روايات

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل السادس عشر 16 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل السادس عشر 16 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون الجزء السادس عشر

رواية كسرة وضمة وسكون البارت السادس عشر

كسرة وضمة وسكون
كسرة وضمة وسكون

رواية كسرة وضمة وسكون الحلقة السادسة عشر

وحررت رقة أحدى عينيها من خلف العمود لتسرق النظرات اليه، ووجدته يتحدث مع الآخرين بثباتٍ وهيبةً كعادته .. لم يبدو عليه أي تأثر بهجرها أو شيء من الحزن!، يتحدث مع الآخرين ويبتسم بمجاملة لأحدى النسوة ممن يجلسن بنفس الطاولة ولغة جسده تقول أنه معتاد أن يأمر فيطاع!، حتى أشتد غليان قلبها وقالت بشراسة لصديقتها بيلا :
_ أنا لو دخلت دلوقتي هطربقها على دماغه.
واضافت رقة بألم وهي تنظر له بخفاء وتره مبتسما بهدوء لمن حوله ويتحدث ويعقد الصفقات ويقم بمهامه وكأن لم يطرأ بحياته كارثة أختفائها، أو هكذا ظنت!، أن أختفائها يعد له كارثةً وستتوقف حياته حتى عودتها إليه :
_ ولا فارقة معاه!!، كل يوم بتأكد أني كنت صح في قراري .. الكداب !!.
توترت بيلا وقلقت أن يحدث ذلك بالفعل، نظرًا للغضب الواضح على وجه رقة التي تحولت للنقيض بلحظةً منذ رؤيته !… فسحبتها من ذراعها للخارج وقالت:
_ يلا بينا نمشي أحسن.
ولدهشة بيلا أن رقة نفضت ذراعها بقوةً وهي تنظر لأشهد بشرر ناري بعينيها ثم قالت برفض :
_ لأ مش همشي.
تسمرت بيلا للحظات ثم قالت برجاء وصوت خافت :
_ مش عايزين مشاكل يا رقة؟! .. أنتي بنفسك قولتي لو دخلتي هطربقيها على دماغه !!.
تنفست رقة بعمق وملأت رئتيها بالهواء قبل أن ترد وهي تشير لمقاعد الحديقة الخارجية للمطعم :
_ لو قعدنا هنا مش هيشوفنا .. احنا بس اللي هنشوفه.
استدارت بيلا ونظرت للطاولات الخارجية بالهواء الطلق وقالت باعتراض وحدة :
_ بس وارد يشوفك، أنتي عايزاه يشوفك ولا لأ ؟! .. مابقتش فهماكي!.
وتابعت بيلا بعدما تمالكت أعصابها قليلًا:
_يا رقة أنا ماحبتش أعرف اللي حصل ما بينكم بالضبط ولا حبيت اضغط عليكي عشان عارفة أن دي خصوصيات، بس اللي فهمته أن في مشكلة كبيرة ما بينكم وصلتك أنك تطلبي الطلاق .. وغالبًا في طرف تالت، فبصراحة شايفة أنك تتكلمي معاه وتسمعيه وبعدين أنتي حرة في قرارك..!
ظلت رقة تنظر له بغليان وغضب، ثم استدارت لتغادر من المكان دون إجابة، فركضت بيلا خلفها وأوقفتها بالطريق قائلة بإعتذار :
_ مكنتش اقصد أضايقك والله، ومقدرة أحساسك وزعلك منه، بس أنتي ليه رافضة تواجهيه؟!
أشارت رقة بنظرة بها دموع سجينة الكبرياء وترفض السقوط .. وقالت:
_ أنتي وشهد وحتى أم بسنت مصممين أني أواجهه .. أواجه ده !، اللي عايش حياته عادي ولو كان فعلًا صادق كان زمانه قالب عليا الدنيا لحد دلوقتي، أنا فعلًا صدقت اللي كشفتلي حقيقته وقالت أن أي واحدة عرفها أو هيعرفها بعد خطيبته اللي سابته هي مجرد محاولة عشان ينساها!.
واكملت رقة بسيماء وجه مزجت بين الغضب والألم :
_ لما جيتلك عشان تساعديني كنت عارفة أني ضعيفة ولسه ضعيفة، يمكن لسه جوايا مشاعر ليه وخايفة أواجهه وأصدق كدبه .. عشان كده رافضة أواجهه دلوقتي، أنا عايزة أنساه يا بيلا، عايزة افضل شيفاه من بعيد وهو كده عشان أبدأ اكرهه بجد، وعايزة أنجح في حياتي .. عشان يوم ما أقف قدامه ما اتهزمش من ضعفي وقلة حيلتي، بس للأسف محدش فاهمني وحاسس بالنار اللي جوايا.
ربتت بيلا على يدها وقالت بدعم حقيقي :
_ أنا كده فهمت الحكاية، وهفضل معاكي يا رقة وجانبك .. تعالي معايا نقعد في المكان اللي اخترتيه.
وبدقائق قليلة كان الفتاتان يجلسان بإحدى الطاولات الخارجية بالحديقة، والذي يفصلها عن الطاولات الداخلية بالمطعم باب زجاجي يخفي ما خلفه بينما من بالطاولات الخارجية بالحديقة يستطيعون بسهولة أن يروا من بالداخل بيسر وسهولة.
جلستا الفتاتان على أحدى الطاولات القريبة من الباب الزجاجي الفاصل بينما عينيها تعتركان بالشوق المتعكر بالأنتقام والغضب ومسلطان عليه بثباتً ومراقبة، شاهدتها بيلا وقالت بمواساةٍ لتخفف عنها:
_ عندي احساس إنك لو واجهتيه هيطلع بريء في الآخر وأنتي ظلماه !.
وكان رد فعل رقة نصف ابتسامة ساخرة تحجب عمق من الألم والعذاب خبأته في طياتها وعينيها عليه تتسائلان بحرقة .. لماذا ؟!
وأجابت بالحديث بعد فترة صمت :
_ خدعوك فقالوا ! .. هو ده بالضبط اللي هيحصل لو واجهته، خداع وكدب والف دليل على براءته .. وفي الآخر هيرميني، زيي زي غيري.
ولمفاجأة بيلا نهضت رقة من مقعدها وتقدمت خطوات نحو الزجاج الفاصل .. ثم اسندت راحتي يديها عليه وقالت بألم حقيقي :
_ أشهد خسرني .. ومكنتش حابة أن ده يحصل، كان نفسي يفضل يدور عليا ويهد الدنيا عشاني، كان نفسي يشتريني أكتر من كده ، لكن شوفي كده يا بيلا .. ده شكل واحد اتوجع من فراقي لحظة؟!.
نهضت بيلا ووقفت بجانبها وهي تلقي نظرة سريعة على أشهد، ثم عادت قائلة لرقة بإنصاف وتفهم :
_ أنتي لسه صغيرة يا رقة، بتتعاملي مع الدنيا بكل قلبك ومشاعرك .. بكرا لما تعرفي الدنيا صح هتعرفي أن الثبات والابتسامة الظاهرية دي ممكن تكون مخبية نار قايدة زي الجمر ومحدش حاسس، ثم أن الشغل ما ينفعش يقف، دي مصالح ناس وعشرات الموظفين مستنين مرتبهم كل آخر شهر ! .. ناس كتير مسؤولة منه حتى لو قلبه بينزف مضطر يكمل ويشتغل ..
وسرحت بيلا وادمعت عينيها وهي تتذكر ماضيها فقالت بحزن :
_ لما أبويا مات كانت اكبر كارثة حصلتلي في حياتي، كنت عيلة صغيرة مكملتش ١٥سنة، كان هو اللي باقيلي في الدنيا .. وتعرفي أني تاني يوم نزلت الشغل !.
نظرت لها رقة بشفقة، فأكدت بيلا وهي تمسح عينيها من الدموع وأضافت :
_ ما تستغربيش، كنت في السن ده وبشتغل في مصنع خياطة وبدرس في نفس الوقت .. كنت مضطرة اشتغل واصرف على نفسي وأكمل، بس اللي في القلب في القلب.
وخرجت بيلا من سرد ذكرياتها المؤلمة وهي تبتسم بمرارة وتمسح عينيها من الدموع وأكدت :
_ عشان كده بقولك ما تتغريش بابتسامته دي وثباته .. الله اعلم جواه إيه !.
سكتت رقة وقد بدأت تهدأ بعض الشيء ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
تم إرسال رسالة نصية على هاتف أشهد، فأخذه سريعا من على الطاولة كأنه كان ينتظر تلك الرسالة وتجاهل تلك الفاتنة التي تحدثه باهتمام بالغ .. وعندما قرأ الرسالة تنفس بغضب وتعكر مزاجه أكثر مما هو .. فقد أرسل له أحد رجاله الذي كلف بمراقبة نهال ومنزلها أنه لم يرها مع نهال مطلقا .. سواء بالمنزل أو بالخارج !.. وأن نهال لا تخرج سوى لعملها أو لمقابلات العمل وعقد الصفقات فقط .. وتمتم أشهد بعصبية وقلبه يحت**رق بكل لحظة وهو لا يعرف أين هي ومن معها يساندها !.
_ يبقى راحت فين !!!.
سألته “تارا” سيدة الأعمال التي تُعد هي أهم عملائه مؤخرًا وقالت بنظرة مليئة بالأعجاب والتودد :
_ سرحت في إيه كده يا أشهد ؟! … في حاجة ليك أي ملاحظة عليها في المشروع؟ .. أنت عارف أني بثق فيك وفي رأيك.
فك أشهد تكشيرته سريعاً وتظاهر باللطف مرةً أخرى حتى لا يبدو فظا وقال بإختصار و ابتسامة باهتة:
_ لأ تمام ..
ابتسمت له تارا ابتسامة ناعمة قصدتها ومازحت الجميع وهي تضحك بسرور، ثم قالت بنظرة يتلاعب بها مكر الأنثى عندما تريد رجلًا وترغب به :
_ طب ممكن نحتفل بالمناسبة دي ؟
وقبل أن يرد أشهد سحبته تارا من ذراعه لحلبة الرقص وقالت وهي تضع ذراعيه على صدره بجرأة ووقاحة وابتسامة مغرية :
_ أنا عارفة أنك مابتحبش السلو .. بس جرب معايا !.
وود أشهد لو يدفعها عنه بعصبية لوقاحتها وإجباره على شيء لا يرغبه .. ورغم محافظته على ابتسامته البسيطة ليبقى لبقًا ولا يضعها أمام الجميع بموقف لا تحسد عليه .. ألّا أنه نفر منها أكثر ولفرضها نفسها عليه بهذا الشكل الذي بات واضحا للجميع … حيث همست له قائلة بخبث :
_ كنت سمعت أنك هتتجوز قريب .. بس شكلك أجلت، ولا تلاقيك صرفت نظر أصلًا ؟!.
وضحكت تارا ضحكةً صفراء وتظاهرت بغير ذلك، فأجاب عليها إجابةً وضعتها عند حدها قائلًا بابتسامة واثقة وهو يتحرك معها ببطء على أنغام شاعرية:
_ لا ما تقلقيش … أنا بحبها ومستحيل اصرف نظر عن علاقتي بيها .. مش دي اللي هعرف الاقي زيها تاني يا تارا .. دي ما بتتكررش مرتين في حياة حد !… التأجيل كان عشان مستنين والدتي صحتها تتحسن شوية وتبقى معانا تشاركنا فرحة العمر.
ضغطت تارا على أسنانها بعصبية وتظاهرت بابتسامة غليظة قائلة بتساؤل وشيء :
_ بتحبها أوي كده ؟!
ضيق عينيها وثقة العالم بنظراته وصوته وهو يؤكد ببطء وبابتسامة عنيدة:
_ بـ عـ شـ قـ ها ..
وأضاف بأكثر ثقة :
_ بنات الدنيا دي كلها في كفة .. وهي لوحدها في كفة.
امتلأت عينان تارا بالعند والغيظ وهي تحافظ على ثبات ابتسامتها له، فقالت بحسد طل من عينيها :
_ هي حقيقي محظوظة بيك يا أشهد .. أتمنالكم التوفيق.
ورفع أشهد زاوية فمه بابتسامة ساخرة وهو يعرف أنها لا تختلف كثيرًا عن نهال ومثيلاتها ممن يعتقدن أنهن يتقنون فن الأغواء والتلاعب الأنثوي .. بينما تلك الساحرة الصغيرة التي اقتحمت قلبه بنظراتها البريئة وكلماتها الدافئة هي من جعلته يعشقها رغما عن أنف كبريائه وإعراضه عن الحب بكل دروبه !.
بينما كانت رقة تقف خلف الفاصل الزجاجي تنظر له بشرر وغضب ناري يشتد كلما اقتربت تلك الفاتنة منه، وكلما بادلها بابتسامته تلك التي تعرف جيدًا مدى تأثيرها على النساء .. وما باتت تدرك أنها اصبحت مرئيةً وللجميع ممن بالداخل ..
وبذلك الوقت كان أشهد يبتسم بمجاملة ونفاد صبر كافح ليخفيه وقعت عينيه فجأة على وجهها ولخطفة من الزمن تشاركت نظراتهما في ثوانٍ!!.
توقفت عقارب الساعة به بتلك اللحظة وتوقف عن الرقص مع تارا وهو ينظر للحاجز الزجاجي الذي أختفت بإتجاهه فجأةً وكأنه حلما واستيقظ منه!!.. وبلحظة أسرع أشهد نحوهه وترك الفاتنة والجميع خلفه .. ليصل للطاولات الخارجية وعينيه تصرخان لهفةً والسؤال عنها .. فأتى إليه صوت أحداهن !.
لتقول بيلا وهي جالسةً على الطاولة بمفردها وكافحت لتخفي توترها :
_ إيه الصدفة الجميلة دي!…. يارب تكون مدام رقة معاك .. المفروض كانت تجيلي تقيس الفستان !.
نظر إليها أشهد لثوانٍ بتعجب وكأنه يتذكر أين رآها من قبل !، حتى تذكر وقال بارتباك وعينيه تتجولان بحثا هنا وهناك :
_ هتجيلك قريب بإذن الله .. أنتي .. ما شوفتيهاش من شوية ؟
طرح عليها السؤال فجأة، بينما توقعته بيلا وقالت مبتسمة وقصدت أن تبدو مازحة :
_ ما أنا لو شوفتها مكنتش سألتك عنها ؟!
تنفس أشهد بعصبية وتابعت عينيه البحث عنها بين الزحام ولم يقتنع أن رؤيته لها دربا من الخيال، فأنصرف دون أي رد على إجابة بيلا التي يشوبها السخرية!!، وتتبعته بيلا بنظراتها بتمعن حتى تأكدت أنه خرج للباب الرئيسي لمتابعة البحث، بينما رقة كانت ركضت بلمح البصر واختفت دون أن يرها أحد خلف شجرة ضخمة مزينة بالمصابيح الصغيرة، فنظرت لها بيلا وغمزت وهي تشير لها أن تنتظر لبعض الوقت حتى تتأكد من مغادرته وخروجها بأمان .. فنظرت رقة نحو الباب الرئيسي بنظرة متحدية ومنتصرة وأرضاها ردة فعله حالما رآها وتوعدت بالمزيد ..!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
ونظرت نور بدقة لصديقتها المقربة “شهد” وهن جالستان بشقة شهد البسيطة بالمنطقة العشوائية .. وقالت بشك :
_ ما اعتقدتش أن عرضه لعبة زي ما قال يا شهد .. واضح أنه معجب بيكي وحبك كمان .. بس خاف ليطلبك ترفضيه بسبب اللي حصل، فجبها بالطريقة دي !.
نظرت لها شهد بيأس وقالت :
_ أنا عارفة يا نور أن طلبه بجد وأنه معجب بيا ، والحقيقة أنا كمان معجبة بيه أوي وحكايتنا كانت خلاص هتبدأ .. بس بعد اللي حصل بين رقة وأشهد صعب الحكاية تكمل، اللي مخوفني مش أنه بيعرض عليا خطوبة مزيفة .. اللي مخوفني اني عارفة ومتأكدة أنه عايز يخطبني بجد .. ولو وافقت ورقة صممت على الطلاق يبقى الخطوبة دي مكنش ليها لازمة من البداية .. وساعتها الفراق بينا هيبقى أصعب من دلوقتي .. فهمتي ؟
شعرت نور بالأسف نحو صديقتها بهذا الوضع الصعب .. فقالت بتردد:
_ طب وليه لازم تفترقوا ؟! .. فيها إيه لو تكملوا حتى لو أختك اطلقت !.
نظرت لها شهد وقالت بألم :
_ من ناحية أختي هي عمرها ما هتقف في طريق سعادتي ، بس أنا مش هقدر أبقى واحدة منهم بعد ما أخوه عمل كده في أختي ! .. أتجوزه أزاي واتعامل مع عيلته عادي كده يا نور ؟! وطبعا مقدرش أبعده عن أهله .. فمش هيكون قدامي غير أن أختي هي اللي تبعد عني !… وده مستحيل استحمله ولا اقبله.
صمتت نور للحظات تحاول التفكير ببعض الحلول، حتى سألت شهد بحيرة:
_ طب وأنتي قررتي إيه ؟
تنهدت شهد بضيق وكأن جبلا ماكثا على قلبها :
_ مش عارفة أفكر .. ومافيش قدامي غير حلين ، والاتنين أصعب من بعض.
وقبل أن ترد نور وتتابع حديثها دق هاتف شهد برنين اتصال .. أخذته سريعا ووجدت أن المتصل هي شقيقتها رقة، فأجابت شهد بلهفة وقالت :
_ وحشتيني وعايزة أشوفك .. مش آن الأوان تظهري بقا يا رقة !!.
أجابت رقة وهي تجلس بغرفتها الخاصة التي خصصت لها بأتيليه بيلا جود وبعدما استطاعت الهروب من المطعم بأعجوبة دون أن يعثر عليها أشهد :
_ قريب يا شهد ما تقلقيش .. أنتي أخبارك إيه ؟
ابتلعت شهد ريقها بمرارة وودت لو تخبر رقة عن ما بداخلها ولكنها ستدخل بنقاش طويل ليست مستعدة له الآن، فأجابت بهدوء :
_ الحمد لله .. المهم خلينا فيكي أنتي، في جديد ؟
صمتت رقة لبعض الوقت حتى قلقت شهد وكررت السؤال، فروت لها رقة ما حدث خلال ساعة واحدة فائتة، فتعجبت شهد وقالت :
_ كانت فرصة كويسة تتكلموا من غير ضغوط من أي حد ..
دهشت رقة من رد فعلها وقالت بعصبية :
_ نتكلم برضه ؟! .. بعد اللي قولتهولك واللي شوفته النهاردة ؟!.
تحدثت شهد بحدة :
_ ما هو سابها وساب الكل وجري وراكي يدور عليكي ! .. أنتي عايزة إيه يا رقة ؟!… عايزاه يوقف الكون عشان أختفيتي ؟ .. ولا عايزاه يتجنن ويحبس نفسه بين اربع جدران لحد ما تظهري ؟! .. مشكلتك أنك عايزاه يحبك بطريقتك أنتي .. طريقتك دي بقا اللي وصلتك للي انتي فيه دلوقتي .. ورغم كل اللي بتعمليه وشغلك مع بيلا فعايزة أقولك أنك حرفيًا وقفتي حياتك ودنيتك كلها عليه !! ..
صدمت رقة من الانفعال التي تتحدث به شهد وقالت بصوت يبدو أنه على شفا البكاء :
_ أنا أسفة أني لما حبيت اتكلم وأفضفض اتصلت بيكي .. مش هتتكرر تاني يا شهد، دي بيلا اللي المفروض غريبة عني احن عليا منك ياللي المفروض إنك أختي التوأم !!.
وأنهت رقة الأتصال بعد تلك الكلمات، ونظرت نور لشهد بعتاب وضيق، بينما وضعت شهد الهاتف بدموع وقالت :
_ أنا عارفة أني قسيت عليها وهي مش مستحملة ، بس خايفة عليها من التوهة اللي واقعة فيها ، أول مرة أشوف أختي اللي كانت شبه الملايكة بالجبروت ده ! .. أمتى وأزاي اتغيرت للشراسة دي مش عارفة !.
أجابتها نور بتفهم :
_ حبت أوي ، وكانت واثقة أوي، واكتشفت فجأة أنها نزوة ولعبة ليها مدة صلاحية وهتترمي .. دي شافت كلامه صوت وصورة يا شهد!!، أعذريها وأقفي جنبها لحد ما تتخطى صدمتها .. هي لسه مصدومة ومش عارفة هي بتعمل ايه!.
تنهدت شهد وظلت تفكر بعمق، ثم نظرت لنور وقالت بنظرة امتنان :
_ مش عارفة أقولك إيه يا نور على وقفتك جانبي، رغم اللي حصل مع أخوكي ما اتخلتيش عني وبعدتي !.
مازحتها نور وقالت بضحكة :
_ أنا اصلا قولتله من بعد ما شافك أول مرة وسألني عليكي أنه ماينفعكيش ويشيلك من دماغه أحسن .. خصوصا أني عارفة إنك كنتي بدأتي تعجبي بحضرت الضابط حازم.
وابتسمت شهد لها ابتسامة لم تصل لقلبها المثقل بالهموم ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
ودقت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ..
وكان أشهد جالسا على مقعد بشرفة غرفته مرتديا زيا أسود رياضي وعينيه مليئة بالفقد والشوق والغضب منها، ناظرا بشرود أمامه .. حتى انتبه لصوت حازم بعدما فتح باب غرفة أشهد ودخل مباشرةً ، وقال له وهو يجلس بجانبه :
_ شوفت نور أوضتك وأنا داخل من البوابة … لسه صاحي لحد دلوقتي !!.
قال أشهد والغضب ينهش بأعصابه وعقله من تصرفها الغريب :
_ شوفتها ..
اتسعت عينان حازم بدهشة واعتدل بجلسته وهو يسأله بلهفة :
_ وحصل ايه ؟!
ابتسم أشهد بسخرية ممزوجة بالغضب والضيق وأجاب:
_ هربت .. أنا متأكد أني شوفتها بجد وأنها هي … مستحيل أكون بحلم!!
لم يفهم حازم إجابته تماما فقال له باهتمام :
_ احكيلي حصل إيه بالضبط ؟!!
صمت أشهد وهو يسترجع تلك اللحظات، ثم سرد لشقيقه الموقف منذ البداية .. فشك حازم ببيلا وقال :
_ معقول تكون مع بيلا جود دي ؟!
رد أشهد وقال :
_ فكرت في كده، بس إيه مصلحة بيلا تخبي واحدة ماتعرفهاش تقريبا وتورط نفسها ؟! .. ما اعتقدتش أن واحدة زي بيلا هتحب تعمل مشاكل لنفسها بسبب زبونة !!.
قال حازم بعد تفكير :
_ عموما أنا هراقب بيتها واتأكد .. شغلي علمني أشك في الكل لحد ما الاقي الحقيقة .. بس ما يمكن يا أشهد تكون فعلًا بيتهيألك!! .. خصوصا أني عارف ومتأكد أنها وحشتك.
نظر له أشهد بعصبية وهتف :
_ وأنت شايفني مجنون قدامك ولا مريض نفسي؟! .. بقولك عنيها جت في عيني! .. بس مش عارف أزاي في لحظة أختفت !!
وبدا على حازم أن شكه الأكبر في حقيقة رؤية أشهد لرقة ، فيبدو أن أشهد يفتقدها لتلك الدرجة العنيفة التي جعلته يتخيل رؤيتها ، وليس من المعقول أن تختفي بتلك السرعة وبوجود آخرين أيضا!… فقال بلطف :
_ خلاص أهدى ..
تنفس أشهد بغضب شديد وقال :
_ هي خلت فيا عقل ! .. أنا حتى وأنا في شغلي مش عارف أفكر غير فيها وفي اللي وصلناله ! …
كتم حازم قلقه من مصارحة أشهد بما أكتشفه اليوم بخصوص الخادمة، ولاحظ أشهد توتره فسأله بشك :
_ عايز تقول ايه ؟ .. ما تخافش ، لسه ما اتجننتش !.
تردد حازم قبل أن يصارحه حتى قال معترفا :
_ أنا كنت عايز أأجل الحكاية دي عشان ما انرفزكش اكتر .. خصوصا يعني أننا كده كده عارفين أن نهال هي ورا كل اللي بيحصل ده ..
ضيق أشهد عينيه وقال بأمر :
_ في ايه قول ؟!
أخبره حازم بأمر الخادمة التابعة لنهال وكيف تم تصويرهما وهما يتحدثان بسرية بشأن زواجه من رقة وأعترافه الصريح أنها مجرد فترة وستنتهي .. حتى نهض أشهد من مقعده وأطرق على سور الشرفة بشراسة وقال بتوعد :
_ القذرة دي اتعدت حدودها المرادي وهيوصلها ردي قريب .. مش هيعديهالها وهعرفها مين هو أشهد شاهين !.
نهض حازم وقال محاولا امتصاص غضب شقيقه :
_ وأنا معاك يا أشهد .. وصدقني مراتك هترجعلك وكل ده هينتهي.
تسارعت أنفاس أشهد بعنف وعينيه تتوعدان بالانتقام ورد الصاع صاعين في القريب.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وباليوم التالي ..
أتى كريم لمكتب بيلا وبيده باقة فخمة من أثمن الزهور .. ابتسمت بيلا وهي تقبلها منه بلطف، وحينما جلسا بدأ كريم حديثه وعينيه كانت تشعان ببريق ماكر :
_ بصراحة وحشتيني يا بيلا .. جيت أشوفك.
اصطبغ وجه بيلا بحياء شديد وقالت بارتباك :
_ نتكلم في الشغل .. أنا تقريبا وافقت على بنود العقد كلها ، فاضل بس تقرر ننفذ أمتى.
نظر لها كريم بابتسامة متلاعبة وقال مراوغا :
_ موافق مؤقتا نتكلم في الشغل .. خلي المهم لبعدين ، وبالنسبة للتنفيذ هيبقى في خلال أيام .. بس أنتي ناسية حاجة يا حضرت الديزاينر المخضرمة !.
تعجبت بيلا وضحكت وهي تسأله :
_ أنت بتتريق ؟! .. إيه بقا اللي نسياه ؟!
تحدث كريم بأكثر جدية وقال :
_ أزاي نبدأ مشروع زي ده وما نبدأش بحملة تسويق كبيرة ؟! .. حملة التسويق المفروض نبدأها من بكرا يا أستاذة ومنضيعش وقت! … أنا مقر الشركة نفسه فالمكان عندي وجاهز .. فاضل بس الديكور والاثاث وده بقا هسيبهولك تختاريه على ذوقك .. يعني اقل من شهر والمقر هيكون جاهز .. عرفتي بقا المفروض نبدأ تسويق ليه ؟!
اقتنعت بيلا بحديثه وقالت بحماس :
_ حملة التسويق لازم ليها موديلز وإعلانات..
قاطعها كريم بنظرة ماكرة وقال :
_ ووجه إعلاني يا بيلا .. ده اللي بيميز أي حملة تسويق لدار أزياء ، وأنا تقريبًا أخترت واحدة ، التانية اللي هي هتبقى وجه إعلاني للمحجبات هسيبهالك أنتي تختاريها.
انكمشت تعابير بيلا وقالت بعصبية واضحة :
_ ومين بقا دي اللي أخترتها ؟!
ابتسم كريم بغمزة وقال مشيرا لها :
_ أنتي طبعا .. صدقيني مافيش أنسب منك ، هتكوني مميزة أكتر لأنك المسؤولة والمصممة ، وده طبعا ليه حساب تاني غير نصيبك الأساسي .. أنا ناقص أكتب ورثي باسمك يا بيلا.
وضحكت بيلا بمرح وقالت باعتراض :
_ لا ما أقدرش ، مش حاسة أني هنفع وجه إعلاني ، وكمان كفاية المسؤولية اللي هتكون عليا ..
وقال كريم بيأس :
_ الحقيقة أني مش شايف حد أنسب منك ، وعموما هسيبك تفكري ، ولو قررتي في الآخر إنك مش مناسبة يبقى هسيبلك اختيار البنتين .. اختاريهم أنتي بنفسك، أنا ماليش في المواضيع دي.
واحمر خديها بحياء وابتسامة حتى التمع بذهن بيلا شيء وقالته بحماس شديد :
_ أنا قدامي بنت محجبة وشها مناسب جدًا للحملة ..
سألها كريم بجدية وتمنى أن يكون وقع أختيارها على هدفه الأساسي الذي فعل كل هذا ليصل له :
_ دي مين دي ؟!
ترددت بيلا في أخباره عن تفاصيل رقة، ولكنها قالت :
_ صديقة ليا، جمالها دافي ووشها مناسب جدًا للكاميرا .. واسمها رقة.
رجع كريم بظهره للخلف وجلس بارياحية وهو يبتسم وود لو يضحك بأعلى فمه، فقد أتت له دون أي مجهود منه .. وقال كأنه لا يهتم :
_ طالما أنتي شايفة كده خلينا نبدأ بتجارب الكاميرا ونشوف لو كانت مناسبة أو لأ ..
اكدت بيلا بعفوية :
_ صدقني مناسبة جدًا وهتشوف.
ابتسم كريم لها وقال :
_ أنا موافق عليها حتى من قبل ما أشوفها .. المهم أنتي موافقة.
ارتبكت بيلا وهي تبتسم بتوتر ، ثم أخفت ارتباكها وهي تقول بحماس :
_ ويمكن لو وافقت اتشجع أنا كمان وأوافق ابقى الوجه الأعلاني معاها .. هي غير إنها صاحبتي، فهي بقت دراعي اليمين في شغل الاتيليه.
راوغ كريم وقال :
_ نسيبنا بقا من الشغل شوية ونتكلم في المهم
سألته بيلا بتوتر :
_ هو في أهم من الشغل ؟!
أكد كريم وعينيه تقصدها بما يعنيه :
_ الأهم من الشغل هو أنتي يا بيلا .. حابب اتعرف عليكي أكتر، اتكلمي في أي حاجة أنا سامعك.
نظرت له بيلا وقالت بصدق :
_ عايزاك تعرف عني أهم حاجة .. أني مابحبش اللف والدوران ، أنا واضحة وأحب اللي بيتعاملوا معايا يكونوا زيي.
وضعته بمأزق ولكنه رد بذكاء :
_ وأنا برضه زيك كده، لذلك مش بلف وأدور وطلبت منك مباشرةً نتعرف على بعض أكتر وأن ده الأهم عندي .. معرفتك بيا كويس هطمنك في أي ارتباط بعدين ..
تلون وجه بيلا أكثر بسبب الحياء ودق قلبها وأنفاسها المتسارعة بات ظاهرا .. وقالت وهي تنهي تلك المقابلة بابتسامة مرتبكة :
_ هكلمها وأعرف رأيها وهقولك النتيجة ..
أكتفى كريم بما حصده لهذا اليوم ونهض قائلًا :
_ هستناكي .. ومش هضغط عليكي في أي قرار، سواء يخص الشغل، أو يخصنا أحنا الأتنين.
وتشابكت نظراتهما للحظات وبات واضحا أن بيلا انهت خطوة الإعجاب وبدأت بطريق الحب !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعدما وصلت شهد لاتيليه بيلا بالصباح الباكر لمقابلة شقيقتها .. انتظرت لبعض الوقت حتى أتت رقة جامدة الملامح وملتزمة الصمت وعينيها أصبحا قطعتان من الجليد !.
اقتربت منها شهد وقالت والدموع بعينيها :
_ كلامك ليا امبارح خلاني طول الليل بعيط ومصدومة فيكي .. بقا الغريبة بقت أحن عليكي مني يا رقة ؟! .. أنا عملت إيه لكل ده ؟!… ده أنتي حتى سيبتيني مستنياكي أكتر من نص ساعة ولا فكرتي فيا !.
أجابت رقة بجمود :
_ بيلا كانت بتكلمني في موضوع مهم يخصني اتعرض فجأة عليها .. مكنش المقصود أسيبك هنا لوحدك ! ..
ضيقت شهد عينيها بقلق وريبة وسألتها :
_ موضوع إيه ده ؟! .. أنا بدأت أشك فيها وأخاف منها !.
نظرت لها رقة بحدة ودافعت :
_ لا ما تخافيش عليا من بيلا ، لأنها فعلًا أنسانة كويسة ومحترمة وماشوفتش منها غير كل خير ..
صممت شهد معرفة الأمر :
_ موضوع ايه اللي يخصك يا رقة ؟!
وقفت رقة أمامها وقالت بابتسامة منتصرة :
_ هكون الوجه الأعلاني لحملة تسويق لدار أزياء كبيرة هتتأسس قريب .. أنتي عارفة ده معناه إيه ؟ .. معناه أني على بُعد خطوة واحدة من النجاح اللي عايزاه و…
صرخت فيها شهد بعنف وقالت برفض :
_ مستحيل أسمحلك توافقي ، أحنا مش بتوع الكلام ده !! .. الحاجات دي ليها ناسها وبعدين أنتي اتجننتي وعايزة تقلعي حجابك ؟!
تنهدت رقة بنفاد صبر وقالت :
_ مين اللي قالك أني هقلع حجابي ؟!، إذا كان هكون أنا الوجه الأعلاني لقسم المحجبات يا ذكية !! …
أصرت شهد على رأيها وقالت :
_ برضه مش هسمحلك توافقي، أنتي ناسية إنك على ذمة راجل وليه اسمه وسط الناس وغصب عنك لازم تحترميه !!… أنتي بسبب تصرفاتك وعنادك بقيت شايفة أنك غلط في كل قراراتك !!.
سخرت رقة وقالت :
_ وهو كان احترمني ولا عمل لمشاعري أي حساب لما لعب لعبته اللي اكتشفتها بالصدفة !! .. ولا لما شوفته امبارح بيرقص مع واحدة وضحك وهزار وهمسات !! .. ولا عشان ما جري يدور عليا لما شافني هصدق صحيح أني في باله ولا شاغلة جزء بسيط من تفكيره ! … أشهد لو كان عايز يلاقيني فعشان يكمل لعبته مش أكتر !.
هددتها شهد وقالت بحسم :
_ لو وافقتي اعتبري إنك ملكيش أخت .. وبالنسبالي هعتبر أختي ماتت ، لأن فعلا أختي البرئئة الطيبة ماتت جواكي ، واللي قدامي دي واحدة الغضب والأنتقام عاميها ومستعدة تعمل أي شيء يشفي غليلها حتى لو هتقل من نفسها …
ولأول مرة بعمرهما تصفعها رقة بقسوة وتصرخ بها :
_ فعلا بيلا أحن عليا منك .. لإنها لما أختارتني مضغطتش عليا وسابتلي الأختيار واديتني صلاحية أني أحط كل الشروط اللي هتريحني …مش زيك مش شايفة غير أني معمية بالانتقام ، لكن اتغاضيتي أن أختك تتهان وواحد يتجوزها يومين يكيد بيعا حبيبته ويرميها ! .. لو معتبرة أن ده غضب وانتقام فتمام ، ومش ههدى غير لما أعرفه أني مكنتش قليلة ولا رخيصة عشان يفكر فيا كده ..
بكت شهد وهي تتحسس موضع الصفعة وقالت بتصميم رغم ذلك :
_ برضه مش هسمحلك تعملي كده ، ولازم ترجعي البيت وتسيبك من بيلا دي واللي وراها.
رفضت رقة نهائيا وقالت :
_ مش راجعة، ومحدش هيقدر يرجعني عن قراري، ولا حتى أنتي يا شهد.
صدمت شهد من العنفوان والجبروت التي اصبحت عليه شقيقتها والذي على النقيض تماما بطبيعتها الهادئة الحنونة !!.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبكلية الهندسة …
واصلت شهد حضور محاضراتها لهذا اليوم رغم ما حدث بالصباح ، حتى انهت المهام الدراسية لهذا اليوم بشق الأنفس .. وعندما كانت تسير متوجهة للخروج انتبهت لصوت الثلاثي المعتاد وهن يسخرن منها ، حيث قالت نيللي بضحكة عالية ساخرة :
_ شكله كان حوار فيك وخلص … هو مش الفرح برضه المفروض كان من كام يوم ؟!
حاولت شهد رباط الجأش والتحكم بأعصابها الثائرة من الأساس وواصلت طريقها لخارج الجامعة .. ولكنهن لم يتركونها فخرجن ورآها لبعد مترات طويلة من مبنى الجامعة وواصلن السخرية منها .. فألقت شهد الكتب الدراسية من يدها أؤضا بشراسة واستدارت وأصبحت نيللي فجأة تجر من يد شهد التي تسب وتسخط !.
فصرخت فيها نيللي وقالت باحتقار :
_ هو عشان كشفت كدبتك قدام الكل هتموتي مني ؟! ..
وقبل أن تعتدي عليها شهد بالضرب المبرح أنقذ الموقف بتلك اللحظة حازم، وجر شهد من ذراعها وهتف بها قائلًا :
_ قولتلك خليكي بعيد!.
تنفست شهد وهي تنظر لنيللي بشراسة وتريد العودة اليها لتلقينها درسا لن تنساه، فأخفى حازم ابتسامته من مظهرها وقال :
_ أهدى يا وحش البت كانت هتموت في إيدك !.
حاولت شهد التملص من قبضته والفكاك منه ولكنها لم تستطع، ريثما أن نيللي نهضت بصعوبة وهي تبك وتصرخ وأخذها زملائها سريعا لأحدى السيارات … فأمر حازم شهد أن تقف وتنتظره حتى يعود ، وبعدها توجه نحو تلك السيارة وقال لهن شيء جعل الفتيات ينظرن لبعضهن بقلق .. ثم عاد إليها مجددا وقال بجدية :
_ اللي عملتيه ده غلط وكان ممكن تتحبسي بسببه.
صاحت شهد فيه بغضب وقالت :
_ وأنت مالك بيا يا عم أنت اتحبس ولا اروح في داهية حتى ؟!
وبعدها بكت شهد بقوة، وراقبها حازم بصمت ثم قال بلطف :
_ ما تخافيش وراكي أسود مش بس رجالة، أنا حذرتهم أن محدش يقربلك تاني وإلا … وأظن هما فهموا اللي أقصده كويس أوي ومحدش هيضايقك تاني .. بس ممكن أعرف بتعيطي ليه وأنتي اللي فرمتي المسكينة دي يا شرسة!
وابتسم بمرح ولكنها قالت ببكاء وصدق :
_ أنا تعبت وبقيت حاسة أني لوحدي أكتر من الأول ..
شعر حازم أن سبب دموعها يعود لأمر شقيقتها ، فسألها بضيق :
_ لسه مش موافقة تقابله وتكلمه ؟!
أغمضت شهد عينيها وهي تبك ثم قالت بيأس :
_ حتى لو أخوك فعلا حبها ، بس أنا كرهته ، لأن هو اللي وصل أختي للحالة دي .. أنا عايزة أختي يا حازم ، عايزاها زي ما كانت .. أرجوك رجعهالي.
ولأول مرة يرها حازم بذلك الضعف والهشاشة ، فقال برفق وتأكيد :
_ أوعدك كل شيء هيبقى تمام ما تقلقيش .. ومسيرها تعرف الحقيقة.
قالت شهد بحزن :
_ اللي مخوفني أن الكلام مابقاش منه فايدة معاها، يعني لو فضلت أحلف ليها ليل نهار أن أشهد بيحبها مش هتصدقني ! ..
تفهم حازم الأمر وقال :
_ هي محتاجة تكتشف الحقيقة بالفعل مش بالكلام يا شهد ، لذلك أنا متردد أقول لأشهد أني شوفتها مع بيلا في سجل الكاميرا بتاعة المطعم .. عرفت النهاردة أن ليها علاقة ببيلا لذلك جيتلك اتكلم معاكي الأول ونحاول نلاقي حل .. أنا متردد أقول لأشهد لأنه طبعا هيروحلها على طول وهو برضه مضايق جدًا منها .. وأنا بصراحة قلقان من مقابلتهم دلوقتي وخايف تحصل مشكلة كبيرة ما بينهم.
صرخت شهد بخوف وقالت برجاء وتوسل :
_ لا بلاش دلوقتي رقة لو شافته هتهرب تاني والمرادي محدش هيعرف مكانها .. ده غير أنها في حالة عند غريبة ولو جالها ما أضمنش رد فعلها هيكون ايه .. أنا لما الاقي الوقت المناسب هكلمك واقولك .. لو قولت لأخوك يا حازم مكان رقة عمري ما هسامحك.
وافق حازم واقتنع بحديثها، بينما أخفت شهد أمر الحملة الأعلانية، وارتعبت أن يصل لأشهد الخبر وينهي إجراءات الطلاق بلحظة غضب ودون انتظار التحدث معها .. وتضرعت شهد لربها أن تستطيع ردع شقيقتها عن ذلك الطريق قبل أن تخطو فيه أولى خطواتها وتنتهي علاقتها بأشهد نهائيًا..
وعندما عادت شهد للمنزل حاولت مرارا وتكرارا الاتصال برقة ، حتى أجابت رقة أخيرا بعد محاولاتٍ عدة، وقالت دون الدخول بنقاش لا جدوى منه :
_ مش كنتي عايزاني أرفض شغل الحملة ؟ .. أطمني، رفضته !
ابتسمت شهد ببلاهة وقالت بفرحة :
_ بجد يا رقة ؟! .. مش مصدقة والله، أنا كنت متأكدة أنك مش هتعملي كده !
ابتسمت رقة بسخرية وقالت :
_ ولا أنا كنت متخيلة برضه أنك تعملي كده ! .. اقصد يعني ترفضي فرصة زي دي !
لم تفهم شهد ما تقصده شقيقتها، ولكنها لم تعكر صفو فرحتها وظلت تتحدث معها وتدعمها بالكلمات، فسايرتها رقة وقالت :
_ بس هتنقل لمكان تاني هبقى أقولك عليه بعدين يا شهد ، المهم اني طمنتك.
وتحدثان لبعض الوقت وانتهت المكالمة سريعا، فنظرت بيلا لرقة بدهشة وقالت :
_ مش معنى أنك شوفتيها مع حازم يبقى هي كدابة وبتنقله أخبارك ؟!
نظرت رقة لبيلا وقالت :
_ شهد بتحب حازم ، ومش مستبعدة انه زي أخوه بيلعب بيها عشان يعرف مكاني ، وكويس أني كنت رايحة بالصدفة اصالحها في الجامعة وشوفتها معاه .. بس مش فاهمة ليه مقالتليش أنها بتقابله ؟!
ردت بيلا بتعجب :
_ يمكن هو اللي جالها فجأة ؟!
تنفست رقة بتفكير عميق وقالت :
_ أنا هقولها اني في مكان تاني غير هنا ، وكويس أني سيبت البيت عندك يا بيلا ، ده أكتر مكان حازم كان هيراقبه ، لكن هنا انا لا بخرج ولا بطلع مش هيشوفني اصلا ..
سألتها بيلا بصدق :
_ أنا شايفة أن حالة الترقب اللي انتي فيها دي مالهاش داعي ، اظهري واعلني وجودك واتحديه براحتك.
رفضت رقة بعناد وقالت :
_ مستحيل .. مش هيشوفني غير بأمري ووقت ما أحب ، خليه يستناني ويدور عليا .. ويوم ما هيلاقيني ، هيلاقي واحدة تانية !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبالجامعة…
تفاجأت شهد بنظرات الجميع لها، تجاهلت الأمر وظنت أن شجارها بالأمس مع نيللي هو السبب.. بينما تفاجآت شهد بالخبر الذي تداول بين زملائها بأنها على علاقة حب أكيد مع شقيق رجل الأعمال الشهير أشهد شاهين… فخرجت من الجامعة بعصبية واتصلت به عدة مرات حتى أجاب حازم ويبدو أنه كان نائما .. فقال:
_ أيوة يا قلبي .. اقصد يا شهد، ها في ايه؟
اغتاظت شهد منه وهتفت به:
_ بسبب مجيتك ليا هنا كل شوية زمايلي كلهم فاكرينا بنحب بعض ومرتبطين!
ابتسم حازم وتنهد بكسل ثم قال:
_طب ما هي دي الحقيقة!
صاحت فيه شهد:
_ يا أخي فوق بقا واصحى!! .. بقولك افتكروا أن بينا شيء..
اعتدل حازم وجلس بفراشه وقال كاتما ضحكته:
_ أنا هخرس أي أشاعة تطلع علينا!
سألته شهد باهتمام:
_ هتعمل ايه؟
تثاءب حازم ثم رد بابتسامة واسعة وصوت مستفز:
_ هعلن خطوبتنا..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كسرة وضمة وسكون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى