رواية كبير العيلة الفصل السادس عشر 16 بقلم منى لطفي
رواية كبير العيلة الجزء السادس عشر
رواية كبير العيلة البارت السادس عشر
رواية كبير العيلة الحلقة السادسة عشر
وقفت سلمى عاقدة ذراعيها أمامها قاطبة جبينها بينما وقف شهاب على مسافة غير بعيدة عنها وهو ينفث نارا من فمه وأنفه على حد سواء فيما تلمع عيناه بشرر مستطير, بينما وقفت سلافة تنقل نظراتها الى اليمين حينا حيث تقف سلمى مشيحة برأسها الى البعيد مولية إياهما جانب وجهها, والى اليسار حينا آخر حيث ذلك التنين الغاضب, رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها وهي تقول مرحبة بشهاب في حين كانت تسترق النظر الى أختها:
– أهلا يا شهاب, حمد لله على السلامة, ايه المفاجأة الحلوة دي؟!
تحدث شهاب بصوت خشن بينما عيناه مسلطتان على تلك العنيدة المشيحة بوجهها الى البعيد:
– الله يسلمك يا سلافة, هي المفاجأة حقيقي كانت بالنسبة لي أنا كمان!, بصراحة استغربت جدا لما عمي رؤوف قاللي انكم هنا في مصر والدكتورة هي اللي جاية بيكم سايقة المسافة دي كلها لوحدكم..
تجاهلته سلمى تماما بينما استشعرت سلافة ذبذبات توتر تملأ الجو فأجابت محاولة التخفيف من حدة التوتر التي ملأت المكان من حولهم:
– بصراحة أنا السبب, فيه حاجات خاصة بشغلي كنت لازم أنزلها مصر, وسلمى ما رضيتش تسيبني أسافر بالقطر لوحدي, فجينا سوا خصوصا أنها عارفة انه العربية هتريحنا جامد في المواصلات سواء للشركة عندي او المستشفى عندها..
قال شهاب وهو لا يزال يطالع تلك الباردة والتي كأنها تعاقبه ببرودها هذا:
– بس مش المفروض يكون فيه حج معكم؟, الطريق من كفر الخولي لهنا طويل أوي, والسكة مش أمان, أديكي شوفتي اللي حصل لراضي ابن عمي الله يرحمه, الموضوع مش مستاهل مجازفة..
مرة أخرى كانت سلافة من تجيبه وهي تنظر الى أختها برجاء أن تنطق ولو بحرف واحد:
– ما انت كنت في أسيوط يا شهاب, ومحبناش نقلق حد معانا, وبعدين بابا وافق, احنا جينا بالنهار ولما لاقينا الوقت إتأخر قلنا نبات هنا ونرجع بكرة الصبح إن شاء الله..
نظر اليها شهاب وقتها وسأل ببرود وهو ينظر اليها بغموض:
– وغيث؟
اضطربت سلافة لثوان ولكنها سرعان ما حاولت تمالك نفسها وأجابت بتلعثم طفيف:
– ماله غيث؟!
أجاب رافعا حاجبه بسخرية:
– ما قولتلوش ليه؟, غيث ميعرفش انك سافرتي انهرده واتفاجيء زيي تمام وعمي رؤوف بيقول قودامه لجدي انكم هتستنوا هنا انهرده وترجعوا بكرة, هو مش المفروض غيث دا يبقى خطيبك زي ما الهانم اللي واقفة هناك دي تبقى خطيبتي؟, يعني الأصول تقول اننا أول ناس نعرف انتو رايحين فين, ولا أنتو مالكوش كبير يا بنات عمي؟!
الى هنا ونست سلافة أي كلام عن احترام الضيف وطارت محاولتها لتهدئة الوضع المتوتر الذي يسود المكان أدراج الرياح والتفتت الى شهاب ناظرة اليه بسخط وهتفت بحدة:
– أولا أحنا كبيرنا بابا.. ربنا يخليه لينا, تاني حاجة بقه كون ان انت واخوك خطبينّا مش معناه اننا غنم ما نتحركش الى لو سمحتوا لنا, وبعدين عشان تعرف الخطوبة ممكن تتفشكل في ثانية مش عشان خطبتونا يبقى تحجروا على انفاسنا!
رفع شهاب عيناه ناظرا الى الأعلى وهو يهمس في سره:
– ربنا يكون في عونك يا غيث, هتتصرف مع المدفع السريع الطلقات دا ازاي؟!, ايه نار وهيت مرة واحده؟, والتانية واقفة زي التمثال, كمية برود ما حصلتش, بس أنا بقه هشوف أخر البرود دا ايه, وبالنسبة لك يا آنسة كبريت غيث أخويا هو اللي يشوف له صرفة معاكي!.
سكتت سلافة في انتظار سماع رده ولكنه وقف صامتا يطالع في لسمى التي بدأت واجهة برودها بالاهتزاز ما إن هاجمها هي وشقيقتها وفرحت عندما سمعت جواب أختها عليه, نظرت سلافة اليهما وزفرت حانقة وهي تقول بينما تهم بالانصراف:
– اليوم انهرده كان طويل أوي, وواضح كدا ان الليلة دي أطول, أنا هستأذن وأروح أنام خلي اليوم دا يخلص بقه!..
وانصرفت تاركة سلمى وهي تنظر في عقبها بينما شفتيها مزموتين حنقا من تركها لها بمفردها معه, نظر شهاب الى سلمى وقال ساخرا:
– ايه.. مش عاوزة تنامي انتي كمان خلي اليوم دا يخلص؟.
نظرت اليه لأول مرة منذ أن دخلا الى غرفة الجلوس سويةأو تحديدا منذ أن لحق بها الى هنا بخطواته الغاضبة, أنزلت ذراعيها جانبها وقالت ويه تحرك كتفيها بلا مبالاة:
– لما أكون عاوزة أنام هروح أنام مش هستنى عزومة من حد!, بس هو السؤال المفروض يكون…
وسكتت ناظرة اليه بحدة متابعة:
– انت مش شايف انه الوقت متأخر اوي على الزيارة؟, وبعدين بأي حق تيجي لنا في وقت زي دا؟, وزي ما سلافة قالت احنا واخدين الإذن من بابا غير كدا ما حدش له الحق يعاتب أو يلوم أو حتى يطالب بحق مش من حقوقه!..
اقترب منها شهاب قليلا وهو يردد مقطبا:
– إيه؟, مش من حقي اني ألومك انك خليتيني آخر من يعلم؟, مش من حقي أني أعاتبك انك بتتصرفي ولا كأن ليا أي صفة في حياتك؟..
ثم ارتفعت وتيرة صوته وهو يشير بسبابته اليها من أعلى إلى أسفل مردفا بنزق:
– مش من حقي أني أقولك ازاي يا هانم تسمحي لنفسك انك تفتحي الباب في وقت زي دا وانتى واختك لوحدكم لا.. وباللبس دا كمان؟, مش من حقي؟!..
ليصيح عاليا في آخر كلماته, فابتلعت ريقها بصعوبة محاولة تمالك نفسها وأجابت حانقة من نفسها لأنها أحست بالخوف لوهلة من صراخه بها:
– آه مش من حقك!, مش من حقك انك تعد عليّا أنفاسي يا شهاب, مش من حقك الحصار اللي انت عاملهولي دا؟, دا حتى الشغل.. حتى العيادة مش سايبني براحتي, أنا.. تعبت!, تعبت وأعصابي تعبت, عاوز تعرف بجد انا جيت من غير ما أقولك ليه؟.
نظر اليها مستفسرا فتابعت بابتسامة مريرة:
– جاية هربانه منك يا شهاب.. ارتحت؟!
قطب متسائلا بحيرة وقد خف غضبه:
– ايه؟, هربانه مني؟
أجابت بينما تشققت واجهة برودها بالكامل:
– أيوة, هربانة من حصارك ليا, شهاب انت مش مديني فرصة أعرف أنا عاوزة إيه بالظبط وأشوف أنا رايحه لفين؟, من ساعة ما اتقدمت لي وأنا حاسة كأن شريط فيديو بيمر قودامي بسرعة رهيبة, أنا كأني منقادة, مش بفكر بدماغي.. لأ, بفكر بدماغك انت وبعمل اللي عاوزه انت, وأنا مش كدا!, أنا طول عمري قراراتي بتكون نابعة مني أنا, حتى لو فيه قرار مش مقنع بالنسبة لبابا كان بيقعد ويناقشني فيه ويقنعني بوجهة نظره, لكن انت بتشدني في طريقك ومن غير ما تديني الفرصة اني حتى أسألك احنا رايحين فين ولا ماشيين إزاي, ودي حاجة عمرها ما حصلت معايا حتى لما كنت مخطوبة لأحمـ…
ليقطع شهاب المسافة الفاصلة بينهما في خطوتين اثنين ويغطي فمها براحته في أقل من الثانية باندفاع فاجئها وقبض بيده الحرة على ذراعها الأيمن ليهمس بغضب عنيف شرس يخرج من بين أسنانه المطبقة:
– جربي كدا تنطقي اسمه تاني أو تجمعي نفسك معاه في جملة واحدة وانت تشوفي اللي هيجرالك بجد!
كانت تنظر اليه بعينان مدهوشتان بينما غاصت عيناه في غابات الزيتون التي اشتد لونها دليلا على انفعالها, كانت انفاسها تخرج متقطعة تضرب يده, فيما استشعرت راحته ليونة شفتيها الناعمتين تحتها, فأزاح يده بتلكؤ بعيدا عن فمها لتسقط عيناه على ثغرها الوردي وتتهدج أنفاسه, بينما تقف بين يديه كالمشدوهة لا تعرف ماذا أصابها ما أن طالعت سرمدي عينيه, هي لا تريد هذا الشعور, إنه يخيفها وبقوة, فمعه لا تعرف موضوع قدميها, لم يسبق لها وأن اختبرت ارتفاع نبضات القلب بهذه الصورة, ولا شعرت بدمها يسل ساخنا في عروقها ليخضب وجنتيها بدماء الخجل وهي ترى نظراته التي تكاد تلتهم صفحة وجهها وهي ترتفع لتغوص في عينيها حينا ثم تهبط لتتلكأ على ورديْ شفتيها أحيانا!…
أسدلت أهدابها هربا من نظراته التي أشاعت الفوضى في أطرافها, بينما وقف هو مذهولا لا يستطيع تصديق ما حدث حالا!, ربّاه… لقد ضربته الحقيقة كالصاعقة ما أن أقترب منها حتى أصبح يشتم أنفاسها ليغرق بعد ذلك في زمرد عينيها, بينما يده تستشعر رقة عظام ذراعها أسفل قبضته, لقد أخبرته دقات قلبه المتقافزة عاليا عندما استشعر نعومة ثغرها الوردي تحت راحته, تلك الشرارة التي اندلعت في سائر جسده ما إن طالعته بتلك النظرة المشتتة الضائعة الأن وهي بين يديه سرقت قلبه, وجعلت حقيقة ما يشعر به تضربه كالصاعقة الرعدية بينما أضاء مسمى هذا الشعور في عقله كالبرق… فهذا الأحساس لا يوجد اسم صحيح له سوى… الحب!, نعم.. هو يحبها, يحبها بكل قواه, يحبها بكل دقة من قلبه تتلو اسمها وهي تتقافز في خافقه ما أن يراها, بل هو يكاد يجزم أنه قد تجاوز مرحلة الحب الآن الى… العشق!, نعم فهو يعشق كامل تفاصيلها, يعشق تقطيبة حاجبيها حنقا منه, يعشق برودها تلك القشرة تالواهية التي تغلف نفسها بها وهي لا تعلم أنه يعلم أي كيان هش تحاول حمايته ببرودها المفتعل ذاك!..
يعشق حتى أحرف إسمها… س ل م ى ….., أغمض عينيه مرددا اسمه بخفوت وكأنه يتهجاه … بأحروف منفصلة.. س ل م ى …
لتسمعه فتهمس بتساؤل رقيق:
– نعم؟.
فتح عينيه يطالعها بنظرات براقة وقد بدأت ابتسامة سعيدة في الظهور لترفع أعلى شفتيه المحاطتان بشارب ولحية خفيفة وأجاب:
– لا أبدا, بس كنت بدوق اسمك!, تصدقي اسمك طعمه حلو أوي!
حدقت به في دهشة وذهول وحاولت الابتعاد عنه محاولة جذب ذراعها من قبضته وهي تتمتم مفتعلة الحنق بينما خجلها ما يجعل الحروف تتعثر فوق لسانها:
– إنت.. إنت مش.. مش هتبطل……
ليقبض على ذراعها الحرة الأخرى جاذا اياها له وهو يجيب بابتسامة صغيرة ناظرا في عمق عينيها بنظرة جعلت دقات قلبها تتقافز بقوة حتى أن أنفاسها قد تعثرت:
– مش هبطل ايه ها؟, خطيبتي ومن حقها عليا أني أقولها كلام حلو… مش عيب ولا غلط أكيد..
همت بالكلام عندما فعل ما جعلها تشهق بدهشة و… خجل وذلك حينما أحنى رأسه ليستند بجبهته الى جبينها ويردف بزفرة عميقة:
– بلاش يا سلمى, بلاش تقولي حاجة تخرجني من الاحساس اللي انا فيه دا….
ثم رفع جبينه ناظرا اليها بعمق متابعا بينما تطالعه بنظرات حائرة:
– سلمى أنا مش ممكن هسيبك بعد ما لاقيتك, عارفة.. من أول يوم شوفتك فيه لما خبطنا في بعض وأنا حاسس انك سرقتي حاجة كبيرة أوي مني, بس ما كنتش عارف هي ايه, لحد ما عرفت.. وبالتحديد دلوقتي بس اكتشفت ايه اللي سرقتيه ومش هسيبك غير لما تديني المقابل ليه!.
قطبت قائلة بحيرة:
– هو ايه اللي سرقته؟, تكون محفظتك وقعتك وعاوز تلبسها فيا؟
زفر بيأس وحرك رأسه يمينا ويسارا بقلة حيلة وهو يجيب:
– أستغفر الله العظيم, سامحني يا رب…
ثم نظر اليها تابعا بحزن مفتعل:
– هو انا مش قلت لك بلاش تتكلمي عشان ما تخرجنيش من الحالة اللي انا فيها دي, سيبينا نعيش اللحظة يا سلمى!, محفظة ايه اللي سرقتيها بس؟, المحفظة وصاحب المحفظة تحت أمرك, اللي سرقتيه أكبر يا سلمى….
سكت لتنظر اليه بعينين متسائلتين فيتابع بهمس داعب أوتار قلبها:
– اللي سرقتيه قلبي… وقلبك هو المقابل ليه واللي مش هرضى بأي بديل غيره!..
شهقة خافتة دليل ذهول.. عدم تصديق… أو خجل صدرته عنها لتحاول الابتعاد عنه فتركها هذه المرة لتعود الى الخلف بضعة خطوات وهي تقول بارتباك:
– شهاب.. شهاب احنا لسه معرفناش بعض كويس عشان الاحساس اللي انت بتتكلم عنه دا, احنا…
هتف مقاطعا بحنق وهويراها تحاول الهروب من مشاعره الواضحة وضوح الشمس:
– احنا ايه يا سلمى؟, انا كنت واضح معاكي من الآول, قلت لك بيننا حاجة مش مستعد أضيعها لغاية ما اعرف هي ايه, بالنسبة لي أنا عرفت واتأكدت من اسمها, وانا قوي كفاية اني أواجه نفسي انه الشيء اللي كنت بسخر منه طول عمري حصل… وحصل بقوة كمان, لكن يا ترى انتي هتكوني قوية وصادقة مع نفسك وانتي بتواجهيها؟, ولا هتعملي نفسك مش واخده بالك؟..
تأتأت هامسة:
– أنا.. أنا…
زفر عميقا وقال وهو يبتعد عنها:
– خدي وقتك كله يا سلمى أنا مش هستعجلك, لكن…
وسكت رافعا سبابته أمامها مردفا بقوة وعيناه تلمعان بشدة وكأنه سيدلي بقسم عظيم:
– أنا مش هبعد, مش هسيبك تضيعي أحلى حاجة ممكن نعيشها سوا, ولو الحصار اللي هيخليكي تواجهي نفسك بسرعة بدل ما الأيام تضيع يوم ورا التاني واحنا لسه محلك سر.. فأنا هحاصرك… مش بس بوجودي حوالي كلأ… هحاصرك بوجودي وبكلامي و…بقلبي يا سلمى لغاية ما ترفعي الراية البيضا!..
هربت سلمى بعينيها فأردف بغرض اضفاء بعض المرح الى محادثتهما التي تسببت في توترها الظار بوضوح:
– ممكن بقه تعطفي على ابن عمك وتجيبي لي مخدة أو أي حاجة أنام عليها؟, أنا من امبارح من نمتش وحتى بعد ما رجعت من اسيوط وعرفت انكم هنا ما استنتش وطلعت على طول عليكم…
ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت:
– طيب مش جعان؟, تتعشى الأول؟
شهاب وهو يتمطى بتعب:
– بصراحة يا سلمى أنا جعان نوم…
همست سلمى وهى تنصرف:
– تمام, ثوانى أجيب لك مخدة …
عادت بعد ثوان حاملة لوسادة قطنية وملاءة ومنامة لوالدها ومدتهم اليه فتناولهم شاكرا لها بابتسامة عميقة أظهرت نغز ذقنه البارز, قالت سلمى وهي تهرب بنظراتها خجلا من نظراته الجريئة وكأنه بعد تصريحه الذي ألقاه في وجهها قد هدم جميع الحواجز التي كانت بينهما ليقوم بمحاصرتها تماما كما وعد!, قالت سلمى:
– ثوانى وراجعة…
لتعود بعد دقائق حاملة صينية عليها كوب من الحليب الدافيء وبعض الشطائر, وضعت الصينية فوق الطاولة الصغيرة ثم قالت وهى تشير اليها:
– اشرب كوباية اللبن وكول الساندوتشات عشان تعرف تنام, لو نمت جعان هتقلق بعد شوية ومش هتعرف تنام كويس..
اقترب منها ينظر الى الصينية وما رصّ عليها من عشاء سريع ليرفع عيناه اليها بينما تنظر هي الى البعيد ويقول بهمس:
– طيب دا هيسكت جوع بطني, لكن فيه جوع تاني بقه مهما عملت مش بيسكت…
نظرت اليه حائرة والتي انجلت ما ان سمعته يتابع بمكر غامزا بشقاوة وهو يميل عليها هامسا في أذنها:
– جوع قلبي!..
لتشهق مبتعدة وهي تغطي فمها بيدها:
– هاااااا…
ثم وبدون وعي منها ضربته بيدها على كتفه بقوة وهتفت به بحنق وغضب فيما تسرع بالانصراف:
– انت فعلا وقح وقليل الأدب وسافل كمان, وان شاء الله قلبك هيفضل جعان كدا لغاية ما يجيلو مجاعة وما تلاقيش اللي يعبره بنظرة واحدة حتى!..
سارع بالقبض على معصمها بينما تمر من جانبه ومال عليها قائلا بابتسامة مصطنعا البراءة:
– وأهون عليكي؟..
ليردف بصوته الهامس المغلف بتوق ليرسل ذبذبات من التوتر بينما تتسارع نبضات قلبها حتى كادت تخرج من بين جنبات صدرها:
– وأنا مش عاوز يعبرني بنظرة غير عينيكي انتي وبس, وأنا متأكد اني مش ههون على قلبك, عارفة ليه؟
رفعت عيناها بتساؤل فتابع:
– لأنه حبيبي….
همهمت بأن موعد النوم قد حان مرددة تحية المساء, فرفع يدها التي لا تزال في قبضته مقبلا راحتها بدفء وهو يجيب :
– وانت من أهله…
سحبت يدها وانصرفت سريعا بينما لاحقت عيناه طيفها حتى اختفى تماما في حين وقفت هي خلف باب غرفتها ممسكة بيدها التي لا تزال تلسعها من حرارة شفتيه بيدها الاخرى وتشعر ان قلبها قد أوشك على الوقوف من شدة الانفعالات التي تمور به وهمست في سرها:
– واخدني على فين يا شهاب؟, ويا ترى ايه اللي مخبيلي معاك؟!
**********************
بدآ رحلة العودة الى كفر الخولي في الصباح الباكر مستقلين سيارة شهاب والذي صمم على ترك سيارتهم وعندما عاندت سلمى مخبرة إياه أنه لا بد من وجود السيارة معهم تحسبا للظروف أجاب بهدوء مخالف لطبعه الحاد أنه سيتكفل بإحضارها الى البلدة…
كان شهاب يسترق النظر الى تلك الحانقة الفاتنة التي تقبع في الكرسي بجواره بينما احتلت سلافة المقعد خلفها, منذ أن رآها في الصباح وهي تتعمد التهرب منه حتى عندما صمم على الرجوع برفقته جادلته أول الأمر بحدة لم تلبث أن خفتت عندما رأت أختها وهي تقتنع برأيه, تبادل الأحاديث الخفيفة مع سلافة بينما تجهلت سلمى الدخول في أي حوار وباءت جميع محاولاته لإشراكها في الحديث بالفشل بينما لمس روح سلافة المرحة عن قرب ولكنها أيضا تملك من العناد والانفعال الزائد ما يجعله يشفق على غيث شقيقه ولكنه يعلم جيدا أنه جدير بترويضها تماما كما هو جدير بغزالته البريّة!!..
بينما كانت هي تشعر بالحنق منه ومن نفسها ومن الأمر ككل!, رباه لقد تعمدت الاعتماد عنه حتى تفكر بصفاء ذهن في أمر ارتباطهما ولكنه بحضوره المباغت ليلة أمس وبحديثه الأكثر غرابة تسبب في تشتيت ذهنها فلم تعد تعلم ماذا تريد حقيقة, هل هي تريد منه الابتعاد فعلا.. أم تريده أن ينفذ وعده لها ويثبت صدق أحساسه والذي تشي به عيناه!!..
بينما شردت سلافة بالأمر الذي أخبرتها به صديقتها مريم, مريم هي صديقتها وتوأمة روحها, بدأت صداقتهما صدفة حيث كادت سلافة أن تضربها بسيارتها فقد كانت حديثة العهد بالقيادة وكان والدها قد ابتاع لها سيارتها كهدية دخولها الجامعة, كانت شغوفة بالقيادة السريعة, وكنتيجة طبيعية لسرعتها العالية وحداثة تعلمها القيادة كادت تتسبب بحادث سير مروع عندما تفاجئت بمريم أمامها فضغطت مكابح السيارة فجأة لتفاجأ بسقوط مريم أمام سيارتها,, ترجلت من السيارة سريعا وبعد أن ساعدتها بالنهوض ذهبت بها الى المشفى حيث تبين وجود شرخ في قدمها, واحتجزت بالمشفى ولم ترغب مريم بعمل بلاغ للشرطة, فمما رأته أمامه فسلافة كانت على وشك الانهيار وانهالت عليها بوابل من الاعتذرات, بينما أنبتها مريم لتهورها بالقيادة, ولم ينس رؤوف ولا ألفت حسن صنيع مريم فشخص آخر كان قد صمم على تقديم بلاغ في ابنتهما او على احسن حال كان طلب نقودا في سبيل تنازله عن الشكوى ضدها..
وبدأت صداقتهما بعد ذلك لتصبح مريم ابنة ثالثة لرؤوف وكان والدها قد توفى وهي لا تزال في التعليم الثانوي فشعرت به يعوضها حنان والدها المتوفي, كانت مريم قد أنهت دراسة كلية التجارة ( تجارة – لغة إنجليزية ) ولتقوم بسلافة بتقديم أوراقها للعمل بالشركة التي تعمل بها الأخيرة, ووقد ساعدها تقدير مريم في التخرج بامتياز ولكنها رفضت التعيين كمعيدة بالجامعة مفضلة العمل الحر فالمرتب الحكومي لا يكاد يكفي الخبز اليابس!, وبالفعل تم قبولها بعد أن اجتازت وبنجاح كبير سلسلة الاختبارات التي مرت بها, لكي يتلازما فلا تكادان تفترقا الا وقت العودة للمنزل واحيانا كثيرة كانت سلافة تصاحب مريم الى منزل الاخيرة وتقضي باقي اليوم برفقتها….
كانت سلافة قد هاتفتها قبل مغادرتها القاهرة و عرضت عليها أن تأتي معهم وأنه مرحب بها معها ولكن مريم رفضت وأخبرتها أنها لن تهرب بل هي باقية لتواجه ما ستأتي به الأيام, ولكن أكثر ما يثير قلقها أنها أخبرتها عن تأخر موعد مقابلتها للنائب العام لظروف طارئة كما أخبرها المحامي والذي عرض عليها إعطائه ما تملكه من أدلة تدين ذلك المشفى ليقوم بحفظه في مكان آمن ولكنها رفضت قائلة لسلافة:
– انا مش هدي الحاجة دي لمخلوق غيري أنا وانتي يا سولي, شريف المحامي أنا مش بشكك فيه ولا حاجة لكن أنا لازم أحتاط للظروف كلها, ادعيلي انتي بس…
والآن وهي في طريقها الى بلدتها يلهج لسانها بالدعاء لصديقتها الروحية بأن يحفظها الله ويعينها على اكمال ما بدأته…
وصولوا قرابة الساعة الثانية ظهرا, نظر شهاب الى سلمى والتي لم تتبادل معه كلمة واحده طوال رحلتهم التي استغرقت ما يقرب من خمس ساعات وقال بابتسامة خفيفة:
– حمد لله على السلامة…
همهمت بخفوت فخمّن أنها ترد تحيته, والتفت الى سلافة قائلا:
– حمد لله على السلامة يا سلافة….
زفرت سلافة بغيظ وأجابت بتكشيرة:
– الله يسلمك..
لتترجل من السيارة صافقة الباب خلفها ,فينظر الى سلمى هاتفا بدهشة:
– ودي مالها دي؟
كانت أول ابتسامة يراها تنير وجهها وان كانت ابتسامة خفيفة لتقول بعدها:
– انت مش ملاحظ انك مش بتقولها غير سلافة سلافة؟.
ابتسم وهو يرى ابتسامتها التي اشتاق اليها وأجاب وهو يشكر سلافة في ضميره التي كانت السبب وان بشكل غير مباشر في هذه الابتسامة التي ترتسم على وجه مشاكسته الحسناء:
– هي مش اسمها سلافة؟.
سلمى ناظرة اليه مجيبة بتلقائية وقد نست سبب غضبها منه:
– انت عارف كويس أوي ان سلافة مش بتحب حد يناديها باسمها, عادتها لك في المرات اللي قبل كدا, لكن أنا عارفة اختي كويس أوي.. في حاجة شغلاها وطالما المود بتاعها مش اللي هو يبقى غلطت غلطة عمرك لو قلت لها سلافة, عاوز تبعد عن المشاكل يبقى سولي وما فيش غير سولي!..
صدحت ضحكته عاليا ما جعلها تبتسم بالمقابل لينتبه لشرودها في وجهه فمال عليها هامسا أما وجهها بابتسامة حب:
– عشان خلّيتك تبتسمي وتتكلمي معايا ليها عليا أقولها يا أحلى سولي.
نظرت اليه بنصف عين وأجابت بحدة رغما عنها:
– مش أوي كدا..
همس بابتسامة وغمزة ماكرة:
– إيه.. بنغِير ولا إيه؟.
رمقته بحنق وقالت وهي تفتح الباب المجاور لها لتترجل من السيارة:
– ليه ان شاء الله هغير من مين؟, سلافة!, دي زيي تمام, قال غيرة قال….
وترجلت صافقة الباب خلفها في حين ضحك ضحكة صغيرة وقال وهو يلمح طيفها يتهادى حتى اختفى وراء الباب الخشبي الواسع لقصرهم العامر:
– هتروحي مني فين؟, وراكي لغاية ما تعترفي وتقري على نفسك باللي في قلبك ورافضة تسمعيه..
————————————————————-
تجمعت العائلة حول مائدة الغذاء والتي غاب عنها شخصين, غيث وأمه, فأما راوية فمنذ غضب عثمان منها وبأمر منه فإنه لا تتواجد في مكان يكون هو فيه, أما غيث فقد آثر ألا يكون موجودا عند عودتهم فهو يشعر بغضب عنيف لم يسبق له وأن مر به من قبل, ولكنها تلك الجنية الصغيرة من تبدع بإخراج أسوأ ما فيه!..
انفردت سلافة بوالدها لتسرد عليه ما كان من أمر مريم وبعد أن انتهت نظر اليها قائلا بذهول وأسى:
– معقول أي بنتي اللي انتي بتقوليه دا؟, لا حول ولا قوة الا بالله.. ربنا معها وهينصرها هي وخطيبها ان شاء الله, عموما عاوزك تكلميها كل شوية تطمني عليها والحاجة اللي سابتها معاكي لو عايزة هاتيها انا هشيلها بمعرفتي..
سلافة بابتسامة صغيرة:
– لا يا بابا أنا هخليها معايا, ادعي لها بس يا بابا…
قاطع حديثهم صوت ألفت تنادي لينضموا الى الجميع فيلا احتساء الشاي, فقالت لوالدها سريعا:
– بابا لو سمحت الموضوع دا بيني وبين حضرتك مش عاوزة حد يعرفه ولا حتى سلمى ولا ماما, حضرتك عارف هما بيحبوا مريم أد ايه دا غير انهم هيقلقوا عليا…
رؤوف بابتسامة صغيرة بينما يتجه معها الى الخارج:
– ولا يهمك حبيبتي…
حضر غيث أثناء احتسائهم الشاي وألقى بالتحية الى الجميع متجاهلا سلافة التي نظرت اليه من خلف جفونها مغتاظة فهو قد رحب بعودة سلمى ولم يوجه اليها أي حرف!, ثم هزت كتفيها بلا مبالاة متمتمة في سرها أنه لا يعنيها في شيء سواء رحب بها أو لا, التفت رؤوف الى شهاب قائلا بينما يتبادل كلا من الجد والجدة النظرات المرحة الخاصة بغيث وسلافة:
– صحيح يا شهاب هتعرف تجيب عربية سلمى ازاي؟
شهاب وهو يضع كوب الشاي جانبا:
– هبعت راجل من رجالتنا وأديلو العنوان عشان يجيبها…
ثم نهض متابعا:
– معلهش أستأذن انا محتاج أنام شوية..
علقت الجدة بحنان:
– اتفضل يا بني, نوم العوافي..
بينما قفزت سلافة واقفة وهتفت به وهي تضع كوب الشاي فوق الطاولة الصغيرة التي تتوسط الجلسة:
– شهاب معلهش عاوزاك في خدمة..
ليلتفت اليها شهاب بتقطيبة حائرة وبابتسامة صغيرة أجابها بينما يوجد آخر يتابع ما يحدث أمامه بينما بدأ اعصار غضبه النادر بالهبوب داخله:
– اتفضلي يا بنت عمي…
سلافة بابتسامة تلقائية جعلت وجهها يزداد فتنة بينما سلط غيث نظراته على ثغرها الوردي هاتفا بداخله أنها لم يسبق لها وأن منحته ابتسامة واسعة كتلك حتى بعد أن وافقت على ارتباطهما, سمعها وهي تقول بدلال محبب:
– ممكن بدل الراجل تبعت راجلين؟, واحد عشان عربية سلمى والتاني عشان عربيتي…
ضحك شهاب وقال بابتسامة مرح:
– يا سلام.. غالي والطلب رخيص, نبعت رجلين, حاجة تانية يا… سولي!.
الى هنا ونفذ صبر غيث الذي هب واقفا ليلفت أنظار الجميع فقال بتلكؤ وهو يهم بالانصراف:
– أني ماشي, عن إذِنْكُمْ…
وانصرف تاركا شهاب ينظر في أثره بريبة لتحين منه التفاتة الى سلمى فيجدها مسلطة نظراتها عليه في حدة وحنق, فما كان منه الا أن بادلها النظر بتحد ثم غمزها خفية عن الجميع بخبث قبل أن ينصرف مغادرا الى غرفته…
كان غيث جالسا تحت الشجرة حيث مكانه المعتاد في الحديقة كلما صادف أمرا يقلقه أو.. يغضبه, وعلى هذه الحالة وجدته سلافة وهو يمسك غصنا بيده يقوم بثنيه بين يديه, كانت سلافة قد خرجت للسير في الحديقة عسى هواءها الطلق أن يهدأ بالها عندما لمحته, علمت أنه قد رآها ولكنه أشاح عنها متجهلا لها عن قصد, فسارت اليه بتحد ووقفت أمامه قائلة:
– ايه يا ابن عمي, قمت وسبت القاعدة عشان تيجي تقعد لوحدك هنا؟, انا افتكرتك تعبان زي شهاب..
لينكسر الغصب بين يديه ويلقي به بقوة ثم ينهض ناظرا اليها بغضب يلمع بين فحم عينيه المشتعل وهو يجيبها بينما أتون غضبه يوشك على الانفجار:
– أحسن لك ما تجيبيشي طاري خويْ واصل, كفاياكي اللي حوصل منٍّيكي, خليني ساكت أحسن لك يا بت عمي..
قطبت سلافة مستهجنة ووضعت يديها في منتصف خصرها هاتفة بحنق:
– نعم؟, هو ايه دا اللي حصل ويعني ايه تسكت لي؟
أجاب غيث مقلدا صوتها وهي تطلب من شهاب أحضار سيارتها هي الاخرى من القاهرة:
– ممكن يبجوا رجلين يا شهاب…, وهو يجولك حاجة تانية يا سولي!, لا تكوني ناسية انك خطيبتي أنا مش هوّ, وبعدين تعالي إهنه.. انتي كيف تسافري مُصر من غير ما تجوليلي؟, ايه مش مالي عينك إيّاك؟
زفرت سلافة بحنق وأجابت:
– الله جرى ايه يا غيث انت قلبت في كله مرة واحدة ليه, اولا شهاب نادى لي بإسمي اللي كلكم عارفين اني بحب أتنادى بيه, وانا متأكده ان سلمى اللي لفتت نظره لكدا, حكاية مصر انا مش شايفه فيها حاجة أبدا, بابا وعارف يبقى أقولك ليه؟, احنا لسه مش مخطوبين رسمي, لما تبقى رسمي وقتها يبقالك الكلام..
كشر غيث هاتفا بنزق:
– يا سلاااام, يعني هو الخاتم اللي عيخليني عريسك صوح؟, طب شوفي يا بت عمي.. جوصر الكلام انت اسمك سلافة, اسم الجلع اللي انتي بتجوليه ده مش مسموح لحد انه ينادم عليكي بيه واصل, واحد بس اللي مسموح له…
نظرت اليه هاتفة بحنق:
– يا سلام.. ومين الواحد دا بقه ان شاء الله؟
لينظر اليها بتركيز مجيبا بثقة:
– أني.. جوزك!.
لتبهت وتسدل ذراعيها بجوارها ويتخضب وجهها بدماء الخجل بينما يتابع هو بلهجة حازمة:
– تاني حاجة بجه.. رجلك ما عتخطيشي برّات البلد من غير ما أعرِفْ.. ماذا وإلا يا سلافة هحبسك في دارك وما عخلكيشي تشوفي السمس حتى..
أشاحت بيدها في وجهه صائحة:
– ايه.. ايه.. حيلك حيلك.. انت فاكر نفسك مين؟, الحاكم بأمر الله!.
قبض على يدها المشهرة في وجهه بقوة واقترب منها وأجاب بقوة بينما تداخلت أنفاسهما الثائرة سوية وهو يجيبها بقوة وعيناه تنظران بعمق الى ليل عينيها السرمدي:
– لع… أني مش الحاكم بأمر الله, أني أبجى… زوجك يا بت عمي!.
حاولت جذب يدها من قبضته لتشتد قبضته لها فأنت بألم ثم هتفت به:
– سيب إيدي, وطالما هي عافية بقه.. يبقى انسى خالص انه يكون في جواز بيننا…
ليميل عليها فتضرب أنفاسه الساخنة صفحة وجهها حتى أنها شعرت بلسعة حارقة في بشرتها وقال بينما قد اشتعل فتيل غضبه ليهب اعصاره عاليا يطيح ما يقف بطريقه:
– نجوم السما أجرب لك يا سلافة, وعلمن يصلك ويتعداك.. انتي خطيبتي وأني مش هوافج ع الخربطة اللي بتخربطيها ديْ, مش عشاني راجل وما عاوزشي أكون شخشيخة في يد مرتي تجولي نفضها سيرة, عمي اللي هو بوكي ذات نفسه لو عرف انك سافرتي من غير ما تجوليلي أول واحد عيلومك, لأنه اللي عرفته يا بت عمي انك واختك ما عرفتهوش انه اني واخوي مش عارفين, هو كان فاكرنا عارفين, يا ترى بجه لمن يدرى بكدبكم عليه وعلينا هيتصرف فيكم امعاكم؟
هتفت سلافة بنزق:
– احنا ما كدبناش, هو بابا ما سألنا شاذا كنا قلنالكم ولا لأ, فسكتنا, لو كان سأل كنا هنقوله طبعا…
غيث ساخرا:
– هو ما سعلكومش عشان عارف انه بالعجل اكده اكيد جولتولنا, جوصر الحديت,… كلامك الماسخ عن فض الخطوبة والخرابيط ديْ تنسيها خالص, وعشان تبجي عارفة اني هفاتح عمي رؤوف اننا نكتبوا مع شهاب وسلسبيل, اللي كنت خايف منيه حوصل, كل ما هيحصل بيننا خلاف هتنطي تجوليلي نفضوها, لازمن أتوكد انك مش هتجلي عجلك وتعمليها..
نست سلافة ألم يدها التي لا تزال قابعة بيده وهتفت برجاء:
– لا يا غيث بلاش, كتب كتاب لأ, صدقني مش في مصلحتنا احنا الاتنين, لو صممت يا غيث هبتدي أقلق بجد أنا ما صدقت ابتديت أهدى شوية من ناحية ارتباطنا, وصدقني لو قلقت هبتدي أفكر وأوسوس, وساعتها ممكن فعلا أكمل بابا واقوله مش عاوزة أكمل..
همس غيث امام شفتيها بينما خفف قبضته لا شعوريا وبدأ ابهامه يداعب ظهر يدها بدون وعي منها مثيرا أحاسيس شتى في داخلها:
– انتي ليه مش جادرة انك تحسي بالنار اللي بتجيد جواتي كلما بشوفك بتضحكي مع حد تاني حتى لو كان خوي ولد أمي وأبوي؟, لساتك مش عارفة اني متمسك بيكي ورايدك جد ايه يا بت عمي؟, هجيبهالك على بلاطة يا بت عمي… لمن تزعلي مني اعملي ما بدا لك, ازعطي, اتخانجي, خاصميني, أي حاجة أنا جابلها منيكي لكن اوعاك يا سلافة.. اوعاك تفكِّري ان اللي بيناتنا ديه ممكن ينتهي كيف ما بتجولي, ولغاية آخر نفس في صدري يا بت عمي.. مش هفوتك واصل, يستحيل يا سلافة..يستحيل..
لتهر بعينيها منه مسدلة رأسها الى الأسفل فيرفع ذقنها اليه يطالعها بنظرة تحكي الكثير ويهمس برجاء:
– افتحي عينيكي يا سلافة..
لتنصاع رغبته بدون وعي منها فتصطدم نظراتها بأخرى رمادية جعلتها تتيه في سماءها بينما أردف هو بتوق يغلف صوته:
– أحلى عيون عمري ما شوفت زييها..
ثم سحب يده بتردد طفيف, لتبتعد عنه عدة خطوات بينما وقف ينظر في أثرها بينما حاربت نفسها كي لا تلتفت إليه فلو فعلت فستعود أدراجها إليه بل إنها قد توافق على جنونه في عقد القرآن….
يوم الزفاف:
********** تم عقد قرآن سلسبيل وزفافها على ليث وسط العائلة, وتم أطلاق أعيرة نارية اعلانا عن انتهاء عقد القرآن ولكن غاب الفرح عن وجوه الحاضرين والذين لم يكونوا سوى أفراد العائلة فقط, بينما لم تهبط سلسبيل من غرفتها بالأعلى فقد حضر غيث وأحد من الشهود لسماع موافقتها وذيلت اسمها على عقد النكاح, ومال غيث على جبينها يقبله وتركها لتتجهز لرؤية زوجها.. ليث!.
كان بصحبتها سلمى وسلافة وهند ابنة خالتها زينب, كان شهاب قد قام بتأجيل عقد قرآنه على سلمى ليكون مع غيث في ليلة واحدة, وبما أن سلافة لا تزال تماطل في تحديد موعد عقد القرآن فسلمى سعيدة للغاية بهذا التأخير خاصة وأن شهاب قد غيّ{ من طريقته معها فأصبح مهادنا معها زيادة عن اللازم, ويكثر من كلماته الحنون وعبارت الغزل حتى أنها أصبحت تتفادى المكوث معه بمفردهما!..
************
في جناح العرائس بمنزل عدنان:
***************************
كان قد تم تجهيز جناح للعرائس سلسبيل وليث بعيدا عن جناحها القديم, فكان الجناح عبارة عن غرفة ليث وقد ضم لها غرفة أخرى بجوارها وتم تغيير أثاث اغرفة بالكامل ودهانه بلون السماء الصافية..
دلف ليث الى الجناح بعد الانتهاء من طعام العشاء وقد استأذن الرجال بالانصراف بينما بقيت بعض النسوة مع والدته التي يرى فرحتها وهي تتقافز في عينيها, أغلق الباب خلفه مستندا عليه زافرا بتعب, ليسمع صوت خطوات ضعيفة, لو كانت تلك الخطوات لشخص آخر لم يكن ليسمعها فهي لا تماد تصدر صوتا, ولكنها خطواتها هي, كيف لا ينتبه اليها, فتح عينيه لتطالعه هيئتها بثوب أسود طويل ووشاح أسود تلفه حول شعرها الذي طالما هاجمه في أحلامه منذ أن رآه آخر مرة قبل أن تتحجب عنه وكانت وقتها ابنة العشر سنوات!..
تقدم منها وهو يقول ببرود:
– هدخل أتسبح وآجي..
ما ان خطى خطةتين مبتعدا عنها حتى سمع صوتها مناديا له بنبرة أراداتها قوية فخرجت مشروخة:
– ولد عمي…
ليلتفت اليها ناظرا الى عينيها لأول مرة منذ دخل الى غرفتهما ليصعق من حجم الكراهية التي تشع منهما, حاول اعتماد البرود وأجاب بجمود:
– فيه حاجة يا بت عمي…
سكتت قليلا قبل أن تجيبه محاولة اضفاء الثقة على صوتها الذي خرج محملا بما تجيش به نفسها من كره لهذا الوضع الذي اضطرت للقبول به:
– احنا زواجنا باطل!..
التفت اليها بعنف واقترب منها بخطوات بطيئة وهو يردد باستنكار:
– باه, انتي اتجنيتي اياك؟!, كيف يعني زواجنا باطل؟, أني زوجك على سنة الله ورسوله وعلى يد مأذون وبموافجة بوكي واتنين شهود كومان, كيف يبجى باطل؟
لتشعر بثقتها تعود اليها بعد أن أطلقت للسانها العنان فهم إذا كانوا قد أجبروها على الموافقة على هذه الزيجة فستكون بشروطها هي!, أجاتب بثقة:
– بس أهم موافجة ما حوصلتش.. أني موافجتش ع الزواج منيك يا ولد عمي!.
قطع الخطوات الفاصلة بينهما في خطوتين وانقض قابضا على ذراعها بعنف بينما برزت عروق رقبته تعبيرا عن غضبه الوحشي لترتعش عيناها وهي ترى أمامها ليث الذي كانت تهرب كلما صادفته في طفولتها, كانت تخافه وتخشاه وتتحاشى التواجد معه في مكان واحد, وعندما تقدم راضي لخطبتها كانت تحمل هم العيش معه تحت سقف واحد ولكنه أغلب أوقاته كان يقضيها خارجا فلم تكن تصطدم به, ولكن الآن فلديه ورقة تمنحه الحق المطلق بالتعامل معها كيفما يشاء, هزها ليث بقوة هاتفا بها:
– انتي معترديش ليه؟.
ازدرت ريقها وأجابت محاولة تمالك نفسها:
– انت خابر زين اللي حوصل, بوي واخواني اللي جبروني ع الزواجة ديْ, ولومن خوفي تاخدوا مني اصغاري ما كنتش وافجت واصل, يعني من الآخر.. انت زوجي جدامهم وبس كيف ما كانوا رايدين, لكن بيناتنا أنت ولد عمي بس…
نفض ليث ذراعها من يده بقوة واستدار موليا اياها ظهره قابضا على يده بشدة وهو يهتف بها من بين أسنانه:
– سلسبيل.. روحي جوة دلوك, ابعدي من وشي الساعة دي أصلح لك..
سلسبيل بتلعثم طفيف ولكن لا بد لها من قول ما يؤرق مضجعها:
– أني مصممة على كلامي يا ولد عمي, شعري ما عينفردش على مخدتك واصل… أني.. أني مش خاطية, ولو حوصل حاجة هتبجى غلط وحرام كومان!!…
التفت اليها وهم بالصياح ولكنه تذكرأن هناك نساء بالاسفل’ فقال بشراسة مخيفة وصوت منخفض ولكنه يبعث الرجفة في الاوصال:
– احمدي ربك انه في حريم تحت, وما عاوزشي صوتنا يوصل لهم, ولا كنت خليتك تبلعي كلامك الماسخ ده, وبعدين مش ليث الخولي اللي عيفرؤض تفسه على حرمة.. حتى لو كانت حرمته ومعاه ورجة رسمي اتخليه ياخد هو اللي عاوزه منيها, بس أني يا بت عمي… ما عاوزشي, النفس عافتك!..
واتجه الى الحمام الملحق بالجناح صافقا الباب خلفه بعنف بينما لا تعلم سلسبيل أتفرح لابتعاده عنها وتسبب كلماتها اليه بأن زهدها أم تحزن لأنها قد كسرت برجولته ويه ترمي اليه بنفورها منه فهو أولا وأخيرا ابن عمها وعم أولادها..
فيما بالداخل وقف ليث يمرر أصابعه في شعره بحدة وانفعال ثم تمتم بينه وبين نفسه بألم:
– ليه يا سلسبيل ليه, بكفاياكي رش الملح ع الجرح يا سلسبيل بكفاياكي!!..
وهبط بقبضته على الجدار الرخامي للحمام ليفرغ شحنة الغضب بداخله فيتشقق الرخام وتنزف يده بينما هو غير واع سوى لعينين سوداء كحيلة قد صرعته منذ زمن… تحديدا
وهبط بقبضته على الجدار الرخامي للحمام ليفرغ شحنة الغضب بداخله فيتشقق الرخام وتنزف يده بينما هو غير واع سوى لعينين سوداء كحيلة قد صرعته منذ زمن… تحديدا منذ أن كانت تركض في الأنحاء بجديلتيها الطويلتين خوفا منه ما ان تراه بينما يضحك ساخرا منها ويسارع بجذبها من جديلتيها ويرفعها الى أعلى وهي تركل بقدميها هاتفة برجاء لينزلها, فيسارع بإنزالها ثم يقبلها فوق جبينها هي ابنة الخمس سنوات وهو اين الخامسة عشر عاما ويهتف بداخله:
– امتى الايام تفوت جوامك يا سلسبيل وتكبري ووجتها لمن هرفعك بين يديني معفوتكيش واصل!..
ولكنها لم تكن أبدا له… فقد كانت لشقيقه الراحل حيّاً و… ميّتاً!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كبير العيلة)