روايات

رواية كبير العيلة الفصل الثلاثون 30 بقلم منى لطفي

رواية كبير العيلة الفصل الثلاثون 30 بقلم منى لطفي

رواية كبير العيلة الجزء الثلاثون

رواية كبير العيلة البارت الثلاثون

كبير العيلة
كبير العيلة

رواية كبير العيلة الحلقة الثلاثون

رفرفة ناعمة فوق جفونها جعلتها تشيح بيدها أمام وجهها دون أن تفتح عينيها، لتشعر بها فوق أرنبة أنفها، فتحرك يدها لإزاحة هذا الشيء السخيف المصر على إيقاظها وهي تتأفف وتتقلب لترقد على بطنها نومتها المفضلة، صوت خشن وصل مسامعها جعلها تقطب بشدة في نومها ولكنها لا تزال متمسكة بأهداب النعاس، لتشعر بشيء خشن يمر فوق جبهتها ويتلاعب في شعرها فتنفخ في ضيق متمتمة بسخط طفولي وعيناها لا تزالان مغمضتان:
– أووف، وبعدين يا سلمى، هقوم لك انتي حرّة..
ليطرق سمعها الصوت الخشن بوضوح هذه المرة وهو يقول بتلاعب:
– وأناه هاعوز إيه أكتر من أكده… جومي لي يا بت عمي!..
لتفتح عينيها على وسعهما وقد فر النوم فجأة ملتزمة السكون لثوان وكأنها تتأكد مما سمعته، قبل أن تردد بذهول وهي مقطبة:
– بت عمي؟!… الصوت دا مش غريب عليّا!!..
وتشهق بعدها عاليا وقد استعادت وعيها لتتذكر أنها لا تنام في غرفتها هي وسلمى بل في غرفتها الجديدة بمنزل الزوجية وتحديدا على فراشها هي و… غيث!!!!….
وما أن طرأ اسمه على بالها حتى انقلبت على ظهرها لترى عينان سوداوين تطالعنها بشوق فيما ابتسامة ماكرة تتراقص على فمه المظلل بلحية خفيفة، احمر وجهها بشدة، وهي تهمس بتلعثم:
– غـ.. غيث!…، مال عليها غيث وهو يقول أمام وجهها المتخضب بحمرة الخجل:
– صباح الانوار عليكي يا جلب غيث، صباحية مباركة يا عروسة!…
هربت بعينيها وهي تجيبه بخفوت:
– صباح الخير….
وحانت منها نظرة الى نفسها لتفاجأ وأنها ترقد أمامه لا يسترها الا غطاءا خفيفا قد انحسر من عليها، لتشهق مجددا ولكن بذهول وهي تحاول جذب الغطاء الى أعلى بلهفة مخنوقة ليضحك غيث وهو مستمتع بخجلها الأنثوي الرقيق ويقول:
– إيه بتخجلي منِّي؟.. وبعدين مالوش عازة انتي ناسية اني راجد جارك تحت ذات نفس الغطا؟!!!..
حدقت به برعب وكأنه كائن خرافي قبل أن تستوعب عبارته جيدا، ليفقد وجهها لونه وهي تهتف بحنق محاولة الابتعاد عنه بلا طائل فهو يميل عليها مثبتا الغطاء حولها:
– ايه؟!… وازاي أساسا تسمح لنفسك بحاجة زي كدا؟..
ليحين دوره هو في النظر إليها بذهول صرف قبل أن تطلق ضحكة رجولية عميقة منه دغدغت أوصالها رغما عنها فأشاحت بوجهها جانبا بينما أجاب:
– اسمح النفسي؟.. أنتي ناسية اننا متزوجين؟.. والبارحة كان فرحنا؟.. ، ثم تابع غامزا بخبث:
– واللي حوصل بعد الفرح؟.. لالا اوعاكي تنسي، اخصوصي اللي حوصل بعد الفرح!!…
ليتخذ وجهها لوحة من اللون الأحمر بتدريجاته المختلفة بدءا من الأحمر الشاحب وحتى الغامق شديد الوضوح!… أجابت بحنق وهي تحاول دفعه بيدها واضعة راحتها الصغيرة فوق كتفه العار:
– طيب.. طيب.. ممكن تبعد شوية عشان عاوزة أقوم.
ولكن ما أن لمست يدها بشرته العارية حتى سارعت بسحبها بعيدا فقد شعرت وكأنها لمست سلكا كهربائيا عار، نظر اليها بمكر يلاعب حاجبيه الكثيفين وهو يقول ببراءة مزيفة:
– لاه.. الاول لازمن تصبحي عليّ..
قطبت قائلة:
– أصبح عليك؟… احنا هنصبح كم مرة؟.. انا لسه قايلالك صباح الخير حالا!!..
مال بوجهه حتى لفحتها أنفاسه الساخنة وهو يجيبها فيما تغيرت وتيرة أنفاسه التي تسارعت فقطبت في ريبة خاصة وقد تسلطت عيناه على ثغرها الوردي:
– لاه… العرايس معيصبحوش ع الناشف إكده!..
وقبل أن تهم بالكلام كان قد التقط شفتيها في قبلة عميقة سحبت أنفاسها وجعلت يدها التي تتشبث بحافة الغطاء تتهاوى قبضتها ليحكم ذراعيه حولها مغيبا لها في عناق قوي، وما أن أفلتها ليستطيعا التقاط أنفاسهما الهاربة حتى نظر اليها يقول بأنفاس ثائرة:
– إكده صباح العرايس، بوسة الصبح، صباح الخير يا عروسة.
أجابته بصوت صغير وأنفاس متعثرة فيما شفتيها المنتفختين تحملان أثر هجومه الكاسح:
– دي… بوسة!!!!!!!….، أحاط وجهها براحتيه الخشنتين وهو يهمس أمام شفتيها:
– ودلوك بجاه… لازمن أفَكِّرِكْ باللي حوصل ليلة فرحنا، شكلك إكده نسيتي وديه مش حلو في حجي!..
لتتسع عيناها ذعرا وهي تهتف برجاء:
– لالالالا… مين قا…….., ولكنها لم تتم عبارتها إذ بدأ غيث في إعادة أحداث الليلة السابقة وبالتفصيل الممل والشرح الوافي، ففي الإعادة.. إفادة!!! (فيس بيغمز)..
——————————————————–
تمطى في نومه ثم مد يده يتحسس الفراش بجانبه ليفاجأ بالمكان خال، ليصحو تماما ويعتدل جالسا ينظر في أرجاء الغرفة حوله ليقابله الفراغ، ينادي بصوته:
– سلمى.., ولكن الصمت كان هو الجواب، قطب ليقفز ناهضا ويرتدي سروال منامته ثم يتجه الى خارج الغرفة للتفتيش عنها!.
وقف يستند بكتفه الى جدار باب المطبخ في حين لم تنتبه اليه، ابتسم ابتسامة حانية وهو يراقبها وهي تقف مولية إياه ظهرها تمسك بقدح قهوتها الصباحي عشقها الأبدي، تستنشق رائحته وهي مغمضة عينيها قبل أن ترتشف منه رشفة طويلة وكأنها تمنح قدحها قبلة الصباح!.. رفعت قدحها لترتشف رشفة أخرى عندما لاحظت أن هناك ما يمنعها من اعادته الى شفتيها، قطبت وفتحت عينيها لتطالعها عينان رماديتان يمسك صاحبهما بالقدح مانعا وصوله الى ثغرها الوردي، مال عليها وهو يهمس أمام وجهها:
– اللي يشوفك وانتي بتشربي قهوتك يفتكرك بتهمسي للفنجان وبتصبحي عليه!..
فتحت عينيها دهشة فيما تناول القدح من يدها ووضعه جانبا قبل أن يحيط وجهها بيديه مردفا أمام شفتيها العنبريتين:
– اعرفي أنه أول حد تصبحي عليه بعد كدا.. يبقى جوزك.. أنا!..
همّت بالكلام عندما عاجلها بابتسامة زادته وسامة:
– لكن سماح المرة دي، وخلي بالك أنا بغير، أوعي أشوفك تاني بتشربي القهوة بالطريقة دي، هحلف يمين ما عدتي شرباها تاني!!..
سلمى بابتسامة مذهولة:
– انت بتتكلم جد؟.. بتغير من ماج قهوة؟..
نظر اليها رافعا حاجبه وهو يرد بسخرية:
– ماج قهوة؟.. ولو كوابية مايّه كمان!!…
سكتت رافعة كتفيها وهي تطالعه باستغراب ليميل عليها وهو يردف بصوت أجش:
– انتي لسه بردو ما صبحتيش عليا، لكن مش مهم.. أصبّح أنا على أحلى عروسة!
لم يمهلها الفرصة للكلام ومال عليها مقتطفا ثغرها في قبلة عاصفة ولكن بحنان، قوية ولكن برقة، حتى أن الدموع كادت تطفر من عينيها لروعة الأحاسيس التي حملتها إليها، فما كان منها إلا أن طوقت عنقه بذراعيها العاريتين ليعتصر جسمها الرقيق إليه فتلامس عضلات جذعه العلوي القوية، لتندلع الشرارة، فيحملها شهاب من بين قبلاته النارية ويضعها فوق طاولة المطبخ حتى إذا ما لمست بشرتها العارية السطح الرخامي البارد إذ بها تُبعد فمها عن اكتساحه القوي لها وتشهق هاتفة بصوت متقطع:
– لا.. اسـ.. استنى بس، شها…, ليلتهم آخر حرف في اسمه من فوق شفتيها غير سامحا لها بإكمال عبارتها، فحاولت دفعه وهي تبعد وجهها عنه في قوة وهي تهتف:
– يا شهاب مش كدا؟… رفع رأسه وعيناه تطالعانها بجمرتين مشتعلتين وهو يقول بأنفاس لاهثة وصوت خشن بينما يداه تتلمسان مفاتنها البارزة:
– استنى إيه؟.. ، ليميل عليها ثانية فتدفعه براحتيها الصغيرتين في كتفيه هاتفة:
– يعني أنا مش مكتوب لي أدخل في أودتي زي باقية العرايس اللي خلقهم ربنا؟.. امبارح في أودة الضيوف ودلوقتي في المطبخ!!… وبعدين.. الرخامة سائعة أوي، أخس عليك يا شهاب!..
نطقت آخر عبارتها بدلال أنثوي أطار البقية الباقية من تماسك شهاب الذي سارع بحملها بين ذراعيه قائلا بلهفة:
– يا سلام، بس كدا؟… ليكي عليا الـ تلاتين يوم شهر عسل ما نخرجش فيهم من الأودة!!..
دفنت وجهها في عنقه الضخم خحلا من كلامه لتعلو ضحكته التي خفتت ما أن دلفا الى غرفة النوم مغلقا الباب بقدمه بدوي عال!!…
——————————————————
تجلس بجواره تقوم بإطعامه بيدها كالطفل الصغير، حاول مرارا جعلها تتناول هي افطارها وهو سيتابع تناول طعامه ولكنها رفضت وبشدة، نظر اليها بحب بدءا من شعرها المتناثر حولها بلونه الجديد وخصلاته الندية، مرورا بثوب نومها الجديد الحريري بلونه الأحمر، عار الذراعين بفتحة عنق واسعة شبه دائرية مزمومة مزينة بربطة على هيئة فراشة في منتصف الصدر، كانت تضع قطعة من الخبز المغمس بالجبن الأبيض الحادق حينما هم ليث بقضم أصابعها فشهقت وأبعدت يدها بعد أن دفعت باللقمة الى فمه وهي تضحك، ما أن ابتلع لقمته حتى أمسك بيدها مقبلا أناملها الطرية لتشر بخشونة ذقنه النامية بينما يحكّها شاربه الكث الخشن على نعومة بشرتها، ضحكت بخجل فيما همس وهو يطالعها غارقا في سحر عينيها:
– ربنا ما يحرمني منيّكي يا سلسبيلي…
أفلتت يدها بصعوبة وتمتمت وعينيها ترسلان إليه نظرات حب صادقة:
– ولا منيِّكي يا ليثي….، ثم أسبلت عينيها خجلا من جرأة عيناه التي لم تعتادها بعد على الرغم من أنها ليست عروس جديدة ولكن عيناه كفيلة بجعل العجوز تشعر وكأنها صبية ابنة ستة عشر ربيعا!.. قالت بخفوت:
– صحيح يا ولد عمي، انّهاردِه صباحية أخواني، رايدة أروح لهم مع أمي عايدة حبة إكده.. بعد الضحى إن شاء الله، تسمح لي؟..
ابتسم ليث وأجاب وهو يميل بوجه إليها فيما يقترب منها أكثر إذ تجلس بجواره على الأريكة أمام الطاولة الصغيرة التي تحمل طعام الإفطار:
– ممكن يا بت عمي، لكن… إبشرط!..
قطبت وقالت بشبح ابتسامة صغيرة:
– شرط؟!!.. شرط إيه يا ترى؟..
أجابها بهدوء مغلف بحزم:
– شعرك ديه تلمِّيه وما عتكشفهوش واصل، حتى لو جودام الحريم، ومن هنا ورايح اخروجك برات البيت بتوبك الاسمر حتى لو عتروحي افراح، توبك الأسمر وترحتك السمرا!..
قطبت سلسبيل وهتفت باستنكار:
– كيف ديه؟.. عاوزني أروح فرح بتوبي الاسمر؟.. بالملس يا يلث؟..
حرك رأسه ايجابا وقال بثقة:
– إيوة، بالملس يا سلسبيل!.. يا إكده يا مالكيشي اخروج من اهنه، لا ومش بس إكده.. من غير أحمر ولا أخضر ولا زواج من أصله!..
حاولت سلسبيل فهم سبب هذا القرار التعسفي فقالت وهي تبتسم باستعطاف:
– طب أفهم الاول، ايه اللي حوصل لكدِهْ؟..
ليث بجدية:
– ديه أمر يا سلسبيل، عتكسري أوامري؟..
سلسبيل وقد شعرت بالغبن:
– لاه يا ولد عمي، لا عشت ولا كونت يوم ما أكسِّر كلمتك، لكن رايدة أفهم ليه دا كله؟..
ليث بنصف عين وقد داهمه الغضب لدى تذكره لكلمات أمه ليلة أمس:
– تنكري انه فيه حريم كانوا رايدين يخطبوك وكلموا أمي؟..
طالعته بغير تصديق بينما لم تستطع منع ابتسامة ناعمة من الظهور على ثغرها الوردي:
– ليث.. ديه حاجة عادية، بتحوصل في الافراح كلاتها، وبعدين الحرمة لمن عرفت اني أبجى مراتك اتأسفت لعمتي الحاجة، مافيش حاجة حوصلت لزعلك جوي إكده، ولا.. ديه غيرة ديه ولا إيه؟..
زمجر ليث وأحاط وجهها الصغير براحتيه يتلمس بابهامه الخشن وجنتيها الناعمتين:
– إيوة بغير، ايه رايك بجاه؟.. سلسبيل هي كلمى ورد غطاها.. خروج من اهنه بتوبك الاسمر وشعرك ديه اتغطيه ما في حد ينضره غيري ولا تجوليلي امي ولا اخويا ولا حتى ستّي، ولا أي حريم واصل، مفهوم!..
مسكت يديه براحتيها ونظرت في عينيه ليغرف في بندقي عينيها قبل أن تقبل باطن راحتيه بشفتيها الطريتين قبل أن تطالعه بنظرات عشق خالص هامسة بحب:
– كلمتك سيف على رجبتي يا ولد عمي، لو رايد ما خاطيش برجلي برات البيت واصل اني من يدك ديْ ليدك ديْ..
همس ليث بقوة:
– بحبك يا بت عمي….، همت بالرد عليه حينما ابتلع كلماتها في قبلة طويلة ملتهبة، وكان على ذهاب سلسبيل لتهنئة أخويها الانتظار لوقت آخر!…
—————————————————
اغتسلت سلافة وأبدلت ثيابها لترتدي فستان من القطن بحمالات عريضة فوق الركبة أبيض بنقوش وردية على هيئة أزهار صغيرة وأسفله بلوزة قطنية وردية اللون، وبنطالا أبيض كتاني يلتصق بساقيها، وحذاء أبيض بكعب رفيع عال مفتوح، وزينت خصلات شعرها الأسود الرطب بشريط ستان باللون الوردي، واكتفت من الزينة بماسكارا سوداء وحمرة خدود خفيفة وأحمر للشفاه باللون الوردي، وشرت بضعة قطرات من عطرها الخاص برائحة الورود، حالما انتهت ورضيت عن صورتها في المرآة لحقت بغيث الذي تركها لتبدل ثيابها لتكون جاهزة لاستقبال المهنئين، لحقته الى غرفة الجلوس حيث كان جالسا يقلب في قنوات التلفاز، وما أن وقعت عينا غيث عليها حتى حدق بها بانشداه ونهض واقفا وهو يهمس:
– بسم الله ما شاء الله، سبحان من صورك..
ابتسمت سلافة في حين اتجه اليه وقبض على يدها يجذبها الى الداخل، ثم نظر اليها مفصّلا إياها من أعلى رأسها الى أخمص قدميها، ليقول بعد ذلك بصوت أجش:
– انتي.. عتجابلي الناس إكده؟..
ضحكت سلافة ضحكة صغيرة وحركت كتفيها وهي تجيب:
– اكيد يا غيث، مش عروسة بقه؟!!…
حرك رأسه بنفي قاطع قائلا:
– لاه… بدلي تيابك!..
قطبت سلافة وقالت بنص ابتسامة مرتابة:
– أبدل اتيابي؟.. انت بتهزر صح؟..
نفى بحركة من رأسه مؤكدا بثقة:
– لاه.. غلط!.. اني بتكلم جاد وجاد الجاد كومان، انتي ما شايفاشي نفسك؟..
عقدت ذراعيها وفي ثوان كان طبعها الحاد قد بدأ بالظهور وهي تهتف من بين أسنانها:
– ومالها نفسي بقه يا غيث؟.. وحشة؟.. ولا يمكن هكسفك قودام الناس؟!!..
هتف بها:
– انتي مجنونة؟!… تكسفي مين!.. لو عليا أني.. ما رايدشي حد ينضرك واصل!..
قطبت قائلة:
– مش فاهمه يعني دا مدح ولا ذم؟..
مال غيث على وجهها حتى لفحته رائحة عطرها المنعش بينما رأت انعكاس صورتها بين فحم عينيه المشتعل وما أن ضربته رائحة عطرها حتى أغمض عينيه وهو يهمس:
– صبرني يا رب…
ثم فتح عينيه وطالعها هاتفا من بين أسنانه:
– سلافة.. لو رايدة تكوني جاهزة عشان تجابلي الناس اللي جايين يباركوا، أحسن لك اتبدلي تيابك ديْ، لأني ما اضمنشي لو استنيتي جودامي كومان دجيجتين وانتي بالمنظر ديه ايه اللي ممكن يوحصل، بس اللي اجدر أجولهولك انك ما عتكونيش جاهزالهم واصل!!..
سكتت قليلا تطالعه بعدم فهم لثوان حتى إذا فهمت ما يرمي إليه تخضب وجهها بحمرة قانية وهتفت بحنق:
– غيث، عيب كدا!..
نظر اليها كمن يطالع كائن خرافي قبل أن ينفجر في ضحكة عميقة ويقول:
– عيب؟!.. وايه العيب في اللي بجوله؟. مرَتيْ وماحدش ليه عندينا حاجة!…
حاولت الابتعاد من أمامه وهي تزمجر في حنق حينما اعترض طريقها، ليمنعها من المرور فكلما اتجهت يمين أو يسار وجدته أمامها أو يسار، لترفع رأسها اليه وهي تقول:
– مش وقته يا غيث، ابعد من وشِّي بدل ما أدخل الاودة وأقفل عليّا وخليك قاعد لوحدك لغاية ما الناس تيجي!..
أحاط بخصرها براحتيه اللتن شعرت بسخونتهما تعبر القماش لتنشر الحرارة في سائر جسدها، همس أمام شفتيها غامزا بخبث:
– ما أنتي شوفتي بعنيكيْ اني مايعصاشي علي باب مجفول ولا جفل مصوجر كومان!..
سلافة بحنق طفولي:
– لا طبعا هنسى أزاي؟.. وانا أقدر انسى الخضّة اللي خضتيهالي امبارح!..
أطلق غيث ضحكة مرحة وأجاب:
– أعملك إيه انتي اللي فاكرة نفسيك اللي بتعرَفي اتفكري وبس، وناسيتي انه كل مفتاح منيه تلات نسخ، وحظي كان حلو لمن لاجيتك شايلة المفتاح من الباب، بجيت سهلة وبسيطة، وعشان تبجي مطمنة، أني شيلت المفاتيح كلاتها، ايه رايك بجاه؟!!…
حدقت فيه بذهول وهي تكرر وقد أوشكت على البكاء:
– شيلت المفاتيح كلاتها؟…، هز برأسه موافقا وهو يكتم ضحكته بصعوبة، فتابعت في تساؤل:
– ليه طيب يا غيث؟…، همس فيما عيناه تنصبان على شفتيها الممتلئتين بلونهما الشهي:
– عشان أني ما أضمنكيشي يا بت عمي، عارفك وعارف إجنانك…
لتطير ريبتها وقلقها أدراج الرياح وتقطب هاتفة بنزق:
– نعم؟.. قصدك تقول أني مجنونـ….
ولم تكمل إذ أسكتها بأقصر الطرق وأحبها إلى قلبه!!..
صوت رنين بعيد طرق سمعها فكانت هي أول من انتبه فحاولت ابعاد شفتيها عن فمه الثائر، وهي تهمس:
– غيث.. الباب، الباب يا غيث!!..
انتبه لطرقات الباب فرفع رأسه ليرى وجهها وقد تخضب بحمر الخجل القانية، فهمس:
– روحي وضبي حالك وانا هفتح لهم…
ركضت سريعا الى غرفتها لتعيد ترتيب زينتها في حين وقف هو أمام المرآة الموضوعه على الحائط بجوار باب المنزل، أرجع خصلات شعره بيديه الى الخلف، ورتب بلوزته القطنية قبل أن يفتح الباب ليطالعه وجه جدته الصبوح التي أطلقت زغرودة طويلة، ودلفت تقبله وتهنئه وبعدها راوية ثم ألفت،في حين دخلت وردة الخادمة تحمل صينية كبيرة محملة بصنوف الطعام المختلفة، خرجت اليهم سلافة التي ما أن رأت والدتها حتى ارتمت بين أحضانها وكأنها لم ترها منذ دهور، قبلت يد جدتها وصافحت راوية راسمة ابتسامة صفراء تماثل التي ارتسمت على وجه راوية، بعد تبادلهم الاحاديث الخفيفة استأذن غيث للنزول الى جده فأخبرته الجدة بابتسامة:
– خليك موطرحك يا عريس، جدك وبوك وعمك عايجولك، همّن حدا شهاب وعيحصلونا، جولنا نجسموا نفسينا، جيناك احنا الاول وراحوا لشهاب وبعدين عيجوك هما واحنا عنروحوا للعرسان التانيين…
نهضت سلافة واتجهت الى المطبخ لإحضار أكواب العصير فلحقتها أمها والتي أرادت الاطمئنان على ابنتها، سألتها ان كانت سعيدة وبخير فأجابتها بخجل أنها بخير وأن غيث يحمل قلبا رقيقا بين جوانحه فدعت لها أمها بدوام السعادة…
اتجهن بعد ذلك الى سلمى ترافقهن سلافة بعد أن أذن لها غيث، اجتمع الرجال لدى غيث والحريم لدى سلمى، وانصرف شهاب برفقة الرجال لترك النساء بمفردهن، ولحقت بهن سلسبيل هي وحماتها والتي ما أن انفردت بها سلافة في مطبخ سلمى حتى سألتها بلهفة:
– ها قوليلي ايه الاخبار طمنيني؟!!..
نظرت اليها سسبيل بنصف عين وأجابت من بين أسنانها:
– أطَمْنِك؟ ديه عاملة يا سلافة؟.. لكن اني المحجوجة، كان حاجِّتي شوفت اللي انتي جبتيه جبل ما ألبسه!
غمزتها سلافة بخبث وأجابت بثقة:
– انما ما تنكريش… شكلها كانت ليلة من الآخر، وأبسط دليل تأخيرك يا عروسة، جدتي قالت انك المفروض كنت تيجي معهم ومتعرفش ايه اللي أخرك؟.. أنا ما رديتش أقزل، شوفتي، عشان تعرفي أني مؤدبة؟!..
أجابت سلسبيل ساخرة:
– آه.. مؤدبة! جوي جوي…، ثم مالت عليها مردفة:
– انما صحيح.. ايه أخبار الأدب انبارحة يا.. عروسة؟!..
حدجتها سلافة بنظرة سوداء قبل أن تحمل صينية العصير الذي انتهت سلمى من اعداده وهي تجيب من بين أسنانها:
– ياللا يا سلمى، اتأخرنا على الناس اللي بره، سبقتها سلمى فمالت على سلسبيل وأردفت بهمس:
– أنا دلوقتي بس عرفت انتى طالعه مؤدبة لمين؟…، أجابت سؤال سلسبيل الصامت:
– أخوكي أكيد غيث، وأقطع دراعي اما كان شهاب نفس الفصيلة، مش توائم، ولو ان سلمى أختي دي مش بتبل الريق!!
——————————————————
تقرر سفر العرسان الى الساحل الشمالي لقضاء أسبوعين، في حين سافر ليث وسلسبيل الى الأسكندرية لقضاء أسبوع بمفردهما تاركين الأطفال في عهدة أبوه وأمه…
كانت راوية طيلة هذه الفترة تكاد تجن، فألفت تعيش أسعد أيام حياتها هي وابنتيها، بعد أن فرضتهما عليها زوجتين لولديها هي رغما عنها، كان الحاج قد أهدى تذكرتي سفر لرؤوف كي يسافر لأداء مناسك العمرة هو وزوجته، وتقرر السفر بعد عودة الأبناء بيوم….
عاد أحفاد الخولي، وامتلأ المنزل الكبير بالضحك وكان وجودهم يضفي السعادة على من حولهم باستثناء واحدة… كانت تتمنى الموت لابنتي ألفت، وقد ضمرت لهما من الشر ما يشيب له الوجدان!..
طرقات ضعيفة تعالت على باب غرفة الجدة، فتبعها صوت من الداخل يأذن للطارق بالدخول، دلف الطارق الذي لم يكن سوى وردة الخادمة، دخلت بخطوات بطيئة، طالعتها الجدة التي كانت تجلس الى سجادة الصلاة تسبح على كرات الكهرمان في مسبحتها الخاصة، نظرت اليها قائلة:
– تعالي يا وردة…
اقتربت وردة وهي تنظر الى الأسفل، ووقفت أمامها ساكنة تماما، قالت الجدة:
– فيه حاجة يا وردة؟…, رفعت وردة رأسها لتفاجأ الجدة بشحوب وجهها فقامت من مكانها وجلست فوق أريكتها وأشارت اليها بالتقدم فأطاعت وردة من فورها، قالت الجدة:
– فيه ايه يا بتِّيْ.. ما تتكلميْ!..، لعقت وردة شفتيها وأجابت بصوت خائف مرتعش:
– ستي الحاجة أني… أني…، زفرت الجدة وهتفت في حزم:
– انتي إيه يا بتي ما تجولي؟..
أجابت وردة بتردد:
– أني لوما العيش والملح اللي كالته في داركم ولحم اكتافي أني وامي وأهلي كلاتهم من خيركم أني ما كونت اتحدتت واصل، لاكن ما جدراشي أعرِف وأسكت يا ستي الحاجة!..
استغفرت الحاجةبصوت منخفض ثم نظرت اليها قائلة بجدية:
– يا بت اتحدتي من غير كلام كتير، فيه إيه؟.. ما انتيش على بعضيكي ليه؟..
اقتربت وردة حتى أصبحت على بعد سنتيمترات قليلة من الجدة ومالت هامسة:
– وعليّا الأمان يا حاجة؟…، لتنفخ الجدة بضيق فأردفت وردة وهي تكاد تبكي:
– ما تواخزنيشي يا حاجة، لكن أني وأهلي غلابة، ومش جد الحاجة أم غيث!..
قطبت فاطمة وقالت:
– أم غيث!… بت.. حالا دلوك تجوليلي ايه الحكاية بالظبط!
أجابت وردة:
– حضرتِك عارفة ان موزة بت خالي ابتشتغل حدا الست زينب أخت الست راوية، ومن يامين كنت حداها لمن شوفت الست راوية اهناك مع…
وسكتت فنهرتها فاطمة بغضب:
– مع مين يا مجصوفة الرجبة ما تتحدتي؟!..
لتلقيها وردة دفعة واحدة:
– مع أم ستيت!!..
لتنهض فاطمة وهي تهتف بذهول:
– باه!.. أم ستيت الدّجَّالَه!! …
حركت وردة رأسها بالايجاب وهي تقول:
– أيوة يا ستي الحاجة، البت موزة جالت لي ان الست راوية يوماتي بتاجي عنديهم وبتجعد مع أم ستيت ، وانه الست زينب في آخر مرة اتشاكلت مع الست راوية وجالت لها ما عادتشي عتدخل اللي اسميها أم ستيت ديه حداها، وانها صدجتها لمن جالت لها أنها رايدة أم ستيت تعمِل لولادها احجاب يحفظهم وانها صدجتها ولو انها كانت شاكة لان ام ستيت المعروف عنيها انها ما بتعملشي الا العمالات الشينة كلها، ووجتها الست راوية رديت عليها وجالت لها مالهاشي صالح باللي بتعمله، فالست زينب جالت لها طالما في دارها يبجى ليها حج انها تدخل، وبعدين ست راوية مشِتْ وهي حمجانة، وبتجسم انها ما عادتشي طابّة برجليها البيت حدا الست زينب، وخرجت هي وأم ستيت، ستي الحاجة.. سايجة عليكي سيدي الطرنوبيْ أني ما جولتش لجنابِك حاجة، البت موزة غلبانه ولو دَريت الست زينب انها حاكاتلي واني جولت لحضْرِتِك ينكن تتأذي..
شحب وجه فاطمة وهي لا تستطيع مدى الشر الذي بقلب راوية، أتصل بها الكراهية الى حد فعل ما يغضب الله ويلعنه؟.. أتستعين بتلك الشيطانة أم ستيت في سبيل إيذاء أبنائها هي؟!.. فطبيعي أي أذى يلحق بزوجة أي منهما سيؤذيه هو الآخر بالمقابل، نظرت الى وردة قائلة بصرامة:
– ما عتخافيشي يا بت، لكن حسّك عينك الحديت اللي جولتيه حدايا اهنه يطلع من خشمك لحد تاني، حتى لو الشيخ بذات نفسيه، ودلوك اسمعي اللي عجوله وحطيه في بالك زين.. لو لمحتي المَرَهْ اللي اسميها أم ستيت ديْ ولا حدا من طرفها تاجي وتعرفيني في لحظتها، مفهوم؟..
أومأت وردة عدة مرات بنعم وهي تهتف بذعر:
– مفـ.. مفهوم.. مفهوم يا ستي الحاجة…
قالت الجدة بصرامة:
– روحي دلوك لشغلك، وحسيكي عينكي مخلوج يعرف بحرف من اللي اتجال اهنه، وجتها تجولي على نفسيكي انتى وموزة جريبتك يا رحمن يا رحيم!..
ولولت وردة:
– يا مُرِّك يا وردة.. يا مُرِّكْ….
نهرتها الجدة هاتفة بحدة:
– باه… اجفلي خاشمك يا بت، اتجنيتي إياكْ.. ياللا غوري وحطي الكلام اللي جولتهولك دلوك حلجة في دينيكي!..
خرجت وردة تركض وهي تتعثر في طريقها في حين هتفت فاطمة بذهول غاضب:
– أم ستيت؟.. حصّلِت لأم ستيت يا ناسية ربّك… ماشي يا راوية.. لمّن نشوف.. أني ولا أنتيْ، وابجي وريني عتجدري تعمِلي إيه انتي ومرضعة إبليس ديْ.. أني مهما كان الحاجة فاطمة… وان كنتي ناسيتي مين هي الحاجة فاطمة عفكِّرك!..
تجلس أمام عجوز ترتدي الأسود من أعلاها إلى أسفلها، يكاد من تحط عيناه على وجهها أن يصاب بالرعب من ملامحها التي تحمل تعابير شيطانية، وكأن عملها الأسود ولعنة الله لها قد خُطت فوق وجهها بسطور من نار، كانت تحاول تمالك نفسها، بينما تجلس بجوارها رفيقتها في مشوار البؤس هذا، أم علي، تلك السيدة التي تعمل لدى الجد عبد الحميد من زمن طويل، منذ أن كانت صبية في الثالثة عشر من عمرها وهي الآن قد تخطت الستين من عمرها، لتأمر الجدة بأن تركن الى الراحة وأن يقتصر عملها في القصر على الانتباه لشغل باقي الخادمات، وكانت هي من أشارت على راوية باللجوء الى أم ستيت ظنّا منها أنها بهذا تكسب محبة سيدتها فتقربها منها، ناسية أنها تؤذي بذلك أصحاب المنزل الذي أواها منذ أن كانت صغيرة، ولكنها كانت قد تعاطفت مع راوية حيث كانت موضع سرها وكانت كثيرا ما تشكي أمامها من ألفت الظالمة تلك التي سرقت ابنيها رغما عنها، فتتعاطف معها بكل غباء وتنصحها بالاستعانة بأم ستيت!…، جلست تلك العجوز المرعبة وأمامها موقد بخور كبير، كانت تذر عليه بعض الأشياء فيزداد تصاعد الدخان في حين كانت تقرأ بعض الكلمات الغير مفهومة، وهي تصدر أصواتا مرعبة تقشعر لها الأجسام، نظرت أم ستيت الى راوية وقالت:
– جبتي اللي جولتلك عليه؟…
أسرعت راوية بإخراج وشاح ملفوف وناولتها له وهي تقول بارتعاش:
– أها.. جبـ.. جبتَهْ!… ثم ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تكمل:
– معالهش يا أم ستيت.. أني يمكن الفترى اللي جاية معجدرشي أشوفك، اختي حداها ظروف تمنعنا نتجابل اهناك، فهبجى أشيّع لك أم علي بطلباتك كلاتها!..
رمقتها أم ستيت بنظرة سوداء وهي تحدق فيها بقوة في حين ازدادت تغضنات بشرتها السمراء وهتفت بحدة:
– الاسياد عاوزين حاجتهم تكون حاضرة وجت ما يطلبوها، واني اللي اجول إذا كنت رايدة أشوفك ولا لاه.. ولا أنتي عاوزة الاسياد تغضب منيكي؟..
هتفت راوية بصوت أشبه بالبكاء:
– لاه.. لاه.. أني تحت أمر الاسياد..
تناولت أم ستيت الوشاح الصوفي وقالت:
– امنيح، خلي ديه حدايا وبكرة عشيّة.. تاجي يا أم علي، اسمعي زين اللي عجولك عليه، الشيلَه ديْ.. فيها عرج المحروس، لازمن يلبسها أول ما يعاد بالسلامة وينام فيها، وبعدها مهما عِملت له مَرَته عتتخيّل له جِرد.. وما عيجدرشي يجرّب لها، حتى لو اعملت له بت ليل، ولدك ما عيجرب لها، وعيكرهها كره العمى، بس لازمن يبيت في الشيلاه ديْ وتاخد عرج النوم.. بعديها.. تاجي اهنه وتجيبي لي البشارة!..
أشرقت أسارير راوية وهي تهتف:
– ليكي منّي حلاوة حلوة جوي جوي يا أم ستيت لو اللي ببالي حوصل، وجتيها طلباتك وطلبات الاسياد كلاتها عتكون مجابة!..
وانصرفت هي وأم علي تحلم باللحظة التي يكره فيه ولدها زوجته ولا يطيق حتى ذكر اسمها أمامه…. تلك الفتاة التي تطالعها دائما بتحد وكأنها تخبرها بأنها تعلم بما تضمره لها هي وأختها وأمها من كره… ولكن.. صبرا.. فقد اقتربت ساعتك.. وسيكرهك ابني.. ولن يطيق حتى حتى سماع أحرف اسمك… سلافة!!!!!..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كبير العيلة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى