رواية كبير العيلة الفصل التاسع 9 بقلم منى لطفي
رواية كبير العيلة الجزء التاسع
رواية كبير العيلة البارت التاسع
رواية كبير العيلة الحلقة التاسعة
انطلق شهاب وسلمى في رحلتهما الى القاهرة في ساعات الصباح الباكر, ساد الصمت الرحلة أول الوقت, حتى عرج شهاب على محطة وقود لملأ خزان السيارة, أوقف المحرك ونظر اليها يسأل بهدوء:
– عاوزة حاجة من السوبر ماركت؟, أنا نازل أجيب مايه..
هزت رأسها نفيًّا ونظرت اليه مجيبة بهدوء:
– لا شكرا…
قال شهاب:
– ثواني هجيب مايه, انا فتحت له التانك…
لم يغب سوى عدة دقائق ليعود بكيس كبير, دلف الى السيارة ووضعه في الفراغ بينهما قبل أن يدفع فاتورة الوقود ويمنح العامل الكهل بقشيشا سخيًّا جعل الأخير يبتسم داعيا له بأن يحفظ عليه زوجته!..
احمرت وجنتي سلمى قليلا لدى سماعها وصفها بزوجة شهاب, ولم تلتفت اليه, فيما ابتسم شهاب للعامل ابتسامة صغيرة ورنا اليها بنظرة ليجد البرود هو سمة وجهها كالدارج, كتم زفرة حنق ثم شغل المحرك استعدادا لمواصلة الرحلة, وهو يدعوها لتناول العصير وبعض الشطائر الذين ابتاعهم من السوبر ماركت..
وصلا الى الجامعة, تركته قائلة:
– هشوف الدكتور ولو إتأخرت يبقى عنده محاضرة هستناه يخلصها, لو حبيت ممكن تستناني في كافتيريا الكلية, ولو اني بقول انك تروّح وانا هظبط أموري في الرجوع…
نظر اليها بتركيز وأجاب بتأن وهو يضغط على حروفه:
– شوفي يا سلمى..انا قلت لعمي اني هودِّيكي وأرجعك, فيا ريت ما تفتحيش الموضوع دا تاني, دا أولاً, وثانيا خلّصي اللي وراكي وما تشيليش هم.. أنا مش هزهق, هستناكي في العربية لغاية ما تخلصي, بس يا ريت تديني نمرة موبايلك لأنها مش عندي.. للظروف يعني….
حركت كتفيها صعودا وهبوطا بلا مبالاة وقالت:
– براحتك, هات رقمك أرن لك..
وتبادلا أرقام الهاتف, لتترجل سلمى بعدها من السيارة متجهة الى داخل الجامعة..
لم يمر سوى وقت قصير قبل أن يسمع شهاب طرقات على نافذة السيارة, كان يستند برأسه الى ظهر المقعد مرتديًّا نظارته الشمسية, كانت عينه قد غفت ريثما تعود سلمى, استيقظ من غفوته على صوت طرقات النافذة, نظر الى يساره ثم رفع النظارة فوق رأسه ليرى سلمى وهي تشير اليه بفتح الباب لها, ضغط على الزر التحكم الداخلى بقفل الأبواب, فتحت الباب وصعدت الى مقعدها, نظر اليها بحيرة وتساءل قائلا:
– معقولة!, لحقتي تخلصي؟..
زفرت سلمى بضيق وأجابت:
– لا طبعا, بس على حظي أنا طلع انهرده يوم العمليات بتاع الدكتور, وهو في المستشفى انهرده, يعني يبقى كتّر خير الدنيا لو عرفت ألمحه بس!..
كانت بالنسبة لشهاب المرة الأولى تقريبا التي يشاهد فيها سلمى وقد تخلّت عن برودها المعتاد وتتحدث بحنق طفولي نوعا ما, كتم ابتسامة داخله ووجد نفسه وهو الثائر دوما يحاول تهدئتها وطمأنتها انها ستستطيع مقابلة أستاذها كما خططت اليوم, قال شهاب بابتسامة صغيرة:
– ولا يهمك, يعني هو هيبات في المستشفى مثلا؟, ليكي عليّا يا ستِّي مش هترجعي كفر الخولي إلّا وانتي مقابلاه واللي أنت عاوزاه من سفرية انهرده دي اتحقق!
نظرت اليه بدهشة لم تستطع إخفاؤها وتحدثت بحيرة:
– شكلك متأكد أوي؟
أجاب بتلقائية:
– عادي, أنتي عاوزة تقابليه وهو أكيد في وقت معين هيخلص شغله ساعتها بقه دي فرصتنا تقابليه وتورّيه الرسالة بتاعتك..
انطلق شهاب الى المشفى بعد ذلك من جهة تجدد سلمى أجازتها ومن جهة أخرى تحاول مقابلة أستاذها….
صف شهاب السيارة وانطلقت سلمى الى الداخل فيما جلس هو يراقبها الى ان اختفت عن ناظريه, لترتسم ابتسامة شاردة فوق شفتيه لا يعلم سببها ولكن ما يعلمه جيّدا أن ابنة عمّه تخفي جانبا من شخصيتها, جانبا طفوليّا جذابا على وجه الدقة, ولا يدري لما استساغ عدم ظهور هذا الجانب منها, قد يكون لأنه علم كم أنه جانب بريء طفوليّ ينال إعجاب أيًّا كان, فأراد ألا يظهر لأي أحد سواه!!..
مرّ أكثر من ثلاث ساعات عندما حانت من شهاب القابع في سيارته نظرة الى باب المشفى ليفاجأ بسلمى خارجة وهي تبتسم ولكن تلك الابتسامة لم تكن موجهة إليه بل الى هذا الرجل الذي يرافقها!!..
ترجل شهاب من السيارة في نفس اللحظة التي وصلت فيها سلمى اليه برفقة زميلها والذي ما إن تمّعن شهاب النظر فيه جيّدا حتى علِم أنه كريم قريبهم ذاك, تبادلا التحية, صادقة من جهة كريم, وباردة كالجليد من طرف شهاب, قال كريم لسلمى بابتسامة:
– مافيهاش كلام هتيجي يعني هتيجي!..
ثم وجه حديثه الى شهاب قائلا:
– وطبعا الدعوة لحضرتك بردو, سلمى عارفة الطريق, أنا هسبقكم وهنستناكم اوعوا تتأخروا!..
ما ان غاب كريم عن الأنظار حتى التفت شهاب الى سلمى قاطبا بين حاجبيه متسائلا:
– دعوة ايه ونروح فين؟
أجابت سلمى ولا تزال البسمة تنير وجهها:
– أبدا, طنط وفاء صممت اننا نتغدى عندهم انهرده, وأنا وافقت..
أجاب شهاب :
– وإزاي حضرتك توافقي من غير ما تاخدي رأيي الأول؟, ايه تكونيش فكّرتي اني السواق الخصوصي بتاع حضرتك؟!..
كتمت سلمى تأففها وهي تهمس في نفسها:
– مهما عملت بردو بترجع تاني شهاب المدب!, انا افتكرت انى كنت واخده عنك فكرة غلط لما قعدت تطمني اني هقابل الدكتور زي ما انا عاوزة, أتاري دا اللي كان الاستثنا والقاعدة قلة الذوق!, دا انت حتى ما سألتنيش قابلته ولا لأ؟, ضيعت فرحتي بكلام الدكتور اني قربت أخلّص الرسالة!..
انتبهت من شرودها على صوت شهاب النزق وهو يهتف:
– هاي بكلمك أنا, روحتي فين؟
زفرت بعمق وأغمضت عينيها لتفتحهما بعد ذلك ناظرة اليه وقد رسمت ابتسامة بلهاء على وجهها لتجيب ببرود توصلت انه الطريقة المثلى للتعامل مع ناره المتّقدة دائما:
– ولا في أي حتة!, ما روحتش في حتة, عموما ولا تزعّل نفسك, أنا طبعا عارفة انك مش السواق اللي جابهولي بابا, وعلشان كدا أنا بقولك بمنتهى البساطة أنا معزومة على الغدا وقبلت الدعوة, انت مش عاوز براحتك ارجع انت وانا هتصرف, ما تقلقش من الموضوع دا!..
حاول شهاب تمالك نفسه واقترب منها ليقف أمامها تماما ومال ناحيتها حتى رأى انعكاس صورته في غابات الزيتون خاصتها وهمس من بين أسنانه المطبقة:
– سلمى لآخر مرة أقولك ما تفتحيش موضوع انك ترجعي لوحدك دا تاني, ودلوقتي اتفضلي اركبي, ويا ريت ما تختبريش صبري عليكي أكتر من كدا, أنا مطوّل بالي عليكي لغاية دلوقتي!!
تمتمت سلمى بصوت مسموع بينما تفتح الباب لتصعد:
– كدا ومطوّل بالك؟!, أومال لو مقصّر بقه؟..
أمسك شهاب الباب ما أن همّت بإغلاقه ومال عليها ليدخل رأسه ناحيتها وهو يقول بتقطيبة عميقة:
– نعم؟, انتي بتقولي حاجة؟..
نظرت اليه ببراءة مزيفة وأجابت:
– ولا حاجة أبدا, بقول اتفضل علشان ما نتأخرش!..
كاد أن يصفق باب السيارة بقوة ولكنه تراجع في اللحظة الأخيرة, فما ذنب سيارته في غضبه بسبب هذه الباردة العنيدة التي تقبع ببراءة وكأنها لم توقد نار غضبه منذ لحظات!..
وصلا حيث منزل عائلة كريم, ترجلا من السيارة, وتقدما ناحية مدخل البناية السكنية عندما اكتشف شهاب أنه قد نسيَ هاتفه المحمول في السيارة فطلب منها انتظاره وعاد سريعا لجلبه, لم يغب سوى ثوان معدودة ليعود فيجدها تقف مع كريم منشغلان بالحديث حتى أنهما لم ينتبها لعودته, كانت سلمى تضحك عاليا عندما حانت منها التفاتة ناحيته لتجده يقف على مسافة ليست ببعيدة منهما يعقد ساعديه ناظرا اليهما وعيناه تقذفان شرراً من نار, هدأت ضحكاتها بينما انتبه اليه كريم, ليقول:
– اهلا يا شهاب نورتنا, اتفضل..
انتظروا وصول المصعد وكانت سلمى تقف بجانب كريم بينما يقف شهاب الى الجانب الآخر من المصعد بمفرده, دخلوا الى المصعد ولا تزال سلمى وكريم والذي حاول إشراك شهاب في الحوار يتبادلان الأحاديث, ولم يكن نصيب كريم من حديث شهاب سوى بضعة كلمات متباعدة علم منها كريم أن شهاب قد لا يكون من النوع الأجتماعي فلم يحاول توجيه الحديث اليه مرة أخرى احتراما لما اعتقده من ان شهاب لا يميل للتحدث مع غرباء!
خرجوا من المصعد متجهين الى شقة عائلة كريم الذي تقدمهما, فما كان من شهاب إلّا أن قبض على يد سلمى بقوة جعلتها تشهق دهشة وألما, بينما تحدث شهاب بصوت منخفض يخفي غضبا ناريًّا:
– عارفة لو بعدتي عنِّي خطوة واحدة بعد كدا هعمل فيكي ايه؟, أنا مش السواق ولا البودي جاري بتاع جنابك انتي تمشي قودامي وأنا وراكي!..
لم تستطع الاجابة فقد قاطعها صوت كريم يدعوهما الى الدخول, ما ان دخلا حتى وجدت خالتها وفاء تحتويها بحب بين ذراعيها قابلته بالمثل, بعد السلام والتحية, جلس الجميع في انتظار عودة نبيل والد كريم والذي لم يتأخر, تبادلوا الأحاديث الخفيفة ورحّبوا بوجود شهاب بينهم بطريقة أخجلت شهاب بأن يتعامل معهم ببرود, فانبسطت أساريره نوعا ما خاصة مع نبيل ذلك الرجل الذي يقارب عمّه رؤوف كثيرا سواء في الأسلوب أو الطباع….
تركته سلمى مع نبيل وكريم ولحقت بوفاء في المطبخ لمساعدتها, وما إن تم تجهيز المائدة حتى دعت وفاء الجميع لتناول الطعام, قال كريم لسلمى أثناء جلوسهم الى المائدة البيضاوية الشكل المذهبة ذات الست مقاعد مذهبة أيضا:
– على فكرة ماما أول ما كلمتها وقلت لها انك هنا في مصر وأني شوفتك في المستشفى بالصدفة يا سلمى هانم كانت محتارة تعمل غدا ايه.. بس انا اللي قلت لها على الفكرة دي, انا عارف أد أيه انتي بتحبي السي فوود..
ابتسمت سلمى وقالت:
– ما تحاولش, علشان تبقى عارف أنا قلت لبابا أني هاجي أسلم عليكم, طنط وفاء وعمو نبيل وحشوني أوي بصراحة, يعني حتى لو ما كنتش شوفتك كنت هتلاقيني طبِّيت عليكم هنا, بس بصراحة.. فكرة ممتازة يا كريم, عشرة على عشرة, انا بموت في حاجة اسمها سمك, الأكلات البحرية عموما….
انشغل الجميع بالطعام وكان نبيل بين كل فينة وأخرى يدعو شهاب لتذوق أنواع الأطعمة المختلفة, مالت سلمى الجالسة الى يسار شهاب وهمست:
– ايه يا شهاب انت ما بتحبش السمك ولّا إيه؟
أجاب شهاب بنفي:
– لا لا لا طبعا بحبه..
استغربت سلمى وواصلت:
– أومال مش شايفاك بتاكل غير رز وسلطة بس؟, السمكة بتاعتك لسه زي ما هي ما لمستهاش, حتى الجمبري ما جيتش ناحيته؟!..
لم يعلم شهاب بما يجيبها, ولم يجد بدًّا من أن يقول في الأخير بنزق طفولي:
– مش بعرف أفصص السمك ارتحتي؟.
سكتت سلمى قليلا محاولة استيعاب ما نطقه لتجيب بينما لم ينتبه لهما الآخرون:
– نعم؟, ما بتعرفش تفصص السمك؟, أومال حضرتك مين اللي بيقوم بالمهمة دي؟.
نظر اليها بحنق لتجيب بنفسها على سؤالها:
– ماما؟!..
ثم تابعت بهمس مسموع له فقط:
– امممم, كويس, تمام, ما فيش مشكلة…
لتقوم بتبادل الأطباق في غفلة من المحيطين بهم, هتف شهاب وهو يسترق النظر الى الآخرين خوفا من أن يكون هناك من يراقب ما يجري بينهما:
– انتي بتعملي ايه؟؟
أجابت بعد أن أتمت مهمة تبديل الأطباق بنجاح:
– ولا حاجة أبدا, أنا نضفت سمكتي وفصصتها, والجمبري متقشر وجاهز أهو, اتفضل كول…
تمتم بكلمة بصوت غير مسموع علمت أنها أغلب الظن كلمة شكر!, حركت كتفيها وهي تزفر بحنق, حتى كلمة شكر واضحة لا يرغب بقولها, غريب أمر هذا الشهاب, ثم التفتت الى السمكة الموضوعة في الصحن أمامها لتقوم بنزع الشوْك منها وتقشير الجمبري….
همّت سلمى بتناول الطعام عندما انتبهت أنها لم تبدل ملعقة الطعام مع الصحن, نظرت الى شهاب لتخبره لتجده يتناول طعامه بلذة واضحة, فخجلت من أن تقول له أن هذه الملعقة والتي يبدو أنها قد التصقت بفمه هي ملعقتها هي, وبدلا من ذلك تناولت أخرى نظيفة من أمامها وشرعت في تناول الطعام, وهي لا تعلم أن شهاب كان يراقبها من طرف خفي وأنه شعر باليأس والإحباط عندما وجدها قد انتبهت لأمر الملاعق وتركت ملعقته متناولة أخرى نظيفة, بينما هو يعلم منذ البدء بأن الملعقة التي بيده هي ملعقتها هي والتي ما إن وضعها في فمه متناولا أول ملعقة طعام حتى شعر بلذة لم يختبرها قبلاً, لينكب على الطعام ملتهما إياه وبين كل لقمة وأخرى يترك الملعقة في فمه ما لا يقل عن دقيقة كاملة, كانت كافية لجعله يغيب في إحساس رائع, لا يعلم كنهه, ولا يعلم سببه, أو لعله يعلم السبب ولكنه يأبى الاعتراف.. بأن لذة الطعام تكمن في طعم الشفاه الكرزي العالق في الملعقة مكان شفتيها!!..
****************
– حضرتك بتقولي إيه يا ماما؟
هتفت سلافة غير مصدقة لما تخبرها به أمها, ألفت بابتسامة فابنتها قد غدت عروس يطلب رضاها القاصي والداني:
– بقولك غيث ابن عمك اتقدم لك…
هتفت سلافة بعدم تصديق وذهول حائر:
– معقولة؟, غيث!!..
ثم سكتت قليلا مقطبة وما لبثت أن تمتمت بينها وبين نفسها في دهشة بالغة لِما توصّل اليه عقلها:
– لالا دا مجنون فهمي نظمي رسمي أكيد, يعني لما شافني شاورت لكريم اتخانق معايا ولما شافني بتكلم مع منير عاوز يتجوزني, أومال لو شافني بقه وأنا بضحك مع عمرو هيعمل ايه… ياخد بالتار ولا يضربه بالنار؟!..
قالت ألفت بتقطيبة خفيفة وابتسامة متسائلة:
– بتقولي حاجة يا سلافة؟
أجابت سلافة محاولة رسم ابتسامة على شفتيها:
– ها؟, لا ما فيش يا ماما, طيب هو ما قالش ليه؟
قطبت أمها معلقة:
– ليه إيه؟
سلافة بتلقائية:
– ليه عاوز يتجوزني؟
ألفت بضحكة قصيرة:
– معقول يا سلافة واحد عاوز يتجوز بنتنا هنسأله ليه؟, أكيد يعني زي أي عريس ما بيتقدم, هو كل اللي قاله لجدك أنه عاوز يتقدم لك, لا هو قال ليه ولا احنا طبعا سألنا!..
أجابت سلافة بابتسامة واسعة:
– تمام, وهو طبعا عاوز الرد؟
أومأت أمها في انتظار سماع رأي ابنتها وإن كان داخلها متخوّف منها, فهي تعلمها جيدا وتعلم أنها لن توافق بهذه السهولة التي يتخيلها والدها أو الجد كما ألمح لها رؤوف عندما أخبرها بالأمر وأن تفاتح سلافة بشأن رغبة ابن عمها في الاقتران بها وأخبرها أيضا بأن الجد مرحّب للغاية بهذه الزيجة, قالت سلافة ببراءة:
– معلهش يا ماما, يا ريت بابا يعتذر له ويقوله لأ!..
ألفت بحيرة:
– طيب يا بنتي لأ على طول كدا؟, مش تفكري كويّس الأول؟, وبعدين لأ ليه؟, ايه سبب الرفض؟
حركت سلافة كتفيها ببرود وقالت:
– وهو كان قال عاوز يتجاوزني ليه لما أنا أقول رافضة ليه؟, هو ما قالش ليه وأنا كمان من غير ليه!!..
—————————————————–
هبّ غيث واقفا وهو يهتف بحنق:
– انت بتجول ايه يا جدّي؟
أجاب الجد محاولا كتم ابتسامته وفي داخله اعجاب بتلك الشيطانة الصغيرة التي ستنجح لا محالة في نزع قشرة البرود التي يغلف بها غيث عواطفه:
– أنا بجولك اللي جالته لامها, جالت هو ما جالش رايد يتزوجني ليه, وأني كمان بجوله لاه ومن غير ليه!..
لمعت عينا غيث ببريق التحد وسارع بالانصراف وهو يقول لجده:
– عن اذنك يا جدي…
كانت تقف أمام حوض الورود الذي نال اعجابها منذ قدومها الى البلدة, كان الجو ليلا وقد أضاء القمر سماء الليل البهيم, وكانت هناك نسمة هواء عليل تحمل رائحة الزرع بين طياتها, عدلت سلافة من وضع الوشاح الخفيف التي تضعه فوق كتفيها, بينما هربت بضع خصلات من شعرها المربوط على هيئة ذيل الفرس, لتحيط بوجهها فتكسبها جمالا فاتنا خاصة مع لمعة عينيها البراقتين, سمعت صوتا من وراءها يقول بنبرة خشنة جعلتها تقفز هلعا فهي لم تشعر بأي خطوات قادمة وكانت تظن أنها بمفردها:
– أجدر أعرف أنت رافضة ليه؟
شهقت سلافة واستدارت الى مصدر الصوت والذي ما إن رأته حتى تنفست الصعداء وهتفت وهي تغمض عينيها براحة:
– غيث!, خضتني…
اقترب منها حتى أصبح في دائرة الضوء الذي يرسله القمر في هذه الليلة المقمرة وقال:
– سلامتك من الخضّة يا بت عمي, بس ما جاوبتنيش على سؤالي.. انتي رفضتي ليه؟
تقدمت منه بضعة خطوات لتقف أمامه تماما وترفع رأسها تنظر في عينيه بقوة ليتيه في سرمدي عينيها وتقول:
– لما تقولي انت الأول ليه عاوز تتجوزني أقولك أنا!
قطب غيث مجيبا بحنق:
– كيف دِه؟, يعني ايه عاوز أتجوزك ليه؟, عاوز أتزوج زي أي واحد مش عَجَبَهْ يعني!.
ابتسمت بخفة وقالت وهي تحرك رأسها يمنيا ويسارا:
– لا يا غيث, أنا ما بقولش عاوز تتجوز ليه, أنا بقول عاوز تتجوزني أنا ليه, وأظن تفرق؟
حاول الهروب من عينيها بعيدا وهو يجيب بتلكؤ بسيط:
– هيكون ليه يعني؟, انتي بت عمي واني وصلت لسن لازمن أتزوج وأعمل عيلة, يبجى ليه ما يكونش انتي؟
نظرت اليه ببرود مجيبة بابتسامة خفيفة:
– مش جواب لسؤالي, أبسط حاجة ولو هنتكلم بالعقل سلمى أختي تناسبك أكتر مني, أولا من ناحية السن هي الكبيرة, يعني سنها مناسب عني, الفرق بينكم تقريبا 4 سنين لكن انا 8, وبعدين هي كمان بنت عمك, يعني رجعنا تاني لنفس السؤال.. ليه؟, أنا ليه؟.
اغتاظ غيث وهتف مشيحا بيده عاليا:
– أني مش فاهم انت بتلفي وتدوري على ايه؟, عريس وجالك ومش أي عريس دِه يُبجى ولد عمك, مش رايداه ليه؟
سلافة بنظرات جديّة غريبة عنها:
– انت اللي بتلف وتدور يا غيث, لكن أنا هجاوب على السؤال اللي انت بتتهرب منه, انا اتكلمت قودامك عن كريم انت اتغاظت وانت شايف طريقتي معاه, وبعد كدا منير اللي كان زميلي من ايام الجامعه, قلت في عقل بالك أتجوزها وأطبعها بطبعنا وعوايدنا, لأنك عارف ومتأكد اني مش هسمح لك تتدخل في طرقة التعامل بتاعتي مع أي حد, صح؟؟
هز غيث برأسه يمينا ويسارا وهو يقول بجدية:
– لاه, غلط, مش دِه السبب, أني كان ممكن أجول لعمي انه يعرّفك عوادينا وطبعنا اهنه, أو أضعف الإيمان أجول لجدي انك ما ينفعش تشتغلي معايا في الديوان, فيه 100 طريجة غير اني اتزوجك..
قطبت وتمتمت بينها وبين نفسها:
– ما هو مش معقول يعني يكون الحب ولّع في الدرّة يا بن عمي علشان كدا عاوز تتجوزني؟!..
غيث بتساؤل:
– انتي بتجولي ايه؟
سلافة وقد انتبهت من شرودها:
– ها؟, لا ما فيش حاجة, بقول انت لسه ما قولتش سبب واحد مقنع, البلد مليانه بنات, وعيلة الخولي مليانه عرايس, أقربهم هند بنت خالتك!, يبقى ايش معنى أنا اللي عاوزها تنول الشرف السامي دا؟
زفر غيث بحنق ومال عليها لتضربها أنفاسه الساخنة بينما يشتم رائحة عبيرها الخاص وتمتم بين شفتيه:
– مش لازم لها تريجة احياة أبوكي, انتي مش كيفك كيف أي بت عاوزة تتجوز, واني ولد عمك, وجحا أولى بلحم توره!
شهقت سلافة عاليا بغيظ وأجابت بحنق وحدة:
– نعم؟, تور!, تور ايه يا عم الجزار إنت؟, ايه تور دا؟, فيه حد في الدنيا يقول للبنت اللي عاوز يخطبها تور؟..
وضعت يديها فوق رأسها وأغمضت عينيها وهي تهتف بأسى زائف:
– يا للهول!, على آخر الزمن يا سولي عريس بيقولك انتي تور؟
ثم فتحت عينيها ونظرت اليه وهي تشيح بيدها اليمنى يمينا ويسارا متابعة:
– لالا دا كتير يا غيث, أبسليوتلي فعلا, مش ممكن, شوف أنا ممكن أديك دورة تدريبية ازاي تتقدم لبنات الناس ودي مجانا علشان غلاوة عمي عثمان وجدي عبد الحميد وعلشان أملهم فيك ما يخيبش, ما هو أصل ما فيش واحده هتوافق على عريس بيقولها تور ولحم ومعرفش ايه؟, ناقص يقول كبدة وفشة وممبار, سارحين على عربية كبدة احنا في السيدة!!..
لم يستطع صدقا لم يقدر كبح جماح ضحكته العالية والتي انطلقت لتلجم لسان سلافة وتجعلها ولأول مرة تنتبه لوسامته الخشنة, وجاذبيته القوية, نعم.. ابن عمها يملك جاذبية ساحقة وجمال رجولي واضح, ولكنها تلك التقطيبة والواجهة الباردة التي يقابل بها الجميع من يجعل من يقف أمامه لا يتمعن في النظر اليه, لقد صغر ما يزيد عن عشر سنوات عندما أطلق هذه الضحكة فانبسطت أساريره وشعرت بنفسها تقف أمامه محدقة به كالبلهاء وكأنها أمام واحد من المشاهير, انتبهت لنفسها ولتحديقها فيه, فحاولت نزع عينيها بعيدا عنه بينما طغى تعبير رقيق على نظرات عينيه وهو يلاحظ تدقيقها في النظر اليه, مما جعل دقات قلبها تتسارع رغما عنها, حاولت الهروب من نظراته المسلطة عليه وقالت وهي تحاول الابتعاد:
– عموما انا قلت ردّي, وانت ما جاوبتش على سؤالي, وانا معنديش كلام تاني أقوله!
ما ان همّت بالابتعاد حتى مد يده قابضا على ذراعها برفق وهو يهتف بصوت أجش:
– استني, أني هجولك ليه؟
اعتدلت في وقفتها أمامه, وما إن هم بالمتابعة حتى تعالى صياح الغفير راجح مناديا له, قطب بحنق ونظر الى الغفير الذي وصل اليه وهو يكاد يلتقط أنفاسه بصعوبة, هتف به غيث بغيظ بينما لا تستطيع سلافة تفسير شعورها الآن فهي من جهة شعرت بالراحة لمقاطعة الغفير لهما وهي لأول مرة تجد نفسها في موقف كهذا, ومن جهة أخرى كانت تتمنى سماع اجابته على سؤالها.. لما هي؟, سمعت غيث وهو يصيح بالغفير مغتاظا فكتمت ضحكتها لعلمها بسبب حدته:
– فيه ايه يا بجم؟, صوتك عالي اكده ليه؟
الغفير وقد بدأت أنفاسه ترتاح:
– فيه حاجة حوصلت ولازمن أجول لجنابك عليها…
انتظر غيث سماعه ولكنه لم يتكلم فنهره قائلا:
– ما تجول يا تور ايه اللي حوصل؟
تمتمت سلافة:
– بردو تور؟, واضح كدا ان تيران مزرعتكم كتير اوي..
لم ينتبه غيث اليها وهو ينتظر سماع الغفير الذي كان مترددا في الاجابة لوجودها ولكنه لم يجد بدًّا من الحديث وإبلاغ سيده بما يحمله من أنباء:
– ليث بيه لجا جاتل سي راضي!..
هتف غيث وعيناه تبرقان بوحشية:
– بتجول ايه؟, عرف مين اللي طخّه؟,,
أومأ راجح بالايجاب فقال غيث وهو يهم بالانصراف سريعا:
– تعالى معايْ بسرعة…
صوت رقيق أوقفه ليلتفت الى صاحبة الصوت التي وقفت أمامه تطالعه بقلق وهي تقول:
– رايح فين يا غيث؟, طالما عرفتوه يبقى بلغ البوليس, بلاش تروح انت…
غيث بابتسامة صغيرة:
– اطلعي دارك انتي دلوك يا بت عمي, تار الخولي ما ياخدوش غير ولادها, القانون اللي في البلد اهنه هو قانوننا احنا, عموما ما تجلجيش, هنعاود بسرعة….
سارع بالانصراف لتهتف منادية له, التفت اليها لتهمس له وعيناها تلمعان:
– خلي بالك من نفسك يا غيث…
أبتسم وأومأ بالإيجاب قبل أن ينصرف سريعا وفي أعقابه غفيره, وما هي الا لحظات حتى رأته يمتطي فرسه الأسود الضخم, وقد خلع عباءته ليعطي صورة متناقضة بين لون الجواد الأسود وبين ثوبه الناصع البياض, رفعت يدها تلوّح له من بعيد بينما لم ينتبه لها فيما تدعو له بالسلامة, رافضة أن تفسر شعورها بالخوف والقلق ناحيته سوى بأنه أمر طبيعي فلو كان شخص غريب كانت أيضا سيصيبها ذات القلق تجاهه فكيف به وهو إبن عمّها؟!!..
************************
انتهت زيارة سلمى وشهاب لعائلة كريم, وبدآ في رحلة العودة, كانت الشمس قد غربت, تبادلا بعض الأحاديث الخفيفة مبتعدين عن مناوشتهما المألوفة, وكان شهاب قد مدح في والديْ كريم, لا يعلم أي هاجس ألح عليه لمعرفة طبيعة العلاقة بينها وبين كريم, رسم ابتسامة صغيرة على وجهه وقال بلامبالاة زائفة:
– انما يعني أنا شايف ان كريم دكتور وشاطر ومن عيلة كويسة, باباه راجل محترم ومامته كمان, وانتو تعرفوهم من زمان, ايه اللي مخلاهوش مثلا يفكر يتقدم لواحده منكم انتي او سلافة مثلا؟
أخفت سلمى ابتسامة ساخرة وساعدها الظلام في ذلك, بينما أجابت مصطنعة الاهتمام:
– يعني انت شايفه انه عريس مناسب؟
قطب شهاب ولا يعلم لما شعر بالانقباض لسؤالها ولكنه تصنع اللامبالاة وأجاب:
– آه طبعا, من اللي باين قودامي أنه عريس كويس ومناسب جدا كمان, علشان كدا مستغرب انه ما اتقدمش لواحده فيكم؟
سلمى بابتسامة مكر لم يرها للظلام السائد بداخل السيارة:
– وانت عرفت منين انه ما اتقدمش لواحده فينا؟
حانت منه لفتة سريعة اليها حتى أن مقود السيارة كاد ينزلق من بين يديه ولكنه استعاد سيطرته على السيارة سريعا حامدا الله أنه لم يكن هناك أي سيارة بجانبهما بعد أن خرجا الى الطريق السريع, أجاب شهاب ببرود:
– معلهش, حصل خير, قولتيلي بقه اتقدم لمين فيكم؟
سلمى ببرود:
– شهاب ممكن تبص قودامك وتاخد بالك من الطريق كويس؟, أنا مش هكلمك لغاية ما نوصل, انا عاوزة أوصل حتة واحدة!
سكت شهاب على مضض, بعد أن حدجها بنظرة نارية…
أكملا الرحلة في صمت تام حتى وقفا لإعادة ملأ خزان الوقود, وكانا قد قاربا على الوصول, خرق شهاب الصمت السائد بسؤالها عما إذا كانت ترغب بشيء من السوبر ماركت الموجود داخل المحطة, نفت بهزة من رأسها, ليستأنفا السير بعد ذلك وبعض الأحاديث الخفيفة عندما نسيت سلمى قرارها بعدم توجيه أي سؤال له وقالت:
– صحيح فيه حاجة محيراني فيك انت وأخوك؟
ألقى أليها بنظرة مستفسرة قبل أن يعيد انتباهه الى الطريق وأجاب:
– ايه هي؟
سلمى باهتمام:
– انتو توأم, مش متشابه في الشكل صحيح, بس بردو بينكم فروقات كتير, أبسط حاجة طريقة اللبس والكلام؟
ابتسم شهاب وأجاب ونظره مثبت على الطريق أمامه والذي بدأ يمر ببعض القرى الصغيرة:
– ولا غريبة ولا حاجة, أنا بعد ثانوية عامة صممت أدخل الجامعة في مصر, دخلت زراعة القاهرة, وقعدت مع صحابي في شقة, وبعد ما خلصت ورجعت البلد أمسك المزرعة كل خروجاتي تقريبا هنا في مصر في آخر الاسبوع, انما غيث حياته كلها في البلد دخل تجارة أسيوط, ومن ساعة ما اتخرج لغاية دلوقتي ما اخدش اجازة يوم واحد, حتى لما كان بينزل مصر علشان يخلص مصالح وبس, دا غير ان غيث بيحب أي حاجة متعلقة بالبلد من لبس لكلام للهجة, وبيرفض يغيّر أي حاجة فيه, وعلى فكرة اوعى تفتكري انى مش بتكلم صعيدي, لا بتكلم بس في مواقف معينة!…
سكت شهاب قليلا ثم قال وقد شجعته بسؤالها عنه وعن غيث:
– انما إنت وسلافة أختك مع ان الفرق بينكم اربع سنين تقريبا لكن قريبين من بعض اوي, زي ما تكونوا توأم…
ابتسمت بحنان لدى ذكره لشقيقتها الصغرى المرحة دائما سلافة وقالت:
– انا وسلافة مش بس أخوات لا وأصحاب كمان, يمكن اللي قرب بيننا اكتر كمان الغربة, اصحابنا كانوا قليلين في المدرسة وبابا كان مانع اننا نزور حد في بيته هما ييجوا أهلا وسهلا احنا نروح لأ, وطبعا اللي هييجي مرة مش هيكررها لغاية ما تترد له الزيارة, فبقيت انا وسلافة أصحاب أكتر مننا أخوات كمان, وطبعا كانت معانا سهى..
شعر بالغبطة لوجود منفذ يستطيع منه أن يعود الى نفس السؤال عن طبيعة العلاقة بينها وبين كريم فقال:
– أخت كريم مش كدا؟
أجابت:
– تمام..
انتهز الفرصة وسأل بلا مبالاة زائفة بينما كانت كل حواسه مترقبة لأجابتها:
– واضح جدا ان عيلتكم كانت قريبة جدا لعيلة كريم, انا فعلا مندهش ازاي ما خطبش واحده فيكم؟
أجابت وقد قررت منحه الجواب الذي يريد:
– وأنا هقولك زي ما سبق وقلت لك مين اللي قالك انه ما خطبش؟..
ألقى أليها بنظرة مستفسرة لتتابع مصطنعة الاهتمام:
– بس بجد يا شهاب أنا عاوزة أعرف يعني انت شايف كريم شاب ما يترفضش صح؟, واضح من كلامك انه عجبك أوي..
شهاب بلا مبالاة زائفة:
– يعني…
أجابت سلمى بجدية مصطنعة:
– تصدق.. رأيك دا هيخليني فعلا أفكر جديّا إني أوافق!
هتف شهاب وهو يلتفت اليها بذهول:
– نعم؟, توافقي على ايه؟
سلمى بلا مبالاة:
– على طلب كريم!, كريم فاتحني انهرده في الجواز!
شاهدت سلمى شيئا يتحرك أمام السيارة مقتربا منها بسرعة مما جعلها تشهق صائحة:
– شهاب خلي بالك!
ولكن يفقد شهاب السيطرة على مقود السيارة, ليفاجأ بذات الشيء الأسود وهو يمرق سريعا من أمامهما فضغط على المكابح بقوة لتدور السيارة حول نفسها عدة مرات, ثم ترتطم بمرتفع رملي ويقف محركها عن العمل تماما!!..
فك شهاب حزام الأمان, ثم مال على سلمى وهو يتحسس وجهها باضطراب واضح متسائلا بقلق فلم يسمع لها أي صوت:
– سلمى, سلمى أنتي كويسة؟!, سلـ….
ليفاجئ بقبضة ضعيفة تهوى على كتفه وسلمى تجيب بصوت حانق غاضب:
– آخر مرة أركب معاك في عربية واحدة, واضح جدا انك نادرها اني مرجعش سليمة أبدا…
ثم دفعت يده بعيدا عنها, وكان لا يزال ملمس نعومة شعرها بين يديه, كتم شهاب احساسه بالراحة لعدم اصابة سلمى بأي سوء وأجاب وهو يترجل من السيارة:
– يا ريت, لأنه واضح كمان ان وشّك عليّا مش ولا بُد, أنا عمري ما عملت حادثة في حياتي وانهرده كم حادثة كانت هتحصل؟, وآخرها دي!…
نظرت اليه ببرود, بينما تناول مصباحا يدويا وفتح مقدمة السيارة, وتطلع الى المحرك قليلا ليغلقها بعد ذلك, ثم يصعد ثانية الى مقعد السائق ويدير المحرك ليصدر صوتا عاليا ولكن ترفض عجلات السايرة الكبيرة التحرك, شتم من بين أسنانه وقال:
– العجل غرز, مش هينفع نمشي, لازم حد يشد العربية!
قالت سلمى بسخرية:
– عربيتك دي لو ما كانتش جيب 4 باي 4 محترمة كان زمانها مقلوبة فوقها تحتها في الرمل مش غارزة في الرمل!!
زفر بحنق وقال:
– تسمحي تسكتي خالص, انتي السبب, اسلوبك مستفز وبارد لازم طبعا كنا نلبس في حاجة, والحمد لله انها جات في الرمل, مش شجرة ولا حيطة!
أجابت سلمى بحدة:
– يعني أنا السبب؟, وبعدين اسلوب ايه واستفزاز ايه, لا وانت الصادق دا علشان مناخيرك الطويلة اللي انت حاشرها في حاجات مالكش فيها!, مالك انت كريم يتقدم ولا يتأخر حتى؟!
تطلع اليها دهشة وهو يتلمس أنفه مردداً بذهول:
– مناخيري طويلة!
وما لبث أن تابع بصرخة غضب ناري:
– شوفي بقه أنا ساكت لك من الصبح, انما كلمة زيادة مش هسمح لك, حطي لسانك جوة بؤك وما تنطقيش بكلمة واحده بس, مفهوم!
لأول مرة تشعر سلمى بالرهبة منه, تكفي لمعة عيناه الشرسة, فآثرت الصمت وهي تدعو الله أن ينقذها من هذا الكائن المجنون المسمى ابن عمها وأقسمت بينها وبين نفسها أنها ستبتعد تماما عن طريقه ما إن تنزاح هذه الغمّة, ولكنها لم تعلم أن خطواتها وخطواته سيسيران معا في طريق واحد وقريبا… قريبا جدا, أقرب مما تتصور!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كبير العيلة)