روايات

رواية قلوب حائرة الفصل السادس والستون 66 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل السادس والستون 66 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت السادس والستون

رواية قلوب حائرة الجزء السادس والستون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة السادسة والستون

🦋 الفصل الخامس والعشرون 🦋
ماذا لو كانت الدُنيا خاليةً إلا مِنكَ يا مُتيمي
ويا ضَحِكةْ زماني بعد العبوسِ
قسماً لكُنت إِسْتَوْطَنتُ ضَمتِكَ وجعلت من أحضانِكَ الدافئةُ سكنُنْ وبقيت بها دائم الجلوسِ
خواطر ياسين المغربي
بقلمي روز آمين
كانت تجلس بردهة المنزل ومازالت بثيابها،في إنتظار تلقي مكالمتهُ بعدما رأت إيهاب يقف بالحديقة ويتحدث بهاتفهُ بعدما أخذ هاتفها وفحصهُ بناءاً علي تعليمات سيدهُ
إستمعت إلي رنين هاتفها فاهتز جسدها وابتلعت لعابها رُعباً بعدما وجدت نقش إسمه علي شاشة الهاتف،ضغطت زر الإجابة وتحدثت بارتياب:
-أيوة يا ياسين
بمجرد نُطقها بتلك الكلمات إستمعت إلي سيلًُ جارف من الكلمات اللازعة والتي نطقها بصياحٍ عالي ونبرة شديدة الحِدة قائلاً:
-هو أنتِ يا ست إنت عاوزة تجلطيني،أنا مش قعدت معاكِ قبل ما تسافري وفهمتك وضعي الأمني وقُلت لك إني متنيل عندي مشاكل،إزاي تخلي واحدة غريبة تقرب منك ومن بنتي وبكل غباء تسلميها الفون في إديها
ممكن تهدي علشان نعرف نتفاهم…جُملة مُرتابة نطقتها بنبرات مُرتبكة فاحتد أكثر قائلاً بصياحٍ:
-نتفاهم إيه ونيلة إيه،أنا نفسي أعرف إنتِ بتفكري إزاي؟
تحدثت بإيضاح في محاولة منها لشرح الوضع إلي ذاك الثائر علهُ يُخفف من ثورته:
-يا ياسين ماحصلش حاجة لعصبيتك دي كلها،الست شكلها بنت ناس أوي وﻤن عيلة كبيرة،وده واضح جداً من لِبسها هي والستات اللي معاها،دول مجرد ستات مُرفهة عايشين حياتهم بالطول والعرض،وكُل خوفك منهم ملوش أي معني
واستطردت بنبرة لائمة:
-والدليل علي كلامي إن إيهاب أخد التليفون وأداه لكامل أول ما وصلنا وما لقاش عليه أي حاجة غير إن الست سيفت إسمها وبس،يعني إنتَ عملت مُشكلة من موضوع تافه وبيحصل مع أي حد هنا في الغُربة
سألها بنبرة حادة:
-وهي علشان ما أستغلتش تليفونك من أول مرة تبقي كدة موثوق فيها؟
واستطرد بحِدة أكثر:
-والسؤال المهم،هي الهانم إدت رقمها للبرنسيس بنت الناس الواااو أوي دي ليه؟
لتكوني فاكرة نفسك هتتعرفي عليهم وتخرجي معاهم يا ليالي؟
وإيه اللي يمنع إني أخرج معاهم يا ياسين؟!سؤال وجهتهُ له فأجابها بنبرة جادة:
-اللي يمنع وضع جوزك الأمني يا مدام،قُلت لك إني مستهدف الفترة دي ولازم ناخد إحتياطتنا ونكون حذرين جداً في تعاملنا مع الناس الغريبة
بإعتراض صاحت بعلو صوتها قائلة بلكنة غاضبة:
-وأنا مالي بمشاكل شُغلك يا ياسين،تدخلني فيها ليه؟ثم أنتَ لسة قايل بنفسك،إنتَ اللي مُستهدف مش إحنا،تحبسنا وتكتم حُريتنا معاك ليه؟
جحظت عيناه وكاد عقلهُ أن ينفجر جراء عُقم تفكير تلك الرَعْناء:
-إنتِ يا سِت إنتِ مجنونة ولا بتستعبطي،هو أنتِ عقلك فاضي لدرجة إنك مش مستوعبة إنهم عاوزين يوصلوا لي من خلالكم؟
واسترسل بصياحٍ مرتفع:
-هما قاصدين يأذوني فيكم إفهمي
وأنا تعبت من العيشة دي وما بقتش قادرة أتحمل أكتر من كدة يا ياسين،تعبت من الأوامر والتحكُمات الفارغة والسجن اللي إنتَ معيشني فيه…كلمات صارخة نطقتها
واستطردت باعتراضٍ حاد:
-مش كفاية متغربة أنا وبنتي لوحدنا من غير أهلنا وأصحابنا،كمان عاوز تحبسنا بين أربع حيطان وتبعدنا عن كُل الناس؟
هي الهانم مش واخدة بالها إنها مسافرة علشان تقعد مع بنتها اللي بتتعلم ولا إيه؟هكذا تحدث ساخراً،ثم استطرد بلكنة اكثر حِدة علها تستفيق من غفلتها:
-فوقي لنفسك يا مدام،إنتِ مش رايحه علشان تتفسحي وتعملي شوبنج،سيادتك رايحة مع بنتك اللي بتبني مستقبلها لو مش واخدة بال معاليكي
هتفت بإعتراض:
-وده معناه إنك تحبسني في البيت وتحرمني أكون صداقات مع ناس شبهي ومن مستوايا؟!
كلمة كمان وقسماً بالله يا ليالي هبعت أجيبك إنتِ وبنتك من بكرة وتتحرق كليتها علي أم مستقبلها اللي من الواضح إنه أخر إهتماماتك،ده إذا كان في بالك أصلاً…نطقها بصرامة جعلت تلك الواقفة بجانبة تُحاول أخذ الهاتف منه قائلة:
-ممكن تهدي وتبطل عصبية،هات التليفون ده
إبعدي يا مليكة وما تتدخليش…نطقها وهو يرمُقها بعيناي تطلقُ شزراً فتحدثت بإصرار متجنبة خشيتها من غضبه:
-ماينفعش تتكلموا وإنتَ غضبان كدة يا ياسين،إقفل وحاول تهدي وسيبها هي كمان تهدي وبعدها إبقوا إتكلموا بالعقل
وضعت يدها فوق كفهِ المُمسك بالهاتف ونظرت إليه تترجاه بعيناها بأن يُفلت الهاتف من يده،زفر بقوة وفك وثاق قبضتهِ فامسكت هي الهاتف وتحدثت بنيرة جادة:
-إقفلي يا ليالي ولما تهدوا إبقوا كملوا كلامكم
تفاجأت من تصرف مليكة المُباغت والتي لم تتوقعهُ فتحدثت بخفوت بعدما شعرت بالخجل جراء أفعالها المعادية لها طيلة الفترة المُنصرمة والغير مُبررة:
-مُتشكرة يا مليكة
أجابتها بنبرة جادة:
-ما عملتش حاجة تشكريني عليها،المهم خلي بالك من نفسك ومن أيسل
واسترسلت لتُنهي المكالمة:
-تصبحي علي خير
وإنتِ من أهله…جُملة نطقتها بروح إنهزامية وبعدها نظرت إلي إبنتها التي هبطت مُنذُ القليل من أعلي الدرج مُسرعة بعدما إستمعت لصياح والدتها العالي اثناء مناوشاتها مع أبيها،سألتها بفطانة بعدما إستمعت لأواخر الحديث:
-دي مليكة؟
أومأت لها بصمتٍ فاسترسلت الفتاة مستفسرة:
-بتكلمك ليه؟
أخذت نفساً عميقاً وزفرته بقوة في محاولة منها لإخراج ما أصابها من غليان أثناء معركتها مع ذاك المُحارب القوي ثم تحدثت بعيناي تائهة:
-أخدت الفون من ياسين لما أتنرفز عليا وخلته يهدي
ثم تنهدت بهدوء وأسترسلت:
-وقالت له سيبها لما تهدي وبعدين إبقوا إتكلموا
قطبت الفتاة جبينها باستغراب وباتت تنظر أمامها بتفكُر مُثبتة نظرها في نقطة اللاشئ،هزت رأسها لتُخرج تلك الأفكار التي حاولت إقتحام عقلها المُتمرد ثم أردفت متسائلة:
-بابا قال لك إيه علي موضوع السِت بتاعة المطعم؟
زفرت بقوة وكأنها إستفاقت علي سؤال إبنتها فتوجهت إلي إحدي الأرائك وجلست واضعة ساقاً فوق الأخري وتحدثت بتمرُد:
-البيه باباكي عاوزني أدفن نفسي في البيت هنا وأعيش بين أربع حيطان بحجة إنه خايف علينا
هتفت الفتاة بإيضاح لوالدتها:
-حضرتك ليه مش قادرة تستوعبي إن بابي منصبه حساس وطبيعة شُغله خلت عنده أعداء مستنيين أي فرصة ينتقموا فيها منه علي كل الخساير والإنهزامات المتكررة اللي عاشوها بسببه
رمقتها بنظرة ساخرة وتحدثت بتهكُم:
-شُغل أبوكِ خلاه موهوم وطول الوقت بقي عنده هاجس إن الجماعات الإرهابية اللي بيحاربها قاعدين متربصين له وهينتقموا منه في الوقت المناسب
طب ما هي دي الحقيقة يا مامي..هكذا نطقت الفتاة فتحدثت والدتها بتقليل من حجم الموضوع:
-ما تخليش أفكار ياسين تسيطر علي دماغك وتشتتك،لو نجح في إنه ينقل لك الهاجس اللي عنده مش هتعرفي تستمتعي بأي حاجة في حياتك،وهتعيشي تتلفتي حواليكِ طول الوقت وإنتِ شاكة في كل الناس
الحذر مطلوب يا مامي…هكذا نطقت الفتاة بتعقُل فهتفت ليالي بتمرد:
-الحذر والشك بيقتل أوقاتنا الحلوة وبيخلي العمر يعدي من غير ما نحس بيه ولا نستمتع بجمال الحياة،ياسين إتجنن وهيجننا كُلنا معاه
واسترسلت بعدما هبت واقفة لتُنهي حديثها مع الصغيرة:
-أنا هطلع أوضتي أخد شاور وأحاول أعمل meditation أخرج بيه كل negative energy اللي سببها لي سيادة العميد وضيع عليا فرحة الخروجة
تنهدت الفتاة بأسيى وتحركت خلف والدتها وصعدت عبر الدرج في طريقها إلي غُرفتها لتقوم بمتابعة دروسها
❈-❈-❈
عودة إلي ياسين
كان يجوب الحُجرة ذهاباً وإياباً وكل ذرة من جسدهِ تنتفضُ غضباً من تصرفات تلك الخرقاء التي تتصرف برُعُونة وكأنها طفلة ذات السادسة عشر لا إمراة بالغة،إقتربت عليه مليكة وقطعت طريقهُ كي تجبرهُ علي التوقُف وتحدثت وهي تنظر لعيناه بتوسُل:
-ممكن تهدي شوية وتبطل عصبيتك دي
نظر لها ومازال الغضب يُسيطر عليه وتحدث بنبرة شديدة الحِدة:
-بتطلبي مني أهدي إزاي وانا سايب بنتي عايشة مع واحدة ماشية من غير مُخ،دي عاوزة تجلطني،المصيبة إني منبه عليها قبل ما تسافر وقايل لها تسمع كلام إيهاب وتنفذه وما تحاولش تحتك بحد
نظرت إليه وأمسكت أسفل بطنها وتحدثت في محاولة منها لحثهُ علي التوقف:
-ياسين،أنا بتعب لما بشوفك متوتر بالشكل ده،أرجوك كفاية
زفر بقوة ولام حالهُ عندما رأي الإمتعاض يُسيطر علي ملامحها،أمسك كفها بإحدي يداه وباليد الاخري أسندها وتحدث وهو يحثها علي التحرُك إلي التخت:
-أنا أسف يا حبيبي،ما أخدتش بالي إن نرفزتي هتأثر عليكِ وعلي البنت
هزت رأسها بهدوء وتمددت فوق الفراش بمساعدته ثم وضع لها إحدي الوسائد خلف ظهرها عَلها تسترخي،جلس علي طرف الفراش ولف جسدهِ في مواجهتها وتحدث وهو يتحسي موضع جنينهُ كي تشعُر ببعض الراحة:
-أنا أسف
ولا يهمك يا حبيبي…نطقتها بابتسامة خافتة وضلا علي وضعهما ما يُقارب من العشر دقائق قضاها يتلمس موضع جنينهُ حتي شعر بهدوء حبيبته واستكانتها نظر عليها وسألها باهتمام:
-بقيتي أحسن؟
الحمدلله…نطقتها بعيناي مُبتسمة ثم تحدثت وهي تتأهب للنزول من فوق التخت حيث كانت الساعة لم تتخطي العاشرة ليلاً بعد،وكانت قد شعرت ببعضاً من النُعاس بعد تناولها وجبة العشاء بصحبة ثُريا وياسين والأطفال وصعد معها زوجها لتنالُ قسطاً من الراحة هي وجنينها وقد حدث ما حدث:
-تعالي ننزل نقعد شوية مع ماما والأولاد
إعتدل ووقف ليُسندها وتحدث بنبرة هادئة:
-حاضر يا حبيبي،أنا أساساً كُنت نازل علشان أتكلم شوية مع عمتي
واسترسل بإبانة:
-لينا فترة ما أتكلمناش مع بعض
أومأت له بهدوء ووقفت أمامهُ فضمها إليه وتحدث بنبرة أسفة:
-حقك عليا يا حبيبي،أنا عارف إنك مضغوطة بسبب الحَمل ومحتاجة هدوء وراحة الفترة دي،بس غصب عني،إنتِ شايفة بنفسك اللي أنا فيه
ما تشغلش بالك يا حبيبي،أهم حاجة تاخد بالك من نفسك أكتر من كدة وتبطل عصبيتك الزيادة دي،كدة غلط علي صحتك يا ياسين…نطقتها بصِدقٍ وحنان وصلاه فضمها أكثر لأحضانه وبعدها تحركا بجانب بعضيهما،نزلا إلي رُدهة المنزل وجدا مروان وأنس يجاوران جدتهما الحنون ويتسامرون بحميمية
وما أن رأهما أنس حتي هرول علي ياسين وأردف بنبرة حماسية:
-بابي
حملهُ وثبتهُ داخل أحضانه وقام بوضع قُبلة فوق جبينهُ بعدما وضع كفهُ خلف رأس الصغير محتوياً إياه بحِنو ثم تحدث مستفسراً:
-إيه اللي مصحيك لحد الوقت
هتف الصغير قائلاً بحُبُور:
-النهاردة الخميس وبكرة الجُمعة يا بابي
رفع ياسين أحد حاجبيه ونظر له مُتعجباً ثم أردف بمشاكسة:
-لا والله،تصور ما كنتش أعرف إن النهاردة الخميس وبكرة الجمعة يا بابي
ثم استرسل متسائلاً:
-وده معناه إيه بقى يا أنوس باشا
ضحك الصغير وهتف شارحاً بحُبُور:
-يعني بكرة أجازة يا بابي،وأنا هسهر وألعب براحتي النهاردة
ضحكت ثُريا علي مُشاكسات ياسين مع صغير غاليها وتحدثت وهي تُشير إليه ليُجاورها الجلوس:
-تعالي إقعد يا ياسين
تحرك حاملاً الصغير وانتظر حتي جلست مليكة بجانب مروان الذي وقف وافسح المجال لياسين ليجلس هو بجانب والدته علي الأريكة المُقابلة،نظر إليها وسألها مُستفسراً:
-أُمال عز فين يا عمتي؟
نام من حوالي نص ساعة ومروان دخله في أوضتي جوة…هكذا اجابته ثريا فتحدث مروان وهو ينظر إلى ياسين بإبتسامة واسعة:
-ده كان صعبان عليه يسيب القطر اللي حضرتك جبته لأنس إمبارح ونام وهو بيلعب بيه علي السجادة،لولا نانا كانت متبعاه وشافته وهو بيغمض عيونه كان وقع علي القطر وهو بيتحرك
ضحكت ثُريا وتحدثت بإبانة:
-أنا شيفاه من بدري وكل شوية يدعك في عنيه والنعس باين علي وشه،قُلت له تعالي يا حبيبي نام في حُضني،فضل يقاوح معايا ويقُول لي مش نعسان،وكل ده علشان ما يسيبش القطر لأنس
قهقه الجميع وهتف أنس وهو يلوحُ بكفهِ معترضاً:
-ده ما خلانيش لعبت بيه خالص يا بابي ولا حتي لمسته،أداني الدبابة وقال لي خدها إنتَ وانا هاخد القطر ليا
ضحك ياسين وتحدث ساخراً:
-وإنتَ سايبة يبلطج عليك وساكت له؟
هتف انس بنبرة حنون:
-ما أنا مش رضيت أزعله علشان هيعيط
ملس علي شعرهِ وتحدث بحنان أبوي:
-بُكرة هكلم محل اللعب وأخليه يجيب لك واحد وسيب له ده
تهللت ملامح الصغير وقام بوضع قُبلة فوق وجنتهِ تعبيراً منه علي إمتنانهِ وتحدث مُبتهجاً:
-ميرسي يا بابي
إبتسم له ثم أمسك كف يده الرقيق وقربهُ من فمه وقام بتقبيلهُ مما أسعد ثُريا ومليكة وأيضاً مروان الذي دائماً يري ياسين وهو يغمر شقيقهُ الصغير بالحنان والإهتمام ولا يُفرق بين معاملتهِ وعز
وجهت مليكة حديثها إلي أنس وهي تتأهب للوقوف إستعداداً لدخولها إلي المطبخ كي تُعطي الفُرصة إلي ياسين للتحدُث علي إنفراد مع ثُريا كما أخبرها بالأعلي:
-طب يلا يا بطلي تعالي معايا المطبخ إنتَ ومروان علشان نجهز حبة مكسرات ونعمل أحلي سموزي لزوم السهرة
أردفت ثُريا بإبانة:
-عَلية والبنات لسة صاحيين وموجودين في المطبخ يا مليكة،خليهم يجهزوا لك اللي إنتِ عوزاه وما تتعبيش نفسك
تحدثت بإبتسامة حنون:
-مش مستاهلة يا ماما،هما أكيد تعبانين من شغل البيت طول اليوم
ثم استرسلت وهي تنظر إلي طفلاها بمرح:
-وبعدين أبطالي بيفرحوا لما بيدخلوا معايا المطبخ ونجهز لسهرتنا بنفسنا،كدة ولا إيه؟
وافقاها الصغيران بابتسامات مرحة وتحركا بجانبها متوجهين الى المطبخ تحت سعادتهم،نظر ياسين إلي ثُريا ثم نظف حنجرتهُ وتحدث بنبرة حَرجة:
-الباشا رجع ماما تاني لعصمته
صمتت ثُريا بملامح وجه مُبهمة،فاسترسل ياسين بايضاح:
-هو كان مُصمم علي رأيه وكان عاوزها تسيب البيت بعد سفر شيرين،وبصراحة أنا وطارق اللي ضغطنا عليه
وقص لها مختصر ما حدث بتلك الليلة فأردفت تلك الخلوقة بنبرة هادئة:
-إنتَ وطارق عملتوا اللي كان لازم يتعمل يا أبني،مكانش ينفع تسيبوا والدتك تخرج من البيت وهي في السِن ده،
وإن كان علي سيادة اللوا فشوية وهينسي ويرجعوا زي ما كانوا تاني
يعني حضرتك مش زعلانة مني يا أمي؟سؤال وجههُ لها ياسين فنظرت إليه باستغراب واردفت بنبرة صادقة:
-وأنا أزعل إنك طلعت بار بأمك يا ياسين؟!
واستطردت بايضاح:
-أنا كُنت هزعل بجد لو اتخليت عن أمك وسبتها تخرج من بيتها وهي في السِن ده،وقتها كُنت هحس إن تربيتي أنا وجدتك مُنيرة الله يرحمها راحت هدر
تنهد براحة وتحدث بعيناى شاكرة:
-ريحتيني يا أمي،ربنا يطمن قلبك
ربتت علي كف يده وتحدثت بنبرة هادئة:
-من الناحية دي طمن بالك يا ياسين
واسترسلت بنبرة ذات مغزي:
-طول ما كُل واحد مننا قاعد في بيته وكافي غيره شره،مش هيبقي فيه مشاكل أبداً وكلنا هنعيش مرتاحين
علم أنها تود التأكيد علي عدم رغبتها لدخول منال منزلها مرةً أخري وأيضاً والدهُ منعاً لإثارة المشاكل من جديد،تنهد بأسي وعذر تفكيرها واتخاذها لذاك القرار الصعب والمُميت للجميع وبالاخص أبيه
وعندها خرجت مليكة بإصطحاب الصغيران وهما يحملان بعض المقرمشات وتَلَتهُم مُني وعَلية التي تحدثت بترحاب وهي تنظر إلي ياسين بتوقير:
-مساء الخير يا ياسين باشا
بابتسامة خافتة أجابها:
-مساء النور يا عَليه
سألته باهتمام:
-أعمل لجنابك فنجان قهوة؟
وقبل أن يُجيب بنعم التي ظهرت حروفها فوق شفتاه وداخل عيناه تحدثت عاشقة زوجها باعتراضٍ قاطع:
-لا يا دادة،سيادة العميد شِرب قهوته فوق ﻤن شوية
واسترسلت وهي تتناول كأسان من مشروب البرتقال الطازج من فوق الحامل التي تحملهُ مُني بين ساعديها:
-أنا عملت له البرتقال اللي بيحبه هو وماما…نطقتها وهي تناولهُ أحدهما والأخر إلي ثُريا مما جعلهُ يشعر بأهمية وجودهُ بحياة إمرأة أحلامه،تناولهُ من يدها بإبتسامة رضا وتحدث إلي عَلية بمداعبة:
-الحكومة أمرت خلاص يا عَلية
إبتسمت بحبور وتحدثت:
-ربنا يخليها لك يا باشا
تسلمي يا عَلية…هكذا نطقها واتخذ الجميع أماكنهم وتحركت مني إلي الداخل،وجهت عَلية سؤالها إلي تلك الراقية:
-الفول إستوي وزبد يا هانم وطفيت النار عليه،أبعت منه للست راقية زي ما طلبت منك الظهر؟
ولا أبعتهولها بكرة؟
أومأت بهدوء وتحدثت:
-إبعتي لها الوقت أكيد لسة صاحية
صفق أنس بابتهاج وتحدث بصياحٍ وحماس:
-بكرة الجمعة وجدو عز وجدو عبدالرحمن هييجوا يفطروا معانا زي من قبل
واسترسل وهو ينظر إلي عَلية:
-إعملي فول بالطحينة لجدو عز يا دادة،نانا قالت لي إنه هييجي الجمعة دي
واسترسل متسائلاً:
-صح يا نانا،مش إنتِ قُلتي لي العيلة كُلها هتيجي تاني قريب
نزلت كلماته العفوية علي قلب تلك الراقية وكأنها سوطاً جلدته بقوة فألمته بشدة ظهرت فوق ملامحها مما جعل الجميع يحزن لأجلها لعلمهم أهمية تجمُع عائلتها وما يُعنيه لها
أمسكت مليكة كأس المشروب البارد من فوق الصَنية الموضوعة علي المنضدة وتحدثت لإلهائه:
-يلا إشرب السموزي اللي عملته بنفسك.
بالفعل تحدث مهللاً:
-شفت يا بابي،عملت سموذي مانجو لوحدي
برافوا عليك يا بطل،أقعد بقي أشربه علشان ما يدلقش ويبهدل لك هدومك…هكذا حدثهُ ياسين فجلس الصغير وبدأ الجميع بتناول مشروبهم وتحركت عَلية عائدة إلي المطبخ واكمل الجميع سهرتهم تحت سعادة مليكة بوجود جميع أحبائها حولها
❈-❈-❈
داخل منزل سراج ونرمين
كان يجلس وحيداً ببهو المنزل بعدما غفت صغيرته ونجل زوجتهِ مُنذ ما يُقرب من الساعة بمساعدة العاملة المسؤلة عنهما،أما نرمين فمُنذ أن عادت معهُ من سهرتهما عند شقيقتها وزوجها وهي تقطن حُجرتها بالأعلي بعدما أصبح هذا حالها مؤخراً
زفر بضيق وهو يضغط فوق الزر المسؤول عن تغيير القنوات عبر جهاز التحكُم التابع إلي شاشة التلفاز الذي ينظر إليها،ضغط زر الإغلاق وهب واقفاً وتحرك نحو الدرج ليصعد إلي تلك المُتمردة علي حياتها
دخل إليها وجدها تقف بشُرفتها تتطلع للأمام ويبدوا علي ملامح وجهها الاستياء،جاورها الوقوف وسألها مستفهماً:
-طب ولما أنتِ لسة صاحية قاعدة هنا وسيباني قاعد لوحدي تحت ليه؟
إبتسمت بجانب فمها بطريقة ساخرة وتحدثت دون التطلع إليه:
-هيفرق معاك قوي وجودي جنبك من عدمه
إيه الكلام الغريب اللي بتقوليه ده يا نرمين…هكذا تحدث ثم استرسل مفسراً:
-أكيد طبعاً وجوك بيفرق معايا
لفت جسدها إليه بمباغتة ثم هتفت صائحة بنبرة غاضبة وعيناي تطلقان شزرا:
-مش حقيقي يا سراج،لا قعادي جنبك ولا أنا كُلي بعني لك أي شئ،الحاجة الوحيدة اللي بتعني لك هي الانتخة وقعدة الكنبة سواء هنا أو عند ماما
إنتِ عاوزة تقولي إيه يا نرمين…هكذا سألها فأجابته بنبرة حادّة:
-عاوز أقول إني تعبت وخلاص زهقت
سألها مستفسراً:
-وإيه اللي ناقصك علشان تقولي كده؟
دلفت إلي الداخل ووقفت تنظر إليه ثم تحدثت بنبرة ساخطة:
-ناقصني أحس إني سِت ومرغوبة من جوزي،نفسي أشوف حبك ولهفتك عليا
طب ما أنا بحبك يا نرمين…جُملة نطقها بعيناي صادقة،فهتفت تلك الحانقة بنبرة انفعالية:
-وهو الحب كلمة بتتقال وخلاص يا أستاذ؟
روح شوف صاحبك ياسين بيعمل إيه واتعلم منه،شوف إزاي اهتمامة مخلي الكل يبص علي واحدة زي مليكة علي إنها برنسيس وبيعاملوها كملكة
واستطردت باعتراضٍ ساخط:
-تيجي إيه مليكة جنب أصلي وانوثتي وجمالي علشان راجل في مركز ياسين يعمل المستحيل علشان يرضيها ويشوفها سعيدة
صاح منفعلاً:
-مية مرة أقول لك أنا مليش دعوة بحد،كل واحد ليه طريقته اللي تناسب تفكيره وممشي بيها حياته،وهي دي حياتي وده طبعي اللي كنتي قبلاه ومتعايشة معاه
وسألها باستغراب:
-إيه بقي اللي حصل وقلبك عليا وفجأة حسيتي إني مش الراجل اللي قادر يسعدك؟!
هتفت بحِنقٍ شديد:
-اللي حصل إن كُل يوم بعيشه معاك بحس إني بكبر فيه سنين، لدرجة إني بقيت حاسة إني عجزت وانا لسة في عز شبابي
كان يستمع إليها بنظرات مذهولة وقلبٍ حزين من هول صدمته مما استمع،وبدون مقدمات تحدث بنبرة جادة:
-وأنا لا يمكن أسمح لنفسي أضيع لك عُمرك علي الفاضي يا نرمين
قطبت جبينها وسألته مستفسرة:
-قصدك إيه يا سراج؟
هتف بإبانة:
-قصدي واضح يا بنت الناس،إنتِ عُمرك ما حبتيني ولا شُفتيني زوج مناسب ليكِ،رغم إني حبيتك وبقيتي إنتِ وأهلك عيلتي التانية
وسألها بما جعل داخلها يتخبط ويرتبك:
-شوفي إيه اللي يريحك وأنا هعملهولك،ولو حابة الطلاق يتم من بكرة أنا جاهز
جحظت عيناها ونظرت إليه باستياء ثم هتفت بنبرة غاضبة:
-طلاااق؟
هو ده اللي ربنا قدرك عليه علشان تقوله بعد كل كلامي ده؟
أُمال إنتِ عاوزة إيه؟هكذا صاح بكل صوته فتحدثت بنبرة حادة وعيناي صارخة:
-عوزاك تحس بيا وبوجعي،من حقي أكون محور الكون بتاعك،نفسي أحس إن جوزي بيحبني بجنون وتظهر ده للعلن وأحس بقيمتي في عيونهم
وتفتكري لو أنا عملت ده هترضي وترتاحي يا نرمين؟سؤال حكيم وجههُ لها ليجعلها تتخبط وهي تُفكر به،فتحدثت بنبرة مُتخبطة:
-أكيد هرضي وحياتنا هتختلف
مش هيحصل والدليل علي كدة إني حجزت لك في أوتيل زي ما طلبتي وقعدنا فيه ليلتين بحالهم،بس ما شفتش في عنيكِ الفرحة عارفة ليه؟
دققت النظر إليه تنتظر باقي كلماته بتمعُن فاسترسل بنبرة بائسة يملؤها الإنهزام:
-علشان عُمرك ما هتحسي بالاكتمال والسعادة طول ما ناقصك الرضي،وده عُمرك ما هتوصلي له طول ما عينك مركزة مع الناس وعاوزة تعيشي حياتك نسخة من حياتهم
إتسعت عيناها وسألته بحِدة:
-إنتَ عاوز توصل لي إني بغير من مليكة؟
أجابها بإبانة:
-أنا مجبتش سيرة مليكة،بس طالما أنتِ ذكرتي الموضع فحابب أقول لك كلمتين وياريت تحاولي تفهميهم،لا أنتِ مليكة،ولا أنا عمري هكون نُسخة ياسين،كل واحد ليه طبعه وبصمته الخاصة بيه في حياته،واللي مهما حاول يغيرها مش هيقدر وهيعيش تايه فاقد الهوية،لأنه هيكون مجرد مسخ تابع ومهما حاول عُمره ما هيرضي عن نفسه
نزلت دموعها بقهر وتحدث هو بنبرة جادة:
-أنا هنام في الأوضة اللي جنب أوضة الولاد لحد ما أشوف الوقت المناسب،وأكلم عمك ووالدتك علشان ننهي موضوع الطلاق بكل هدوء
واسترسل وهو يقترب من خزانته وينتقي إحدي مناماته البيتيه:
-وما تقلقيش،كل حقوقك هتاخديها وزيادة،ومن ضمنهم البيت ده
قال كلماته وهو يواليها ظهره ثم تحرك إلي الخارج وصَفق خلفهُ الباب دون النظر إليها مما جعلها تتخبط وترتمي فوق أقرب مقعداً وهي تهز رأسها بارتياب وتيهة،ما الذي حدث للتو،هل هذا حقاً ما كانت تسعي له وتريدهُ؟
أصبحت تائهة فاقدة الهوية لا تعلم ماذا تُريد من الحياة،لقد أصبح داخلها كصحراءٍ خاوية بعدما سلمت حالها لوساوس الشيطان وأنجرفت خلفهُ دون أدني مقاومة
❈-❈-❈
كان يتحرك داخل الرواق الخاص بمنزلهُ بالطابق الأعلى قاصداً الوصول إلي حُجرته،وكانت الساعة قد تخطت الواحدةِ صباحاً بعد منتصف الليل،قطع طريقه تلك التي خرجت كالإعصار من غُرفتها وكأنها كانت بانتظار عودته وتراقبهُ،نظرت إلي هيأته المُنمقة وأشتعل داخلها،حيثُ كان أنيقاً للغاية بحِلته السوداء ورابطة عنقهِ الزرقاء مع تصفيفهِ المُرتب لشعر رأسهُ الأبيض الذي يُعطي لهُ جاذبية خاصة،وما زاد جنونها هو عطرهُ المميز الذي يفوحُ منه مما جعلهُ يبدوا وكأنهُ نجماً سينمائي
تحدثت بعيناي تتأكل من شدة غيرتها:
-كنت فين ومع مين لحد الوقت يا عز؟
واسترسلت بسؤال شرس:
-ومن أمتي أصلاً وإنتَ بتسهر برة البيت؟
رمقها بنظرة استخفافية ولم يعر لحديثها إهتمام،تابع خطواتهِ للأمام متجاوزاً وقوفها وكأنها هي والعدم سواء،جن جنونها من إحتقارهِ لها وتجاهُلهُ لشخصِها بتلك المهانة فهرولت خلفهُ ووقفت لقطع الطريق أمامهُ ثم تحدثت بعيناي تكادُ تصرخ من شدة رفضها للإهانة:
-لحد امتي هتفضل متجاهل وجودي بالشكل المُهين ده؟
كفاية عقاب لحد كدة يا عز،حرام عليك اللي بتعمله فيا ده…قالتها بضعف وعيناي راجية كي تستجدي تعاطفهُ عَلهُ يتراجع عن موقفهُ الصارم معها ويعود معها كسابق عهدهما
كان يستمع إليها بلامبالاة،واضعاً كفاي يداه داخل جيباي بِنطاله ثم أردف بتهاون:
-لو خلصتي الإستعراض بتاعك إرجعي علي أوضتك وياريت اللي حصل ده ما يتكررش تاني،لأن عواقبة هتكون وخيمة عليكي ومش هتقدري تتحمليها
واسترسل بعيناي حادة كنظرات الصقر:
-وأخر مرة هسمح لك تتدخلي في حياتي بالبجاحة ده
واستطرد باحتقار شاملاً إياها بنظرات استعلائية:
-مين إنتِ علشان تتجرأي وتقفي تسأليني كنت فين ولا مع مين؟
إستشاط داخلها من تلك المعاملة الدُونية التي ولاول مرة تتعرض لها علي الإطلاق،وعلي يد من؟
علي يد زوجها الذي طالما عاملها برُقي واحترام وتوقيراً برغم إلصاقها لقب فلاح علي اهلهِ طيلة الوقت واحتقارها والنظر لهم بدونية،يبدو وكأنهُ قد وصل للمنتهي في طريقهُ معها
هتفت ساخرة بنبرة حادة:
-شكلك نسيت إن أبقي مراتك ولازم أحافظ علي شكلي قدام الناس يا سيادة اللوا
أردف بإبانة ونبرة ساخطة:
-إنتِ اللي شكلك نسيتي السبب الحقيقي اللي مخليكي لسة قاعدة لحد الوقت في بيتي،فوقي لنفسك يا بنت الأكابر واعرفي حجمك ووضعك الجديد في البيت
واسترسل موضحاً:
-لازم تعرفي إني وافقت علي وجودك في البيت علشان خاطر ياسين وطارق وعلشان عيلتي وبس،لكن أنا لو عليا كنت خرجتك منه ومن حياتي كلها ومن زمان قوي
وأشار بيده مُتحدثاً باشمئزاز:
-إبعدي عن طريقي خليني اعدي
واسترسل متوعداً:
-وأول وأخر مرة تقفي في طريقي تاني،وإلا تستحملي اللي هيجري لك
قال كلماتهُ وتحرك بعدما مر بجانبها وتحرك بطريقهُ تاركاً إياها في حالة من الذهول وإنكار الواقع،هزت رأسها بعدم إستيعاب ثم تحدثت بفحيح وصوتٍ غاضب:
-ماشي يا أبن المغربي،إن ما خليتك تجي لي راكع ما أبقاش أنا منال هانم العشري
كانت تقف خلف باب حُجرتها الموجودة بنهاية الممر،لاصقة أذنيها فوق الباب تتسمع علي ذاك الثُنائي وهما يتشاجران بصوتٍ بالكاد يصلُ لديها،إرتعب داخلها وانتفضت عندما أستمعت لصوت ذاك الذي خرج للتو من الحمام بعد إنتهائهِ من الإغتسال حيث أردف مُتعجباً:
-بتعملي إيه عندك يا لمار؟
شهقت بقوة وانتفض جسدها وزفرت كي تستطيع التحكُم في ثباتها الإنفعاليّ،إلتفت لهُ وتحدثت بصوتٍ لائم:
-رعبتني يا عُمر،فيه حد يعمل كدة؟
رفع حاجبهُ بإستغراب وتحدث متعجباً:
-رعبتك إية يا لمار،إيه اللي موقفك ورا الباب كدة؟
أجابتهُ بابانة كي تُنفي عنها الشك:
-أنا كُنت قاعدة بشتغل علي اللاب توب وكان المفروض هتكلم فيديو كول مع ماركو،العضو المنتدب بتاع الشركة الاوربية بعد نُص ساعة،فسمعت صوت عالي جاي من برة،خُفت ميعاد المكالمة ييجي والصوت ده يظهر،فقلت أخرج اشوف فيه إيه
واسترسلت بايضاح:
-ولسة هفتح الباب لقيت صوت عمو وانطي منال،فقلت أشوف بيقولوا إيه علشان لو لقيتهم بيتكلموا في موضوع شخصي مش هخرج طبعاً علشان ما يتحرجوش مني، يدوب لسة هسمع وإنتَ خرجت
كان واقفاً مزبهلاً بمكانة،واضعاً منشفة كبيرة يلف بها خصره،وقطرات المياة تتساقط من شعرهِ بغزارة علي صدره،تحرك إلي خزانة الملابس ووقف امامها ينتقي ثياباً مناسبة للنوم،وتحدث ساخراً:
-يعني أنا كدة قطعت عليكِ وصلة التصنُت
واسترسل وهو يضحك ساخراً:
-يا بنتي ده انتِ لولا مراتي كُنت قُلت عليكِ جاسوسة وواقفة تراقبي الهدف
إنتفض قلبها جراء إستماعها لوصفهِ وتحدثت وهي تلتقط المأزر الخاص بها من فوق المقعد:
-ياسلام عليك وعلي هزارك السخيف يا عُمر
واسترسلت وهي تقترب من باب الحمام:
-أنا داخلة أخد شاور علشان عندي شغل بكرة بدري
سألها باستغراب:
-مش بتقولي عندك ميعاد شُغل مع ماركو؟!
إرتبكت ثم تحدثت وهي تُمسك مقود الباب وتُديره للفتح:
-لغاه يا عُمر…قالت كلماتها واختفت سريعاً خلف الباب هرباً لتأخذ نفساً عميقاً يدل علي مدي التوتر الذي اصابها جراء أسئلة ذاك الامعة
أما بالخارج فتعجب عمر وتسائل بصوتٍ مسموع:
-لحق لغاه أمتي؟
ثم هز كتفاه بلامبالاة واكمل ما يفعلهُ،إنتهي من إرتداء ثيابهُ،وقعت عيناه علي ذاك المعطف فتذكر أنه لم يرتديه مُنذُ فترة،أمسكهُ وبدأ بالتقليب به ليري ما إذا كان يحتاج إلي تنظيف فيُخبر العاملات لإرساله للمغسلة،أم أنهُ نظيفاً ويصلح لإرتدائهِ غداً
ضيق عيناه حين وجد فُتحة صغيرة كانت قد فتحتها تلك الشريرة ظُهراً كي تستكشف ما إذا كان ياسين مازال يراقبها ويشكُ بها،أم أن هذا الشك زال بوصول أول شُحنة واكتشافهِ بأنها خالية تماماً من أية ممنوعات،لكنها وجدت أجهزت التصنُت مازالت متواجدة فاشتعل داخلها وادخلت جهاز الكشف وكادت أن تحيك مكان الفُتحة كما كانت لولا دخول العاملة المفاجئ والذي جعلها ترتبك،وقامت علي أثرهِ بتوبيخ العاملة التي إعتذرت وذكرت أنها أتت للتنظيف ولم تكن علي دراية بوجودها بذاك الوقت
أدخل أصابع يده بعدما شعر بشئٍ بالداخل فأخرج ذاك الجهاز الصغير وبات ينظر به ويُقلبهُ بين أصابعه باستغراب،خرجت من الحمام بعد حوالي النصف ساعة،شعرت بالدماء تفورُ داخل نفوخها حين وجدته جالساً علي طرف الفراش واضعاً المعطف فوق فخديه،شعرت بأن نهايتها تقترب وما عادت ساقيها تتحملاها،رفع ذاك الجهاز وتحدث مُتعجباً:
-شفتي لقيت إيه في البالطو بتاعي يا لامي
واسترسل بتساؤل برئ وهو يتمعن النظر به:
-تفتكري مين حاطة هنا وإيه ده أصلاً،شكله كدة جهاز تصنت
وهُنا فقط إستطاعت التنفُس براحة بعدما استشفت داخل عيناه ومن نبرة صوتهُ عدم ريبة بالأمر،تحركت إليه وتحدثت بايضاح زائف وهي تلتقطهُ من بين يديه:
-ده جهاز تتبع واحدة صاحبتي طلبته مني علشان تحطه لجوزها في عربيته،أصلها شاكة إنه بيخونها
واسترسلت بابانة:
وأنا كلمت ماركو وبعتهولي مع شحنة الأجهزة بتاعة شركتنا
جذبها فسقطت بين أحضانه وتحدث وهو يُقبلها بوجنتها مداعباً إياها:
-إوعي تكوني إنتِ اللي بتشكي فيا يا روحي وحاطة لي الجهاز علشان تتأكدي من إخلاصي ليكِ
ضحكة عالية أطلقتها بدلال وهي تحك أنفها بخاصته كي تستطيع التحكُم في ذاك الابله وتحدثت:
-أنا عمري ما أشك فيك يا بيبي
واستطردت شارحة بزيف:
-كل الحكاية إن صاحبتي مسافرة،وأنا خُفت أحطه في مكان ويضيع مني،لقيت البالطو بتاعك قدامي وفيه قطع صُغير زي ما أنتَ شايف كدة،تقريباً غلطة من الدراي كلين لأنه كان لسة واصل من عندهم،فشيلته جواه علشان لما صاحبتي ترجع من السفر أديهولها
قالت كلماتها وطرحتهُ فوق الفراش بمنتهي المكر لتجعلهُ يذوبُ داخل أحضانها كي تُمحي من تفكيرهُ الواقعة
❈-❈-❈
بعد مرور حوالي إسبوعان أخران مرا في هدوء وكأنهُ الهدوء الذي يسبق العاصفة
دلف ياسين إلي جناحهُ الخاص بزوجتهُ التي تُشعرهُ وكأنهُ مَلك في حضرتها،وجد الجناح خالي منها فشعر بالغُربة الروحية تجتاح كُله،وجه بصرهِ إلي باب الحمام وجد الإنارة شاعلة داخلهُ فأطمئن قلبهُ وأستكان،خلـ.ـع عنه سترتهُ وقام بتعليقها وما أن إنتهي حتي وجدها تخرج من باب الحمام وتطُلُ عليه كقمرٍ مُنيراً بليلة إكتمالهِ،كانت ترتدي الثوب الخاص بالإستحمام ( البُرنُس ) بالكاد كان يصل لمنتصف فخديها،إبتسمت وأُنيرت ملامح وجهها حين وجدته ينظر إليها مبتسمً بوله
هتفت متسائلة بنبرة سعيدة وهي تتحرك إلي وقفته وتُضع كف يدها فوق صدرهِ بغنج:
-ياسين،إنتَ هنا من أمتي؟
لف ساعديه حول خَصـ.ـرِها وجذبها عليه لاصقاً إياها به وتحدث بنبرة رجُل يهيمُ شوقاً:
-لسه داخل حالاً يا قلبي
وأكمل بدلال وهو يُميل بجزعهِ ويُقرب وجههُ مداعـ.ـبً أنفها بخاصتهِ:
-علي فكرة،ياسين زعلان من حبيب جوزه قوي
إنتفـ.ـض قلبها وأصابت القشعريرة جسـ.ـدها بالكامل جراء قُربـ.ـهُ الذي وبرغم مرور السنوات إلا أن قُربـ.ـهُ مازال يجعل قلبها يثور وينتفض من مجرد لمساتهُ أو همساتهُ داخل أذناها
رفعت عيناها ومازال هو يداعب أنفها وتسائلت برقة وأنوثة زلزلت بها كيانهُ:
-يا خبر،طب وياتري إيه اللي عمله حبيب جوزه علشان ياسين يزعل منه أوي كدة؟
قام بسحب نفساً عميقاً كي يستطيع التماسك أمام طوفان مشاعرهُ الذي يجتاحهُ كُلما إستمع لنبرات صوتها الهائمة، وتحدث بمعاتبة لذيذة:
-هو ينفع حبيبي يدخل ياخد الشاور بتاعه لوحده من غير ما يستني جُوزه علشان ياخده معاه؟
إبتسمت وأردفت بنبرة رقيقة:
-وحبيب جوزه ميقدرش علي زعله أبداً
وأكملت بدلال وهي تنظر إلي مقلتاه التي تُشبة أمواج البحر بزرقة لونها وصفائها:
-لو تحب نعيد الشاور من جديد أنا معنديش مانع
مال علي جانب شفاها الكنزة وقام بوضع قُبـ.ـلة حميميـ.ـة فوقها ثم أبعد وجههُ وغمز لها بعيناه وتحدث وهو يمد يداه ويُزيح عن كتفاها ذاك الرداء ليسقط بلحظة ويستقر أرضً تحت ذهولها وسعادتها بنفس الوقت،مد يدهُ ونزع عنها غطاء الرأس البلستيكي ( البونيه) التي كانت تضعهُ كي يحفظ شعرها من البلل بعدما صففتهُ هي بمصفف الشعر الخاص بها،وما أن أزال عنها ذاك الغطاء حتي إنساب شعرها الحريري في مظهرٍ أذاب قلب ذاك العاشق وجعل من أنفاسهُ لاهثة
وتحدث بنبرة ذات مغزي:
-عدي وقت الشاور خلاص،ده وقت الجد يا حبيب جوزه
إبتسمت بخجل وقام هو بحسها علي التحرك للخلف ومازال ممسكً ساعديها بعناية إلي أن وصل بها إلي تختهما ليعيشا معاً ويتنعما داخل جولة عشقية بين ذاك العاشق وتلك الهائمة، حيثُ يُبدع ذاك الياسين محاولاً بإجتهاد بأن يجعل حياتهما دائمة التجدُد علي جميع الأصعدة
بعد مدة كان يجلس سانداً ظهرهُ علي التخت متخذاً حبيبتهُ أمامهُ ومحتضنها برعاية،تنفست براحة وتحدثت بعينان مغمضتان:
-ياسين
أجابها ذاك الهائم مهمهماً:
-أمم
سألته بنبرة هائمة:
-بتحبني؟
تنهد بحرارة وشدد من ضمتهِ لجسـ.ـدها ودفن أنفهُ داخل تجويف عُنقـ.ـها وأخذ نفساً عميقاً،ثم أجابها بنبرة رجُل عاشق حتي النُخاع:
بعشقك بجنون يا قلب ياسين،يا عُمر وحياة وكُل ياسين
كانت تستمع لكلمات غزلهِ بقلبٍ يهيمُ عِشقاً وروحٍ تُحلقُ في سماء الهوي،تنفست بإنتشاء وهمست بنبرة حنون:
-وأنا بحبك أوي يا ياسين
إبتسم بإسترخاء وأردف متسائلاً بدعابة وهو يتحسس موضع طفلتهُ:
-هي مِسك هانم مش ناوية تشرفنا ولا إيه،ده أنا حاسس إنك حامل فيها من سنة
ضحكت ثم تحدثت:
-خلاص هانت يا حبيبي،فاضل لي إسبوع وادخل في الشهر السابع،إدعي لي يا ياسين لاني تعبانة أوي المرة دي
ضمها وتحدث بطمأنة:
-ما تقلقيش يا حبيبي،إن شاء الله هتولدي وتقومي لي بألف سلامة إنتِ واللي جننت بابي وخطفت قلبه من قبل ما يشوفها
إبتسمت بسعادة وتابعا حديثهما حتي غفي كلاهما داخل أحضان الاخر
تخطت الساعة الثالثة فجراً،كان يغفو بجانبها يغطان معاً بسَباتٍ عميق،صدح صوت هاتفهُ الجوال ليُعلن عن وصول مكالمة هاتفية مما ازعج كلاهُما،فتحت عيناها وتحدثت وهي تحثهُ علي النهوض:
-ياسين،ياسين،تليفونك يا حبيبي
فتح عيناه ومد ذراعهُ ليلتقط الهاتف وتحدث بامتعاض:
-ده مين الرخم اللي بيتصل في الوقت المتأخر ده
وما أن نظر لشاشة هاتفهِ حتي فُزع من نومته وهب جالساً وتحدث بصوتٍ مُرتعب حين رأي نقش إسم صغيرتهُ فعلم حينها أن هُناك حدثاً جلل:
-فيه إيه يا أيسل؟
إلحقني يا بابي،تعالي بسُرعة…كلمات يملؤها الرُعب والألم نطقتها الفتاة من بين شهقاتها المتواصلة وصوتها المبحوح دلالةً علي بكائها لفترة طويلة
كادت أنفاسهِ أن تنقطع وشعر بروحهِ تنسحب من جسدهِ رويدا وهتف بصياحٍ أرعب تلك المجاورة له:
-إيه اللي حصل،إنطقي يا بنتي

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى