رواية قلوب حائرة الفصل الستون 60 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت الستون
رواية قلوب حائرة الجزء الستون
رواية قلوب حائرة الحلقة الستون
🦋 الفصل التاسع عشر🦋
بِتُّ أشعرُ بأنني انحدرتُ وهبطتُ لمستوي الوصيفةِ داخل مملكةِ عرشِكَ العظيم،
بعد أن جلبْتَنِي وأدخلْتَنِي عالمَكَ الساحر محمولةً علي الأكتافِ بموكبٍ هائلٍ ونصَّبْتَنِي ملكةً علي عرشِ قلبِكَ .
خواطر مليكة عثمان
بقلمي روز آمين
علي شاطئ البحر الخاص بحي المغربي
كانت بإنتظار زو جها علي أحر من الجمر ليُفسر لها ذاك الحديثُ الهزلي التي أخبرتها به مليكة مُنذُ القليل،تحرك إليها بعدما إطمئن علي ذهاب مليكة وأطفالها بصُحبة شقيقها وسيارة الحٌٔراسة وذلك بناءاً علي تعليمات ياسين لهْ،إحتوي كَتفِها وسار بجانبها فتوقفت وسألته وهي تنظُر إليه بملامح وجه مُتأثرة تتمني نفيهُ لما عَلمت:
-طارق،إنتَ فعلاً قبلت عَرض لمار وخصصت لها مكتب في شِركتك؟
تنهد بضيق لكنهُ كان مُستعداً للمواجهة وذلك لتوقعهُ عِلمها بأية وقت،أجابها بعيناي راجية بأن تتفهمهُ:
-أه يا حبيبتي،بس أنا عندي أسبابي
واسترسل سريعاً:
-وياريت ما تسألنيش إيه هي لأني مش هقدر أقولها لك حالياً،كُل اللي ممكن أقوله إنك تثقي فيا وتصبري لحد ما ييجي الوقت اللي يكون مسموح لي فيه أقولك علي كل حاجة
كانت تستمع إليه بعدم إستيعاب،لم تفهم من حديثهُ شيئاً لكنها كعادتها وثقت به وتحدثت بإرتياب:
-يا حبيبي أنا ثقتي فيك ما لهاش حدود،بس أنا محتاجة أفهم علشان أطمن
إقترب عليها وقام برفع خُصلة هاربة من شعرها الحريري وثبتها خلف أذنها وتحدث بإبتسامة طمأنينة:
-إطمني،أنا جنبك ومعاكِ
طب ومليكة؟…هكذا سألته مُستفسرة
أجابها بنبرة هادئة:
-مليكة غضبانة من اللي حصل وأنا عاذرها،هي خايفة علي نصيب أولادها وده حقها،بس لما تفهم أكيد هتعذُرني أنا وياسين في اللي عملناه
قطبت جبينها مستغربة حديثهُ وسألتهْ بتيهة:
-هو ياسين كمان عارف الموضوع؟
واستطردت بتَشَوُّش:
-طارق إنتَ كدة قلقتني
أردف بإبتسامة مُطمئنة:
-قُلت لك ماتقلقيش،كل حاجة هاتبقي كويسة
رغم القلق الذي تسلل لداخلها إلا أنها أومأت له لثقتها به وسارا معاً يتمشيان علي الشاطئ
وصلت مليكة بصُحبة شقيقها وعالية إلي منزل عائلتها،وجدت ترحاب عالي من الجميع بها وبأبنائها الثلاث،بعد قليل إلتفوا حول سُفرة الطعام تحت سعادتهم جميعاً
تحدثت وهي تنظر لذاك السَمك المُملح بإشتهاء:
-فسيخ وملوحة.
هتفت سُهير وهي تحمل الصَحن وتُبعدهُ عنها قائلة:
-ده مش ليكِ،بابا جايب لك المشاوي إنتِ والأولاد الصغيرين ونُهي لأنها ما بتحبش الفِسيخ
إكفهرت ملامحها وتحدثت بإعتراضٍ حادّ:
-ما تهزريش يا ماما وهاتي الطبق،نفسي فيه
أردف سيف مُفصِحاً بتوعية:
-غلط عليكِ وعلي البيبي يا مليكة،لما تولدي بالسلامة إبقي كُلي براحتك
حولت بصرها إلي والدها كي تشتكيه والدتها وشقيقها:
-عاجبك كدة يا بابا،ياخدوا الطبق من قدامي وأنا نفسي رايحة له؟
ضحك سالم علي صغيرته التي تشتكي إليه كَطِفلة مُدللة وأردف إليها بنبرة حنون:
-ماما وأخوكِ خايفين عليكِ يا حبيبتي،أنا بعت جيبت لك كباب وريش من أفخم محل علشان تغذي حفيدتي اللي هتجنن وأشوفها
نطقت علياء بوعد بعدما رأت تبرُم مليكة:
-كُلي الكباب يا مليكة وليكِ عندي أكلة ملوحة أسواني مُعتبرة لما تولدي،هوصي لك عليها ماما تخلي الفسخاني يعتقها لك من الوقت لحد ما تقومي بالسلامة
أردفت نُهي بنبرة مُستاءة وهي تنظر إلي الاسماك بملامح وجه مُشمئزة:
-بجد يا جماعة أنا مستغرباكم ومش عارفة إنتوا بتاكلوا الفسيخ ده إزاي أصلاً،دي ريحته لوحدها كفيلة تقفلي مِعدتي إسبوع لقُدام
إتسعت عيناي شريف وهتف بمشاكسة مُعقباً علي حديثها بإعتراض:
-ريحته؟طب دي ريحته اللي مش عجباكِ دي هي السِر ورا عِشق الملايين ليه
ثم بسط ذراعهُ وغرز شوكتهُ وأمـ.ـسك بها قطعة من السَمك المُملح وتحدث وهو يشيحُ بها في وجه نهي بنِكَاية:
-طب جربي كدة تدوقيها وتنسي ماضيها القَذر،صدقيني هاتُقعي في عشقيها زي ما كُلنا قبلك وقعنا
بأصابع يـ.ـدها أغلقت أنفها وتحدثت بنبرة جادة:
-ما تهزرش وأبعده عني يا شريف
ضحك سيف علي مشاكسة شقيقهُ وتحدثت سُهير إلي مليكة بإستعلام:
-ياسين هاييجي بالليل يا مليكة علشان أعمل حسابه معانا علي العشا؟
بملامح وجه مُبهمة هزت مَنْكِبيَّها وتحدثت بفتور:
-ما سألتوش
وباتت تتناول طعامها بدون شَهِيَّة،تحدثت سُهير إلي سالم:
-ما تتصل بيه تعزمه علي العشا يا سالم
بدون تفكير هتفت سريعاً برفضٍ تام:
-بلاش يا بابا
نظر سالم عليها بإستغراب فتحدثت بهدوء مُصطنع في محاولة منها لتحسين الوضع:
-أصل البيت مِتكهرب شوية والكل أعصابه مشدودة بسبب مَرض ماما ثُريا
أردفت سُهير بنبرة مستاءة:
-ربنا يشفيها ويعفو عنها،والله زعلت عليها قوي
واستطردت بإبانة:
-بعد الغدا هاروح أنا وبابا نزورها ونتطمن عليها
أومأت لها باستحسان،فاسترسلت بإعلام:
-إخواتك ونهي وعالية عازمين رؤوف وسارة وطالعين يتعشوا برة،سيبي لي العيال وأخرجي غيري جو معاهم،ولما الحَرس يوصلوا يبقي سيف يجيبك
أردف سيف بإستحسان:
-فكرة هايلة يا ماما
هزت مليكة رأسها بفتور وتحدثت برفض:
-مش هاينفع يا حبيبتي علشان الأولاد
عقبت علي حديثها:
-مالكيش دعوة بالأولاد،أنا هاخلي بالي منهم
نطقت برفض:
-مش حابة يا ماما،ماليش مزاج للخروج
هتفت نُهي بترجِي:
-وحياتي توافقي يا مليكة،إحنا قربنا نسافر ومالحقناش نعمل ذكريات حلوة نفتكرها بعدين
نظر لها شريف وتحدث بمشاكسة:
-وافقي بقي وبطلي رخامة
أجابتهُ بتفسير:
-مش هاينفع يا شريف،ما قُلتش لياسين
نطق سالم بنبرة عاقلة:
-إتصلي بيه وأستأذني منه،وأكيد لما يعرف إنك هاتُخرجي مع أخواتك مش هيمانع
نظرت إلي أبيها بتشتُت وبعد مطالبات مُلحة بالموافقة من علياء ونهي وشقيقاها وافقت مُرغمة علي إقتراح والدها
سأل سالم علياء:
-الباشمهندس حسن هايوصل إسكندرية أمتي يا عالية؟
أجابته بنبرة حماسية ظهرت بعيناها:
-هاييجي بعد بكرة هو والعيلة علشان حفلة الخطوبة يا عمو
أومأ لها وتحدثت سُهير بنبرة حنون:
-ربنا يتمم لكم بخير يا حبيبتي وعقبال إسلام
أجابتها بشُكر:
-تسلمي يا طنط
❈-❈-❈
داخل منزل عز المغربي
وصل المُهندس أحمد العشري وزو جتهُ وداليدا وزو جها إلي المنزل بعدما هاتف إبنته واخبرها بحضورهم،دلفت ليالي إلي ياسين أخبرته فتحرك معها مُجبراً لإستقبالهم وتحدث بإبتسامة مُصطنعة:
-أهلاً يا خالي،كل سنة وحضرتك طيب
أجابهُ أحمد بملامح وجه حبورة:
-وإنتَ طيب يا سيادة العميد
أدار وجههُ إلي قِسمة وتحدث مُرحباً بها بزيف ويرجع هذا لعدم تقبلهُ لشخصِها والحقُ يُقال فالشعور متبادل لديها هي الآخري:
-كل سنة وحضرِتِك طيبة
رفعت حاجبيها مُستنكرة وأردفت مُستفسرة:
-حضرِتِك! إنتِ ليه طول الوقت بتعاملني علي إني غريبة عنك يا ياسين؟
واسترسلت بتنظير لم ينِل إستحسانهْ:
-أنا حماتك يعني المفروض تقول لي يا ماما
أجابها هارباً بدبلوماسية ودهاء:
-اللي تؤمري بيه طبعاً،بس مش ملاحظة إنك صُغيرة أوي علي إن واحد في سِني يقول لك يا ماما؟
إنفرجت أساريرها وضحكت بشدة بينت صَفّي أسنانها ثم تحدثت بتصديق علي حديثهُ الذي نال إستحسانها وزاد من غرورها:
-في دي بقي معاك حق،ده أنا اللي بيشوفني مع بناتي بيفتكرني أختهم
إبتسم بجانب فمه ساخراً ثم تحرك إلي دليدا وقام بالترحيب الزائف قائلاً:
-إزيك يا داليدا
بقامة مُرتفعة أجابته بتفاخُر:
-إزيك إنتَ يا ياسين
ورحب أيضاً بـ عصام زو ج داليدا
تحدثت ليالي وهي تتأهب للإنسحاب لأعلي:
-هاطلع أبلغ عمتو علشان تنزل تستقبلكم
بإشارة من كف يـ.ـده اوقفها ياسين قائلاً بنبرة مُهذبة:
-خليكِ مرتاحة وأنا هخلي عفاف تطلع تنده لها
وبالفعل إستدعي العاملة التي أتت وتحدثت بمَهَابة:
-أفندم يا ياسين بيه؟
برُقي وهدوء أردف:
-إطلعي بلغي الهانم الكبيرة إن الباشمهندس أحمد العشري وعيلته موجودين يا عفاف
تحت أمرك يا باشا…قالت كلماتها وأنسحبت نحو الدرج لتصعدهُ في حين إنسحب ياسين متوجهاً إلي والدهُ القاطن داخل المكتب ليُعلمهُ بوصولهم،هتف عِز بحِنق وملامح وجه مُكفهرة:
-إيه قلة الذوق بتاعتهم دي،فيه حد يطُب علي حد يوم العيد بدري كدة،وكمان من غير ما يبلغ أهل البيت يشوفهم مستعدين لإستقبالهم ولا لاء؟
تنهد ياسين وتحدث بلين كي يستدعي هدوء والدهْ:
-معلش يا باشا،هما قللات الذوق فعلاً، بس حضرتك بيت الكَرم وماينفعش تُرد ضِيف جاي لك لحد بِيتك
زفر وتحدث شارحاً بنبرة بائسة:
-يا ابني أنا مش معترض علي وجودهم،بس أنا في حالة ما تسمحليش أستقبل حد وأقعد أتكلم وأجامل
إقترب علي والده ونظر داخل عيناه بمؤازرة وتحدث:
-إوعي تكون فاكر إني مش حاسِس بوجعك ولا بكسرة قلبك،والله يا بابا حاسِس وكاسِرني وجعك ويعز عليا إني أشوفك بالشكل ده
واسترسل بثقة ليبث بداخلهُ روح العزيمة:
-بس أنا متأكد إنك قوي وهتتخطي الصدمة وترجع أقوي من الأول،ده أنتَ اللواء عز المغربي اللي الكُل بيحلف بذكائة وحِكمته في إدارة الآمور
شعر بالإنهيار جَراء كلمات نجلهِ التي جعلت الحَسْرة تتسلل إلي قلبهْ بعدما كان يتظاهر بالتمَاسُك،نظر إليه بعيناي مُكتظة بصرخاتٍ مكتومة ودموع حَبيسة تسْتجيرُ وتُريد من يأذنُ لها بالإنطلاق،ونطق بنبرة صوت لرجُلاً هزمتهُ همومَ زمانهِ الجَائر:
-أمك دمرت اللي باقي لي من حياتي يا ياسين
شعُوراً مُبرحاً لم يُضاهيهِ شيئاً بالكون إجتاح كيانهُ عندما رأي إنهيار أبيه بذاك المظهر المُوجع لقلبهْ،إقترب عليهْ وأمـ.ـسك كف يـ.ـدهُ ثم مال بطولهُ الفارع واضعاً بإجلال قُـ.ـبلةً بث لهُ من خلالها عن إعتذاره وتضامنهُ الكامل،ثم رفع قامته من جديد وقام بتقبيل مقدمة رأسهِ وتحدثَ بأسي:
-سحابة صيف وهتعدي يا باشا
أومأ لهُ عز ثم أخرج تنهيدة حارة عبر بها عن نـ.ـارهِ المُـ.ـشتعلة بداخل قلبهِ المُتيم،فتحدث ياسين مُحفزاً إياه:
-تعالي نطلع لخالي ونقعد معاه شوية،وبعدها خد عمي عبدالرحمن واخرجوا إسهروا مع بعض في أي مكان سيادتك تحبه
أومأ بموافقة وتحركا معاً إلي الخارج،ألقي عليهم التحية ورحب بهم وجلس مجاوراً لنجلهِ،بعد قليل نزلت منال من فوق الدرج بكامل أناقتها وقامتها المُرتفعة كما المُعتاد،وبرغم إنكسارها جراء ما حدث وضيقها من تلك الزيارة المفاجئة،إلا أن من يراها لم يخطر ببالهِ أن تلك المرأة قد طُلقت منذُ ما يقرُب من الساعتان
تحركت بكل كبرياء ورحبت بشقيقها وعائلتهُ ثم جلست ووضعت ساقاً فوق الآخري بكبرياء وتحدثت:
-نورتونا
أتت العاملة وهي تدفع أمامها تلك العربة الموضوع عليها بعض المشروبات والحلوي أصول الضيافة،تحدث إليها عز المغربي بنبرة جادة:
-بلغي المطبخ يحضروا الغدا علي السُفرة علشان الباشمهندس وعيلته هايتغدوا معانا
إعتدلت العاملة بوقفتها وقامت بوضع كفاها فوق بعضيهما وانزلت بصرها للأسفل بوقار ثم تحدثت بإحترام:
-ما حدش بلغنا نجهز غدا يا سعادة الباشا،وإحنا إفتكرنا إن الغدا هيكون في ڤيلا ثُريا هانم زي كُل المُناسبات
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمه،وتحدث متهكماً وهو يرمق منال بنظرات ساخطة لاحظها الجميع:
-معلش يا بنتي،الهوانم اصلهم مش فاضين يشوفوا طلبات البيت ويتابعوا أكل أجوازهم وأولادهم،كُل واحدة عندها إهتمامتها الخاصة اللي شغلاها عن الدنيا كُلها،كان الله في العون
نكَست رأسها بخزي من إهانات ذاك الحَانق لها أمام قسمة التي نظرت إليها بشماتة،في حين إستغرب أحمد وداليدا حديث عز الذي كان يتبادل النظر بين منال وليالي،فشعرت الاخيرة بالإستياء والضيق من تلك النظرات الغاضبة
تحدث ياسين إلي العاملة كي يُهدأ ثورة والدهُ ويفض ذاك الإشتباك البَصري:
-روحي إنتِ جهزي السُفرة وأنا هكلم المطعم يبعت لنا أكل جاهز
ثم وجه حديثهُ إلي أبيه:
-معلش يا باشا،الكُل إتلخم في مرض عمتي ومجاش في بالهم يبلغوا الطباخين
وبرغم علمها بما حدث أمس من إبنتها إلا أنها تساءلت بنبرة خبيثة:
-هي ثُريا هانم تعبانة ولا إيه يا ياسين؟
أجابها بإقتضاب:
-تعبت شوية إمبارح لكن النهاردة أفضل الحمدلله
بنبرة ماكرة تحدثت من جديد:
-سلامتها،أنا كُنت مستغربة أول ما شُفت منال وحسيتها مش طبيعية وشكلها زي ما تكون معيطة
واستطردت وهي تنظر إليها بملامح وجه مُتأثرة بتصنُع:
-بس كدة خلاص عرفت سبب زعلك،أكيد زعلتي جداً عليها
وبنيرة مَاكرة أكملت بتملُق في محاولة منها لإرضائها:
-أنا عارفة إنتِ قد إيه بتحبيها وقد إيه هي غالية عندك
إبتسامة ساخرة خرجت من فَمْ عز في حين تحدث أحمد بتَغَطْرُس مَادحاً شقيقتهْ:
-منال بنت أصول وطول عُمرها بتتعامل مع الجميع بما يليق بمكانتها ومكانة عيلة العَشري العريقة
بملامح وجة حاسمة ونبرة صوت حادّة نطق عز قائلاً بدفاع:
-لا وإنتَ الصَادق يا باشمهندس،أدب ونُبل أخلاق ستات المغربي هما اللي بيجبروا أي حد علي إنه يعاملهم بإحترام وتقدير
طبعاً طبعاً يا سيادة اللواء…جُملة نطقها أحمد بخِزْي جراء إسلوب عز الحادّ معه
إبتلعت لُعابها عندما رأت حدة ملامحهُ،فصاحت تُنادي إلي العاملة لتغيير الحديث:
-چينا،چينا
أتت العاملة وتحدثت بلكنة مُتعثرة ويرجع ذلك لعدم إتقانها لنُطق العربية:
-أفَندِم مَدام
شوفي البهوات والهوانم يشربوا إيه…قالتها بتعالي وهي تنظر إلي العاملة التي إنصرفت إلي الداخل بعدما أومأت لها بطاعة ونفذت ما أُمْلي عليها
دلفت چيچى من البوابة تُجاور شيرين التي تحدثت بتهلُل وهي تقترب من جلوس خالها:
-وأنا أقول البيت منور ليه،أتاري خالو عندنا
إنتـ.ـصب أحمد واقفاً واحتضن إبنة شقيقته مُرحباً بها بحفاوة،في حين هَـ.ـمست قسمة إلي داليدا مُتهكمة بتعالي:
-عاشت نُص عُمرها في لندن ولسة بيئة زي ما هي،طالعة لعيلة بباها،ما أخدتش أي حاجة من رُقي وذوق عيلة العَشري
إبتسمت داليدا وهي ترمُق شيرين ساخرة،بعدما أنهت مصافحتها لخالها إقتربت من جلوسيهما فابتسمت لها قسمة وتحدثت بنفاق بعدما وقفت لتقوم بتقـ.ـبيلها:
-أهلاً أهلاً يا شيري،نورتي إسكندرية
ده نورك يا طنط…جُملة قالتها شيرين بطريقة مُهذبة وانتقلت بعدها للترحيب بداليدا وزوجها ثم توجهت إلي والدها وجاورتهُ الجلوس،نظرت عليه وهـ.ـمست إليه مُتسائلة بإستفسار:
-مالك يا حبيبي؟
إبتسم إليها ثم أخذ كفها بين راحتيه وربت عليه بحنان وتحدث:
-سلامتك يا حبيبتي،أنا كويس طول ما أنتِ وإخواتك بخير وكويسين
إبتسمت ووضعت رأسها علي كتفه بدلال أسعدهُ وجعلهُ يحاوط كتفها بذراعهِ
❈-❈-❈
داخل الحديقة الخاصة بمنزل عبدالرحمن المغربي
يجلس وليد يتسامر هو وهالة بعدما تحسنت علاقتـ.ـيهما بفضل محاولات هالة بالتقرب من زو جها ومشاركته الحديث عن عمله،خرجت راقية من الداخل وهتفت وهي تُشيح بيـ.ـدها بوجهٍ غَاضِب:
-إنتِ قاعدة ترغي مع جـ.ـوزك وسيباني محتاسة في المطبخ لوحدي؟
قومي يا غندورة كملي الغدا اللي هياكله جـ.ـوزك وعيالك
واسترسلت متهكمة كعادتها:
-ولا تكونيش فاكرة إني الخدامة اللي الست الوالدة جيباها لك مع الجهاز؟
قلبت عيناها بتملُل وتحدثت من بين أسنانها وهي تستعد للوقوف:
-حاضر يا طنط،أديني قايمة
واسترسلت بتذكير:
-اللي يسمعك وانتِ بتقولي كدة يقول إنك طبختي الغدا لوحدك،ده أنا تبلت لك صنية البطاطس بالفراخ وجهزتها وحطيتها في الفُرن وحمرت الرز،يعني مش فاضل غير السلطة واللي أنا واثقة إنك ما مدتيش إيـ.ـدك فيها وأنا بردوا اللي هادخل أعملها
جحظت عيناي راقية وهتفت تشتكيها لنجلها:
-شايف مراتك بتكلمني إزاي يا سبع البرُمبة؟
بفتور أشار لها بالجلوس وتحدث كي يحثها علي تغيير الموضوع:
-إقعدي يا ماما وفُكِك منها
جلست ثم وضعت صباعي السبابة والإبهام حول فكَها وتحدثت بإستياء وتبرُم:
-أقعد إنتَ كدة حامي لها لحد ما تنفِش ريشها علينا وماحدش يقدرها بعد كدة
لم يعر لحديثها إهتمام وضل ناظراً أمامهُ،ضيقت عيناها بإستغراب ثم سألته مُستفسرة:
-أمال إنتَ مين اللي قال لك إن مافيش غدا في بيت ثُريا النهاردة؟
أجابها موضحاً:
-ياسين إتصل بيا وقال لي أبلغكم،وعلي فكرة،هو قال لي إن مافيش أي تجمُعات هتتعمل للعيلة عند عمتي ثُريا تاني،ولا حتي فطار يوم الجُمعة لأن عمتي بدأت تتعب وضغط التجمُعات دي غلط علي صِحتها
ضيقت عيناها وهتفت بضجر:
-منها لله منال مرات عمك،فضلت تِحرب زي البُومة لحد ما خَربِتها علي دماغ الكُل
ثم أردفت مُتبرمة وهي تلوي فاهها بطريقة ساخرة:
-فاكرالي نفسها صُغيرة ولسة ليها نِفس تغِير علي السَبع بتاعها،ولا شيخ الشباب عَمك اللي عاملي فيها حَبِيب
واستطردت بإستهزاء:
-عِيلة أبوك دي عِيلة هَمْ وفيها كُل العِبر
ضحك وليد وهتف ساخراً:
-والله يا ماما شكلها عينك إنتِ اللي جابتهم الأرض
صاحت به بنبرة حَادّة:
-وأنا عيني مالها باللي عمله عمك يا ضنايا؟
حد كان قاله يقوم ورا ثُريا ويُقعد يضحك ويتمسخر معاها لحد ما منال قفشته وجابته من قفاه؟
قهقه وليد بشدة فتحدثت هي بتذكُر:
-إلا قولي يا سي وليد،إنتَ ليه ماجبتليش سيرة إن الحرباية اللي إسمها لمار شاركت طارق؟
قطب جبينهُ ثم سألها مُستفسراً:
-وإنتِ مين اللي قال لك علي الموضوع ده؟
أجابته بإيضاح:
-الحرباية بنفسها هي اللي قالت لي يا عين أمك
إعتدل سريعاً بجلسته وهتف مُنبهاً بنُصح وتحذير:
-بقول لك إيه يا أم وليد،أنا عاوزك تبعدي عن اللي إسمها لمار دي علي قد ما تقدري،وإوعي تديها سِرك أو تتكلمي معاها عن أي حد في العيلة،خلينا ماشين جنب الحيط زي ما أحنا
هتفت مُستعلمة بشَرَه ظهر بَيِن داخل عيناها:
-سيبك من الموضوع اللي مش هيأكِلنا عيش ده وخلينا في المُهم،إتفقت معاهم علي النسبة اللي هتطلع لك من ورا المصلحة دي ولا لسة؟
عقب علي حديثها قائلاً بتعجُب:
-شوف أنا بقول إيه وإنتِ بتسألي علي إيه؟
ضيقت عيناها مُتعجبة وكادت أن تتحدث لولا دخول عبدالرحمن الذي طل عليهما من البوابة الحديدية وسار حتي وصل لجلوسهم وتحدث مُتهكماً:
-سكتي ليه يا راقية،ما تكملي كلامك ولا هي إذا حضرتك الملائكة خِرسِت الشياطين
شايف أبوك وكلامه اللي يحـ.ـرق الد م يا وليد؟..قالتها بغيظ مُستشهدة بنجلِها الذي أجابها مُتنصلاً:
-خرجيني من بيناتكم وخليني علي الحِياد يا أم وليد
في حين سألها عبدالرحمن مُتهكماً:
-يا تري قاعدة تملي في دماغ إبنك من ناحية مين المرة دي؟
حاكم أنا عارفك،ما يهدلكيش بال إلا إذا ولعتي الدُنيا وشبطي الكُل في بعضه
إبتسمت بجانب فمها وأردفت مُتهكمة:
-أهي الدُنيا وِلعت لوحدها من ورا أخوك ومراته الحرباية،الله أعلم قالت إيه للمسكينة ثُريا خلتها وقعت من طولها وكانت هتروح فيها لولا سَتر ربنا،وأول ما فاقت حِلفت يمين مُعظم ما حد داخل بيتها تاني
إبتسم ساخراً وتحدث بتعجُب:
-الوقت ثُريا بقت مسكينة؟ مش دي اللي كانت كُل ما تيجي سيرتها تقولي عليها خبيثة وبتمَثِل الطيبة قدامنا؟
هتفت قائلة:
-أهي علي الأقل كانت لامة العيلة ومجمعانا حواليها
لا وانتِ الشهادة لله بتعشقي ترابط العيلة واللمة…نطقها ساخراً ثم استرسل مفسراً:
-أنا فاهم كويس إيه اللي مخليكي مقهورة قوي كدة يا راقية،إنتِ لا هامك عيلة ولا دياولو، إنتِ كُل اللي فارق معاكي راحتك من دخول المطبخ والأكل علي الجاهز والفلوس اللي بتحوشيها من مصروف البيت اللي بتوفرهولك ثُريا من ورا الأكل هناك بلوشي
لوت فاهها وقلبت عيناها بضجر مما جعل عبدالرحمن يُحرك رأسهُ يميناً ويساراً بيأس،ثم هب واقفاً ودلف لداخل المنزل تحت تبرمها
❈-❈-❈
داخل منزل سالم عُثمان
إنسحبت مليكة إلي غُرفتها وأغلقت بابها عليها ثم تناولت هاتفها وطلبت رقم سارق النوم من عيناها وانتظرت حتي تأتيها الإجابة،كان يجلس بوسط الحديقة بصُحبة والدتهُ وليالي وعائلة خَاله بعدما أنسحب عز وصعد إلي غُرفته ليُريح عقلهُ المُنهك قبل جَـ.ـسدهِ،إستمع إلي رنين هاتفهُ فأخرجهُ من جيب بِنطاله ونظر به،شعر بالأمل يتسلل من جديد إلي روحهِ اليائسة،إبتسامة هادئة خرجت منهُ دون إدراك لاحظتها داليدا التي حولت بصرها إليه بترقُب فور إستماعها لرنين هاتفهُ،وقف وتحدث بلباقة:
-بعد إذنك يا خالي،جالي تليفون مُهم ولازم أرد عليه
خُد راحتك يا ياسين…هكذا رد عليه أحمد العشري بنبرة هادئة ثم تابع حديثهُ مع طارق وعُمر
نظرت داليدا إلي ليالي التي تُجاورها الجلوس ولا تُبالي،مالت عليها وهمـ.ـست قائلة:
-شوفتي،قام يجري علشان يُرد عليها قبل الفون ما يفصل ويتاخد مُخالفة،الهانم شكلها مْسيطرة وممشياه صح،مش هبلة زيك
ضيقت عيناها بتعجُب وسألتها بإستفسار:
-بتتكلمي عن مين؟
أجابتها وهي تتطلع علي الذي تحرك بعيداً كي يتحدث بأريحية مع متيمة قلبهْ:
-عن مليكة اللي عايشة في دور البريئة وهي مش أكتر من عقربة،قدرت تعمل من ياسين المغربي لعبة في إديـ.ـها تحركها في الإتجاه اللي هي عوزاه وقت ما تحب
حولت ليالي بصرها إلي زو جها التي تحولت ملامحهُ من مُبهمة إلي متأملة،تنفست بأسي في حين تحدث ياسين إلي مليكة بنبرة مُترقبة مُغلفة بالحنان:
-أهلاً يا مليكة
إبتلعت لُعابها جراء إستماعها لحروف إسمها بنبرة صوتهِ الهادئة،لكنها تجنبت ذاك الشعور وتحدثت بدون مُقدمات بنبرة حَذرة:
-ياسين،كُنت حابة أبلغك إن سيف وشريف عازميني علي سهرة برة البيت،أنا ما كُنتش حابة أخرج،بس لما ألحوا عليا قولت أكلمك وأخد رأيك
واستطردت بترقُب:
-بس لو هاتيجي تتعشي مع بابا وماما هاستناك ومش هاخرج
كانت تتحدث بتلبُك مُترقبة أية بادرة منهْ لتُلغي سهرتها وتنتظر مجيأهُ إليها ليأخذها ويعود بها إلي جناحهما معاً ليتناقشا وتُخرج لهُ جُل ما يضيقُ بهِ صَـ.ـدرها ويؤرق روحها،تحطـ.ـمت أمالها عِندما إستمعت إلي نبراتهُ الجادة:
-إخرجي مع أخواتك وانبسطي
واسترسل شارحاً:
-أنا أصلي مش هاينفع أجي علشان مُرهق وما نمتش من إمبارح
وكأن بكلماتهِ قد قطع أخر أمل لديها بخصوص هذا الأمر،تنهدت وتحدثت بنبرة مُحبطة:
-فهِمت،أنا هاقفل علشان معطلكش أكتر من كدة
أغمض عيناه بأسي عندما أغلقت الهاتف دون إنتظارهِ للرد
داخل غُرفتها شديدة الظلام جراء إسدال الستائر السوداء وغلق بابها من قِبل يُسرا بعدما أخبرتها تلك الثُريا بأن جَـ.ـسدها مُرهق وتُريد أن تُريحهُ بدخولها بغَفْوَة طويلة،لم تكُن تُريد السُبات كما إدعت،جُل ما كانت تحتاجهُ هو الهروب والإنعزال كي تنأي بحالها من نظرات يُسرا التي تُحاصرها وتُريدُ الإستعلام عن ما حدث بينها وبين تلك المنال وأدي إلي سقوطها بالأمس مغشياً عليها
كانت تسْتلقي علي جنبها الأيمن،واضعة كفها تحت رأسها ودموعها تنسابُ فوق وجنتيها بغزارة وبقلبٍ نازف تؤنب حالها وتُحملُها مسؤلية تشتُت وتفرُق عائلتها
بحديثٍ للنفسِ بدأت بعتابِ حالِها:
-كُل الذنبِ يقعُ علي عاتقِك أيتها الرعْنَاءُ،لما إنجرفتي وراء رغبةِ ذاك العاشق وسمحتي لهُ بالتمادي في التعبير عن مكنونِ مشاعِرهِ الفياضةِ تجاهكِ،بفضل غباؤُكِ صَار لديهِ أمل وبات مُتنمياً بل ويسعي للظَّفرِ بما هو أكثرُ .
نزلت دموعها بحُرقةٍ وشهقةٍ عاليةٍ خرجت منها شقَّت بها صـ.ـدرها وهي تُكمل حديثَ النفسِ:
-آهٍ ثُريا،أتحزنينَ علي حالَكِ وما أصابَكِ من إفتراءِ تلك الحقيرةِ وتدليسِها في الحديثِ عنْكِ وتلويثِ شرفكِ،أم تشعُرين بالإغتمامِ تجاهَ نجلَ عمَّكِ المُقرب لروحكِ وتستائين لأجل ما أصابهُ،نعم لم ولن يدخُل قلبي سوي عِشقُ حبيبِ الرُّوحِ الذي إستعجَل الرحيلَ وفارقني وتركني جُثماناً بلا حياةٍ .
“لكني” أُكِنُّ كُل التقديرِ والإمتنانِ لذاك الخلوقِ،وكيف لا أمْتَنُّ لهُ وهو الذي سندني وأمـ.ـسك كُفُوفَ صِغاري وأشعَرهُم بالأمانِ في ظِل فقدانهم لسندهِم ولطمتِهِم القوية من الحياة،ولم يترُك كفوفهم إلي الأن برغمِ بلوغِهِم بر الأمان،وحتي بعد رحيلِ فلذةِ كَبدي مازال مُمـ.ـسكاً بكفوفِ صغارِهِ،أشعُر بألامِ روحهِ المُبرحةِ ولكن قُضي الأمر،فقد إتخذتُ القرارَ الحقِّ الذي كان عليَّ إتخاذهُ مُنذُ البعيد كي لا أصِلُ لما وصلتُ إليهِ
جففت دموعها بكفٍ يرتجف بفضلِ حالتها الصحية وحدثت حالها:
-إنتهي الأمرَ وفات أوانُ الندمٓ والحَسرةِ ولا يسَعُنِي الآن سوي قول”قدَّرَ اللهُ وماشاءَ فعلْ”
إنهضي يا امرأةْ ولا تدعي قطارَ حياتَكِ يتوقفُ أمام محطةِ اليأسِ تأثُراً بالخَيْباتِ والخذلانِ،تابعي مواصلةَ قطارُكِ بتذكرةِ التَمَنِي،جَددي الأمل بداخل روحكِ القوية وعَزمُكِ،فلم تُخلق إبنةُ المَغربي للهوانِ والإنكِسارِ .
❈-❈-❈
غابت الشمس وحل الظلام علي المكان وتلألأت النجوم لتُضئ السماء وتُزينُها،مازالت عائلة أحمد العشري متواجدة داخل حديقة منزل عز المغربي،الجميع جالس عَدا عز الذي إستأذن بعد تناولهُ وجبة الغداء وصعد إلي جناحهُ ليغفو بعدما خار جَـ.ـسدهُ وأعلن عن إحتياجه للراحة بعد يومان عصِيبان،بجانب عقلهُ الذي كاد أن يذهب ويتركهُ،وايضاً عُمر ولمار اللذان صعدا لجناحيهما ليتجهزا لسهرتهما في أحد النوادي الليلية
إنتـ.ـصب ياسين بوقفته وتحدث قائلاً بإنسحاب:
-بعد إذنكم يا جماعة،أنا مُضطر أسيبكم وأطلع أبدل هدومي لأن عندي ميعاد مُهم جداً
شعر أحمد أنهُ أزادها هو وأسرته فتحدث وهو يقف ليستعد إلي الرحيل:
-خُد راحتك يا ياسين،إحنا ماشيين خلاص
نظر إليه وتحدث بإحترام:
-البيت بيتك يا خالي،وصدقني لولا إن الميعاد مُهم جداً وما ينفعش يتأجل أنا كُنت أجلته وكملت السهرة مع حضرتك
أشار أحمد إلي أفراد أسرته ليتأهبوا للرحيل وتحدث بنبرة هادئة وهو يعدل من رابطة عُنقة:
-يا حبيبي شوف شُغلك،إحنا أصلاً إتأخرنا ولازم نتحرك
وقف طارق وتحدث بنبرة حرجة:
-لسة بدري يا خالي،خليك نسهر مع بعض
أجابهُ بهدوء:
-مرة تانية يا طارق،وبالمرة يكون سيادة اللواء صحته ومزاجه أحسن علشان يقدر يُقعد معانا ونتأنس بيه
تحرك أحمد بعائلتهُ بعدما عبرت قسمة لإبنتها عن إستياءها الشديد جراء ما قام به ياسين من إساءة أدب علي حسب تفسيرها لما بَدر منه،دخل ياسين إلي المنزل وكاد أن يصعد الدرج كي يُبدل ثيابهُ ويستعد إلي الخروج،أوقفهُ صوت ليالي العالي حيثُ تحدثت بصياحٍ غاضب مُعترض بعد حديث والدتها الذي أثار إمتعاضها وجعلها تخرج عن صمتها دون ان تُراعي تواجدهما بين أفراد العائلة:
-تقدر تفسر لي إيه اللي عملته مع أهلي ده يا سيادة العميد؟!
إلتفت إليها ورفع حاجبيه بتعجُب وسألها بعدم إستيعاب:
-إنتِ بتكلميني أنا؟!
أجابتهُ بملامح وجه حادة متغاضية عن وجود طارق وچيچي ومنال الذين يتبعاها الدخول:
-أيوة بكلمك يا أبن الأصول
ضيق عيناه فأكملت هي موضحة بنبرة حادّة:
-إزاي قدرت تحرج بابا بالطريقة المُهينة دي؟
واسترسلت بنبرة مُستاءة:
-ده أنتَ زي ما تكون كُنت عاوز تقوله إنتَ إيه اللي مقعدك لحد الوقت
نظر لها بملامح وجه مُحتدة وأردف متهكماً:
-أنا مش مسؤول عن تفكيرك العقيم ولا مطلوب مني أوقف حياتي علشان ما أتفهمش غلط سواءاً كان منك أو من غيرك
واسترسل رامقاً إياها بنظرات حادة كالصقر:
-والمفروض يا محترمة إن الكلام ده يتقال في أوضتنا فوق مش في العَلن وقدام كل البيت بالشكل ده،مش هي دي تصرفات بنات الأصول اللي بيتربوا عليها بردوا؟
واسترسل متهكماً علي والدتها:
-ولا هي قسمة هانم مش شاطرة غير في التسخين وبس
كادت أن تتحدث قاطعتها بحدة منال حيثُ فاض بها الكيل وأكتفت من نظرات قسمة الشامتة التي أغرقتها بها طيلة الجلسة الغير مرغوب بها من ناحيتها:
-وإيه بقي المطلوب من ياسين يا مدام،يسيب شُغله ويهمله علشان خاطر الهانم مامتك ما تفهمش غلط؟
مش هي دي اللي إنتِ عاملة حسابها وخايفة ومرعوبة من توبيخها ليكِ؟
واسترسلت بإستنكار وهي تتخطي وقوفها وتسير في اتجاهها إلي الدرج:
-كان هايعمل إيه ياسين معاهم أكتر من اللي عمله،مش كفاية إنهم جايين من غير ميعاد؟
جحظت عيناي ليالي ونظرت إلي عمتها باندهاش ثم تفوهت بخيبة أمل:
-إنتِ بتقولي إيه يا عمتو،حضرتك بتلومي علي زيارة بابا ليكِ؟
هو ده جزائه إنه إعتبر بيت أخته زي بيته وحَب ييجي يقضي العيد معانا علشان يفَرح شيري وولادها؟!
جاورت ياسين ثم إلتفتت إليها وتحدثت باستياء:
-أنا لا لومت ولا أتكلمت من أصله،إنتِ اللي عملتي مُشكلة وأفتعلتيها من لاشئ وأنا رديت عليكي مش أكتر
ثم نظرت إلي ياسين وربتت علي كتفِهِ لتحثهُ علي التحرُكْ في طريقهُ للأعلي:
-إطلع يا أبني بدل هدومك وشوف مصالحك وسيبك من الكلام الفاضي ده
رمق ليالي ببُغضٍ ثم زفر بضيق ولف جَـ.ـسده ليصعد وجد عُمر يتأبط ذراع لمار وهما بكامل أناقتهما ويبدوا عليهما إستعدادهما للخروج،قطب جبينهُ وهو يتفحصهُما جيداً فتساءلت منال بنبرة حادة:
-وإنتوا متشيكين كدة ورايحين علي فين إن شاء الله؟!
أجابتها لمار بانتشاء وهي تُشدد من تأبطها لزو جها بطريقة إستفزت تلك السَاخطة:
-عُمر عازمني علشان نِسهر برة يا Auntie
إستشاط داخلها من ذاك الثُنائي اللذان يعيشا بعالم موازي ولا يهتما سوي بحاليهما وفقط،فتحدثت بضيق وهي تُشير إليها بيـ.ـدها:
-طب وسعي كدة خليني أطلع أرتاح
إستغرب عُمر حِدة والدتهُ وتغيُرها الكبير معهُ فسألها بنبرة قَلقة:
-مالك يا مَامَا،أنا أول مرة أشوفك عصبية كدة!
أجابته بإقتضاب:
-مافيش يا عُمر،إبعد علشان أعدي
بالفعل أفسح لها وتحركت إلي الأعلي تحت تعجُب عُمر الذي سأل ياسين بنبرة مستفسرة:
-مَامَا مالها يا سيادة العميد؟!
بنبرة هادئة تحدث إلي شقيقهُ:
-مافيش يا عُمر،هي بس أعصابها متوترة شوية تقريباً كدة علشان مش نايمة كويس،
واستطرد بنُصح:
-ما تشغلش بالك وحاول تنبسط بسهرتك إنتَ ومراتك
واسترسل وهو ينظر لتلك الطالحة بنظرات تحمل الكثير من المعاني التي صَعُب عليها تفسيرها:
-سهرة سعيدة يا مدام،حاولي تنبسطي لأن الأوقات الحلوة بتعدي بسرعة وجايز ما تتكررش
واسترسل بإبتسامة جانبية ذات مغزي:
-حاولي تعيشيها وتحفريها جوة ذاكرتك علشان تبقي تفتكريها بعدين
إرتبكت بوقفتها وارتعب داخلها من نظراتها العميقة وكلماته التي فسرتها علي أنها رسائل تحذيرية موجهة،بسُرعة البرق عادت إلي ضبط النفس وأردفت بثبات إنفعالي كانت قد تدربت عليه كثيراً:
-حاضر يا سيادة العميد،أوعدك إني هعيش اللحظة وهحفرها في ذاكرتي بس مش علشان أفتكرها بعدين أو زي ما حضرتك قُلت إن الاوقات الحلوة ما بتتكررش
واسترسلت وهي تنظر لذاك الهائم بها الذي يجاورها الوقوف:
-لأن ببساطة كُل يوم بنعيشه مع بعض أنا ومارو حتي لو كان بسيط،ده بالنسبة لي منتهي السعادة
ثم سألته بدلال قاصدة توجيه رسالة إلي ياسين:
-مش كدة يا مارو؟
كدة يا عيون مارو…هكذا نطقها بعيناي هائمة مما جعل ياسين يلعن تلك الخبيثة بسريرته علي ما أوصلت إليه شقيقها وجعلتهُ مُتعلقاً بها وعاشقاً لها حد النُخاع
تنهد ياسين وتحدث إلي شقيقهُ وهو يتأهب للصعود:
-خلي بالك من نفسك
واستطرد وهو ينظر إليها بغموض:
-ومن مراتك يا عُمر
أجابهُ وهو يضع كفهُ علي كتفه كنوعٍ من الطمأنينة:
-ما تقلقش يا ياسين،عُمر بتاع زمان اللي كان بيعمل لكم المشاكل إنتهي وأتخلق مكانه عُمر جديد مسؤول
أومأ لهُ ياسين وتابع صعودهُ للأعلي،أما ليالي التي كادت تُصيب بذبحة صَـ.ـدرية وهي تُشاهد دلال عُمر لإمرأته وقبل ذلك رد ياسين وبالأخص منال وحديثها الحاد الذي أصابها بالذهول،فقد عادت إلي الحديقة من جديد بجانب چيچي التي نصحتها بالهدوء والصمت وذلك لإصابة ياسين ومنال بحالة مزاجية سيئة ظاهرة للجميع،بدأت جيجي تُهدأ من ثورتها تلك وأبلغتها أن ياسين يعاني من ضغط شديد بين عمله ومشكلة منال وثُريا وعز التي يعلمُها الجميع ولا أحد يعلم تفاصيل ما دار بينهم
❈-❈-❈
داخل منزل ثُريا ليلاً،وبالتحديد ببهو منزلها يلتف حولها كلٍ من يُسرا وسليم ونرمين وسراج ويركض حولهم أطفالهم دون أطفال رائف المتواجدون بمنزل جدهم سالم
تحدث سليم إلي ثُريا بنبرة حمـ.ـيمية:
-حمدالله علي سلامتك يا ماما
واسترسل بملاطفة بكلماته الجابرة للقلوب:
-شُفتي الرسيبشن نور إزاي لما طلعتي قعدتي فيه
أجابته بإبتسامة زائفة جراء ما يحملهُ قلبها من هموم:
-تسلم وتعيش يا سليم
أتت عَلية وتحدثت بإحترام وملامح وجه حزينة علي ما حدث من تفرقة للعائلة المترابطة مُنذُ سنوات وبيومٍ مُبارك ومُهم كهذا:
-العشا جاهز علي السُفرة يا هانم
أومأت برأسها وتحدثت بنبرة باردة:
-تسلم أديكم يا عَلية
ثم نظرت إلي إبنتيها وزو جيهما واستطردت:
-يلا يا ولاد علشان تتعشوا
وقفت يُسرا وعاونت والداتها علي الوقوف وتحركوا جميعاً إلي السُفرة وألتفوا حولها
تلفت سراج حولهُ وتسائل مُستفسراً:
-هي مليكة فين؟
إبتسامة ساخرة خرجت من فم نرمين وأردفت مُتهكمة:
-راحت تقضي العيد مع أهلها لما لقيت إن الأجواء هِنا دمها تقِيل
واسترسلت بهجوم غير مُبرر:
-الهانم بنت الأصول سابت حماتها تعبانة وراحت تروَق علي نفسها في وسط أهلها
بنبرة تحذيرية نطقت يُسرا وهي تؤنب شقيقتها بنظراتها الثاقبة:
-نرمين،ما يصحش اللي بتقوليه ده
بإعتراض هتفت بنبرة حادة:
-خليكي إنتِ دايماً كدة تدافعي عنها لحد ما هتتمرع علينا وماحدش هايعرف يوقفها عند حدها بعد كدة
لو ما بطلتيش كلامك ده أنا هادخل أوضتي وأقفلها عليا،أنا واحدة تعبانة ومش حِمل مناهدة ووجع قلب…جُملة نطقتها ثُريا بتهديد صريح
سألتها بعدم إستيعاب:
-حتي في دي كمان هتنصريها عليا يا ماما؟
أجابتها مُفصحة بهدوء:
-أنا مع اللي يرضي ربنا يا نرمين،البِنت من حقها تزور أهلها وتعيد عليهم وخصوصاً إن أخوها قرب يسافر وما لحقتش تقعد معاه بسبب شهر رمضان وفطار العيلة اللي برغم حَملها وتعبها، إلا إنها ما قصرتش وكانت إيـ.ـدها بإيـ.ـدنا في المطبخ
نطق سليم مُصدقاً علي حديثها:
-حضرتك بنت أصول يا ماما،وفعلاً ده حق مليكة اللي ماحدش يقدر ينكره عليها
هزت يُسرا رأسها بإحباط في حين تحدث سراج وهو يتبادل النظر بين زو جته والطعام:
-ما تسيبك بقي من الكلام اللي ما منهوش لازمة ده وتخليكي في صَنية الرقاق اللي تفتح النِفس دي
ثم بعث لها بإشارة من عيناه ليحثها علي الصمت إحتراماً لحالة والدتها الصحية،أومأت برأسها وتابعت الطعام،نظر سليم إلي إناء حَـ.ـساء الخُضروات الموضوع أمام ثُريا وتحدث لائماً يُسرا:
-ما كانش ليه لزوم تعملي الأكل ده كُله يا يُسرا طالما ماما مش هتاكل منه معانا
أجابته بملامح وجه حزينة لأجل غاليتها:
-أنا ما كُنتش هعمل حاجه يا سليم،بس ماما هي اللي أصّرت وهي بنفسها اللي قالت علي الأصناف لعَلية
ابتسمت له ثريا وتحدثت بنفسٍ راضية:
-بألف هنا وشفا علي قلوبكم يا أبني،صدقني لما بشوفكم بتاكلوا ومبسوطين كأني أكلت معاكم بالظبط
سلامتك يا ست الكُل،ألف سلامة علي حضرتك…قالها سراج مُتأثراً
الله يسلمك يا أبني،يلا إبدأوا أكل وماتشغلوش نفسكم بيا،أنا أصلاً في العادي بحب شُربة الخُضار ومعدتي بترتاح عليها
بدأوا يتناولون طعامهم وبعد قليل سألت نرمين يُسرا مُستفسرة:
-هي ساره ما قالتلكيش إذا كانت مليكة خارجة تسهر معاهم ولا لا يا يسرا؟
رمقتها ثُريا بنظرة عاتبة فاسترسلت سريعاً لتُبرر إستفسارها:
-أنا بسأل علشان أطمن علي أولاد أخويا يا ماما
واستطردت بتوضيح:
-لو مليكة سهرانة معاهم فكدة الأولاد مش هيلاقوا حد يراعيهم
أردفت يُسرا بنبرة واثقة:
-أكيد مليكة مش هتسيب الأولاد وتروح تسهر معاهم، وخصوصاً إن ياسين مش معاها
سألتها بترقُب:
-وإنتِ مين قالك إن ياسين مش معاها؟
عقبت علي سؤال شقيقتها بتوضيح:
-لسة شايفاه من شوية من البلكونة وهو قاعد في الجنينة مع أهل ليالي
أردفت ثُريا بهدوء كي تُغلق باب المناقشة أمام إبنتها:
-طمني بالك وأرتاحي يا نرمين،وحتى لو مليكة خرجت مع إخواتها وده بالمناسبة لا عِيب ولا حرام
واسترسلت بحديث ذات مغزي:
-أكيد مامتها مش هتسيب الولاد وهتخلي بالها منهم أحسن مني كمان،كملي أكلك يا بنتي وخلي بالك إنتِ من جوزك واولادك
فهمت المغزي من وراء حديث والدتها فنظرت إلي صَحنَها وبدأت تِقلب بطعامها بدون إشتهاء مما جعل ثُريا تحزن عليها وايضاً سراج
❈-❈-❈
أمام مِرأة زينتهُ المتواجدة بداخل غُرفته المُشتركة مع ليالي،كان يتطلع علي حاله بكامل الرضا بعدما إرتدي حلّة سوداء أنيقة،أمـ.ـسك رابطة عُنقه وبدأ بعقدها لتُزيد من وسامته وتجعلهُ أنيقاً للغاية،دلفت من باب الغُرفة ونظرت علي إنعكاس صورته داخل المِرأة بملامح وجه مُستاءة جراء ما بَدر منه بحق والديها،أغلقت الباب ثم تحركت حتي وصلت إلي التخت وجلست علي حَافته دون توجيه أية حديث
أمـ.ـسك زُجاجة عِطرهِ المُميز وبدأ بنثر بعضاً منها علي عُنقه وذقنهْ وخلف أُذناه بإكتراث ثم أعادها إلي مكانها من جديد،تحرك إلي الكومود وفتح درجهُ وأخرج منه عُلبة وتحدث برسمية وهو يُقدمها إلي تلك الجالسة أمامه:
-كُل سنة وانتِ طيبة يا ليالي
بنبرة مُستفسرة تحدثت وهي تتطلع إلي تلك الساعة باهظة الثَمن ببلادةٍ ونظرات خالية حتي من الإعجاب البسيط لكونها فقط من إختيار غيرها،فهي لا تثق ولا تنبهر سوي بإختياراتها وفقط:
-والساعة دي بمناسبة إيه يا ياسين؟
أجابها وهو يتركها لها فوق الكومود بلامُبالاةٌ رداً علي إِسْتِخْفافُها لهديتهُ:
-بمناسبة العِيد يا ليالي
قالها وتحرك إلي المنضدة الجانبية وحمل أشياءه الخاصة وسار بإتجاه عُليقة الثياب ليقوم بوضعها داخل جيب المِعطف الشتوي المُعلق بإِكْتَرَاث،هتفت هي بنبرة ساخرة:
-أي عِيد ده اللي بتتكلم عنه يا سيادة العميد؟
واستطردت مُتهكمة:
-آه،قصدك علي ليلة العيد اللي روحت قضيتها في ڤيلا مليكة هانم بدل ما تقضيها مع مِراتك اللي مسافرة كمان كام يوم؟
بإستهانة هتف بحديث ذات مغزي أراد به إيصال رسالة:
-أكيد بنتك بلغتك إني سِهرت في الليلة دي معاها تحت هي وأخواتها وولاد العيلة،وأكيد كمان قالت لك إن مليكة نامت فوق لوحدها
واستطرد وهو يرمقها بنظرة ساخرة:
-ولا سيادتك كُنتِ عوزاني أسيب عمتي وهي تعبانة وأجي أقضي ليلة العيد في حُـ.ـضن جنابك؟
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمها فتحرك هو إلي الخارج دون إضافة أية حرف ليلحق بميعادهُ الهَامّ تحت إستشاطتها وشكوكها التي بدأت تُراودها وتحتل تفكيرها
تُري ما هو ذاك الميعاد الهَامّ ومع مَنْ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)