روايات

رواية قلوب حائرة الفصل السبعون 70 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل السبعون 70 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت السبعون

رواية قلوب حائرة الجزء السبعون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة السبعون

الفصل التاسع والعشرون 🦋
بعد توديعهم لذاك الذين يطلقون عليه إسم الأمير بحوالي الربع ساعة،إلتف الرجال يوزعون المال فيما بينهم بنهمٍ وفرحة عارمة ظهرت فوق ملامحهم،وأثناء إنشغالهم تم إقتحام باب المخزن ودخل منهُ قوة هائلة من رجال الشرطة العسكرية وهم يحملون السلاح وتحدث قائد الفرقة قائلاً:
-كله يرفع إيده لفوق ومفيش داعي للمقاومة،المكان كله محاصر
رفع الجميع أياديهم وتحدث ذاك المسمي بـ كريم:
-وهنقاوم ليه يا باشا،إحنا ناس ماشيين في السَليم ومخزنا نضيف مية في المية،وتقدر تفتش وتشوف بنفسك
هتف الضابط بعدما قيدوا أياديهم للخلف وقاموا بوضع الكلبشات بها:
-مخزن مين اللي سَليم يَلاَ،المخزن ملغم كله بالكاميرات الخفية يا روح أمك،جهاز المخابرات زارع ست كاميرات بجودة عالية ولقائكم مع الأمير بتاعكم كان متصور صوت وصورة من كل الإتجاهات ولا أجدع فيلم سينما
نظر الرجل إلي أحدهم وتحدث ساخراً بنبرة ساخطة:
-منك لله يا بعيد ضيعتنا، مش لو كنت سمعت الكلام واترزعت في المخزن علي ما نرجع بالبضاعة مكانتش المخابرات عرفت تدخله وتزرع لنا الكاميرا
واستطرد بمقتٍ:
-مبسوط كدة لما جيت معانا،أهواللقاء بقي علي الهوا وأقل حاجة فيها تأبيدة؟
إمشي يَلاَ وبطل رغي…نطقها الضابط فأجابهُ بطاعة:
-أوامرك يا باشا
قام فريق المداهمة بتسليم هؤلاء الخارجين عن القانون ثم تحركوا إلي مخزن طارق وقاموا بتحميل جميع الصناديق لتسليمها للإدارة،وحضرت الشرطة العسكرية وقامت بتفريغ الكاميرات والتي كانت خارج المخزن معلقة علي بعض الاشجار وداخل المخزن أيضاً،وذلك بعلم الحارس الذي تم الإتفاق معه عن طريق طارق وطلب منهُ مجاراتهم فيما سيطلبون منه وتضليلهم بإخبارهم بأن الكاميرات تم تعطيلها
❈-❈-❈
عودة إلي لمار التي تهلل وجهها بسعادة ونظرت للأمام وابتسمت بحبور حين رأت مستقبلها الباهر الذي ينتظرها لتُحقق به جميع ما تمنت وحلُمت طيلة عُمرها
بعد مرور حوالي عشرة دقائق توقفت السيارة فجأة فتأفف عزيز وتحدث بنبرة ساخطة مُفتعلة:
-هو ده وقتك إنتِ كمان
أردفت لمار بتساؤل مُرتبك:
-فيه إيه يا عزيز،وقفت ليه؟!
عقب علي سؤالها بملامح وجه عابسة:
-الظاهر إن العربية فيها مُشكلة
واسترسل وهو ينظر إلي الرجل الجالس في الأريكة الخلفية:
-إنزل يا مدحت إفتح الكبوت وشوف فيه إيه؟
ترجل ذاك المدحت وقام بفتح غطاء السيارة ونظر به ثم هتف بصوتٍ عالِ:
-محتاجة تتزود ماية
زفر المدعو عزيز وقام بحمل زجاجة مياة كانت بجانبهُ ثم تحدث إلي لمار وهو يستعد إلي النزول:
-إنزلي شمي نفسك شوية علي ما نزودها ماية وتبرد
أومأت له بموافقة وما أن ترجلت من السيارة وباتت تعدل بثيابها حتي وجدت عزيز يُخرج من جيب معطفهُ مسدساً ويُشهرهُ بوجهها،إتسعت عيناها ونظرت إليه بذهول وتحدثت بتلبُك:
-إنتَ هتعمل إيه يا عزيز؟
بجسدٍ ممشوق وملامح حادة نظر عليها وأردف بثقة عالية:
-بنفذ أوامر المُنظمة يا لمار،إنتِ خلاص بقيتي كارت محروق بالنسبة لنا
واسترسل بنبرة جادة:
-ده غير إنك الخيط الوحيد اللي ياسين المغربي ممكن يوصل لنا عن طريقة،علشان كدة الخيط ده لازم يتقطع وبكدة معالم القضية كُلها هتختفي
هتفت بنبرة حادة:
-مش هتقدر تغدر بيا بسهولة زي ما انتَ فاكر يا عزيز،أنا مش غبية ولا سهلة علشان ما أعملش حساب يوم زي ده،أنا كُنت سبقاكم بخطوة وعاملة حساب غدركم بيا ومسجلة لكم مكالمات ومقابلات توديك إنتَ والمنظمة بتاعتك ورا الشمس
واسترسلت بإبتسامة ساخرة:
-وشايلة التسجيلات دي عند حد ثقة،وبلغته إن لو جرا لي أي حاجة علي إيد أي حد يسلم التسجيلات دي لياسين المغربي بذات نفسه
وضحكت متهكمة:
-ده لأني عارفة درجة حبك ليه
أطلق ضحكة ساخرة ونطق مُتهكماً:
-تقصدي التسجيلات اللي كانت مع أبوكِ؟
واستطرد بإعلام:
-نسيت أقول لك إنه كان طيب أوي الله يرحمه،بمجرد ما شاف أمك وهي سايحة في دمها بالرصاصة اللي ضربتها لها في نفوخها،لما نطق بكل حاجة وسلم لنا التسجيلات قبل ما ياخد طلقة في نفس المكان ويحصلها
واسترسل تحت ذهولها الشديد:
-شفتي أنا حنين إزاي؟
ما رضيتش أخلي أمك تودع الدنيا لوحدها وخصوصاً إنك كُنتي حكيالي قبل كدة عن قصة حبهم الكبيرة قبل الجواز،
واسترسل بنبرة حادة:
-كنتي فاكرة إننا هنسفر لك أبوكِ وأمك ونديكي خمسة مليون دولار بجد،طلعتي غبية قوي يا لمار
هتفت بنبرة حادة وعيناي تكادُ تصرخُ بجنون:
– Babà إنتَ كذاب،أكيد بتقول لي كدة علشان تخوفني علي
وأنا عُمري كذبت عليكِ من يوم ما عرفتك يا لامي؟نطقها ببرود مستفزاً إياها واسترسل بنفس البرود:
-علي العموم كلها ثواني وتحصليهم وساعتها هتتأكدي بنفسك إن عزيز عمره ما يكذب
وبنبرة هادئة استطرد بإعلام:
-أه صحيح،أمك وأبوكِ إتقتلوا إمبارح بالليل في شقتهم في القاهرة ولسة ما حدش إكتشف جثثهم لحد الوقت،أصلي فرتكت دماغهم بمسدس كاتم للصوت
واستطرد وهو ينظر إلي مسدسهُ المُمسك به:
-وهو بردوا نفس المسدس اللي هتحصليهم بيه،أما بقي الأمانة فدي إحنا لسة محتاجين لها علشان نلاعب بيها ياسين المغربي شوية…إنتهي من جُملتهُ وكاد أن يضغط فوق زناد المسدس لكنهُ فؤجئ بإصابته بطلق ناري في كف يده المُمسك بالسلاح مما جعلهُ يسقط منه،نسي أمر يده والدماء التي بدأت بالنزف منها وتغاضي عن ألمها المُبرح وبات يتلفت حولهُ كالمجنون،أصيب بذهول حين رأي قوات رجال الشرطة العسكرية تحاصر المكان وتحاوطهُ بسيارتها التي ظهرت فجأة من العدم
أخرج الرجُل الأخر سلاحهُ وقبل أن يشد أجزائهُ إستعداداً لإطلاق النار منه أُصيب بساقه مما جعلهُ يفقد إتزانهُ ويخر راكعاً وصرخة حادة خرجت منه من شدة ألام الطلق الناري المُبرحة
هتف ضابط الشرطة العسكرية وهو يقترب منهم بحذر ويحاوطهُ الأفراد المسلحين وهم يوجهون أسلحتهم ويشهرونها علي ثُلاثي الشر:
-سلموا نفسكم ومفيش داعي للمقاومة،المكان كله محاصر بالرجالة وأي محاولة منكم هتبوء بالفشل وهتزيد من عقوبتكم
كانت تتلفت حولها برهبة وذهول وعيناي مُتسعة،فبرغم أنها نجت من الموت بإعجوبة إلا أنها شعرت بالدماء قد تجمدت بعروقها وسيطر الرُعب علي قلبها وبات جسدها ينتفض وقلبها المرتعب يُحدثُها عن هَوْل ما هو أتْ
حاوط أفراد الشرطة عزيز وأمسكوه فنظر حولهُ باستنكار وصرخ بصوتٍ معترض رافضاً ما حدث:
-لااااااااا
تم القبض علي الرجُلان وتم تحريز المضبوطات والأسلحة النارية،أما كارم فتحرك يستبق رجالهُ حيثُ كان يقف بالخلف بناءاً علي تعليمات الشرطة العسكرية،وتحدث ساخراً وهو ينظر علي لمار ويقبض بقبضتهِ القوية علي ذراعها:
-وقعتي يا حلوة ولا حدش سمي عليكِ،كُنتي فاكرة نفسك ذكية وهتفلتي بعملتك السودا؟
هتفت بنبرة زائفة في محاولة منها لخداعهُ:
-أنا مليش دعوة بحاجة،الحيوانات دول خطفوني بحجة إنهم موظفين من دار أزياء وكانوا عاوزين يقتلوني
واسترسلت مستشهدة بنبرة صارخة:
-حتي إسأل أمن البوابة وهو هيأكد لك كلامي ده
إبتسم كارم بجانب فمهِ ساخراً وتحدث بإعلام:
-إنسي كل الهبل اللي بتحاولي تعمليه ده،إنتِ متسجل لك كل اتفاقاتك مع وليد المغربي،ده غير إنك متصورة بكاميرات خفية وإنتِ بتزرعي أجهزة التصنت في مكتب سيادة اللواء عز المغربي
ملقتيش غير عيلة المغربي وتلعبي معاهم،إستلقي وعدك من ياسين المغربي وانتظري جحيمك الأتي…نطقها بصرامة ثم كبل يداها بالكلبشات الحديديه وقام بسحبها من ذراعها كما تُسحب الأنعام،ثم هتف موجهاً حديثهُ إلي الضابط المُشرف:
-متشكر أوي يا أفندم علي مساعدتكم في القبض علي الخونة دول
واستطرد بإبانة:
-تقدر حضرتك تاخد القوة وتتفضلوا وإحنا هناخدهم عندنا في مبني المخابرات الحربية علشان نبدأ معاهم التحقيق
تمام يا أفندم…قالها قبل أن يُجمع قواته ويستقلا سيارتهم ويتحرك الجميع متجهين إلي مبني المخابرات الحربية إستعداداً لوصول ياسين بعدما يوصل صغارهُ إلي المنزل ويتجه إليهم
❈-❈-❈
كانت تجلس بجوار والدتها بحضور جميع نساء العائلة اللواتي عُدنَ من المقابر إلي منزل سيادة اللواء عز المغربي للبدأ في إستقبال وفود النسوةِ اللواتي ستأتين لتقديم العزاء،وايضاً عادتا معهُن قسمة وداليد وذلك ليقفتا بجانب أولاد فقيدتهما
نظرت سُهير إلي ملامح مليكة المُقلصة وتحدثت بارتياب:
-مالك يا بنتي،إنتِ موجوعة ولا حاجة؟
عقبت بتوجع ظهر بَيِنّ فوق ملامحها:
-مفيش حاجة يا ماما،دي شوية تقلُصات بسيطة وهتروح الوقت
هتفت بنبرة هلعة:
-تقلصات إيه،لا إنتِ كدة لازم تروحي للدكتورة اللي إنتِ متابعة معاها علشان تكشف عليكِ ونتطمن إن مفيش حاجة لا قدر الله
واسترسلت بنبرة أمرة وهي تتأهب للوقوف:
-قومي يلا نروح لها علشان نتطمن
همست وهي تُمسك معصم والدتها وتحثها علي التريُس:
-إقعدي يا ماما مش وقته،حضرتك مش شايفة البيت عامل إزاي،إنتِ عاوزة طنط قسمة تستغل الوضع وتقول إني بتدلع علشان أشوش علي العزا وأخد إهتمام العيلة
أردفت سُهير عاتبة بإعتراض:
-هو انتِ كمان هتكابري في التعب؟
خلاص بقي يا ماما،إسكتي بدل ما يقولوا مش مبطلين كلام ومش محترمين حُرمة العزا…هكذا نطقت لتُنهي الجدل الدائر بينها وبين والدتها مما جعل سُهير تصمت مُجبرة
وما أن إنتهوا من حديثهم حتي إنتبهوا إلي دخول طارق وهو يحتوي أيسل بذراعهُ ويجاوره عُمر الذي يضع ساعدهُ علي كتف حمزة،هرولت شيرين إلي أيسل وأحتضنتها وتحدثت بنبرة حنون:
-تحبي تقعدي معانا هنا ولا تطلعي فوق
أردفت الفتاة بنبرة خافتة وعيناي ذابلة تعكسٌ مدي إنهيار قواها واستسلامها التام للحُزن:
-هطلع أنام في أوضة مامي
أومأت لها بأسي وتحركت بجانبها وصعدا الدرج في طريقهما إلي الأعلي،أما طارق وعمر فانسحبا برفقة الصبي وغابا عن الأعين داخل غُرفة المكتب،وقفت مليكة وبصعوبة تحركت مع إستمرار التقلصات الموجعة،دقت باب المكتب ودخلت كي تطمئن علي حال الصبي وايضاً علي حبيبها،وجدت الصغير يتوسط عماه ويُبكي داخل أحضان طارق الذي يحتويه مربتاً علي ظهره في محاولة منه لمواساته
إقتربت من جلوسهم فوقف عمر وابتعد ليُفسح لها المجال وتحدث وهو يُشير بكف يده:
-تعالي إقعدي يا مليكة
شكرته بإيماءة خفيفة من رأسها وبالفعل جلست بجانب الفتي وتحدثت بنبرة حنون وعيناي متألمة لأجل دموعه التي تُدمي القلوب:
-كفاية عياط يا حبيبي،كدة غلط علي دماغك وقلبك،إنتِ من إمبارح ما بطلتش عياط
نظر لها الفتي وتحدث بنبرة تُبكي الحَجر:
-كان نفسي أشوف ماما قوي،أنا مش عارف ليه بابا ما جبهاش هنا الأول علشان أشوفها
تنهدت بأسي لوجع الفتي وأجابهُ طارق بإبانة:
-ماكنش هينفع يا حمزة علشان الناس اللي كانت مستنيانا في المقابر
واسترسل وهو يحثهُ علي الهدوء:
-كفاية بقي يا حبيبي وإطلع أوضتك وحاول تنام لك شوية
هز رأسهُ باعتراض وأردف:
-أنا هستني بابا لما ييجي علشان أخرج وأقف معاه في استقبال الناس
قطبت جبينها وتساءلت مستفسرة:
-هو ياسين مش برة مع الباشا والرجالة؟
ياسين راح الجهاز…جملة نطقها طارق بصوتٍ خافت فتسائلت بتعجُب:
-جهاز إيه اللي ياسين راحه في يوم زي ده،المفروض ييجي ياخد شاور ويريح ضهره ولو حتي نص ساعة علشان يقدر يقف ويقابل الناس اللي هتيجي تعزيه طول اليوم
هو قال لنا أنا وعُمر نجيب الأولاد وهو هيروح يعمل حاجة مهمة في الجهاز وييجي علي طول…هكذا أجابها فتحدثت وهي تُشرع في إخراج هاتفها من جيب ثوبها الأسود الواسع حتي يتناسب مع حملها:
-أنا هتصل بيه واخليه ييجي حالاً
واسترسلت بنبرة غاضبة لأجله:
-ده كدة بيهد جسمه
أما عُمر الواقف مستنداً علي سطح المكتب ويلف ساقاه علي بعضيهما فأشار لها وتحدث لإعلامها:
-ريحي نفسك يا مليكة،ياسين قافل تليفونه
نظرت أمامها وزفرت بيأس فاسترسل عُمر متسائلاً بإهتمام:
-وحياتك يا مليكة تندهي لي لمار من برة لأني بتصل عليها من بدري وتليفونها مقفول
نظر طارق علي شقيقهُ بقلبٍ يتمزق لأجل ما هو قادم عليه وسيصدمهُ،أما مليكة فأجابتهُ بنبرة هادئة:
-لمار مش برة يا عُمر،ما شفتهاش من وقت ما رجعنا من المدافن
تنهد بأسي وتحدث متأثراً:
-يبقي لسة قاعدة فوق لوحدها،أصلها متأثرة قوي بوفاة ليالي،مصدومة يا حبيبتي ومش قادرة تتخيل إن الدنيا فيها ناس بالبشاعة دي
وضع طارق كف يده وفرك بهِ ملامحهُ وانتفض واقفاً بغضب،وهتف بنبرة حادة حيث لم يعد في مقدورهُ رؤية شقيقهُ المخدوع أكثر من ذلك:
-أنا خارج علشان أقف مع رجالة العيلة
وقف الصبي وطلب مرافقة عمه فوافق طارق وتحدث ليحث عمر علي التحرك معه:
-يلا إنتَ كمان معانا يا عمر
هتف باعتراض:
-إسبقوني انتوا وأنا هطلع أطمن علي لمار واجيبها وأنزل، وبعدها احصلكم علي برة
هز رأسه باستسلام وتحدث إلي مليكة بأخوة:
-عاوزة حاجة يا مليكة؟
سلامتك يا طارق،خلي بالك من حمزة…قالتها وهي تضع يدها علي كتف الفتي واسترسلت وهي تنظر إليه بتوصية:
-لو حسيت إنك تعبت في أي وقت أدخل إرتاح وبعدها إخرج تاني،إوعي تضغط علي نفسك يا حمزة
أومأ لها الفتي وتحرك الجميع إلي الخارج واغلقوا باب المكتب من جديد
❈-❈-❈
داخل غُرفة إضائتها خافتة بالكاد تُظهر الوشوش،كانت تجلس فوق مقعداً بجسدٍ ينتفضُ من شدة إرتعابها من ما هو أتْ،مشاعر مُبعثرة وأفكار تتزاحمُ داخل مُخيلتها،دموعاً حارة تجري فوق وجنتيها كُلما تذكرت إبلاغ ذاك العزيز بمقتل والديها،وناراً شاعلة تقتحمُ قلبها عندما تتذكرهُ وهو يروي كيف تم قتل والديها بتلك الطريقةِ البشعة الخالية من الإنسانية
كانت تهزُ رأسها باستنكار وحال عقلها يُردد:
-كيف سولت لهُ نفسه وطاوعهُ قلبه علي قتل أبرياء لا ذنب لهما سوي ان إبنتيهما قد وضعت ثقتها في غير محلها
تذكرت كيف كان والديها رافضان فكرة دخولها عالم هؤلاء وتنفيذها لتلك العمليةِ،والتخوف من نتائجها الغير محسومة حين أخبرتهُما منذُ ما قبل الثلاثُة أعوام
هزت رأسها بعدم تصديق واستيعاب لما حدث وتسائلت بذهول:
-هل تعطل قطار رحلتي وإنتهت أحلامي وتوقفت هُنا؟
لا،واحلامي،وجميع طموحاتي وامالي،هل تحطمت بوصولي إلي ذاك الجحيم
قُطع حبل أفكارها إقتحام أحدهم لتلك الغُرفة ودخوله بهيأتهِ الغاضبة التي لا تُبشر بالخير أبدا،وتُنذر أن الجحيم قد أتي ولن تستطيع قوةٍ ما في الأرض أن توقف إجتياحهُ،رفعت رأسها وحاولت كشف وجه ذاك الزائر من خلال ذاك الضوء الخافت
إنتفض قلبها وباتت دقاتهُ تتعالي كطبول حربٍ تدقُ بقوة هائلة عندما كشفت عن هويتهُ،بخطواتٍ سريعة تقدم نحوها ومد يدهُ بشراسة وأحكم قبضتهُ الحديدية علي فكها وبات يضغط عليه ليسحقهُ مما جعلها تصرخ متأوهةً
مال بجزعهِ عليها ثم نظر لها بعيناي متوحشة تخرج لهيباً لو طالها لأشعل جسدها بالكامل وتحدث بصوتٍ مُخيفاً خرج كفحيح الأفعي:
-بقي حتة عيلة متسواش مليم تضحك علي ياسين المغربي وتقعد في بيته تلات سنين بحالهم وهي مستغفلاه
وحياة أمك لأخليكِ تتمني الموت علي أديا وما هتطوليه…قالها بوعيد وهو يدفعها للخلف مما جعل المقعد يفقد إتزانهُ وكاد أن ينبطح بها أرضاً لكنه كان الأسرع،حيثُ قبض علي خصلات شعرها المفرود وجذبها منه ولفهُ حول قبضتهُ مما جعلها تصرخ متألمة:
-شعري حرام عليك
واسترسلت برهبة ودموع ساخنة:
-أنا مليش دعوة،أنا معملتش حاجة،
واستطردت كاذبة:
-هما اللي أجبروني أعمل كدة وهددوني بباَباَ ومَاماَ
واستطردت بقلبٍ يصرخ ألماً:
-وأهم قتلوهم المجرمين من غير رحمة،المجرم عزيز قتلهم بالنار
مال براسهِ لجهة اليسار ثم إبتسم بجانب فمهِ ساخراً وتحدث بأنفاسٍ ساخنة لفحة وجنتها لقرب وجههُ المخيف منها ومازال قابضاً علي شعرها بقوة:
-ده ذنب البريئة ليالي اللي خلتيها تروح علي الموت برجليها يا مجرمة
إبتلعت لعابها وانتفض قلبها وهتفت بتكذيب:
-أنا مليش دعوة بموضوع قتل ليالي،أقسم لك بشرفي
بأي شرف بتُقسمي يا عديمة الشرف،أنا عرفت كُل حاجة يا زبالة يا بنت الكلـ…، عرفت الخط اللي حرضتيها تشتريه علشان تتكلم منه براحتها معاكِ
واسترسل بزيفٍ ليُزعزع تماسكها ويُجبرها علي الاستسلام والإعتراف:
-اللي ما تعرفهوش إني كُنت حاطط في أوضة ليالي جهاز تصنت وسمعت منه مكالماتك معاها وإنتِ بتحرضيها علي الهروب من الحرس
واسترسل وهو يتحدث بأبشع السُباب:
-وبتطلبي منها إنها تطلب مساعدة من بنت الـ…. اللي إسمها خديجة واللي أنا متأكد إن ده مش إسمها الحقيقي
أرخت رأسها للخلف باستسلام برغم قبضته القوية علي شعرها وتحدثت بنبرة إنهزامية:
-أنا كُنت بنفذ المطلوب مني مش أكتر
واسترسلت بدموع صادقة:
-أنا مكنتش أعرف إنهم هيأذوها،أنا كل اللي جه في بالي وقتها إنهم هياخدوا لهم كام صورة هي وسيلا وهما عريانين ويهددوك بيهم وخلاص
وما أن إستمع إلي حديثها حتي إنتفضت عروقهُ وبرزت وبات جسدهُ بالكامل بنبضُ غضباً وهو يتخيل المشهد امامهُ،وما شعر بحالهِ إلا وهو يُفلت خصلاتها من قبضته ويصفعها بكل ما أوتي من قوة جعلتها تميلُ جانباً وتفقد توازنها ثم تنبطحُ أرضاً بمقعدها مما جعل رأسها ينزف
أسرع إليها وجثي فوق ركبتيه مع نثرها بالسُباب اللازع ثم قبض بكفاه علي عُنقها وبات يضغط عليه وينظر إليها بعيناي تطلقُ شزراً،تحول وجهها للأحمر الداكن واتسعت عيناها وتحول بياضها للون الدمِ وباتت تلوح بيداها في الهواء في محاولة بائسة منها للخلاص
أما كارم الذي كان يقف بالقُرب من الباب واضعاً ذراعيه خلف ظهرهِ وهو يُشاهد رئيسهُ بصمتٍ تام لكنهُ إضطُر للتدخل الفوري بعدما شاهد المرأة باتت علي لفظ أنفاسها الأخيرة،وقف بجانبهِ ومال بجزعه ثم تحدث بهدوء:
-معالي الباشا
رفع ياسين بصرهِ ونظر لهُ نظرات ذات مغزي إستوعبها كارم وفهم منها أنهُ يعي ما يفعل،بالفعل فك قبضتهُ من فوق عُنق تلك الحقود التي شهقت بشدة وباتت تسعل بقوة وهي تُمسك عُنقها تتحسسهُ بهلع،بانفاسٍ لاهثة جلست ومازالت تتحسسُ عُنقها وتسعلُ بشدة،كاد أن يقترب منها فتحدثت علي عُجالة وهي تضع كفها لتحمي به عُنقها:
-إوعي تقرب لي،أخوك ليه عندي أمانة،تخرجني من هنا سليمة وتسفرني لبريطانيا أسلمها لك
حول بصرهُ إلي كارم وبدون سابق إنذار اطلقا ضحكاتهم الساخرة وتحدث بإعلام:
-تقصدي ليزا عُمر المغربي؟
حك ذقنهُ بأصابع يده واسترسل مضيقاً عيناه:
-ولا نقول ليزا عزيز فتحي الصاوي
جحظت عيناها وشهقت بذهول،فاسترسل هو:
-حبكتوها صح،كتبتوا البنت بإسم واحد تاني علشان ما نعرفش نوصل لها
إبتلعت لُعابها وتحدثت وهي تهز رأسها بعدم إستيعاب:
-إنتَ عرفت الموضوع ده إزاي؟
هب واقفاً وفرد ظهرهُ ثم نظر عليها بسخطٍ وأردف:
-أنا ما أنكرش إنك قدرتي تخدعيني برغم إني شكيت فيكِ من أول مرة شفتك فيها لما عُمر عزمك علي الغدا في البيت،لعبتوها صح وحبكتوها حلو أوي لدرجة إني ما قدرتش أمسك عليكِ غلطة واحدة،برغم إني دورت كتير وراكِ
واسترسل بنظرات كنظرات الذئب:
-بس مهما كُنتي ذكية وعاملة حسابك إنتِ وشوية الكلاب اللي وراكِ،مش هتبقوا أذكي من ياسين المغربي يا روح أمك
واستطرد موضحاً:
-إوعي تفتكري إن اللي خلاني ما كشفتكيش المدة دي كُلها هو ذكائك،لا يا حلوة،السبب في عدم كشفي ليكِ ده لإنك كُنتي خلية نايمة،بس لما بدأوا يحركوكي زي الأراجوز،عيني كانت عليكِ ومعاكِ في كُل خطوة بتخطيها،من أول لعبك علي وليد لحد محاولاتك الخبيثة مع مليكة،بس اللي مكنتش عامل حسابة هو إنك تلفي زي الحية من ورايا وتلعبي في دماغ ليالي
واسترسل بأسف:
-إختارتوا أضعف جبهاتي وحاربتوني عن طريقها بكل دنائة
تحدثت بقوة غير عابِئة بحديثهُ وكأنها مُغيبة:
-خرجني من هنا علشان أسلمك البنت
أردف بإهانة:
-هو الفهم عندك بعافية ولا إيه؟
البنت وصلت مصر الساعة 8 الصبح يا غبية
فلاش باااااك
عودة إلي اليوم الذي شاهد الفيديو المصور للمار والسيدة الأربعينية داخل حمام السيدات بالمطعم
تحدث عامر شارحاً:
-السِت طلعت عايشه هنا بس بتتردد كتير علي لندن
كان يستمع إليه بإهتمام شديد وتفكُر،ثم تحدث بنبرة عملية:
-لندن! تمام،إسمعني كويس يا عامر،تخلي رجالتنا اللي في شركة الإتصالات تجيب لنا سجل مكالماتها وتفرغوه كويس إنت والرجالة
ثم صمت لثواني واستطرد بتضييق عيناه:
-كلام السِت وهي بتقولها ما حدش هيقدر يلمس شعره منك أكد لي إن البنت دي حامية نفسها بحاجة مُهمة قوي وتخُص عيلة المغربي
بتفكر في حاجة معينة يا باشا؟…سؤال وجههُ له عامر بترقُب،أجابهُ ياسين بارتياب وهو يومى برأسه:
-فيه حاجة مُهمة قوي إفتكرتها ولازم نتحرك في إتجاهها في أسرع الاوقات
ثم نظر أمامهُ في اللاشئ واستطرد بقَسم وهو يجز علي أسنانه بغيظٍ شديد:
-لأن لو اللي في بالي طلع صح هتبقي كارثة،وساعتها قسماً برب العزة لأخليها تتمني الموت كل يوم هي والكلاب اللي وراها أياً كانوا هما مين
ثم استرسل قائلاً:
-أنا شاكك إن البنت اللي ولدتها لمار ما نزلتش ميتة زي ما بلغتنا هي والدكتور بتاع المستشفي،وكمان الأتنين اللي قالوا إنهم لقيوها تعبانة في عربيتها علي الصحراوي يبقوا تبعها،أنا عاوزك تعين لي مراقبة مشددة علي الست دي،مش عاوزها تغيب عن عنيكم وخصوصاً لما تسافر لندن
وافقة عامر الرأي وبعد مرور إسبوع إكتشف عامر من خلال مراقبة رجالهِ أن المرأة تسكن بمنزل داخل مدينة لندن هي وزوجها وإحدي جليسات الأطفال،وطفلة صغيرة بالكاد تُكمل العامان من عُمرها،وهذا ما اكتشفوه أثناء مراقبتهم المشددة للمنزل وحديقتهُ من خلال نافذة المنزل الذي إستأجروه خصيصاً ليكونوا بالقرب من الموقع،أخبر ياسين بما إكتشفهُ رجاله فأبلغهُ الآخر أنه يريد أخذ أية عينة من الطفلة بأية طريقة ليقوموا بعمل تحليل البصمة الوراثية ليقطع الشك باليقين ويتأكد ما إذا كانت الصغيرة لشقيقهُ أو أنهُ مجرد شك
بالفعل بعد مراقبة مستمرة لاحظوا فيها رجال عامر بأن المربية تصطحب الصغيرة يومياً وتذهبا للتنزه في حديقة مجاورة أثناء إنشغال المرأة وزوجها في دوام عملهم،تحرك أحد الرجال وجلب عُلبتان من مثلجات الفراولة الشهية وذلك بعدما لاحظ عشقهما لتلك الحلوي خصيصاً،وتحرك إلي العاملة وتحدث بالإيطالية بلطافة:
-أرجو قبول هذة المثلجات لكِ وللصغيرة سيدتي
إبتسمت جليسة الأطفال الشابة وأعتقدته يلاطفها وبأنهُ أُعجب بجمالها وتحدثت وهي تُبسط ذراعيها وتتناول منه الحلوي:
-أشكرك لشعورك اللطيف،تلك الحلوي بالتحديد نفضلها أنا والصغيرة وكُنا بحاجتها كي تبرد جوفنا من حر ذاك اليوم
إبتسم لها وغمز بعيناه وتحدث:
-كُنت أشعر،ولذلك لم أتردد في جلبها
جلسا يتبادلان أطراف الحديث ثم حمل الطفلة وتحدث وهو يمرر أصابعهُ داخل خصلاتها المجعدة كي يجعل بعض شعيراتها تعلق بأصابعه:
-ما هذا الشعر الجميل
إبتسمت له الجليسة وتابعت تناول الحلوي،أما الطفلة فكانت تتناول الحلوي وهي تنظر لهُ بعيناها بمنتهي البراءة والوداعة،تنفس براحة عندما نظر لأصابعهُ ووجد بها بعض الشعيرات،نظر لصديقهُ الواقف بعيداً ويترقب إشارتهُ،فهم الرجل الإشارة فتحرك عليه واشار له
إستأذن منها وأبلغها بأن صديقه الذي كان بإنتظارهِ قد أتي،وضعوا تلك الشعيرات بداخل كيس وأرسلوها إلي مصر مع أحدهم وأجري ياسين التحليل بعد أخذهِ بعض الشعيرات من فُرشاة شعر شقيقهُ وظهرت النتيجة بعد إسبوع وأثبتت تطابق بنسبة بلغت تسعةً وتسعُون بالمئة، وهنا تأكد ياسين من شكوكه وأمر رجالهُ باستمرار المراقبة بشدة في حين البت في الأمر،
وبصباح اليوم تم القبض علي المرأة وزوجها عن طريق الإنتربول الدولي بعدما ابلغتهُ المخابرات المصرية بالوضع وأطلعتهُ علي كل الدلائل التي أكدت أن ذاك الثُنائي ينتميان لأحد التنظيمات الإرهابية وبأنهما قاما بإختطاف إبنة شقيق عميد بالجهاز ليقوما بتهديدهُ وابتزازهُ عن طريقها وأطلعوهم علي نتيجة البصمة الوراثية،وقام الإنتربول بإبلاغ الشرطة البريطانية التي قامت بفتح تحقيق وسلمت الطفلة لرجال ياسين بعد إخلاء سبيل جليسة الأطفال لعدم إطلاعها علي أصل الموضوع،وبهذا دخلت الطفلة الأراضي المصرية بسلام
❈-❈-❈
عودة إلي تلك التي كانت تستمع إلي شرحهِ بخيبة أمل ودموع الحَسرة والندم تسيل فوق وجنتيها،تحدث وهو يرمقها بإشمئزاز:
-أنا مش مصدق إن فيه أمهات بالحقارة والدنائة والبشاعة دي،وصلت بيكِ القذارة إنك تخلفي طفلة لمجرد إنك تدخليها في لعبتك الـ،… دي،إزاي جالك قلب ترميها لناس مجرمين أقصي حاجة يعرفوها عن ربنا هو إسمه اللي بينطقوه مع كل دم بيسيل من إنسان برئ فقد حياته بسببهم؟
بكت بمرارة ليس لأجل حديثهُ فأخر همها ذاك الحديث وتلك الفتاة التي كانت بالنسبة لها ما هي إلا مهمة رسمية طُلب منها تنفيذها وحصُلت في مقابلها علي مبلغ هائل من المال أرضي جشعها
إبتسم بألم عندما لم يلحظ تأثرها بعد كل ما ذكر،فتحدث بنبرة جادة:
-وبعد ما حكيت لك حكاية وصولي لبنت المغربي،عاوزك زي الشاطرة كدة تحكي لي علي كل حاجة،شغالة تبع مين ومين اللي وزك علينا،كل حاجة بالتفصيل الممل وإلا قسماً بالله
لم تدعهُ يكمل تهديدة وأردفت بنبرة إنهزامية:
-مفيش داعي لتهديدك يا سيادة العميد،خِلصت خلاص،بَابَا ومَامَا قتلوهم المجرمين اللي كُنت فكراهم حِصن الأمان ليا وليهم،والبنت اللي كُنت فكراها خلاصي بقت هي الطوق اللي إتلف حوالين رقبتي وسحبتوني منه لحد عندكم
واستطردت باستسلام:
-أنا هحكي لك علي كُل حاجة،أنا أتربيت وعيشت عُمري كُله في لندن مع باَباَ وماَماَ اللي سافروا يشتغلوا هناك وأنا عمري يدوب تلات سنين،وأنا في آخر سنة من دراستي في جامعتي،كنت بشتغل ويتر في مطعم علشان اتحصل علي مصاريف جامعتي وأقدر البس واظهر بشكل كويس بين زملائي،في يوم دخل زبون عربي،كان شاب وسيم جداً في أواخر العشرينات،قعد فترة يتردد علي المطعم بالتحديد في وقت الشِفت بتاعي،بصراحة لفت نظري وعجبني جداً لأنه كان تقيل وغامض وكلامه قليل أوي،وده النوع اللي أنا بحبه في الرجالة
واسترسلت بإبانة:
-وفي يوم عرفني بنفسه وقال لي إنه إسمه عزيز الصاوي،ولقيته بيعزمني علي الغدا في مطعم برة،فرحت جداً وقولت إني عجبته زي ما هو عجبني واكيد هيطلب مني نتصاحب
لكن لما قابلته أول كلمة قالها لي،إيه رأيك في شغلانة هتكسبي من وراها خمسة مليون دولار
واسترسلت بإبتسامة ساخرة:
-طبعاً إفتكرته بيهزر برغم ملامحه الجادة اللي عمرها ما اتغيرت من أول مرة شفته فيها لحد النهاردة،بس بعد كدة أكد لي إنه يقصد كل كلمة قالها لي،وبدأ يشرح لي المهمة المطلوبة مني،طبعاً في الأول رفضت وقلت عليه مجنون
واستطردت بتعقل:
-ما هو بالعقل كدة،إزاي جاي يطلب مني إني أرمي نفسي في وسط النار بأديا،سبته ومشيت وتاني يوم لقيته مستنيني قدام الجامعة بعرببته،ركبت معاه راح فاتح لي شنطة فيها مليون دولار علشان يثبت لي صدق كلامه،ما أكذبش عليك،أول ما شفت الفلوس ما قدرتش أقاوم واللحظة دي كانت بداية إتفاقي معاه،طبعاً بعد معاناة مني في إقناع أهلي،ومن يومها وأنا معرفش غيره وباخد كل أوامري وتحركاتي عن طريقه
ده أنتوا طلعتوا عيلة أذبل من بعض…هكذا نطق كارم وهو يرمقها بازدراء
هب واقفاً وتحدث إلي كارم وهو يرمقها بمقت:
-خلي الرجالة تربط لي الحُثالة دي من أديها ورجليها في الكرسي،وما فيش حد يديها بُق ماية واحد لحد ما أرجع لها
إبتسمت ساخرة وكأنها فقدت الأمل وبات كل شئ متشابة بالنسبة لها واسترسل بسُاب وهو يتحرك عند الباب:
-وتعالي معايا نشوف حكاية إبن الكلـ… ده إيه هو كمان

خرج ياسين وبجوارهُ كارم وتحركا داخل الرواق بطريقهُما إلي المدعو عزيز،تسائل ياسين بنبرة جادة:
-كشفت علي بصماته يا كارم
حصل سعادتك ونتيجة الفيش زمانها طلعت…نطقها بثقة واكملا طريقهما حتي وصلا،خطي بساقيه وتلاهُ كارم داخل حُجرة مُنفصلة أكثر ظُلمة،نظر أمامهُ وجد ذاك المدعو بعزيز يجلس فوق مقعداً بساقاي مُقيدة بهِ وكفهُ مُضمد بشاش طبي بعدما أتي الطبيب وقام بالكشف عليه وضمدها لهْ لوقف النزيف،والكف الاخر مُكبل خلف ظهرهُ
تحرك حتي إقترب من المنضدة الموضوعة أمام المدعو عزيز، ثم قام بالضغط على زِر تشغيل الكشاف الموضوع فوق تلك المنضدة فأخرج إضاءة شديدة سلطها على وجههُ مباشره مما جعل الآخر يكفهر بملامحهُ ويغمض عيناه حتي يتلاشي شدة الضوء المؤذي لعيناه،ألقي نظرة علي وجههِ وجدهُ ملئ بالكدمات والإنتفاخات والدماء السائلة بجانب فمه،فوجه حديثهُ الساخر إلي كارم:
-شكلك سبقتني وأكرمت الراجل قبلي يا كارم
بطريقة ساخرة عقب كارم:
-واجب الضيافة وكان لازم نقدمهُ له علي أكمل وجه يا باشا،ولا سعادتك عاوزه يقول علينا بُخلة
عاش يا رجالة…نطقها باستحسان ثم أردف متسائلاً بعدما دقق النظر بملامح ذاك الشخص وشعر أنها ليست بالغريبة عليه رغم وجود كل تلك الكدمات:
-أنا شفتك فين يَلاَ قبل كدة؟
واسترسل بسُبابٍ ومازال مدققاً النظر:
-الخلقة الــ…. دي مش غريبة عليا،وإسم عزيز مش لايق علي سِحنة أمك دي
إبتسم الرجُل بجانب فمهِ بطريقة ساخرة وتحدث:
-لحقت تنساني يا باشا
قطب ياسين جبينهُ وبات يعتصر ذاكرتهُ فقطع حبل تفكيرهُ إستماعهِ لبعض الطرقات التي دقت فوق الباب ودخل منهُ أحد رجال الجهاز الذي تحدث إلي كارم وهو يسلمهُ تقريراً:
-الفيش بتاع المتهم يا أفندم
تناولهُ منه كارم وتحرك إلي رئيسهُ وسلمهُ إياه باحترام،فتح الملف ونظر بداخله وتحدث بعيناي مُتسعة غير مُصدقة:
-حسين توفيق الصراف
فأكمل علي حديثهُ ذاك الحُسين:
-إفتكرتني يا باشا؟،إرجع بذاكرتك قبل خمس سنين من وقتنا الحالي
واسترسل بنبرة حقودة:
-أنا حضرة الملازم سابقاً،إبن سيادة العقيد توفيق الصراف،زميلك اللي إنتَ إتسببت في دخوله السِجن العسكري وبعدها رفدتوني من الجهاز،وإنتَ كُنت السبب المباشر في ضياع مُستقبلي
واسترسل بتذكير وهو يجز علي نواجذهُ:
-وبعدها أبويا ما أستحملش الفضيحة اللي حصلت له وإنتحر في السجن،وأمي ماتت من قهرتها عليه وعليا
وأنا اللي كُنت قُلت لأبوك خون بلدك وبيع ضميرك للخونة وطلع خط سير أصحابك علشان الجماعات الإرهابية تصفيهُم؟!…نطقها ياسين بحِدة وسخط واسترسل بنبرة غاضبة:
-أنا نفسي كُنت من ضحايا الخاين أبوك وأتعرضت لمحاولة إغتيال وفشلت
إبتسم الشاب وتحدث لإستفزازه:
-ادينا عوضنا فشلها في مراتك وقريب قوي بنتك هتحصلها
لم ينتهي من إكمال جُملتهُ حتي إنقض عليه كالأسد الجائع وهو ينهش في لحم فريستهُ،وضع ساقه فوقه للتمكُن منه وأمسك عنقه وبات يضغط عليه حتي أوشك علي لفظ أنفاسه الأخيرة مما جعل كارم يتدخل ويقوم بإبعادهِ وهو يتحدث:
-إهدي سعادتك،ما فيش داعي توسخ إيدك بحُثالة زي ده،ده خلاص،ديته جلسة واحدة في محاكمة عسكرية وياخد إعدام ونخلص من أشكاله
إبتسم حسين وتحدث باستفزاز:
-لو كُنت فاكر إن الموضوع هينتهي بموتي تبقي غبي يا سيادة الرائد،
واسترسل قاصداً ليعلمهُ أنهُ علي دراية بكل شئ يخصهما:
-مش سعادتك رائد برضه؟
واكمل وهو يبتسم قاصداً إستفزازيهما:
-الناس دي واصلة وبيقدروا يوصلوا للي هُما عاوزينه،وإعدامي مش هيوقفهم عن إنتقامهم منك يا ياسين يا مغربي،وزي ما بحثوا عني وقدروا يوصلوا لي ويحطوا إديهم في إيدي، هيوصلوا لغيري من ضحياكم الكتير وهيكملوا
إقترب عليه ياسين من جديد وهتف بنبرة حادة وهو يقبض علي شعر رأسهِ وبات يُزيد من إحكامه عليها وهو يرجع رأسهُ للوراء:
-مين اللي وراك يَلاَ،ومين اللي قتل مراتي
لو قطعت من جسمي حتت مش هنطق بحرف واحد،عارف ليه؟…هكذا نطق بنبرة حاقدة واسترسل بنبرة يملؤها الإصرار:
-علشان الوقت بس حسيت إن أنا جبت حق أبويا منك وأنا شايفك واقف قدامي بتتنطت زي الفولة اللي بتتقلي في الزيت،ومش هريحك يا ياسين يا مغربي
إبتسم ياسين واردف:
-وإنتَ فاكر إني مش هعرف أجيب الحُثالة اللي إنتَ شغال معاهم؟
واسترسل بوعيد خرج من بين أسنانه:
-وعد مني ليك،قبل ما تتعدم زي الكلب وتحصل الخاين أبوك هكون جبت لك كل الكلاب اللي كانوا ساحبينك زي الخروف وراهم،وليك عليا أعمل لكم حفلة إعدام جماعي،علشان تتونس وإنتَ رايح لقيامتك يا خاين
قالها ودفع رأسهُ للخلف بقوة فاككاً إحكام قبضتهُ القوية من علي شعره ثم نفض كفهُ بإشمئزاز وتحدث:
-راجعل لك تاني،بس مش وقته
إستدار وكاد أن يتحرك فتحدث حسين قائلاً بانتشاء:
-ليك عندي أمانة غالية قوي علي عيلة المغربي،تخرجني من هنا أسلمها لك
لف وجههُ سريعاً ثم نظر إلي كارم الذي كظم ضحكاتهُ الساخرة مما جعل حُسين يشعر بالتعجب،لكنه سريعاً ما أختفي هذا الشعور بعد وضع ياسين كفاه داخل جيب بنطالة وهو يتحدث بهدوء:
-الغبية اللي إنتَ وجماعتك كنتوا مجندينها لسة قيلالي الكلمتين الحمضانين دول
واستطرد قائلاً بثقة:
-يظهر إن غبائكم نساكم إنكم بتلعبوا مع ياسين المغربي،
واسترسل بإبانة:
-ليزا في مصر يا غبي،وشُحنة الهيروين اللي دخلتوها مخزن طارق كانت متصورة صوت وصورة ورجالتكم بيحطوها في المخزن،وياخدوا مكانها الأسلحة اللي دخلتوها البلد عن طريق الشركة وبعلم مُسبق وتحت إشراف رئيس الجهاز بنفسه
وأميرك المغفل اللي أخد شحنة السلاح واتحرك علي العريش متراقب بطيارة تجسس ماشية معاه خطوة بخطوة،وبمجرد ما يوصل لمكانه ونحدده هتكون عناصر الجيش في إستقباله هو والشُحنة اللي بعتتها المُنظمة هدية منها للجيش المصري
كان يتحدث بفخرٍ وبأنهُ ينتمي لذاك الكيان العظيم،ويراقب تحول ملامح ذاك الذي أوشك علي إصابتهُ بذبحة صدرية جراء ما أستمع إليه وهدم جميع محاولاتهِ للإنتقام من تلك المؤسسة الذي خرج منها منبوذاً لأفعال والدهُ،تحدث ياسين بمنتهي الإستفزاز:
-هدية مقبولة يا سِحس
قالها وانطلقا ضاحكاً بسخرية هو وكارم ثم تحركا للخارج تحت إستشاطة ذاك الخائن الذي صرخ بعنف في محاولة منه لإخراج تلك النار التي إشتعلت بصدرهِ المريض بداء الحقد علي بلده
أما بالعريش فقد تمت المهمة بنجاح بعد تبادل لإطلاق نار كثيف أدي إلي مصرع ذاك المسمي بالأمير وأخر،وايضاً إستشهاد أحد أفراد الجيش وهو يدافع عن أمن بلده،وتم ضبط جميع أفراد الجماعة وايضاً حُرزت الأسلحة وتم التحفظ عليها هي وكثير من الأسلحة الأخري التي وجدت بمخازن تلك الجماعة الإرهابية
❈-❈-❈
عاد ياسين إلي حي المغربي بصحبة كارم الذي أصر علي الحضور لمؤازرة رئيسهُ ومواستهُ بمصابهِ الجلل،وقف بجانب أبيه وأشقاءه لإستقبال المعزيين،حل الليل وبدأ الجميع بالمغادرة لإنتهاء العزاء،دخل جميع أفراد العائلة إلي منزل عز بناءاً علي طلبه وضل ياسين لحاله بصحبة كارم،بعد قليل توقفت سيارة ونزل منها أحد رجال الجهاز وسلم لياسين الطفلة التي ما أن رأها حتي إنشرح لها قلبهُ برغم الحُزن الذي يملؤهُ،مال علي وجنتها وقام بوضع قُبلة حنون لتلك الجميلة التي لا تُشبه أحداً سوي حالها
تحدث كارم بإنسحاب هو والرجل:
-نستأذن إحنا يا باشا
أومأ لهما وتحرك حاملاً الصغيرة فوق ذراعيه محتضناً إياها باحتواء،والغريب ان الصغيرة لم تتذمر أو تستغرب الوضع وذلك لعدم حصولها علي الحنان من هؤلاء التي كانت بحوزتهم، فقد كانوا يتعاملون معها علي أنها مُهمة وفقط دون إظهارهما أية مشاعر لها
دخل من الباب وجد أبيه يجلس بجانب عبدالرحمن وطارق ووليد وعمر القلق علي زوجته،ايضاً يجلس حمزة وأيسل بجانب منال،نرمين وراقية وهالة،أما مليكة التي إنتفضت من مجلسها بجوار ثُريا ويُسرا وتحدثت بنبرة حادة بعدما لاحظت إحتوائهِ للفتاة وتأثرهُ بها ونظرات الحنان التي يشملها بها:
-مين دي يا ياسين؟
نظر لها ليُطمأنها وبإشارة من عيناه طالبها بالصمت والصمود،فعاودت الجلوس مكانها من جديد بعدم إرتياح
نظر إلي عُمر الجالس بجانب أبيه والقلق ينهش داخلهُ علي زوجته التي أخبروه أنها خرجت لجلب ثوبها وإلي الأن لم تعُد وما زاد من إرتيابه هو غلق هاتفها،أردف بنبرة متأثرة:
-تعالي يا عُمر
قطب جبينهُ ونظر للفتاة وتحدث مستفسراً:
-مالك يا ياسين،ومين البنت اللي معاك دي؟
أردف عز قائلاً وهو يحثهُ علي الذهاب إلي شقيقهُ:
-روح لأخوك يا عُمر وهو هيقول لك
حاضر يا بابا…نطقها وهو يتحرك من مكانه ويخطو إلي أن وصل إليه فنظر ياسين إلي الفتاه وتحدث علي قدر استطاعته بالإيطالية التي لا تعرف الفتاة لغة غيرها بحكم تواجدها الدائم مع الجليسة الإيطالية:
Babà ده –
نظرت الفتاة التي بالكاد باتت تستطيع نطق بعض الكلمات وهذا لحداثةِ سِنها ونظرت إلي ياسين وكررت ما نطق به بتعثُر:
-Babà
هز لها رأسهُ وتحدث وهو يُشير إلي عُمر ليحثها علي التطلع إليه:
-لا،ده هو اللي Babà
فتح الجميع أفواههم متعجبين حديث ياسين في حين هتف عُمر بنبرة حادة مستنكراً حديث شقيقهُ:
-إيه التخاريف اللي بتقولها دي يا ياسين،Babà مين وزفت مين،وفين لمار؟
ثم حول بصره إلي منال التي باتت تتابع الأمر بتركيز وحواس منتبهة وسألها بنبرة حادة:
-فين مراتي يا ماما؟
مراتك إتقبض عليها،أمسك طارق شقيقهُ المذهول وأجلسهُ وأعطي ياسين الطفلة لأحد العاملات كي تهتم بها،بدأ ياسين يُسرد عليهم جُل ما حدث بالتفصيل،لطمت منال خديها وتحدثت بذهول:
-إنتَ بتقول إيه يا ياسين،يعني أنا كنت مقعدة في بيتي ووسط أحفادي جاسوسة تبع الإرهاب؟
حاوطت راقية فكها بأصابع يدها وهتفت بذهول:
-يا خيبتك القوية يا أبن منال،بقي يوم ما تفكر تتلم وتبطل سرمحة وربنا يتوب عليك وتتجوز،تروح تجيب لنا قتالة قُتلة وتعيشها وسطنا؟
لا وشوفوا القُدر بتاعها،طلعت مخبية البنت ورمياها لناس غريبة تربيها بعد ما لطختنا كُلنا علي قفانا وفهمتنا إنها ماتت
واسترسلت بنبرة حزينة:
-والمسكينة ليالي راحت فطِيس بسببها
لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم،ألطف بينا يارب…كلمات نطقتها ثُريا بذهول،أما مليكة فكانت تستمع بذهول وعدم استيعاب لما يُقال وبدأت بربط أفعال طارق وحديث ياسين لها حينها،وبين هذا الخبر المشؤوم
أردفت راقية بنبرة زائفة وهي تنظر إلي وليد بعدما علمت الأن من سرد ياسين أن وليد ساعد بكشفها بعدما أبلغ ياسين بأمرها حينما شك بحديثها:
-أنا الوحيدة اللي كُنت كاشفة ألاعيبها من الأول،وحتي نبهت الولا وليد لما جت لنا البيت بخصوص الشراكة،وقُلت له روح بلغ إبن عمك وخليه ياخد باله لتكون مزقوقة علينا
واسترسلت وهي تنظر إلي وليد:
-مش ده اللي حصل يا وليد؟
جحظت عيناي هالة وباتت تنظر لها بتعجُب،في حين أجابها وليد ببسمة ساخرة:
-حصل يا أم وليد
كان يستمع لتعليقات الجميع بشأن ما علموا به والذهول والإنهيار يُسيطران علي داخلهُ والرفض وعدم التصديق سيد موقفهُ،تحدث بنبرة حادة مشككاً:
-أنا مش مصدق ولا كلمة من اللي قالها ياسين ولازم أقابل مراتي وأقعد معاها وأعرف منها حقيقة كُل الكلام ده إيه
إنتفض عز من جلوسهُ وهتف بنبرة حادة:
-كلام إيه اللي إنتَ مش مصدقه يا عُمر بيه ومين دي اللي إنتَ عاوز تقعد معاها وتسمع لها؟
واستطرد بصياحٍ:
-المجرمة طلعت سارقة بنتك ورمياها وسط شوية إرهابيين وإنتَ لسة ليك عين تتكلم؟
وقفت منال واتجهت إلي صغيرها لتساندهُ وتحدثت إلي عز وهي تربت علي ظهر عُمر بحنو:
-بالراحة علي الولد يا عز،كفاية يا أخي اللي هو فيه
وكأنه كان ينتظر تلك الكلمات لينفجر ويُخرج ما يضيقُ بهِ صدره:
-قولتي لي اللي هو فيه يا مدام؟
ده أنا وإبنك الكبير بقينا مسخرة الجهاز بعد ما الكُل عِرف إن حتة بت ما تسواش تعريفة إستغفلت لواء سابق وعميد حالي في المخابرات الحربية،وقعدت في بيتهم فوق التلات سنين،شفتها في عيون رئيس الجهاز وهو بيقولي كان لازم تاخد حذرك وتسأل علي أصلها أكتر من كدة يا سيادة اللوا
واسترسل مُلقياً اللوم عليها بصياحٍ عالي:
-إبنك الدلوع اللي راح جاب لنا واحدة من الشارع وصمم يتجوزها،وإنتِ وقتها اللي ألحيتي عليا أنا وياسين وخلتينا نوافق علشان دلوع منال ما يزعلش
أردفت ثُريا لتهدأة الوضع:
-إهدي يا سيادة اللوا مش كدة،هيفيد بأية البُكي علي اللبن المسكوب،اللي حصل حصل وخلاص
أما أيسل التي وقفت وهتفت لأئمة والدها بنبرة حادة:
-يعني حضرتك كنت عارف ومتأكد إنها جاسوسة وانها داخلة علشان تدمر كل اللي في البيت وسبتها تقرب من مامي؟!
كُنت عامل حساب لكل حاجة ومأمنكم كلكم بالحراسات وبالتوعية…هكذا تحدث مُبرراً وعيناي أسفة،فهتفت الفتاة بحِدة وصفاقة متناسية أصول الأدب:
-واهي إخترقت القبضة الأمنية بتاعتك ونسفتها يا سيادة العميد
واسترسلت بإتهامٍ مباشر:
-ومامي هي اللي دفعت الثمن وكانت كبش الفدا ليكم كلكم
إتسعت عيناه وهو يستمع إلي إتهام صغيرتهُ المباشر له فتحدث معاتباً:
-وهي إيه اللي كان وصلها لأمك يا سيلا؟
مش تهاونها واستهتارها بالتعليمات؟
رفعت رأسها لأعلي وأردفت بتغاضي:
-مفيش مبرر هيشفع لحضرتك عندي في إنك قصرت في حماية أمي وعدم تنبيهها من المجرمة دي بشكل مباشر
مكنش ينفع أتكلم وإلا خطة القبض عليها هي والكلاب اللي وراها كانت هتفشل…هكذا أجابها بنبرة خافتة،فسألته بإتهامٍ:
-خطة القبض عليها ولا حياة مامي الأهم بالنسبة لك يا بابي؟
أجاب تعقيباً علي سؤالها:
-أنا قعدت مع ليالي قبل السفر وفهمتها ظروف شغلي والخطر اللي محاوطني ووعيتها،ده غير الحراسة اللي كانت مكلبشة البيت وإيهاب اللي كان واقف زي السد المنيع ومانع دخول حتي دبانة واحدة،للاسف،ليالي هي اللي مشيت وراها وراحت للهلاك برجليها
واسترسل مُستشهداً بموقف مليكة المشابه:
-طب ما هي حاولت تدمر علاقة مليكة مع الكل،ووصل بيها الأمر إنها وقعت بينها وببن عمك طارق وشككتها في ذمته المالية،وياما حاولت تخليها تتمرد علي تعليماتي وتخرج من غير الحراسة علشان يستفردوا بيها ويصفوها،بس مليكة ما أدتهاش الفرصة وطلعت أوعي منها
هتفت صارخة بجنون الغيرة:
-ملكية مليكة مليكة،ما كفاية بقي يا بابي،هو أنتَ خلاص ما بقاش فيه في حياتك غير مليكة هانم،حتي بعد ما مامي ماتت بسببك واقف تقارن بين تصرفاتها اللي ما كانتش عجباك وببن تصرفات الهانم؟
وأكملت بصراخ هيستيري وهي تُشير إلي مليكة بإستنكار بعدما فقدت إتزانها جراء تحريض قسمة وداليدا لها بالساعات القليلة التي جلستها بحضرتهما:
-إنتِ واحدة مجرمة،إنتِ السبب في موت مامي،قتلتيها يوم ما قررتي تخطفي منها جوزها وتذليها وتقللي من قدرها قدام الناس،قدرتي بلؤمك تخلي بابي يحبك ويفضلك عليها
واسترسلت بحقد ظهر داخل زرقويتاها:
-كرهتيني في إسكندرية كلها وأنا شايفة حب بابي وتفضيله ليكي مش بس علي مامي،ده بقي يفضلك علينا كلنا،أنا سبت إسكندرية وقررت أعيش واتعلم علشان أهرب ومشوفش بابي وهو بيظلم مامي ويعلي من مقامك قدام الكل علي حساب كرامتها
شعرت بإنقباضة شديدة داخل رحمها لكنها فضلت التماسُك،لحين إنتهاء تلك المسرحيةِ الهزلية،واكملت الفتاة بإتهام وهي تُشير بسبابتها وتنقلهُ بين أبيها ومليكة:
-مامي ما صدقت لقت فرصة تهرب بيها معايا علشان تخلص من ظلمكم إنتم الإتنين
جحظت عيناي ياسين بذهول وهز رأسهُ يستنكر ما تفوهت به إبنته،ثم سألها بإندهاش غير مستوعب ما أستمعهُ منها:
-إنتِ بتقولي لي أنا الكلام ده يا سيلا؟
أجابته بنبرة تأكيدية فظة خالية من الإحترام وذلك لإصابتها بحالة من عدم الإتزان جراء صدمتها من وفاة والدتها بتلك الطريقةِ البشعة:
-إنتَ ظالم يا بابي،حضرتك ما اكتفيتش بإنك ظلمتها وهي عايشة،وبدل ما تروح تجيب حقها من اللي قتلوها،سايب الست اللي كانت سبب مباشر في موتها تقعد في بيتها وتحاول تاخد مكانها،أنا متأكدة إنها كمان شوية هتيجي تسكن جناح مامي وتاخد مكانها
واستطردت بصفاقة:
-وطبعاً حضرتك مش هيكون عندك أي مانع،ما هي حبيبة القلب ومن حقها تعمل اللي علي كيفها
نهرها طارق بنبرة حادة ليجعلها تستفيق مما هي عليه:
-عيب الكلام اللي بتقوليه ده يا سيلا
وأكمل بإحتدام:
-ثم إنتِ إزاي تسمحي لنفسك تتكلمي مع أبوكِ بالطريقة الفظة دي؟
نظرت إليه ودموع الألم والحسرة والفراق تلائلائت في عيناها وتحدثت بنبرة مُتألمة:
-وحضرتك عاوزني أتكلم إزاي بعد ما سمعت إن عدوة أمي جاية علشان تستولي علي مكانها وتمحي أي وجود أو ذكري ليها
واستطردت بما اخبراها به قسمة وداليدا وهي تنظر لها بمقتٍ:
-تقدري تقولي لي إيه اللي مقعدك في أوضة حمزة من إمبارح،عاوزة تظهري له إنك أحن عليه من مامته وتخليه يحبك؟
ده مش بعيد كمان تكوني بترسمي علي إنه يقولك يا مامي في المستقبل؟
وضعت مليكة كفاها علي فمها ونزلت دموعها وباتت تهز رأسها بذهول في حين تحدث حمزة مأنباً شقيقته:
-كفاية إتهامات باطلة يا سيلا،إسكتي
صاحت بشقيقها:
-إسكت إنتَ يا حمزة،إنت لسة صُغير ومش فاهم حاجة
هز ياسين رأسهُ بإستسلام من تفكيرها العقيم وأردف قائلاً بنبرة حادة:
-إنتِ مافيش فايدة فيكِ،ولعلمك،مش مليكة هي السبب في موت أمك زي ما بتفتري عليها،أمك هي اللي قتلت نفسها بغبائها وتهورها ومشيها زي التابع ورا أي حد
واستطرد بأسي:
-للأسف،ليالي هي الجاني الوحيد في قتلها يا سيلا،ويظهر إن إنتِ كمان هتعملي زيها وتمشي ورا كلام الناس وتخليهم يحركوكي زي الماريونيت
أدمعت عيناها جراء إهاناته لها وتحدثت:
-أنا هريحك مني خالص،من بكرة هرجع ألمانيا واتابع كليتي ومش هتشوف وشي غير في الأجازات الرسمية
إتسعت عيناه بذهول وتحدث بنبرة حادة:
-ألمانيا دي إيه اللي بتفكري ترجعيها تاني بعد اللي حصل؟
وأشار بسبابته إليها بنبرة صارمة بعدما فاض بهِ الكيل جراء هرائها:
-إسمعي الكلام ده وركزي فيه كويس
واستطرد بإبانة:
-أنا كلمت إيهاب وقولت له يصفي كل حاجة خاصة بحياتك هناك ويجيب حاجتك وحاجة ليالي الله يرحمها،وأنا هحول لك من الجامعة الشؤم دي وهرجعك تعيشي في إسكندرية تاني، وهحول لك دراستك في فرع الجامعة الألمانية اللي في القاهرة
واسترسل بإيضاح:
-بس الكلام ده هنفذه من أول السنة الجاية لأن لا نفسيتك ولا الوضع الأمني حالياً يسمحوا إنك تكملي السنة دي،علشان كدة هقدم لك إعتذار عن حضور الإمتحان وهتقعدي السبع شهور اللي جايين في البيت لحد السنة الجديدة ما تبدأ
إتسعت عيناها بذهول وهي تستمع لقرراتهِ المدمرة لجميع أحلامها وهتفت برفضٍ قاطع وهي تهز برأسها عدة مرات متتالية:
-وأنا مش هسيب جامعتي في ألمانيا تحت أي ظروف يا بابي
واسترسلت بإتهام صريح:
-حضرتك ليه مُصر تكسر كُل حاجة حلوة في حياتي وتحرمني منها؟
أجابها بنبرة حادة:
_إنتِ شكل اللي حصل لأمك أثر علي مخك وخلاكي تهلفطي بكلام مش محسوب
أكمل علي حديثهُ عز الذي إقترب منها وسحبها داخل احضانه في محاولة منه لإحتواء غضبها العارم وتحدث بنبرة تعقلية مراعياً لحالتها النفسية وصدمتها،رغم إعتراضهُ علي إسلوبها الخالي من الأدب التي تحدثت به مع والدها،لكنهُ رأي أن الأن ليس بوقت الحساب:
-إفهمي يا سيلا،أبوكِ خايف عليكِ،ما هو كمان مش معقول هيأمن عليكِ ويبعتك ألمانيا تعيشي وتكملي تعليمك هناك ويتعامل مع الموضوع بطبيعية ولا كأن حصل حاجة
واسترسل بإيضاح:
-ده غير إننا لسة ما وصلناش للجماعة اللي قتلت ليالي واللي كانوا قاصدينك معاها واللي أكيد هيحاولوا تاني معاكِ
أردفت منال هي الآخري بموافقة علي حديث عز:
-جدو وبابي عندهم حق يا سيلا،وحتي لو هما كانوا وافقوا علي موضوع سفرك،أنا لا يمكن كنت أوافق إني أبعتك علي الموت علشان تواجهي نفس مصير أمك
بكت بحُرقة واستسلام وكادت أن تطلب من والدها بأن يعدل عن الإعتذار وانها قادرة علي إجتياز الإختبارات لكن أوقفها صوت مليكة التي صرخت متأوهة بعدما تحاملت علي حالها بما يكفي:
-أااااااااه
إلتفتت إليها يُسرا بإرتياب وهتفت ثريا بذُعر:
-مالك يا مليكة
هتفت بذعر وألم شديد:
-هموت يا ماما،همووووت
مليكة…نطقها وهو يهرول عليها بقلبٍ يخفق وكأنهُ يصارع الزمن

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى