رواية كارمن الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ملك ابراهيم
رواية كارمن البارت الثاني والعشرون
رواية كارمن الجزء الثاني والعشرون
رواية كارمن الحلقة الثانية والعشرون
ابتسمت كارمن بسعادة وهي تستمع الي حديث عمتها وتحدثت بشغف:
– بجد رشيد مطلقنيش!!
استغربت وداد من رد فعلها الذي يؤكد انها حقآ ساذجة.. صمتت كارمن قليلاً ثم استرسل لها عقلها ما سيفعله بها رشيد بعد خروجها من المشفي! بالطبع سيعاقبها علي كل ما فعلته به في الماضي. ارتجف جسدها بخوف وهي تنظر إلى وداد.
تحدثت اليها وداد بتحذير:
– اسمعيني كويس يا بنت صادق.. انا عملت اللي عليا وساعدتك وانتي اللي معرفتيش تهربي! يعني اتفاقنا زي ما هو ومش عايزة ابويا او جوزك حد فيهم يعرف انك اتنازلتي عن ارضك ليا.
أومأت كارمن برأسها بالايجاب قائلة:
– انا قولت لحضرتك قبل كده انا مش عايزة ارض ولا فلوس.. والارض دي اقل تعويض ممكن تاخديه من بابا علي ظلمه لكي وحياتك اللي ضاعت بسببه.
حدقت بها وداد بصدمة. لا تصدق ان هذه الفتاة تحمل بداخلها كل هذه الطيبه والسلام النفسي. اضافة كارمن وهي تنظر اليها بحزن:
– انا بس عايزاكي تعرفي ان مش حضرتك لوحدك اللي اتعذبتي بسبب رفض بابا ليكي واختياره الجواز من ماما.. بابا هو كمان اتعذب بسبب اختياره وعمره ما كان سعيد مع ماما ابدا.
حدقت بها وداد بذهول، صمتت كارمن لحظات قليلة ثم اضافة:
– وانا كمان اتعذبت بسبب اختيار بابا.. صدقيني لو كان بإيدي اختار الست اللي تكون امي كنت اختارتك انتي.
لمعت اعين وداد بالدموع وهي تستمع الي حديث كارمن الصادق والذي خرج من قلبها واخترق قلب وداد. ادمعت اعين كارمن وهي تضيف بحزن:
– لما شوفت الفرق بينك وبين ماما كنت حقيقي حزينه.. انا كنت مقدره ان حضرتك موجوعه من بابا بس في نفس الوقت عايزة تساعدي بنتك ومش عايزة تشوفيها حزينه والمهم انك مش عايزة تخربي بيتها وبتحاولي تنقذي علاقتها مع جوزها بأي طريقه.
بكت بحزن واضافة:
– ماما بقى عملت عكس كل اللي حضرتك بتعمليه عشان بنتك!
بكت وداد من اجلها واقتربت منها وعانقتها بقوة واردفت بثقة:
– وجعتي قلبي عليكي يا بنت صادق.
لاول مرة تشعر كارمن بحنان الام وعطفها.. اكتشفت بعد عناق وداد لها ان والدتها لم تعانقها بحياتها منذو طفولتها! بكت في حضن وداد وهي تربت على ظهرها بحنان وتتحدث اليها بثقة:
– من اللحظة دي انا امك ومش هفرق بينك وبين ازهار بنتي لحد ما اموت.
لم تستطيع كارمن الحديث وهي تبكي بداخل حضنها، ابتعدت عنها وداد قليلا وتحدثت اليها بقوة:
– متعيطيش يا كارمن.. بنتي متعيطش ابدا طول ما انا عايشه.
نظرت اليها كارمن واردفت ببكاء:
– انا تعبت اوي من كل حاجة بتحصلي.. انا مش عايزة حاجة من الدنيا غير ان اعيش مرتاحة مع الإنسان اللي انا بحبه.. صدقيني انا مش عايزة ارض ولا فلوس ولا قصر اعيش فيه.. انا بس عايزة اعيش من غير ما حد يأذيني!
تحدثت اليها وداد بقوة:
– الناس مش بيأذو غير الضعيف.. لازم تكوني قوية عشان محدش يقدر يأذيكي.
نظرت اليها كارمن بانتباه:
– اكون قويه ازاي؟ يعني اعمل زي ماما وافكر في نفسي وبس؟!
اجابة وداد باعتراض:
– القوة مش انك تفكري في نفسك يا بنتي.. القوة انك تقدري تحمي نفسك وتحمي اللي بتحبيهم.
نظرت اليها كارمن بعدم فهم، تنهدت وداد بحزن من أجلها وتحدثت مرة اخري:
– قبل اي حاجة انا عايزة اقولك اني هقطع ورقة التنازل عن الارض اللي انتي مضيتي عليها وهفضل على طول جنبك وعمري ما هسيبك ابدا.
ابتسمت كارمن وهي تستمع الي حديثها واردفت:
– صدقيني انا مش عايزة الارض.. كفايه ان احس ان عندي ام بتحبني بجد وبتخاف عليا ويهمها اني اكون سعيدة في حياتي.
اجابة وداد بثقة:
– انا هكون امك اللي بتتمنيها وبرضه هرجعلك ارضك.
ابتسمت كارمن وارتمت بداخل حضنها.. ابتسمت وداد وعانقتها بحنان قائلة:
– قومي يلا غيري هدوم المستشفى دي والبسي الهدوم اللي جبتهالك عشان ترجعي معانا الدوار في بيت جدك.
ابتعدت كارمن عن حضنها قليلاً وتحدثت بخوف:
– هرجع في البيت عندكم تاني!
اجابة وداد بثقة:
– لازم جوزك يعرف ان انتي ليكي اهل وعيله وبيت ترجعيله لو زعلك في يوم وكمان لما ياخدك من بيت جدك يبقى عارف ان في وراكي رجالة ومش لوحدك في الدنيا.
ابتسمت كارمن بسعادة، اصبحت الان تعرف قيمة وجود عائلة تقف بظهرها ويدعمونها دون مقابل. أومأت برأسها وهي تأخذ من عمتها الثياب لكي تبدل ثياب المشفى وترتدي ثيابها.. خرجت وداد من الغرفة وتركتها تبدل ثيابها براحة واغلقت الباب عليها واقتربت من والدها ورشيد:
– كارمن بتغير هدومها.. زهقت من المستشفى هنا وانا قولتلها ترجع معانا علي بيت جدها لحد ما تخف.
وقف رشيد وتحدث:
– بس انا لازم اخدها ونرجع القاهرة عشان نشوف دكتور متخصص في الحالة اللي بتحصلها دي!
تحدثت وداد:
– وماله.. شوفلها دكتور زي ما انت عايز هي برضه مراتك.. بس احنا كمان اهلها ومن حقنا نطمن علي بنتنا قبل ما ترجع معاك.
استغرب الحاج عبد الرازق من حديث ابنته وداد وخوفها المفاجئ علي كارمن! نظرت وداد الي والدها واضافة:
– ولا انت رأيك ايه يا ابويا؟ هينفع بنتنا تطلع من المستشفى مع جوزها كده من غير ما نطمن عليها وترجع ترتاح في بيت جدها؟!
ابتسم الحاج عبد الرازق الي ابنته ووقف من مكانه واجاب:
– لا طبعا مينفعش.. ورشيد راجل ويفهم في الاصول.
نظر اليهما رشيد بحيره، تحدث اليه الحاج عبد الرازق بابتسامه:
– ولا انت مش عايز تشرفنا في بيت اهل مراتك يا رشيد؟
تحدث رشيد:
– لا ابدا دا شئ يشرفني طبعا.. انا بس قلقان علي كارمن وكنت عايز اعرضها على دكتور في القاهرة في اسرع وقت.
تحدثت وداد:
– كارمن زي الفل الحمدلله.. ولو عايز دكتور يطمنك عليها ضروري نشوف دكتور من هنا.
لم يجد رشيد مخرجًا وتحدث بهدوء:
– تمام.. بس اكيد مش هينفع نقعد هنا وقت طويل.. يعني كفايه يوم او اتنين بالكتير عشان شغلي في القاهرة.
ابتسمت له وداد وتحدثت وهي تعود الي غرفة كارمن:
– هروح اشوف كارمن خلصت ولا ايه عشان نرجع الدوار وانا هعملكم احلى غدا بإيدي.
ابتسم رشيد وربت الحاج عبد الرازق علي ظهره بدعم.
دلفت وداد الي غرفة كارمن وجدتها انتهت من ارتداء ثيابها وتصفيف شعرها. ابتسمت وداد واقتربت منها تتحدث بحنان:
– ربنا يحفظك يا بنتي من عيون الناس يارب.
التفتت لها كارمن وهي تبتسم. تحدثت وداد مرة أخرى بمزاح:
– يلا يا ست البنات عشان ترجعي معانا على بيت جدك.. وجوزك جاي معانا.
ارتجف جسد كارمن بتوتر:
– رشيد!
اردفت وداد بثقة:
– مش عايزاكي تخافي طول ما انا عايشه وان شاء الله اي مشكله حصلت بينك وبين جوزك هتتحل.
أومأت كارمن برأسها وهي تبتسم الي عمتها وقلبها يخفق بقوة وجسدها يرتجف قليلاً خوفًا من مواجهة رشيد.
اخذتها عمتها من يديها وخرجت بها من الغرفة. كان رشيد يقف امام الغرفة مع الحاج عبد الرازق. تأملها بنظرات عاشقه وهي تخرج من الغرفة وتقترب منه بجوار عمتها. كانت تخفض بصرها ارضًا خوفً من مواجهته، ابتسم اليها جدها وتحدث اليها:
– حمدلله على السلامه يا بنتي.
اجابة كارمن بصوت منخفض:
– شكرا.
تحدثت وداد الي رشيد وهو يقف يتأمل كارمن بصمت:
– مراتك مكانتش مصدقه انك وافقت تقعدوا معانا يومين في بيت جدها.. قولتلها جوزك بيحبك وعمره ما يحرمك من اهلك.
أومأ رشيد برأسه وهو مازال ينظر الي كارمن بصمت. تحرك الحاج عبد الرازق وتحدث:
– هات مراتك يارشيد وخلينا نرجع الدوار.
أومأ رشيد برأسه. تحركت وداد خلف والدها وتركت كارمن تقف امام زوجها. ارتجف جسد كارمن بخوف بعد ذهاب عمتها من جانبها ومع اقتراب رشيد منها وهو يقف امامها ويتأملها باهتمام قائلا:
– انتي كويسه دلوقتي؟
أومأت برأسها وهي تخفض وجهها ارضًا، امسك بيديها وتحدث بهدوء:
– خلينا نمشي عشان جدك مستنينا.
ارتجف جسدها مع لمسة يديه الي يديها، شعر برتجاف يديها وبرودة يديها بين يديه، ضغط علي يديها باحكام وسار بها دون ان يضيف اي حديث بينهما.
كانت تسير بجواره وقلبها يخفق بقوة. اخذها الي سيارة الحاج عبد الرازق وساعدها علي الصعود داخل السيارة بجوار عمتها وتقدم هو الي الامام بجوار الحاج عبد الرازق.
****
بداخل الدوار.
وقفت ازهار تساعد العاملات في المنزل في تجهيز الطعام بعد أن تحدثت اليها والدتها عبر الهاتف واخبرتها ان تهتم بتجهيز وجبة الغداء حتى تأتي والدتها.
دلف فراج الي الدوار ولاحظ ان هناك حركة غريبه بين العاملات بالمنزل وعلى رأسهم زوجته! اقترب من زوجته ازهار وتحدث اليها بدهشة:
– ايه اللي بيحصل هنا يا ازهار؟!
اجابة ازهار بمكر:
– بنجهز الغدا عشان كارمن وجوزها جاين في الطريق مع جدي وامي.
حدق بها فراج بصدمة:
– وهما جاين هنا يعملوا ايه؟
اجابة ازهار:
– معرفش.. امي كلمتني وقالتلي نجهز الغدا عشان جوز كارمن جاي معاها ولازم تتشرف قدامه باهلها!
عقد فراج ما بين حاجبيه وزفر بغضب، نظرت اليه ازهار واضافة بحزن:
– انت لسه زعلان عشان متجوزتش كارمن يا فراج؟
رمقها فراج بغضب واردف بعصبيه:
– ملكيش صالح وروحي شوفي انتي بتعملي ايه يا ازهار.
تركها وخرج من الدوار. وقفت ازهار تتابع ذهابه بحزن وقلة حيلة.
بعد دقائق قليلة استمعت الي صوت سيارة جدها خارج المنزل. وقفت في استقبالهم كما اخبرتها والدتها.
ترجل رشيد من السيارة مع الحاج عبد الرازق واخذ يد كارمن الي الداخل. استقبلتهم ازهار واخبرتهم ان الطعام جاهز ورحبت بهم وداد الي مائدة الطعام الكبيرة الممتلئة بأشهى المأكولات.
جلسوا جميعا علي المائدة يتناولون الطعام بدون ازهار وفراج. تناولت كارمن الطعام دون شهيه بسبب خوفها وتوترها من رشيد.
بعد انتهائهم من تناول الطعام تحدث الحاج عبد الرازق الي رشيد بهدوء:
– خد مراتك واطلعوا ارتاحوا شويه.. انت منمتش من ليلة امبارح يا بني واكيد محتاج ترتاح.
أومأ رشيد برأسه وشكره علي استضافته له بمنزله. وقفت وداد لكي تأخذهما الي الغرفة وتطمئن علي كارمن.
استغربت ازهار من معاملة والدتها الطيبه مع كارمن.
دلفت كارمن الي داخل الغرفة التي تقيم بها بمنزل جدها ودلف رشيد خلفها بعد ان شكر عمتها وداد وذهبت وتركتهما بمفردهما. أغلق رشيد الباب من الداخل والتفت ينظر الي كارمن بصمت، الان اصبح معاها بمفردهما.
جلست كارمن فوق الفراش بخوف وتوتر من مواجهته. لا تفهم شئ حتى الآن ولا تعلم كيف علم رشيد بمكانها ولا تصدق انها مازالت زوجته وتتساءل بداخلها اين زوجته وابنه الذي اخبرها عنهما من قبل!
وقف رشيد يتطلع اليها وهو يلتقط أنفاسه براحة بعد الاطمئنان عليها ثم تحدث اليها:
– هو ايه اللي خلاكي تهربي من هنا؟
اجابة عليه بتوتر وهي تخفض وجهها:
– هربت عشان كانوا عايزيني اتجوز فراج على مراته.
ابتسم ساخرًا وتحدث إليها بغضب:
– يعني مشكلتك انهم كانوا عايزين يجوزوكي فراج على مراته! يعني مكنش هيبقى عندك مشكله لو مكنش فراج متجوز!
عقدت ما بين حاجبيها واجابة عليه بدهشة:
– لا طبعا.. انا مشكلتي اني مستحيل اتجوز حد بعدك!
تسلل الي قلبه شعور بالسعادة بعد ما قالته الان بقوة واصرار، لكنه حافظ على هدوئه ورسم البرود على ملامحه قائلا:
– عمومًا انتي لازم تعرفي ان مكنش هينفع تتجوزي حد بعدي لان انتي اصلا لسه مراتي!
ابتسمت بسعادة غير مباليه بأي شئ حدث بينهما وتحدثت بحماسها المعتاد:
– انت حقيقي مطلقتنيش بجد؟!
لم يستطيع رسم الجمود على ملامحه اكثر وأومأ لها برأسه بالايجاب مؤكدًا حديثه بعد رؤيته لـ سعادتها الواضحة.
صوت الطرق علي باب الغرفة اوقف حديثهما معًا، اتجه الي الباب وفتحه، كانت إحدى العاملات بالمنزل قد اتت اليه بثوب لكي يبدل ثيابه قبل النوم. اخذ منها الثياب وشكرها بهدوء واغلق الباب بعد ذهابها. عاد الي داخل الغرفة. تابعته كارمن بعيناها وهي تبتسم بسعادة ولا تصدق حتى الان انها مازالت زوجته.
وقف رشيد وهو ينظر الي الثوب الذي جاءت به السيدة، كان جلبابً صعيدي مريح. بحث عن المراحض المرفق بالغرفة ودلف المرحاض لكي يبدل ثيابه بداخله.
جلست كارمن فوق الفراش تفكر بسعادة وحماس كيف لم يطلقها رشيد! تذكرت حديث جده وتأكيده ان رشيد طلقها ولم يريد رؤيتها مجددًا، بهتت ملامحها بحزن وشعرت بالخوف بعد ان تذكرت حديث جد رشيد وتهديده لها ان رشيد يريد قتلها. بلعت ريقها بخوف ونظرت الي المرحاض وهو بداخله، وقعت في صراع داخلي بين عقلها وقلبها؛ قلبها يؤكد ان رشيد حبيبها لم يأذيها مهما فعلت به، وعقلها يؤكد ان من حقه فعل اي شئ بها حتى يثأر منها بعد خيانتها له.
خروجه من المرحاض اخرجها من شرودها، تأملته بنظرات عاشقه وهو يرتدي الجلباب الصعيدي الذي يليق به كثيرًا. نظر اليها وتفهم نظراتها اليه، تلك النظرات بعينيها مازالت تؤكد له ان هناك شئ لم يعرفه اجبرها على خيانته، لكنه لم يستطيع التحدث معها الان! ليس هذا المكان المناسب ولا الوقت المناسب للحديث.
اتجه الي الاريكة الموضوعة بداخل الغرفة وتمدد عليها بصمت، متجاهلاً نظراتها اليه الفضوليه، بهتت ملامحها بحزن وهو يبتعد عنها ويذهب للنوم بعيدًا، خفضت وجهها بحزن بعد تأكيده لها الان بعدم تغير شئ، مازالت المسافات بينهما ولا يريد الاقتراب منها. اخفت وجهها بالغطاء لكي تستطيع البكاء اسفل الغطاء بصمت دون ان يشعر بها.
اغمض عينيه وهو يتمدد فوق الاريكة ويستند برأسه فوق ساعديه، كان يستمع الي صوت بكاءها الخافت لكنه يفكر ماذا عليه ان يفعل الان بعد ما حدث، لا يمكنه تركها للعيش مع والدتها مرة أخرى، عليه اخذها للعيش معه بالمنزل حتى يستطيع اخذ القرار الصحيح في علاقته معها، الكثير من الافكار تتزاحم برأسه، تخبط في مشاعره لا يستطيع ايقافه، تنهد بتعب وهو يفكر في القادم.
****
سطعت الشمس بنورها لتضئ السماء الصافيه بلونها الازرق.
بداخل غرفة كارمن.
استيقظ رشيد علي صوتها وهي تهمهم بكلمات غير واضحة. فتح عينيه وجلس فوق الاريكة ونظر الي الفراش بدهشة، وقف وتقدم منها وهو ينظر اليها بقلق.
كانت نائمة ومغمضة العينين وحبات العرق متناثرة فوق وجهها الشاحب وتهمهم بكلمات كثيرة غير واضحة، استطاع السماع الي اسمه بين كلماتها الغيرة واضحة، وضع يديه فوق جبينها وشعر بارتفاع حرارتها قليلاً.. نطق اسمها بقلق، استجابة الي نداءه وفتحت عيناها ونظرت اليه بضعف وتحدثت بدون وعي:
– انا بحبك اوي يا رشيد.. متسبنيش تاني.. انا اسفه.
حدق بها بصدمة ثم عانقها بقوة وهمس اليها بتأكيد:
– انا مستحيل اسيبك يا كارمن.
اغمضت عيناها بداخل حضنه مرة أخرى. عانقها بقوة اكثر وهمس اليها:
– انا مستحيل اسيبك او ابعد عنك.. انتي روحي.
عانقته هي الأخرى وهمست اليه وهي تغمض عيناها:
– انا بحبك اوي يا رشيد.. انت وحشتني اوي.
همسها اليه باشتياق جعله يضمها اليه اكثر ثم ابتعد عنها قليلاً يتأملها بعشق ثم قبلها بقوة وهو يضمها اليه.
فتحت عيناها بصدمة وهو يقبلها وانتفض جسدها بين يديه. ابتعد عنها سريعاً لا يصدق ما يفعله. وضعت يديها فوق شفاتيها بصدمة وتحدثت بصوت متقطع:
– هو ايه اللي حصل؟!
التقط أنفاسه وهو يبتعد عنها اكثر ويحاول السيطرة على مشاعره اتجاهها، ثم اجاب بهدوء مصطنع:
– مفيش حاجة.. انتي شكلك كنتي بتحلمي وانا كنت بحاول اصحيكي.
ثم تركها واخذ ثيابه الذي بدله بالامس واتجه الي المرحاض لكي يرتديه مرة اخري.
ارتجف جسدها بقوة وهي تتابع ابتعاده عنها وتضع يديها فوق شفاتيها بصدمة.
دقائق قليلة وخرج من المرحاض وهو يرتدي ثيابه.
استمع لـ صوت طرقات على باب الغرفة. ذهب وفتح الباب، كانت واحدة من السيدات تعمل بالدوار، تحدثت اليه واخبرته باحترام:
– سيدي الحاج عايزكم تنزلوا تحت تفطروا.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب قائلا:
– تمام احنا نازلين.. بس لو سمحتي ممكن تجيبيلنا مسكن واي خافض للحرارة.
أومأت بالايجاب وذهبت لكي تجلب له ما طلبه منها. عاد الي داخل الغرفة واغلق الباب ونظر اليها وتحدث بهدوء:
– فين شنطتك؟
اشارة اليه برأسها وهي تشعر بالتعب وتحدثت بصوت منخفض:
– عايزها ليه؟!
وجد حقيبتها بجانب خزانة الملابس، اخذها لكي يضع ثيابها بداخلها وهو يجيب عليها:
– بجهزها عشان هترجعي معايا.
تحدثت بدهشة:
– هرجع معاك فين؟!
رمقها بنظرة غاضبه ولم يجيب عليها، استمع الي صوت طرق علي الباب مرة أخرى، ذهب وفتح الباب واخذ من السيدة الدواء الذي طلبه منها وشكرها باحترام واغلق الباب بهدوء. اقترب من كارمن وحمل بيديه كوب من الماء وتحدث اليها:
– اشربي الدوا ده عشان تخفي وتبقى احسن.
نظرت الي الدواء بيديه وتحدثت بحزن:
– وانت عايزني اخف وابقى احسن ليه! مش انت اصلا كنت عايز تموتني؟!
زفر بغضب واجاب عليها بغيظ:
– ما انا هموتك زي ما انا عايز.. بس مش دلوقتي.
حملقت به بصدمة، اعطاها الدواء والماء دون ان يتحدث مرة اخري، تناولت الدواء وهي ترتجف من الخوف وتفكر ماذا يريد ان يفعل بها؟ تركها تائهة بداخل افكارها وذهب ليضع ثيابها بداخل الحقيبة وتحدث اليها بهدوء:
– قومي اجهزي عشان هنمشي دلوقتي.
وقفت وهي تنظر اليه بخوف، اقترب منها واعطاها ثياب لها اختاره من ثيابها وهو يضعها داخل الحقيبه ثم تحدث اليها:
– ادخلي الحمام اجهزي وانا هستناكي هنا.
أومأت برأسها بخوف واخذت الثياب واتجهت الي المرحاض. تنهد بتعب بعد دخولها المرحاض ثم اغلق الحقيبه ووضعها امامه لكي يحملها ويذهبون معا من هنا.
دقائق قليلة وخرجت من المرحاض وهي تخفض وجهها ارضً بخوف، تأملها بصمت ثم اقترب منها وهو لم يستطيع ابعاد عينيه عنها لكنه حاول التماسك امامها ورسم الجدية والبرود فوق ملامحه:
– جاهزة؟
اجابة على سؤاله بأمأة بسيطه، امسك يديها وحمل الحقيبة باليد الآخرى واخذها وخرجا من الغرفة بصمت. ترجلت الدرج وهي تستند على يديه، تشعر بدوار خفيف لكنها تحاول التماسك امامه.
اقتربوا من مائدة الطعام والجميع يجلسون عليها، الحاج عبد الرازق وابنته وداد وحفيده فراج وحفيدته ازهار.
رمقهما فراج بنظرات مشتعلة بالغيرة والغضب وهو يتطلع الي يد رشيد المتشابكة مع يد كارمن. تحدث رشيد بهدوء وهو يقف أمامهم:
– صباح الخير.
رد عليه الحاج عبد الرازق:
– صباح النور يا بني.. تعالوا يلا خلونا ناكل لقمة مع بعض.
اومأ رشيد برأسه قائلا:
– حاضر.. بس بستأذن حضرتك اننا هنرجع القاهرة بعد الفطار علي طول لان عندي شغل هناك.
تحدثت وداد:
– ماتخليكم معانا كام يوم كمان على ما كارمن تخف ونطمن عليها.
تحدث رشيد:
– متقلقيش حضرتك على كارمن وان شاء الله قريب جدا هنرجع هنا في زيارة اطول من كده.. انتم اهل كارمن وانا مقدرش ابعدها عن اهلها.
نظرت اليه كارمن بدهشة، تحدث الحاج عبد الرازق:
– على راحتك يا بني.. بس بعد الفطار انا عايز اتكلم معاك انت ومراتك في موضوع مهم.
أومأ رشيد برأسه بالايجاب قائلا:
– احنا تحت امر حضرتك.
*****
بعد انتهاءهم من تناول الطعام. تجمعوا بداخل القاعة، الحاج عبد الرازق، وفراج، ووداد، وكارمن، ورشيد.
جلس الحاج عبد الرازق فوق مقعده وتحدث الي رشيد:
– دلوقتي يا بني انت لازم تعرف ان مراتك لها ورث عندنا في الارض بتاعنا واكيد انت عارف ان الارض عندنا مبتخرجش برا العيلة.
أومأ رشيد برأسه قائلا:
– اعذرني حضرتك انا المفروض مليش علاقه بموضوع ورث مراتي ده نهائي.. هي مسؤوله مني وكل طلباتها واي فلوس تحتاجها مسؤوليتي.. لكن ورثها وارضها ده شئ بينكم وبينها وانا عارف مراتي ومتأكد ان هي ميهمهاش ارض قد ما يهمها ان يكون لها عيلة زيكم يحبوها ويخافوا عليها.
نظرت كارمن الي جدها واضافت على حديث رشيد بهدوء:
– وانا مش محتاجة ارض.. عمتي وداد هي احق مني بالأرض دي.. هي اللي اتظلمت ودفعت عمرها مقابل الارض.
نظرت اليها وداد وادمعت عيناها متأثرة بحديث كارمن امام الجميع. نظر الحاج عبد الرازق الي ابنته وداد وشعر بالذنب اتجاهها ثم عاد ببصره الي كارمن وتحدث:
– بس ده حقك يا بنتي.
تحدثت كارمن:
– انا مش عايزة اي حاجة غير انكم تحبوني ويبقى ليا عيلة واهل يسألوا عليا لو غبت عنهم.. صدقوني ده عند أغلي من كنوز الدنيا.
ابتسمت وداد وهي تنظر إلى كارمن بحنان، ابتسم الحاج عبد الرازق قائلا لها:
– واخده طيبة قلب ابوكي يا بنت صادق.. بس حقك لازم تخديه بما يرضي الله.. لما امك جت طلبت مني حقك انا رفضت عشان كنت عارف ان امك هتاخد منك الفلوس وتبهدلك معاها.. انما دلوقتي انتي في حماية راجل وحق الارض هتاخديه وانا مطمن عليكي.
نظرت كارمن الي رشيد ثم عادت ببصرها الي جدها، لا تعلم ماذا تقول. صمتت قليلاً ثم اردفت:
– طب ممكن بلاش اخد حقي في الارض ويفضل هنا معاكم.. انا خايفه اخد حقي في الارض وبكده تبقى انتهت العلاقة بينا.
تحدث فراج بعد صمت طويل منذ بدء الحديث بينهم جميعآ:
– مش الفلوس والارض بس اللي بتربطنا بيكي يا بنت عمي.. اللي بيربطنا دم واسم عيلة بيجمعنا كلنا.
نظر رشيد الي فراج ثم نظر الي الحاج عبد الرازق قائلا:
– الافضل لو حضرتك تحتفظ لكارمن بحقها في الارض بمعرفتك لان كارمن مش هتقدر تحافظ علي حقها.
نظرت اليه كارمن بغيظ، تجاهل نظراتها وتحدث الي الحاج عبد الرازق:
– اسمحلنا نتحرك دلوقتي عشان نلحق القطر.
تحدثت وداد بحزن:
– طب كنتوا اقعدوا معانا يومين كمان ولا حاجة يا بني.
وقف رشيد وتحدث باعتذار:
– ان شاء الله هنيجي نزوركم في اقرب وقت.
وقفت كارمن بخوف. اقتربت منها وداد وعانقتها بقوة وهمست لها بحنان:
– متخافيش من اي حاجة وفي اي وقت كلميني وهتلاقيني عندك.
أومأت كارمن برأسها وهي بداخل حضن عمتها.
علي الجانب الاخر وقف رشيد امام الحاج عبد الرازق وتحدث اليه الحاج عبد الرازق:
– مش هوصيك علي بنتنا يا رشيد.. انت هتاخدها دلوقتي امانه من دارنا ولو في يوم حاسيت انك مش هتقدر تحافظ عليها يبقى ترجعها هنا في بيتها معززه ومكرمه.
أومأ رشيد برأسه قائلا:
– متقلقش حضرتك.. كارمن مراتي وفي عينيا..
ثم صمت قليلا واضاف بداخله:
– بس ده ميمنعش اني لازم اربيها من الاول وجديد.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كارمن)