رواية قلوب منهكة الفصل الرابع عشر 14 بقلم جهاد وجيه
رواية قلوب منهكة الجزء الرابع عشر
رواية قلوب منهكة البارت الرابع عشر
رواية قلوب منهكة الحلقة الرابعة عشر
الفصل الرابع عشر
تتولد القوة والجبروت من الضعف والخذلان، تتوالىّ إنكساراتك أمامك كعرضٍ مسرحيٍ حزين، ترىّ لحظات ضعفك، تدميرك، تحطيمك، عندما تستنبط لحظات لينكُ حينها فقط تُغرس بكَ قوة تجعلك كالفهد الهجين …..
قوة غريبة احتلت كيانها، أصبحت تتمتع بشراسة تكفي لحرق كل من يقترب منها، ألقت قنبلتها الموقودة بوجوه المصدومين أمامها، صعدت الدرج بخطواتٍ ثابتة وقوية، دلفت غرفتها وألقت بوشاحها الذي كان يخبئ ندبتها بإهمال، فُتح الباب بقوة على أثرها انتفضت من مكانها، كان شقيقها، رأت نظرات اللوم بعينيه، هذا ما لا تقدر على تحمله، راقبت اقترابه منها وعلى وجهها بسمة تحمل كل خِصال الحب والكمال، لطالما كان حصنها المنيع، لم تخطئ نظراته مطلقًا، دعمها بأضعف لحظاتها المأساوية، كان كالدرع المدافع عنها، انتشلها من جلستها وجلس موضعها وهي على قدميه، غابت بأحضانه لصغر جسدها، غمر جسدها بقوته العضلية وقوة حبه وحنانه عليها، ابتسمت عندما أحست بشفتيه تداعب خصلاتها، هذا هو شقيقها عندما يقلق يأتيها ركضًا ليخفيها بين ذراعيه، هذا فقط ما كانت تريده الآن، أحتواء شقيقها، ابتسامتها كانت تتسع بحنان عندما يشتد بضمه لها، تعلم بخوفه عليها وحبه الشديد لها، رفعت أناملها لتحتضن وجهه بحبٍ اخويٍ جارف، طبعت قبلة شاكرة على جبهته وهمست بثقة: متقلقش عليا، أنا النهارده وفي اللحظة دي أفضل بكتير عن قبل كدا، كل اللي فات كان ضعف واللي جاي هيولد جوايا تجارب كتيرة
صوتها رغم قوته إلا ان الحزن مسيطرًا عليه، صغيرته تتألم وهو عاجزًا عن فهمها لأول مرة، مع كل كلمة تخرج من فمها كان من المفترض أن يطمئن ولكن على العكس فقلبه جميع زواياه تئن خوفًا عليها، ماذا لو حدث لها شيء؟! ماجد لم يعلم بحقيقة ماحدث بعد كيف ستواجهه؟ هل وقعت له بفترة وجيزة كتلك لذلك وافقت عليه ؟! هل صغيرته المشاغبه ستركض لأحضان رجلٍ آخر غيره وتشتكي له؟! عند هذه النقطه وضغط بقوة على خصرها ليثبت لعقله أنها حتى وإن وقعت لأعتى الرجال فهو رجلها الأول بعد والدهم! هو من ناهزته برحم أمها ! هو من تشاركا الفراش طويلًا حتى نضجت بين يديه! هو ولا غيره شقيقها !!!
مهند بحنان: أعرفي أني جنبك ديمًا، مهما حصل ملكيش في الدنيا دي غيري وغير بابا، أنتِ مش أختي الصغيرة، دا أنتِ بنتي البكرية وهدية أمي الغالية، مفيش حد في العالم هيخاف عليكِ زي، أوعي تترددي في يوم لما تحتاجي حاجه، أوعديني تخلي بالك من نفسك، أنا واثق من قرارك ومعاكِ فيه للآخر، بنتي عمرها ما غلطت، فاكرة ديما ماما كانت بتقول لينا إيه ( لو الغصون مقوتش بعضها الشجرة مش هتقدر تغرس جذورها وأنت يمهند أول غصن في الشجرة دي ورزان أقرب غصن ليك واللي أنتَ بتحميه، أختك أمانتي ليك)
لمعت عيناهم بدموعٍ مشتاقة لوالدتهم الراحله، تمنت تواجد والدتها لتزينها بمثل هذا اليوم، تمنت حضن ملاذها الراحل ولكنها في مكانٍ أفضل الآن
تابع مهند حديثه بدموعٍ حبيسة : معنديش في الدنيا دي أغلى منك، اليوم اللي مش بطمن عليكِ فيه قبل ما أنام النوم مش بيجافي عيني، مش عارف هسلمك لماجد إزاي بإيدي، بس اللي مطمني إن ماجد هيصونك ويحافظ عليكِ، أنا شوفت دا بعيني، وعشان منتأخرش على الناس محدش هيجهز بنتي النهارده غيري، محدش ليه حق في كدا غيري أصلا
تحشرج صوته بغصة مؤلمة ورفع كفيه ليحاوط وجهها : مهما حصل أوعي تخافي من حاجه، عمرك ما غلطي ولا اللي حصل كان بسببك، كل شيء بيحصل لينا قدر ومكتوب علينا، خليكي على ثقه إني موجود هنا بعد ربنا عشانك، لما تحتاري خيري قلبك وهو هيدلك لأنه حاسس بيكِ وعارفك أكتر من عقلك
رفعت أناملها المرتجفة لتحتضن وجهه كفعلته ولكن لتمسح دموعه التي زحفت للحيته التي طالما عشقته بها، خرج صوتها هامسًا له بحب: فاكر لما كنت بلعب في ورق بابا بتاع الشركه وأوقع عليه ميه واجري عليك أقولك، كنت بتزعقلي وتقعدني على سريرك ومش بتصالحني وأنا ببقى مفكره إنك خلاص كدا هتقول لبابا ويزعق ليا وبعيط بس اللي أنت متعرفوش إني كنت بقعد أعيط عشان أنت زعلان مني، مكنتش بستحمل نظرة لوم صغيره في عينيك ليا، ورغم كدا كنت بتقول لبابا أنك اللي عملت الغلط وتدافع عني، حتى لما حصلي اللي حصل واتكسرت ملقتش علاج لدائي غير وجودك جنبي، ملقتش حد اخاف اكشف خوفي وأعري ضعفي ليه غيرك، محدش كان جنبي غيرك، مشوفتش نظرة شفقه في عيونك ليا بالعكس كنت بشوف نظرة فخر وحب عظيمه
غصة أصابتها فور تذكرها لهذا اليوم بتفاصيله التي لم تفارقها، ورغم ذلك ابتسمت بحنان وألقت برأسها على كتفيه وتابعت بهدوء: يوم ما لقتني هدومي مقطعه وجسمي بينزف، أنا شوفتك بتبكي بس رغم كدا كنت قوي، شوفت حزن عيونك لما شوفت جرح رقبتي اللي سببه جاك ليا، واللي لدلوقت مفارقنيش ولا هيفارقني، شوفتك اعظم حاجه حصلت ليا، أنت مش أخويا بس أنت كل حاجه بالنسبة ليا
أولج لحظاتنا قوة حيثما نستند على جِدارٍ صَلبٍ، يستمد الجسد الأقل حرارة دفئه من الجسد الأعلى حرارة، كذلك قوتنا نستمدها من المقربون لفؤادنا، لن يطول الضعف ولن يطول الألم برفقة الأشقاء، مِن أقوىَّ العلاقات هي علاقات الأخوة، ليست فقط علاقة أسستها الأيام وإنما أحكم عليها الدم ورسخها القلب حتى الممات، تكمن عزيمتنا ممن تواجد لجوارنا، فقط نحتاج من يدعمنا ولن يطول الأمر كثيرًا وسيزول الألم …
***********************
صمتٌ؛ كل ما يعم بينهم هو الصمت، راقب اختيارتها البسيطة والهادئة التي تعكس شخصيتها الرقيقة، كم يشعر بدنائته الآن، لها كل الحق أن يكون بعقله وقلبه وروحه معها ويختاروا سويًا مكملات زفافهم، ولكنه ترك لها زمام الأمور، طوال جولتهم لم يحادثها وأنما تدور عيناه بكل الأمكنة غير المتواجدة هي بها، يتهرب من نظرات اللوم والعتاب بعينيها، عندما كان يُجبر على رأية كان يعطيها مجرد إمأه بسيطه، بعد وقتٍ طويل، انتهت جولتهم، وضعت مشترياتها بمساعدته بالمقعد الخلفي، تطاير حجابها الرقيق على صفحات وجهه، ذكره هذا بأحدى المسلسلات الهندية التي كانت تشاهدها شقيقتها وصدقًا كم كان يكرهها، أنتبه لتوه لما ترتديه، ثوبٌ زيتي اللون بخطوطٍ سوداء، يضيق من عند الصدر لينزل بإتساعٍ لأسفل، وحجابها الذي يزين وجهها الهادىء، صدق من قال أن لكلٍ منا جماله الخاص رغم بساطته، بدت كحورية لتوها خرجت لتلقي بسحرها وتنتظر أول الملعونين من طلاسم عينيها، كيف لها أن تكون بهذا الهدوء واللين والرقة معًا رغم بساطة ثيابها، أفاقها من تأمله صوتها الشجي الخافت: ممكن نطلع على البحر شوي؟
كان كالمغيب، سار للجهة الأخرى وترجل من مقعده في هدوءٍ تام، كان يسترق النظر لها بين الحين والأخر، بدت له كجنية أحلامه الوردية القديمة، نعم فهو لم تعد الأحلام تزوره من زمن، والآن تتجسد أمامه بها، راقبها وهي تهبط من سيارته لتأخذ من الرمال مِقعدًا ومن الواضح أنه أراحها كثيرًا لدرجة أغمضت عينيها وشردت لمكانٍ لا يعلمه، اقترب من جلستها وجلس لجوارها، تأمل كلاهما البحر بقلبه، كلًا منهم بداخله قصة ينقصها بطلاً من الصعب تواجده، كلًا منهم بداخله قصة لم تنته بعد….
سلمى ببسمة صافية: بتحبها ؟
سامح بتعجب واستنكار: هي مين
سلمى بتوضيح: اللي واخده عقلك وقلبك، اللي اتقدمت ليا عشان تنساني بيها، اللي مش قادر تنساها وبتغصب نفسك إنك تكون معايا، اللي بتحاول تقنع عقلك وقلبك إنك لابد تنساها بس هما مقتنعين بشيء واحد وهو أنك بتعشقها، أكيد هتسأل عرفت منين، مفيش لمعه في عيونك تدل على فرحتك، مفروض تكون مبسوط حتى لو مش هنتجوز عن حب على الأقل دي هتبقى خطوبتك بس على العكس كل حاجة فيك مطفيه، حتى تصرفاتك، وأنا يمكن فهمت دا عشان مريت بيه، إن أحب شخص طول حياتي وفجأة اكتشف أنه مبيحبنيش، مش سهل أوجع قلبي ولازم أنساه بس غصب عني، الحب مش بأيدينا
قالت آخر كلماتها بمرارة جلية على صوتها، تقبلت تهرب نظراته منها، تقبلت كونه إنطوائي عنها، ولكن لمتى ستتقبل كونه يحب غيرها! نعم تعلم ومنذ زمن بحبه بل بتتيمه الخالص لزميلته بالجامعه وأيضًا برفضها القاطع لحبه، تستشعر نزيف قلبها الآن، ظلت لسنواتٍ عديدة تعشقه سرًا وهي كالهواء الخالي بالنسبة له، لا يراها بل لم يعلمها من الأساس، كانت تتابع أخباره من شقيقته فهي صديقتها المقربة بل والوحيدة، كل ليلة يأخذ البكاء مبلغه منها وتضرع لربها أما لينزع حبه من قلبها أو ليغرس حبها بقلبه، بكل روحها طلبته، بكل ذرة بكيانها تمنته زوجًا لها، رغم علمها بعشقه الأليم لغيرها إلا أنها كانت تزداد حبًا به، فرحة غزت وجدانها عندما علمت بقدومه لخطبتها، بصيصٌ من الأمل زُرع بها بأنه وأخيرًا بعد أن جفت دموعها سيصبح لها، ولكن سقطت جميع تأملاتها ببئرٍ مظلم وحُطم فؤادها من جديد ……
سامح بشرود: طول عمرها ملاك، من أول يوم شوفتها في الجامعه وأنا عرفت إني هحبها، كانت زي الحورية، بتتنقل من مكان للتاني بخفه وروح هاديه، في كل سجدة ليا اتمنتها زوجة صالحه ليا وأم لولادي، في كل دعاء كان اسمها قبل اسمي، كانت جنية أحلامي، فضلت أحبها بيني وبين نفسي سنه كامله، كنت بكتفي بشوفتها كل يوم ويوم الأجازة كان بيمر عليا زي الدهر، قررت أعترف ليها بحبي، وقتها كل حبي وعشقي ليها أتقابل بالرفض لا بالرفض التام، ميأستش ولا استسلمت، مش معقول حبي الأول أفرط فيه بسهولة كدا، اعترفت تاني وتالت ورابع والجواب كان زي كل مرة، ( أنا آسفه، مبفكرش في المواضيع دي دلوقت) الجامعه كلها عرفت بحبي ليها ورغم كدا هي لسه على رأيها، حبيتها بطريقة استنزفت كل الحب اللي جوايا ..
تنهد بألم وأكمل بدمعة خائنة : كنت مستعد عشانها اعمل أي شيء، بعدها والدتها اتوفت، مبقتش تيجي الجامعه، حاولت أوصل ليها وكل مرة كان جرحي منها بيزيد ورغم كدا مقدرش أكرهها ولا أبعد عنها، آخر محاولة ليا من فترة قصيرة، انهارت وبكت وصرخت، كانت في حالة غير عادية، وقتها عرفت إنها متكتبتش ليا، عرفت إني هفضل اتعذب بحبها طول عمري، عرفت إن قلبي مكتوب ليها يتوجع لما يفكر يحب، سمعت كلام والدي وخطبت، وشوفتك …
مسح دموعه المتألمة بقلبٍ حزين وتابع ببسمة صادقة: كنتِ زيها في هدوئك بس غيرها، كان ليكِ سحر خاص، كل ما أبعد عيني عنك بلاقيني غصب عني بتشد ليكِ، أنا عاوز أكمل حياتي بشكل طبيعي يا سلمى، عاوز ابني بيت وأسرة تكونلي دواء لجروحي، عارفه أنا بتعذب كل يوم وأنا بنساها، عارف إني ظلمتك معايا ولو كملتي معايا هظلمك، بس صدقيني عاوز أنساها، عاوزك معايا يا سلمى، عاوزك أنتِ
سقطت دموعها حسرة وألمًا، حسرة على حال قلبها وألمًا على معاناته، يصف حالتها معه بكلماته، تحسد تلك المجهولة على حبٍ كهذا لا يأتي سوى مرة بالعمر، نيران الغيرة تحرقها وتتأكلها من الداخل، دموعها تنهمر بصمتٍ تام، هل ستتحمل معه ليبدل الله حبها بقلبه؟ هل سيخلص لها ؟ هل ستصارع قلب زوجها ليصبح لها؟! تشعر بان أحدهم يمزق جدران قلبها بخنجرٍ بارد ليستلذ بعذابها، لن تبادر وتخبره بعشقها المراهق له، لن تُلقي بكرامتها مع الرياح لتعود مطأطأة رأسها خجلًا منها، يكفيها ألم قلبها الآن لن تجازف بالمزيد فهي أنثى! تستحق أن يُبارز من أجلها لا أن تُبارز هي !
سلمى بدموعٍ غزيرة: موافقة يا سامح موافقة
ابتسم وسط دموعه، هاهي أولىّ خطواتها ليعيد ترميم قلبه المفتت، هاهي جنيته توافق على مد يد العون له، هو أيقن أن رزان لم ولن تكون لها، أصبح مؤكد أن سلمى رفيقته المقدره لما لا يكون مخلصًا لها بكل وجدانه! لما لا يسير إليها كي تنجده من ظلمته! لن يترك يدها التي ربتت على قلبه، لن يجعل روحه تخسرها!
سامح بفرحة : أوعدك مش هتندمي، مقدرش أوعدك إني مش هزعلك بس أوعدك إني هحبك وأكتر من أي حاجه في حياتي، يلا عشان نمشي ابوقت إتأخر
مد يديه ليزيل دموعها برقة بالغه، حمد الله بقلبٍ سعيد لما وصل لها، أقسم بداخله ليبدل دموعها التي تسبب بها لضحكاتٍ لا يُسمع غيرها بحياتهم، ضم يديها الصغيرة بقبضته، وسارا عائدين للسيارة، ولكن الآن عكس هبوطهم، فالآن متواعدان لبناء حياة هادئة ومحبة ! ….
لم يخلق الله كفوفهم الكبيرة هباءً، بل جعل قبضتهم موطنًا وأحتواءً لكفوفنا الصغيرة، جعل لمساتهم أعتذار، إحتضانهم أمتنان، جعلهم الأقوى بكل شيء ليحموا قلوبنا، خلقنا من ضلعٍ أعوج لنعلم مدى حاجتنا لصاحب هذا الضلع، خلقنا لنكمل بعضنا ونساوي تناقض نشأتنا …..
#جهاد_وجيه
#قلوب_منهكه
********************
صدق من قال أن الحياة بلا أشِقاء كالَشقاء، هم الملجأ الوحيد لنا من بطش العالم، هم بموضع الأباء، الأبناء، الأصدقاء، هم خيارنا الأول والأخير للنجاة من لعنات البشر، هم منا والاقرب لنا ….
راقبت تجول شقيقها بالغرفة حولها بفرحة عارمة، أختار لها ثوبها، مشط لها شعرها، ساعدها بمكياجها، وأخيرًا أنحنى ليلبسها حذاؤها ولكن عند تلك النقطة وكفى، انهمرت دموعها بحرقة ونزلت لمستواها، هبطت لتجلس أمامه كطفلة مذنبة تنتظر من والدها عقابها أو تنتظر صفحه عنها، غمرت نفسها بين أحضانه تتمسح به كهرة مشتاقة لوالدتها التي عادة بعد غيابٍ، ألتقطها بين أحضانه بصدرٍ رحب، أشتدد يداه لضمها، يريد أخفائها عن العالم، يريدها لجواره، يخاف عليها من نسمات الهواء، يكفي ما ذاقته، هبطت دموعه لتجاري دموعها، علىَّ نحيبهم معاً، صوت شهقاتهم يؤلمهم ولكن هذا ما سيلجؤون له الآن ليخفف مشاعرهم….
مهند بحبٍ ولم تتوقف دموعه عن الهطول: بتبكِ ليه يا زان، في عروسة تبكي يوم فراحها بردو؟ أنتِ عارفه أنا بحبك قد أيه صح؟ طب عارفه أنتِ بنسبالي أيه؟
سقطت دموعه بوتيرة أشد ويداه تعتصرها بين ضلوعه وصوته يئن ألمًا: طب عارفه أن لو ماجد زعلك مش هيكفيني فيه أدفنه حي؟
يكفي، يكفيها ألمه، يكفيها دموعه وشهقاته التي تقطعها إربًا، يكفيها ضعف شقيقها القوي لها، هي خائفة مثله ولكن فات الآوان للتراجع ..
رزان وهي تهز رأسها موافقة ودموعها لم تترك سيرها على وجنتيها: عارفه، عارفه يا قلب رزان، عارفه
حاول أخراج صوته طبيعيًا ليمازحها: طب يلا وأنتِ بقيتي شبه العفريت بمكياجك اللي ساح دا، صدق اللي قال امسح مكياج أختك تلاقي أحمد ابن عمتك
وكزته بكتفه بخفة، تعلم انه يحاول إخراجها من حزنها، خرجت من أحضانه وهمست بغيظٍ مصطنع: طب يلا يخويا يلا
ألبسها حذائها وسط أعتراضها الشديد، تبطأت ذراعه بفرحة شديدة، نسيت ماهي مقدمة عليه أو تناست ذلك، يكفيها أن شقيقها معها الآن وسينتهي كابوس المدعو جاك بزجيتها المزيفة تلك ……
هبطت لأسفل وسقطت عينيها على خاصته، لم تبارح نظرها عنه، تعلقت عنياهم سويًا حتى وصلت أمامه، جلست لجوار شقيقها وهو جار والدها والمأذون يتوسطهم، مرت الدقائق عليهم مُثقلة بشكلٍ متعب، على صوت المأذون بجملة لطالما حلمت بها ( بارك لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير) …. جملة سمعتها في ليلة شديدة البرودة، ليلة انتهت برأتها وعفتها، ليلة سُحب شرفها بها من قبل زوجها وحبيبها السابق، ولكنها الآن تسمعها مجداا ولكن مُوجه لرجلًا آخر بل وقلبًا آخر غير الذي عشقته حد الجنون، أنصرف الجميع وبقى هو معها فقط!، هبت واقفة ووقفت مباشرة أمامه، خرجت حروفها مدروسة وقوية لتعكس شخصيتها الجديدة كليًا على الجميع…
رزان وهي تنظر بعينيه مباشرة: مبروك يا عريس، بس في مفاجأة صغيره عشانك
قست ملامحها واقتربت من أذنه وهمست بجفاء وقسوة: العروسة مش بكر رشيد، العروسه مُغتصبه ومدبوحه
تقسم أنها رأت شعله نيران تتوهج بمقلتيه، ارتعاش جسده البادي لها يبرهن لها أنها في طريقها للهاوية وبكن فتت آوان الرجوع الآن، فكت عقده وشاحها ورفعته بوجهه بإهمال ونظرة مُشمئزة وهتفت بسخرية: عارف بخبي رقبتي ليه؟! ببساطه لأن اللي مفروض كان هيبقى جوزي وكان حبيبي وعشق الأول ليلة كتب كتابنا اغتصبني! تؤ تؤ ومش بس كدا لأ، دا جرحني بخنجر ملوث في رقبتي عشان يتأكد إن أي حد يشوفني يسألني إيه سبب الجرح دا، ومش بس كدا لا دا كمان خلاني عاقر عشان منفعش لأي حد من بعده، تحسه كدا كان بينتقم مني مش بيحبني
حديثها خرج نابعًا من قسوة الأيام التي عايشتها، جعلها مشوة روحًا وقلبًا، حرمها من أبسط حقوقها وهي أن تصبح أمًا، دعس حبها بقدميه وبثق عليه وتركها وسط غابة مليئة بكوابيس ليلتها الأولى
ألقت طعنتها الدامية واستدارت لتذهب من أمامه، ولكن هل سيتركها تفر الآن؟!
قبض على ذراعها بقوة هلامية وقسوة شديدة نابعة من جوف روحه المتألمة، شعرت بإنخلاع ذراعها على أثرها، تقسم أنها رأت الجحيم بعينيه، وتيرة أنفاسه تلفح وجهها الذي أداره ليصبح مباشرة نِدًا بندٍ لوجهها، همس أمام وجهها بنبرة خالية من المشاعر : ورحمة أمي لأدفعه التمن غالي أووي
كاد أن يكمل حديثه ولكن قاطعه رنين هاتفه، تجاهله ومالبث ان أعلن معاودة الأتصال، مد يداه لينتشله بغضبٍ ساحق من بنطاله، رأى اسم شقيقته الغائبة يتوسط الشاشة، تعجب من مهاتفتها الغريبة له ولكنه سرعان ما أجاب وما لبث أن أُقتتمت عيناه بقسوة لم يعهدها هو من قبل بنفسه، لم يننبه لذراع المسكينة التي بين براثينه والذي تلون بزرقة قاتمة دلالة على عنفه…
على صوته وصدره يعلو ويهبط وكأنه بسباقٍ
حول المجرة بأسرها: هو كدا جاب أخره معايا، اللي يقرب لحاجه تخص ماجد الأنصاري يبقى بيحفر قبره بإيده ….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب منهكة)