رواية قلوب حائرة الفصل الخامس والستون 65 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت الخامس والستون
رواية قلوب حائرة الجزء الخامس والستون
رواية قلوب حائرة الحلقة الخامسة والستون
🦋 الفصل الرابع والعشرون 🦋
داخل منزل اللواء عز المغربي
كان جميع أفراد المنزل مجتمعون بوسط البهو يودعون شيرين وعائلتها،حتي مليكة التي أحضرها ياسين هي وصغارها لتوديع عمتهم،إقتربت شيرين من مليكة وهمست بصوتٍ وعيناي راجية:
-خلي بالك من ياسين يا مليكة،ياسين شكله عنده مشاكل في شُغله مخلياه في الفترة الأخيرة دايماً مُرهق وتعبان
ربتت علي كف يدها وتحدثت بنبرة مُطمأنة:
-ما تقلقيش علي ياسين يا شيري،ده جوة عنيا
إبتسمت لها باطمئنان ثم حولت بصرها إلي والدتها التي تبكي بمرارة وشِدة ولا تدري ما إذا كانت تلك الدموع المُنهمرة لأجل إبنتها التي ستغيبُ عنها بالشهور وربما لسنوات،أم أنها تبكي حالها وما وصلت إليه بفضل تصرفاتها الرعْناء،تعلم أنهُ بمجرد خروج إبنتها من ذاك المنزل سينتهي حلم عز عليها ويعود لإتفاقه مع ياسين ويُخرجها من منزلها ذليلة خاضعة عَلَى مَرْأىً ومَسْمعٍ مِنَ الجَمِيع
تحركت إليها واتخذتها داخل أحضانها وباتت تُربت علي ظهرها بحِنو ثم تحدثت:
-بلاش دموعك أرجوكِ يا ماما،أنا أول مرة أشوفك كدة
شهقت منال وتحدثت بانهيار:
-صعب عليا أتحمل بُعادك عني بالشهور بعد ما أتعودت علي وجودك معايا يا شيري،إنتِ وأولادك هتمشوا وأيسل وليالي مشيوا إمبارح والبيت هيفضي عليا من غيركم
ربتت علي كتفها وتحدثت بإبانة:
-بابا معاكِ وكمان ياسين وطارق وأولادهم
ثم نظرت إلي عُمر وتحدثت بإبتسامة وهي تُبعد والدتها قليلاً لتنظر داخل مقلتيها:
-ولو كُل دول مش مكفيين حضرتك فحبيب قلبك ودلوع عينك عُمر موجود
إقترب عُمر من وقوف والدتهُ وأردف قائلاً وهو يحاوط كَتِفها بذراعه:
-ما تروقي كدة يا موني وتسيبك من جو نكد الأمهات اللي مش لايق عليكِ ده
رمقته بنظرة نارية فاسترسل شارحاً كي يحصل علي اسْتِحْسَانِها كعادتهْ:
-الحركات دي بلدي أوي وبصراحة مش لايقة علي مكانة وبرستيچ منال هانم العشري
شعرت بالإنتشاء جراء حديث صغيرها المُدلل الذي نال إستجوادها وبالفعل بدأت بتجفيف دموعها تحت إبتسامة ياسين السَاخرة وهو يتبادل النظر بين شقيقتهُ التي إبتسمت له وهي تهز رأسها باستسلام وذاك المُرفَّه الذي غمز لشقيقهُ بمشاكسة
إقترب طارق من شيرين وتحدث بنبرة حنون وهو يحتضنها:
-خلي بالك من نفسك يا حبيبتي وأول ما توصلي إتصلي وطمنينا عليكِ
واسترسل أسفاً:
-أنا لولا عندي ميعاد مُهم في المكتب ومش هينفع يتأجل كُنت جيت وصلتك المطار
إبتسمت له وتحدثت بصوتٍ حنون:
-ما تزعلش نفسك وشوف شُغلك يا طارق،وياسين وعُمر معايا
نظرت إلي أبيها وجدتهُ يتطلع إليها بعيناي تتشوقُ حنيناً لإبنة عُمرهْ التي إشتاقها وأفتقد حضورها الطاغي من الأن،حيثُ ملئت المنزل بالمرح ودبت فيهِ الحياة هي وأطفالها رُغم الظروف الصعبة
إبتسمت له واقتربت فسحبها هو ليدخلها داخل كنف أحضانة وقام بوضع كفه العريض محتوياً مؤخرة رأسها وبات يتلمسها بحنان دغدغ مشاعرها حتي أن دموعها إنهمرت من مقلتيها رغم محاولتها المُستميتة بمنعِها لكي لا تُحزن والدها وتُزيد من همومهُ التي باتت تضغط علي عاتقهُ وتؤرق روحهُ
شعر بدموع إبنته وألمها وكيف لا وهي غاليتهُ وقرة عينهْ والتي مهما بلغت من العُمر سيظل دوماً يراها طفلتهُ بروحها البريئة التي لم تتغير كثيراً رغم مرور السنوات،شدد من ضمتهِ علها تشعُر ببعضاً من الراحة والسكينة داخل أحضانهُ،إنتابها شعوراً هائلاً بالإرْتياح فور ضمة غاليها وكأن أحضانهُ لم تجد من تعُطيهِ حنانها الفياضُ فانكبت بغزارة لتروي روحهُ المُشتاقة للحنان قبل روحِها
تنهدت براحة وحدثت حالها من بين أحضانه:
-أهٍ أبي،لو تدري كَم تعني لي ضمتك الحنون وكم سأشتاقها بغُربتِي،أعيشُ الكثيرَ من الليالي الحالكة جراء إبتعادُكَ وأحبتي
يا الله علي ذاك الحنون،كَمّ كان يحتاجُ ضَمتِهَا أكثرُ من ضْمِها،كَمّ عاش محروُماً يفتقدُ الحنانَ والإحتواءِ وكَمّ تمنيّ أن يجدُ المأْمَنَ داخل أحضان تلك المنال كي يذوبُ داخلهُ وينسي عِشقهُ المُستحيل الذي لم يجني من ورائهُ سوي الأوجاع والانينُ لروحهِ المُنشطرة
أوشكت عيناهُ علي أن تذرفُ الدموع حُزناً وهو ينظر إلي كلاهُما بقلبٍ يإنُ لاجليهما،حزن نعم لأجل شقيقتهُ الحنون،ولكن ما جعل فُؤَادهُ ينفطرُ حُزناً هو ذاك الفارسُ الراقي،شعر بوخزة تغزو صدره لأجلهِ جراء ما يجري معهُ،ومن يشعُر بهِ سوي عاشقٍ حُرم من عِشقهِ وعاشَ كحالهُ لسنواتٍ طالَ عُجافها،لكن الله كان بهِ رحيمَاَ
إقترب من شقيقتهُ تحت نظرات الجميع المُتأثرة بالمشهد وتحدث وهو يُربت علي ظهرها:
-يلا يا حبيبتي،كدة ممكن نتأخر علي ميعاد الطيارة
أكد حُسام علي حديثهُ ليجعلها تتعجل فجففت دموعها سريعاً وخرجت من أحضان أبيها الذي حاوط وجنتاي أميرتهّ وتحدثَ وهو ينظر داخل مقلتيها بفائِضٍ من الحنان:
-ما تزعليش،في أقرب وقت هاجي لك لندن وأقعد معاكِ أسبوع بحاله
ياريت يا بابا…نطقتها بعيناي راجية واسترسلت شارحة:
-إنتِ مش مُتخيل إنتَ بتوحشني قد إيه
هز رأسهُ وتحدث بصدقٍ وحنان:
-مش قد ما بتوحشيني يا شيرين
أخذ نفساً عميقاً وتحدث مُرغمَاً وهو يحثها علي الرحيل:
-يلا إتحركي مع جوزك علشان الطيارة ما تفتكوش
نظرت له ثم أمسكت كف يد والدتها وتحدثت بعيناي راجية:
-علشان خاطري خلي بالك من ماما
شعر بغصة مُرة وقفت بحلقة لكنهُ تحامل علي حالهُ لأبعد حد وتحدث بابتسامة خافتة:
-ما تشغليش بالك بحد غير نفسك،إحنا هنا كُلنا كويسين
أومأت لهُ وتحرك إليه نجلاها ليودعاه
همست مليكة إلي ياسين بنبرة هادئة:
-ياسين،ما تتأخرش علشان توديني عند بابا أنا والولاد،سيف طيارته بالليل وعاوزة أروح أقعد معاه شوية قبل ما يتحرك للمطار
أجابها بهدوء:
-حاضر يا حبيبي،هوصل شيرين وبعد العصر هنتحرك من هنا
تحركت شيرين بجوار ياسين وعُمر تحت دموع الجميع وتأثر مليكة التي أشارت لأطفالها وكادت أن تتحرك عائدة إلي منزلها بعد دخول عز إلي حُجرة المكتب مُتأثراً بسفر إبنته،وصعود لمار ولم يتبقي سوي چيچي،إستوقفتها منال قائلة بنبرة جامدة:
-رايحة فين يا مليكة؟
إلتفت إليها بجسدها وتحدثت:
-هروح يا طنط
تحدثت بذكاء كي لا تدع الفرصة لعز بالإختلاء بها وطلبهُ بتركها للمنزل في غياب ياسين:
-إقعدي قضي معانا اليوم إنتِ والأولاد النهاردة
واسترسلت بإبانة زائفة:
-إنتِ شايفة بعيونك الباشا حالته صعبة إزاي بعد سفر شيرين،دخلي له عزو وأنس أوضة المكتب يتونس بيهم وتعالي إقعدي معايا علي ما الطباخ يجهز الغدا
واسترسلت بهدوء وهي تنظر إلي مروان الذي يحمل شقيقهُ بدلاً عن والدتهُ كي يرفع ثقل العِبْءُ عن كاهلها:
-وإنتَ يا حمزة خد مروان معاك وإطلعوا أوضتك إلعبوا بلايستيشن،ولما الغدا يجهز هخلي حد من الشغالين يبلغكم
أومأ لها حمزة وإقترب ليحمل الصغير ويناولهُ لمليكة وتحدث بدُعابة وهو يحث مروان علي الصعود معهُ:
-يلا يا بطل،ده أنتَ هتتقطع النهاردة
أبعد مروان الصغير عن يداي حمزة وتحدث بنبرة رجولية:
-هبقي أجي لك مرة تانية يا حمزة،مش هينفع أسيب تيتا تقعد لوحدها
تفهم الفتي الوضع فنظر الفتي إلي والدتهُ وتحدث باحترام:
-أنا ماشي يا ماما ولو إحتاجتي حاجة رني عليا
أومأت له بحبور فصاح أنس قائلاً:
-أنا كمان هاجي معاك يا مروان
فتحدثت منال بهدوء:
-طب إبقي تعالي وهات أخوك معاك علشان تتغدوا مع جدو يا مروان
مش هينفع حضرتك،تيتا ما بتعرفش تاكل غير وإحنا معاها…كلمات ذات قيمة نطقها جعلت منال تشعر بالتقزم والفقر أمام ما تملُكهُ تلك الثُريا من عِشق وإلتفاف صغار نجلها داخل عُشها السعيد،وقارنت بينها وبين أحفادها التي من الممكن أن يمر اليومان دون أن تراهم ولا يشعرون بها من الأساس
تنهدت وتحرك الولدان إلي منزلهما بعدما ناول شقيقهُ إلي والدتهُ وتحدثت چيچي إلي مليكة:
-أنا هطلع أشوف الأولاد واطمن عليهم وأنزل لك تاني يا مليكة
أومأت بهدوء وصعدت وتحدث حمزة قائلاً:
-هاتي عزو أدخله انا لجدو يا طنط
هزت رأسها وتحدثت بتِبيان:
-ما تتعبش نفسك يا حمزة،أنا هوديه للباشا بنفسي علشان أطمن عليه
تفهم حديثها وصعد للاعلى واتجهت هي إلي حجرة المكتب ودلفت بعدما إستأذنت،تنهدت منال وجلست فوق المقعد واضعة ساقاً فوق الأخري بجسدٍ مُنتصب وقلبٍ مرتعب من ما هو أتْ
أما عن مليكة التي خطت بساقيها الى حجرة المكتب وتحدث بابتسامتها الهادئة:
-عزو حابب يقعد مع حضرتك،يا تري ينفع ولا حضرتك مشغول؟
تهلل وجههُ وتحدث وهو ينظُر إلي عزيزِ عيناه وحفيدهُ المقرب لفؤاده:
-ولو ورايا الدنيا كُلها أكنسلها علشان خاطر عزو باشا
واسترسل وهو يُشير بيدهِ ليستدعيه:
-تعالي يا قلب جدو
تحركت مليكة بالصغير وأجلسته علي سطح المكتب ليوالي وجه جدهُ والذي تحدث بثرثرة صِغار:
-عزو جه يقعد معاك يا جدو علشان نانا منال قالت لمامي، دخلي عزو عند جدو لأنه مش كويس
ووضع كفهُ الصغير فوق وجنة عز وأردف وهو يتحسسها بنعومة خطفت قلب عز:
-هو أنتَ زعلان علشان عمتو شيري ركبت الطيارة زي سيلا؟
هز رأسهُ للصغير بنعم فاسترسل ذاك الفَطِن:
-طب ما عزو لسة هنا ومش ركب الطيارة
ثم مط شفتاه واستطرد متسائلاً بعيناي حزينة وهو يُحرك كفهُ بحنان:
-هو أنتَ مش بتحب عزو؟
إبتسمت مليكة علي حديث صغيرها المُشاكس وتبادلت النظرات مع عز الذي تحدث:
-إزاي تقول كدة،عزو ده حبيبي وبحبه أكتر من أي حد في الدنيا كُلها
إنفرجت أسارير وجههُ ورفع يداه للأعلي بحماس مما جعل جدهُ ومليكة يتبادلان الضحكات والنظرات،أردفت مليكة متسائلة باطمإنان:
-حضرتك كويس؟
أومأ لها بملامح وجه إرتسم فوقها الحُزن،وتحدث هارباً من أحزانه:
-طمنيني عليكِ إنتِ،عاملة إيه في الحَمل؟
الحمدلله يا عمو…هكذا أجابت بوجهٍ بشوش فسألها من جديد بمداعبة:
-إوعي يكون ياسين بيضايقك ولا بيزعلك؟
إبتسامة خجِلة إرتسمت علي ثغرها فاسترسل هو بمداعبة:
-لو في يوم زعلك قولي لي وأنا أملص لك ودانه
نطقت بعيناي تشعُ غرامَاَ:
-ياريت الناس كُلها زي ياسين في حنيته وقلبه الكبير
يا بختك يا عم ياسين…هكذا عقب مداعباً إياها ثم أخذ نفساً عميقاً وتحدث بنبرة تفيضُ حناناً خرجت رُغماً عنهْ:
-ثريا عاملة إيه؟
تألم قلبها لأجل ذاك المُتيم وعشقهِ المُدمِر وأردفت بعيناي مُطمأنة:
-هي كويسة،بس متأثرة شوية من عدم دخولكم للبيت
نكس رأسهُ ناظراً للأسفل بعدما أصابهُ حُزنا جراء إستماعهُ لأخبارها تلك فتحدثت بانسحاب كي تدعهُ مع الصغير عَلهُ يُزيل ولو القليل من همهْ:
-بعد إذن حضرتك،أنا هطلع أقعد مع طنط منال وأسيبك مع عزو
والتهُ ظهرها وتحركت فتحدث قبل أن تُمسك مقبض الباب:
-خلي بالك من ثُريا يا مليكة
توقفت ثم إلتفت إليه من جديد وتبسمت قائلة:
-حاضر يا عمو
أومأ لها بعيناي شاكرة وخرجت هي لتجلس بصحبة منال لتتركهُ مع حفيدهُ
❈-❈-❈
خرجت وجدت منال وچيچي وتلك اللمار تجلسن،إقتربت وجلست بجانب چيچي فتحدثت منال في محاولة منها بالتسلُط:
-من النهاردة عوزاكِ تيجي تتغدي معانا كُل يوم إنتِ والولد يا مليكة،عاوزين نخلق للباشا جو مناسب ونتلم كُلنا حواليه
واستطردت بإيضاح تحت تعجُب مليكة:
-إنتِ شايفة بنفسك حالته متأثرة إزاي بعد سفر بنته وحفيدته الكبيرة،وجود عزو جنبه هيفرق كتير في تحسين نفسيته،هو الوحيد اللي بيقدر يخليه يضحك من قلبه وبيعدل مزاجه
أردفت بهدوء:
-أكيد طبعا يهمني أمر عمو عز جداً لأنه غالي عندي وبعتبره زي بابا
واسترسلت بتلبُك:
-لكن إني أجي كُل يوم دي صعبة قوي،حضرتك عارفه إني قاعده مع ماما ثريا ومش هينفع اسيبها هي والاولاد،وبالنسبة لعزو أكيد طبعاً هييجي لجده كل يوم،أنا أصلاً ببعته مع مُني يومياً ومش بستني لما حد يبعت ياخده
أردفت باعتراض ونبرة متعالية:
-الكلام ده ما بقاش ينفع خلاص يا مليكة،إنتِ الوقت مرات ياسين المغربي،يعني لازم إنتمائك يكون لعيلة جوزك،ولو علي قُعادك مع ثُريا فدي سهل جداً،تقدري تلمي حاجتك وتيجي تقعدي في أي جناح هنا في الڤيلا
ثم رفعت حاجبها واستطردت وهي تُشير إلي الأعلي:
-الڤيلا واسعة وانا هخلي الشغالين يجهزوا لك الجناح من بكرة
أردفت بقوة رافضة السيطرة الجبرية التي تحاول منال فرضها عليها:
-حضرتك عوزاني أسيب بيت ولادي والست اللي عيشت معاها أكتر ما عيشت مع أهلي وأجي أقعد هنا في جناح؟
ثم سألتها متعجبة:
-طب وأنس ومروان؟
مفكرتيش إزاي هسيبهم هناك وأجي أعيش هنا معاكم؟
هتفت بنبرة ساخرة:
-إنتِ ليه محسساني إني بطلب منك تقعدي في محافظة تانية،دول كلهم خطوتين وتكوني عندهم تطمني عليهم،وياستي إبقي باتي يومين هنا ويومين هناك علشان توازني الأمور
مش هينفع حضرتك،أنا مش هشتت ولادي…نطقتها بقوة وحزم
تحدثت چيچي بتعقل:
-كلام مليكة صح يا طنط،هي مش هينفع تسيب بيتها اللي عاشت فيه كل عمرها
هتفت منال بايضاح:
-طب ما هو ياسين ساب بيته وولاده علشانها وقعد معاها في بيت ثُريا
عقبت مليكة بنبرة جادة:
-ياسين راجل ووجوده في الببت مش زي وجود الست،ده غير إن ولادي في سِن حرج ولازم أكون موجودة معاهم طول الوقت وإلا هيضيعوا مني،وكمان ما أقدرش أسيب ماما ثُريا لوحدها
واردفت بقوة تستمدها من حبيبها الواثقة في حكمته:
-وحضرتك تقدري تفاتحي ياسين في الموضوع وأنا متأكدة إن رأيه مش هيختلف عن رأيي
إستشاط داخلها ورمقتها بنظرة نارية لأجل إنصافها لثُريا علي حسابها وتدمير مُخطتها لخلق اجواء دافئة لعز كي لا يشتاق لمنزل ثُريا ولمة العائلة ويندمج بحياتهُ مع عائلتهُ ومعها،إبتسمت لمار التي قررت أن تلعب دور المتفرج الصامت وتشاهد باستمتاع،أما چيچي فنظرت إلي مليكة بابتسامة خفيفة لمؤازرتها وبدأت في فتح أحاديث كي يندمج الجميع ويتناسوا ما حدث مُنذُ قليل
❈-❈-❈
ليلاً
فُتح الباب ودلف من خلالهِ شريف حاملاً رضيعتهُ علي كتفهْ وقام بضغط الزر المسؤل عن الإضائة فاشتغلت لتُنير المكان وتكشف عن محتوياته،تلتهُ علياء المُمسكة بكف صغيرها ويجاورها حارس البناية حاملاً حقيبة سفر كبيرة فوق كَتفهُ وتحدث بصوتٍ لاهث من ثُقلِ حِملها:
-حمدالله علي السلامة يا شريف بيه
الله يسلمك يا عويس،حط الشنطة عندك وإنزل إنتَ…قالها وهو يُشير بعيناه قاصداً الرُوَاق
تحرك بالفعل وأنزل الحقيبة ثم تحدث من جديد وهو يفرك كفاه ببعضيهما منتظراً مكافأتهُ بكثيراً من الحماس:
-أني خليت أم أحمد مسحت الشقة وخليتها زي الفُل
واسترسل وهو ينظر إلي علياء متسائلاً:
-إيه رأيك يا ست هانم،أني قولتلها تعمل كُل اللي أمرتي بيه في التَلفون واكتر كمان
أومأت لهُ علياء وتحدثت شاكرة بإبتسامة بعدما تطلعت علي المكان ورأت نظافتهُ الظاهرة من رائحتهِ ومظهرهُ أيضاً:
-الله ينور يا عويس،تسلم أديها
نزل الحارس متجهاً للأسفل بعدما ناولهُ شريف بعضاً من العُملات الورقية تقديراً لما بذلاه من مجهود شاق هو وزوجته وشكرهُ عليه
إقتربت علياء علي شريف وتحدثت وهي تتناول صغيرتها من بين ساعديه:
-هات البنت أنيمها في سريرها
ناولها إياها وتحدث وهو يُمسك صغيرهُ من كف يده:
-يلا يا حبيبي إنتَ كمان علشان تنام،الوقت إتأخر
أوكِ يا بابي…قالها الصغير وهو يترنح من تأثير النُعاس،أدخلا الصغيران وقاما بدثريهما تحت الأغطية الوثيرة وخرجا من جديد
تنهد شريف وتحدث بنبرة مُتأثرة بحالة والدته:
-مش عارف اللي عملناه ده صح ولا غلط
واسترسل سائلاً إياها:
-مش المفروض كُنا قعدنا يومين كمان معاهم،وخصوصاً إن ماما إنهارت من العياط علي سيف والولاد وهما ماشيين
واستطرد بتنهيدة حارة:
-كدة كُلنا مشينا مرة واحدة وسبناها هي وبابا لوحدهم بعد البيت ما فضي عليهم
زفرت بضيق وتحدثت بنبرة مُتأثرة:
-عندك حق يا حبيبي،بس إحنا كان مسيرنا هنرجع شقتنا تاني علشان مواعيد شُغلنا،وماكانتش هتفرق النهاردة من بعد يومين
واسترسلت بابتسامة هادئة للتخفيف عنه:
-وبعدين إحنا مش هنسيبهم،أنا بكرة هخلص المحكمة وأعدي علي كارم أجيبه من المدرسة وأجيب همسة من الحضانة ونروح نعمل الغدا مع ماما ونستناك هناك
أومأ لها ثم تحدث بعملية:
-أنا هكلم السوبر ماركت يبعتولنا شوية حاجات علشان نعبي التلاجة،عاوزة حاجة مُعينة؟
ضيقت عيناها بتفكر ثم تحدث:
-العادي يا حبيبي،ماتنساش بس الجِبنة الريكوتا والعيش الفرنساوي علشان كارم مش بيفطر من غيرهم
هتف بنبرة ساخرة:
-جبنة إيطالي وعيش فرنساوي،هو الواد ده فاكر نفسه إبن مين؟
ضحكت وتحدثت لائمة:
-مش سيادتك اللي دخلته مدرسة بريطاني،أهو إفتكر إن أبوه من صفوة المُجتمع وبيتصرف علي ده الأساس
ماله أبوه يا حضرة الباشمحامية؟ما بقيناش عاجبين خلاص؟! نطقها وهو يُمرر لسانهُ فوق شِفتهِ بإثارة،إقتربت عليه وقامت بوضع كفها فوق موضع قلبهُ ثم اقتربت علي اذنهُ وهمست بدلال أنثوي:
-ده أنتَ تعجب الباشا يا باشا،هو فيه حد جنني وخطف قلبي زي أبوه
أيوه كدة أظبطي…قالها وهو يعدل من ياقة قميصهُ فابتسمت بدلال ثم ابتعدت واردفت بحديث ذات مغزي:
-أنا داخلة أخد شاور علي ما تكلم السوبر ماركت
كادت أن تتحرك فسحبها من كفها فارتطمت بصدرهِ وتحدث وهو ينظر لها بوقاحة:
-إعملي حسابي معاكِ في الشاور،أصل البانيو بتاعي وحشني قوي
ضحكت بدلال وتحركت إلي الداخل لتجهيز الحمام وامسك هو الهاتف وقام بالإتصال بالمتجر واملاهم ما يُريد وهرول للداخل إلي حبيبتهُ
❈-❈-❈
ليلاً بمنزل عز المغربي
تحرك ياسين إلي والده هو وطارق بعدما إستدعاهما ليتحدث معهما في قصة طلاق والدتهما تحت ارتعاب قلب منال التي جلست بجناحها تنتظر حُكمها بقلبٍ يرتجفُ لشدة هلعهِ ويرجع ذلك لمعرفتها بشخصية عز الصارمة عندما يصل للمنتهي ويتحول لأخر شديد التجبُر
دخلا من باب المكتب فأشار لهما عز يستدعيهما للجلوس بالمقعدين المقابلين لمقعدهِ الخاص بالمكتب،بعد قليل إنتهت العاملة من وضع أكواب القهوة أمام ثلاثتهم وأردفت موجهةً حديثها إلي عز:
-تؤمرني بحاجة تاني يا سعادة الباشا؟
شُكراً يا عفاف،أخرجي وإقفلي الباب وراكِ…جُملة نطقها فخرجت وتحدث هو إلي ياسين:
-أختك سافرت خلاص يا ياسين،أظن أنا كدة وفيت معاك بوعدي للأخر،الدور عليك علشان توفي إنتَ كمان بوعدك
تنهد بألم وكأن قلبهُ ما عاد فيه التحمُل أكثر بعد،يكفيهِ ما يشعر به من قلق علي الجميع،فتحدث طارق باستعطاف:
-أرجوك يا بابا فكر في الموضوع تاني،ماما ما تستاهلش منك كدة
هتف معترضاً بنبرة حادة:
-وأنا بقي اللي أستاهل اللي عملته فيا يا طارق بيه؟
واسترسل موضحاً:
-أمك شتت عيلتي اللي عيشت عُمري كُله محافظ علي تماسُكها،حَرمت عليا دخول بيت أخويا ولمتي مع أحفاده وبناته علي سُفرة واحدة
واسترسل بقلبٍ يتمزق جراء فراق غاليتهُ:
-حتي بنت عمي اللي أخويا وإبنه الله يرحمهم وصوني عليها،منعتني من إني أشوفها وأطمن عليها
كان يستمع إلي صياح والدهُ بصمتٍ تام،محني الظهر سانداً مرفقيه علي رُكبتاه ناظراً اسفل قدماه برأسٍ مُنكس،هتف عز متسائلاً بملامح وجهٍ صارمة:
-مش سامع صوتك ليه يا ياسين؟
رفع بصرهُ ونظر إلي والدهُ مع الإحتفاظ بوضعيته وتحدث بانهزام:
-عاوزني أقول إيه يا باشا؟
تقول لي أمك هتسيب بيتي أمتي؟…هكذا نطق بنبرة حادّة،أخذ نفساً عميقاً وزفرهُ بهدوء ثم قام بفرد ظهرهِ سانداً إياه بخلفية المقعد وتحدث:
-أنا عارف إني مهما أترجيتك وقُلت لك تسامحها علشان خاطرنا مش هتوافق،لأني متأكد إنك خلاص جبت معاها أخرك من الصبر
واسترسل وهو يهز رأسهُ بكثيراً من الأسي:
-حضرتك صبرت كتير علي طبع أمي الصعب وعلي تصرفاتها اللي معظمها غلط،واللي محدش يقدر يتحملها غير راجل عاوز يحافظ علي بيته وعيلته بجد
واستطرد بعيناي أسفة لأبيه:
-بس دي أمي،ومش هقدر أتخلي عنها ولا أسيبها تتبهدل بعد العُمر ده كُله
قطب جبينهُ ونظر لابنه بعدم إستيعاب وتسائل مُستفسراً:
-تقصد إيه بكلامك ده؟
أجاب كرجُلٍ حطمتهُ كثرة المعارك والإنهزامات:
-أنا هاخد أمي حالاً وأحجز لها في أوتيل وهبات معاها هناك لحد ما أدور لها علي بيت كويس
واسترسل بعيناي أسفة:
-وبعد إذن حضرتك،أنا هاخد حمزة ونعيش معاها فيه
إحتدت ملامح عز واتسعت عيناه بشزر وهتف غاضباً:
-إنتَ بتلوي دراعي يا ياسين؟
حاشا لله يا باشا…نطقها نافياً بتعجُل فسألهُ بنبرة غاضبة:
-أُمال معناته إيه الكلام الفارغ ده؟
هز رأسهُ وأردف بأسي:
-معناه إني مش هقدر أسيب أمي ولا أتخلي عنها وهي في أشد ضعفها وأحتياجها لينا،ما هو مش معقول بعد ما كَبرتنا وخلتنا رجالة نرميها ونسيبها تتلطم في الشوارع ونكمل حياتنا كدة عادي،أظن ده ما يرضيش ربنا ولا حتي يرضي حضرتك
شعر بوخزة تقتحم صدرهُ لأجل تشتُت وحزن أولاده وما أوجع قلبهُ وشطره لنصفين هو رؤيتهُ لدموع طارق التي جرت فوق وجنتاه لشعورهُ بالعجز وقلة حيلته أمام ذاك الموقف المهيب،وكأن تلك الدموع هي القشة التي قصمت ظهر البعير،أخرج صوتهُ بصعوبة جراء دموع غاليه وتحدث متراجعاً بنبرة جادة:
-خلاص يا ياسين،خليها قاعدة في الجناح
واسترسل بنبرة حادّة:
-بس مش عاوز أشوف وشها ولا يجمعني بيها مكان ولا سُفرة واحدة
إنفرجت أسارير طارق وجفف دموعهُ سريعاً وتحدث بنبرة حماسية:
-أنا هكلم المأذون ييجي هنا بكرة من غير ما حد يحس بحاجة،
كأنه ضيف جاي لحضرتك عادي
الموضوع مش محتاج مأذون يا طارق،الباشا ما طلقش رسمي عند مأذون علشان يردها بعقد جديد،الباشا هيرجعها بكلمة منه ليها وخلص الموضوع …هكذا تحدث ياسين شارحاً لأخيه
ومين قال لكم إني هرجعها علي ذمتي تاني؟هكذا نطق بما أحبط كليهما،فتحدث ياسين:
-أمي ما ينفعش تقعد في البيت من غير ما حضرتك ترجعها لعصمتك من جديد يا باشا
صاح بنبرة حادة وملامح ساخطة:
-وأنا مش عايزها تاني في حياتي وأظن ده من حقي،أنا سمحت لها تعيش في البيت علشان خاطركم بس أكتر من كدة يبقي تهريج وضغط منكم أنا مش هقبله
نطق طارق برجاء:
-أرجوك يا بابا تفكر في الموضوع برحمة،فكر في موقفي أنا وياسين وعُمر،موقفنا إيه وإحنا رجالة كدة وأمنا بتطلق وتُخرج من بيتها متهانة وهي في سنها ده،ولا شيرين لما تعرف؟
واستطرد كي يلين قلبهُ:
-حضرتك إبن أصول وإنتَ اللي علمتنا إننا لازم نفكر في العيلة قبل الفرد
أردف ياسين برصانة:
-طب أنا عندي إقتراح يرضيك يا باشا،رجعها وأنا هعمل لجنابك كُل اللي تؤمر بيه،هبلغها إن كُل واحد منكم يعيش في جناحه وكأنكم مُنفصلين بالظبط
زفر بضيق وصمت للتفكير،ساد الصمت وعم المكان ودام لأكثر من دقيقتان مرت علي ثلاثتهم وكأنهما دهراً،هز رأسهُ بموافقة مُجبرة وتحدث بلكنة حادة:
-أنا موافق بس زي ما قُلت،مش عاوز أشوف وشها قدامي
بس كدة حضرتك بتحرم ولادنا الصغيرين من لمة العيلة وهما ما لهومش ذنب،لما يشوفوا قدوتهم متفرقين يبقي كدة بتساعد علي تخريج جيل أناني كل واحد عايش مع نفسه ومش حاسس بالتاني…هكذا تفوه ياسين بصدقٍ فزفر عز وهتف بغضب شديد:
-وإيه المطلوب مني إن شاء الله يا ياسين؟
أرجع الهانم أمك علي جناحي وأنيمها في سريري تاني وكأن ما فيش حاجة حصلت؟
ما حدش يقدر يطلب منك كدة يا باشا ولا يجبرك علي حاجة حضرتك مش عاوزها…هكذا نطق ياسين فعقب والدهُ قائلاً:
-أُمال تسمي اللي إنتَ وأخوك بتعملوه معايا ده إيه غير جَبر ولوي دراع؟
نطق سريعاً:
-لا عشنا ولا كنا لو فكرنا في كدة يا باشا،إحنا بنفكر مع حضرتك في الموضوع من كُل الجوانب
واسترسل شارحاً:
-حضرتك هتنام في جناحك وامي مش هتقرب منه ولا هتحاول تضايقك،ولو ده حصل صدقني أنا أول واحد هقف معاك وهدعمك في أي قرار هتاخده
واستطرد برجاء:
-بس ياريت علي قد ما حضرتك تقدر ما تظهرش إنكم منفصلين قدام زوجاتنا وأولادنا وقدام عُمال البيت،وده من باب الحفاظ علي الشكل العام لجنابك وللعيلة مش أكتر
هز رأسهُ مُجبراً وتحدث بنبرة صارمة:
-ماشي يا ياسين،بس لازم تكونوا عارفين إني عملت كدة مُجبر علشان خاطركم إنتوا بس،لكن هي،رصيدها معايا خلص وصَفر
وقف ياسين واتجه إلي والدهِ الحنون ومال بطولهِ واضعاً قُبلة حنون فوق رأسه ثم أمسك كف يدة وقبلهُ ايضاً وتحدث شاكراً:
-ربنا يخليك لينا يا باشا،أنا كنت واثق إن معاليك مش هتخزلني أنا وأخويا
أومأ بملامح وجه مكفهرة وقام أيضاً طارق بوضع بعض القُبلات فوق كف يده فتحدث وهو يضربهُ علي مقدمة رأسهِ بخفة:
-مش عاوز أشوف دموعك دي تاني،فاهم يا طارق؟
حاضر يا باشا…قالها بابتسامة فتحدث عز بمداعبة:
-والله امكم ما تستاهل اللي عملتوه علشانها ده كله ولا تستاهل دمعة واحدة تنزل من عنيك علشانها
أردف ياسين بنبرة حنون مؤقراً أباه:
-نعمل إيه بقي يا باشا في أصلنا الطيب،مش حضرتك اللي ربتنا علي إننا نرضي ربنا في تصرفاتنا،وبعدين ما حدش بيشوف أمه وحشة حتي لو كانت مليانة عيوب وفيها العِبر،في النهاية دي أمنا وده قدرنا ولازم نرضي بيه ونقف جنبها ونسندها
خرجا من المكتب تحت حُزن عز وشعورهُ بالإنهزام،تحدث ياسين إلي شقيقهُ:
-إطلع بلغ ماما باللي حصل وانا هطلع لحمزة فوق علشان أقعد معاه شوية،أكيد متأثر بعد سفر أيسل وليالي
أومأ طارق وبالفعل صعدا كلاهما كُلٍ باتجاههُ،فرحة عارمة شعرت بها منال وتجدد بداخلها أمل التقرب من جديد إلي عز بعدما كانت تفتقدهُ
بعد مرور حوالي أربعة أيام ،داخل مبني جهاز المخابرات
كان يجلس داخل مكتبهُ الخاص يتفقد أحد الملفات الهامة، استمع الى رنين هاتفه،ترك ما بيده وأمسك الهاتف لتفقد المتصل،ابتسم وتهللت ملامحهُ عندما رأى نقش إسم غاليتهُ العنيدة،حيثُ تركها طيلة الأيام الماضية دون مهاتفتها يومياً كعادتهُ وأكتفي بالإتصال بليالي للإطمئنان علي كلتاهُما وذلك كي يُلقنها درسها بالتجاهل التام وقد إستوعبتهُ بالفعل،حيث فهمت المغزي من عقابهِ لها وأيضاً تداركت خطأها عندما أعادت تذكُر الموقف وفكرت بمنطقية بعيداً عن التحيُز وشخص مليكة،فحينها شعرت بذنبها وما كان يجب لها التدخُل ولا إحتدامها بذاك الشكل عليها،مع إحتفاظها ببغضها لمليكة الذي زاد بفضل ما حدث لها من والدها وجدها
كانت تُريد مهاتفتهُ عن طريق تطبيق الفيديو كول،فضغط زر الرفض وضغط من جديد مكالمة صوتية إكمالاً لخطته فتنهدت هي بأسي وأستقبلت المكالمة قائلة بنبرة خافتة:
-إزيك يا بابي
إزيك إنتِ يا أيسل…هكذا حدثها بجمود فحزن داخلها وتحدثت بنيرة متألمة:
-بابي إنتَ وحشتني قوي
إبتلع لُعابهُ وشعر بوخزة بصدرهِ فور إستماعهِ لنبراتها المتألمة لكنه فضل الصمت لتُخرج كل ما بقلبها،فاسترسلت بعد صمته بما جعلهُ يتألم ويرفع الراية البيضاء:
-ممكن تكلمني فيديو كول،أنا عاوزة أشوفك علشان وحشتني
إنخلع قلبهُ عليها وتحدث بنبرة خافتة:
-هكلمك فيديو حالاً
أغلق المكالمة وزفر بقوة ليُخرج من داخل صدرهِ تلك النار التي إشتعلت لأجل صغيرتهُ،ضغط من جديد علي الإتصال فتحت الكاميرا ونظرت لهُ بنظرات متشوقة وباتت تتطلع علي عيناه وملامح وجههُ بتلهُف يدل علي مدي عشقها لأبيها ثم تحدثت بنيرة حنون:
-وحشتني يا بابي
أجابها بنبرة جادة:
-إنتِ كمان وحشتيني
تنهدت وبدأت تتحدث قائلة:
-أنا عارفة إن حضرتك زعلان مني،وبجد أنا آسفة لأني خذلتك،
واستطردت شارحة:
-لما قعدت مع نفسي وفكرت في الموضوع إتأكدت إني كُنت غلط واني وجعتك،فانا بجد أسفة واوعدك ان دي هتكون آخر مرة أخليك تحس بالخجل من تصرفاتي،ووعد هخليك ترفع راسك وتتشرف بيا زي ما طول عُمرك بتعمل،بس ارجوك سامحني وما تزعلش مني
تنهد براحة وتحدث بعيناي تشعُ حناناً:
-إوعي تفتكري إن اليومين اللي فاتوا عدوا عليا سهل يا أيسل، ربنا يعلم أنا اتألمت فيهم قد إيه،بس كان لازم يحصل كدة علشان تقَدرِي حجم غلطتك
واسترسل بإبانة:
-واوعى الشيطان يصور لك إن أنا عاقبتك علشان خاطر مليكة ولا نصفتها عليكِ؟
أنا عملت كدة علشان خاطر بنتي لأني عاوز أشوفها أحسن الناس ودايماً أفتخر بيها
واسترسل بحنان:
-أنا ما عنديش أغلي منك إنتِ وأخواتك،ولازم تكوني متأكدة إني مهما حبيت ناس حواليا،عُمر غلاوتهم في قلبي ما هتوصل لغلاوتكم،وانت بالذات ليكِ غلاوة ومكانة خاصة في قلبي،ده أنتِ اول فرحتي يا حبيبتي،ده غير إنك بنتي الوحيده
ابتسمت وتحدثت وهي تُحرك رأسها بدلال علي أبيها:
-ده لحد الوقت بس يا سي بابي،لكن أكيد لما مِسك هانم تيجي هتحبها وتفضلها عليا
قهقه بشدة وتحدث بنبرة ساخرة:
-إنتِ فعلاً هتغيري منها يا سيلا،ده الفرق بينكم عشرين سنة، يعني هتعامليها علي إنها بنتك وحبيبتك مش بس أختك
واسترسل مهموماً بما جعلها ترتعب:
-طب تعرفي إنها صعبانة عليا جداً،يا عالم هعيش لها وهربيها وتدوق حنان أبوها زيك ولا هتتربي يتيمة
بعد الشر يا بابي،إوعي تقول الكلام ده…هكذا نطقت بارتعاب فتحدث هو:
-حاضر يا سيلا هانم،مش هقول كدة تاني،بس إنتِ كمان إوعديني إنك ترجعي بنتي حبيبتي اللي طول عمري بفتخر بيها قدام الناس
أومأت وأجابتهُ بطاعة:
_أوكِ يا بابي
ثم استرسلت بحبور ونبرة مليئة بالحماس:
-أنا عايزة أتكلم معاك كثير قوي،عاوزة أحكي لك عن اللي حصل في الكلية من وقت ما رجعت
واسترسلت وهي ترفع قامتها بتفاخر مُفتعل:
-عاوزه أحكي لك عن إنجازات بنتك اللي هتبقي أعظم دكتورة في الشرق الأوسط كله
ضحك بسعادة علي حماسها وتحدث مداعباً إياها:
-في الشرق الأوسط بحاله،طب قولي إسكندرية تبقي مقبلولة
بكرة تشوف يا بابي…هكذا نطقت بتحدي،استمع الى دقات فوق الباب فتحدث قائلا بنبرة عالية:
-أدخل
فُتح الباب ودخل منه ذاك الكارم بطولهُ الفارع وملامحه الجذابة مُمسكاً بإحدي يداه مَلفاً باللون الأزرق،وتحدث بنبرة عملية:
-حضرتك فاضي يا فندم؟
أومأ لهُ ثم أشار للمقعد قائلا:
-ثواني وهكون معاك
تحرك وجلس بالمقعد المقابل للمكتب وتحدث ياسين من جديد الى ابنته:
-طب يا حبيبتي هسيبك علشان عندي شُغل ونكمل كلامنا بعدين
وافقتهُ بسعادة وهتفت بنبرة حماسية:
-إتصل بيا ضروري أول ما تبقي لوحدك،علشان أحكي لك عن إنجازات بنتك زي ما قولت لك
أجابها ضاحكاً:
-شوقتيني
بحبك يا بابي…قالتها بنبرة رقيقة وعيناي لامعة من شدة سعادتها فتحدث بابتسامة وهو ينظر إلي كارم ويهز رأسهُ باستسلام:
-خلاص بقي،عندي شُغل قُلت لك
مطت شفتيها بأسي مُصطنع فاسترسل ضاحكاً:
-انا مش قد لوية البوز دي،
واسترسل بحنو لإرضائها:
-وأنا كمان بحبك يا ستي
إنفرجت اساريرها من جديد:
-باي باي يا حبيبي
إبتسم لها وأغلق الكاميرا ثم تحدث بإيضاح إلي كارم:
-معلش يا كارم،إنتَ عارف بقي البنات ودلعم
ربنا يخليها لجنابك يا أفندم…هكذا نطق بملامح وجه جادة
هز ياسين رأسهُ ثم سألهُ بجدية:
-جبت لي المعلومات اللي طلبتها منك؟
أمسك الملف الموجود أمامهُ وناولهُ إياه قائلاً بثقة:
-حصل يا باشا،كل المعلومات في الدوسيه ده
تناول منهُ الملف وبدأ بتفقدهُ بعناية وبدأ يتناقشان ويتابعا عملهما
❈-❈-❈
بعد مرور حوالي إسبوعان
داخل إحدي المطاعم الفاخرة بدولة ألمانيا
دلف إيهاب يتفقد المكان بعيناي كالصقر لأخذ الحيطة وضمان أمانهُ،يستبق بخطواته ليالي وأيسل اللتان تتحركان خلفهُ بقامة مرفوعة وخطوات متناسقة بكبرياء،يليهما رجلان آخران من أكفئ الحرس لتأمينهما
تحرك إلي إيهاب الموظف المسؤول عن الحجز وأشار بيده إلي الطاولة التي إحتجزها لهما إيهاب مسبقاً،سحب إيهاب أحد المقاعد وأمال برأسهِ بإحترام وتحدث إلي ليالي:
-إتفضلي يا هانم
أومأت لهُ وجلست بكبرياء ونظرت تتطلع أمامها وتتفقد الحضور بتعالي
سحب الموظف المسؤل مقعد أيسل وجلست هي الاخري،تحدث إيهاب وهو ينسحب إلي الطاولة المجاورة التي سيجلس عليها هو وزميلاه:
-سهرة سعيدة يا أفندم،لو سيادتكم إحتجتم أي حاجة أنا موجود
أشارت لهُ ليالي وتحدثت بنبرة ودودة:
-أوك يا إيهاب
تحرك إلي زميلاه وأشار لهما ليجلسا ولكن ضل ثلاثتهم يتفقدوا المكان لاخذ الحيطة،جاء النادل إليهم ودَوَنْ بقلمه إختياراتهم من قائمة الطعام وكذلك أيسل وليالي التي تحدثت وهي تتطلع إلي المكان حولها برضا:
-المكان هنا حلو أوي وشيك،حتي الزباين شكلهم من صفوة المجتمع
صدقت أيسل علي حديثها وأردفت بتأكيد:
-عندك حق يا مامي،
وأسترسلت بنبرة حماسية:
-أنا هكلم بابي وأخليه يجيب حمزة معاه علشان يقضوا معانا كام يوم وبالمرة نروح البارك اللي فتح في المنطقة جديد
أومأت ليالي وتحدثت:
-ياريت يا سيلا،حمزة وحشني أوي ونفسي أشوفه
وأسترسلت متسائلة:
-بس تفتكري بابي هيوافق ييجي
أجابتها أيسل:
-أكيد هيوافق،هو قالي من يومين إنه هيحاول ياخد أجازة كام يوم وييجي يقضيهم معانا
ضلتا تتحدثتان حتي جاء إليهم النادل وأنزل الطعام ورصهُ فوق الطاولة برتابة،باشرتا تناولهما للطعام بشهية عالية وذلك لمذاقهُ الطيب
كانتا تتناولتان الطعام وهما تتبادلتان الأحاديث،إقتربت منهما سيدة بمنتصف العقد الثالث من عُمرها،تتحرك بثبات ويبدو من هيأتها المتألقة أنها من الطبقة الأرستقراطية التى تنالُ إستحسان ليالي وتُبهرُها،وذلك من ثيابها وحِذائها ذوات الماركات العالمية باهظة الثمن
نظرت لكلتاهما بإبتسامة مُشرقة وتساءلت مستفسرة:
-مساء الخير،حضراتكم مصريين؟
ما أن نطقت كلماتها حتي وجدت الثلاث رجال يحاوطوها وهم يحجبوا رؤيتها لكلتا الجالستان،مما جعل المرأة تتراجع إلي الخلف فزعة جراء المفاجأة
تحدث إيهاب متسائلاً بنبرة حادة باللغة الألمانية:
-ما الخطب سيدتي؟
ماذا تريدين؟
بالطاولة الخلفية،وقفن ثلاث سيدات كُن مرافقات لتلك الجميلة الراقية ينظُرن ويترقبن الوضع وهُن واضعات كفوف ايـ.ـاديهن فوق أفواههنَ بصدمة وذهول
هتفت السيدة سريعً بنبرة تبدو مُرتبكة:
-هو فيه إيه لكُل اللي حضرتك عاملة ده؟
وأكملت بإيضاح مُرتبك:
-أنا مصرية وسمعت الهوانم بيتكلموا مصري فحبيت أتعرف عليهم مش أكتر
هتف إيهاب سريعً برفضٍ تام وذلك بناءاً علي أوامر ياسين المُشددة لهُ:
-أسف يا أفندم،الهوانم مابيتعرفوش علي حد
تحدثت ليالي إلي إيهاب بنبرة هادئة:
-سيب الهانم تقعد وأرجع كمل أكلك إنتَ ورجالتك يا إيهاب
نظر إليها وتحدث بإحترام:
-إسمحي لي يا هانم ياسين باشا لو عـ…
لم يستطيع إكمال جُملتهُ حيث هدرت به ليالي قائلة بمقاطعة صارمة:
-إيهاااب،خد رجالتك وإتفضل علي تربيزتك
تسمر بمكانه فـ رمقتهُ بنظرة تحذيرية،بالفعل تحرك مجبراً بعدما أشار إلي رجالة بالعودة إلي الطاولة الخاصة بهم ولكن مع وضع الإستعداد والترقب التام
تحدث أحد الرجال ويُدعي عصام متسائلاً بنبرة يشوبها القلق:
-إنتَ هتسيب الست دي تتكلم معاهم بجد يا إيهاب؟
واسترسل بتوجس:
_الباشا لو عرف هنتبهدل
زفر بضيق وأجابهُ:
-كنت عاوزني أعمل إيه قدام إصرار الهانم وكلامها؟
أما عند ليالي،تحدثت السيدة بنبرة خجلة:
-أنا شكلي عملت لكم مشكلة
إبتسمت لها ليالي وتحدثت وهي تُشير بكفها في دعوة منها للجلوس:
-ولا مشكلة ولا حاجة،ده العادي بتاعنا،إتفضلي إقعدي
سحبت المرأة مقعداً وجلست برُقى تحت إمتعاض أيسل وإستيائها من تصرف والدتها الأرعن والغير محسوب،وتيقنت أنه سيخلق بينها وبين والدها مشكلة بالتأكيد
تحدثت المرأة بنبرة إستفسارية:
-شكلك كدة بنت مسؤل مهم؟
نظرت إليها وأردفت مصححة بنبرة دُعابية:
-زوجة رجُل مُهم
رفعت المرأة حاجبها بإستحسان وتحدثت بتفهم:
-علشان كدة
واسترسلت وهي تخبرهم عن حالها بتعريف:
-خديجة الراوي،من القاهرة،ومستقرة هنا في ألمانيا من سبع سنين
إبتسمت لها ليالي وتحدثت وهي ترفع قامتها لأعلي:
-ليالي العشري،من إسكندرية،جوزي ماسك منصب مُهم جداً في البلد
ثم حولت بصرها وأشارت إلي إبنتها الجالسة بإمتعاض وأكملت وهي تقدمها للسيدة بتفاخر:
-ودي بنتي،دكتور أيسل المغربي،بتدرس الطب هنا في جامعة هايدلبرغ
نظرت المرأة إلي أيسل وتحدثت بإستحسان:
-هاي أيسل
أردفت أيسل وهي تبتسم إلي تلك الدخيلة بزيف:
-هاي
نطقت المرأة قائلة وهي تنظر خلفها لصديقاتها اللواتي أقمن بالتلويح بأياديهن إلي ليالي في إشارة منهن بالترحاب بها، وتبادلت تلك البلهاء الإشارة معهُن:
-دول صحباتي،وعلي فكره،إحنا عاملين دايرة أصحاب هنا مكونة من بعض الستات اللطيفة،وكلهم مصريات وعرب ودايماً بنيجي هنا وكمان بنعمل تجمعات عند بعض نروق فيها علي نفسنا
وأكملت بإبتسامة :
-هنكون سعداء جداً لو إنضميتي إلينا
دون تردد أو تفكير إبتسمت ليالي وتحدثت بإندفاع:
-أكيد طبعاً يشرفني
سعد داخل المرأة كثيراً وهتفت وهي تُشير إلي هاتفها متلهفة:
-طب إديني رقم تليفونك علشان أسيفه عندي وأكلمك ونتفق
نظرت أيسل إلي والدتها وهزت رأسها لتنبهها علها تستفيق وتنتبه إلي الكارثة التي ستفعلها،ولكن دون جدوي،تجاهلت ليالي نظراتها التنبيهية وأمسكت هاتفها وأزالت كلمة السر، وناولته إلي السيدة التي إلتقتطة بنشوة ودونت به رقم هاتفها وضغطت زر الإتصال ليصلها رقمها
ثم تحدثت بإبتسامة مُشرقة وهي تناولها الهاتف قائلة:
-هكلمك ونتفق علي ميعاد علشان نتقابل وأعرفك علي باقي الشِلة
وهبت واقفة ونظرت إلي أيسل وتحدثت وهي تنسحب:
-فرصة سعيدة يا أيسل
أومأت أيسل لها بإبتسامة مزيفة وأردفت:
-أنا الأسعد حضرتك
لوحت المرأة بكف يدها إلي ليالي قائلة بنبرة ودودة:
-باي باي يا لي لي
إبتسمت ليالي بسعادة وعادت تلك الخديجة إلي طاولتها،وعلي الفور هتفت أيسل بنبرة معاتبة والدتها:
-إيه اللي عملتيه ده يا مامي؟
واكملت بتوجس:
-يكون في علمك،بابي مش هيسكت علي اللي حصل ده
تحدثت ببرود ولا مبالاة:
-وبابي إيه اللي هيعرفه يا سيلا؟
لوحت برأسها بإتجاة الباب الرئيسي للمطعم وأردفت قائلة:
-بصي وراكي وإنتِ تعرفي
بالفعل إلتفت ليالي بجسـ.ـدها قليلاً لتري إيهاب وهو يقف خارج الباب ويتحدث عبر هاتفهُ،تنهدت بأسي وظهر علي ملامح وجهها علامات الإستياء،ثم زفرت بقوة وأردفت تلوم حالها:
-غبية يا لي لي،المفروض كنت نبهت عليه مايبلغش ياسين باللي حصل
إبتسمت أيسل بإستخفاف علي تفكير والدتها الساذج وتحدثت ساخرة:
-ده علي أساس إن إيهاب كان هيسمع كلام حضرتك فعلاً !
وأسترسلت موضحة:
-ده مش بعيد اصلاً يكون بابي معين مراقبة علي إيهاب ورجالته نفسهم
وأكملت بفخر:
-حضرتك متجوزة ياسين المغربي لو مش واخدة بالك
تنهدت ليالي فهتفت أيسل بتبكيت:
-ثم إيه اللي حضرتك عملتيه ده !
إزاي تدي تليفونك للست بالشكل ده؟!
هتفت ليالي بطريقة حادة:
-سيلا من فضلك،أنا مش عيلة صُغيرة علشان تتكلمي معايا بالإسلوب ده
أردفت الصغيرة قائلة بأسف وهي تنظر للأسفل:
Sorry _
أما ياسين،فكان يجلس فوق الأريكة المتواجدة داخل الجناح الخاص به ومليكته،فارداً ظهرهُ ومستنداً به علي ظهر الأريكة، ممسكً بأحد كف يداه كُتيباً يتصفح ورقاتهُ ويتمعن بهِ بتدقيق،أما اليد الأخري فكان يضعها علي رأس تلك المتمددة وتضع رأسها فوق فخدهِ،تخللت أصابعهُ شعرها المفرود علي كتفيها مما جعلها تغط في ثباتٍ عميق أثر الحنان التي شعرت به وشمل روحها جراء حركات أصابعهُ الحنون وهي تُداعب خصلاتها بمنتهي الرقة
صدح صوت هاتفهُ مما جعلها تفزع وتنظر للأعلي لتري وجه حبيبها الذي نظر لها وهمس سريعً كي يُطمئن فزعها:
-إهدي يا بابا ده جرس التليفون
تنفست عالياً ومال هو عليها بجزعهِ واضعً قُبـ.ـلة حنون فوق مقدمة رأسها وتحدث بهدوء:
-نامي يا حبيبي
ثم إعتدل من جديد وسحب هاتفه الموضوع جانباً فوق منضدة صغيرة ونظر في شاشتهِ وجد نقش إسم إيهاب عبدالسلام، فعلم بفطانته وجود مشكلة حدثت أثناء خروجهم لتناول العشاء مما جعلهُ يضغط علي زر الإجابة سريعاً ويُجيب متحدثً بإختصار:
-خير يا إيهاب،إيه اللي حصل؟
أجابهُ إيهاب بإيجاز لعلمه نمط شخصية ياسين التي لا تُحبذ المقدمات:
-الموضوع خاص بليالي هانم يا باشا
وبدأ سريعاً يقص عليه ما حدث بالداخل مُنذُ قليل مما أثار حفيظة ياسين وجعل كل ذرة بجسـ.ـدهُ تنتفض غضباً
هتف ياسين قائلاً بإستفاضة:
-خلي عينك عليهم كويس أوي يا إيهاب وماتنزلهاش من علي الست دي، وبعد ما تروحوا خلي الهانم تديك الفون بتاعها واديه لكامل يفحصه كويس ويتأكد إن الست مشغلتش برنامج تصنت أو تتبع عليه
وأستطرد بنبرة حذرة:
-وأول ما توصلوا البيت والهانم والدكتورة يدخلوا الفيلا تبلغني علي طول،مفهوم يا إيهاب؟
أومأ بطاعة قائلاً:
-أوامر سعادتك يا باشا
أغلق ياسين هاتفهُ وألقي به جانباً وتحدث بإحتدام:
-شكلها كدة اللي إسمها ليالي دي مش هترتاح غير لما تجلطني
إعتدلت مليكة بجلستها ممسكة بكف يده في محاولة منها بتهدأة ذاك الثائر الذي أوشك علي أن يُصاب بالجنون من أفعال تلك البلهاء ناقصة العقل
تحدثت مليكة بنبرة صوت هادئة:
-إهدي يا حبيبي من فضلك
هتف بنبرة حادة وكُل ذرة بجسـ.ـدهِ تنتفض غضباً:
-إهدي إيه بعد اللي قالهولي إيهاب يا مليكة،دي الهانم بتكسر كلامي بكل جرأة ولا هاممها
وأكمل بإستشاطةوعيناي تطلقُ شزراً:
-لا وكُل ده قدام بنتي،بتعلم البنت إزاي تتمرد علي تعليماتي وإزاي تكسر كلمتي قدام رجالتي
ثم هب منتفضاً من جلسته وبدأ يجوب الغرفة إيهاباً وذهاباً واضعاً كف يده علي شعر رأسهِ وسحبهُ للخلف بعنف كاد أن يقتلع جذوره وهتف بعيناي ثاقبة كنظرات الصقر:
-طيب يا ليالي،حسابي معاكِ لما تروحي
واسترسل بوعيد:
-قسماً بربي لأندمك علي عملتك دي يا بنت العشري
كانت تقف ترتجف من شدة رعبها من هيأته شديدة الغضب، فبرغم عشقهِ الهائل لها وبرغم حنانه الذي يشملها به إلا أنها تُصاب بالرعب من غضبه وذلك لتحولهُ لشخصٍ اخر لا تعرفهُ
تحركت إليه ووقفت قُبالته وأمسكت كف يده في محاولة منها لإمتصاص غضبته تلك وتحدثت بنبرة هادئة:
-يا حبيبي أكيد ليالي ماتقصدش إنها تكسر أوامرك لا قدام سيلا ولا رجالتك،إتكلم معاها بهدوء وإفهم منها وأعرف هي ليه عملت كدة
وأكملت وهي تُربت علي صـ.ـدره بحنو:
-أنا هنزل المطبخ أعمل لك فنجان قهوة يروق لك دماغك
أومأ لها برأسه عدة مرات متتالية وانسحبت هي إلي الأسفل تاركه إياهُ بحالة مزاجية سيئة،بعد قليل أتت إليه بقدحاً من القهوة وأردفت وهي تناوله إياه:
-قهوتك يا حبيبي
تناولها منها بملامح وجه مُبهمة يصعُب تفسيرها، تحرك إلي الشُرفة ونظر منها بإتجاه البحر،وبدأ يرتشف من قهوته علهُ يحاول إصلاح مزاجهُ السئ،وقفت بجانبه تتطلع علي البحر بصمتٍ تام تقديراً وإحترامً لحالته،أخرجهما من صمتهما صوت هاتفهُ الذي صدح معلناً عن وصول مكالمة
تحرك بثبات وظهراً مفروداً لأعلي إلي الداخل،وضع قدح القهوة فوق الطاولة الصغيرة وأمسك هاتفه الموضوع فوق الكومود،نظر به وجدهُ إيهاب الذي تحدث من داخل حديقة المنزل قائلاً بإحترام:
-ياسين باشا،الهانم والدكتورة وصلوا البيت سعادتك
هز رأسه وتحدث بهدوء:
-تمام يا إيهاب،إقفل إنتَ وشدد علي الرجالة ياخدوا بالهم أكتر وشددوا الحراسة
أجابهُ إيهاب بطاعة عمياء:
-أوامر جنابك سيادة العميد
اغلق مع إيهاب وضغط علي نقش إسمها وانتظر الرد
كانت تجلس بردهة المنزل ومازالت بثيابها،في إنتظار تلقي مكالمته بعدما رأت إيهاب يقف بالحديقة ويتحدث بهاتفه
إستمعت إلي رنين هاتفها فاهتز جسدها وابتلعت لعابها رُعباً بعدما وجدت نقش إسمة علي شاشة الهاتف،ضغطت زر الإجابة وتحدثت بارتياب:
-أيوة يا ياسين
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)