روايات

رواية كبير العيلة الفصل السابع 7 بقلم منى لطفي

رواية كبير العيلة الفصل السابع 7 بقلم منى لطفي

رواية كبير العيلة الجزء السابع

رواية كبير العيلة البارت السابع

كبير العيلة
كبير العيلة

رواية كبير العيلة الحلقة السابعة

نظرت الى زوجها الجالس فوق الفراش يطالع أوراقا في يده, ترددت في البداية من الحديث اليه ولكنها عزمت أمرها واتجهت اليه قائلة بهدوء وان تلون صوتها برعشة طفيفة لم ينتبه زوجها الغارق في مراجعة الأوراق التي بيده لها:
– كان فيه موضوع إكده عاوزه أشورك فيه يا ابو غيث..
رفع عثمان عينيه اليها وقال بهدوء:
– خير يا ام غيث؟, موضوع ايه دِه؟..
اتجهت اليه لتجلس فوق طرف الفراش بالقرب منه وأجابت بابتسامة:
– خير يا أخويْ ما تجلجش, بس هو موضوع جديم وصار وجته دِلوَكْ اننا نخلّصه!
عقد عثمان حاجبيه في تساؤل ورتك الأوراق التي بيده والتفت اليها ليوليها اهتمامه كليّة وهو يستفسر:
– موضوع جديم ولازم نجفّله!, موضوع إيه دِهْ؟!
تنفست راوية بعمق وشحذت نفسها وقالت وهي لا تستطيع النظر الى عينيه الثاقبة:
– جواز الولاد!, معينفعشي نجعدوا رابطين البنتِّة جارنا إكده!
زادت تقطيبة عثمان وتساءل بحيرة:
– جواز مين وولاد مين وبنتّة مي نديْ اللي بتحكي عنيهم؟!
هتفت ببراءة مصطنعة:
– باه. انت نسيت ولا إيه؟, احنا مش جولنا انه هند بنت اختي زينب رايدينها لغيث ولدنا؟, وهند خلاص كِلها كم شهر وتخلص مُدرسة, يبجى نستنّى إيه بجه؟, أني عاوزة أفرح بولدي انّهاردِه جبل بُكره!
عثمان يفهم جيدا زوجته وما يدور في رأسها ولهذا ابتسم ابتسامة ساخرة صغيرة وقال:
– لاه, ريحي روحك إنتِ, وجت ما ابنك يريد يتزوج هيجول, وبعدين بت اختك لسّاتها اصغيرة واللي اعرِفُهْ انها عاوزة تكمّل علامها, يعني ما أظنيش توافج ع الجواز ..
هتفت راوية باستهجان:
– باه, واحنا عندينا بنات توافج وترفض؟, بوها موافج يبجى خلاص هي مالهاش كلمة تاني بعد كلمته!..
قطب جبينه ومال برأسه تجاهها وهو يردد بتساؤل دَهِشْ:
– انتي بتجولي ايه؟, بوها موافج؟, وانتي عرفتي منين انه موافج؟, اني ما اتحدتيتيش إمعاه خالص في الموضوع ديْ, كان كلام بيني وبينك لمّن جعدت تمدحي لي في بت اختك, وافتكر اني جولتلك اني بفكر فيعا بغيث ما دام هي منيحة اكده كيف ما بتجولي وأظن برضيكي اني جولتلك ونبّهت عليكي ما تجيبيشي سيرة لمخلوج ولا حتى أختك لغاية ما نتوكد انه غيث رايدها وموافج, حوصل ولّا لاه؟!
تلعثمت راوية في الاجابة وقالت وهي تفرك يديها الاثنتين:
– حوصل يا خويْ حوصل, واني ما جولتش حاجة لحد ما غيرها بس حبيت أجس النبض ولمّحت ع الخفيف لزينب أختي ووجتها اسيت انها مرحبة ومنى عينها انه حد من عيالنا ياخد بتّها وجالت لي انه زوجها مش هيوافج وبس لاه, دِه هيطير من الفرح كُمان لو دِه حوصل!
قبض على يدها بقوة شهقت بألم لها, وشدت أصابعه على أصابعها بقوة كادت أن تفتتها وتحدث بغضب مكتوم قائلا:
– كلمة ومش هتنّيها, إوعاكي تفتكري انك بتحطيني انا ولا ابني جودام الامر الواقع بحديتك مع اختك من ورايْ, ولدي مش بت عشان أزوجه بالطريجة ديْ!..
ثم مال هامسا أمام وجهها وهو يطالعها بقوة:
– اوعاكي تكوني فاكرة انى مش خابر انتي بتفكري كيف؟, لاه يا أم الوِلْد.. اني عارفك زين ةخابرك زين الزين كُمان!, ولو على جواز ولادنا خلاص.. تجدري تطمني.. كِلها حاجة بسيطة وتفرحي بيهم التنِّيين سوا!!..
شهقت بدهشة وهتفت ناسية ألمها:
– واه!, هيتجوزوا في ليلة واحدة؟!, على اكده اختاروا العرايس بجه؟!
عمل عقلها كالمكوك وهي تتمنى أن يخيب ظنها ولكنه تحدث بابتسامة ساخرة متشفية:
– اكيد اختاروا العرايس, أومال هيتجوزوا من غير عرايس ولاّ إيه؟.
نظرت اليه قائلة بتشكك:
– ويبجوا مين بالصلاة على النبي إكده؟, مش ع الأجل تجولي, أجلّه ظلني أمهم!
تركها ومال مفترشا السرير بطوله وأجاب بابتسامة صفراء مستهزئة:
– لاه اطّمني, عرايس تشرح الجلب ابصحيح, وأكيد هنجولك, ما تستعجليش على رزجك, ودلوك همّليني عاوز أرتاح شويّ.
نهضت راوية متجهة خارج الغرفة ثم وقفت في المنتصف لتلتفت اليه وتقول وقد قررت شيئا في ضميرها:
– طب ممكن أروح أزور أختي انهارده, اتوحشتها..
لم يكلف نفسه عناء النظر اليها وأجاب ببرود:
– روحي لها وماله….
ثم رفع رأسه وتابع آمرا وبصرامة:ط
– بس إياكي تجوليلها حاجة على زواج وما زواجش, بتّها اصغيرة على ولادك , بيناتهم اكتر من 15 سنة, اعجلي اكده عشان ما تخسريش أختك الوحيدة, اني حذرتك يا راوية ومش هجولك اني ممكن اعمل ايه لو خالفتي اللي جولتلك عليه!
طأطأت برأسها وهي تتمتم بالايجاب ثم استدارت متجهة للخروج بينما احتلت عيناها نظرة كره وحقد واعتلى وجهها تعبير الشر ما ان لفت بظهرها, وتوعدت في سرها قائلة:
– فكرك أني معرفش أنت بترتب لإيه انت وبوك؟, لكن لاه, على جثتي ان بنات ألفت يتزوجوا ولادي, ما كونيش راوية امّا خليت نأبهم يطلع على شونة, مش كفاية امهم خدت بوهم جايين هما كمان عاوزين يخطفوا ولادي منّي!!
*********************
نفخت سلافة في ضيق وهي تنظر الى غيث الواقف أمامها شزرا, عقدت ذراعيها بينما كان يتحدث الى أحد المحاسبين لديهم, وما إن انصرف حتى التفت اليها ليراها وقد وقفت تتحاشى النظر اليه عاقدة جبينها تزفر في حنق كالأطفال, كتم ابتسامته واتجه اليها حيث كانت واقفة بجوار النفاذة العر يضة بغرفة مكتبه في الديوان وانعكست أشعة الشمس على خصلاتها لتلمع كجناح غراب, وقف على بعد خطوات قليلة منها وهو يتطلع اليها عارفا بما سبب ضيقها وحنقها منه, ولكن كيف له أن يسمح لها بأن تقوم هي بتدريب الموظفين على النظام الجديد الذي أدخلته على العمل, لا ينكر أنها قد أجهدت نفسها في الاسبوع المنصرم, كانت تأتي معه باكرا وتقضي الساعات بين الملفات والأوراق حتى غروب الشمس, وأحيانا لما بعد الغروب, فقد نظمت بيانات جميع العملاء بل والفواتير والميزانية السنوية ونظام المدفوعات, وجدولة المديونيات, قامت بعمل كثير وفي مدة بسيطة وبإتقان رائع, وبقي أن يتدرب المحاسبون لديه على النظام الجديد, ولكنه أبى ورفض أن تقوم هي به, كيف تقف أمام عددا كبير من الرجال تتحدث وتشرح وذلك يسأل وهذا يستفسر, وهي تجيب بابتسامتها التي تثلج الصدور وتجعل الواقف أمامها يتيه سابحا في عالم آخر!
انتبه من شروده على صوت تأففها العالي ليضبطها وهي ترنو إليه بنظرة ساخطة, ارتفع طرفي فمه المظلل بشارب كثيف في شبح ابتسامة وتحدث مصطنعا البراءة:
– ايه رايك يا سلافة؟, أها… كل اللي جولتي عليه ماشي زي الساعة..
التفتت اليه وأجابت بحنق مكبوت:
– يا سلام!, هو فين دا؟, بقه أنا أشقى وأتعب وغيري ياخد على الجاهز؟..
اقترب منها وقطب بتساؤل:
– هو مين دِه اللي خد وخد ايه؟
أنزلت ذراعيها وسارت حتى وقفت أمامه وهي تجيب بحدة ساخرة:
– بقه حضرتك متعرفش مين وخد ايه؟, انا اسبوع كامل مواصلة الليل بالنهار لغاية ما رتبت كل الغل من فواتير وملفات وميزانية ومديونيات, كل اللي في الديوان هنا بقه داخل على سيستم الكمبيوتر اللي عممته هنا, ولما آجي بقه أشرح انا عملت ايه وأفهم الموظفين هيشتغلوا ازاي تيجي انت وبكل بساطة وسهولة وتقول – وضخمت صوتها مقلدة له – لاه يا بت عمي, ما عينفعشي انت اللي تدرِّبيهم.. أني هشوف مكتب متخصص في البرمجيات تشيّع لنا حد من عنديهم ايدرّبهم!
لم يستطع غيث كبح جماح ضحكته التى انطلقت عاليا مما جعل سلافة تقف فاغرة فاها, فمن يضحك أمامها ليس هو غيث ابن عمها البارد المتجهم دوما, لا.. ان من يقف أمامها الآن رجل ينضح جاذبية أكسبته ضحكة وسامة لم تنتبه اليها قبلا, ارتسمت ابتسامة شاردة على شفتيها الكرزتين, انتبه غيث الى تركيزها الشديد فيه, فهدأت ضحكاته ثم اقترب منها حتى اشتم رائحة عبيرها الخاص وهمس بصوت أجش:
– ايه يا بت عمي, فيه حاجة غريبه فيّ انهارده؟
نفت بهزة من رأسها وأجابت بصدق أسر لبّه:
– لا بس أول مرة أشوفك بتضحك بالشكل دا!, احنا تقريبا قربنا على 3 اسابيع هنا وفي المدة اللي فاتت دي نادر لو شوفتك ابتسمت على طول مكشّر, زي ما تكون خايف تضحك وشّك يشقق!!.
نظر اليها بدهشة وهتف:
– كيف دِهْ؟, ازاي يشجج يعني؟
زفرت سلافة بعمق وأجابت:
– لا دي شرحها هيطول, المهم حاول تضحك كتير لأن كُتر التكشير بتخلي الوشّ يعجز بسرعة, انت لسه ما دخلتش دنيا, استنى لما تدخل وبعدين اعمل ما بدالك…
ثم تمتمت بينها وبين نفسها:
– لو جدعه مش هتخليك تكشر, ولو اني خايفة شكلك انت اللي هتخليها تكشر, ما هو أصلكم باين عليكم عيلة بتمشي كلمتها في كل حاجة حتى التكشيرة!
قال غيث مقطبا:
– انتي جولتي حاجة يا سلافة؟
أغمضت عينيها ورفعت رأسها الى الأعلى ثم فتحتهما ناظرة الى سقف الغرفة وهي ترفع يديها هاتفة:
– الصبر من عندك يارب!.., ثم التفتت اليه وتابعت:
– أنا عاوزة أعرف حاجة لو ممكن… قبل ما نشتغل سوا ما كنتش بتنادي لي غير بت عمي, ودلوقتي من ساعة ما اشتغلنا مع بعض وانت حلي في عينيك اوي اسمي, كل شوية سلافة وسلافة, ما تنساه وتسكت؟!
واضعة يديها في منتصف خصرها, تظاهر غيث بالبرودة وأجاب:
– كفاياكي كلام مالوش لزمة, واتفضلي علشان نشوف المهندس اللي جاي يدرب الموظفين على البرنامج ابتاعك…
وقف مفسحا لها الطريق فابتسمت واتجهت اليه وما ان أصبحت بالقرب منه حتى نظرت اليه وقالت بابتسامة وكأنها تهنّئه على عمل ممتاز:
– أيوة كدا, السيدات أولا.. ليدز فيرست يا كابتن..
حرك غيث رأسه يمينا ويسارا يأسا من ابنة عمه ولسانها..
دخلت حيث الغرفة التي سيقوم بها مهندس الحاسب الآلي بتدريب الموظفين على كيفية استخدام النظام الجديد, وقف غيث بجانبها وأشار اليها قائلا بينما سكت المهندس عن الشرح:
– أستاذ منير.. أحب أجد ملك الأستاذة…..
هتف المدعو منير بغير تصديق وهو يبتسم ابتسامة واسعة:
– مين؟, سلافة الخولي!, مش ممكن!, أزيك يا.. سولي!
هتفت سلافة بحبور:
– معقول؟, منير عزمي!, أنا مش مصدقة عينيا!, معقول الدنيا صغيرة أوي كدا؟!
مد منير يده مصافحا سلافة وسط نظرات غيث الذاهلة والتي ينقلها بينهما, وما إن لمحها وهي تمد يدها وتخطو ناحيته للسلام عليه حتى سارع بالقبض على راحتها لتضيع بداخل يده العريضة وهو يحدجها بنظرات قوية استغربت لها بينما لفّ الى منير الواقف ولا يزال مادًّا يده أمامه وقال بابتسامة صفراء:
– أهلاً بك يا باشي مهندز!.
ارتبك منير وأنزل يده بينما نظرت سلافة بغيظ الى غيث وحاولت جذب يدها من قبضته القوية والتي اشتدت ما ان شعر بمحاولتها الفاشلة لترك يده, رسمت سلافة ابتسامة صغيرة فوق ثغرها الوردي وقالت موجهة حديثها لمنير وهى تستشعر شرارات تتطاير من ذلك الواقف بجانبها ولكنها تكون ملعونة لو خافت من تهجّمه الواضح, فمنير من أفضل زملائها في الجماعة ولن تدعي غير ذلك ولو من أجل ذلك الـ.. غيث!.
قالت سلافة:
– انا ما صدقتش لما شوفتك, اخبارك ايه يا منير؟
أجاب منير بابتسامة صغيرة وهو يسترق النظر الى ذلك العملاق الضخم الواقف بجانبها ينظر اليه شزرا بينما تعتلي سيمات وجهه البرود:
– الحمد لله يا سولي, انما ايه المفاجأة الحلوة دي, معقول انتي بتشتغلي هنا؟
ضحكت سلافة وأجابت وهي تنظر الى غيث بترفع والذي ضغط على أصابعها بقوة أشد ما أن سمع اسم التدلل الخاص بها يتلفظ به هذا المعتوه الذي ينظر اليها بابتسامة لزجة تتراقص على شفتيه:
– مش بالظبط, أنا جدي يبقى عبد الحميد الخولي صاحب المزرعة!
ليطلق منير صافرة طويلة و…. إلى هنا وكفى!, لم يستطع غيث الصمت أكثر من ذلك, هتف به بخشونة وغلظة:
– باجول ايه يا باشي مهندز, خلص التدريب للناس علشان عاوزين يروحوا بيوتهم, عن إذنك…
وخرج وهو يجذب سلافة معه, والتي رسمت ابتسامة اعتذار خفيفة وهتفت لمنير والذي وقف يراقبهما بتقطيبة حائرة:
– فرصة سعيدة يا منير, هشوفك تاني أكيد…
صاح منير بينما يخطو غيث خطوات واسعة جعلتها أشبه بالراكضة لتلحق به:
– أكيد يا سولي…
زمجر غيث وحاولت سلافة جذب يدها من قبضته بلا فائدة, حتى وصلا الى غرفة المكتب فدفعها الى الداخل بقوة وصفق الباب خلفه ووقف أمامها وهو يرغي ويزبد بينما أخذت تفرك معصمها موضع قبضته وقد تلونت بشرتها الرقيقة باللون الأحمر القاني, فعلمت أنها ستتلون بألوان الطيف السبعة في الغد..
هتف غيث وهو يقترب منها بحنق:
– انتي كيف تسمحي لنفسك انك تتحدتي مع راجل غريب بالطريجة ديْ؟ لاه وفين.. جودام الموظفين كُمان!, انتي جنِّيت أكيد!
هتفت سلافة بغيظ وقد اعتلت وجنتيها حمرة الغضب بينما تناثرت خصلات من شعرها حول وجهها ولمعت عيناها لغضبها الشديد مما أكسبها فتنة ظاهرة لم تنتبه لها:
– انت انسان رجعي ومتخلف!, منير دا يبقى زميلي وانا ما اتعدتش الحدود معاه, انت بتصرفك دا اللي خليت الكل يستغرب!
تقدم منها بخطوات سريعة غاضبة وقبض على مرفقها بقوة آلمتها وصاح بغضب:
– وكما بتعاندي في الغلط!, مية مرة جولتلك عندينا إهنه مش كيف عنديكم في مِصِرْ, جولتلك أي كلمة محسوبة على الحرمى خصوصي اننا اهنه في بلد اصغيرة, مش بندر ولا هو مركز, لاه, اهنه سلونا غير, يعني مينفعشي توجفي تضحكي وهو يجلعك بالطريجة الماسخة ديْ جودامي!, تجدري تجوليلي الموظفين اللي شافوكم دول هيجولوا عليكي ايه؟, ما تونطوجي؟, واحد غريب عم بينادم عليكي باسم ماسخ ومايع زييكي, هيجولوا ايه؟, احمدي ربك اني مسكت نفسي ولا كان هيوبجالي تصريف تاني!!
نظرت اليه بقوة وقالت بجدية بينما تلمع مقلتيها بشدة وكأنها النجوم تلمع في سماء ليلة شديدة السواد:
– انا اللي ماسكة نفسي لغاية دلوقتي احتراما انك ابن عمي الكبير, لكن كلمة زيادة صدقني مش هسكت, وطالما أي حاجة بعملها مش عجباك أنا هريّحك خالص!
وجذبت مرفقها بشدة واندفعت متجهة الى الخارج عندما صدح صوته آمرا لها بالوقوف, بينما سار اليها ليقف أمامها تماما ناظرا اليها ومال عليها وقال وهو مقطبا جبينه بحيرة وتساؤل:
– هتريحيني كيف يعني؟
نظرت اليه مجيبة ببرود:
– حاجة بسيطة جدا, هقطع أجازتي وأنزل مصر, أظن ان الزيارة طوّلت أوي بما فيه الكفاية, والعيلة اتلم شملها, يبقى مالوش لزوم قعاد أكتر من كدا, وقبل ما تتكلم – رفعت يدها مقاطعة اياه عندما وجدته يهم بالكلام وتابعت – انا بتكلم عني أنا, انا مش عاوزة أخلي بابا يسيب جدي وجدتي, انا بتكلم عن نفسي, الموضوع سهل جدا, انا هقطع أجازتي وهرجع مصر, والوقت اللي بابا حابب يقعده هنا هو براحته, فاطمّن خالص, اوعدك انه دي آخر مرة تشوف فيها وشي أو أعمل حاجة مش من عواديكم, عن اذنك!
وغادرت مسرعة تاركة له وهو يقف متسمرا في مكانه, حتى اذا ما انتبه, وجدها قد اختفت من أمامه فخرج مسرعا في إثرها وهو يتمتم بشراسة بينه وبين نفسه:
– انسي انك تخطي بجدمك خطوة واحدة برّات المزرعة يا سلافة, وابجي وريني يا بت عمي هتمشي كيف, خصوصي بعد ما بوكي يسمع اللي هجولهوله!
**************************
– اجعدي يا راوية يا ختي, زارتنا البركة…
جلست راوية على الاريكة المذهبة الكبيرة في غرفة جلوس منزل زينب التي رحبت بها بشدة, قالت راوية بابتسامة:
– منوِّر بوجودك يا اختيْ, عاوزاكي في كلمتين إكده..
قالت زينب بحبور:
– وماله, نشربوا الشاي وبعدين جولي اللي عاوزاه..
– فهمتيني يا زينب!
سألت راوية شقيقتها بعد أن أنهت حديثها, نظرت زينب اليها بتقطيبة خفيفة بين حاجبيها وأجابت:
– لاه, مش فهمانه!
زفرت راوية في ضيق وقالت بتأفف:
– ايه يا بنت أبوي, مش لازم لها نباهة ديْ!, عاوزاكي تشجعي هند بتّك انها تاجي عندينا كتير, عاوزة اللي ما تتسمى اللي حدانا هي وبناتها يعرفوا ان هند اللي داخله وهما اللي طالعين!
هتفت زينب:
– داخلين ايه وخارجين ايه يا أم غيث؟, انتي عم بتجولي ايه؟
راوية بتأن:
– افهمي يا زينب, أني عاوزة هند بتّك لغيث ولدي وأظن اني سبج ولمحت لك بإكده, كل اللي عاوزاه انّا نلحلحوا الموضوع شويْ!, خلي بتّك تعلج الحاج والحاجة فيها, هما اللي هيطلبوها بخشمهم لولدي غيث, ما تشوفي كيف بناتها واكلين بعجول الكل حلاوة!
نظرت زينب بحدة الى راوية وقد اشتمت رائحة غير مستحبة في الأمر وقالت بجدية بالغة:
– بجولك ايه يا راوية أني وبنتي مالناش صالح باللي بينك وبين مَرَتْ ابن عمّي, انتي كارهاها واني خابرة زين ليه, بس اني حاسّاها ست أصيلة والعيبة ما تطلعش منّيها والا ما كانيش عم الحاج وعمتي الحاجة حبوها, وجبلوها بيناتهم..
ارتبكت راوية وقالت بتلعثم خفيف:
– انتي جصدك ايه يا زينب؟, يعني ايه انتي عارفة سبب كرهي ليها؟, هيكون ايه غير انها السبب ان ولد عمي فاتك جبل الفرح وخلّانا سيرة في البلد كلاتها….
زينب بحزم:
– لا يا راوية دِه مش السبب!, وانتي خابرة زين انه وجتها الزعل مان بالأخص بوي وعمي , لكن اهل البلد ماحدش جدر يفتح خشمه منيّهم, ميجدروش يفتحوا عينيهم في عين كبير البلد, لكن اني خابرة زين ان زعلك وكرهك ليها لأنه ولد عمي فضّلها هي عليكي انتي مش عليّا أني!!
هبّت راوية واقفة وهتفت بسخط:
– ايه التخريف اللي عم بتجوليه دِه؟!, احنا كلاتنا عارفين انه بوي وعمك جروا فتحتنا من واحنا صغار اني لعتمان وانتي لرؤوف!
نهضت زينب وربتت على كتفها وقالت بابتسامة:
– ما تزعطيش إكده شين عشانك!, بس اللي بجوله دِه مش تخريف يا راوية, دِه أني سمعته بدناتي التنيين الدول!, كنت وجتها جاية لعمتي فاطنة ولاجيتك واجفة تحت التكعيبة اللي فيآخر الجنينة مع رؤوف, ربنا يسامحنى معرفشي ايه اللي خلاني أتسحب وأجف عشان عرف سبب وجفتكم إكده, يمكن لأني استغربت وجفتك إكده, المهم, وجفت وشفت وسمعت!
راوية باضطراب حاولت إخفائه:
– سمعت ايه وشفتي ايه؟
زينب وهي تدور حولها لتهمس في أذنها الأخرى:
– شوفت اختى الكبيرة وهي بتترجى ولد عمي, سمعتها وهي بتجوله انه يجول لعمي انه رايدها هي مش أختها الصغيرة, وان بوها مش هيرفض, التنيين أختين وهياخدوا ولاد عمهم, مش فارجة بجه مين لمين!
سكتت زينب بينما أحست راوية بالبرودة تغزو أطارفها, تابعت زينب بأسف:
– ولأسف ولد عمي صارحها انه فعلا هيكلم بوه بس مش عشانها هي لاه!, عشان بيحب زميلة ليه وعاوز يتجوزها!, وسمعته وهو بيجولك انه عتمان طيب وحنين , هو يمكن يبان انه شديد لكن جلبه أبيض, وفاتك واجفة ومشي, وجتها أني اتداريت بسرعة جبل ما يلمحني, وعشان تبجي عارفة عياطي وحالتي اللي حوصلت لمن فاتني مش عشان انه همّلني وراح يتزوج من تلبندر لاه!, دِه عشان اختي بنت امي وبوي هي اللي كانت عاوزة تاخد خطيبي منّي, وراحت رمت بنفسها عليه وجالت له انها بتحبه عشانه احنيّن عليها وانها بتخاف من عتمان, وهو حاول انه يطمنك من ناحية خوه, ويوم فرحك اني كنت شايفة الدموع في عينيكي وانتي بتحاولي تكتميها, ومرت الايام وربنا عوضني برياض, وفكِّرت انك خلاص نسيت الموال الجديم دِه, لكن لاه.. واضح انه لسّاته في بالك, واني ما تزعليش منّي يا ختيْ مش عاوزة أعرض بتي لحكاية جديمة, ومن الآخر إكده.. هند بتّي خوكي عدنان طالبها لوِلده زين وبوها وافج, بس اشترط عليهم انها تكمل علامها كيف ما بدّها!
راوية بغير تصديق:
– كل دِه في جلبك يا زينب وما جولتيشي؟
زينب بابتسامة حزينة:
– هجول ايه يا ختيْ؟, اللي فات مات, وخديها نصيحة من اختك.. انسي اللي فات يا راوية, أم سلمى مرة زينة والعيبة ما تطلعشي منّيها, جربي منها, وانسي حدوتة رؤوف ولد عمك دِه!
راوية بحدة:
– رؤوف ايه و حكاية ايه؟, لو ع الحكاية ديْ اني نسيتها من زمان, لكن اني مش هخليها هي وبناتها يسرجوا اعيالي منّي, ومش بس اكده لاه, والمال والحلال, ده أمي فاطمة مش بتجولها غير بتّي وبتّي, اني في وسطيهم بجالي اكتر من 30 سنة ما سمعتش كلمة بتي ديْ واصل!
زينب بتربيتة عطف على كتف أختها:
– نضفي جلبك يا اختي, وصدجيني هتلاجي الحب مالي جلوبهم من ناحيتك زييها تمام!!
أزاحت راوية يد أختها بحدة ونظرت اليها هاتفة:
– ومستغربة بكرهها ليه؟, اذا كانت جدرت تاخدك انتي اختي مني وتخليكي في صفها, انما ولا يهمك, اني جادرة أجف جوصادها لوحدي, وما بجاش راوية اما خرجتهم من البلد بفضيحة!
وانصرفت مغادرة بسرعة الصاروخ وزينب تركض في أثرها منادية لها ولكنها لم تقف, لتعود زينب أدراجها وهي تدعو في سرها:
– يا رب سلّم يا رب, يا رب اهديها يارب وعجّلها, اختي واني عارفاكي اجنانك مش على حد!
************************
– هتسافر ميتى يا راضي؟
أجاب راضي وهو يعقد عمامته جيدا حول رأسه:
– دلوك يا بوي بإذن الله..
اقترب ليث من راضي الواقف بجواره بينما يطالعهما عدنان بفخر, قال ليث بصوته الخشن الذي يرسل الرعب في النفوس:
– عرفت اللي هتعمله امنيح يا راضي؟, مسعود ولد الراجي لينا عنديه اكتر من 350 الف جنيه, فات شهر وما فيش ميلم واحد اندفع منيهم, اني كنت عاوز أروح له, بس انت اللي اتفجت امعاه من الاول, لو ما وافجش يدفع بالحسنى وجتها تبجى ديْ سكّتي أني!
راضي بابتسامته الطيبة:
– اطمن يا ليث يا خوي, الراجل مش حرامي, السوج بس جصّر امعاه, وان شاء الله هرجع ومعايا الفلوس, احنا ممكن نرفع عليه جضية بالشيكات اللي حدانا من غير رصيد, لكن اني بجول الطيب أحسن!..
عدنان بهدوء:
– تمام يا راضي, روح يا ولدي, تروح وترجع بألف سلامة..
مال راضي على يد والده يقبلها, وصافح أخيه الأكبر مقبلا رأسه ثم اتجه الى خارجا عندما توقفه صوت بكاء ضعيف, عرف مصدره من دقات قلبه المتسارعة’ فتش بعينيه قليلا ليبصر طرف عباءتها من خلف أحد الأبواب, فاتجه اليها ليفتح الباب ويدخل بينما شهقت سلسبيل وتراجعت للخلف, تقدم منها راضي وهو يقول بابتسامة:
– مالك يا جلب راضي؟, خفتيْ!
سلسبيل وهو تمسح وجنتيها بينما اقترب راضي يحيطها بذراعيه:
– طبعا, جلبي كان هيجف, انت المفروض كنت خارج, اعرف منين انك عاودت تاني؟
راضي وهو يحتضنها بقوة:
– سمعتك يا جلب راضي, مالي يا نور عيني, بتبكي ليه؟, هي أول مرة أسافر إيّاكْ؟
سلسبيل بحزن وهى ترفع عينان تلمعان ببريق الدموع:
– ما هى كل مرة بتكون كيف أول مرة, عشان خاطري يا راضي خدني معاك!.
أبعدها راضي عنه وهتف بابتسامة دهشة:
– باه!, جرالك ايه يا سلسبيل؟, تاجي معايا كيف؟, من ميتى وانتي بتاجي معايا في شغلي؟
سلسبيل وهي على شفا الانهيار:
– جلبي مجبوض يا راضي, مش عارفة ليه, عشان خاطري خدني امعاك…
احتواها راضي بين ذراعيه وقال بحنانه المعهودة:
– وانتي فاكرة يا جلب سلسبيل لو ربنا كاتب لي حاجة في السفرية ديْ انتي هتجدري تمنعيها عنِّيْ؟, يا جلب راضي اللي ربنا رايده هيكون ولو كنت في حضنك!
تنشقت سلسبيل عاليا ورفعت رأسها ناظرة اليه وهي تجيب:
– طيب اوعدني انك تاخد بالك من نفسك, راضي أني لو جرالك بعيد الشر هموت يا راضي, هموت!
نهرها راضي وهو يعتصرها بين ذراعيه:
– باه, ما تجيبيشي سيرة الموت, اني ما جادرشي أعيش دجيجة واحده من غيرك, انتي نوارة حياتي..
ورغبة منه بتغيير مزاجها مال عليها حتى ضربت أنفاسه الساخنة وجهها وقال بمكر:
– وبعدين عاوزين أول ما أرجع بالسلامة ان شاء الله نبدا في التالت بجه!, خلاص شبل كبر تلات سنين ما شاء الله عليه, نفسي في بنيّة تكون شبهك بالتمام, جهزي نفسك, مش هفوتك واصل, اعاود بس!..
هتفت سلسبيل وقد تخضب وجهها بحمرة الخجل التي تأخذ بلب راضي وهي تضربه بخفة بقبضتها الصغيرة على كتفه العريض:
– لازمته ايه الكلام ديه؟, أني اللي غلطانه اني بتحددت امعاك من أصله!
قال راضي وهو يعتصرها بين ذراعيه بينما سلط نظراته على ثغرها الشهي:
– لساكي بتخجلي برضيكي؟!, اهو خجلك دِه اللي بيدوبني فيكي دوب….
أسدلت جفنيها معترضة بضعف قضى على البقية الباقية من صبر راضي:
– راضي.. كفاياك!
هتف راضي:
– كفاياكي انتي..
ليلتهم شفتيها في قبلة عميقة, راغبة , شغوفة, متطلبة, ولدهشته بادلته سلسبيل القبلة بقوة, بينما تطوقه بذراعيها النحيفتين بقوة تخالف بنيتها الضئيلة وكأنها تريد إدخاله بين جوانحها, قطع عناقهما صوت جهوري يناديه, ابتعد عنها وقال بابتسامة وهو يلهث:
– دِه ليث, شكله استعوجني, همشي اني وهبجى أطمنك علي لما أوصل ان شاء الله, لا الاه الا الله..
هتفت وهو يسحب يده منها:
– محمد رسول الله..
ووقفت تراقبه من شق الباب وهو ينصرف خارجا, ليصطدم نظرها بعينان سوداوين تطالعانها بنظرة غريبة أثارت الذعر في أوصالها, لتشهق مبتعدة الى الخلف لتختفي عن تلك العينان اللتان تشعر بهما وكأنهما يتغلغلان داخلها!..
******************
– آآآآآآآه, اعوذ باله من الشيطان الرجيم, اعوذ باله من الشيطان الرجيم..
نهض عدنان مفزوع ليبصر زوجته جالسة بجواره وعيناها مليئتان بالدموع, ناولها كوب الماء وهو يأمرها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, بعد ان ارتشفت عدة رشفات, وضع الكوب جانبا وهتف بقلق:
– خير يا أم ليث, ايه اللي حوصل؟
هتفت بصوت ضعيف متقطع:
– كابوس يا ابو ليث, كابوس شين جوي!
وفجأة تتعالى الاصوات خارجا ليعرف من بينها صوت ليث, وقد تسببت هذه الاصوات في ايقاظ سلسبيل التي لم تكن قد استرسلت في النوم بعد فقد جافاها هذه الليلة لمدة طويلة, خرج عدنان من غرفته ليجد ليث وهو يهرول بهلع بينما يديه تعملان بديناميكية للف العمامة البيضاء, نظرت سلسبيل من شق الباب واضعة يدها فوق قلبها تهدأ من ضرباته المتسارعة, هتف عدنان بإبنه الكبير:
– فيه ايه يا ليث يا ولديْ, ايه الصوت دِهْ!
أجابه ليث وهو يلهث:
– معرفش يا بويْ, ارتاح انت اني نازل اشوف مين اللي بيخبط بالطريجة دي!
ليسمعوا جميعهم صوت الغفير صابر وهو يصرخ ما ان فُتح له الباب:
– الحجني يا كبير, الحجنا.. راضي بيه اتجتل..
لتصرخ والدته عاليا وهي تضرب صدرها بقوة:
– ولدااااااااايْ..
بينما تسمرت سلبيل لتردد بدهشة وهي تهز رأسها يمينا ويسارا:
– لاه, راضي!, لاه, راااااااااااااااااضيْ!
وتركت نفسها تسقط في هوة سحيقة تسحبها الى الأسفل, فما رغبتها في حياة تخلو من حبيبها, ولكن……. تتلقفها ذراعين لم تخطيء أذن صاحبهما شهقتها الملتاعة ليحتويها بين ذراعيه القويتين حاميا جسدها من ارتطامه القوي المؤكد بالأرض الرخامية!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كبير العيلة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى