رواية قلوب حائرة الفصل السابع والسبعون 77 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت السابع والسبعون
رواية قلوب حائرة الجزء السابع والسبعون
رواية قلوب حائرة الحلقة السابعة والسبعون
🦋 الفصل السادس والثلاثون 🦋
أنَا تِلْكَ الجريحةُ الَّتِي إتَّهَمنِي الجميعُ بالتعالِي
قالوا مصابةً بداءِ الغرورِ مِثلِ والدَتِي ليالي
لم يشعروا برُوحِي التِّي تحترقُ داخلَ كيانِي
أوَلَم تسألُونِي عن ما الذي أَوْصَلنِي لتلكَ الحالةِ
من البرودِ واللامبالاةِ والشِّعورِ بعدمِ الأمانِ؟!
خواطر أيسل المغربي
بقلمي روز آمين
كانت تستند بظهرها متكأة علي مقعدها داخل الحديقة الخاصة بمنزل رائف رحمة الله عليه،حيثُ تجمع العائلة حول طاولة إفطار يوم الجمعة والذي عاد كما السابق بفضل منال التي تنازلت عن كبريائها وجنبت غرورها لإنقاذ ما يُمكن إنقاذهُ وجمع شتات ما تبقي من أسرتها
زفرت بضيق وهي تُقلب بهاتفها الجوال تتصفح بتملُل وتتنقل من خلالهِ بين مواقع التواصل الإجتماعي المتنوعة لكي لا تنخرط في الأحاديث العائلية الدائرة من حولها بين أفراد عائلتها الذين يتبادلون الأحاديث فيما بينهم بمنتهي الهدوء والتحضر
تنهدت بأسي حينما إستمعت إلي صوت جدها الذي تحدث مُبكتاً إياها لعدم تقبُلهُ لتصرفاتها التي أصبحت إستفزازية بالنسبة له:
-فيه حد يبقي قاعد في وسط أهله ويسيبهم ويقعد يبص في حتة شاشة ويضيع علي نفسه لمة العيلة اللي ما تتعوضش ولا تتقارن بأي حاجة في الدُنيا يا سيلا؟
شعرت بالضجر جراء كلماتهْ الذي دائماً ما ينثرهُا علي مسامعها دون ملل أو كلل كلما رأها،حتي أنها أصبحت تبغض الجلوس بحضرته بعدما كانت تعشقهُ وكل ما يتعلقُ بعائلتها،رفعت بصرها لتتطلع عليه،رسمت إبتسامةً صفراء علي وجهها وتحدثت بلباقة مُجبرة عليها:
-لمة العيلة والجو الدافي موجودين طول الوقت يا جدو وممكن بسهولة يتعوضوا
وبنبرة يملؤها الألم والحَسرة علي فقيدتها الغالية إسترسلت:
-لكن فيه حاجات لما بتروح إستحالة تقدر تعوضها أو ترجعها من تاني
تنهد بأسي حينما فهم مغزي حديثها ومقصدها وتحدث بعيناي تُقطرُ حناناً:
-معاكي حق يا حبيبتي،بس الحياة ما بتقفش ولا بتستني حد،أنا ما أقدرش أقول لك ما تحزنيش علي اللي فات
واسترسل بنبرة تفاؤلية كي يبث فيها روح الإستبشار:
-وفي نفس الوقت ربنا أمرنا نبص لقدام ونسعي للي جاي علشان نقدر نكمل ونعمر الحياة
أردفت بلومٍ طفيف:
-حضرتك بتقول كدة علشان نانا مامتك ماتت كبيرة في العُمر وماجربتش الشعور اللي وصل لي من موت مامتي
تنهيدةً حارة خرجت من صدر منال المُبتلي بوجع فراق تلك الراحلة وما سببه بندباتٍ تعمقت بقلب حفيدتها حتي أصبحت جزءاً منه
أردف عبدالرحمن الذي قرر التدخُل ليُبدي برأيه:
-وإنتِ فاكرة إن الحزن علي وفات الأم بيفرق لو كانت لسة شابة أو عدت المية سنة يا أيسل؟
عقب عز قائلاً بتأكيد:
-قول لها يا عبدالرحمن،طب ده أنا وجدك عبدالرحمن لما بنقعد مع بعض ونفتكر يوم وفاة أمِنا الله يرحمها،بنحس بنفس درجة الوجع في قلوبنا وكأنها لسة ميتة النهاردة،بس من رحمة ربنا علينا إننا بنحاول ننسي ونعيش ونعمر
نظرت عليه وبنبرة صارمة سألته:
-طب ده بالنسبة لخسارتي لمامتي يا جدو،تقدر تقول لي أعمل إيه في خسارتي لسنة بحالها من دراستي؟
واستطردت بنبرة قانطة:
-إنتَ متخيل كَمّ التعب والجهد اللي بذلته طول السنة اللي فاتت علشان في الآخر بابي ييجي بكل سهولة ويمنعني أدخل الإمتحانات؟
واسترسلت بإحباط:
-محدش فيكم مستوعب كم الإحباط اللي حسيت بيه وأنا شايفة مجهودي وتعبي طول السنة بيضيع قدام عنيا،وأنا واقفة أتفرج وما ليش حتي الحق في إني أعترض؟
بنبرة صادقة أردفت ثُريا بدفاعٍ عن ياسين:
-أبوكِ كان معاه عذره في قرارة اللي أخده يا أيسل،هو كان خايف عليكي وبيحميكي يا بنتي،وبعدين السنة اللي ضاعت منك دي مش نهاية الدنيا
واسترسلت بإيمان لتهدئ من روع الفتاة وسخطها الذي بات مُرافقاً لها في الأونة الأخيرة:
-خليكي دايماً واثقة من إن أي حاجة ربنا بيبعدها عننا بيكون فيها الصلاح والخير لينا.
كانت تستمع إليهم بملامح وجه سائمة رافضة لكل مبرراتهم،سألتها بنبرة جادة:
-وتفتكري إن ما كانش فيه حل يحميني بيه غير إنه يحبسني في البيت ويضيع عليا السنة يا تيتا؟
هتفت منال بمصادقة علي حديث ثريا:
-حتي لو بابا وافق أنا اللي كنت هرفض يا سيلا
إبتسامة ساخرة إعتلت ملامحها تعقيباً علي حديث منال،فتدخلت راقية التي تحدثت بنبرة حادّة لعدم تقبلها لإسلوب تلك الساخطة التي تحولت وأصبحت عدوانية:
-جري إيه يا ست أيسل،مالك يا حبيبتي طايحة في الكُل وما حدش مالي عينك كدة ليه؟
إتسعت عيناي أيسل وباتت تنظر عليها بذهول لعدم إستيعابها لطريقتها الوضيعة التي تُحدثها بها،أردفت ثُريا سريعاً وهي تنظر إلي راقية بنظرات راجية لتحثها علي التوقف:
-خلاص يا راقية،قفلي علي الموضوع
هتفت راقية ضاربة بتوسلات ثُريا عرض الحائط:
-لا مش خلاص يا ثُريا،ما هو سكوتكم ده هو اللي خلاها زودتها في اللي بتعمله وساءت فيها
قالت كلماتها الحادة إلي ثريا وقامت بتحويل بصرها وثبتتهُ فوق الفتاة ثم استرسلت بإبانة:
-كُلنا مقدرين إنك زعلانة علي المرحومة أمك،بس مش كل شوية تحسسينا إن محدش فينا زعل عليها وإن ما حدش حاسس بيكي ولا شاف وداق اللي دوقتيه في موتها
واستطردت بايضاح:
-أيوة الأم غالية محدش قال حاجة،بس مهما كان الوجع اللي حستيه علي أمك عمره ما هييجي ربع حرقة قلب جدتك ثُريا اللي خسرت زينة شباب العيلة وهو في عز شبابه
واسترسلت بايضاح:
-واهي صابرة وعمرها ما قعدت تندب حظها زي ما أنتِ بتعملي
نزل حديثها علي قلب ثُريا أحرقهُ وكأنها جلدات سوط لا مجرد كلمات،توجع عز وشعر بغصة مُرة وقفت بمنتصف حلقهِ عندما لمس حزن متيمة روحهُ الغالية،ود لو أن لهُ الحق لذهب إليها وأحتضنها وقام بسحب ألامها الساكنة وتحملها بدلاً عنها
أما أيسل فقد تأثرت وشعرت بالألم يقتحمُ قلبها لما رأتهُ من أوجاع تكونت واستقرت داخل عيناي وفوق ملامح تلك المكلومة علي صغيرها،هتفت منال بحدة بعدما فاض بها الكيل من حديث الكل المؤلم والمجهد لروحها التي باتت ضعيفة للغاية:
-قفلوا بقي علي السيرة دي الله يخليكم
أما ذاك العُمر الجالس بمقعدهُ ويدعي الثبات،فقد كان يختلس النظر إلي تلك البريئة من الحين للأخر مع مراعاتهُ لأخذ الحيطة كي لا يلاحظهُ أحدّ،وهي الأخري تنظر إليه بإستغراب لكونهِ الوحيد من بين أفراد العائلة الذي لا يقوم بمداعبتها ولا بالإهتمام بها
نظر عليها وهي تجاور بجلوسها مروان وتتحدث معهُ العربية بطلاقة بعد أن تخطي جلوسها بمنزل ثُريا الستة أشهر وأصبحت أكثر إنسجاماً مع الجميع،كم كان داخلهُ مُبعثراً تجاة تلك الصغيرة التي يعلم أن لا ذنب لها فيما حدث من والدتها تجاههُ،لكن قلبهُ مازال متألماً ولم يعد بعد كما كان،نعم لم يعد ينفر من رؤيتها كقبل،لكنهُ مازال رافضاً إقتحامها لحياتهُ بتلك الطريقة
تحدثت الصغيرة إلي مروان وهي تُمسك بصحنها:
-مارو،أنا عاوزة واحدة كرواسون
حاضر يا حبيبتي…نطقها بهدوء ثم بسط يدهُ وجلب لها واحدة من المعجنات المُفضلة لديها وقام بوضعها داخل صحنها،أما ذاك الصغير الذي يتوسطها هي وساندرا طارق،فأردف بنبرة تنظيرية:
-خليها في طبقك ومش تاكليها غير لما بابي ومامي ييجوا،علشان جدو عز مش يزعل منك
أومأت له بطاعة وتحدثت بتفهُم لعاداتهم التي باتت تحفظها:
-حاضر يا عزو،بس أنا قولت لمارو يحطها في طبقي علشان أنا جعانة ولما أونكل ياسين ييجي هاكلها علي طول
أومأ لها الصغير بمفاخرة بحاله علي أنهُ إستطاع السيطرة علي تلك الجميلة،فتحدثت ساندرا هي الأخري ولكن إلي عز قائلة:
-عزو، ممكن أنا كمان تجيب لي واحدة كرواسون
شعر بحالة من الفرح تقتحم قلبهُ وعلي الفور وقف علي المقعد كي يستطيع تلبية طلب تلك الساندرا وبالفعل إستطاع الحصول علي إحدي الكعكات وقام بوضعها داخل صحن تلك الأميرةِ الشقراء مما أدخل علي قلبها السرور وجعلها تتحدث بسعادة:
-ثانكس عزو
شعور بالفخر والرضا إحتلا داخلهُ وتحدث إليها برجولية مبكرة:
-لما تلاقي نفسك عاوزة أي حاجة قولي لعزو وهي يجيبها لك علي طول،أوكِ يا ساندرا
أوكِ يا عزو…هكذا أجابته بإبتسامة خلابة تحت نظرات ليزا التي تشاهد بصمتٍ تام يرجع لطبيعتها الهادئة
تحدث حمزة المجاور لمروان بنبرة حماسية شبابية:
-شفت الكوتش عمل إيه إمبارح مع مؤمن حسين؟
إبتسم له مروان وتحدث معقباً علي حديثهُ:
-هو أنا بس اللي شفت،دي فضيحته لفت النادي كله
واسترسل بغرابة:
-أنا مش مصدق إن حد في سِنه يعرض صحته للخطر وياخد منشطات علشان يطلع مركز أول في مسابقة سباحة في النادي
واسترسل مفسراً بتعجب:
-انا كان ممكن أدي له مبرر لعملته دي لو كانت المسابقة علي مستوي الجمهورية
أومأ له حمزة بمصادقة علي حديثهُ وانضم ياسر لحديثهما معبراً عن رأيه:
-أنا إتصدمت لما عرفت
واسترسل واشياً:
-أنا سمعت إن نيرة عاطف هي اللي فتنت عليه علشان تنتقم منه لما سابها وراح صاحب تينا الأمير
ضحك حمزة وتحدث بنبرة ساخرة:
-هو أبن حلال ويستاهل المقلب
ضحك ثلاثتهم وتابعوا مواصلة حديثهم الشبابي
صَوْب الجميع أنظارهم نحو ذاك الذي خرج للتو من البوابة الداخلية حاملاً صغيرتهُ الجميلة بإبتسامتها الخلابة التي تخطف بها قلوب جميع العائلة وبما لها من طلة ساحرة وخفة روح إستطاعت من خلالهما إمتلاك قلوب الجميع وتعلقهم بها حتي تلك الناقمة
كانت تمتلك عينان زرقاويتان بلون مياة البحر في شدة صفائها،وشعراً بلوناً أسوداً حريرياً،أما وجهها فكان مستديراً كقمراً منيراً في ليلة إكتمالهْ
كانت تتحرك بجانب حبيبها في طريقهُما إلي مكان طاولة العائلة تحت تهلل الصغيرة التي وما أن رأت التجمُع حتي باتت تصفق بيداها وتتراقص بين ذراعي والدها وتلوح بكفاها في الهواء بلهفة شديدة،تحت سعادة قلوب الأخرين الذين أصابتهم عدوي إبتهاجها
إقترب من الجمع وألقي تحية الصباح ثم تحرك إلي مقر جلوس إبنته المتمردة التي أصابها الغضب حين رأت غريمتها تجاور والدها،وقف خلف مقعدها وقام بوضع صغيرتهُ داخل أحضانها ثم تحدث وهو يضع قُبلة حنون فوق رأسها علهُ يُزيل عنها إمتعاضها الذي أصابها فور رؤيتهُ بجانب مليكة:
-صباح الخير يا حبيبتي
صباح النور يا بابي…قالتها باقتضاب وضيق لكنهما سُرعان ما انقلبا إلي بهجة إحتلت قلبها حين رأت وجه تلك الصبوحة وهي تبتسم لها وتداعبها بكف يدها الرقيق،قربت شفتاها من وجنة شقيقتها ووضعت قُبلة حنون وباتت تداعبها تحت ضحكات الصغيرة
أردفت ليزا بسؤال طفولي إلي مروان جعل عُمر ينتبه إليها:
-مارو،كدة أقدر أكُل الكرواسون بتاعي؟
نظر لها مبتسماً وتحدث بحنان خاص بها ولا يدري من أين مصدرهُ:
-أه يا حبيبي تقدري تاكلي
واسترسل متسائلاً إياها بإهتمام:
-تحبي أجيب لك عسل تاكليه بيها؟
نظرت إليه وتحدثت بدلال بارعة به:
-أكلهولي إنتَ علشان مش بعرف وبيقع علي هدومي
حاضر يا حبيبتي…قالها بإبتسامة حنون أسعد بها قلب الصغيرة التي باتت تتعلق به بشكل مبالغ
هتف عز مشاكساً نجله الذي جلس مجاوراً إياه وزوجتهُ:
-يارب تكون مبسوط وإحنا قاعدين متذنبين من غير أكل ومستنيين جنابك علي ما تصحي وتتعطف علينا وتنزل
ضحكة بشوشة خرجت منه وتحدث موقراً إياه:
-حقك عليا يا باشا واوعدك مش هتتكرر
ترجل الصغير من فوق مقعدهُ وجري علي شقيقتاه حتي إستقر بمقر جلوسهم وتحدث وهو يُمسك كف الصغيرة التي وما أن رأت ذاك المشاكس حتي إنفرجت أساريرها وباتت تُشير له بكفاها،تحدث إليها وهو يُداعبها:
-سيلا أنا عاوز أقعد جنبك إنتِ ومِسك علشان أأكلها
أومأت بموافقة وسحبت لهُ المقعد المجاور والذي كان فارغاً لعدم وجود سارة علي الطاولة،أجلست شقيقها المُشاكس التي تعشق تواجدها معهُ لكونهِ الوحيد الذي يستطيع رسم إبتسامتها وإدخال السرور علي قلبها،هو وتلك الصغيرة لما لها من قبول قد رزقها الله إياه فاقتحمت به قلوب الجميع،أردفت بنبرة حنون لشقيقها:
-يا حبيبي هي مش بتعرف تاكل أي حاجة من كل الأكل ده
أردف موضحاً بغرور:
-أنا عارف لوحدي يا سيلا،مامي بتأكلها بس زبادي وأنا بأكلها معاها
أومأت بضيق حين ذكر إسم غريمتها لكنها تغاضت عن الأمر وبدأت بمساعدة شقيقها بإطعام الصغيرة تحت إرتياح قلب ياسين الذي يباشر الأمر عن بُعد
أردفت ثُريا وهي تُشير إلي الجميع بأن يشرعوا بتناول الطعام:
-بالهنا والشفا يا جماعة
نظر عز إلي مليكة وتحدث بإبتسامة:
-نفسي في فنجان قهوة مظبوط من إيدك بعد الفطار يا مليكة
من عيوني يا عمو…جُملة نطقتها بعيناي سعيدة فعقب علي حديثها قائلاً بأبوة:
-تسلم عيونك يا حبيبتي
نظر عليها وهمس بنبرة هائمة:
-يسلم لي حبيب جوزه اللي أسّر قلوب الكُل برقته حتي الباشا الكبير
نظرت إليه بعيناي تقطرُ وتفيضُ عِشقاً وأكتفت، فبحق الله أي حديثاً سيكون أبلغ من تلك النظرات
إنتفض قلبهُ مطالباً إياه بشق صدرهُ في الحال ووضعها بداخلهُ كي يحتفظ بكُلهاَ داخلهُ وتختلط أنفاسهما ويصبحا شخصاً بكيانٍ واحداً
بسطت نرمين ذراعها وتناولت إحدي المعجنات وقامت بوضعها داخل صحن زوجها وتحدثت بابتسامة حنون:
-إتفضل يا حبيبي
بإبتسامة سعيدة تحدث سراج شاكراً:
-تسلم إيدك يا حبيبتي
بالهنا والشفا…نطقتها وهي تتناول طعامها بسعادة ورضا،إبتسمت ثُريا وسعد داخلها وشكرت الله داخل سريرتها أنه وأخيراً تقبل دعواتها ومناجاتها التي ما كانت دائماً تدعو وتتوسل إليه بأن يمنح إبنتها السلام والرضا وبأن يصلح بينها وزوجها،وها هي دعواتها قد إستجابت ورأت بأم عيناها السعادة تحوم حول صغيرتها وزوجها
تحدث وليد إلي طارق قائلاً بنبرة جادة:
-عملت لك الميزانية بتاعت السنة الجديدة يا طروق،هبعتها لك بكرة علي المكتب
أجابهُ بنبرة عملية:
-تمام يا وليد،بس ياريت تجيبها بنفسك علشان عاوز أقعد معاك نظبط حسبات كذا حاجة مع بعض
أومأ بموافقة فتحدثت چيچي بإعتراض:
-ممكن ما تتكلموش في الشغل وتحاولوا تستمتعوا بالأكل واللمة الحلوة
إنتَ تؤمر يا باشا وطارق عليه التنفيذ الفوري…جُملة حنون نطقها طارق بعيناي هائمة جعلت قلب تلك العاشقة يرتجفُ فرحاً
في حين هتفت هالة معقبة علي حديثها:
-قولي لهم يا چيچي،ده أنا زهقت من كتر كلام وليد في الشغل،ده حتي طول ما أحنا قاعدين في أوضتنا فوق ما بيبطلش كلام في التليفون مع العملاء بتوعه
ضحكت چيچي وتحدثت وهي تتابط ذراع زوجها وتتمسح بهِ بدلال:
-لااا،أنا طارق حبيبي غير وليد خالص،بمجرد ما يدخل البيت فوراً بيقفل التليفون الخاص بالشغل
تحدثت هالة بمداعبة إلى زوجها:
-إتعلم شوية من إبن عمك
نظر لها وليد وهمس بمفاخرة بحاله:
-ما تقعدي عوج وتتكلمي عدل يا بنت عبدالسلام،طارق مين ده اللي عوزاني أتعلم منه يا روح أمك،ده أنا وليد المغربي علي سِن ورُمح
إبتسمت وتحدثت بدلال مؤكدة علي حديثهُ كي تستقطب رضاه:
-إنتَ سيد الناس كلها يا وليد،أنا بس حبيت انكشك
غمز لها وتحدثت تحت استحسانها:
-أيوة كدة إظبطي
نظر ياسين إلي يُسرا التي تجاور زوجها وينسجمان بالحديث بوجوهٍ مبتسمة وسألها مستفسراً بعدما تفقد الجَمع ولاحظ غياب سارة:
-أُمال فين سارة يا يُسرا؟
رفعت وجهها ونظرت إلي إبن عمها وأجابته شارحة:
-رؤوف عزمها برة علي الفطار
قطب جبينهُ بتعجب وسألها مستفسراً:
-هو رؤوف في إسكندرية؟!
بايضاح أجابتهُ ثُريا:
-وصل بعد ما طلعت إنتَ ومليكة علي جناحكم إمبارح،كان عاملها لنا مفاجأة
أومأ لها بتفهم في حين صاح ياسر معترضاً علي تصرفات شقيقتهُ:
-أنا مش فاهم هي ليه خرجت معاه،ما كانوا فطروا معانا هنا في وسط العيلة
إبتسم ياسين باستحسان علي ذاك الحانق وتحدثت يُسرا إلي صغيرها باستغراب:
-أنا اللي مش فاهمة إنتَ إيه اللي مزعلك من الموضوع قوي كدة
واسترسلت بإبانة:
-واحد وعازم خطيبته اللي بيشوفها مرة كل شهرين علي الفطار،إيه العيب في كدة؟
راجل وغيران علي أخته يا عمتو…جُملة نطقها حمزة مؤازراً بها صديقهُ ونال عن طريقها استحسان ياسين الذي غمز لصغيرهُ قائلاً بمشاكسة:
-راجل من ضهر ياسين يَلاَ
غمز له وتحدث متفاخراً بأبيه:
-طالع لك يا باشا
ضحك لصغيره الذي نظر إلي مليكة وداعبها بمشاكسة:
-قاعدة حضرتك جنب الباشا ومروقة دماغك بعد ما لبستوا مِسك للمسكينة أيسل
إبتسمت له وتحدثت بمداعبة قائلة:
-وهي مِسك تدبيسة بردوا يا سي حمزة؟
إبتسم لها فاسترسلت إلي ياسين:
-حبيبي،هات مِسك من أيسل علشان تعرف تفطر
نظر علي إبنته وجدها تحمل شقيقتها وتداعبها بلُطف هي وشقيقها الأصغر،ثم عاد ببصرهِ من جديد إلي حبيبتهُ وتحدث بنبرة هادئة:
-ما تشغليش بالك بيها،هي مرتاحة مع إخواتها
لاحظ عدم تناولها للطعام فضيق عيناه وسألها مستفسراً:
-إنتِ ما بتاكليش ليه يا حبيبي؟!
مليش نفس يا ياسين…نطقتها بملامح وجه يبدو عليها عدم الإشتهاء،فسألها ذاك العاشق:
-ليه يا قلب ياسين؟
واستطرد مدللاً إياها ليخرجها من مزاجها السئ:
-طب تحبي أأكلك بإيدي علشان نفسك تتفتح
إبتسمت خجلاً مع نطقها لإسمهِ بدلال أثار جنونهُ:
-وبعدين معاك يا ياسين
غمز لها بإحدي عيناه مع مراعاة عدم ملاحظة إبنته له مراعاةً لمشاعرها وحالتها النفسية،ثم همس بجانب أذنها بما جعل قلبها ينتفضُ فرحاً:
-الله علي جمال إسمي وهو بيتقال من بين شفايف حبيب جوزه اللي عاوزة تتاكل أكل
همست بنبرة صوت خرج سعيداً تأثراً بحالتها:
-ياريت تخلي بالك وتفتكر إننا قاعدين في وسط ناس
الكلام ده تقوليه لنفسك يا هانم وإنتِ عمالة تحلوي لما بقيتي زي القمر كدة…نطقها بعيناي هائمة النظر لكريزتيها،إبتسمت وهزت رأسها بإستسلام وتحدثت:
-مفيش فايدة فيك
إبتسم لها وتابع تناول طعامهُ تحت سعادة وانسجام الجميع بأحاديثهم العائلية التي تقرب بين الجميع وتسود جو الألفة فيما بينهم
❈-❈-❈
بنفس التوقيت،داخل أحد المطاعم المتواجدة علي شاطئ البحر
تجلس تلك الرقيقة بمقعداً مقابل لحبيبها،يتبادلان فيما بينهما نظرات الهيام والإشتياق بقلبان أذابهما البُعاد وانهي علي صبرهما،تحدث إليها بنبرة توحي إلي وصولهُ لعدم إحتمال إبتعادها عنه أكثر من ذلك:
-أنا تعبت يا سارة ومش قادر أصبر علي الفراق أكتر من كدة
واسترسل باستياء:
-أنا مش فاهم ليه أبلة يُسرا منشفة دماغها ومصممة علي إنك تخلصي جامعتك قبل الجواز
أردفت تلك الخجولة بإيضاح مدافعة عن قرار والدتها:
-ماما خايفة عليا يا رؤوف وده حقها،هي متأكدة إن الجواز هيشغلني عن الدراسة وعلشان كدة هي مصممة علي رأيها
بنبرة بائسة تحدث شارحاً:
-أنا أكدت لها إني مش هشغلك بالعكس،أنا هساعدك في المذاكره وههيئ لك الجو المناسب
واسترسل بإبانة مما جعلها تخجل:
-حتي موضوع الخِلفة اللي قالقها أنا وعدتها إني هأجله لحد ما تخلصي
أنزلت بصرها خجلاً وظهر علي ملامحها الأسي تأثراً بانزعاجه الذي أصابهُ من رفض يُسرا لطلبهِ لإتمام زواجهما،بسط ذراعهُ وقام بوضع كفهِ ليحتوي به خاصتها،إنتفض جسدها أثر لمستهُ التي جعلت القشعريرة تسري به،وبسرعة قامت بسحب كفها ووضعهِ تحت الطاولة مما جعلهُ يبتسم براحة وتحدث معتذراً عن حديثهُ الذي ازعجها:
-أنا أسف يا سارة،أنا كُنت بفضفض معاكي في الكلام وما كنتش أقصد أضايقك أبداً
رفعت بصرها إليه وتحدثت بإيضاح:
-أنا مش متضايقة منك يا رؤوف،أنا زعلانة علشان إنتَ متضايق ومش عارفة أعمل إيه علشان أرضيك
هز رأسهُ ليرفع عنها الحرج:
-مش مطلوب منك تعملي حاجة يا حبيبتي،أنا اللي أڤورت في زعلي من الموضوع
واسترسل موضحاً:
-في الفترة الأخيرة بقيت بشتاق لك قوي وعلشان أشوفك لازم أسافر من أسوان لإسكندرية،وده بيضطرني إني أقصر في شُغلي وزي ما أنتِ عارفة أنا بحب الإلتزام جداً وخصوصاً في شغلي
واستطرد بإبانة:
-وده كان السبب في إني اطلب من أبلة يُسرا إننا نتجوز بعد ست شهور واتضايقت جداً لما ما قدرتش ظروفي
ثم نظر لها وابتسم وتحدث ليخرجها من حالة الاسي تلك:
-سيبك من كل الكلام ده وإعتبريني ما قولتهوش،وقولي لي
وبوجهٍ متهللاً استطرد باستفهام:
-تحبي تسهري فين النهاردة؟
إبتسمت واردفت بدُعابة:
-هو أنتَ فاكر إن ياسر هيخليني أسهر كمان معاك؟
سألها باستفهام وكأنهُ تذكر:
-هو الواد ده إيه اللي جري له،فجأة كدة قلب وبقي يعترض علي خروجك أو قعادك معايا لوحدنا
إبتسامة رقيقة إرتسمت علي وجهها وتحدثت:
-ياسر كبر وبقي راجل وابتدي يغير عليا منك
ما هو ده اللي كان ناقصني فعلاً،مش كفاية عليا رزالة ياسين المغربي…هكذا تحدث ناحباً حظهُ تحت ضحكات سارة التي خرجت بطلقائية
❈-❈-❈
كان يتحرك داخل الرواق المتواجد بمبني جهاز المخابرات في طريقهُ إلي مكتب ياسين المغربي حيثُ إستدعاه لكي يتم التنسيق بينهما بشأن تأمين حراسة أيسل التي ستباشر دراستها من بدايةً من الغد
قطع طريقهُ أحد أصدقائهُ ويُدعي أحمد سمير،حيثُ تحدث إليه قائلاً بإعلام:
-إبن حلال،أنا كُنت جاي لك المكتب علشان عاوزك في موضوع مُهم
قطب جبينهُ وسألهُ مستفسراً:
-خير يا أحمد بيه؟
تعالي نتكلم في مكتبك أحسن…قالها وهو يُمسك ذراعهُ ويحثهُ علي العودة إلي مكتبه،قاطعه كارم الذي أمسك كفهُ وأوقفهُ عن سحبه معه وتحدث علي عُجالة:
-بعدين يا سيادة النقيب،عندي ميعاد مهم مع سيادة العميد ياسين المغربي
هتف بإيضاح:
-ما أنا عاوزك علشان الموضوع ده بالخصوص
ضيق كارم عيناه بعدم استيعاب فاسترسل الآخر برجاء:
-أنا سمعت إن سيادة العميد عينك مسؤول علي طقم الحراسة اللي هترافق بنته لجامعتها في القاهرة
واستطرد برجاء:
-فأنا كنت عاوزك تعتذر له وتبلغه إن عندك ظروف تمنعك من السفر يومياً
واستطرد بتفكُر محاولاً إيجاد عذراً يتقبلهُ ياسين ويقتنع به:
-ممكن مثلاً تقول له إنك ما تقدرش تسيب بباك ومامتك لوحدهم وتسافر يومياً من إسكندرية للقاهرة والعكس
رفع كارم أحد حاجبيه باستنكار وتحدث متسائلاً:
-وأنا إيه اللي هيخليني أعتذر عن مهمة إختارني ليها سيادة العميد وأيده في إختياره معالي رئيس الجهاز شخصياً؟!
دي خدمة هتقدمها لي يا سيادة الرائد وأنا مش هنسا لك الجميل ده أبداً…جملة نطقها أحمد باستعطاف واسترسل متوسلاً بإبانة:
-المهمة دي مش هتفرق معاك في حاجة لأن تاريخك في الجهاز مليان بالإنجازات اللي بتشهد لك،بدليل إننا نفس الدُفعة وإنتَ إترقيت وبقيت رائد في وقت قصير جداً
واستطرد بما جعل الشك يتسلل داخل كارم:
-لكن بالنسبة لي هتبقي نقطة تحول في مسار تاريخي كله لو قدرت أنجح فيها وأقدمها علي أكمل وجه
رمقهُ كارم بنظرات متفحصة ثم تحدث مستغرباً حديثهُ:
-الحقيقة أنا مستغرب كلامك جداً يا أحمد،كلامك منافي لكل اللي إتعلمناه في الجهاز،وبصراحة مش قادر أستوعبه
إنتَ متخيل بتطلب منى إيه،إنتَ جاي بكل بساطة تطلب مني أخالف التعليمات وأحط نفسي في موقف سخيف وكل ده ليه؟
واستطرد متهكماً:
-كل ده علشان أساعدك في إنك تظهر كفائتك في حماية بنت ياسين المغربي؟
واستطرد بتساؤلاً:
-طب ما تظهرها بمهاراتك وفي أي مهمة تانية؟!
هتف في محاولة لشرح وجهة نظرة:
-إفهمني يا كارم،أنا
لم يدعه يكمل حديثه وقاطعهُ قائلاً بإيضاح:
-قولت لك إني معنديش وقت يا أحمد،سيادة العميد مستنيني في مكتبه وكده هتأخر عليه
قال كلماته وانطلق في طريقهُ بإتجاة مكتب ياسين دون إستماع لحرفٍ أخر من ذاك الأحمد الذي نظر عليه بسخط وتحرك عائداً إلي مكتبه
بعد بضعة دقائق كان يجلس أمام ياسين الذي تحدث بهدوء:
-مهمتك هتبدأ من بكرة يا سيادة الرائد،أيسل هتكون في إنتظارك الساعة تسعة الصبح
أومأ قائلاً بتنفيذاً للأوامر:
-أوامر جنابك،تسعة بالثانية هكون في إنتظار الدكتورة
واستطرد بإعلام:
-فيه حاجة حصلت ولازم جنابك تعرفها
خير يا كارم؟..نطقها مستفسراً فبدأ كارم بقص ما أخبرهُ به ذاك الأحمد وأردف بنبرة تشكيكية:
-أنا شاكك إن أحمد سمير ممكن يكون الشخص اللي كلمنا عنه المجرم اللي إسمه عزيز قبل ما يتعدم
بملامح وجه ثابتة تحدث ياسين نافياً:
-أحمد سمير مش أكتر من ظابط طمعان في ترقية سهلة يا كارم
قطب كارم جبينة فاستطرد الأخر بإبانة:
-بالإضافة إلي إنه شخص وصولي حابب يتقرب مني ومن سيادة الرئيس بترأسه لفرقة الحراسة
وإيه اللي خلاك متأكد من كلامك ده يا أفندم…هكذا سألهُ كارم فأجابهُ ياسين شارحاً:
-أنا عارف رجالتي ودارسهم كويس يا كارم
ده غير إن كلام الخاين اللي إسمه عزيز كله كذب وملوش أي أساس من الصحة…كلمات صرح بها ياسين مما شتت عقل كارم وجعلهُ يتسائل باستفسار:
-طب والراجل بتاعه اللي قال لنا عليه؟!
عقب بثقة وثبات:
-دي حكاية إخترعها علشان يشتت عقولنا بيها ويخلينا دايماً شاكين في كُل اللي حوالينا
واستطرد بحصافة:
-اللي بيعمل ما بيقولش يا كارم،ولو فعلاً كان مدرب عنصر إرهابي وقريب مننا زي ما قال،إيه اللي هيخليه يكشفه قدامنا بكل بساطة ويخلينا ناخد إحتياطتنا؟
واستطرد بإعلام:
-ده غير إن طول الفترة اللي فاتت وأنا حاطط عيون علي كل رجالة الجهاز وراصد تصرفاتهم،والحمد لله رجالتنا كلها طلعوا زي الفل،وده اللي أكد لي شكوكي إن الخاين ده كان بيحاول يشتتنا مش أكتر
أومأ لهُ كارم وتحدث بمصادقة علي حديثهُ:
-كلامك صحيح يا أفندم
تحدث ياسين من جديد بإعلام:
-بس تفسيري ده لا يُنفي إن فيه خطر كبير بيهدد حياة أيسل
واسترسل بتوضيح:
-وده أكده كل المتهمين اللي حققنا معاهم في قضية مراتي الله يرحمها
واسترسل موضحاً:
-ما تنساش إن جماعة داعش أكيد عاوزة تنتقم وترد لنا الضربة والخساير الكبيرة اللي خسروها علي إدينا في أخر عملية
ده غير المنظمة اللي خسرت بسببنا كتير من رجالتها اللي إتقبض عليهم في فرنسا وألمانيا وبريطانيا
أومأ كارم بتأييد واستطرد ياسين منبهاً إياه:
-علشان كدة عاوزك تاخد أقصي إحتياطاتك وتفتح عنيك كويس قوي يا كارم
إطمن جنابك،إن شاء الله هكون عند حسن ظن سعادتك بيا…كلمات نطقها كارم ليُطمئن بها سيدهُ الذي وضع ثقتهُ به وأمن علي حياة إبنته بين يداي ذاك الكارم
❈-❈-❈
ليلاً
بالطابق الأعلى من منزل سيادة اللواء عز المغربي وبالتحديد داخل غرفة أيسل
دخل إليها والدها وجلس بجانبها فوق التخت وتحدث بعدما قام بإحتضانها:
-ظابط فرقة الحراسة اللي هترافقك لجامعتك هيكون موجود علي الساعة تسعة يا سيلا،عاوزك تكوني جاهزة قبل وصوله لأنه دقيق جداً في مواعيده ومش عاوزه ياخد عنك فكرة غلط من أولها
واستطرد مؤكداً عليها تحت صمتها:
-عاوزك تسمعي كلامه وتنفذي تعليماته بالحرف الواحد،لأن أي حاجة هيعملها هتكون لضمان أمنك وسلامك،مفهوم يا سيلا؟
أومأت بهدوء وأردفت بنبرة جادة:
-مفهوم،أي أوامر تانية يا سيادة العميد؟
زفر بضيق وتحدث بحِدة وصل إليها بفضل طريقتها التي أثارت حفيضته:
-بطلي تتكلمي معايا بالإسلوب الستفز ده
سألته متعجبة بنبرة جادة:
-هو حضرتك زعلت ليه من إسلوبي يا بابي؟!
ثم استرسلت بإيضاح إستفز داخلهُ أكثر:
-حضرتك بتكلمني بإسلوب رسمي وشِبه أمر زي ما تكون بتكلم ظابط شغال معاك،وأنا رديت باللي حضرتك متعود تسمعه منهم
واسترسلت بتساؤل مُستفز:
-يبقي فين الغلط اللي أنا عملته؟!
تغاضي عن غضبها ثم تحدث مستفسراً بهدوء:
-أنا مش فاهم إنتِ ليه متضايقة بالشكل ده
واستطرد متعجباً:
-واحدة غيرك المفروض تكون فرحانة إنها راجعة لكليتها بكرة
هتفت بامتعاض:
-أي كلية اللي أنا راجعة لها يا بابي؟
واستطردت متعجبة بنبرة حانقة عبرت بها عن كم إستيائها الذي يسكنها:
-هو حضرتك مش واخد بالك ولا إيه!
أنا كنت طالبة في هامبورغ ومستنيني مستقبل باهر،فجأة كدة لقيت نفسي مرمية في جامعة القاهرة وسنة بحالها ضاعت عليا بعد قرار حضرتك بمنعي من دخول الإمتحان
هز رأسه باستسلام من تلك التي لا تكل ولا تمل من ذكرها لذاك الموضوع وكأن حياتها توقفت من بعده،تحدث إليها بنبرة جاهد بإخراجها هادئة:
-أنا كام مرة شرحت لك سبب تصرفي وقولت لك إني كنت مجبر ومعنديش حل تاني!
واستطرد بعيناي حنون:
-يا بنتي إفهمي،أمانك عندي وقتها كان أهم من أي حاجة تانية في الدنيا
واسترسل مذكراً إياها:
-طب ما أخوكِ وقتها كان عنده مسابقة بطولة في الكونغ فو في دُبي وكنسلتها له وقتها،لكن حمزة كان قد المسؤلية وتفهم الوضع اللي كنا فيه
أنا أسفة يا بابي،إعتبرني ما قُلتش حاجة…جملة نطقتها بملامح وجه متجهمة فهز رأسهُ باستسلام وتحدث بيقين:
-جهزي نفسك لبكرة وخليكي دايماً متأكدة إن ربنا ما بيكتبلناش غير اللي فيه الخير لينا
تنهدت وأومأت له بهدوء،إقترب منها وقام بسحبها لداخل أحضانه وتحدث بنبرة حنون وهو يقرب شفتاه من رأسها:
-أنا مش عاوزك تخلي اللي حصل يهدك ويقلل من عزيمتك،إنتِ قوية وهتقدري تثبتي نفسك في أي مكان هتكوني فيه،جامعة القاهرة جامعة عريقة ومصنفة عالمياً،وإن شاء الله تقدري تثبتي وجودك ويبقي لك بصمتك فيها
هزت رأسها بهدوء وتنفست براحة بعدما شعرت بالسلام داخل أحضان أبيها،فاسترسل وهو يشدد من ضمته الذي كان يحتاجها أكثر منها:
-أنا عاوزك تفهمي حاجة واحدة بس،إن أنا معنديش في حياتي كلها أغلي منك إنتِ وإخواتك
تنهدت بهدوء وتحدثت من داخل أحضان أبيها الحانية:
-وأنا كمان معنديش أغلي منك في حياتي كلها يا بابي
شعوراً بالراحة تغلغل داخل روحهُ جراء كلماتها،إبتعد قليلاً ثم قام بتقبيل جبهتها وتحدث مستفسراً بعيناي تقطرُ حباً:
-مش ناقصك أي حاجة؟
بإبتسامة طفيفة تحدثت:
-لا يا بابي،وأكيد لو إحتجت حاجة هقول لحضرتك
إبتسم لها واحتوي بكفهِ وجنتها الناعمة وتلمسها بحنان ثم تحدث بنبرة رؤوفة:
-تصبحي علي خير يا حبيبتي
عقبت بإبتسامة هادئة:
-وإنتَ من أهله يا بابي
إنسحب إلي الخارج واغلق خلفهُ الباب تاركاً إياها بعقلٍ مشتت ساخط علي ما وصل إليه حالها،وقلبٍ حزين لم يعد كما كان
في تمام الساعة التاسعة صباحاً،تحركت خارج المنزل متجهة إلي الحديقة وذلك لتستقل السيارة المجهزة بالحراسة التي أبلغها عنها والدها كي تقِلها إلي جامعتها الجديدة داخل القاهرة،وجدت من يقف وهو ينظر عليها بترقُب ويبدوا أنهُ كان بإنتظارها،نظرت عليه وجدتهُ شاب يبدوا أنهُ بأواخر العِشرينات من عمرهِ،فارع الطول يمتلك جَـ.ـسداً رياضي قوي البُنيان ويرجع هذا لنتيجة تدريباته القوية الخاصة بعمله كضابط داخل جهاز المخابرات الحَربية، شملته بنظرة إستخفافية وتحركت بإتجاه وقوفهُ
أماء لها برأسهِ بخفة وتحدث بإحترام وهو ينظر إليها من خلف نظارته الشمسية التي يرتديها وتُزيدهُ وسامة فوق وسامته:
-صباح الخير يا دكتورة،مع حضرتك الرائد كارم المعداوي،قائد الحِراسة المُكلف من جهاز المخابرات بحمايتك
وأكمل بإستفاضة تمللت منها تلك السَاخطة:
-من النهاردة هكون معاكِ في كل خطوة هتخطيها خارج البيت،هوصلك القاهرة يومياً وهستناكي خارج الكُلية لحد ما تخلصي محاضراتك،وهرجعك لحد هنا تاني بنفسي
وأكمل وهو يُشير إلي سيارة الحراسة التي تتبعهُ:
-ودول رجَالة الحِراسة اللي هيمشوا ورانا
رمقته بنظرة مُتعالية مُقللة من شأنهِ وتحدثت بنبرة خالية من أُصول الأدب والإحترام للذات قبل الغير مما أثار غضبهُ:
-إنتِ بتحـ.ـرق كلام كتير ليه كدة!
وأكملت بإستخفاف:
-كُل الرّغي والمقدمات دي علشان تقولي إنك الbody guard اللي هتمشي ورايا؟
خَلـ.ـع عنه نظارتهُ الشَمسية وقطب جبينهُ بإستغراب وهو ينظر إليها مُدققاً في نظراتها المُتعالية وأردف قائلاً بنبرة هادئة في ظاهرها،مُحتقنة بالغضـ.ـب في باطنها:
-مبدأياً كده وعلشان نبدأ مع بعض بداية صَح ومن غير مشـ.ـاكل،لازم أوضح لك شوية أمور علشان نحط النُقط علي الحروف من أولها
رفعت حاجبها وترقبت فاسترسل بنبرة مُتعالية كي يرُد لها تحيتها:
-أول حاجة لازم حضرتك تتعلمي إزاي تتكلمي معايا بالطريقة اللي تتناسب مع منصبي كرائد ليه وضعه في جهاز المخابرات المصرية
وابتسم بجانب فمه بطريقة ساخرة وتحدث متهكماً:
-ثانياً يا أستاذة أنا مش body guard ولا مهمتي أمشي ورا جناب معالي سعادتك كبرواز يجَمل صورتك قُدام صحباتك
وأكمل شارحاً بنبرة جادة وملامح وجه صارمة وكأنهُ تحول لأخر:
-أنا هنا في مهمة رسمية مكلف بيها من الجهاز بناءاً علي طلب رسمي مقدم من سيادة العميد ياسين المغربي شخصياً،وده يرجع لعلمه بمدي كفائتي في شغلي كظابط مُحترف وليا وضعي
كانت تستمع إليه وهي تُقلب عيناها بضَجَر بطريقة توحي بتملُلها وعدم تقبُلها لما يقال من ذاك الغَليظ التي لم تتقبل شخصيته من أول ولهة،ألقت عليه بسؤالها الساخر:
-ياتري خَلصت وصلة مدح حضرتك لجلالتك ولمهنة عظمتك ولا لسه يا حضرة الظابط؟
رمقها بنظرة نارية وأردف بنبرة حادّة:
-أنا مش بمدح في نفسي علي فكرة
واسترسل بتعالي كي يَردَع غرورها:
-لأني لو قعدت أسرد في إنجازاتي يبقي مش هنتحرك من مكانا هِنا قبل يومين علي الأقل
واستطرد شارحاً لوضع حدود صارمة بينهما:
-أنا حبيت بس أعرفك على الشخص اللي هتتعاملي معاه من النهاردة علشان تختاري الإسلوب الصَح اللي يليق بشخصِى
نظرت إليه وابتسمت بجانب فمها بطريقة ساخرة وتحدثت بتهكم:
-واضح إن سيادة العميد إختار لي الشخص المناسب.
إبتسم بطريقة ساخرة وأشار بيـ.ـده وهو يفتح لها باب السيارة الأمامي المجاور لمقعده دون حديث،رمقته بنظرة متعالية وتحركت إلي الباب الخلفي وقامت بفتحه وصَعدت إلى السيارة ثم قامت بغلق الباب مما جعل الدِمَاء تصعد لرأسه سريعاً،لكنه تمالك من غضـ.ـبه وقام بغلق الباب بحِـ.ـده وتحرك مَتجهً للجهةِ الأُخرى وفتح باب السيارة،ثم أشار بكف يـ.ـده إلي سيارة الحِراسة التي ستُرافقهُما الطريق مما جعل السائق في وضع التأهُب،إستقل كارم السيارة وجلس خلف مقود القيادة وقادها مُتحركاً إلي خارج المنزل ليتجه إلي الطريق المُؤدي إلي القاهرة
بعد مرور بضعة دقائق من تحركهما،كانت تجلس بالخلف وعدم الراحة والإمتعاض تظهران فوق ملامح وجهها الصَارمة،أمسكت حقيبة يـ.ـدها واخرجت هاتفها الجوال وبدأت بفتحه،ثم نظرت عليه بتعالى وتحدثت إليه بنبرة أمّرة:
-قول لي إسم الـ bluetooth علشان عاوزة أشغل أغاني علي الكاسيت بدل الملل ده.
رفع حاجبيه متعجباً من إسلوبها المُستفز والذي يدُل علي عدم لباقتها وحُسن تعاملها مع الآخر واستغربها حقاً،وتسائل بين حالهِ متعجباً كيف لتلك السيئة الطِباع أن تكون إبنة رجُل حكيم وراقي مثل ياسين المغربي
نظر لها من خلال إنعكاس صورتها بالمِرأة وتحدث بنبرة باردة أشعلت داخلها:
-أسف يا أنسة،مش هينفع
هو إيه ده اللي مش هينفع؟..جُملة حادّة تفوهت بها أيسل بطريقة غاضـ.ـبة وهي ترمقهُ بحِدة
أجابها ببرودٍ حَادّ ليُصيبها بالغضـ.ـب أكثر علهُ يثأر لكرامته من تلك المتعالية:
-طبيعة عملى بتتطلب مِنى الهدوء التام علشان أقدر أركز في شُغلى واعملهْ على أكمل وجه،علشان كدة ممنوع أشغل أى صوت ممكن يشتت ذهنى ويفقدني تركيزي
تنفست بصوتٍ مُرتفع وهتفت بنبرة حادّة وكأنها تأمرهُ:
-وأنا بقول لك تديني الإسم وحالاً.
هتف بنبرة أكثر حِدّة لملامح وجه صارمة وهو يرمقها بنظراتٍ حـ.ـارقة أشعلت روحها:
-أولاً أنا ما أسمحش لحضرتك إنك تكلميني بالإسلوب ده،
واسترسل بنفس الحِدة:
-هعيد عليكي الكلام اللي قلتهُ لك من شوية وياريت ما تضطرنيش أعيده تالت لأن خُلقي ضيق ومبتحملش المناهدة والكلام الكتير
واستطرد بإبانة مكرراً حديثهُ علها تستوعبهُ:
-أنا في مُهمة رسمية مُكلف بيها من رؤسائى اللي وضعوا فيا كُل ثقتهم،وأنا هِنا اللي بحط القواعد والقوانين اللي همشى عليها واللي مطلوب من حضرتك تنفيذها وبدون نقاش
واسترسل بنبرة متهكمة على تفكيرها:
-إحنا مش طالعين رحلة مدرسية علشان أشغل لك الكاسيت ونقعد نسَقف وناكل السَندوِتشات ونشرب الكُولا
إحتدمَت غيظاً واتستعت عيناها بذهول من حديثهُ المُهين المُقلل من شخصِها فصاحت بنبرة غاضـ.ـبة توحي لمدي إستشاطتها التي أصابتها من حديثهُ المقلل من شأنها:
-إنتَ إزاي تسمح لنفسك تكلمني بالطريقة دي؟!
أجابها بنبرة جادة:
-السؤال ده حضرتك توجهيه لنفسِك الأول لأن سِيادتك اللي تخطيتي حدودك فى الكلام معايا وده كان ردي المناسب لتعديكى على شَخصِى
واسترسل بإيضاح:
-ده ردي عليكي بالنسبة للجزئية التانية من كلامي اللي زعلك وعَصبك أوي كدة
واسترسل موضحاً بنبرة زائفة:
-أما بقي بالنسبة لرفضى لموضوع الأغانى فدا شئ يرجع لقواعد شُغلي الثابتة اللي أنا نفسى ما أقدرش أكسَـ.ـرها،ولو مش مصدقة كلامي تقدرى تسألى في النقطة دي سيادة العميد.
كانت تستمع إليه وكُل ذرة بجـ.ـسدها تنتفضُ من شِدة غَضـ.ـبها من ذاك البارد الذي عاملها بطريقة غير لائقة والتي ولأول مرة تتعرض لهكذا معاملة،نعم كان إيهاب صارماً في تنفيذهُ للأوامر لكنهُ لم يتخطي معها حدود الأدب مهما بلغ إستفزازها له،وطالما إحترم شخصها طيلة الوقت
وبرغم وصولها بفضلهِ للمنتهي من حالة الإحتدام،إلا أنها فضلت الصمت لتيقُنها أنهُ يقول الحقيقة وذلك ما أستطاعت أن تستشفهُ من خِلال نبرة صوته الثابتة ونظرات عيناهْ الواثقة وهو ينظر إليها من الحِين للأخر في إنعكاس صورتها بالمِرأه حين كان يُحدثها
دون أن تُعيرهُ حق الرد،رفعت قامتها بتعالىّ ثم أمسكت هاتفها وأوصلته بسماعة الأذن الخاصة بالهاتف التي وضعتها داخل آذنها من تحت حِجابها،وبدأت بالإستماع إلي إحدي الأغانى الأجنبية وباتت تُردد بعض كلماتها بنبرة خافتة وصلت لأذن ذاك الكارم مما جعلهُ يبتسم سَعيداً بأول إنتصار قد حققهُ أمام تلك المستبدة والتي ومن الواضح أنهُ سيُعاني معها من خلال عملهِ،لكنهُ سيصمُد بالتأكيد بل وانتوىّ داخل سَريرَتهُ أنهُ سيتفنن في إستـ.ـشاطتها ووصولها للمنتهي.
بعد مرور بعضاً من الوقت،توقف كارم بسيارته أمام مبني جامعة القاهرة وترجل منها وتوجه إليها وفتح لها باب السيارة وتحدث بصوتٍ أجش:
-وصلنا يا دكتورة،إتفضلي
نزلت من السيارة وباتت تنظر بألم علي ذاك الصرح العظيم بعيناي حزينة متألمة رافضة لواقعها المرير،نظر عليها ورأي كم الألم الذي سكن عيناها واستغربهُ،تحدث إليها من جديد كي تعي علي حالها:
-دكتورة،إدخلي الجامعة لو سمحتي علشان وقفتك برة كدة غلط
وعت علي حالها أثر كلماته،أخذت نفساً عميقاً إستعداداً لما ستقبل عليه ودلفت إلي الداخل تحت نظرات كارم الذي همس لحاله بصوتٍ مسموع:
-دي باينها مجنونة وإنتَ شكلك لبست في حيط يا كارم باشا
ليلاً
عاد كارم إلي منزله بعد يوماً شاقاً،فتح باب مسكنهُ وجد والدتهُ تجلس بالأريكة المتواجدة داخل البهو دون والدهُ،فتحدث علي عُجالة:
-مساء الفل يا بوسبس
واسترسل وكأن احدهم يطاردهُ:
-جهزي لي الغدا علشان هموت من الجوع،علي ما أدخل أخد شاور تكوني جهزتيه،تمام
قال كلماتهُ وانصرف سريعاً تحت نظرات تلك المتعجبة والتي صاحت بنبرة عالية كي يصل صوتها إليه:
-إمتي وربنا يكرمني وتلاقي بنت الحلال اللي تخلصني منك بقي
وأهون عليكي يا بُسبُس…قالها من داخل غرفته مما جعلها تبتسم وتتحدث بصوتٍ خافت وهي تنسحب إلي المطبخ:
-ربنا يهديك يا كارم يا ابني ويرزقك ببنت الحلال اللي تخليني أموت وأنا مطمنة عليك
❈-❈-❈
ليلاً داخل منزل رائف
كانت مليكة تحمل صغيرتها وتجاور ثريا الجلوس وهما تتناولتان مشروباً بارداً،يجلسُ جميع الأطفال أرضاً يلهون بألعابهم عدا مروان القابع بغرفته يراجع دروسهُ،وقفت ليزا واقتربت من مليكة التي أصبحت تُناديها بأمي تمثلاً بمروان حيثُ باتت تقلد جميع تصرفاتهُ دون إدراك،وتحدثت بتملُل:
-مامي،أنا عاوزة مروان علشان يلاعبني
وضعت مليكة كفها فوق وجنتها وحركتها برقة ثم تحدثت بإيضاح:
-مروان بيذاكر يا قلبي ومش هينفع ينزل،بكرة هخليه يلعب معاكي
تأففت الصغيرة وعادت لتجلس من جديد،فتحدث إليها عز الذي تملل من إهتمامها الزائد بمروان:
-قولت لك مش هينزل،مروان كبير وبيذاكر وإنتِ صُغيرة وأنا كمان صُغير،إلعبي معايا أنا وأنس
ربعت ساعديها ومطت شفتاها بحزن ثم أردفت بحِدة تنم عن إستيائها:
-بس أنا مش بحب ألعب غير مع مروان،هو بيحبني ومش بيزعلني ولا بياخد ألعابي زيك يا عزو
بنبرة نادمة تحدث إليها بملامح وجه أسفة:
-خلاص يا ليزا مش هاخد ألعابك تاني،بس حبيني زي مارو ويلا إلعبي معايا
سألته بتمني:
-يعني مش هتاخد مني ألعابي تاني يا عزو؟
مش هاخدها يا ليزا أوعدك…هكذا نطق بوعد فابتسمت وعادت للهو معهُ وأنس تحت سعادة ذاك الصغير الذي وما أن إستمع إلي صوت أبيه الذي حضر للتو حتي وقف وأسرع عليه ليحملهُ ياسين ويُدخلهُ داخل ضمة أحضانهُ فتحدث الصغير بدلال:
-حبيبي يا بابي
يا قلب بابي من جوة إنتَ…نطقها ياسين الذي تحرك به إلي الداخل وجلس بعدما إحتضن أنس وقبل صغيرتهُ وأيضاً ليزا التي باتت تعشق تواجده بالمنزل
تحدثت ليزا متسائلة عن جدها التي تعلقت روحها به من شدة حنانهُ الذي يغمرها به في محاولة منه لتعويضها عن أبيها الحاضرُ الغائب:
-جدو مش جه معاك ليه يا عمو؟
أجابها بنبرة حنون:
-جدو عز خرج مع جدو عبدالرحمن يا ليزا
أفلت الصغير حالهُ من فوق ساقاي والده وعاد ليمرح مع أنس وليزا،وجهت ثُريا حديثها إليه:
-أخلي عَلية تجهز لك العشا يا ياسين؟
أجابها بعيناي شاكرة:
-لا يا حبيبتي،أنا أكلت من شوية مع الباشا والأولاد
أما تلك المُحبة فنظرت إلي معشوقها وتحدثت بنبرة حنون:
-شربت قهوتك ولا أعمل لك فنجان يا ياسين؟
ما أنا جيت مخصوص علشان أشربها مع ماما من أديكي…نطقها بنظرات دافئة فهبت واقفة ثم تحركت إليه وقامت بوضع صغيرتهُ بين ذراعاه وتحدثت وهي تتأهب للذهاب إلي المطبخ:
-طب خد بنتك وأنا هدخل أعملها لكم حالاً
إنسحبت ونظر ياسين لصغيرته التي تنظر له بعيناي سعيدة وبات يزيدها من قُبلاتهِ النهمة وكلما قبلها إشتاق لتناول المزيد
بنبرة بائسة سألتهُ ثريا بإهتمام:
-وبعدين في عُمر يا ياسين،هتفضلوا سايبينه كدة يا ابني؟
حرام عليه بنته اللي بتتربي وكأنها يتيمة دي،مش كفاية اللي حصل لها علي إيدين أمها اللي ما يجوزش عليها غير الرحمة،كمان هتخسر أبوها وهو لسة علي وش الدنيا
بأسي أجابها مُعقباً بإبانة:
-والله يا عمتي أنا تعبت من الكلام معاه أنا والباشا وماما،وهو كُل اللي طالع عليه سيبوني براحتي ولما أحس إني قدرت أسامح وقابل وجودها في حياتي أنا بنفسي هروح وأجيبها
أومأت قائلة بتفهُم:
-ربنا يهديه وينور بصيرته يا ابني
يارب يا حبيبتي…نطقها ثم نظر إلي صغيرته التي باتت تناغشهُ بعدما لاحظت عدم إهتمامهُ بها واستياء ملامحهُ،فبدأت بوضع كفها الصغير فوق وجنتهُ وبدأت بهمهمة غير مفهومة وكأنها تُذكرهُ بوجودها،إحساساً رائعاً إجتاح داخلهُ من مشاكستها له
تعمق بزرقاويتها وتحدث بملامح وجه يكسوها الحنان الطاغي:
-إيه يا مِسك ياسين،هو دلع بابي لحبيبة قلبه واحشك قوي كدة؟
تهلل وجه الصغيرة وباتت تتراقصُ وتُعبر بحركاتها الحماسية عن سعادتها بدلال أبيها لها، فتحدثت ثريا بإبتسامة حنون:
-ربنا يخليك ليهم يا حبيبي وما يتحرمومش منك أبداً
تسلمي لي يا أمي ويبارك لنا في عُمرك…نطقها بعيناي شاكرة،إقتربت مليكة عليهم وقدمت لثريا قهوتها ثم قامت بوضع ما بيدها فوق الطاولة وتحدثت بتبيان وهي تلتقط صغيرتها:
-هات مِسك علشان تعرف تشرب قهوتك
صرخت الصغيرة وكأنها تُعلن إعتراضها عن الإبتعاد عن أحضان غاليها،تحدث إليها ياسين وهو يُعيدها من جديد إلي مسكنها الأمن:
-متزعليش يا حبيبي وخليكي في حُضن بابي
ناولتهُ قهوتهُ وتحدثت إلي إبنتها بدُعابة:
-اللي يلاقي دلع ولا يدلعش يبقي حرام عليه يا مِسك هانم
إبتسم لها وعادت تجلس لمكانها وبدأ هو بارتشاف قهوتهْ،ثم تحدث قاصداً كِلتاهما بنبرة جادة:
-الجهاز عندنا منزل طرح لقطع أراضي في أماكن مميزة وأسعار معقولة هتتبني ڤيلل فيما بعد،وأنا إن شاء الله نويت أحجز لحمزة وعز وسيلا ومِسك،وكنت حابب أحجز لمروان وانس علشان يبقوا جنب إخواتهم
واسترسل متسائلاً إياهما:
-إيه رأيكم
أردفت ثريا بموافقة لثقتها بياسين:
-اللي تشوفه مناسب ليهم إعمله يا ابني،والفلوس موجودة في البنك وتحت أمرك
نظر إلي مليكة وتحدث مستفسراً:
-وإنتِ إيه رأيك يا مليكة؟
بنبرة هادئة عقبت:
-أنا واثقة في إختياراتك يا ياسين وموافقة علي أي حاجة تشوفها مناسبة لمستقبل الولاد
أومأ لهما وتابعا سهرتهما،بعد مرور حوالي الساعتان،كانت تخرج من الحمام بعدما أخذت حماماً دافئاً وارتدت ثوباً شفافاً ليصلح للنوم،وجدته يقف أمام مرأته يُصفف شعر رأسهُ بعناية بعدما وضع صغيرتهُ داخل مهدها ووضع قبلة فوق وجنتها الناعمة
نظر علي إنعكاس صورتها في المرأة وألتقط قنينة عِطرهُ الرجولي وبات ينثر منه بسخاء علي جسدهِ،ثم تحرك إلي تلك الواقفة تتطلع عليه وبدون سابق إنذار قام بسحبها وأدخلها إلي أحضانه وبات يشدد من ضمتها،ثم تنهد براحة وتحدث بنبرة أوحت إلي كم إشتياقهِ لها:
-حبيب جوزه اللي وحش جوزه قوي
إبتسمت وتحدثت بمداعبة كي تحصل علي المزيد من غزله الذي ينثرها به بغزارة ويجعلها تهيمُ عِشقاً به:
-هو أنا بلحق أوحشك يا ياسين،ده أنا كل يوم معاك
ولو كل ثانية في حُضني،بردوا هتوحشي حبيبك…هكذا تحدث قبل أن يحملها بين ذراعيه ويتحرك بها بإتجاه تختيهما ليحيا معاً لحظات تعيد لهما رونق عشقهما وتحيي قلبيهما وتنعشهُ
❈-❈-❈
كان يجلس داخل مكتبه الخاص بعمله بشركة الإلكترونيات،دلفت إليه إحدي الفتيات الجميلات ويبدوا علي هيأتها الغضب،وقفت أمامهُ وتحدثت مستفسرة بنبرة حادة:
-ممكن أعرف ليه حضرتك رفضت تنفيذ فكرة المشروع بتاعي؟
ضيق عمر عيناه ثم سألها متعجباً:
-مشروع إيه ده اللي بتتكلمي عنه حضرتك،ثم إنتِ مين أصلاً؟
هتفت تلك الحانقة قائلة:
-أنا الباشمهندسة تارا مجدي اللي إدارة الشركة إختارت حضرتك لكفائتك علشان تساعدني في تنفيذ مشروعي اللي قدمته للشركة
واسترسلت بخيبة أمل:
-بس الإدارة بلغتني من شوية إنك رفضت تشاركني في تنفيذ فكرة المشروع
واستطردت بنبرة إنهزامية وعيناي لائمة:
-ضيعت لي حلمي بكل بساطة
أجابها بنبرة باردة ويرجع ذلك لقوانينهُ الذي وضعها لحاله وهي عدم السماح لأي أنثي بالتقرب منه بأي شكلٍ من الاشكال:
-أنا رفضت مشاركتك للمشروع وأظن ده حقي وليا مطلق الحرية فيه،وبالنسبة لمشروعك تقدري تبلغيهم يسندوه لأي مهندس غيري
إبتسمت ساخرة وتحدثت متهكمة علي جهله بأمور شركته:
-يظهر إنك ما تعرفش معلومات كتير عن الشركة اللي إنتَ شغال فيها يا باشمهندس
واسترسلت بإيضاح:
-حضرتك الوحيد الموجود في الشركة في المجال ده،علشان كدة لما أنتَ رفضت تساعدني في تنفيذه،الشركة رفضت المشروع كله
واسترسلت بنبرة متألمة وهي تتأهب للخروج:
-ربنا يسامحك،أنا كنت بانية أمال كبيرة قوي علي تنفيذ المشروع بتاعي وخروجه للشمس والإعلان عنه من خلال شركة كبيرة زي دي
واسترسلت بإحباط:
-بس كالعادة كلها إنهدت قبل ما تظهر للنور
قالت كلماتها المحبطة وكادت أن تخرج أوقفها صوتهُ الذي تأثر بحالة الألم الذي شعر به من خلال صوتها المحبط:
-إستني يا باشمهندسة
إلتفتت ونظرت عليه فاسترسل بعدما حسم أمرهُ وأنتوي مشاركتها:
-أنا هبلغ الإدارة إني تراجعت وهنفذ معاكي المشروع
حضرتك بتتكلم جد؟…جُملة نطقتها بتلهف فأجابها بهدوء:
-القرارات اللي بتخص الشغل ما ينفعش فيها الهزار يا باشمهندسة
شكرته بشدة وانسحبت تحت رضاهُ عن حاله
باليوم التالي وقت الغروب
وقف داخل شرفة غرفتهِ كعادتهِ ككل غروب ليختلس النظر من تلك التي باتت تتحرك بإتجاهها بعضاً من مشاعر الأبوة بداخلهُ لكنهُ مازال يعاند حالهُ أو بالأدق كان يريد إعطاء حالهُ الوقت الكافي لتقبلها داخل حياته
كانت تهرول بخفة خلف عز وساندرا طارق ورائف وهي تلهو معهم تحت أنظار مليكة وثُريا ونرمين الجالسات تراقبن الأطفال،كان يراقب خفة تحركاتها وإنطلاقها بترقُب شديد،إنتفاضة ورعشات كانت تزلزلُ قلبهُ مع كل ضحكة تطلقها تلك البريئة،أسرعت الصغيرة وهي تهرول خلف عز لتلحق به وتُمسكه في إطار خطوات اللُعبة وبدون مقدمات تعثرت قدم الصغيرة وألتوي كاحلها وعلي أثرها انبطحت أرضاً تحت صرخاتها التي صدحت بالمكان والتي أطلقتها من شدة ما شعرت به من ألم،وقفن النساء وهرولن عليها بقلوبٍ متلهفة
ما وعي علي حاله إلا وهو يصرخ منادياً بإسمها بكل صوتهِ بعدما إقتحم قلبهُ شعوراً ولأول مرة يُصيبهُ:
-ليزااااا
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)