك.
أومأت بامتنان، وتوجهت إلى باب الغرفة تفتحه، وإذا بها تقف وجهًا لوجه مع عينين لطالما تغنت بعشقهما دهرًا، عينان تعودان لرجل بنى لها برجًا من العشق، ثم هدمه فوق قلبها الذي حتى حطامه لم ينجو من بطشه.
تآزر بها الشوق والألم معًا، فحاولت أن تشحذ بعضًا من كبرياءها المهدور على يديه، وانتزعت عينيها اللتين وقعتا أسيرة لخاصته لثوان، وتوجهت إلى الأعلى بأقدام هُلامية بالكاد قادرة على حملها، فأخذت تبتهل إلى الله ألا تقع أمامه، فهي تعلم أن عينيه تراقبها، تشعر بنظراته تخترق ظهرها، لذلك كانت مرفوعة الرأس، حتى أنها لم تلتفت حين سمعت صوت زينات خلفها تناديها، بل تابعت صعودها إلى الأعلى بكبرياء تتمنى لو ترمم تصدعاته ذات يوم.
_هل أصيبت بالصمم أم ماذا؟!
هكذا تحدثت زينات غاضبة، فلم يعيرها اهتمامًا، فقد كان مشغولًا بتهدئة قلبه الثائر بقوة حين لمح الألم الذي يطل من عينيها ويلون ملامحها التي ذبلت، والسبب هو.
تجعدت ملامحه وقست نظراته، وتولى عقله مهمة إقناعه بأنه لم يخطئ، وأن ما فعله كان صائبًا.. لذا توجه إلى مكتب والده لينهي هذا الصراع اللعين، صافقًا الباب خلفه.
*****
” لا بأس . لم يحدث شئ . انا بخير ” كلها عبارات معانيها بعيدة كل البُعد عما تحمله من آلام يجيش بصدر قائلها . فهو أكثر من يعاني في هذه الحياة و لين قلبه سببًا قويًا لشقائه لذا لم يخطئ من قال في السابق بُليت بلين القلب ! فوداعه القلوب تتناسب طرديًا مع مشقتها..
نورهان العشري ✍️
1
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ نور حبيبتي، هل أنتِ هنا؟ بحثت عنكِ كثيرًا ولم أجدك.
هذا كان صوت جليلة الذي اخترق مسامعها، وهي تغادر غرفة والدتها التي ارتفع ضغطها فجأة، ولأول مرة منذ وقت طويل تستوطن الفراش لمدة أسبوع كامل، اعتزلت به الجميع وأولهم هي، ولكن قلبها لم يطاوعها بتركها وحيدة، فقد كانت تجلب لها أدويتها بنفسها وكذلك الطعام، ولأن طيبة القلب أحيانًا تكون سبب شقائه، فقد كانت تأخذ النصيب الأكبر من غضبها بكل مرة تذهب إلى غرفتها، وبالرغم من ذلك لم تتركها أبدًا.
_ كنت أتأكد من أن أمي أخذت دوائها وتناولت الفطور، هل تريدين شيئًا؟
جليلة بنفي:
_لا أبدًا، سئمت الجلوس وحدي وأردت أن نتشارك فنجانًا من القهوة.
خيم الحرج على ملامحها، وجاءت كلماتها تحمل طابع الاعتذار:
_أعتذر منكِ كثيرًا، فأنا كنت أنوي الذهاب لرؤية هدى، فقد مضت على عودتها من بيت والدها أسبوعًا، ولم أستطع رؤيتها، وأنتِ تعرفين ما حدث لها.
قاطعتها جليلة بتأثر:
_أعلم وأشفق على تلك الفتاة كثيرًا، فما حدث ليس بالهين على أي امرأة.
أطلقت العنان لمشاعرها حين قالت بحزن:
_ أتعلمين ما المحزن في الأمر؟ أنها مجبرة على التعايش معه وتقبله.
جليلة بمرارة:
_هذا هو المتعارف عليه في عائلتنا وما يشبهها، الرجال يخطئون بمحض إرادتهم والنساء يغفرون رغمًا عنهم.
2
صمتت لثوانٍ، قبل أن تقول بترقب:
_ أخبريني يا نور لو كنتِ بمكان هدى هل ستتقبلين الأمر وتنصاعين لتلك القيود؟ أم ستنفصلين عن فراس؟
كان سؤالًا عابرًا في الظاهر، ولكن بينها وبين نفسها شعرت بأنه سهم مشتعل أصاب شيئًا ما بداخلها فتألم سائر الجسد، فأغمضت عينيها لثوان، قبل أن تخرج الكلمات من أعماقها تحمل طابع التمني:
_لن أستطيع تقبل ذلك الأمر أبدًا.
قطعت باقي جملتها وخبئته بصعوبة في جوفها، فلم تكمل ما أرادت قوله بأنها تتمنى أن تنفصل عنه، لأنه خائن قاتل وقد وبخها عقلها ونعتها بالجبانة، لكونها لا تستطيع حتى التفوة بكلمات واهية لا تملك الجرأة على تنفيذها.
_لمَ أشعر بأن لحديثك بقية؟!
هكذا استفهمت جليلة وهي تناظرها بأعين التمع بهما الترقب والفضول فحاولت المناص منها إذ قالت مراوغة:
_تعلمين أنني لا أجرؤ على قول ما هو أبعد من ذلك، والفضل يعود إلى هاديس أمير الظلمات الذي أنا زوجته… وأيضًا لقد أجبت على سؤالك.
بهتت ملامح جليلة من إجابتها، علي الرغم من أنها تعلم جيدًا كيف يمكن لولدها أن يتحول لهاديس بالفعل، ولكنها أرادت معرفة إلى أي مدى يصل سوء الأمور، فقالت باستفهام:
_أجبتِ على نصفه فقط وبصدد إطلاقك عليه هذا اللقب أخبريني يا نور هل أمورك مع فراس تسير على ما يرام؟
تنبهت إلى سؤالها الذي ترتاب في سببه كثيرًا، فلاحظت جليلة ذلك فأردفت موضحة:
_لا أقصد التدخل في شؤونكم الخاصة، ولكن ما حدث لم يكن سهلًا، خاصةً بأن عودته لم تكن متوقعة وجاءت في أكثر توقيت سيئ لأي رجل.
_أمي.
هوى قلبها بين قدميها حين سمعت صوته، الذي يدل أنه سمع حديث والدته، فانكمشت ملامحها بذعر ارتسم بقوة في عينيها، التي برقت وتنفسها الذي علا، إضافة إلى رجفة قوية ضربت سائر جسدها حين شعرت به يقف خلفها مباشرة، وغزا سمعها صوته الخشن حين قال:
_هل تعانين من الفراغ في مثل هذا الوقت من الصباح؟
كانت مشغولة بمراقبة نور التي ذكرتها بنفسها، فقد كانت ترتعب من زوجها بتلك الطريقة، ولكنه كان فظًا غليظ القلب يخشاه الجميع لسوء طباعه، ولكن فراس ليس هكذا… بالرغم من هيبته وقوته إلا أنه ليس سيئًا أبدًا.
_هكذا تُقال صباح الخير يا فراس؟!
شعرت بنظراته التي تخترق ظهرها من الخلف، ولكنها لجأت إلى التجاهل في التعامل معه منذ ما حدث بينهما آخر مرة، وكم كانت تتوق إلى أن يظل الأمر على هذا الحال بينهما للأبد، هي تتجاهله وهو لا يكلف نفسه عناء الالتفات إليها. حتى بأوقات العشاء التي يجتمعون بها لا تلمحها عينيه ولو مصادفة أو هكذا ظنت.
_ صباح الخير يا أمي.
تحمحمت بخفوت، بعد أن استعادت صوتها الذي فقدته منذ أن شعرت بوجوده وقالت بجمود:
_سأذهب لأتفقد إياد وأرى إن كان تناول فطوره أم لا.
أنهت جملتها، ثم التفتت تنوي المغادرة، فإذا بها تشعر بقبضة قوية تعتقل معصمها، فتوقف قلبها عن الخفقان للحظة تشابكت بها أعينهم حين التفتت تناظره، فأتاها صوته القاسي آمرًا:
_أريد فنجانًا من القهوة بعد نصف ساعة على مكتبي.
_حسنًا.
اكتفت بكلمة واحدة، بينما بداخلها آلاف من الصرخات التي تود لو تخترق جبهته ذلك القاسي المتجبر الذي يحادثها بأمر وكأنها خادمته.
تابعتها نظراته حتى اختفت عن الأنظار، وقد لاحظ من خطواتها أنها غاضبة وقد التمعت عينيه باستمتاع، قطعته والدته حين اقتربت تعانق ذراعه وهي تقول باستفهام:
_لمَ تتعامل مع نور بتلك الطريقة الفظة؟
تقدم عدة خطوات برفقتها، وهو يقول بلهجة فاحت منها رائحة الكبر:
_لا أرى أي شائبة بطريقتي معها.
تجعدت ملامحها باستنكار تجلى في نبرتها حين قالت:
_هل يعقل ذلك؟ ألا تلاحظ أنك تخيفها كثيرًا؟
لم تتبدل ملامحه، إنما تشابهت عينيه مع لهجته حين قال بجمود:
_القليل من الخوف لا يضُر.
اغتاظت من حديثه، فقالت بحنق:
_القليل! إنها ترتعب منك.. أخبرني يا فراس هل تحب نور حقًا؟
انكمشت ملامحه باستنكار ينافي تلك الدقة القوية التي شعر بها في صدره، ولكنه تجاهلها وهدر باستياء:
_ حب؟ من أين أتيتِ بهذه الكلمة؟!
اغتمت ملامحها، وقالت بتهكم مرير:
_منك، ظننت أنك فعلت ذلك بأشرف لأنك تغار على نور وتحبها.
اكفهرت ملامحه، وقست عينيه ونبرته حين قال:
_فعلت ذلك به لأنه تجرأ على أملاكي، وليس لأجل تلك التُرهات التي تتفوهين بها.
لم يدهشها حديثه كثيرًا، ولكنها لم تمنع نفسها حين استفهمت بسخرية:
_هل الحب من وجهة نظرك ترهات؟
أجابها باختصار، متجاهلًا شعورًا مزعجًا يجتاح داخله بقوة:
_نعم.
لن تستسلم، فقد رأت اهتزاز حدقتيه للحظة، وهذا يعني أنه ليس صادقًا بنسبة كبيرة، لذا أرادت أن تعري ما بداخله، فقالت بقوة وهي تقف معه أسفل الدرج:
_أتعلم شيئًا؟ أرى بعمق عينيك مشاعر قوية تجاه نور، وسأصلي وأدعو الله أن تعلم ماهية تلك المشاعر وتصلح علاقتك بزوجتك قبل أن تخسرها، وقبل أن تكرهك.
لاح الاستنكار على ملامحه من تلك الكلمة، التي رددها باندهاش:
_تكرهني؟
أجابته بمرارة:
_نعم، فخوفها الكبير منك قد يتحول إلى كره كبير قد لا تتحمله.
كلماتها أثارت غضبه، وزوبعة من المشاعر بقلبه، لذا أراد إنهاء ذلك النقاش السخيف قائلًا بفظاظة:
_أمي يكفي، فوقتي ثمين ولن أضيعه في هذا العبث.
تجمعت جيوش الغضب بداخلها من غباءه، فهي ترى به الآن صورة مصغرة من زوجها، وهذا أقسى من أن تتحمله، لذا قالت بدون احتراز:
_أنت حقًا تستحق لقب هاديس كما أطلقت عليك نور.
تحفزت فرائسه وانكمشت ملامحه بصدمة، تجلت في صوته حين قال:
_هاديس!
شعرت بالغبطة لصدمته وتأثره من ذلك اللقب، وهذا يعني أن جموده وفظاظته ستار يخفي وراءه مشاعر يكنها لزوجته، لذا قالت بتأكيد:
_نعم، سأخبرك شيئًا وأتمنى ألا يمر عليك مرور الكرام.
تنبه لكلماتها التي لامست شيئًا بداخله:
_إن أعطتك الحياة فرصة ثانية، لا تكرر أخطاء الماضي مرة أخرى، واعلم أن بعض الأشخاص خسارتهم قد تكلفك عمرًا بأكمله.
ظلت كلمات والدته تتردد بأذنه، وهو يفكر ماذا سيكون موقفه إن خسرها مرة أخرى؟
لم يكن عاشقًا لها حين تزوجها، إنما كان زواجًا مرتبًا من قبل العائلة، وقد وافق كلًا منهما عليه دون أي اعتراض، ولكن بأعماقه كان هناك انجذاب قوي تجاهها، ومشاعر عميقة تجتاحه بمجرد أن يتردد اسمها على عقله فهو قد تولى رعايتها منذ أن مات عمه، وقد اعتبرها أمانته، لذا كان يحاوطها بحمايته، وقد عزز انجذابه لها بأنها امرأة جذابة وجميلة، كما أنها رقيقة بدرجة كانت تستفزه، فقد كان يشعر بأنها أمامه كعصفور صغير يرتجف إن علا صوته ويعلن استسلامه في كل موقف يجمعهما، حتى في أوقاتهما الحميمية كانت خجولة هادئة مستسلمة.
أخرجه من شروده طرقها الخافت على باب الغرفة، فسمح لها بالدخول، فانفتح الباب لتطل عليه بطلتها الآسرة .. لطالما أعجبته كامرأة على الرغم من ضآلة حجمها، ولكنها كانت ترضيه وتشعل الشغف بجوفه فيصبه عليها نيرانًا حارقة.
_هل تريد شيئًا آخر؟!
هكذا تحدثت بجمود، بعد أن وضعت القهوة على المكتب أمامه، وعيناها تراوغ حتى لا تتقابل مع عينيه، التي طافت عليها بنظرات تحمل وميض الشغف والرغبة، فأظلمت أشعتها التي أشعلت شيئًا ما بداخلها، لم تعرف كنهه وخاصةً حين قال بخشونة:
_ إذن أنتِ أطلقت عليّ لقب هاديس أي أمير الظلام.
رهبة قوية اجتاحتها جراء استفهامه، مما جعلها تلتف موجهة أنظارها إلى النافذة وهي تقول بتوتر:
_من أخبرك هذا؟
شعرت بحرارة تكتنف جسدها من الخلف إثر اقترابه منها، مما جعل حزمة قوية من الوخزات تغزو عمودها الفقري، فحاولت الثبات قدر الإمكان، لتأتيها نبرته التي كانت تحمل وعيدًا مبطنًا:
_لا يهم، المهم الآن هل حقاً تريني بتلك الصورة؟!
صمتت لثوان لم تسعفها الكلمات، وخاصةً وهو بهذا القرب الذي يثير بداخلها زوبعة من المشاعر القوية، فعضت على شفتيها بقوة، وكأنه شعر بها فقام بوضع يديه فوق رسغها يديرها إليه، فالتقت أعينهما بنظرة طويلة، قطعتها حين أسبلت جفنيها بارتباك قائلة:
_وهل أجرؤ على قول الحقيقة؟
في تلك اللحظة كان أسيرًا للزيتون الذي يتلألأ بإغواء في حدقتيها اللتان لمعتا بهما ومضة من التحدي، راقت له كثيرًا فقال بخشونة:
_نعم، أريد سماع الحقيقة منكِ.
لا تعلم من أين جاءتها تلك الجرأة، فقد خرجت الكلمات مندفعة من بين شفتيها:
_نعم أطلقت عليك هذا اللقب لأنك بالفعل تملك قلبًا مظلمًا متوحشًا لا يليق سوي بأمير الظلمات.
_ومن أين تعرفين أن قلبي مظلمًا؟!
صدمة كبيرة اجتاحتها من سؤاله غير المتوقع، فقد ظنت أنها ستكون فريسة لغضبه المريع، ولكن نظراته ولهجته الهادئة أمرًا يدعو للدهشة، أو ربما الريبة، هكذا حذرها عقلها، ولكنها تجاهلت تحذيراته، وتوهجت نظراتها التي كانت مفعمة بالتحدي وهي تواصل هجومها السافر قائلة:
_إن لم يكن كذلك فمن المؤكد أنك كنت ستشعر بالبشر من حولك، ولكنك …
توقفت حين وجدته يعض على شفته السفلية بطريقة بعثت الرجفة إلى أوصالها، التي شعرت بها ترتخي حين قال بهسيس مرعب:
_ أتعلمين؟ كل ما أشعر به الآن أنني أريد سحق عِظامك.
أخفت ذعرها خلف ستار الاستنكار، حين قالت تتوارى خلف خداع واه:
_ستقتلني لأنني أخبرتك الحقيقة؟
ارتفع أحد حاجبيه باندهاش، قبل أن يقول مستفهمًا:
_ من أين اتيتِ بفكرة القتل الآن؟
بللت حلقها قبل أن تقول بسخرية:
_ألم تقل إنكِ تريد سحق عظامي؟
لاح شبح ابتسامة على شفتيه، واكتفى بالتحديق الملي في تفاصيل وجهها، فقد كان يشتاقها كثيرًا فمنذ سنة ونصف لم يقترب من امرأة، وقد كان هذا شاقًا على رجلٍ مثله، وحتى عندما عاد لم يقترب منها سوى بتلك القبلة التي مضى عليها أسبوعًا، فتوهجت ألسنة الرغبة بقلبه، وتعاظم الغضب، وربما الخوف بداخلها فصاحت بانفعال:
_ أرأيت؟ تريد قتلي لمجرد كلمات بسيطة تفوهت بها.
كان هناك بركانًا ثائرًا في قلبه، يقترب من الفوهة قاذفًا جمراته في عروقه النافرة، قائلًا بهمس محترق:
_لا، ليس هذا هو السبب.
حمرة طفيفة تسللت إلى وجنتيها، وتبعثرت كلماتها عند شفتيها تزامنًا مع تلك الفوضى داخلها التي أثارتها لهجته ونظراته
_ وما هو السبب إذن؟!
غافلته الكلمات وانبعثت من بين شفتيه، حين قال بلهجة خشنة وعينين تشملها بنظرات متوهجة تطلقان سهامًا مشتعلة إلى سائر جسدها:
_لأنكِ تبدين فاتنة بدرجة يصعب عليّ احتمالها.
انتفضت أوردتها، وكأن كرات دمها تحولت لجمرات جراء غزله المباغت، فيما انكمشت ملامحها بصدمة سكبتها حروفها حين قالت:
_ما الذي تقصده؟ لا أفهم؟!
رجل مثله يعتبر أن الحديث ما هو إلا مضيعة للوقت، فهناك أشياء لا تفلح معها الكلمات، لذا قام بمد يديه لتعانق خصرها مقربًا إياها حتى تعانقت أضلعهما، وهو يمسد بإبهامه فوق ذقنها برقه تتنافى تمامًا مع طباعه الحادة وملامحه الخشنة حين قال هامسًا:
_هذا لأنك تثرثرين كثيرًا.
ارتجفت الحروف على شفتيها حين قالت:
_ ماذا تفعل؟
نظر إليها بعينين براقتين يمتزج بهما الشغف والرغبة، قائلًا بهسيس قاتل:
_أريكِ كيف تُسحق العظام.
لم تستطع استيعاب كلماته، فوجدت نفسها خاضعة لسطوة رجل يملك كل شيء، ولم يعطها أي شيء، والآن يسكب فوق شفاهها مشاعرًا قوية لا تملك القدرة على التصدي لها أو مقاومتها، بل إنها أصبحت تغرق أكثر بين ذراعيه وعلى شاطئ صدره يستكين شيء ما بداخلها، و يديه اللتان كانتا تتأرجحان بحرية على ساحة جسدها الذي تهاوت حصونه شيئًا فشيئًا، فأعلن استسلامه لرجل له سلطة مطلقة على كل شيء حولها، حتى أن حواسها أصبحت خاضعه له بدرجة أخافتها.
***
_هل لي أن أعلم لمَ حضرتك لا تتعطفين وتجيبين على ندائي؟!
هكذا تحدث زينات بتهكم، وهي تنظر إلى هدى التي كانت تتابع تحضير الطعام في المطبخ، فجاءها صوت حماتها البغيض، فاندلعت شرارة الغضب بداخلها، ولكنها حاولت قمع حنقها والتفت تجيبها ببساطة مثيرة للاستفزاز:
_لم أسمعك.
نجحت في استفزازها، فقالت ساخرة:
_لم تسمعيني وأنا في أسفل الدرج وأنتِ في منتصفه؟ ترى هل أصبت بالصمم أم ماذا؟
تشابهت نظرتها مع لهجتها حين قالت بجمود:
_على الأغلب لم يصبني الصمم، ولكن يمكن أن تقولي إنني كنت مشغولة بأمور مهمة، لذا لم التفت.
كانت المرة الأولي التي ترد عليها بمثل تلك الطريقة، فتعاظم غضبها وقالت بجفاء:
_أكملي لم التفت للتفاهات.
تعلم الفخ الذي تنصبه لها، وقد عزمت أن توقعها فيه، لذا قالت بسخرية:
_لم أقل ذلك.
_أردت الإيحاء به.
هكذا صرخت زينات بغضب، فالتفتت هدى إلى الجهة الأخرى وهي تقول بهدوء أصابها بالجنون:
_اعذريني فأنا مشغولة الآن، وليس لدي الوقت للجدال.
صرخت زينات بغضب من تجاهلها لها بتلك الطريقة:
توقفي عندك.
توقفت هدى بمكانها، فاقتربت منها زينات التي أعماها الغضب، فصاحت بها:
_هل بلغت بكِ الوقاحة لأن تغادري وأنا أحادثك؟
لم تفلح في قمع غضبها من إهانة تلك السيدة، فقالت بتحذير:
_سيدة زينات رجاءً انتبهي لكلماتك
هدرت بعنف:
_وما الذي سيحدث إن لم أنتبه؟
تبلور الغضب في عينيها، وقالت بحدة:
_ سأرد الصاع صاعين.
أنهت جملتها وهي ترفع رأسها بعنفوان، سرعان ما تحول لصدمة كبيرة حين …
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كواسر أخضعها العشق)