روايات

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم مريم غريب

موقع كتابك في سطور

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم مريم غريب

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الجزء الثاني والعشرون

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك البارت الثاني والعشرون

كرسي لا يتسع لسلطانك
كرسي لا يتسع لسلطانك

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الحلقة الثانية والعشرون

الفصل الثاني و العشرون _ وعدًا قطعته _ :
قبل خمس سنوات …
ضغطت هاتفها بين عضدها و أذنها.. بينما كانت تغلق سحاب حقية سفرها.. و في نفس الوقت تستمع إلى صوت أمها الهادر عبر الطرف الآخر من الخط :
-عمري ما هاسامحك يا شمس.. عمري ما هاسامحك على إللي عملتيه فيا !!
زفرت “شمس البحيري” بضيق شديد لسماعها ذات العبارة المُكررة لمرة لا يحصيها العدد.. تأكدت من إغلاق حقيبتها جيدًا.. ثم ارتمت بجوارها فوق الفراش و هي ترد بهدوء على أمها :
-مامي.. أنا أعتذرت أكتر من مرة
مش عشان نزلت مصر و روحت أشوف عثمان.. لأ
عشان عملت كده من وراكي.. أنا مش فاهمة إيه إللي مزعلك بالشكل ده ؟
أنا أول مرة أسافر لوحدي !؟
انفجرت “رحمة” ساخطة بطريقةٍ أجفلت الأخيرة سأمًا :
-انتي مش بس عصيتي كلمتي.. انتي كسرتي وصية أبوكي يا شمس
أبوكي وصّاكي و هو حيّ ماتروحيش للناس دي و روحتي بردو ..
الحديث بالنسبة إليها انتهى عند هذا الحد.. و لم تعد بقادرة على سماع مزيدًا من التقريع.. فقالت أخر كلماتها بحزمٍ :
-أنا مش عارفة أتكلم معاكي بالطريقة دي يا مامي
بصي.. أنا طالعة حالًا على المطار.. كمان كام ساعة هاكون عندك و ساعتها أتكلمي و بهدليني براحتك
باي.
و أغلقت الخط دون أن تستمع إلى أيّ رد منها ..
ضاق صدرها بنفس الوقت و أحسّت و كأن الغرفة الفسيحة قد خلت من الأكسجين.. و رغم أن السيارة التي طلبتها لتقلّها إلى المطار لن تأتي إلا بعد نصف ساعةٍ تقريبًا ..
لكنها لم تستطع المكوث هنا أكثر.. قامت ساحبة مقبض حقيبتها و جرّتها ورائها متجهة نحو باب الغرفة.. مدت يدها مجتذبة عتلة الباب الفضيّة ..
كانت مندفعة بشكلٍ أهوج.. لدرجة لم تراه في البادئ و هو يقف على أعتاب الغرفة مباشرةً.. اصطدمت به متأوهة بشدة و كاد توازنها أن يختلّ.. لولا أمسك بها في اللحظة المناسبة ..
سقطت الحقيبة للوراء ما إن تركت المقبض من يدها.. لتتشبث غريزيًا بكتفيّ الغريب.. لا !
ليس بغريب ..
رفعت بصرها لأعلى لتتمكن من استطلاع هوية الحائط البشري الذي أعترضها بهذه القوة ..
إنها تعرفه.. تعرف هاتين العينين تحديدًا.. لقد رأتهما مرةً واحدة و لم تنساهما للحظة ..
رأتهما البارحة ..
رباه !
هذا هو.. هو بنفسه.. القرصان الذي سطى عليها ليلة أمس على يخت أخيها و راقصها.. و ليس هذا فحسب.. لقد أبدى نواياه الخبيثة بسرعة أذعرتها و دفعتها للفرار منه في الحال.. كنيّته تلك التي تراها بوضوح بنظرات عينيه الآن …
-انت !!! .. صاحت عبر إطباقة أسنانها
و دفعته عنها على الفور.. فأفلتها برضاه.. تراجعت “شمس البحيري” خطوتين للخلف.. بينما اتعدل “رامز الأمير” في وقفته ببطءٍ مسوّيًا ياقتيّ قميصه بيد.. و في يده الأخرى يرفع باقة الزهور قانية الحمرة مدققًا أيّ عطب صار لها ..
لحسن الحظ.. لا زالت سليمة.. مثالية.. يفوح منها عبيرٌ زكي للغاية …
-مساء الورد على أحلى وردة !
قالها “رامز” مبتسمًا تلك الابتسامة التي يعتمدها لإذابة قلب أعتى النساء و الفتيات جاذبيةً و غرور ..
بمجرد أن نطق و لامس صوته حسّيتها السمعية.. ضاعت في تأمل تفاصيله مجددًا ..
كيف لرجل مثله أن يكون بهذه الجاذبية و الفتنة.. و الخطورة !!
بدءًا من عينيه الزرقاوين.. انتهاءً بذوقه في الزياء.. قميصه المنشّى أسود اليوم.. قد أدخله بسرواله الجينز الغامق.. و أحاط خصره بحزامٍ من جلد السِباع.. النمور على وجه التحديد ..
بالأعلى رأت قلائد ذهبية مدلاة من عنقه الصلب الطويل إلى صدره البارز من وراء تلابيب القميص.. إن شكله أمس و الآن رغم وسامته الفطرية.. إلا إنه لم يمنع حذرًا ما بداخلها عن تنبيه غرائزها ..
هذا الرجل خطير.. أجل كان مدعو إلى حفل أخيها.. مختلطًا بالطبقة العلية و ربما يكون مثلهم ثريًا ذو مستوى رفيع.. لكنه لا يزال.. خطر !
لم يصارحها أبدًا بطبيعة عمله و لم يتحدث عن شخصه مطلقًا.. ما أتاح لمخيّلتها افتراضات بشأنه كارثية ..
فهل هو زعيم عصابة ؟
تاجر مخدرات ؟ .. أسلحة ؟
أو الأسوأ ..
تاجر هوى.. يصطاد التفيات الحسناوات ليتاجر بهن و يستمتع معهن في آنٍ ..
محتمل أن تكون على خطأ تمامًا.. و يمكن أن يكون كل ما تفكر فيه.. و بين هذا و ذاك ..
يظل الرجل وسيمًا.. ساحرًا.. تخشى إن فرض غوايته عليها أن يسلبها إرادتها ..
ما جعلها تتساءل.. إذا قام بخداعها هل ستصدقه ؟
-على فكرة اسلوبك قديم اوي ! .. عقّبت “شمس” بجفاءٍ لا تعلم كيف اعتمدته حتى
رفع حاجبه تعبيرًا عن دهشته.. و قال بهدوء :
-معقول.. شايفة أسلوبي قديم ؟
إللي عرفته منك ان حياتك كلها كانت برا مصر.. يعني الغزل القديم هنا بالنسبة لك المفروض يبقى جديد لانج !
لوت شفتيها و قد استفزها هدوئه.. لتهتف مسيطرة على حنقها بصعوبة :
-بقولك إيه.. أنا مش فاضية لك عندي طيارة بعد ساعتين
انت إيه إللي جابك عندي أصلًا و عرفت رقم أوضتي إزاي ؟
شعّت على وجهه ابتسامة جانبية و هو يجاوبها :
-أولًا انتي تنسي طيارنك دي خاالص.. مافيش سفر
ثانيًا.. سألت الريسبشن عنك.. و عرفت رقم الوضة بسهولة.
شمس باستنكار : إزاي فندق زي ده يسرّب معلومات النزلاء ؟
مستحيل !!
-صدقيني حصل.. أنا ليا أسلوبي الخاص.. و لحسن حظي
البنت إللي ماسكة الريسبشن ماستحملتش خمس دقايق من المغازلة إللي قولتي عليها قديمة.. قالت لي كل المعلومات إللي عندها عنك.. مش ناقص كانت تديني نسخة من مفتاح أوضتك لو طلبت ..
و مضى ضاحكًا بطريقة أثارت غيظها.. ثم ما لبث مزاجه المرح أن إنحسر فجأة.. ليسألها بجدية :
-صحيح انتي إزاي ماقولتليش إنك من عيلة البحيري ؟
اجتاحتها رعشة قوية جرّاء عبارته الأخيرة.. بأعجوبة كبحت اضطرابها و قالت بثباتٍ متقن :
-أنا ماقربش ليهم و لا حتى من بعيد.
رامز بغرابةٍ : إزاي ؟
الريسبشنست قالت لي أسمك.. شمس يحيى صالح
انتي أخت عثمان البحيري صح ؟
ردت أسرع مِمّا يجب :
-ده مجرد تشابه أسماء.. أنا أسمي شمس يحيى صالح الطوبجي !
هكذا ذكرت لقب جدّها لأمها.. “جابر الطوبجي”.. جاء على خاطرها كطوق نجاة و قد صممت أن يبدو إدعائها حاسمًا لا يقبل الشك ..
لم تختلج عضلة بمحيّاها.. بينما يومئ “رامز” متنهدًا بارتياح جمّ :
-طيب هايل جدًا.. طمنتيني و الله.
شمس باقتضاب : يعني إيه طمنتك ؟
-أصل عثمان البحيري صاحبي.. لأ و أكتر من صحاب
ف أنا كنت شايل الهم أول ما سمعت أسمك الثلاثي ..
و أكمل لاعقًا شفته السفلى بطرف لسانه.. ذات الفعل الذي رأته أمس و تأذت مشاعرها :
-انتي عجبتيني.. و في نفس الوقت تطلعي أخت صاحبي !
عصفت كلماته بكيانها للحظاتٍ طويلة حوصرت خلالها بين التوتر و الصمت.. لكنها حشدت عزيمتها أمام سلطان هيمنته الذكورية العاتية و صاحت بعصبيةٍ :
-و أفرض كنت أخت صاحبك.. أو ماكنتش أصلًا
انت عايز مني إيـه !؟؟؟
-عايزك !
كلمة واحدة قالها.. ثم كأنما سأم التباعد عنها.. خطى للأمام بإصرارٍ ..
فقفزت متراجعة إلى داخل الغرفة.. دلف “رامز” راكلًا الباب بقدمه.. وضع باقة الزهور فوق أول طاولة قابلته دون أن يزيح ناظريه عنها لثانية واحدة …
-انت مجنوون !!! .. صرخت فيه
أومأ موافقًا إيّاها :
-انا مجنون فعلًا ..
و قبل أن تفكر بالالتفات إلى أيّ مكان لتفر منه.. قبض على رسغيها بقوةٍ.. لم تبرح الصرخة حدود حنجرتها.. تسمّرت فجأة حين ركع على ركبةً واحدة أمامها ..
رفع “رامز الأمير” رأسه لينظر إليها قائلًا بنظراتٍ متضرعة.. آسرة :
-أنا مجنون بيكي.. من أول ما شوفتك.. مارفعتش عنيا عنك
أسألي على رامز الأمير.. هاتعرفي إن عمري ما مشيت خطوة لواحدة.. بس مشيت ليكي انتي يا شمس.. أيوة عجباني.. و عايزك.. أرجوكي.. من فضلك.. إديني فرصة واحدة بس !
المشاعر.. الحالة الغريبة التي تبثها كلماته.. كل هذا تخوضه لأول مرة بحياتها ..
لبرهةٍ خالت و كأنها دهرًا.. بقيا يحدقان ببعضهما.. إلى أن نطقت أخيرًا بصوتٍ أقرب للهذي :
-فرصة لإيه يا رامز ؟
احنا مافيش حاجة بينّا أصلًا.. و لا أي حاجة !
قام “رامز” واقفًا قبل أن يرتد لها طرفها.. أجفلت بينما لا يزال ممسكًا برسغيها.. يدفعها بظهرها حتى وضع الحائط خلفها حدًا لتراجعها ..
أفلتت آهة لا تنم عن أيّ ألم من بين شفتيها.. نظراتها متعلّقة بنظراته حتى اللحظة.. يوشك ما كانت تخشاه على الوقوع.. إنها مستسلمة تمامًا بين يديه …
-هايبقى في ! .. تمتم “رامز” بصوته الرخيم
مقربًا جسده من جسدها بشدة و لكن دون تلامس.. كانت تحس فقط بالحرارة المنبعثة منه تكاد تحرقها.. لكنها تحب ذلك ..
بل أغمضت عينيها فجأة.. مستعذبة لمساته على طول مرفقها.. لأعلى ذراعها.. ثم كتفها.. لمسات كالريشة.. كأنه ينوّمها مغنطيسيًا و هو يضيف باسلوبه المقنع :
-أنا هانفذ كل شروطك.. هانعرف بعض كويس.. أنا مش طالب منك أكتر من فرصة
شهر واحد بس.. خليكي هنا معايا.. شهر يا شمس.. و لو حسيتي بعده إنك مش حابّة الموضوع كله هابعد.. أوعدك إني هابعد و مش هحاول أقرب لك تاني.. أرجوكي توافقي.. و إلا هايجرالي حاجة بجد !!
الضعف العام الذي تستشعره الآن.. في قربه.. إنه أجمل شعور راودها على الإطلاق.. لم يأتي رجل يجعلها تشعر هكذا.. يبدو إنه قد أتى الآن ..
لا زالت “شمس” تمهل نفسها فرصة لتعثر على كلماتٍ مناسبة.. و تزدرد لعابها الذي سال تأثرًا بمفاتنه و شذى عطره الثقيل الذي يلف رأسها و يخدّرها ..
قالت هامسة و كأنها تتمنى لو إنه لن يسمع ما ستقوله لأنها حتمًا سوف تندم عليه لاحقًا :
-رامز.. انت كمان
عاجبني !!
**
بأوامر من سيد المنزل.. تم نقل حقائب عائلة “مراد أبو المجد” إلى جناح آخر غير الذي تسكنه أخته نصف الشقيقة.. و قادت كبيرة الخدم أفراد العائلة إلى مساكنهم ..
أما “عثمان البحيري” الذي خلا وجهه و ذاته كليًّا من أيّ تعبير حيوي.. لم يبرح مكانه ببهو القصر.. يجلس هناك منذ غادرت أمه و لحق بها “مراد” ..
صورتها تطارده.. تعذّبه.. صوت بكائها يؤلمه بشدة و كأن هناك قبضة قاسية تعتصر قلبه و تأبى أن تتركه ..
هل كان ليخطر هذا على باله بيومًا من الأيام ؟
أن يخذل أمه.. أن يبكيها و يسبب لها هذا الألم الجسيم !؟
لقد حدث اليوم.. و هو بنفسه الذي طالما صدّ عنها الأذى و حماها من كل شيء كما حمته و رعته في صغره.. فشل اليوم بحمايتها و خيبة عمرها ..
السيدة “فريال المهدي”.. أمه.. حبيبته الأولى.. حبّه الأكبر.. و الأبدي.. أغلى الناس على قلبه ..
لقد نبذته.. و يخشى إنها كانت تتحدث بجدية.. بجدية كبيرة …
-عثمان !
انتزعه صوت صديقه من أفكاره الشاردة.. نهض “عثمان” واقفًا ليستقبل “مراد” الذي اجتاز مدخل الباب و سار صوبه مباشرةً ..
بدون أيّ كلمة.. تعانقا عناق الأخوين.. و هما كذلك فعلًا.. كلاهما يعتبر الآخر بمثابة أخًا له ..
تباعدا بعد نصف دقيقة تقريبًا.. و كان أول ما قاله “عثمان” بصوتٍ مثخنٌ بالقلق :
-أمي يا مراد.. راحت فين فريال هانم ؟؟
طمأنه “مراد” رابتًا على كتفه :
-ماتقلقش يا عثمان.. أنا وصلتها بنفسي للأوتيل
و ماسيبتهاش إلا لما أطمنت عليها و حجزت لها بنفسي أوضتها كمان.. أطمن.
أومأ “عثمان” مرارًا.. ثم تساءل دون يتراخ عبوس وجهه شعرةً :
-ماقالتش حاجة ؟
هز “مراد” رأسه قائلًا :
-مانطقتش طول الطريق.. قالت بس عايزة تروح فين
كانت بتحاول تمسك دموعها بس !
أغمض “عثمان” عيناه بقوة حين وخزته الكلمات بعمق فؤاده ..
تنفس بثقلٍ جمّ و قد واجه حقًا صعوبة في التنفس.. ما أثار قلق “مراد” الذي قال فورًا :
-عثمان.. انت كويس !؟؟
لم يرفع “عثمان” رأسه فورًا.. بل أمسك برسغ “مراد” و ضغط عليه يطمئنه.. ثم نظر إليه ببطءٍ قائلًا بهدوء :
-قولي هي فين ؟
-هقولك.. هقولك إللي عايز تعرفه كله
بس فهمني الأول في إيه ؟ .. إيه حكاية شمس أختك دي ؟
طلعت منين ؟ .. و إيه إللي بينك و بين رامز الأمير ؟
أنا نازل مخصوص لما كلّمني و قالّي إن بينكوا مشكلة مش هاتخلص إلا بموت حد فيكوا !!
تستوحش نظرات “عثمان” الآن و يغدو صوته أكثر عداءً :
-و عنده حق.. لما يكلمك تاني قوله أحسن له يبعد عن أختي
و إلا هو عارف كويس أنا أقدر اعمل فيه إيه.
مراد بدهشة : للدرجة دي يا عثمان !؟
إيه إللي حصل لكل ده ؟
عثمان.. ده رامز.. رامز صاحبنا.. احنا التلاتة عارفين بعض من سنين إيه ممكن يقلبكوا على بعض كده ؟؟
صاح عثمان بغضبٍ :
-مـراد.. النقاش في الموضوع ده منتهي بالنسبة لي
شمس أختي.. مش هاتتجوز رامز الأمير.. و لأخر مرة بقولك تقوله.. لو فكر يقرب ناحيتها.. أنا هاقتله.. مش بهزر.. هاقتله !!
إنه يعرف صديقه كفايةً ليدرك تمامًا بأنه لا يقول هزلًا.. “عثمان البحيري” لا يمزح الآن.. و يبدو حقًا أن الوضع بين الأصدقاء ليس على ما يرام ..
المرة الأخيرة التي اجتمع ثلاثتهم كانوا على أتم وفاقٍ و وئام.. ماذا حدث ؟
و لماذا يرفض “عثمان” نسب “رامز” ؟
لقد تناسبا فيما مضى عندما أقترن “مراد” بابنة عمه الراحل.. “هالة رفعت البحيري”.. ما الفرق بين “مراد” و “رامز” ؟
لماذا يرفضه بهذا الشكل الصارم !!؟
-تسمحلي أخرج من هنا و أخد بنتي في إيدي ؟؟
كان هذا الصوت لامرأة.. كان لـ”رحمة” تحديدًا ..
انضمت إلى المشهد فجأة و تعلّقت فورًا نظرات “مراد” بها فضولًا.. بينما يستدير “عثمان” ليواجهها قائلًا بحدة :
-قلت لك قبل كده يا رحمة.. لو عايزة تمشي أنا مش مانعك
بس شمس مش هاتخرج من البيت ده إلا على بيت جوزها.
وقفت “رحمة” على بُعد ذراعين منه.. في ثوبًا أنيقًا يبرز مفاتنها الأنثوية.. يُعزز لون بشرتها الخمرية بلونه الزيتوني المزركش ..
اتّسمت ملامحها بالجدية و هي تقول :
-أنا من أول يوم وافقت تكون تحت رعايتك.. لأني واثقة إنك قادر تحميها من الصايع ده إللي عايز يضحك عليها.. لكن إنهاردة اكتشفت إنك مش هاتقدر تحميها من الست والدتك
و أنا استحالة أسمح لأي حد مهما كان يقرب من بنتي أو يئذيها ! .. و أكملت بتقريرٍ شامخة الرأس :
-أنا هامشي زي ما قلت لك.. و شمس هاتيجي معايا
أنا أمها.. و هقدر أخد بالي منها كويس يا عثمان.
-خلصتي ؟ .. سألها دون أن ينفك عن النظر إليها باستخفافٍ
ثم قال بهدوئه المعهود :
-أخر كلامي انتي سمعتيه.. و مش هاكرره تاني يا رحمة.. شمس وصية أبويا
أختي.. أختي أنا.. أمها على عيني مش مانعك تكلميها أو تشوفيها
لكن تاخديها و تمشي.. إنسي.. أنا إللي مش هاسمح لك يا رحمة.
لفتها رعشة طفيفة من رأسها لأخمص قدميها.. كلّما نطق أسمها و نظر إليها بهذه الطريقة.. تخال و كأن “يحيى البحيري” قد قام من الأموات و عاد ليتجسّد فيه مرةً أخرى ..
زمت “رحمة” فمها قائلة بتزّمتٍ حانق :
-طيب بص بقى يابن يحيى.. أنا هامشي و هاسيبها لك
بس عايزاها تكلّمني و تقول ان أي حد اتعرض لها.. شمس خط أحمر.. و منغير تحفظات لا انت و لا فريال هانم و لا ميّة زيكوا يقدروا يلمسوها طول ما أنا عايشة.. أنا رحمة.. أنا تربية يحيى البحيري.. تربية أبوك !
أسفرت هذه الخطبة القصيرة التي ألقتها بسرعة تباعًا عن احمرارًا قوي افترش محيّاها.. و تسرّت اللهاث عبر فمها و هي ترنو إليه بنديّة سافرة ..
ران الصمت بينهما لبضع ثوانٍ مطوّلة.. و تحت أنظار “مراد” الذي وقف يراقب ما يجري بينهما بذات الفضول ..
من جهة “عثمان”.. بدا هادئًا للغاية و هو ينظر في عينيها بتلك الطريقة التي دائمًا ما تهدد ثقتها.. لكنها الآن لم تكن تحفل لأيّ شيء سوى ابنتها و سلامة وضعها هنا بعد ذهابها ..
قال “عثمان” فجأة باسلوبه البارد :
-انتي تربية يحيى البحيري.. لكن أنا بقى أسمي عثمان البحيري
عثمان البحيري واحد بس في العيلة دي.. لا يشبه أبوه و لا عمه و لا أي راجل اتخلق و عاش هنا.. خليكي تحت إيدي أحسن يا رحمة.. و ماتخلنيش أحطك في دماغي.. إللي بيني و بينك شمس ..
و شملها بنظرة دونية أخيرة قائلًا :
-مع السلامة يا.. مرات أبويا !
و أولاها ظهره ماضيًا نحو الخارج و هو يهتف :
-يلا يا مراد.
تبعه “مراد” على الفور.. لتبقى “رحمة” بمفردها الآن.. تتميّز حنقًا من قوة و سيطرة هذا الرجل الذي خرج من ظهر زوجها الراحل ..
إنه حقًا أعتى منه بمراحل.. لقد مات “يحيى البحيري”.. لكن على ما يبدو أنه قد حرص على أن يترك خليفةً له.. أهلٌ لثقته و جديرٌ بكل ما تركه من سلطة و نفوذ ..
إنه يستحق كل هذا.. هو فقط و لا غيره …
**
باءت كل محاولاتها ببدء أيّ حديث معه بشأن حفل زفاف خالها ..
لقد وعدت الأخير بأنها ستحضر.. و ستفي بهذا الوعد مهما كلّفها الأمر.. و لكن كيف تقنع زوجها صعب المراس ؟
إن ما بين “فادي حفظي” و “نبيل الألفي” ما يفوق العداوة و البغضاء.. لقد كاد “نبيل” أن يعتدي على “سمر حفظي”.. لولا أنقذها زوجها باللحظة الأخيرة.. و كان إنتقام “عثمان الحيري” لأجلها حدثًا تداولته الصحف و المجلات لفترةٍ ..
لقد سلب منه كل شيء.. و جعله يبتدئ حياته العملية من الصفر.. و ها هو يزهر من جديد ..
بل و يتزوج.. لم تصدق “هالة البحيري” أذنيها حين أخبرها خالها بموعد عقد قرانه و حفل زفافه معًا.. لقد بكت فرحًا لأجله.. و لا بد أن تشاطره سعادته.. إنه الأقرب إليها الآن ..
بعد وفاة أبيها.. و هجرتها مع زوجها بعيدًا عن أخيها و ابن عمها الذي لم ينفك منذ كانت تطارده بحبّها أن يلقيها إلى أول رجل طالبًا لها ..
خالها “نبيل” هو من دعمها.. وقف في صفها دائمًا.. و هي تثق به أكثر حتى من ثقتها بزوجها و والد صغيرها …
-أنا مستنيكي !
أفاقت “هالة” من شرودها محدقة بـ”فادي”.. كان يجلس قبالتها.. يستطلع حاسوبه الخاص بينما تصنع هي سندويشات الفطور لأجل صغيرها و عمته قبيل ذهابهما إلى المدرسة ..
تمتمت “هالة” باستفهام :
-بتقول حاجة يا فادي !؟
رد عليها “فادي” دون أن يحيد بعينيه عن الحاسوب :
-بقالك ساعة عايزة تقولي حاجة و مترددة.. أنا حافظك يا هالة
يلا قولي.. أنا سامعك.
رفرفت بأجفانها مضطربة من حسّه الفذّ.. لكنها لم تنبس بكلمة.. ليرفع بصره الآن ناظرًا إليها :
-أتكلمي يا هالة.. ماتخبيش عني حاجة.
أجل ..
هذه فرصتها يقدّمها إليها.. و قد وفر عليها سيلٌ من المقدمات على أيّة حال ..
تنفست “هالة” بعمقٍ.. ثم قالت بشجاعة :
-فادي.. فرح خالو نبيل الخميس الجاي
و أنا هاحضر !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كرسي لا يتسع لسلطانك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى