رواية كبرياء صعيدي الفصل الأول 1 بقلم نور زيزو
رواية كبرياء صعيدي الجزء الأول
رواية كبرياء صعيدي البارت الأول
رواية كبرياء صعيدي الحلقة الأولى
الفصل الأول (1) بعنــــــــــوان “لُعبة القدر”
“لو علمت قدرك هل ستتمكن من الهرب منه وتفاديه؟ لا ، لن تتمكن من تفادي شيء كُتب لكَ فلا قوة لكَ أمام قوة الخالق سبحانه وتعالي، وأنت ليس سوى حلقة فى دائرة الحياة وعليك مواكبتها حتى تصل إلى قدرك الذي كُتب لكَ؟
لطالما تمنيت لو هربت من قدري الذي جمعني بهذا الوحش قبل أن أصل لما وصلت إليه حين سقطت معه وعلى أرضه”
داخل بناية مكونة من 7 طوابق فى القاهرة تحديدًا فى الطابق الثالث كان صوت الرجال يملأ المكان بسبب شجارهم دون ان يغفو لأحدهم جفنٍ واحدٍ وهم يتشاجرون ضد امرأة ضعيفة بلا سند أو ظهر، لم تهتز شواربهم خجلًا وكلا منهم يستقوي على مرأة كالقارورة
تحدث رجل فى الستينات من عمره ذات الشعر الأبيض يدل على شيبة رأسه وعمره وشارب أبيض “حاتم” قائلًا:-
-إياكي تطلعي برا باب الشقة دى وخلي بالك يا عطر ديون أبوكي محدش هيدفعها غيرك ومش ذنبنا إنه طلع رجل نجس وواطي سرق فلوسنا وهجي وسابك هنا لوحدك
تحدث رجل آخر “هادي” بحدة أكثر من السابق دون رأفةً بهذه الفتاة الضعيفة قائلًا:-
-راجل ندل وواطي ومتعيطيش كدة لأنك مش هتصعبي علينا ، إذا كان مصعبتيش علي أبوكي لما هرب بفلوسنا هتصعبي علينا إحنا، ما هو مستحيل نكون أحن عليكي من اللى خلفك
ألقي ثالثهما مجموعة من الأوراق على الطاولة بقساوة وحدة ثم قال “ماهر” :-
-دى صور من الوصولات اللى على أبوكي أهو تعرفي ديونكم كام ؟ وتفكري هتدفعي وتسدي أزاى
خرج ثلاثتهم من الشقة وأغلقوا الباب خلفهم، هرعت “حنة” الخادمة صاحبة العمر 48 عام ، امرأة محجبة بعيون بينة غامقة وبشرة متوسطة البياض إلى “عطر” هذه الفتاة الباكية ذات الواحد وعشرون عام ، كانت جالسة محلها على الأريكة معصومة العينين من الدموع التى أحتلت جفنيها حتى أخفت لون عينيها الزرقاوتين وبشرتها البيضاء كالحليب تحولت للأحمرار الشديد من شدة بكاءها وأنهيارها التام، جلست “حنة” قربها بفزع على حالة هذه الفتاة لترتمي “عطر” بين ذراعيها وتتطلق العنان لصدرها حتى تخرج شهقاتها القوية وتجهش فى البكاء يقوة وكلماتها تكاد تخرج من بين حنجرتها من لعثمتها قائلة:-
-أعمل أي يا حنة، أعمل أي فى اللى حطني فيه؟ ااااه يا حنة ، دى عملة يعملها فيا قبل فرحي بأسبوع
تساقطت دموع “حنة” على وجنتيها بإشفاق على حال هذه الفتاة وقالت بلطف:-
-فوضي أمرك لله يا عطر ، مالناش غيره ي حبيبتي
ظلت تبكي بأنهيار تام لساعات طويلة……..
____________________________________
فى محافظة “أسيوط” قلب صعيد مصر
بمنزل “عائلة الدسوقي” كان منزل كبير يكفي للنظر من الخارج فقط، يهيبه كل شخص من هذه البلد، منزل مكون من ثلاث طوابق وأمامه ساحة كبيرة من الخضراء وبوابة حديدية كبيرة لا يقترب منها أحد ويجلس أمامها بعض الرجال لخدمة هذه العائلة من صغارها لكبارها، فى الطابق الأول كانت تجلس سيدة خمسينية “هدي” على السفرة وأمامه صينية من البطاطس تقطعها للغداء مُرتدية عباءة زرقاء وتلف حجابها الأبيض حول وجهها متوسط البياض وعيونها الخضراء وجسدها سمين قليلًا، جاءت إليها ابنتها فتاة فى مُقبل العمر ذات الثلاثة وعشرون عام “فيروزة” وقالت بلهجتها الصعيدية:-
-صباح الخير يا أمى
أجابتها “هدي” بهدوء ويديها تكمل ما تفعله:-
-صباحك فل يا حبيبتي، خير لابسة أكدة ليه؟ لتكوني طالعة ي فيروزة
تبسمت “فيروزة” بعفوية ثم قالت:-
-هجول لأبويا الأول وأدعيلي يوافج على طلوعي ، أنا هوصل لبيت خالتي ومهعاوجش
ضحكت “هدي” بسخرية على فتاتها ثم قالت:-
-أبجي أطلعي الأول وبعدين جولي هتعاوجي ولا لا، وخلي بالك أبوكي مهيوافجش عشان عامر جاي الليلة دى وبعدين جولتلك مليون مرة مش عشان خطبك هتصدعينا وياكي
تأففت “فيروزة” بضيق من حديث والدتها لترفع “هدي” نظرها إلى ابنتها هذه الفتاة التى تملك من الجمال ما يكفي حتى تقدم لخطبتها رجال البلد أجمعهم، فلم يراها رجل ألا ووقع بغرام جمالها، تملك زوج من العيون الخضراء التى يمرح بها الخيل وشعر ذهبي اللون كأشعة الشمس المُشرقة وبشرة بيضاء صافية كالحليب وجسدها الممشوق وحتى رموشها الطويل تزيد من سحر عينيها، لكن قلب هذه الفتاة عالقًا هناك بقلب “عامر” ابن خالتها مُنذ نعومة أظافرها وأول رجل وقعت عينيها عليه فى هذه الدنيا …….
كادت “هدي” أن تتحدث لكن أوقفها صوت “خضرة” سيدة فى نهاية الأربعينات من عمرها زوجة “ناجي” الأبن الأوسط لعائلة الدسوقي تقول بلا مبالاة:-
-ما تتجلي شوية يا بت مش أكدة ليفكر أنك هتموتي عليه
تنحنحت “فيروزة” بأغتياظ شديد من جملة هذه المرأة ونظرت إلى والدتها قبل أن تجيب عليها فغمزت لها “هدي” بألا تتحدث معها وقالت:-
-جومي يا فيروزة روحي لأبوكي هو فى المنضرة وي أخوكي عيسي وجدك
غادرت “فيروزة” بتأفف فنظرت “هدي” إلى “خضرة” وقالت بحدة:-
-جرا أي يا سلفتي هو اللى هنام فيه هنصبح فيه؟ مفيش يوم تصحي وتجولي صباح الخير أي بتصحي للمشاكل …. طلعي فيروزة من دماغك
ضحكت “خضرة” وهى تأخذ السكين فى يدها لتساعد “هدي” فى الطعام وقالت بلا مبالاة:-
-مدلعيناها زيادة جوى عن اللزوم، بعدين تتمرع عليكم
تنهدت “هدي” بضيق شديد من حديث “خضرة” وقالت:-
-تتمرع!! خليكي فى حالك يا سلفتي الله لا يسوج ، ولا أجولك خليكي فى عيالك خالد ونصر وخديجة وخيرية هم أولي بتفكيرك من بتي ولا أجولك خليكي فى جوزك فؤاد بجاله 3 ليالي برا الدار متعرفيش المرة دى هيرجعلك متجوزة واحدة عاملة كيف، شكلك نسيتي الغازية اللى رجعلك بيها أخر مرة
وقفت من مكانها بانتصار بعد أن أشعلت نيران الغضب بهذه المرأة أنتقامًا لحديثها مع أبنتها ودلفت للمطبخ، أشتعلت “خضرة” من الغضب بسبب حديثها وذهبت إلى غرفتها للأعلى مُستشاطة غضبًا وأخذت هاتفها تتصل على زوجها “ناجي” وكان الهاتف كعادته مغلق فألقت به على الفراش ونظرت للمرأة على صورتها المنعكسة رغم أن ملامحها ليست سيئة بل جميلة إلى حد ما بعيونها البينية وشعرها الأسود المموج بطوله وبشرتها متوسطة البياض لكنها تزوجت رجل لا يعرف شيء فى حياته سوى عشق النساء وتغييرهم كملابسه وحتى بعد أن أنجبت له الصبيان والبنات ما زال يتزوج عليها، لم تكتفي ألمها من زوجها بل يزداد الألم أضعاف كلما رأت “فؤاد” الأبن الأكبر لهذه العائلة وزوجته “هدي” أمامها يكرمها ويدللها أمام الجميع بلا حرج أو خجل حتى بعد أن أنجبت له “عيسي” و”فيروزة” فقط لم يتزوج عليها لمرة واحدة أو يطلب أبناء أكثر وكأنها تكفيه عن كل النساء …..
_________________________
فى غرفة الضيوف ، كان جالسًا الجدة “عبد الحكيم الدسوقي” مع ابنه الأكبر “فؤاد” وابنه “عيسي” فتحدث “عيسي” بجدية:-
-كدة وياك حسابات الشونة وكمان محلات الفاكهة والخضراوات ناقص بس حسابات الزرع والمحصول على أخر اليوم هيكونوا عندك ي جدي
تحدث “عبدالحكيم” رجل فى نهاية السبعينات من عمره يملأ وجهه التجاعيد ويتكئ بيديه الإثنين على عكازه الخشبي الأسود قائلًا:-
-ماشي ي ولدي أطلع أرتاح من سفرك ولما تصحي نبجي نكمل
وقف “عيسي” من مكانه شاب فى الثلاثينات من عمره يرتدي عباءته السوداء ويلف عمامته البيضاء، صاحب البشرة القمحاوية واللحية السوداء الكثيفة كشعره الناعم بسواده وعينيه البنية الداكنة كحبيبات القهوة وجسد عريض الأكتاف وطويل ، تحدث “فؤاد” بنبرة خافتة فى أذن والده:-
-ولدك ناجي لسه معاوجش
تنهد “عبد الحكيم” بأختناق من تصرف أبناءه وقال:-
-أنا معرفش عملت أي فى دنيتي عشان يبتليني فى عيالي أكدة، مكفنيش ضياء اللى سبني وهج عشان المصراوية اللى كلت عجله ومعرفش عنه حاجة بجاله فوق ال25 سنة ، لا وكمان يجيني ناجي وكستي الكبيرة وعملي الأسود فى الدنيا
فتح باب الغرفة ودلفت “فيروزة” تقابل “عيسي” قبل أن يخرج من الغرفة فتبسمت فى وجهه بهدوء وقالت:-
-كيفك ي عيسي؟
نظر إلى وجه أخته الخجول رغم حماسها وقال ببرود:-
-ليكون عامر عاود من سكندرية ، هو عاود ما إحنا مبشوفش الضحكة دى غير لما بيعاود
تحدث “فؤاد” بجدية صارمة قائلًا:-
-همل خيتك فى حالها ي عيسي
صعد للأعلي لتقترب “فيروزة” من والدها تقبل يده وهكذا جدها العجوز فتبسم “عبدالحكيم” تلقائيًا لأجل هذه الفتاة المُدللة وقال:-
-عاوز تروحي تشوفيه مش أكدة؟
-ياريت ي جدي
قالتها بخجل شديد من وجود والدها أمامها فتبسم “عبدالحكيم” وقال:-
-خليها عبد الجواد يوديها بالعربية يا فؤاد
نظرت “فيروزة” لوالدها بهدوء منتظرة موافقته على خروجها من المنزل فأومأ إليها بنعم ………..
__________________________
“فى القاهرة”
فتحت “حنة” باب الغرفة بلطف مُعتقدة بأن فتاتها الصغيرة نائمة لتجدها جالسة على الفراش تخفي دموعها وتصطنع القوة والصمود أمام الكارثة التى حلت بها فقالت “حنة” :-
-صحيتي أمتى؟
تنهدت “عطر” بهدوء وهى تكتب فى الورقة بحيرة:-
-أنا منمتش أصلًا ي حنة، حد فى مصيبتي دى وينام، أجيب منين مليون ألا ربع الله يسامحه بابا
جلست “حنة” على الفراش أمامها لتتابع “عطر” الحديث بجدية صارمة ويديها تتغلغل بين خصلات شعرها الأسود الحريري:-
-حسبت كل اللى حلتي مش هيكمل 250 ألف
أتسعت عيني “حنة” على مصراعيها بصدمة ألجمتها وسألت باستغراب:-
-وجبتي ال250 ألف منين؟
رفعت “عطر” رأسها للأعلي بأنكسار وقالت:-
-من جهازي، أنا هبيعه عشان أسد ديون بابا
وقفت “حنة” من مكانها بفزع وقالت بصدمة ألجمتها:-
-يالهههوي هتبيعي جهازك وفرحك اللى بعد 5 أيام دا
ضحكت “عطر” بأنكسار وسخرية وقالت:-
-فرحي!! ، أنا قولت لعاصم أنى مش هكمل الجوازة
ضربت “حنة” يديها ببعضهم بفزع وقالت:-
-يا خراشي فشكلتي جوازتك والناس هتقول ايه وأنتِ بتفشكلي الجوازة على الفرح
ضحكت “عطر” بسخرية أكثر تخفي ألمها أكثر مع نزولها من الفراش وقالت:-
-أنهي ناس يا حنة، اللى حواليا وتفتكري فى حد لسه معرفش بفضيحة بابا، فضيحة الأب اللى سرق فلوس وساب بنته وهرب ، العمارة كلها سمعت الخناق والتجار اللى جم ماهم حوالينا، متخافيش محدش هيجي سيرتي بحاجة لأن الكل عارف بمصيبتي
خرجت من الغرفة لتخرج “حنة” وراءها حتى وصلت للمطبخ وقالت بضيق:-
-أستعجلتي ي عطر
ألتفت “عطر” إليها وقالت:-
-استعجلت على أيه؟ تعرفي لو كانت الشقة دى تمليك كنت قولتلك هتجوز وأروح بيت جوزى وأبيعها لكن حتى الشقة دى إيجار يعنى ماليش فيها غير اللى أنا قاعدة عليه، أملك أي عشان أسد وراء بابا ، ذهب حتى ذهب أمى باعه على القرف اللى بيشربه ، خليني فى مصيبتي أنا ماليش غير ربنا وسيبنى بقي أفكر فى النص مليون اللى ناقصة دى أجيبهم منين ؟
دق باب الشقة فخرجت “حنة” من المطبخ لتفتح الباب وكان “عاصم” خطيب “عطر” مُستشاط غضبًا من هذه الرسالة التى وصلت له من زوجته صباحًا ، فقال بهدوء ما قبل العاصفة:-
-هى فين؟
خرجت “عطر” إليه من المطبخ مُرتدية بيجامتها الوردية ببنطلون فضفاض وتي شيرت أبيض اللون بنصف كم وقالت:-
-أنا هنا
ألتف إليها ليُدهش من جمالها رغم ذبولها فأقترب منها بغضب ناري ومسك ذراعها بقسوة ثم قال:-
-تقصدي أي باللى بعتيه دا؟
أبعدت يده عنها بحزن وهى تري حبيبها أمامها بعد سنة خطبة وتعلقت به وأحبته بجنون الآن تترك يديه فقالت ببرود صامدة أمام كارثتها:-
-هى رسالتي كان فيها حاجة مش مفهومة، هى كلمة واحدة طلقني؟
تأفف بأختناق شديد وقال بغضب سافر:-
-أكتب عليكي من أسبوع عشان أطلقك دلوقت، ليه؟
جمعت شجاعتها بغضب سافر وأوجاعها تزداد بداخلها وتحدثة بقسوة:-
-هو اللى بيطلق قبل الفرح بيطلق ليه؟
أجابها بقسوة قائلًا:-
-عشان بتبقي معيوبة مثلا ولا خاينة
كادت “حنة” أن تتحدث بغضب بعد أن سمعت تهمته لهذه الفتاة لتشير لها “عطر” بأن تصمت ثم قالت بهدوء سافر يُثير غضبه:-
-أعتبرها زى ما تعتبرها مش فارقة معايا، لكن طلقني وأنا ي سيدي متنازلة عن كل حقوقي ومش عايزة منك حاجة
لطم وجهها بقوة مرات متتالية من برودها الذي يُثير غضبه ويفقده أعصابه أكثر لتهرع “حنة” وتبعده عنها فتبسم بمكر شديد وهى تكسر قلبه بهذا الحديث ثم قال:-
– هطلقك أدخلي ألبسي
حاولت الصمود قدر الإمكان وهى تخفي دموعها من خسارة حبيبها ودلفت تبدل ملابسها وقلبها قد تفتت لإشلاء الآن خصيصًا بعد أن صفعها وضربها بقوة كأنه صدق ما خيله عقله له عنها، خرجت من الغرفة لترى “حنة” تقف فى أنتظارها وقالت:-
-عطر
تنهدت بصعوبة من شدة بكاءها وقالت:-
-أسكتي يا حنة وخلينا نخلص
نزلت للأسفل لتراه جالسًا فى سيارته بأنتظارها، صعدت للسيارة بالخلف مع “حنة” فأنطلق بسيارته وقال:-
-تعرفي يا عطر اللى زيك مش جزاءها الطلاق، أنتِ تستاهلي الموت بس أنا مش هدخل السجن فى زبالة زيك لكن ورحمة اللى خلفوني ما هسيبك تتهني يوم بعد ما دنستي شرفي
تحدثت “حنة” بغيظ شديد من هذا الرجل:-
-ممكن كفاية ما دام هطلق مفيش داعي للتجريح
ضحك بسخرية وقال:-
-تصدقي ي حنة، هتصدقي إن شاء الله محدش فرعنها كدة غيرك
أنتبهت “عطر” للطريق فقالت بهدوء:-
-إحنا رايحين فين؟
-لأهلك ماهو فى الصعيد المعيوبة بتطخ عيارين وأنا قولتلك أنا مدخلش السجن فى واحدة زيك
قالها بمكر شديد وهو أختار طريقة أخري لقتلها بطريقة غير مباشرة دون أن يلمسها بيديه
أتسعت عيني “حنة” وهكذا “عطر” فهى لا تملك أهل بالصعيد ولم تعرفهم وهم أيضًا تكاد تجزم أنهم لم يعرفوا بوجودها حتى، حاولت مقاومته ومعارضته لكنه لم يوقف السيارة، بل زاد من سرعتها، حاولت “حنة” سحب يديه من الخلف عن المقودة فأوقف السيارة وأخرج مسدسًا لم تعرف عن وجوده شيء لترتعب الأثنتين وهو يُصوب المسدس فى منتصف رأس “عطر” وقال:-
-متجبرنيش أخلص منك فى نص الطريق، أنا مانع نفسي عنك بالعافية
أبعدت “حنة” المسدس عن فتاتها بصعوبة وخوف مع شعورها بأرتجاف “عطر” بين ذراعيها وقالت:-
-خلاص ، خلاص أنت أتجننت رسمية ، وديها لأهلها
عاد لقيادة السيارة لساعات طويلة حتى حل الليل ووصل لمحافظة أسيوط سأل عن اسم عائلتها وهو خير معرفة باسم زوجته كاملًا ليُصدم مع أول شخص سأله حين قال:-
-دار الدسوقي فى أخر البلد هتعرفه لحالك، مين ميعرفش كبير البلد
أنتفضت “عطر” فزعًا من هذا الحديث بينما قاد “عاصم” إلى طريق البلد كما أرشده الغريب…
_________________________
جلس الجميع على السفرة قرب أذان العشاء ويتناولون الطعام فى صمت حتى تحدث “نصر” هذا الشاب الثلاثيني الذي يكبر “عيسي” بسنتين قائلًا:-
-جولت أي ي جدي فى موضوعي
توقف “عبد الحكيم” عن الطعام وتأفف بضيق قائلًا:-
-طالع لطخ كيف أبوكي، وأنت يا ولد ناجي عرفت تصون مرتك الأولنية عشان عايزني أجوزك التانية دا أنت طلجتها بعد شهر من الفرح وفضحتنا فى البلد ، لتكون فاكر أن بنات الناس لعبة فى يدك أكمنك غني ومجتدر، ما تبص لعيسي ولد عمك واتعلم منه كيف تخاف على مالك وتشغله وبعدين فكر تفتح بيت
نظر ” نصر” إلى أخاه الأصغر “خالد” الذي يملك من العمر 28 عام بأختناق ولقد فاض به الأمر من المقارنة التى يعيش بها أمام “عيسي” وقال بأختناق:-
-والله كل واحد حر فى حياته أنا أكون كيف عيسي ليه؟ انت شايفه زين جوي عشان شغله على الأقل مبيعرفش يعاشر حريم من قسوته وبروده ، أنا أكون كيفه والحريم تخاف مني ألا ما في واحدة اتجدم لها ورضيت به مع أنه الكبير كيف ما بتجول وضهرك وخليفتك
ضرب “عبدالحكيم” الطاولة بقسوة ووقف من مكانه ليضرب هذا الرجل لكن أوقفه صوت “عبدالجواد” الغفير يهرع إلى الداخل ويناديه قائلًا:-
-يا كبير ، الحجنا يا كبير
خرج “عبدالحكيم” وخلفه ولده “فؤاد” وهكذا “نصر” و”خالد” ليري “عبدالجواد” يقف أمام المنزل وهناك رجل غريب يسحب فتاة من ذراعها بقوة وهى تبكي بهلع وترتجف خوفًا، تحدث “عبدالحكيم” بصوت قوي قائلًا:-
-فى أي؟ مين دا
-دا غريب من مصر بيجول أنه عايزك فى حاجة ضروري
قالها “عبدالجواد” بذعر خائفًا مما هو قادم حين قدم بطاقة شخصية إلى “فؤاد” ونظر إليها ليقرأ اسم الفتاة “عطر ضياء عبدالحكيم الدسوقي” رفع نظره إلى الفتاة التى تملك وجه البطاقة وكانت ترتجف ذعرًا ودموعها بللت وجنتيها كاملة ويسحبها خلفه كالبهيمة فنظر إلى والده “عبدالحكيم” الذي يقول:-
-أنت مين وعايز أيه؟
دفعها “عاصم” بقوة إلى الأمام لتسقط على الدرجات التى يقف الجميع أعلاها وقال بغضب سافر:-
-دي مراتي وزانية وفرحي عليها بعد 5أيام ومدخلتش عليها ولا لمستها وطلعت معيوبة ملاقتهاش أهل يلموا نجاستها غيركم
نظر الجميع لبعضهم البعض وهكذا “عبدالحكيم” الذي لم يفهم شيء ويري “حنة” تساعد فتاتها على الوقوف فقال “عاصم” بقسوة:-
-أنا جبتهالكم ، يا أنا أقتلها يا أنت تقتلها ي عبدالحكيم بيه ماهى حفيدتك
أتسعت عيني “عبدالحكيم” على مصراعيها بصدمة ألجمته كالصاعقة الكهربائية التى وقعت على قلبه وعقله فقال:-
-أخوك أتجوز على خضرة وخلف منها والله تجوم نار الليل…..
قاطعه “فؤاد” الذي قرأ الأسم وقال:-
-لا دي بنت ضياء
أرتجف قلب هذا العجوز الذي حُرم من ابنه فوق ال25 عام دون أن يعرف عنه شيء والآن جاءه حفيدة منه يتهمها زوجها الزنة وتدنيس شرفها، تحدث “نصر” بغضب سافر من هذا الرجل الذي ظهر من العدم ويبتزهم وهم كبار هذه البلد قائلًا:-
-يا عبدالجواد، هات الرجالة يشيله البهيمة دى من أهناويرموه فى أى داهية لحد ما يفوقله الكبير
صُدم “عاصم” مما سمعه وأخذ الرجال له، أختبئت “عطر” بين ذراعي “حنة” بفزع من هؤلاء الرجال، أقترب “نصر” من هذه الفتاة ليسحبها من ذراعها بقوة حتى خرجت من بين ذراعي “حنة” وقال بغيظ ونبرة أرعبتها أكثر:-
-وأنتِ كان ناجصنا عارك أياك، والله لادفنك حية جبل ما توسخي سمعتنا فى البلد
حاولت “عطر” أن تدفعه بعيدًا عنها بقوة خوفًا منه خصيصًا بعد كلماته المُرعبة وقالت:-
-أبعد عني متلمسنيش
تحدث “عبدالحكيم” بنبرة خافتة هادئة:-
-هملها يا نصر، خلي مرتك تأخدها لأوضة ضياء ي فؤاد وإياك حد يجرب منها
أتكئ على عكازه بصعوبة حتى وصل إلى غرفة المكتب وأخذوها إلى غرفة “ضياء” وأغلقوا الباب عليها بالمفتاح مع “حنة” لتنهار من البكاء خوفًا من هذا المكان وما سيحدث لها به……..
وقف “فؤاد” قرب والده يتحدث فى الهاتف مع أحد رجاله فى القاهرة ويعطيه عنوان “عطر” من بطاقتها ثم قال:-
-جبل طلوع الشمس تجيبلي كل حاجة عنها فاهم وإياك تتأخر
أغلق الهاتف لينظر إلي والده الذي أصابه صدمة ويتمتم بالحديث:-
-غاب كل السنين دى عشان يرجع بمصيبة كيف دى ، أنا موتي على يد أخواتك ي فؤاد
جلس “فؤاد” قرب والده الذي يتنفس بصعوبة وقال:-
-متجولش أكدها ياابويا، ربنا يديك طولة العمر
___________________________
نزل “عيسي” بوجه عابس شبه نائمًا بعد أن أيقظته أخته تخبره بما حدث، سمع “خالد” هذا الشاب اللعوب عاشق الفتيات كيف والده يقول:-
-والله البت كيف القمر ياأما، يا أبويا على جمالها ، شوفتي فيروزة اللى بتحلفوا بجمالها أهى فيروزة دي متجيش حاجة جنب البت دى ، برضو بنات مصر حلويات
ضربته “خضرة” على ظهره غيظًا من حديثه وقالت:-
-بيجولك معيوبة ي واد ، أتهد وأتلم
تأفف “عيسي” بضيق ثم دلف إلى المكتب حيث جده ووالده، فكان “فؤاد” يتحدث فى الهاتف و”عبدالحكيم” يضع أنبوبة الأكسجين على أنفه من التعب ليغلق “فؤاد” الهاتف، سأله “عيسي” بعد أستيعاب:-
-اي اللى سمعته دا؟
تنحنح “فؤاد” بهدوء ثم قال:-
-متصدقش كل اللى تسمعه يا ولدي، بجولك اي يا حج البت طلعت زينة ومتربية بيجولي الحتة كلتها تشهد بإخلاجها وأدبها
-خلى مرتك تجيبلي امها اتحدد وياها
قالها بهدوء ليخرج “فؤاد”إلى “هدي” زوجته وطلب منها أن تحضر “حنة” لتأتي بها مُسرعة، كانت صامدة وقوية لا تخشي كل هؤلاء الرجال واثقة فى “عطر” فقالت:-
-نعم
-أنتِ بجي امها
تحدثت “حنة” مُجيبة على هذا العجوز قائلة:-
-مربيتها، امها ماتت فى ولادتها ، هتسمع منى يا حج ولا عقلك خلاص حكم على عيلة صغيرة
تنحنح “فؤاد” بضيق وقال:-
-أنجزي
-عطر عيلة صغيرة كل الحكاية أن ابنك الله لا يسامحه خد فلوس من ناس وفص ملح وداب وساب بنته من غير سند ولا ظهر للكلاب تنهش فيها وبعد خناقات وفضايح مع الناس دى قررت تبيع جهازها عشان تسد وراء أبوها اللى أنت معرفتش تربيه ما أنت لو كنت ربيته كويس مكنش ساب لحمه ودمه للكلاب على الأقل كان خدها معاه ، وطلبت الطلاق من جوزها قبل الفرح بأيام هو خسيس وواطي زى أبوها فهم الموضوع أنها بتخونه أو فيها عيب وجاب ليكم عشان تقتلوها، لكن يشهد عليا ربنا أن عطر ما في فأخلاقها ولا تربيتها، أنا تعبت فى تربيتها واللى يرشها بالماء أنا ارشه بالدم
تحدث “عيسي” بنبرة حاجدة قاسية:-
-وإحنا إي اللى يخلينا نصدج كلامك دا
دمعت عيني “حنة” بأنكسار وألم ثم قالت:-
-يبقي بيني وبينكم الدكتور ونكشف عليها بس الله يخليكم بلاش عشان دى مش سهلة على أى بنت متبقوش أنتوا والزمن عليها أنا مستعدة أخدها وأمشي زى ما جينا وأنتوا مكنتوش تعرفوها أصلا
قاطع حديثها صوت صراخ النساء بالخارج القوة فهرع الجميع للخارج، ليُصدم “عبدالحكيم” حين رأي “نصر” يمسك “عطر” من شعرها بقوة وفى يده الأخر مسدسًا يصوبه على خصرها ………..
وللحكـــايــــــــــــــــــــة بقيـــــــــــة ….
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كبرياء صعيدي)