رواية كاليندا الفصل الأول 1 بقلم ولاء رفعت
رواية كاليندا الجزء الأول
رواية كاليندا البارت الأول
رواية كاليندا الحلقة الأولى
أخذت تردد آيات الله لاسيما آية الكرسي، و تتحاشي النظر إلي تلك المباني المُخيفة، مهلاً هل سمعت للتو صوت خطوات تتبعها!
ألتفتت خلفها لم تري شيئاً، تردد الصوت مرة أخري فوقفت لتلتفت مرة ثانية فانتفضت بفزع عندما قفزت قطة سوداء من إحدى النوافذ المفتوحة من منزل مهجور، حينها صرخت و استعاذت بالله في نفسها، و بمجرد أن استدارت إلي وجهتها اصطدمت بأخر شخص تتمني رؤيته، وكادت تصرخ لكنه أسرع بوضع كفه علي فمها قائلاً بتهديد:
_ إيه خايفة؟
هزت رأسها وهي تحاول إبعاد يده عن فمها لكنه أمسك كفيها الرقيقين معاً و دفعها إلي جدار من الطوب اللبن ومازال يكمم فاها:
_ كنتي فاكراني بهزر ولا بهرتل بأي كلام لما كنت بهددك المرة الي فاتت، لاء يا شمس، ده مش أنا، مش حمزة السفوري الي تيجي علي آخر الزمن حتة بت ملهاش لازمة زيك تعلم عليه، أنا اللي بقول للبنات لاء، وعمري ما واحدة فيهم قالت لي لاء، أنا اللي بقول سمعاني؟
كانت تصدر همهمات لم يفهمها وعينيها تملأها دموع الخوف والتوسل، فأردف بعد أن ترك يدها وأخرج من خلف ظهره مُدية حادة وضعها لدي نحرها:
_ أنا هاشيل إيدي بس و حياة أمي لو صوتي أو عملتي حركة كده ولا كده هتلاقي المطواه الحلوة دي بتشقك نصين، ها؟
أومأت له بهمهمة، فسحب يده وبدأت بالتحدث بصوت مختنق بالبكاء:
_ أنت عايز مني أي دلوقت!، هو الجواز بالعافية، أنا رفضتك عشان ما بحبكش، ترضي حد يغصبك علي حاجة وتعملها؟
أصدر صوتاً مقيتاً وقال:
_ وأنا ما اتحبش ليه يا بت؟!، ناقص إيد ولا رجل!، معايا فلوس تشتري عيلتك وعيلة الحيوان المخطوبة ليه.
أجابت وهي تنظر إلي المُدية الموضوعة علي نحرها بحذر وخوف:
_ مش كل حاجة الفلوس، أنا رفضتك بسبب أخلاقك الزفت ما بتحترمش حد ومقضيها صياعة وبلطجة ده غير القرف اللي بتشربه ولا ثانويه عامة اللي كل شويه تسقط فيها واللي قدك خلصوا جيش وبيشتغلوا وبيكسبوا بعرق جبينهم مش زيك عايش علي فلوس أبوك.
ضرب الجدار بقبضته وقال من بين أسنانه:
_ ما هو لو كنتي وافقتي عليا كنت بطلت علي أيديكي، وأديني جيت لك دلوقت وبقولها لك لآخر مرة يا شمس، سيبك من اللي مايتسمي ده وتعالي نتجوز وهخليكي ملكة، هخلي أبويا يبني لينا بيت كبير في المدينة نعيش فيه بعيد عن الكفر والعالم المعفنة اللي هنا.
أبعد السلاح عنها وأخفضه:
_ ها قولتي إيه؟، كلمة واحدة بس هتخليني خاتم في صباعك.
قالها وعينيه ذات النظرات المخيفة تحدق بها عن كثب وبترقب شديد، بينما هي كانت كاللتي وقعت بين شقي الرُحي لا تعلم ماذا سيفعل بها إذا قالت له لا.
صراع الأنفاس يحتدم وهي كالفريسة بين يدي صيادها، قاطع الأجواء رنين هاتفه، ضيق عينيه بضجر، أخرج هاتفه ولم تبرحها نظراته.
لمحت أسفل قدميها قطعة صخرية صلدة، فكانت فرصتها عندما نظر إلي شاشة هاتفه لتسرع بالإمساك بها و ضربها في رأسه وهمت بالركض لكن الحظ لم يحالفها حيث تعثرت في قالب طوب محطم، والآخر يصرخ عليها بزئير جعل جسدها يرتجف، يلق عليها أفظع السباب والشتائم ولم يكتف بذلك بل قام بجذبها من قدميها وهي تقاومه لكن فرق القوة الجسدية بينهما كانت الغلبة له.
سحل جسدها إلي داخل المنزل المهجور وأستعان بإضاءة مصباح هاتفه وألقاه جانباً…
※※※※
منذ أيام في إحدى القري النائية التابعة لمحافظة الدقهلية، تقطن عائلة شمس تلك الفتاة ذات الثامنة عشر ربيعاً في منزل صغير تملأه البساطة والراحة النفسية، والدها محمد نصار في منتصف العقد الخامس، موظف في السكة الحديدية و زوجته السيدة زينب ربة منزل تبلغ من العمر أربعون عاماً، فهي وحيدة أبويها.
ها قد أقترب موعد امتحانات الثانوية العامة، يستعد الطلاب لها بالمذاكرة والذهاب إلي دروس التقوية، وفي هذا المجمع التعليمي التابع لمسجد القرية، تخرج شمس مع صديقتها وشقيقة هذا الشاب الذي تقدم لخطبتها رسمياً منذ ست شهور ويدعي أحمد كامل، لقد تخرج من كلية تجارة و يعمل محاسب في إحدى المجمعات التجارية الشهيرة في مركز المدينة بالقرب من قريتهم، يمكث هو وعائلته في المنزل المقابل لعائلة شمس، و منذ الصغر يراها فتاة أحلامه التي لم تفارق قلبه ووجدانه، فتاته التي تربت علي مبادئ الدين والخُلق والعادات والتقاليد الصحيحة، اختطفت فؤاده عندما رآها لأول مرة بالحجاب الذي زادها زينة و جمال فوق جمالها الرباني، ظل حبها في قلبه حتي حانت اللحظة الحاسمة وسُبرت أغواره بعدما علم من شقيقته إسراء صديقة طفولتها وصباها بأن هناك شاب تقدم لخطبتها، لكن شمس وعائلتها قاموا بالرفض وليس مرة فقط بل زهاء ثلاث مرات، مما أسعد هذا قلبه وجعله يحسم أمره وعرض الأمر علي والديه، رحبت والدته السيدة سحر بهذا وأعربت له عن سعادتها وكم تمنت له عروس مثلها في حُسن خُلقها وأدبها وجمالها، و عائلة يعلمون عنهم كل ما يُرسخ في صدورهم من طمأنينة و راحة، ولن يختلف الأمر لدي زوجها يكفيه السيرة الحسنة عنهم.
تمت الخطبة في أجواء عائلية مُبهجة و بدأت قصة حب أحمد وشمس، لكن كالعادة أو ما أعتدنا عليه دائماً، كثير من الفرح يقابله القليل وربما الكثير من الحزن، هكذا هو قانون الحياة، لا تُعطي لك إلا تأخذ منك المقابل و لكل منا ما يعطيه أو ما يدفعه من ثمنٍ غالي.
_ اللي واخد عقلك يا عروسه؟
سألتها إسراء ولكزتها بخفة في ذراعها فاجابت شمس بعدما عادت من رحلة شرودها:
_ بتقولي حاجة؟
ضيقت الأخرى عينيها بـمكرٍ ومزاح قائلة:
_ هو آبيه أحمد للدرجدي شاغل تفكيرك، يابنتي ركزي شوية في الهم الي إحنا فيه، كلها أسبوع و هنلبس في وش الإمتحانات، و تخلص وبعدها تلات أسابيع و تتجوزوا بقي، وأخلص من رخامته عليا.
قهقهت علي حديث صديقتها الفكاهي:
_ ماشي يالمضة، خلاص هانت وأخلصك منه، بس مكنتش أصلاً سرحانة فيه.
توقفت الأخرى عن السير وسألتها:
_ خير، آبيه زعلك ولا إيه؟
اعتراها بعض التوتر وأنبلج علي ملامح وجهها، فقالت بتردد جلي:
_ مفيش، قصدي يعني ما زعلنيش ولا حاجة.
بداخلها يريد أن يجيش عن ما بصدرها من ما يؤرقها منذ أيام، انتشلتها صديقتها من الشرود مرة أخري، وقالت:
_ أوعي يكون الزفت اللي اسمه حمزة ده بيكلمك ولا بيشوفك تاني!
أومأت لها بالإيجاب، أردفت الأخرى:
_ نهار أبوه أزرق و أسود علي دماغه، هو متخلف ولا مجنون، عايز أي منك التنح ده؟
أجابت بتأفف:
_ وطي صوتك البلد كلها سمعتنا.
تنهدت و أخفضت من صوتها قليلاً:
_ حقك عليا يا شمس، بس غصب عني أقسم بالله بيبقي بيني ومابين أقول لآبيه أحمد عليه و….
قاطعتها وهي تضع كفها علي فمها:
_ إياكي، والله أزعل منك يا إسراء، أنتي عارفة كويس إن الكلب حمزة ده عيل مدمن و شمام و السلاح ما بيفارقش جيبه لا بيهمه حد، عايزاني أروح أقول لأخوكي أن فيه واحد لازق لي في الراحه والجاية وبيهددني أن أفسخ خطوبتي منه وإلا يخلص عليه؟!
شهقت وكفها علي فمها قائلة:
_ يا ابن ال…. ، اللهي عزرائيل يجي يخلص عليه هو الحيوان، البلطجي، بتاع المخدرات.
_ أديكي قولتيها بلطجي و شمام، عايزة تقولي لأحمد عشان يروح يتخانق معاه والتاني يقوم مخلص عليه بطلقة واحدة من المسدس بتاعه.
أصبحت الأخرى في حيرة من الأمر، فقالت:
_ نروح نقول لمامته أو باباه يوقفوه عند حده، هو فاكر إنها سايبة ولا إيه؟!
هزت شمس رأسها نفياً وبتهكم تحدثت:
_ عندك حق، نروح نقول لمامته اللي لما أتقدموا لي ورفضناهم وقفت ردحت لماما علي الباب بأعلي صوتها تقولها، بقي بنتكم المعفنة أم نضارة ترفض إبني، حمزة السفوري اللي بنات مصر كلها بتجري وراه وتتمني يعبرها بكلمة.
لم تستطع صديقتها كتم ضحكاتها، فأطلقتها للعنان حتي دمعت عينيها.
_ ما تضحكوني معاكم.
قالها صوت رجولي جعل كلتاهما تصمت علي الفور، ابتلعت إسراء ريقها من الذعر، وقالت:
_ آبيه أحمد!
أجاب بنبرة جدية صارمة لا يتفوه بها سوي مع شقيقته:
_ إيه اللي موقفك في الشارع لحد دلوقت يا هانم، وكمان بالليل!
مدت له يديها تحمل دفتر ورقي وكتاب، أجابت:
_ والله كنا عندنا مراجعة علم نفس ولسه مخلصين، ووقفنا ناخد نفسنا شوية.
نظرت إلي شمس التي عقبت:
_ أيوه، كنا مخنوقين شوية عشان ضغط المذاكرة والدروس والأمتحانات، و مروحين علي طول أهو.
رمقهما بعدم صدق لكن لا يهمه سوي أمر شمسه فقال:
_ طيب تعالوا أفك لكم الخنقة دي شويه وأعزمكم علي آيس كريم..
قفزت شقيقته كالطفلة من فرط السعادة بصياح:
_ أيوه بقي يا آبيه، حاسس بأختك الغلبانة.
أجاب عليها بسماجة:
_ ده مش عشانك، عشان خاطر شمس.
و نظر لها بابتسامة جعلت الدماء تكاد تنفجر من وجنتيها خجلاً، فهي دائماً خجولة خاصة عندما يوقع علي مسامعها كلمات من الغزل العفيف والحب النقي، تنتابها حالة من الخجل يلازمها الصمت وهذا لن يضايقه أبداً ، بل يزيد من حبه لها أكثر وأقوي، ود لو تمر الأيام بسرعة البرق وتصير زوجته، حينها سوف يلقي عليها كل ما بداخله من مشاعر مكنونة لن يستطيع إطلاقها إلا عندما تصبح زوجته.
_ ماشي يا آبيه، بقي تكسفني وتقولي عشان خاطر شمس! ، شوف بقي مين اللي هيعملك البيتزا ولا الكريب عمايل إيديا اللي بتحلف عمرك ما دوقت في حلاوتهم أبداً .
أطلق قهقه علي تذمر شقيقته، يحب دائماً أن يشاكسها، ضربها بخفة علي مؤخرة رأسها قائلاً :
_ أعمل إيه بحب أنكش فيكي، يلا تعالو بقي عشان نلحق نرجع علي طول وتراجعوا اللي أخدتوه.
تفوهت شمس بتردد:
_ معلش يا أحمد مش هاينفع، بابا…
قاطعها ليطمأنها:
_ ما تقلقيش يا شمسي، أنا كلمته وسلمت عليه وأستأذنت منه وعارف إن أختي معانا، عشان كده ما أعترضتش.
_ يلا بقي يا شموسه، لسه هاتفكري!
_ و معايا الموتسيكل كمان.
أتسعت عينيها وبدي علي ملامحها الاعتراض، تفهمت صديقتها ما تفكر به، فقالت:
_ أنا هاركب ورا آبيه وأنتي ورايا، وڤيزبا هنية تكفي ميه.
ضحك ثلاثتهم، أرضخت في النهاية وذهبت برفقتهما ليستمتعوا بأجمل اللحظات التي لن تنساها أبداً ، وبعد انتهاء رحلتهم القصيرة في طريق العودة كانت هناك أعين مثل عيون الذئاب عندما تراقب فريستها وتحيك وتدبر لها المكائد والفخاخ، يزفر صاحبها دخان سيجارته المحشو، ينبعث من بين براثن الظلام الدامس خلف أشجار المانجو، يقول بـ توعد:
_ ما بقاش أنا حمزة السفوري لو ما خلتكيش تجيلي راكعة تحت رجلي يا شمس، و الكلب اللي معاكي ساعتها مايطقش يبص في وشك ولا يقدر يرفع راسه في البلد تاني!
※※※※
و في اليوم التالي تسير بخطي سريعة وكادت تتعثر في حجرة صخرية في وسط الطريق، لكن جمعت قواها والتفتت إلي هذا الذي يراقبها ويجول خلفها كظلها في كل مكان تخطو قدميها
_ وبعدين معاك يا زفت، أنت إيه؟!، ما عندكش كرامة ولا نخوة ؟!، عايز مني إيه؟!، في كل مكان ورايا، خلاص مفيش بنت غيري في الكفر !، عايز إيه يا ابن هدي من واحدة رفضتك بدل المرة ألف ومخطوبة وخلاص قربت تتجوز من واحد جذمته برقبتك وبرقبة عيلتك كلها.
صاحت بها شمس وتشيح بيديها في وجهه، مما أثارت كلماتها اللاذعة نيران مراجل جنونه وغضبه ليقبض علي ذراعها بقوة وهو يعنفها قائلاً بلهجة تهديد:
_ أنا راجل وأرجل من أبوكي وأخوكي وخطيبك العره ده، و سيرة أمي وأسمها ما يجيش علي لسانك، إما بالنسبة لموضوع جوازك من سوسن خطيبك ده حلم من عاشر المستحيلات إنه يتحقق، وبكرة ها ثبت لك أن حمزة السفوري اللي عايزه هو اللي هيكون .
جذبت ذراعها من قبضته ، و دفعته بحقيبتها في صدره قائلة :
_ ده في أحلامك أنت ، و خطيبي اللي بتتمسخر عليه بكرة هو اللي هيخليك أنت اللي سوسن وتخاف تطلع من بيتكم.
أطلق قهقه دبت الرعب في قلبها لكنها أظهرت عكس ما بداخلها.
_ وحياتك يا شمس لأخليه هو اللي ما يخرجش من باب بيتهم بعد من اللي هعمله فيكي.
_ بت يا شمس؟
صاحت بها والدتها، تحمل أكياس بلاستيكية، ألتفتت لها، بينما الآخر فر هارباً كالبرق في سرعته.
اقتربت منها والدتها بملامح غاضبة وقالت:
_ عايز إيه منك ابن السفوري ده؟
ازدردت ريقها وأجابت والتوتر يعتري ملامحها:
_ أبوس أيدك يا ماما وطي صوتك، ماحصلش حاجة وأنا قبل ماتيجي أدتله علي دماغه.
ألقت نظرة متوعدة وقالت:
_ طيب يلا أنجري قدامي علي البيت، وأنا ليا كلام مع أم الصايع الشمام .
و بعد أن عادت السيدة زينب و ابنتها إلي منزلهما تركت ما قامت بشرائه فوق طاولة المطبخ وقالت بأمر حازم:
_ علقي علي مية الفراخ عقبال ما تغسليها كويس وعندك الخضار والرز والحاجة، حضري الغدا عقبال ما أرجع من مشواري.
تناولت حقيبة نقودها الصغيرة واتجهت نحو الباب استعدادا للمغادرة، ركضت شمس إليها وأمسكت ساعدها قائلة:
_ ماما بلاش فضايح، الست دي مش هتخلصي منها وهتدافع عن إبنها ومش هينوبك غير ردحها اللي هيسمعه كل أهل البلد.
أبعدت ساعدها وقالت بقوة:
_ أنا صاحبة حق يا بنت بطني، وصاحب الحق ما يخافش، و لو هي ماقدرتش علي ابنها وخلته يتلم هخلي أبوكي يروح يتصرف مع أبوه ولو وصلت أبعت لأعمامك في مصر يجوا يعلموه الأدب.
هزت رأسها بسأم، فاردفت والدتها:
_ روحي أعملي اللي قولت لك عليه وأقفلي عليكي الباب كويس، سلام.
و في منزل السفوري الأن ،تنتظر زينب في ردهة الاستقبال بعدما استقبلتها شقيقة حمزة، فأتي صوت هدي الساخر والقادم من الرواق التي تتفرع منه غرف النوم.
_ خير يا أم شمس؟
نهضت الأخرى تقف بشموخ قائلة:
_ الناس بتبتدي كلامها بالسلام يا أم حمزة.
عقدت الأخرى ساعديها أمام صدرها ورفعت شفتيها بتهكم جانباً.
_ ومن أمتي كان في بينا سلام بعد ما السنيورة بنتك رفضت ابني وراحت أتخطبت لحتت الواد الكاشير الكحيان.
_ أديكي جبتي من الآخر، بنتي مخطوبة، يا ريت بقي تقولي الكلام ده وتأكدي عليه لإبنك الصايع اللي عمال يلف ورا بنتي في كل حته ويطلع لها زي اللهو الخفي.
شهقت باعتراض وتضع يديها في خصرها، تصيح بغضب:
_ لهو خفي ياخدك وياخد بنتك يا وليه، أنتي جايه في قلب بيتي وبتشتمي علي إبني؟!، إبني اللي يشاور بس بطرف صباعه تيجي مليون واحده تحت رجله يتمنو يبص لهم بصة بس.
_ وأنا عشان في بيتك هاحترم ده ومش هرد علي كلامك، دلوقت مش مستغربة أخلاق إبنك الزبالة لأنك أمه.
كانت كلمات زينب أثارت غضب الأخرى، صاحت وأشارت لها نحو باب المنزل:
_ أطلعي بره بيتي، كتك داهية تاخدك وتاخد بنتك في ساعة واحدة.
غادرت الأخرى المنزل وبداخلها تشعر بلذة انتصارها علي تلك الحيزبون منبع الشر التي أنجبت شيطان رچيم، ورث أخلاقه الوضيعة من والدته سليطة اللسان سيئة الخصال.
※※※※
انتهت المحاضرة الآن، فخرجت كلتيهما، نظرت إسراء إلي شاشة هاتفها وقالت:
_ تعالي نستناهم عند محل العصير القصب اللي هناك ده، زمانهم جايين دلوقت.
ردت شمس وهي تسير بمحاذاتها:
_ إسراء أنا نفسيتي تعبانة و قلبي مقبوض.
توقفت الأخرى عن السير وألتفت لها قائلة:
_ لا حول ولا قوة إلا بالله، مالك يا شمس فيكي إيه؟
صمتت لثواني حتي بدأت بالتحدث:
_ المفروض زي أي بنت رايحة تشتري حاجات جهازها أكون فرحانة ومبسوطة، بس أنا اللي جوايا عكس كده.
امتعضت ملامح صديقتها فتساءلت:
_ ليه بتقولي كده، ده أنتي وآبيه خلاص فضلكم أيام وتتجوزوا والامتحانات وفاضل مادتين الحمد لله.
استندت شمس بظهرها علي أقرب حائط لسياج يحاوط إحدى المزارع، فقالت:
_ كل يوم بحلم بكوابيس مليانة تعابين وديابه بيخنقوا فيا وأفضل أصرخ لحد ما ألاقي طفلة شبه الملايكة تمدي لي إيديها وتنجدني منهم.
اقتربت منها وربتت عليها بحنان وقالت:
_ وحدي الله وأستغفري دي بالتأكيد من الشيطان عشان جو الامتحانات وكمان فرحك قرب والشيطان موته وسمه لما أتنين يتجمعوا في الحلال يفضل بكل الطرق يحوم حواليهم لحد ما يخربها ويفرقهم.
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم في قرارة نفسها و ألتفتت إلي قدوم سيارة أجرة توقفت بالقرب منهما ثم ترجل أحمد منها يسألهما:
_ إيه اللي موقفكم هنا يا بنات؟
نظرت شقيقته إلي صديقتها ثم إليه وقالت:
_ كانت مراجعة التاريخ طويلة جداً وشمس تعبت شويه فوقفنا هنا نستناك أنت وماما وطنط زينب.
_ طيب تعالوا أدخلوا العربية وأستنوا عقبال ما أجيب حاجة وراجع لكم.
ذهبت الفتاتان وولجا إلي داخل السيارة، بينما هو قام بشراء عصائر وحلوي كثيرة وجميعها ما تحبه وتشتهيه شمس.
فتح باب السيارة من جهة شمس وقدم لها الحقيبة مبتسماً:
_ عايز الشنطة دي تخلص قبل ما نوصل المركز.
تناولتها منه بخجل قائلة:
_ شكراً.
فقالت زينب والدتها:
_ تعيش وتجيب ليها يا جوز بنتي.
وقالت إسراء بمزاح:
_ الله، الله يعني شنطة حلويات و عصاير لخطيبتك وأختك الغلبانة ملهاش شكولاتاية واحدة؟!
ضربها بخفة علي مؤخرة رأسها بمزاح:
_ وبالنسبة لأكياس الشيبسي والشيكولاتة والبيبسي اللي بجيبهم كل يوم وأصحي ما لاقيش منهم حاجة، مين اللي بياكلهم؟!
_ أعمل أي يا آبيه السهر والمذاكرة بيخلوني جعانة ديماً.
ردت والدتها بضحك:
_ قصدك بيخلوكي مفجوعة ديماً.
وصل جميعهم إلي مركز المحافظة و هي مدينة كبيرة مزدحمة بالمحال والمجمعات التجارية الخاصة بكل لوازم و مفارش منزل العروس.
_ تعالي يا أم شمس أوديكي عند الحاج راشد مجهزين من عنده بنت أختي ما شاء الله كل حاجته قطن من المحلة وحاجة حلوة خالص.
فأجاب أحمد:
_ وأنا هاخد شمس عشان نحجز الكوافير والفستان والأستوديو.
وقبل أن يبتعد برفقتها، أمسكته والدته من يده قائلة وكأن كارثة سوف تحدث:
_ فستان أي يا بني اللي عايز تروح معاها وهي بتحجزه؟
نظر إلي والدته متعجباً فعقبت حماته بإيضاح له:
_ مامتك قصدها يابني ما ينفعش تشوف فستان فرحها دلوقت غير لما تطلع لك وهي عروسة من الكوافير وإلا يبقي فال وحش.
ضحكت إسراء قائلة:
_ فال أي يا طنط، دي كلها تخاريف ما تصدقيش الكلام ده، هو بس بيبقي مش مستحب لأن لما تكون مفاجأة بيبقي إحساس أحلي.
_ بقولكم أي ولا فال ولا مفاجأة أنا هاروح وأختاره معاها زي ما أختارنا كل حاجة مع بعض، ولا إيه يا شمس؟
قالها بنبرة تتخللها الرومانسية و نظراته التي جعلت قلبها يخفق من الخجل، فأجابت:
_ اللي تشوفه.
أثني ذراعه لتضع كفها الرقيق علي ساعده وقال:
_ يلا بينا.
كادت إسراء تذهب معهما، لكن والدتها أوقفتها من ثيابها قائلة:
_ تعالي هنا يا عزول، ما تسبيهم مع بعض يمكن عايز يقولها حاجة.
زفرت بحنق، وقالت لها السيدة زينب:
_ عقبالك يا إسراء يا حبيبتي.
وفي متجر تأجير أثواب الزفاف تخرج من حجرة القياس مرتدية ثوباً في منتهي الرقي والجمال وكأنها حورية، فكان أحمد مشغولاً في هاتفه وعندما طلت بمظهرها الباهي رفع بصره إليها، أتسعت حدقتيه وغر فاهه ثم أطلق صفيراً كدليل علي إعجابه بأميرته الساحرة، ما زاد خجلها وتوردت وجنتيها أكثر، همست له وهي تمسك بجانبي الثوب:
_ حلو الفستان ده؟
أقترب منها وهمس أمام وجهها:
_ ده الفستان بقي أجمل و أنتي جواه، تبارك الله في جمالك يا شمسي.
وضعت كفها علي فمها من الخجل الذي لا يفارقها، لتأتي الفتاة التي تعمل بالمتجر قاطعة لأجوائهم الوردية، قائلة:
_ خلاص استقريتي يا عروسة علي الفستان ده؟
أومأت لها الأخرى وقالت:
_ اه، إن شاء الله.
_ أتفضلي غيريه عقبال ما أكتب لحضرتك فاتورة بالعربون، والإستلام هيبقي يوم الفرح الصبح إن شاء الله.
و هكذا انتهت من حجز ثوب الزفاف ثم ذهب كليهما إلي الأستوديو ويليه مركز التجميل الشهير في تلك البلدة، و ذلك في أجواء فرح وسعادة غمرت كل منهما، لكن ما زال قلب شمس لم يبرحه القلق والخوف من شيء مجهول يترقبها، وربما تلك العيون التي تتبعهما علي بُعد عدة أمتار، تندلع بشرار نيران حقد وكراهية وانتقام ظالم بدون وجه حق!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كاليندا)