روايات

رواية كبير العيلة الفصل السابع والعشرون 27 بقلم منى لطفي

رواية كبير العيلة الفصل السابع والعشرون 27 بقلم منى لطفي

رواية كبير العيلة الجزء السابع والعشرون

رواية كبير العيلة البارت السابع والعشرون

كبير العيلة
كبير العيلة

رواية كبير العيلة الحلقة السابعة والعشرون

حدقت ثلاث أزواج من الأعين المذهولة برؤوف وهو يخبرهم بقرار الجد بتحديد موعد الزفاف، كانت سلمى أول من أفاق من دهشته لتتكلم بغير تصديق:
– إزاي يا بابا حضرتك توافق على حاجة زي كدا؟.. جدي على عيني وراسي بس تحديد معاد الفرح أعتقد دا شيء يخصني أنا وشهاب بالدرجة الأولى؟.. واحنا اللي نحدد الوقت المناسب لينا احنا الاتنين.
نظر اليها رؤوف بابتسامة صغيرة وأجاب وهو على علم بإجابتها مسبقا:
– ويا ترى ايه هو المعاد المناسب ليكي يا سلمى؟.. لأن شهاب موافق على قرار الحاج.
اضطربت سلمى قليلا لتجيب بعدها وهي تفرك يديها بتوتر:
– بصراحة يا بابا حضرتك عارف الظروف اللي مرّينا بيها اليومين دول، وعشان أكون صادقة مع حضرتك.. أنا مش هقدر أتجوز في المعاد اللي جدي حدده.
تحدثت ألفت بلهجة الأم الحانية:
– سلمى حبيبتي.. احنا كلنا عارفين ومقدرين حالتك النفسية وبالذات الظروف اللي انتي مريتي بيها، وأنا بصراحة في الموضوع دا شايفة ان جدكم معاه حق!.
نظرت اليها كلا من سلمى وسلافة باستنكار في حين ابتسم رؤوف لتردف مانعة أي منهما مقاطعتها:
– بالراحة بس قبل ما تتسرعوا في الكلام، انتي يا سلمى للأسف كنت فاكراكي أقوى من كدا، فين إيمانك يا بنتي؟.. ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.. صدق الله العظيم، أنا مقدرة حزنك على المرحوم، لكن ليه ما تبصيش من ناحية تانية؟… المرحوم في حكم الشهيد.. ودا جزاؤه كبير أوي عند ربنا، شوفي هو كان هيموت في ساعته دي ويومه دا، لكن مش يمكن كان يموت مع حامد رشوان؟.. يعني عاصي لربه؟.. لكن هو مات وهو بيدافع عن عرض وشرف، شوفتي ربك رحيم بيه أكتر من نفسه إزاي؟.. وبعدين الفرح دا الشيء الطبيعي بعد كتب الكتاب، لأنكم فعلا في حكم المتجوزين وأنا بصراحة ضد أن المواضيع دي تطول، صدقوني حبايبي.. بيحصل خلافات ومشاكل على أقل حاجة، فأنا شايفة أننا نتوكل على ربنا ولو أني حاسة اننا هنتزنق في الوقت، احنا لسّه ما جهزناش حاجة، أنا صحيح كنت بجهزكم من وانتم صغيرين لكن بردو فيه حاجات ناقصة، ايه رأيك في كلامي يا رؤوف؟..
أشاد رؤوف برأيها قائلا:
– عين العقل كلامك يا ألفت….، ثم نظر الى ابنتيه وتابع:
– شوفوا يا بنات.. أنا بصراحة مش شايف معنى أنكم رافضين، خصوصا وانكم ما قولتوش ايه هو المعاد اللي يناسبكم.. صح؟.. يعني أنا أفهم انكم تقولوا لا مثلا عاوزين على الاقل شهر نخلص فيه حاجتنا، لكن أنتم اعترضتم من غير ما تقولوا البديل، يبقى دا رفض لمجرد الرفض بقه ولا إيه؟..
سلمى بهدوء:
– لا طبعا يا بابا، بس بعد إذنك لازم نكون مهيئين نفسيًّا لحاجة زي كدا، أنا معاكي يا ماما في كل اللي بتقوليه بس أنا في الاول والآخر بشر مش ملاك، وأكيد بمر بلحظات ضعف.. بستغفر ربنا طبعا كل ما بييجي في بالي اني السبب في اللي حصل لأحمد، بس أنا نفسيا دلوقتي عاوزة أبعد وبس، عاوزة أنسى اللي حصل، وفي نفس الوقت عاوزة لما أبتدي جوازي أكون زي أي عروسة، بفرحة وأمل وأنا ملهوفة وفرحانه مش جوايا حزن وضيق!.. جوازي لازم يكون شيء أنا ملهوفة عليه مش دوا طعمه مر ولازم أخده عشان أخفّ!..
تنهدت ألفت بعمق ونظرت الى رؤوف وتساءلت:
– إيه رأيك يا رؤوف في كلام بنتك؟..
نظر رؤوف بهدوء الى زوجته وقال:
– سلمى ليها وجهة نظر طبعا تُحترم، بس عشان تكوني عارفة يا سلمى – ووجه تتمة حديثه الى سلمى – هو دا السبب تحديدا اللي خلّا جدك يستعجل في تحديد معاد الفرح!.. اللي قاله بالحرف الواحد لازم حاجة تخرج سلمى من اللي هيّا فيه، وطبعا ما فيش أكتر من حياة جديدة مع جوزك تبتديها وانتي كلك فرح وأمل وتفاؤل، عشان كدا أنا بضم صوتي لصوت جدك…
لتقفز سلافة هاتفة بانفعال:
– بس بعد إذنك يا بابا أنا مش موافقة..
زفر روؤف فهو يعلم مدى قلة صبر ابنته الصغرى وعنادها الشديد، تحدث رؤوف بهدوء نسبي:
– وأنتي رافضة ليه يا سلافة؟..
أجابت سلافة:
– بصراحة كدا يا بابا أنا مش عارفة ايه وجه الاستعجال؟.. أنا حاسة زي ما نكون بنجري حوالين نفسنا؟.. الموضوع من أوله وجري، جري، جري.. من لحظة ما خطبونا عشان نتفاجئ انه كتب كتاب وبعدين هوب.. هوب دلوقتي عاوزين فرح والحِجّة نفسية سلمى!….، لتوجه حديثها بعد ذلك الى سلمى مردفة:
– انتي يا بنتي إنتي نفسيتك هتتعدل بعد الفرح؟.. معقول!.. دا احنا بحالتنا دي عاملين زي اللي بينط في البحر وهو مش بيعرف يعوم!.. وبصراحة يا بابا حتى لو سلمى وافقت.. أنا رافضة.
رؤوف ساخرا:
– ولما تعرفي أن غيث موافق ومصمم انه الفرح يكون في المعاد اللي جدك حدده.. هتعملي إيه؟..
برقت عينا سلافة بعزم وقالت:
– أنا هتكلم معاه، فيها إيه دي؟!..
لتنفذ قولها في التو واللحظة وهي تستأذن بالانصراف متجهة الى الخارج حيث غيث، في حين نهضت سلمى وقالت بهدوئها المعتاد:
– بعد إذنك يا بابا.. أنا محتاجة أتكلم مع جدي عبد الحميد، بيتهيألي جدي لو اقتنع بوجهة نظري هو بس اللي يقدر يقنع الكل..
ثم انصرفت هي أيضا في حين نظرت ألفت الى رؤوف وقالت بابتسامة:
– البنات كبروا يا أبو البنات وكل واحدة فيهم عاوزة تتصرف بطريقتها هي.
روؤف بفخر أبويّ:
– سيبيهم يا ألفت، مع أني موافق الحاج في كل اللي قاله لكن ما تتصوريش وانا شايفهم وكل واحدة عاوزة تثبت وجهة نظرها أنا حاسس بالفخر إزاي، بناتي ليهم شخصية ورأي وبيفرضوا شخصيتهم دي على اللي قودامهم ولازم اللي يواجههم يعمل لهم ألف حساب، ويعرف أنهم مش عشان خاطر بنات يبقى مالهومش رأي ولا يبقى أؤمر تُطاع، وأنا متأكد انه الحاج هيقدر يِّفهمهُم كويّس ويقنعهم كمان.
———————————-
كان الجد يجلس في مكانه المفضل في الحديقة تحت سقيفة العنب حينما اتجهت اليه سلمى، سلّمت عليه مقبلة ظهر يده كما سلّمت على جدتها، رحب بها الجد مهللا وقال وهو يشير اليها لتجلس بجواره على الأريكة الخيزران:
– يا مرحب يا مرحب بالدكتورة، كيفك يا بنيتيّ؟.. ان شالله زينة؟..
جلست سلمى وأجابت بابتسامة:
– الحمد لله يا جدي ربنا يخليك.
قالت الجدة وهي تمد يدها بكوب الشاي للجد:
– فينك يا دَكتورة، جدتك ما اتوحشتهاش؟!..
أجابت سلمى بنفي قاطع:
– لا طبعا ازاي يا جدتي، معلهش أنا عارفة اني مقصرة بس..
ليقاطعها الجد رافعا يده باسطا راحتها:
– ما بسّش يا بنيْتي، انتي عمريكي ما تجصري إمعانا، انتي ولد الغالي، جدتك ما جصدهاشي حاجة.. انتي بس بتتوحشينا فبنبجى رايدين نجعودا إمعاكي..
أكدت الجدة قائلة:
– عندك حج يا حاج، انتي غالية حدانا جوي جوي يا بنيتي وربنا يعلم، غلاوتك أنتي وخيتِك وأُميكي من غلاوة ولدي رؤوف إسم الله عليه..
قالت سلمى بابتسامة:
– وحضرتك وجدي غاليين علينا أوي أوي يا جدتي.
نظر عبد الحميد بابتسامة ماكرة وقال وقد أخبره حدسه بسبب حضور حفيدته لرؤيته:
– إيه يا بنيتي، شايف حديت على وشّك.. خير يا دَكتورة؟..
سحبت سلمى نفسا عميقا قبل أن تلتفت بكليّتها الى جدها وهي تقول بهدوء نسبي شابه توتر ملحوظ:
– بعد إذنك يا جدي.. بابا قال لنا ان حضرتك قررت أنه الفرح يكون على أول الشهر اللي جاي، يعني كمان اسبوعين تقريبا كدا أن شاء الله..
نظرت اليها الجدة بتساؤل ولم تتكلم في حين ابتسم الجد وأجابها بحكمة:
– أول هام أني ما جررتش.. أني حددت!.. انتو عاجدين أديلكو أكتر من شهرين، ومش لساتكم عتعرفوا بعض، دا غير أنه العرسان جاهزين، يبجى إيه المانع انكو تتجوزوا وخير البر عاجله؟..
زفرت سلمى بعمق وقالت:
– اسمح لي يا جدي أنا هكون صريحة مع حضرتك… أنا يعني حضرتك عارف أكيد الظروف اللي مرِّينا بيها، أنا نفسيا مش قادرة أبتدي حياة جديدة، على الأقل دلوقتي، محتاجة وقت أجمّع فيه نفسي كويّس عشان لما أبتدي حياتي مع شهاب أبتديه وأنا عاوزة كدا مش عايزة أحس اني كنت مجبرة!..
قال الجد بحنكته:
– طب خليني إمعاكي يا دَكتورة.. دلوك أنتو مش كاتبين اكتابكم بجالكوم كم شهر؟.. واللي أنا شايفه يجول أنكم مش لسه عتتعرفوا على بعض، وحكاية الظروف اللي مريتي بيها ديّ عاوز أجولك انه هي الظروف ديْ اللي خليتني أنجز في موضوع الفرح، لأنه كيف ما جولتي انتي لازمن تطلعي من اللي انتي فيه ديِه.. وديِه مش هياجي غير لمن عجلك ينشغل بحاجة تانية خالص، بجوازك وحياتك الجَديدة، وبعدين يا بنيتي أنا خلاص العمر مبجاش فيه جاد اللي راح.. رايد أفرح بأحفادي جبل ما ربنا سبحانه وتعالى ياخد أمانته، تستكتري فيا الفرحة يا بنت الغالي؟..
هتفت سلمى نافية بحرارة:
– أبدا يا جدي، بعد الشر عليك، ربنا يديك الصحة وطولة العمر حضرتك وجدتي..
لتهتف الجدة بنزق:
– وبعدهالك يا حاج.. أني مش جايلالك ما تجيبيش السيرة ديْ تاني؟.. ربنا يعطيك طولة العمر ويجعل يومي جبل يومك جول آمين..
ابتسمت سلمى وأرادت إضفاء بعض المرح على الجلسة فقالت وهي تغمز جدها:
– اللاه اللاه.. أقوم أنا بقه، حاسة أني بقيت عزول وأنا مش واخدة بالي!..
لتصدح ضحكة الحاج فيما أنبتها الجدة قائلة:
– باه.. أنتي يا سلمى اتجولي إكده؟.. لو سلافة كنت جولت مش امهم اتعودنا على طبعها في الغشمرة.. لكن انتي…
قال الجد:
– عشان تبجي عارفة يا فاطنة سلمى عنديها خفة دم كيف سلافة تمام..
ضحكت سلمى وقالت:
– تسلم يا جدي، بس أنا ما أجيش في سلافة حاجة..
الجدة بحنان:
– ربنا يخليكو لبعض، المهم يا بنيتي دلوك.. وافجي يا نضري انه الفرح يبجى في المعاد اللي جدّك جال عليه، وعشان تبجي عارفة.. عمر جدك ما جال كلمة وحَدْ وجّعها الأرض واصل، لكن لانكم عنديه حاجة تانية فعشان إكده ما رايدشي يكون غصب عنيكي أنتي وأختك.
نظرت سلمى الى الجد وقالت بابتسامة:
– ما عاش ولا كان اللي يوقع كلمة ليك يا حاج عبد الحميد، بس أنا بعد إذنك ليا طلب صغير…
تبادل الجد والجدة نظرات التساؤل وسط ابتسامة فرح يخالطها الريبة!!..
—————————————————-
اتجهت سلافة الى مكان وجود غيث في حظيرة الخيول حيث سألت عليه فأرشدوها الى مكانه، كان غيث يمتطي فرسا أسودا عربيّا ضخما يتريّض به في مساره حينما لمحها تقبل عليه من بعيد، فاتجه إليها ليقف بجانبها جاذبا لجام الفرس بقوة ليوقفه ليصهل الأخير احتجاجاً، نظر اليها من مكانه فوق صهوة الجواد وقال بابتسامة:
– ايه الصدف السعيدة ديْ.. يا ترى على فين العزم ان شاء الله؟..
ظللت سلافة عينيها بيدها وأجابته وهي ترفع رأسها لتتطلع إليه:
– أنا عاوزاك في كلمتين يا غيث.
قطب غيث وقد استشعر الجدية في كلامها، ليسارع بالترجل من فوق صهوة الفرس، ويمسك بلجامه قائلا:
– خير يا بنت العم.
سلافة وهي تنظر اليه وقد أنزلت يدها جانبا:
– خير ان شاء الله..
نادى غيث على السائس ليسلمه لجام الفرس ثم دفعها براحته فوق ظهرها بخفة ليوجهها الى السير الى منطقة مظللة بعيدا عن أشعة الشمس القوية وهو يقول:
– خير يا بت عمي؟.. جلجتيني..
وقفا أسفل شجرة سنديان ضخمة تميل بأوراقها حولهما، نظرت اليه سلافة وهي تحاول أن تشحذ قوتها ثم أجابت بما تملكه من ثبات:
– بابا قال لنا على قرار جدي بخصوص معاد الفرح..
قطب غيث وقد شعر أن تتمة حديثها لن تعجبه وقال:
– وبعدين؟..
لعقت شفتيها الجافتين بطرف لسانها الوردي لترطبهما وأجابت بعد أن سحبت نفسا عميقا:
– أنا مش موافقة يا غيث!.. من الآخر مش فاهمه إيه وجه الاستعجال بالظبط؟.. احنا مش مخطوبين بقالنا سنة ولا اتنين، احنا بقالنا كم شهر بس، ومن الآخر أنا مش جاهزة اننا نتجوز دلوقتي!..
ساد الصمت بعد انتهائها من حديثها الجاد والذي اصطبغ بنبرة تحد، عقد غيث ساعديه السمراوين أمام صدره وطالعها بنظرات مبهمة، فيما أشاحت هي بعينيها بعيدا عنه، كان غيث أول من خرق الصمت السائد قائلا بهدوء كالهدوء الذي يسبق العاصفة:
– طيب ممكن أعرِف يا بت عمي انتي هتبجي جاهزة ميتى بالظبط عشان جوازنا؟..
سلافة وهي تطالعه بثقة:
– بصراحة معرفش لسه يا غيث، لكن كل اللي أعرفه اني مش هقدر أتجوز في المعاد اللي جدي حدده، أصلا المفروض انه المعاد دا انا وانت اللي نحدده، احنا أدرى الناس بالوقت اللي هنكون مستعدين فيه!..
ابتسم غيث بسخرية قائلا:
– عجيبة!.. ما انتي لساتك يا بنت الناس عتجولي ما عاوزاشي دلوكيت خالص ومعرفش إيه، يبجى منين ديِه ومنين احنا اللي نحددوا امعاد الفرح؟.. وبعدين أنا جولتلك جبل سابج أنه متى ما اتطمنا على ليث والموضوع خولص بالسلامة اننا هنتمم الزواج، صوح ولا لاه؟..
شعرت سلافة بالتوتر وأن غيث قد حشرها في الزاوية بأسئلته المفرطة فهتفت بحدة:
– هو تحقيق ولا إيه يا غيث؟.. مش المفروض أنا العروسة؟.. يعني أنا اكتر واحدة لازم تكون موافقة على معاد الفرح، وانا بقولك يا غيث المعاد مش مناسبني، وقت قليل جدا وأنا لسه مش مستعدة!…
أسدل غيث ذراعيه بجانبه وقلّدها ساخرا:
– وميتى على إكده عتكون عروستنا مستعدة للفرح؟..
هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت بثقة وبرود علمت بعدها مدى خطئها في استفزاز غيث:
– من الآخر كدا مش قبل.. ست شهور!!..
ليهتف غيث عاليا:
– كيييف!!!!!!!!!، 6 شهور؟!!، انجنيتي إياك!!، ست شهور إيه ديْ!
واقترب منها في حين تراجعت هي عدة خطوات الى الوراء وهي تحذره شاهرة سبابتها أمامه:
– بقولك ايه يا غيث… اوعى تقرب مني، أنا مش نعجة انت شاريها من سوق التلات مالهاش رأي، أنا بني آدمة، وليا رأي, وموضوع جوازي دا ما يهمش حد أد ما يهمني أنا!…
وقف غيث أمامها لتصطدم بجذع النخلة خلفها فشهقة بخفة في حين مال عليا مجيبا باستهزاء واضح فيما عيناه تغشاهما نظرة خيبة الأمل الواضحة:
– معلهش يا بت عمي.. فيه طرف تاني إيهمه موضوع زواجك… – لتنظر اليه مقطبة بريبة فيتابع بنصف ابتسامة سخرية تشوبها المرارة – العريس!.. اللي هوَّ أنا يا… عروسة!..
حاولت سلافة امتصاص غضبه الواضح والذي تعبر عنه عيناه بوضوح فقالت:
– اسمعني يا غيث…
ليسارع بإمساك يدها التي كانت تشير بها اليه ليشبك أصابعهما سوية وهو يقول بجدية بالغة:
– لاه يا بت عمي.. اسمعيني أنتي، أنى كنت بأعد الايام لجل اليوم ديه ما ياجي، وجت ما جدي حدد المعاد كنت حاسس بجلبي كانُّه عيطير من الفرحة، خلاص ما بجاش غير أيام وتكوني امعايا، معتبعديش عن عينيا التنتيين واصل، كنت فاكر انك عتفرحي كيف ما اعملت، لكن واضح انه أني بس اللي كنت ملهوف عليكي يا بت العم.
استطاع غيث إشعارها بالذنب ليبدأ ضميرها في تأنيبها وتقريعها بعنف، فما حجتها القوية في رفضها معاد الزفاف، فسلمى تملك تبريرا مقنعا وهو حالتها النفسية السيئة، ولكن هي.. ما السبب الذي تملكه للاعتراض؟.. وبدلا من أن تصارحه بتخوفّها من اتمام الزفاف سريعا وهي لم تقض معه المدة الكافية التي تجعلها تعتاد طباعه جيدا إذ بها تتصرف وفقا لشخصيتها المجنونة وانفعالها الصبياني وترمي برفضها في وجهه لمجرد الرفض فقط كما سبق وواجهها أبوها بذلك!..
كانت تسترق النظر اليه بطرف عينيها بينما تعض على باطن شفتها السفلى في حين كان غيث يرنو اليها بطرفه وهو يعلم تماما فحوى الأفكار التي تدور في هذا الرأس الصغير العنيد، هو يعلم سلافة تماما كراحة يده، عرف أنها أبدا لن تأتي بسياسة الأمر الواقع، ليأتيها من ناحية أخرى.. ألا وهي تأنيب الضمير!.. ومن النظرات المترددة التي ترمقه بها وهي تحسبه غافلا عنها يكاد يجزم أنها تراجع نفسها بشأن قولها الأحمق ذاك الذي رمته في وجهه من أنها ترفض إتمام الزواج في الموعد الذي حدده الجد، أتمزح؟.. هو يكاد يصاب بنوبة قلبية من فرط فرحته لقرب زفافهما حيث يجمعهما مكان واحد، وهي تفكر كيف تقنعه بأن يؤجل معاد الزفاف، تبّا له ألف مرة لو وافقها على جنونها، ولتحمد ربها أن الجد قد قرر الموعد في غضون أيام، فلو لم يتدخل أحد في ذلك لكان سارع هو بالالحاح في اتمام الزفاف ولو اعترض أحد لكان خطفها تماما كما فعل في السابق كي يقنعها بالارتباط به، فمن الواضح أنه أمام سلافة لا يوجد حلّا آخر سوى اختطفاها!!!.. حيث يطير منه عقله الراجح والذي يتصف به ليحل بدلا منه بعضا من جنونها اللذيذ، وكم يحب هو هذا الجنون الذي يضفي على حياته الراكدة بهجة لا تقاوم!..
تحدثت سلافة وشعور الذنب يزداد بداخلها:
– غيث أنا مش عاوزاك تزعل مني، غيث أحنا ما لحقناش نتعود على بعض، أحنا محتاجين وقت نعرف بعض فيه أكتر و…
ليقاطعها وقد ترك يدها ليمسك بوجهها بغتة ويحيطه براحتيه الخشنتين فيما يميل عليها ليتيه بين دخاني عينيها هامسا بخشونة:
– نتعودوا على بعض؟.. فِكرك أني لحد دلوك معرفتكيش يا بنت عمي؟.. أني ما فيش حاجة فيكي الا وحفظتها، عارف ميتة بتكوني غضبانة من عجدة حواجبك وزمّتك الـ خشمك كيف الصغار، عارف ميتة بتكوني فرحانه وعيونك بتتفطط تفطيط من فرحتك، عارف ميتة بتكوني رايده حاجة وتجعدي اتلفي عليها وكان اللي جودامك ديه مش عيفهم إنتي رايده إيه؟.. سلافة.. أني لو اختبروني فيكي عاخد الدَّكتوراة وبامتياز كومان!…
كانت سلافة تطالعه بانبهار طوال حديثه، فيما حمرة جذابة انتشرت في وجهها كله حتى منابت شعرها ما جعل وجهها آية في الجمال، وشعرت بدقات قلبها وهي تطرق عاليا، لم تكن تعتقد أنها قد أصبحت كالكتاب المفتوح بالنسبة لغيث هكذا، ربّاه.. أنّى له أن يعلم عنها كل هذه الأمور الدقيقة وبمثل هذه السهولة والوضوح؟.. هي تشعر به وقد أصبح أقرب اليها من أنفاسها، انتبهت من شرودها على ضغط ذراعيه اللتان تسللتا اليها ليحيطا بخصرها الدقيق فيقربها اليه بينما مال عليها لتلفحها أنفاسه الحارة وهو يتساءل فيما تتيه هي في فحم عينيه المشتعل:
– لسّاكي برضيكي جلجانة من جوازنا يا حبة الجلب؟..
تاهت في عينيه، لترد بهزة نفي بسيطة من رأسها وكأنها منومة مغناطيسيا، ولكن هزة النفي هذه كانت أكثر من كافية لغيث ليسارع باحتوائها بين ذراعيه يود إدخالها بين ضلوعه وهو يهتف بحرارة:
– بحبك يا جلب غيث…، ولم يمهلها الرد إذ سارع باقتطاف ثغرها الوردي في قبلة طويلة عميقة أودعها حبه وعشقه اللامتناهي لها، حتى أذ تركها لتستطيع التنفس همس لها وهو يسند ذقنه الغير حليق الى جبهتها فيما يحاول جاهدا التقاط أنفاسه الثائرة:
– هاعد الايام بالساعة والدجيجة لحدت يوم الفرح، وربنا يصبرني اليامين دول..
لتسارع بدفعه بخفة وتجيبه وهي تبتعد عنه بخطوات رشيقة:
– اعمل حسابك انك مش عتشوفني واصل اليامين دول، عن إذنك يا ولد عمي..
لتسارع بالابتعاد فيما ينادي عليها ليقف مراقبا ظلها إلى أن اختفى فابتسم وهمس:
– مجنونة، بس بموت في اجنانك..، ليقطب فجأة ليستوعب الآن فقط كلمتها من أنه لن يراها لحين موعد الزفاف فيسارع بالركض خلفها وهو يهتف:
– تعالي إهنه، كيف مش عشوفك يعني؟… وجفي يا سلافة!..
وسارع بالركض خلفها بغيّة اللحاق بها…..
***********************************************
وقفت ووجهها بلون ثمرة الفراولة الطازجة، أشار اليها ليث بسبابته لتقترب، عضت باطن خدها بينما تقترب بوجل، أشار الى صدره العار وهو يقول بمرح مشاغب مفتعلا الجدية:
– يعني انتي دلوك مش عتغيري ع الجرح؟.. خلاص أشيع الواد صابر يجيب ممرضة من المشتشفى، دام انك مش رايدة اتغيري لي عليه…
قطبت بشدة فيما طار خجلها أدراج الرياح وهي تسمع اقتراحه الوقح هذا، لتقترب منه وتتناول الحقيبة التي تحتوي على أدوات غيار الجرح هاتفة بخشونة:
– باه.. ممرضة؟.. لاه يا نضري.. عغير لك أني….
ودفعته في كتفه بقوة ليقع جالسا فوق الفراش خلفه وهو يهتف باستنكار، فيما شمّرت عن ساعديها وبدأت في تنظيف الجرح واستبدال الرباط الطبي بآخر نظيف، كانت أنفاسها اللاهثة تلفحه وهي تقوم بربط الشاش الطبي، بينما تتابعها عيناه كالصقر وما أن انتهت وقد ألصقت اللاصق الطبي بنجاح حتى هتفت بظفر:
– اهاه… ولا أجدعها اممرضة تعرف تعمل اللي أني اعملته.
ما ان أنهت عبارتها حتى سارع بإحاطتها بذراعه ليرفعها فوقه بينما يميل فوق الفراش خلفه فشهقت بعجب ليدفعها بخفة وبحركة خفيفة لتحل مكانه هي فوق الفراش فيما يشرف هو عليها بينما رائحتها الأنثوية الخاصة تُسكره فيهتف بعد أن نفذ صبره تماما بحرارة قوية:
– وأني جبت آخر يا سلسبيلي..
همّت بالكلام ليُسكتها مبتلعا كلماتها.. معتصرا فمها في قبلة حارة تحوّلت تدريجيًّا إلى عناق طويل، عنيف،متطلب، حيث أبحرا الى عالم عشقهما العميق ليغوصا فيه وقد تشبثا ببعضهما البعض وكأن حياة أحدهما تتوقف على حياة الآخر!..
بعد وقت طويل كانت سلسبيل تفترش برأسها صدر ليث، همس ليث بخشونة وهو يقبّل قمة رأسها:
– عارفة يا سلسبيل.. – اكتفت بإصدار صوت همهمة صغيرة فتابع بابتسامة جذلى – نفسي اتدنيكي بين دراعاتي إكده، لو طولت ما عسبكيش اتفارجيني دجيجة واحدة، عمري ما حسيت بالسعادة إكده، سعادتي في وجودك جنبي وجصاد عيني يا سلسبيلي.
رفعت سلسبيل رأسها وطبعت قبلة رقيقة على ذقن ليث الخشن قبل أن تهمس برجاء من عسل عينيها المصفى:
– ليث فيه حاجة رايدة عسعلك فيها..
هبط بعينيه اليها وقال بابتسامة:
– اسعلي يا بت عمي..، تساءلت برجاء هامس:
– انت فعلا كان جوازك من بت الفرطوس ديْ ع الورج إو بس!
زفر ليث بضيق فاعتدلت في رقدتها لتنهض على ساعديها وقالت وهي تميل فوقه ناظرة اليه ترجوه بعينيها فيما توسدت يدها صدره فوق خافقه تماما وهي تردف باستعطاف:
– طمّني يا ليث، أني عجلي هيشت منّي، انت فعلا ما جربتش منيها واصل؟..
زفر ليث بضيق قبل أن ينظر اليها وهو يجيبها بجدية:
– سلسبيل من ميتة وأني بكدب في احاجة؟.. لو كان ديِه حوصل ما عاخفيش منيكي وعجول حوصل، لكن أبدا عمري ما لمستها خير.. شر، اطمّنتي؟.. أني بس بدي أعرِف ليه سؤالاتك ديْ، أنتي إكده بتكدبيني يا بت عمي.
لتسارع بوضع راحتها فوق فمه وهي تشهق معترضة:
– لا عِشت ولا كونت يا نضر عيني، أني بس.. أصلها….
حثّها ليث على التكملة قائلا:
– أصلها إيه كمّليْ..
هتفت بحنق وهي تدير وجهها جانبا:
– حلوة جوي يا ليث ومتغندرة إكده وشايفه نفْسَهَا، ديه غازيّة يا ولد عمي يعني تِعرف كيف اتجيب الراجل ليها، وأني.. بغار يا ولد عمي، بتجيد فيا النار كل ما ياجي ببالي انه ممكن واحدة تانية إتفكر فيك ولو بينها وبين نفسيها!..
صدحت ضحكة ليث عاليا فضربته سلسبيل بقبضتيها الصغيرتين فوق صدره وهي تهتف باستنكار:
– عتضحك عليّ يا ليث، طيب وخّر عنِّي، أني عاوزة أجوم من إهنه..
ليحاصرها بذراعيه وهو يقول فيما يضغطها أقرب اليه:
– أوخّر؟!.. مجنونة إنتيْ!.. أوخّر كيف وأني ما صدجت انك تحسي بجلبي؟.. أهملك كيف وانتي بتجولي انك بتغيري علي، يعني بتحبيني؟.. أفوتك كيف وانتي في الموكان اللي يا ما حلمت اتكوني فيه؟.. جاري إهنه، بين يدِّيني التنيين، تجومي تجولي بعّد؟!.. وبعدين فيه حاجة غلوبت أجولك عليها وأعيد وأزيد فيها… كل الحريم إف كفة وانتي لوحدك إف كفة، وبرضيكي كفّتك انت الرابحة يا سلسبيلي، لأنك خدت جلبي امعاكي من زمان، من وجت ما كونتيْ بضفيرة وبتجري حواليّ، سرجتيه يا سلسبيل وما عاودش موطرحه إلا لمن اتزوجتك وبجيتي مَرَتيْ، وجتها بس حسيت انه جلبي رد لي تاني، إوعاكي اتحطي نفسيكي في كفة واحدة مع أي حرمة تانية، مرت الليث مالهاش زيّ وما فيش ضوفر حرمة تانية تسواها.
لتغشى عينيها طبقة شفافة من الدموع وقد لمست الصدق في كلماته وهمست بصوت متحشرج:
– بحبك يا ولد عمي، ربنا ايخليك ليّ يا ليثي، وما عيحرمني منيك واصل..
زادت دقات قلبه وهو يسمع اعترافها اللا مشروط بحبه ومال عليها متمتما بصوت أجش:
– بجول إيه.. ما تاجي انكمل الحديت اللي كنا بنجوله من إشويْ.
لتعض على باطن خدها وتهمس بخجل يلون وجنتيها:
– احنا كنا بنجول إيه؟.., ليهبط عليها هاتفا بخشونة:
– بسيطة.. عفكرك جوامك!!!!!!!!!!!!….
**ليراجع معها ليث كلما سبق وأن قالاه وبالكلمة والحرف الواحد.. (فيس بيرقّص حواجبه وبيغمز بمكر)**
**************************************************
دلفت سلمى الى غرفة الجلوس وهي تمسك بمرفق جدها، لتجد الجميع وقد اجتمعوا، ألقى الجد السلام، فيما اتجهت الجدة الى المطبخ لتأمر الخادمة بإحضار الشاي وقطع الكعك البيتي الذي كانت قد صنعته ألفت في وقت سابق، جلس الجد ليحذو الباقين حذوه وكانوا قد قاموا احتراما له، انخرط الجميع في أحاديث جانبية لينتهز شهاب الفرصة ويميل على سلمى التي جلس بجوارها هامسا:
– مبروك يا عروسة، فرحنا بعد أسبوعين، جهزي نفسك، عشان تبقي تقوليلي عاوزة تسافري مصر، انسي.
نظرت اليه بخبث وهي تقول بهمس مماثل بإغاظة وابتسامة استفزاز أثارت ريبته تعتلي فمها الصغير:
– ومين اللي قال ان شاء الله أني مش هسافر؟..
شهاب بثقة:
– جدي!.. أنا متأكد أنه مش هيوافق، ولا هتعملي حاجة من وراه؟..
رفعت سلمى حاجبها بتحد وهي تجيبه بصوت منخفض:
– لا طبعا، بس مين اللي قال لك أنه مش هيوافق؟..
قطب سائلا:
– يعني إيه؟…, نظرت اليه بتحد قبل أن تثير انتباه جدها قائلة بنعومة:
– انت موافق يا جدي على كلامي صح؟..
ليقول الجد هاتفا بتأكيد:
– واكيد يا بتّي…، ليلتفت الى سلافة وهو يشير اليها لتقترب، فنهضت واتجهت اليه لتجلس بجواره من الناحية الأخرى فيحتويها بذراعه قائلا بابتسامة:
– كيفها حبيبة جدها؟.. يعني لا بتتحدتي ولا بتهزري كيف ما كونتي، إيه فيه حاجة مزعلتك يا حبيبة جدك؟..
سلافة بنفي قاطع وهي تحيط عنق جدها بذراعيها وبدلالها الطفولي أجابت:
– لا طبعا يا بابا جدو، ربنا ما يحرمني منك أنت وماما ستو..
وقبلت لحيته البيضاء لتعلو ضحكات الجد فيما أردفت سلافة بجدية زائفة:
– هو طبعا موضوع الفرح دا بس…
ليقطب الجد متسائلا فيما أمسك الباقين أنفاسهم بينما عض غيث على قبضة يده ناظرا لها بلوم لتكمل بمكر:
– لكن والله ما هي راجعة، بقه جدو حبيبي يجول كلمة ومعتمشيشي؟.. تمشي على رجابينا كلّاتنا يا كَبيرنا..
لم يستطع الجالسون كتم ضحكاتهم التي صدحت عاليا في حين كانت الجدة تدلف وهي تقول بابتسامة واسعة:
– ما تضحكونا امعاكم…
أجاب الجد وصدى ضحكته لا يزال في صوته:
– عجولك إيه بس يا أم عتمان، بنت ولدك رؤوف رجعت الضحكة للدار إهنه من تاني، الحمد لله أني كنت عامل إحساب اليوم اللي عيتزوج فيه غيث وشهاب وبنيت لهم كل واحد منيهم دور كامل فوجينا، عشان ميهملوناشي واصل..
ابتسم الجميع إلا واحدة.. كانت ابتسامتها صفراء بينما الغل والكراهية والحقد يتأكلآنها من الداخل.. لتعكر صفو الجلسة المرحة بقولها الخبيث الذي هبّ عليهم كريح خبيثة:
– وانت ان شاء الله ما كونتيشي رايدة الفرح ايكون في المعاد اللي حدده جدّك ولا إيه؟.. غريبة.. البنتة كلاتها ما بتصدج تتزوج، وانتي إيه.. لا يكون ولدنا مش عاجبك!..
ليصمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، فيرمقها عثمان زوجها بنظرات غضب نارية، بينما تحدجها الجدة بسخط، وينظر اليها غيث وشهاب بلوم، فيما تتبادل ألفت مع رؤوف نظرات ريبة وقلق من حماة ابنتيهما المستقبلية، وأخيرا لينظر اليها الجد بغموض، لتكون سلافة أول من خرق الصمت فتجيب بابتسامة استفزاز أثارت غيظ راوية وحنقها:
– بس أحنا مش أي بنات يا طنط – مشددة على كلمة طنط وهي تمط شفتيها- احنا بنات روؤف الخولي.. اللي طول عمرهم حلم لأي واحد.. لا احنا خايفين نعنس ولا يفوتنا القطر، يعني من الآخر ولاد عمنا أكيد ماما ستو داعيالهم في ليلة القدر أنهم يناسبوا عيلة الخولي.. أكبر عيلة في البلد.. صح يا ماما ستو؟..
** متجاهلة عن قصد ان تقول ان أمهم هي التي دعت لهم فهي تعلم تماما ان امهم ابعد من ان تدعي تبلك دعوة وايضا كي تثير غيظها أكثر وأكثر لعلها تموت حسرة وكمدا العجوز أم منقار تلك!!**..
كان الجد من أجاب وقد أُعجب بسرعة بديهة حفيدته والتي كان لاندفاعها في هذه اللحظة الفائدة في تحجيم تلك العقربة الحيزبون:
– صوح يا بنت الخولي، بناتنا هديّة ما عندّيهاشي إلا للي يستحجّها، ومافيشي غير أولاد الخولي اللي يستحجُّوا بنات الخولي..
ثم عمد الى تغيير الحديث مردفا للجدة:
– فينو الشاي يا أم عتمان..
ليقاطعه دخول الخادمة بصينية الشاي، لتمر بين الجالسين لتقديم الشاي وقطع الكعك، وبعد انصرافها قال الجد بهدوء:
– عتسافروا ميتة يا رؤوف يا ولدي؟..
ليسعل غيث وهو يرتشف الشاي بينما ينزل شهاب قدح الشاي الذي كان على وشك الاحتساء منه فيما يجيب رؤوف بهدوء:
– الصبح ان شاء الله يا حاج، يدوب عشان نلحق نخلص اللي ورانا..
قطب عثمان فيما استمع غيث وشهاب الى سؤال والدهما:
– عتسافروا يا خويْ؟.. ليه؟..
أجاب رؤوف بابتسامة:
– عشان البنات يلحقوا يجهزوا حالهم يا أبوغيث، فرحهم قرّب.. انت ناسي؟..
لتميل سلمى الى شهاب الذي كان يحدق في وجه عمه مدهوشا وتهمس له بمكر:
– عرفت بقه أني بردو هسافر وبموافقة جدي نفسه، بالعكس بقه.. دا اقتنع على طول أول ما قلت له أننا لازم نسافر عشان نلحق نجهز اللي عاوزينه، عشان.. الفرح يا ابن عمي..
قبض بقوة على قدحه حتى كاد يُكسر، ثم وضعه جانبا قبل أن يلتفت اليها وهو يهمس من بين أسنانه:
– أنتي بتردهالي يا سلمى؟.. طيب إيه رأيك بقه.. رجلي على رجلك، وابقي امنعيني أني آجي معاكي!!!!
لتحدق فيه فاغرة فاها غير مصدقة لما قاله هذا المتهور!.. كيف بالله عليه سيرافقهم في سفرهم، هي تريد فسحة من الوقت لتعتاد على فكرة زواجهما المرتقب وهو لا يريد إعطائها حتى هذه المساحة الضيقة من الحرية، وحانت منها نظرة استنجاد الى الجد والذي أدرك بفطنته أن حفيده لن يسلّم بسهولة بأمر سفرها، وكأن حدسه قد أخبره أنه قد يقدم على عملا مجنونا كاللحاق بها فعلا صوته آمرا:
– وانت يا غيث أنت وشهاب..
ليلتفت الجميع الى الجد الذي تابع:
– عاوز فرح سبع ليالي، عاوزكم تدعوا الكل، ديِه فرح أحفاد الخولي، انت يا غيث تخلّص شغل الديوان وانت يا شهاب شوف المزرعة ناجصها إيه انتو بجالكو وجت طويل بعيد ان أشغالكم عشان تتفرغوا للعرايس..
قبض شهاب على يده في حنق بينما ألقت سلمى الى جدها بنظرة شكر، فيما نظر غيث الى سلافة التي رفعت حاجبها بإغاظة له ليرمقها بنظرة متوعدة وحدها تعلم معناها…
كانت راوية تجلس تراقب النظرات المتبادلة بين ولديْها وابنتيْ عمهما، لتهمس بشرِّ في نفسها:
– كانك لعنة يا ألفت أنتي وبناتك وصابت رجالة عيلة الخولي، ما في راجل في العيلة إلا وطويتوه تحت اجناحكم، لكن اوعاكي تفتكري أنك نجحتي يا ألفت أنتي وبناتك وعتاخدوا الكل في صفكم، أني ليكي يا ألفت بالمرصاد، ما أكونش أني راوية أما خليت أعيالي يخلصوا منيكي الجديم والجديد، بناتك عتدفع التمن يا ألفت، وديه عهدن عليْ!…
وبرقت عيناها بشرِّ مستطير، ولكن لم يغب ذلك البريق الخبيث عن عيني الجد اليقظتين، وفي وقت لاحق نادى عثمان ابنه بعد أن انصرف الجميع، ليطلب منه الجلوس إليه، ثم نظر اليه قائلا بحزم وهو يستند الى عصاه العاجية:
– عتمان يا ولدي.. عتبتك مايلة… إعدلها!!..
قطب عثمان لبرهة.. ثم احمرت أذناه خجلا من والده وحنقا مما قصده من أفعال زوجته وإهانتها المستترة لابنتيْ شقيقه فأجاب:
– ولا يهمك يا حاج…، ثم انتفض واقفا وهمّ بالذهاب حينما أردف الجد بحكمة وجدية:
– جَوِّمها يا ولديْ.. لكن حاسب تِكْسِرْها، وخلِّي بالك… ديِه المرة التانيّة.. والتالتة.. تابتة يا عتمان… لو ما عرفت تجَوِّمها.. يبجى مالهاش غير أنك… إتغيّرها!!!!!!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كبير العيلة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى