رواية قلوب حائرة الفصل الحادي والثمانون 81 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت الحادي والثمانون
رواية قلوب حائرة الجزء الحادي والثمانون
رواية قلوب حائرة الحلقة الحادية والثمانون
🦋 الفصل الأربعون 🦋
كانت تتمشي داخل الحديقة حاملة إبنتها فوق صدرها في محاولة منها لتهدأتها ومساعدتها علي الشروع في نومٍ هادئ بعيداً عن ضوضاء التجمع داخل المنزل،حيث مازالت أيسل وحمزة وياسين وثريا واطفال المنزل يجتمعون ويتبادلون فيما بينهم الأحاديث والدعابات
وجدت من تخرج من باب المنزل الداخلي وتقترب عليها وهي تحمل عروستها علي صدرها وتحتويها بذراعيها كمن يحتوي أثمن أشيائهُ،وقفت قبالتها وبدون مقدمات تحدثت بملامح وجه جادة:
-هو أنا ممكن أطلب منك طلب
ضيقت مليكة عيناها باستغراب وتحدثت مُرحبة:
-أكيد طبعاً،إتفضلي
ظهر التردُد فوق ملامحها،وبدهاء طرأت في مخيلتها فكرة لإبعاد الشك عن عقل مليكة:
-هما الحقيقة طلبين مش طلب واحد
أومأت مليكة لتشجيعها علي الحديث،فاردفت الأخرى بنبرة هادئة:
-هي ممكن مِسك تبات معايا النهاردة؟
إبتسمت مليكة بهدوء وتحدثت بايضاح:
-أكيد طبعاً دي أختك وليك فيها زيي بالظبط
واسترسلت بايضاح:
-بس علشان يكون عندك عِلم هي مش هتنام طول الوقت،هتزعجك بالليل وتعيط علشان ترضع
ضيقت عيناها بعدم استيعاب لحديثها وأردفت باستفهامٍ حادّ بعض الشئ:
-أفهم من كلامك إنك مش موافقة؟
بكثيراً من الهدوء إبتسمت مليكة كي تُزيل حِدتها وعقبت نافية:
-أنا مليش الحق في إني أمنع مِسك عنك،دي أختك،أنا بس بفهمك اللي هيحصل وإنها هتصحيكي من نومك وهتزعجك لو جاعت
واسترسلت في محاولة منها لإقناعها:
-وعلشان كدة أنا عندي إقتراح كويس ليكم إنتم الإتنين
قطبت جبينها وانتظرت بتمعُن فاسترسلت الأخرى بإبانة:
-نامي معاها في سرير عزو علشان تكون قريبة مني،وعزو ينام جنب أنس ولما تصحي هاخدها أرضعها وأرجعها لك تاني تنام في حُضنك
أومأت باستحسان ظهر بَيِنّ فوق ملامحها واردفت:
-تمام
إبتسمت مليكة وسألتها مستفسرة:
-إيه هو الطلب التاني؟
إرتجف قلبها ونظرت عليها بعيناي زائغة وبلحظة كادت أن تتراجع خشيةً إفتضاح أمرها أمام غريمتها لولا إقتحام مخيلتها لمشهد ذاك الوسيم عندما غرس شوكتهُ بأحد أصابع ورق العنب وتذوقهُ بتلذُذ جذب إنتباهها وحينها تغيرت ملامحهُ إلي مُبتهجة وباتت عيناه وكأنها تُخرجُ فراشات تتطاير هُنا وهُناك
الأمر حقاً يستحق المُجازفة والتخلي عن كبريائها ولو قليلاً،تحاملت علي حالها وبنبرة جاهدت في إخراجها جادة تحدثت:
-كُنت عوزاكِ تعلميني طاجن ورق العنب وتريكاته الخاصة اللي عملتيه بيها
فور نطقها لذاك الطلب تأكدت ظنون مليكة التي راودتها أثناء إجتماع الغداء،بعُجالة استرسلت بتوضيحٍ زائف كي لا تترك لعقل الأخري المجال للتفكير:
-أصل جدو بيحب ورق العنب جداً وكنت حابة أعملهُ له مفاجأة وأبسطه بيه
بابتسامة هادئة أجابتها بنبرة وديعة زالت بها إرتباك الاخري:
-أوك يا أيسل،شوفي عاوزة تتعلميه إمتي وأنا تحت أمرك في الوقت اللي هتحدديه
إبتسمت بخفوت بعدما اطمانت عدم ملاحظة الاخري لشئ،وشكرتها ثم تحدثت باعلام:
-أنا هروح أحط العروسة في أوضتي وأبلغ جدو ونانا إني هبات هنا وأرجع تاني
أومأت لها بحبور فانسحبت الاخري تحت ارتياح مليكة وتفاؤلها لتلك الخطوة المهمة في عودة الفتاة إلي مسارها الصحيح وروحها النقية كما كانت بالماضي
بعد حوالي النصف ساعة،كانت تتمدد فوق تخت عزو حاملة الصغيرة التي فاقت من نومها وبدأت بالملاغاة،يجاورها ياسين حاملاً أنس وعز داخل أحضانهُ وجميعهم يداعبون مِسك التي همهمت وهي تنظر إلي ياسين وتتهادي بجسدها وتتراقصُ بسعادة:
-دادددا دا
ضمتها أيسل لأحضانها أما عز فتحدث إليها مطالباً بدلال:
-مِسكي،قولي عزو،يلا قولي يا مِسكي
أشاحت بسعادة بكفاها وابتسمت له وهمهمت:
-دااادا
بوجهٍ عابس هتف متذمراً يشتكيها لأبيه:
-يا بابي بقي،خليها تقول عزو
ضحكت أيسل وتحدث ياسين موضحاً الأمر إلي صغيرهُ الحانق:
-يا حبيبي هي لسة صُغيرة ومش بتعرف تتكلم
بطفولية مط شفتاه ثم ربع ساعديه أمام صدره وهتف بحِنقٍ ظهر بزرقاويتاه:
-طب ما هي بتنده عليك اهي وبتقول دادي
إبتسمت أيسل بسعادة علي خفة ظل شقيقها الصغير الذي يُدخل على قلبها السعادة ويبث روح الحماس داخل نفسها وتحدثت إليه بتوضيح:
-يا حبيبي إفهم،هي مش تقصد كلمة دادي،هي بتقول الحروف السهلة بالنسبة لها
طب ما عزو سهل يا سيلا…نطقها بوجهٍ عابس مما جعل أنس يحتضنهُ ويتحدث إليه محاولاً مراضاته:
-ماتزعلش يا عزو،أنا هفضل أقول لها حروف عزو لحد ما تحفظهم وتقوله
إبتسم لشقيقهُ وتحدث باستحسان بعدما تهللت ملامحهُ:
-شكراً يا أنوس
كان يستمع إليهم بحبور وقلب راضي،إنشغل الصبيان بمداعبة شقيقتهما الصغيرة،فنظر هو علي أيسل وتحدث إليها بنبرة حنون:
-شايفك مرتاحة النهاردة
أجابته بإبتسامة وعيناي لامعة حيث لم تستطع مداراة حبورها:
-الحمدلله يا بابي،بدأت أتأقلم علي الجامعة ومع أصحابي الجُداد والدُنيا بدأت تتظبط إلي حدٍ ما
إبتسم لها وعقب بارتياح وقلبٍ مُطمأن:
-الحمدلله يا حبيبتي،ربنا يطمني عنك دايماً
بعد قليل ترك أطفاله بصحبة شقيقتهم الكُبري وتحرك إلي جناحه،دلف من الباب وجدها تقبع فوق تختها مُمسكة بيدها كُتيب تتنقل بين صفحاته بتمعُن وتركيز ويبدوا عليها الإستمتاع بقراءته،وما أن رأتهُ يقترب عليها حتي طوت الكُتيب ووضعته جانباً وسألته بإبتسامة مُشرقة:
-الولاد ناموا؟
جاورها الجلوس وتحدث نافياً:
-لسة،قاعدين يلاعبوا مِسك،والأستاذة شكلها فرحانة باللمة حواليها والسهر واخد حقه معاها
تمعن بمقلتيها ثم أردف بعيناي مُمتنة:
-متشكر علي كُل حاجة عملتيها مع أيسل النهاردة يا مليكة
واستطرد بإبانة:
-ماكُنتش متخيل إن العزومة ونومها مع أخواتها هيفرقوا في تحسين نفسيتها بالشكل اللي شفته من شوية ده
واسترسل بعدم استيعاب ودَهْشة:
– إنتِ مش متخيلة الحالة اللي سبتها عليها مع أخواتها هناك في الأوضة،البنت كأنها رجعت سبع سنين لورا
كانت تستمع إليه بحبورٍ ووجهٍ متهلل تبدلوا لألم بعدما إستمعت لذكرهِ سبعةُ أعواماً،نعم،فالفتاة قد تحولت من رقيقة ناعمة إلي شرسة متمردة بعد إرتباط والدها الشرعي بمليكة
تحاملت علي حالها كي لا يلحظ حُزنها وتتبدل بهجتهُ إلي شجن،نطقت بنبرة حنون صادقة:
-إن شاء الله مع الوقت هترجع زي الأول وأحسن كمان يا حبيبي
جذبها لداخل أحضانهُ وبات يُقبل جانب شِفتها برقة تحولت بغصون ثواني إلي شغفٍ ورغبة بحبيبتهُ التي لم يمل يوماً من الإرتواء من شهد عشقها الجارف والمميز
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي
فاقت مبكراً من نومها المتقطع بسبب تلك الصغيرة وتحركت إلي منزل جدها ومنهُ إلي الأعلي حيثُ حُجرتها
إنتقت بعناية ثوباً أنيقاً وارتدتهُ مع حجاباً بسيطاً وقامت بوضع بعض مستحضرات التجميل التي جعلتها فاتنةُ الجمال مما أرضي غرور الأنثي بداخلها ونال علي استحسانها،خرجت من منزلها في حالة مرتفعة من النشاط وتحركت خارج البوابة
وجدتهُ يقف بانتصاب بجانب سيارته ينظر باتجاهها من خلف نظارته الشمسية واضعاً خلف أذنه سماعة البلوتوز الخاصة بتواصلهُ مع فريق الحراسة ويبدو أنهُ يتحدث أليهم كي يستعدوا للإنطلاق بسيارتهم،بمرونة تحرك إلي الباب الخلفي للسيارة إستعداداً لفتحهِ لأجلها
إقتربت عليه واردفت بنبرة رقيقة كنسيمُ الصباح جديدة علي أسماع ذاك الكارم:
-صباح الخير
انحنى فى تهذيب ليفتح لها باب السيارة ورد تحيتها بصوتٍ جهوري:
-صباح النور يا دكتورة
أشار بكفهِ علي الأريكة فنظرت إليه وتحدثت بابتسامه خلابة:
-ميرسي.
احني رأسهُ بترحاب مع انتشاء لروحهِ شعر به جراء نبرتها الرقيقة،جلست فوق مقعدها واغلق هو الباب بهدوء ثم تحرك واستقل مكانه أمام عجلة القيادة وقام بإدارة المحرك منطلقاً بالسيارة للأمام،نظر عليها من خلال إنعكاس المرأة وجدها تسترق النظر إليه فتحدث بنبرة هادئة لعيناي ساحرة أسرتها واربكتها بالوقت ذاته:
-إزيك
عقبت بنبرة بدت مرتبكة:
-أنا كويسة
إنتبه لهذان الكوبان المصنوعان من الورق واللذان يحتويان داخلهما علي مشروباً دافئاً كان قد إبتاعهما من إحد المحال الشهيرة بصنع القهوة ليتناولهما سوياً
أمسك كوباً يختلف ما بداخلهُ عما بداخل كوبهُ ثم إستدار بجسده قليلاً وبسط يده باتجاهها بالكوب وتحدث وهو ينظر للأمام مراقباً الطريق بعناية:
-جبت لك معايا نسكافية وأنا بجيب قهوتي
إرتفعت دقات قلبها كطبول حربٍ وشعرت بروحها تهيمُ سارحتاً في سماء عشقها الوليد، وبلحظة تحول وجهها واكتسي بحُمرة الخجل والعشقِ معاً مما جعل قلبهُ ينبض بقوة إستغربها،بسطت يدها وإبتسامة حالمة إعتلت ملامحهاوتحدثت بارتباك بعدما فقدت العثور بداخلها علي كلمات:
-ده علشاني؟
إبتسم بخفوت عندما وجد تلبُكها وتحدث بمشاكسة كي يرفع عنها خجلها:
-لا طبعاً،أنا بس عاوزك تمسكيه لحد ما أشرب قهوتي واخده منك تاني
إبتسامة رقيقة كست وجهها مما أصابهُ برجفة عنيفة هزت قلبه،واسترسل بنبرة خرجت حنون دون إدراكٍ وهو ينظر لعيناها من خلال إنعكاس المرأة:
-أنا جبت لك النِسكافيه لأني عارف إنك ما بتحبيش القهوة
ضيقت عيناها واسترسلت متعجبة:
-وإنتَ عرفت منين إني مش بحب القهوة؟!
أمسك ياقة قميصهُ وبات يعدل بها ملاطفاً إياها وتحدث بتفاخر مصطنع:
-من مصادري الخاصة حضرتك،اللي قدامك شغال رائد في جهاز المخابرات لو مش واخدة بالك
بإلحاحٍ سألته بدلال نال استحسانه:
-إتكلم جد بقي
أجابها بإيضاح:
-عِرفت إمبارح وأنا عندكم بعد الغدا،لما قدموا لنا كلنا قهوة وإنتِ الوحيدة اللي طلبتي نِسكافيه
إلتمعت عيناها ببريق السعادة بعدما تيقنت إهتمامهُ بأدق تفاصيلها،فأرادت تُطيل الحديث وسألته بمشاكسة نالت إعجابه:
-طب وده سبب يخليك تقول إني مش بحب القهوة
واسترسلت بمراوغة:
-مش يمكن أكون بحبها بس مزاجي وقتها كان طالب نسكافيه؟
بغمزة من عيناه أخرج صوتاً بجانب فمه يُعني نفيهُ لإدعائها واسترسل بثقة قد تصل إلي الغرور:
-كارم المعداوي ما بيخرجش كلمة من غير ما يكون متأكد منها
واسترسل بإبانة:
-ده غير إن عندي القدرة اللي من خلالها بقدر أفهم اللي قدامي كويس وأفهم شخصيته
إبتسمت وبدأت ترتشف النِسكافية وأقسمت بداخلها أنهُ ألذ مشروباً تذوقتهْ علي مدار سنواتِ عُمرها بالكامل،علي غير عادته بدأ يراقبها بتمعُن،تهلل وجههُ عندما لمح الفراشات تتلألأ وتتطاير من خلال لمعة عيناها البراقة،أردفت هي باستحسان عندما لاحظت تركيزهُ عليها:
-ميرسي بجد،النسكافيه حلو قوي
أنا اللي ميرسي علي اليوم الحلو اللي قضيتهُ معاكم إمبارح…نطقها بملامح وجه ظهر عليها الإرتياح
ازاحت ببصرها عنه وابسمت خجلاُ،فسألها باهتمام:
-عجبتك العروسة؟
دون إدراكٍ منها هتفت بنبرة شديدة الحماس:
-عجبتني جداً
شعرت بتسرُعها بعدما رأت تهلل وجههُ المُبتسم فأزاحت ببصرها عنه ونظرت جانبها وباتت تشغل حالها بالنظر من نافذة السيارة مما جعلهُ يبتسم وتابع قيادته ومراقبة الطريق ولا سيما النظر من الحين إلي الآخر للتطلع علي الساحرةُ عيناها
❈-❈-❈
بعد مرور حوالي إسبوع،إصطحب عُمر صغيرتهُ إلي مقر عمله كما وعدها سابقاً وذلك بعد أن أخذها إلي الطبيب حيثُ أزال لها تلك الجبيرة بعدما تأكد من إلتئام الكسر وإطمئن علي ساقها من خلال الأشعة التي أجراها لها
كان يحملها محاوطاً إياها بذراعيه ويتحرك داخل الرواق المؤدي إلي مكتبهُ،قابلته المهندسة تارا التي كانت تتحرك في طريقها إلي كافتيريا الشَركة كي تُجلب كوباً من القهوةِ المُحلاة كي تساعدها علي التركيز بعملها وتحمُل يومها الشاق،تعجبت من ذاك الذي يحمل طفلةً صغيرة ويتحاور معها بكثيراً من الود والحنان حيثُ ظهرا فوق ملامح وجههُ الضاحكة علي غير العادة،فمنذُ أن تعرفت عليه أثناء عملها وهو لا يبتسم أبدا
علي غير طبيعتها الجادة والعملية قطعت طريقهُ ثم وقفت قُبالتهُ وتحدثت إلي الصغيرة وهي تنظر إليها بإبتسامة مُشرقة أظهرت برائتها وكم الحب التي تحملهُ بقلبها للأطفال:
-إيه القمر اللي منور شِركتنا ده
واسترسلت مستفسرة وهي تنظر إليه:
-دي بنت حضرتك يا باشمهندس؟
بإبتسامة خافتة عقب علي استفسارها:
-ليزا عُمر المغربي،بنوتي الجميلة
هاي ليزا…نطقتها مداعبة إياها فابتسمت لها الصغيرة وأجابتها بملامح وجه بشوشة:
-هاي
نظر عُمر إلي صغيرتهُ وتحدث بايضاح:
-دي الباشمهندسة تارا يا ليزا،بتشتغل معايا هنا في المكتب
هزت الصغيرة رأسها وتحدثت إليها:
-ازيك يا طنط
إزيك إنتِ يا ليزا…نطقتها بنبرة حنون ثم استرسلت وهي تدعوها للذهاب معها:
-إيه رأيك تيجي معايا الكافيتريا نختار حاجة نشربها مع بعض
هتف رافضاً بنبرة جادة أحزنت تلك التارا وأشعرتها بالحرج:
-شكراً يا باشمهندسة
أردفت الصغيرة بترجي :
-أنا عاوزة أروح مع طنط يا بابي
مش هينفع يا ليزا…هكذا نطقها بحزم استغربته تارا فهتفت الصغيرة بضجر وتذمر:
-أنا عاوزة أروح معاها،علشان خاطري توافق يا بابي
رق قلبهُ لصغيرته وبالاخير ضعف أمام عيناها المترجية وتحدث بإبانة إلي تارا كي يشرح لها سبب رفضه علها تعذر ذعرهُ علي صغيرته:
-خديها بس ياريت تخلي بالك منها لأن رجلها كانت مكسورة ولسة الدكتور شايل لها الجبيرة إمبارح،ونبه عليا ما تتحركش كتير عليها
الأن تفهمت سبب رفضهِ القاطع وبررت له حدتهُ في التعامل معها،بسطت ذراعيها والتقطت الصغيرة وطمأنته بتفهم:
-ما تقلقش حضرتك
تحركت بالصغيرة واختارت لها بعضاً من المقرمشات والمشروبات المفضلة لدي الصغار وجلست بداخل الكافيتريا ليتناولاها معاً،ثم سألتها بفضول الأنثي:
-هو أنتِ عندك إخوات يا ليزا؟
بعفوية أردفت الصغيرة معقبة:
-لا مش عندي،عندي مامي مليكة مرات أنكل ياسين،وبابي عُمر مش كان يعرف إنه بابي أصلاً،مارو هو اللي قال له وقال لي أنا كمان يا ليزا عُمر يبقي بابي
واسترسلت بحديث طفولي شتت تلك التي فتحت فاهها بعدم فهم لثرثرة الصغيرة:
-بس أنس قال لي إن مليكة مش مامي،وقال لي كمان إن مامي طلعت عند ربنا زي بابا أنس ومارو
كانت تستمع إليها بعقلاٍ مشتت وتحدثت بلومٍ لحالها:
-يا ريتني ما سألتك،هو أنا ناقصة توهان يا ربي،ده أنا دماغي في البلالة لوحدها
إبتسمت للصغيرة وناولتها إحدي العُلب الكرتونية قائلة بإبتسامة حنون:
-خدي يا حبيبتي إشربي العصير بتاعك
تناولته منها الصغيرة فمسحت علي رأسها بحنان وباتت تداعبها بملاطفة
❈-❈-❈
عصراً
داخل حديقة منزل عبدالرحمن،كان يجلس بمقعدهُ المفضل يتأمل من حولهِ إبداع الخالق فيما خلق،هب واقفاً وتحرك إليها إحتراماً بعدما وجدها تدخل من البوابة الرئيسية للمنزل،تحدث بنبرة عالية الترحاب لخطوتها العزيزة:
-يا أهلاً يا أهلاً يا ثُريا،نورتي بيتك يا بنت عمي
بابتسامة هادئة ردت علي ترحاب ذاك الخلُوق:
-البيت والدُنيا كلها منورين بوجودك يا عبدالرحمن
في إشارة منه علي المقعد تحدث قائلاً:
-تعالي إقعدي يا أم رائف
تحركت بجانبه بخطوات هادئة حتي إقتربت من المقاعد التي تلتفُ حول تلك المنضدة البلاستيكية الصغيرة وقامت بسحب أحدهم وجلست فوقهُ فتحدث إليها عبدالرحمن:
-تحبي تشربي إيه يا ثُريا؟
عقبت بهدوء:
-ولا أي حاجة،ما تتعبش نفسك
واستطردت وهي تحثهُ علي الجلوس:
-إقعد علشان عاوزة اتكلم معاك شوية قبل ما راقية تحس بوجودي وتخرج
جلس مقابلاً لها وسألها مستفسراً بتوجُس:
-خير يا ثُريا،قلقتيني
بنبرة هادئة عقبت مطمأنة إياه:
-ما فيش حاجة تقلق يا عبدالرحمن،إطمن،كل الحكاية إني حابة أتكلم معاك شوية بخصوص عز
وانا سامعك…كان هذا تعقيبهُ فاردفت بنبرة حكيمة:
-أنا ملاحظة في الفترة الأخيرة إن عز بقي عنده وقت فراغ كبير ومحتاج لحد جنبه ويكون عنده نفس إهتماماته
نظر لها وعلم مغزي حديثها وما تريد تلك الراقيه إيصالهُ له دون المساس بكرامة شقيقهُ الذي تكن لهُ الكثير والكثير من الإحترام والمودة،لكونه إبن عمها الغالي أولاً وما لهُ من الكثير من الجمائل التي طوق بها ذاك الفارس عنقها والتي زادت من غلاوتهِ وعلو شأنهْ بقلبها
تنهد بأسي لأجل شقيقتهُ التي لم تلدها أمه وسألها مستفسراً عما تُريد:
-قولي لي إيه المطلوب واللي يريحك يا ثُريا وأنا أنفذهُ لك
بنبرة حرجة أردفت مضطرة:
-عوزاك تهتم بيه وتحاول تخرجه من العُزلة اللي حابس نفسه فيها من ساعة موت ليالي وموضوع لمار،خليه يقابل أصحابه ويخرج معاهم،يخلق حياة جديدة لنفسه يخرج فيها طاقته
واسترسلت بنبرة حماسية:
-إشترك في چيم إنت وهو ومارسوا رياضة تكونوا بتحبوها
واستطردت بإبانة:
-عز كان بيحب ركوب الخيل قوي،شجعه يرجع تاني،أكيد ممارسته للرياضة هتخلق منه عز جديد وترجع له روحه ويلاقي فيها نفسه اللي ضايعة منه
سألها مستفسراً:
-إنتِ مش حابة دخول عز بيتك تاني يا ثُريا،صح؟
بعُجالة عقبت لتُنفي عنها تهمتهُ:
-أبقي قليلة أصل وناكرة للجميل لو ده الغرض من ورا كلامي يا عبدالرحمن،عز يدخل بيت أخوه الليل قبل النهار،بس في وجودكم
واستطردت بايضاح:
-أنا مش هكذب عليك،أنا مش عاوزة حد يجيب سيرتي بسبب دخول عز عندي من غير منال أو ياسين،بس مش ده السبب الوحيد ولا الأساسي اللي خلاني لجأت لك
واسترسلت بصدقٍ ظهر بَيِنّ بعيناها:
-أنا فعلاً قلقانة علي عز وعوزاك تقرب منه أكتر من كدة
واستطردت متأثرة:
-أنا بعتبرك إنتَ وعز زي علي وفريد وأمركم يهمني زيهم بالظبط،وده بحُكم إننا إتربينا في بيت واحد وأكلنا علي نفس الطبلية وإحنا صغيرين
واسترسلت باستفسارٍ:
-يا تري فهمت قصدي يا عبدالرحمن؟
أجابها بهدوء:
-طبعاً فاهمك يا ثُريا ومقدر موقفك كويس،وإن شاء الله هنفذ اللي إتفقنا عليه من بكرة
بعيناي مترجية أردفت مطالبة إياه برأفة:
-بس ليا عندك طلب
نظر لها ينتظر طلبها بتمعُن فاستطردت برجاء:
-ياريت ماتجيبش سيرة اللي حصل بينا ده لأي حد وخصوصاً عز،مش عاوزة الكلام يجرحه أو يأثر في نفسه
رد بسُكون تعقيباً علي حديثها:
-إطمني يا ثُريا،أمر عز يهمني زي ما يهمك ويمكن أكتر،علشان كدة عمري ما هخليه عرضة لأي شعور ممكن يأثر عليه بالسلب
متشكرة يا عبدالرحمن…نطقتها قبل أن تستمع لتلك التي خرجت عليهم من الداخل وتحدث متعجبة:
-ثُريا!
إنتِ هنا من أمتي؟!
ونظرت علي زوجها استطردت متسائلة باستغراب:
-وإنتَ ليه ما ندهتش عليا يا عبدالرحمن علشان أجي أقعد معاكم
واستطردت وهي تلوي ثغرها بتهكُم كعادتها:
-ولا زي عوايدكم كنتوا بتقولوا كلام ومش حابيني أسمعه
،طول عمركم معتبريني غريبة عنكم يا ولاد المغربي
تنفس عبدالرحمن بضيق وهزت ثريا رأسها بيأس وتحدثت:
-كلام إيه بس اللي هنقوله من وراكِ،وحدي الله يا راقية
واستطردت بنبرة زائفة كي تتقي شر تلك الثرثارة:
-أنا لقيت نفسي زهقانة من قعدة البيت،قولت أجي أقعد معاكِ إنتِ وعبدالرحمن شوية وأشرب معاكم فنجان قهوة،ولسة داخلة حالاً ما لحقتش حتي أخد نفسي
إقتربت من مجلسيهما وسحبت مقعداً وجلست ثم تحدثت بارتياح لعلمها لشخص ثريا التي لا تنطقُ إلا بالصدق:
-نورتي وشرفتي البيت يا أم رائف
ثم استرسلت بصوتها المُرتفع وهي تُنادي علي زوجة نجلها:
-يا هالة،إنتِ يا هالة
أتت تلك المسكينة وما أن رأت ثريا أمامها حتي انفرجت أساريرها وتحدثت باحتفاءٍ شديد:
-وانا أقول البيت منور ليه كدة،أتاري عمتي ثُريا مشرفانا
إبتسمت ثُريا وردت بحبور:
-ربنا يكرمك يا هالة يا بنتي،إزيك وإزي الولاد
عقبت بنبرة سعيدة:
-في نعمة الحمدلله يا عمتي
بحِنقٍ هتفت تلك الراقية ذات الطباع السيئة موجهة حديثها إلي هالة بنبرة حادة:
-هو أنتِ ما صدقتي وفتحتي في الرغي
واسترسلت أمرة:
-ادخلي يلا إعملي قهوة لعمتك وليا أنا وعمك
تنهدت ثريا بأسي لأجل تلك التي لا تراعي حدود الله في تعاملها مع زوجة ولدها الهادئة،في حين أردف عبدالرحمن متهكماً بلهجة حادة:
-تصدقي بالله يا راقية،إنتِ ما كان ليكِ واحدة أميرة وطيبة ومطيعة زي هالة
واستطرد بابانة:
-إنتِ كُنتي تستاهلي واحدة تطلع القديم والجديد علي جتتك
خرجت إبتسامة من ثغري ثُريا وهالة رُغماً عنهما،وانسحبت هالة إلي الداخل لصُنع القهوة بعدما شكرت والد زوجها الخلوق علي مدحهِ لها
أما راقية التي احتدت ملامحها وهي ترمق عبدالرحمن بنظرات غاضبة ثم تحدثت إلي ثريا تشتكي لها:
-شوفتي إبن عمك وعمايله يا ثريا،علي طول كاسر كلمتي قدام مرات إبنه لما قواها عليا
أجابتها بنبرة هادئة نالت بها استحسانها:
-عبدالرحمن خايف عليكي يا راقية،هالة طيبة وبنت حلال وحمالة أسية،وإنتِ طول عُمرك بنت أصول ومايصحش تعامليها بالشكل ده
عقب علي صياحها موضحاً حديثهْ:
-هو أنا علشان بقول لك إتقي الله في البنت أبقي بكسر كلمتك؟
واسترسل بتوجس لإخافتها علها تتراجع عن أفعالها تلك:
-أنا خايف للي بتعمليه يترد في بنتي وحماتها تعاملها بنفس معاملتك لـ هالة
رسمت علي ملامحها البرائة وأردفت بادعاء مبررةً أفعالها:
-هو أنا كنت عملت إيه بس يا جماعة لكلامكم ده كله،أنا بعاملها كويس والله وعمري ما أذيتها،أنا بس بشد عليها شوية لمصلحتها
نظر عبدالرحمن إلي ثريا وتنهد بأسي جراء يأسهُ وتأكده من عدم تغير تلك المستبدة
❈-❈-❈
بعد أن إطمأن علي حمزة وأيسل وتأكد من دخولهما في النوم صعد إلي خاطفة أنفاسهُ حيثُ أصبح لم يعُد يطيقُ الإبتعادُ عنها ولو مجرد سويعات،فقد سويعات ويعودُ إليها مهرولاً كي يرتمي داخل أحضانها لينعم بدفأها وحنانها الذي عاش عمراً كاملاً في البحث عنهْ وبالأخير عثر عليه بعد عناء
دخل من باب الحجرة دون إحداث ضجيجاً كي لا يُزعج عزيزتاه،نظر علي مهد صغيرتهُ وجدها غافية داخلهُ بسلامٍ،إقترب عليها وبات يدقق النظر لها ويراقب حركاتها التي تؤسر بها قلبهْ
تهلل وجههُ ودونْ إدراكٍ منه إرتسمت إبتسامة واسعة حين رأها تضع إبهامها داخل فمها وتمتصهُ وكأنها تتخيلهُ صدر أمها
شعر بإنتعاشة وانتشاء بروحه كَكُل مرةٍ يري فيها تلك الساحرةُ الصغيرة خاطفة قلبهُ تماماً مثلما فعلت والدتها بقلبهِ المُغرم بعيناها،بحذرٍ شديد مال بطولهُ الفارع مقترباً من وجنتها الوردية وقام بوضع قُبلةً متلهفة مع اتخاذه الحذر والحِيطة كي لا يزعجها وتستيقظ من غفوتها
إنتصب من جديد وصوب بصرهِ علي باب الشُرفة وتأكد أن متيمتهُ داخلها حيثُ كان موارباً،تحرك إليه وجدها تجلس فوق المقعد الهزاز مسترخية حيث تلقي برأسها للخلف مع غلقها لعيناها في محاولة منها لأخذ قسطاً من الإسترخاء علها تزيل من خلاله توتر يومها،وقف خلفها وقام بالإنحناء ليُقبل جانب كريزتيها،إبسامة جذابة إرتسمت فوق ثغرها فور تأكدها من حضور حبيبها الذي تحدث بجانب أذنها بنبرة أسرتها:
-حبيب جوزه اللي مدلع نفسه
رفعت بصرها لتنظر داخل مقلتيه بسحرٍ أسر قلبهُ وتحدثت بنبرة أنثوية أشعلت صدره:
-وحشتني
وإنتِ كمان وحشتيني يا عمري…نطقها بعيناي مشتاقة،تحرك حتي وقف أمامها ثم أمسك كف يدها وحثها علي الوقوف وعلي الفور استجابت،جلس هو فوق المقعد وجذبها برقة لتجلس بمكانها المُفضل فوق ساقيه وقام باحتضانها ودفن رأسهُ داخل صدرها مما أسعد تلك العاشقة التي لفت ذراعيها حول عنقه بعناية وهمست:
-بحبك يا مالك قلبي
بعيناي مغمضتان إبتسم باسترخاء ثم تنفس بانتشاء وراحة أظهرت كم السكينة التي توغلت بروحهِ من مجرد الإرتماء داخل أحضانها الدافئة والتي لم يشعر بها إلا من خلال ضمتها وفقط
أجابها وهو يُشدد من ضمتهِ لها:
-حبيبي إنتَ
سألته بنبرة هادئة:
-أنا كُنت فاكرة إنك هتبات في ڤيلا الباشا النهاردة
واسترسلت بايضاح:
-أقصد يعني علشان أيسل ماتضايقش
رد عليها بارتياح ظهر بصوته:
-أيسل الحمد لله أحسن كتير الفترة دي،من وقت ما بدأت تنتظم في جلساتها مع الدكتور وأنا حاسس بتغيير كبير في شخصيتها
إبتسمت لتيقنها من السبب الخفي وراء تحسن الحالة المزاجية لتلك المتمردة لكنها احتفظت به لنفسها،واسترسل هو من جديد:
-إنتِ مش متخيلة أنا قد إيه ارتحت بسبب الموضوع ده يا مليكة
أجابته بابتسامة:
-ربنا يهديها وترجع زي الأول وأحسن ويريح قلبك يا ياسين
يارب يا حبيبي…نطقها وشدد من احتضانها ثم استمع كلاهما لصوت ذاك المشاكس الذي تحدث تحت انتفاض جسد مليكة وفزعها أثر المفاجأة:
-بابي
رفع ياسين وجههُ لينظر علي ذاك الواقف بجوارهما بهيأة مبعثرة،عيناي ناعسة وشعر رأس مشعثاً حيث فاق من غفوته مشتاقاً إلي أبيه وبدون تفكير تحرك من غرفته المشتركة مع أنس وجاء إلي غاليه كي يغفو بأحضانه،هبت مليكة واقفة وتحدثت وهي تنحني من صغيرها كي تُصبح في مستواه:
-مالك يا قلبي إيه اللي صحاك؟
رد الصغير وهو ينظر إلي أبيه:
-عاوز أنام في حُضن بابي
إنتفض قلبه وهتف سريعاً وهو يحملهُ ويضمهُ ويثبتهُ داخل أحضانه:
-تعالي يا حبيبي
لف الصبي ساعديه الصغيران حول عنق أبيه ودفن وجههُ داخل ثنايا عُنقه وبنبرة طفولية تحدث بصوتٍ ناعس:
-أنا بحبك قوي يا بابي
ضمهُ ياسين إلي صدره واسترخي فوق مقعده إلي الخلف وتحدث بنبرة تقطرُ حناناً وهو يُقبلهُ من وجنته:
-وبابي بيحب عزو قوي
جلبت مليكة من الداخل غطاءاً وغمرت به جسد الصبي ثم قامت بوضع قُبلة حنون فوق جبينهُ مع لمساتها الحنون لشعر رأسهِ مما جعل الصغير يبتسم بحبور ويغمض عيناه مستمتعاً بحنان والديه الذي غمراه به
جلست بمقعدٍ مجاور في حين تحدث الصغير بعدما وضع قُبلة علي عنق والدهُ عبر له من خلالها عن كم الحب والاشتياق الذي يحملهما داخل قلبه إلي والدهُ:
-بابي،أنا عاوز أنام في حُضنك علي السرير بتاعك إنتَ ومامي
بنبرة حنون طمأنهُ وأشبع حنينهُ:
-حاضر يا قلبي،هنيمك في حضني أنا ومامي
حبيبي يا بابي…نطقها بنبرة أظهرت نُعاسهُ وبعد قليل دخل بغفوة من جديد،فحملهُ ياسين ووضعهُ ليتوسط التخت وتمدد العاشقان وغفيا بسلام جانب صغيرهما
❈-❈-❈
بعد مرور حوالي إسبوعان أخران
كان ينتظرها خارج البوابة الحديدية للجامعة بعد أن أبلغتهُ عبر الهاتف الجوال أنها بصدد الخروج،لاحظ تأخرها فتحرك باتجاه الباب كي يراقب الوضع الداخلي،بات يبحث متجولاً بعيناه عن تلك المتمردة التي بدأت مؤخراً بشغل حيزاً ليس بالقليل من تفكيره،وأخيراً وبعد معاناة عثر عليها من بين جموع الطلبة،ضيق عيناه باستغراب بعدما رأها تقف مقابلة لشابٍ أنيق يبدو عليه وكأنهُ بأوائل العقد الثالث من عمره
إنهُ أستاذها الذي يُدرسها ويدعي باسم عبدالكريم،حيثُ أوقفها حينما كانت تتحرك بطريقها إلي البوابة بعد أن هاتفت كارم وأعلمته بخروجها
تعلل بتفوقها وبات يتحدث إليها ويُشيد عن حضورها الطاغي اليوم داخل المحاضرة،جُل هذا فقط للتقرُب منها والتعرف عليها أكثر بعد أن نالت إعجابهُ ورأي أنها من الممكن أن تكون الزوجة المناسبة لإبن رجل الأعمال الشهير وخصوصاً بعد علمه بشخص أبيها ومكانة عائلتها المرموقة من حيث الجاه والسلطة والمال
عودة لذاك الذي احتدم صدرُه غيظًا فور رؤيتهُ للمشهد حتي أنهُ شعر بالدماء تغلي بداخل عروق جسدهِ بالكامل وتحرك إليها علي عُجالة حتي إقترب من وقفتهما وتحدث بنبرة عملية أظهرت كم إحترافيتهُ في التحكم بانفعالاته:
-بعد اذنك يا دكتورة،ياريت تتفضلي معايا علشان كدة هنتأخر علي ميعاد رجوعنا
إرتبكت حين رأتهُ واقفاً أمامها بهيأتهِ الخاطفة لأنفاسها،أومأت له وكادت أن تتحرك لولا ذاك المغرور الذي حدثهُ بنبرة متعالية وهو يشملهُ بتقليل من قمّة رأس إلى أخمص قدمه:
-إيه قلة الذوق اللي إنتَ فيها دي؟
ثم رفع قامتهُ واسترسل بغرور:
-إنتَ إزاي تقتحم وقفتنا وإنتَ شايفها واقفة معايا وبنتكلم
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمه وتحدث مقللاً من شأنه:
-أفندم! إنتَ بتكلمني أنا بالطريقة دي؟!
عقب دكتور باسم بغرور بعدما استُفزَ من حديث ذاك الكارم:
-بكلمك بالطريقة دي!،يظهر إنك مش عارف إنتَ بتتكلم مع مين
ثم رفع وجههُ للأعلي واسترسل بنبرة أعلي غروراً:
-أنا دكتور باسم عبدالكريم،إبن رجل الأعمال الشهير عبدالكريم السيوفي اللي أكيد تعرفه
أجابهُ كارم بغرور مماثل تحت ذهول أيسل التي تقف بالمتتصف تنظر حائرةً إلي هذا تارةً وذاك تارةً أخري:
-يظهر إن إنتَ اللي مش عارف إنتَ واقف قدام مين،ومن الأفضل ليك إنك ما تعرفش
ضحك باسم ساخراً وأردف متهكماً علي شخص كارم:
-هتكون مين يعني،حِتة security ما يسواش تعريفة
إلي هُنا لم يعُد باحتمالها الصمت فتحدثت بنبرة دفاعية عن ذاك الفارس الذي أصبح بين ليلةٍ وضحاها فارس أحلامها التي طالما حلُمت به وتمنت رؤياه:
-من فضلك يا دكتور،سيادته بيكون رائد في جهاز المخابرات الحربية وليه وضعه وكيانه اللي ما ينفعش حضرتك تيجي وتقلل منهم
دكتورة أيسل…نطقها بحِدة محذراً إياها بعيناي تطلق شزراً لسببان،أولهما كشفها عن هويتهُ أمام ذاك الغريب وهذا ما يُعد مخالفاً لتعليمات الجهاز ولقوانين سلامتهُ الشخصية،والسبب الآخر ذكوري بحت،حيثُ إستشاط ورفض الرجل داخلهُ دفاعها بدلاً عنه
غضبت من إسلوبهُ الحاد في معاملتها وخاصتاً أنهُ حدث أمام أستاذها الجامعي مما جعل داخلها يحتدم غيظاً لكنها فضلت الصمت كي لا تغضبهُ أكثر بعد ان أصبح يعني لها الكثير
في حين إقترب كارم من ذاك المغرور حتي كاد أن يلتصق به وتحدث متهكماً عليه بنظرات تطلق شزراً:
-إسمعني كويس وإفهم الكلام اللي هقولهُ لك ده يا إبن
واسترسل محذراً إياه بابتسامة ساخرة:
-يا أبن رجل الأعمال،تبعد عن الدكتورة نهائي وكل علاقتك بيها كأستاذ تكون داخل مقر قاعة المحاضرات
واستطرد بتهديداً صريح:
-غير كدة هعتبره تعرض لسلامة أمن وتعريض حياة الدكتورة للخطر وهبتدي أشوف شُغلي اللي أنا مُكلف بيه
واستكمل بنظرات متوعدة:
-وربنا يكفيك شر رجالة المخابرات لما بيقوموا بشغلهم وخصوصاً مع الناس اللي ليهم معزة خاصة زي اللي بينا كدة
إبتلع باسل لُعابهُ واتخذ خُطوة للخلف كي يستطيع إلتقاط أنفاسهُ التي حبسها بفضل نظرات ذاك الشرس الفتاكة
إبتسم كارم علي تعبيرات وجه الأخر واسترسل بنبرة تهديدية:
-ياريت بعد كدة تحترم نفسك وإنت بتتكلم مع الناس وتبطل تتباهي بفلوس بابي،مفهوم الكلام يا شاطر ولا؟
نطقها بعيناى تحذيرية فأومأ باسم برأسهِ بعدما ابتلع لعابهُ من شدة توترهُ بفضل هيأة كارم الصارمة وملامح وجههُ التي توحي بالخطر
باستحسان مال كارم برأسهِ بخفة ثم حول رأسهُ إلي تلك الغاضبة وتحدث بهدوء وهو يُشير لها بيده إلي الأمام بعدما استعاد رجولته التي هدرت مُنذ القليل علي يد ذاك الإمعة:
-إتفضلي قدامي يا دكتورة
لم تُرد الذهاب قبل أن ترد لهُ صفعته،بحركة إستفزازية نظرت إلي باسم وتحدثت بابتسامة خافتة كنايةً في كارم:
-بعد إذن حضرتك يا دكتور
تنفس بانتشاء وشعر ببعضٍ من رد كرامته وتحدث بابتسامة استفزازية وكأنه وجد مُتنفساً ليتحدي ذاك الصقر بعد هزيمة ساحقة تلقاها علي يداه:
-إتفضلي يا دكتورة.
تحركت إلي الأمام تحت نظرات ذاك الذي كاد أن يفترسها من شدة غيظه الذي كظمهُ وبكل برود نظر إلي باسم وأشار بسبابته نحو وجهه ومال بجانب رأسه في حركة تهديديه وكأنهُ يذكرهُ بما نبههُ إليه منذ القليل
بجسدٍ ممشوق تحرك بخطيً سريعة لكي يلتحق بتلك التي هرولت إلي الخارج مما يدل علي مدي إستشاطتها،لحق بها وضل محاوطاً إياها بعيناه وهو يتفقد المكان بعناية فائقة حتي إقتربوا من محل السيارة وقام بتخطيها ليقوم بفتح الباب لها وبالفعل دخلت وألقت بحالها فوق مقعدها بضيق
،أغلق لها الباب بحِدة أظهرت إستشاطته منها وتحرك للجهة الأخري كي يستقل السيارة وينطلق،قطع طريقهُ إبنة خالته التي أتت مُسرعة من الداخل كي تلحق به قبل المغادرة وتحدثت إليه بإبتسامة مُشرقة:
-إزيك يا سيادة الرائد
أهلاً يا مايان…نطقها بملامح وجه جادة وتحدث منسحباً تحت نظرات أيسل الثاقبة والمراقبة لهما من خلف زجاج نافذة السيارة:
-معلش يا مايا هبقي أكلمك في التليفون علشان لازم أتحرك حالاً
إبتسامة رقيقة إرتسمت علي ثغرها وتحدثت بنبرة حالمة جعلت من قلب أيسل جمرة مشتعلة:
-أوك يا كارم،هستني مكالمتك
أومأ لها واستقل مقعده وانطلق في طريقه إلى الأمام تحت صمت كليهما التام مع نظراتها المشتعلة بعدما رأت ارتياحاً فوق ملامحهُ أجاد صنعهُ بمهارة عالية كي يوصلها لتلك الحالة وبالفعل حدث ما سعي إليه
كسرت تلك المتهورة حاجز الصمت بينهما وهتفت بنبرة حادة بعدما فقدت صبرها وهي تنتظر هذا الغامض والتي لم تتعرف بعد علي طبعه إلي الأن:
-ممكن أفهم إيه اللي حضرتك عملته مع الدكتور ده؟
ثم أنتَ بأي حق تدخل تجيبني من جوة الجامعة؟
واسترسلت هاتفة بسخطٍ بنبرة حادة:
-وبعدين إنتَ إزاي تسمح لنفسك تتكلم معايا بالطريقة دي وتعلي صوتك عليا قدام دكتور باسم؟!
بنبرة جادة لملامح وجه مُبهمة تحدث إليها:
-ياريت يا دكتورة توطي نبرة صوتك وإنتِ بتتكلمي معايا ده أولاً
واسترسل بإبانة وهو ينظر أمامهُ بتركيز دون النظر إليها مما جعلها تغضب:
-ثانياً دخولي لحضرتك داخل الحرم الجامعي ده من صميم شُغلي،لأن لو تفتكري سعادتك إتصلتي بيا وقولتي إنك خارجة حالاً وما خرجتيش
ونظر لها واستطرد بايضاح:
-فـ كان لازم أدخل أأكد علي أمانك اللي أنا مسؤول عنه قدام رؤسائي
نزلت كلماتهُ الحادة علي قلبها الحالم فاوجعتهْ وأكثر ما جعلها تتأثر هو إنهيار احلامها حيث اعتقدت أن استشاطة أعصابهُ التي حدثت مُنذُ القليل كانت بفضل غيرتهُ عليها والان انهارت أحلامها
بنبرة حزينة سألته مستفسرة:
-وهو ده بقي السبب اللي خلاك تدخل تدور عليا جوة الجامعة؟
رفع حاجبهُ مستنكراً سؤالها المطروح في غير وقته وتحدث بزيف كي يستحضر غضبها أكثر كنوعٍ من العقاب علي ما بدر منها أمام ذاك المغرور المُسمي بباسم:
-اُمال حضرتك كُنتي فاكراني داخل لك جوة ليه؟!
ترقرقت الدموع من عيناها ونظرت إليه بانكسار وظهر الحزن فوق ملامحها المتألمة،أردف متسائلاً بعدما أصابهُ الضيق لأجل دموعها:
-ممكن أعرف إنتِ زعلتي ليه من كلامي؟
ومين قال لك إني زعلت…نطقتها بصوتٍ مختنق مُتأثراً بفضل إحتباس دموعها،زفر بضيق بعدما مل من تمثيل دَور الغير معني بما حدث،وبدون سابق إنذار هتف بحنق أظهر كم غيرتهُ عليها مما جعل حزنها يتلاشي وكأنهُ لم يكُن من الأساس:
-الدكتور ده كان بيتكلم معاكي في إيه؟
بتلألأ دموعها أجابته:
-يهمك قوي تعرف؟
أيسل…دون إدراكٍ منه نطق إسمها بدون ألقاب وبعيناي حادة ولهجة تحذيرية ويا ليتهُ لم ينطقهُ،إرتعش جسدها وأصابتهُ قشعريرة سرت بجميعهُ
أخفت اضطرابها وسيطرﭢ على حالة الوله التي إمتلكت كيانها فور استماعها لحروف إسمها من بين شفتاه،حتي ولو نطقها بتلك الحِدةِ إلا أنها أقسمت بداخلها أنها ولأول مرةٍ تستمعُ إلي إسمها بكُل ذاك السحر وكأنها إستمعت لمقطوعة موسيقية من أعذبِ الألحانِ
بدهاء وسُرعة بديهة أجابتهُ بعدما طرأت لدي مخيلتها فكرة وقررت أن تبتزهُ وتساومهُ عليها فتحدثت بنبرة رقيقة جعلتهُ يُعلن الرايةِ البيضاء:
-هجاوبك بس بشرط
رفع حاجبهُ منتظراً إملاء شرطها فاستطردت هي بنظرات متدللة أسرت بها قلبه:
-تقول لي مين البنت اللي دايماً بتقف تتكلم معاك قدام الجامعة
إبتسامة جذابة خرجت من بين شفتاه وهو ينظر عليها بعيناي سعيدة ثم أجابها بإبانة:
-دي مايان بنت خالتي،ساكنة هنا في القاهرة مع أهلها
بس كدة؟…نطقتها بعيناي تنتظر معرفة المزيد، إبتسم لها وأجابها:
-صدقيني ما فيش أكتر من كدة
تنفست براحة ظهرت داخل عيناها فتحدث بمشاكسة:
-دورك
أخذت نفساً عميقاً ثم أجابته بارتياح:
-ده أستاذي وكان بيتكلم معايا وبيعبر لي عن اعجابه بذكائي ومدي سرعة استيعابي لشرحه
أراد مداعبتها بعد أن شعر بصدق حديثها فسألها مكرراً جملتها:
-بس كدة؟
ضحكت بطريقة ساحرة جعلت من قلبهُ صارخاً مطالباً إياه بالرضوخ لقلبها والإعتراف بعشقها الذي بدأ يتغلغلُ داخل قلبه ويتملك منه،
تحمحم كي يجلي صوتهُ الذي تأثر بضحكة عيونها وتحدث بنبرة مترجية:
-أيسل،أنا هطلب منك طلب وعاوزك توعديني إنك تنفذيه علشان خاطري
عالم ساحراً وجديداً عليها إستحوذ علي كُلها وحولها إلي فراشة حالمة سارحة في سماء عِشق حبيبها الراقي،وما شعرت بحالها إلا وهي تومي برأسها بموافقة حمسته واسترسل مطالباً إياها بعيناي يستحوذُ عليها الغرام:
-ممكن ما تسمحيش للشخص ده أو لغيره في إنه يتكلم معاكِ خارج نطاق الدراسة أو يحاول يتقرب منك
كَست حُمرة الخجل وجنتيها مما زاد من سحرها وأجابتهْ بطاعة ونبرة خافتة أثارته:
-حاضر
استمتع بحمرة وجهها و!بتسم بحبور عندما لاحظ عشقها الواضح بعيناها و قال بابتسامة جذابة:
-هو أنا قولت لك إن شكلك زي القمر النهاردة
إحساس عميق وشعوراً من نوعٍ خاص بخلاف هزة عنيفة إجتاحت كيانها بالكامل مما جعلها تُنزل بصرها ساحبةً عيناها عن هيمنة عيناه وسطوتها علي قلبها قليلُ الخبرة
لم يرد أن يزيدها عليها ففضل الصمت مع إستمراره لمتابعة عيناها التي أصبحت كالإدمان بالنسبة لهْ، ولم يعُد بمقدورهُ الإبتعادُ عن النظر إليها وكأنها سحرًُ يجذبهُ ويُعيدهُ إليها كلما ابتعد،وكأن صفاء زرقتها أصبحت سمائهُ الساطعة
ضل هكذا حتي وصلاَ إلي منتصف الطريق الصحراوي المؤدي إلي الأسكندرية،كان يراقب الطريق جيداً وبلحظة تفاجأ بخروج سيارة رُباعية الدفع خرجت من العدم وتتجه في الطريق المُعاكس ويبدو أنها تقصدهم،علي الفور تحدث عبر سماعة البلوتوز الموضوعة بأذنه إلي فرقة الحراسة التي تتبعهُ:
-خدوا كامل الإستعداد يا شباب لأن فيه هدف تقريباً قاصدنا
ثم نظر إليها سريعاً في إنعكاس المرأة وهتف علي عُجالة:
أيسل،إنزلي بجسمك كله تحت حالاً ومتطلعيش نهائي غير لما أقول لك
هو فيه إيه يا كارم؟…نطقتها بعيناي مرتعبة وجسدٍ ينتفضُ رُعباً
أجابها بصوتٍ هادئ كي يبث روح الطمأنينة والثقة داخل كيانها:
-إسمعي الكلام يا حبيبي وخليكي واثقة فيا
بطاعة أومات بعيناي يملؤها الذُعر وبالفعل نزلت بأرضية السيارة واضعة كفاها فوق رأسها وبلحظة إستمعت إلي طلقات نار وكأنها دخلت بالخطأ داخل حرباً شرسة بين رجال العصابات المعروفة دولياً،
إستمعت إلي صوت كارم وهو يهاتف قوات الدعم ويطلب منهم العون كي يتم القبض علي هؤلاء الخوارج قبل هروبهم
صرخت بكل ما أوتيت من قوة عندما وجدت السيارة تهتز بهما بعدم إتزان جهة اليمين واليسار وصوت طلقات الرصاص تنهالُ علي السيارة مما نتج عنه إحداث أصواتاً مزعجة ناتجة عن إصطدام الرصاص بالصاج المصفح والمُصنع خصيصاً ليكون ضد الرصاص لضمان أمانها الكامل
بقلبٍ ينتفضُ ويشعر أن النهاية الحتمية قد أتت ولا مفر
وضعت كفاها تسد بهما أذنيها لكي لا تستمع إلي صوت طلقات الرصاص المرعبة لكيانها وبدأت تردد الشهادة بصوتٍ مرتجف:
-أشهد أن لا إله إلاّ الله،وأشهد أن محمداً رسول الله
تحرك الفتي داخل الرواق بقلبٍ مُشتعل حتي وصل إلي غرفة والدتهُ ودق بابها،إرتعبت اوصالها،هرولت إلي الحمام وقامت بغسل وجهها بالماء الفاتر ثم خرجت سريعاً بعدما التقطت منشفة وباتت تجفف بها وجهها،تحركت إلي الباب وقامت بفتحه،تفاجأت برجُلها الصغير يقف أمامها وبات يتطلع علي عيناها العالق بها أثار الدموع وتحدث بنبرة مرتابة:
-إنتِ كويسة يا ماما؟
إبتسامة حانية خرجت منها وتحدثت وهي تتحسس وجههُ:
-أنا بخير يا حبيبي
هتف بنبرة حادة:
-هو عمو ياسين إتخانق معاكي؟
بهدوء سألته مستفسرة:
-إيه اللي خلاك تقول كدة؟
بملامح وجه ساخطة اردف بنبرة حادة أظهرت كم الغضب الذي أصاب داخلهُ جراء رؤيتهُ لدموع غاليتهُ العزيزة:
-الدموع اللي في عيونك الحمرا هي اللي قالت لي يا ماما
أمسكت بكفهِ وسحبته إلي الداخل حين رأت بعيناه الغضب ثم قامت بغلق الباب وتحدثت بنبرة هادئة:
-عمو ياسين مازعلنيش يا مارو
نطق محتداً بطريقتهُ:
-هو ليه حضرتك بتعامليني علي إني طفل صغير هتضحكي عليه بكلمتين؟
جلست فوق الأريكة واجلست صغيرها ثم تحدثت وهي تداعب خصلات شعرهُ كي تشعره بالحنان وتمحي من داخلهُ غضبهِ العارم:
-إنتَ راجلي وسندي بعد ربنا يا مروان،ومش بس سندي لوحدي،ده إنتَ سند لإخواتك كلهم يا حبيبي
إنفرجت أسارير الفتي وشعر براحة غزت روحهُ،تنهد ثم تحدث مستفسراً:
-طب ليه مش عاوزة تقولي لي سبب دموعك؟
واستطرد بنبرة متوجسة:
-عمو ياسين زعق لك ولا قال لك حاجة ضايقتك؟
أجابتهُ نافية:
-صدقني يا حبيبي ما فيه أي حاجة
ماما…نطقها بتشكيك فأردفت الاخري موضحة:
-عمك ياسين بيحبني وعمره ما جرحني ولا في يوم فكر يأذيني نفسياً،هو بس متضايق لأن عنده شوية مشاكل في الشُغل
سألها مشككاً:
-وهي مشاكل شغله سبب يخليكي تعيطي؟!
أخذت نفساً عميقاً وزفرته بهدوء كي تضبط إنفعالاتها وتحدثت:
-بص يا حبيبي،الراجل ومراته ساعات بيحصل بينهم مشادات في الكلام وعلي اتفه الأسباب المشاكل بتتخلق،إحنا بقي كستات دموعنا قريبة
واسترسلت بدُعابة كي تخرج من عقله أية ضيق:
-وبصراحة كدة بنتلكك علشان نخرجها
يعني إنتِ كويسة يا حبيبتي…نطقها متوجساً وهو يتحسس كف يدها،فأجابتهُ بابتسامة طمأنة:
-أنا كويسة،ما تقلقش يا قلب ماما
إبتسم لها وتحرك من جديد عائداً إلي الأسفل بعدما قام بتقبيل جبهة غاليتهُ وأطمئن عليها
❈-❈-❈
تحرك بإبنه حيثُ منزل أبيه،وجد عز المغربي يجلس بداخل حديقتهُ بصحبة عبدالرحمن الذي إستمع إلي نصائح إبنة عمه وأخذها في الإعتبار ومنذُ حينها لم يترك شقيقهُ وضل ملازماً له وباتا يخرجا ويستمتعا بحياتهما سوياً
حاول ضبط النفس خشيةً إنكشاف أمر غضبه من قِبل ذاك الداهي والدهُ،هتف الصغير مُهللاً بابتهاج وهو يُشير إلي عزيز عينهْ جدهُ الذي يكن لهُ الكثير من الحب والتقدير:
-جدووووو
بحبور فتح ذراعيه لاستقبال حفيدهُ المُدلل والذي يحظي بنصيب الأسد من مكانته داخل قلبهْ،وتحدث مدللاً إياه تحت إبتسامة ياسين الذي وقف أمام والدهُ مناولاً إياه الصغير:
-يا أهلاً يا أهلاً بقلب وعقل وروح جدو
تحدث ياسين إلي عمه بعدما ألقي التحية علي والده:
-إزي صحة حضرتك يا عمي
عقب عبدالرحمن بابتسامة:
-أنا كويس الحمدلله يا ابني
إنسحب ياسين إلي الداخل في حين هرولت الفتاتان من الداخل بعدما إستمعتا لصياح ذاك المسيطر الصغير وتحدثت ساندرا باهتمام شديد:
-إنتَ جيت إمتي يا عزو،أنا كُنت هطلب من مامي تاخدني لعندك علشان ألعب معاك
إبتسم وشعر بتفاخر بحاله ثم تحدث بشموخ ورثهُ عن أبيه:
-أنا عارف إنك مش بتعرفي تلعبي من غيري علشان كدة جيت
ثم حول بصرهِ إلي تلك الليزا منتظراً مدحها واطرائها هي الاخري فإذ بها تُخيب ظنهُ وتحدثت مستفسرة بلهفة ظهرت فوق ملامحها:
-هو فين مارو يا عزو وليه مش جه معاك؟
أشاح بكفهِ وعبس قائلاً بحدة:
-مارو في البيت
بعيناي متوسلة تحدثت إلي جدها بدلال:
-جدو،أنا عاوزة أروح عند مارو
وافقها الجد وصاح بصوته مستدعياً إحدي العاملات وطلب منها إصطحاب تلك الجميلة إلي مروان تحت غضب ذاك الحانق الذي غضب من عدم اهتمام تلك الجميلة وعدم استقباله بالشكل اللائق به
اتي المساء،خرج من الحمام الخاص بليالي بعدما أخذ حماماً دافئاً بعد أن قرر الإبتعاد بعض الوقت عن مليكة كي يأخذ كلاهما هُدنه ويريح أعصابهُ بعيداً عن الآخر ليُزيلا التوتر الذي أصاب كلاهما
إرتدي ملابسهُ وتجهز ليذهب إلي مقر الجهاز لمتابعة سير التحقيقات المستمرة في قضية محاولة إغتيال إبنته تاركاً خلفهُ قلوباً تحترق،تحركت إلي غرفتهُ بعدما فقدت قدرتها علي التحمل،دقت بابهِ فسمح للطارق بالدخول، دخلت ونظرت عليه وجدته مُمسكاً بفرشاته يصفف شعرهُ كعادته بعناية،نظر لها بطرف عيناه ثم عاد إلي النظر لإنعكاس صورته لمتابعة ما يفعله وتحدث بنبرة جادة:
-فيه حاجة يا أيسل؟
تحمحمت كي تجلي صوتها وتحدثت بنبرة خافتة:
-هو حضرتك خارج؟
أجابها باقتضاب:
-آه،عندي شُغل ضروري في الجهاز
فركت كفيها ببعضيها مما أظهر توترها ثم تشجعت قائلة:
-بابي،كُنت حابة اتكلم معاك في موضوع ضروري
بعدين…نطقها مقتضباً فتحدثت الأخري باصرار:
-الموضوع ضروري وما يحتملش التأخير يا بابي
ألقي بفرشاة شعره بحِدة مما جعلها تُحدثُ صوتاً مزعجاً أدي إلي إنتفاض جسد تلك الواقفة،حول بصرهِ إليها ثم وضع كفاي يداه داخل بنطاله وسألها مضيقاً عيناه بتعجب:
-وياتري موضوع إيه ده إن شاء الله اللي ما يحتملش التأخير يا دكتورة؟!
وصلها ضيقهُ لكنها تحلت بالشجاعة واردفت مستفسرة:
-هو حضرتك عينت الضابط اللي إسمة أحمد كمال قائد الحرس بدل كارم المعداوي
بجمود أجابها باقتضاب:
-آه
إبتلعت لُعابها وتحدثت بصوتٍ مُختنق:
-من غير ما تقول لي؟!
سألها بعدما قطب جبينهُ باستغراب:
-إيه اللي يفرق كارم المعداوي عن غيره علشان أقول لك؟
واستطرد بنبرة حادة:
-ثم ده ما يخصكيش،إنتِ كُل اللي يهمك في الموضوع إني أختار لك ضابط كُفئ يقدر يحميكي
دون إدراكٍ منها هتفت:
-ومين هيقدر يحميني زي كارم يا بابي،ده ضحي بروحه علشاني وأخد الطلقة مكاني
إشتعل داخلهُ واستشاط وهتف بنبرة حادة:
-إسمه حضرة الرائد يا دكتورة ده أولاً
واسترسل بايضاح وغيرة:
-أما بخصوص الطلقة فدا شُغله واللي كان هيعمله لو إتعرض للموقف ده مع أي حد في مكانك
بعناد تحدثت:
-بس أنا مش مرتاحة مع اللي إسمه أحمد ده
واسترسلت متلبكة بتذمر طفولي:
-ده رغاي وطول الوقت بيصدعني بكلامه التافه
لو دي مُشكلتك فاعتبريها إتحلت…نطقها وهو يميل برأسهِ يميناً بعدما أخرج يداه وقام بفردهما بإشارة منه بسهولة الأمر،ثم استرسل بدهاء:
-أنا هلفت نظره وهخليه يبطل يتكلم معاكي نهائي
خرجت منه إبتسامة ساخرة وسألها بخبث:
-أظن كدة ما عندكيش مشاكل معاه تاني يا دكتورة
بسؤال ذات مغزي استرسل بعيناي حادة:
-ولا فيه؟!
إبتلعت لُعابها وصمتت وهي تنظر إليه بضيق وغضب حاد ظهر بَيِنّ داخل عيناها،فتحدث بصرامة هو من جديد بذات مغزي:
-إتفضلي علي أوضتك وياريت تركزي في مذاكرتك ومستقبلك بدل ما تشغلي نفسك بكلام فارغ
إلتمعت عيناها بفضل دموعها التي حضرت وانسحبت من أمامه مهرولة إلي غرفتها تحت ألم قلبهُ وحزنهُ عليها لكنهُ صبر حالهُ بأنهُ يفعل الصواب لأجلها
إستقل سيارتهُ وأنطلق لوجهته وتحركت أيسل إلي مليكة كي تشتكي لها والدها وتطلب منها المساعدة
بعد قليل تحدثت أيسل باستسلام بعدما سردت عليها مليكة ما دار بينها وبين والدها من حديثٍ حاد بسببها:
-أنا مش فاهمة هو بابي بيعمل كدة ليه؟
إيه الغلط في إني أحب واتحب وأتجوز الإنسان اللي إتمناه قلبي؟!
واستطردت متسائلة بتشكيك:
-هو بيعاقبني علشان ما قدرتش حبه ليكي ولومته عليه؟
هزت رأسها بنفيٍ واجابتها بتأكيد:
-أكيد لا،بابا مش بيفكر بالطريقة دي يا أيسل
بتشتُت سألتها:
-أُمال أفسر اللي بيعمله معايا بإيه؟
أخرجت تنهيدة حارة ثم تحركت إلي الشُرفة ونظرت منها علي البحر وتحدثت إلي التي تحركت خلفها وجاورتها الوقوف:
-ياسين خايف عليكي من وجع الحُب يا سيلا
وهو الحُب بيوجع يا مليكة؟…نطقتها بعيناي عاشقة ثم استرسلت بصوتٍ هائماً وهي تبتسم وتُمسك بسور الشُرفة وكأنها تبدلت لفراشة:
-أنا متأكدة من إن كارم بيحبني وهيعمل كل اللي يقدر عليه علشان يسعدني
واستطردت مؤكدة بعيناي خجلة:
-هو وعدني بكدة
بإبتسامة سعيدة سألتها:
-هو إعترف لك بحبه
ابتهج وجهها وأُنير حين مر بمخيلتها طيف حبيبها العاشق وتذكرتهُ عندما إعترف لها وصرح عن عشقه الهائل،وأومت برأسها خجلاً،ثم تذكرت رفض أبيها القاطع لهذا العِشق وذاك العَاشق
تطلعت إليها بنظرات متوسلة وأردفت:
-مليكة،أنا محتاجة مساعدتك،أنا عارفة إن بابي بيحبك قوي ومش بيقدر يرفض لك طلب،أرجوك تقفي جنبي وتطلبي منه يوافق علي خطوبتي من كارم
تنهدت باحباط وظهر اليأس داخل مقلتيها ثم تحدثت باستسلام:
-ما أنا كلمته يا سيلا،ياسين رافض الموضوع بطريقة عجيبة
تنهدت بقوة وظهر الحُزن فوق ملامحها مما ازعج مليكة وأحزنها،هتفت وهي تُمسك يدها بعدما أنير عقلها بفكرة طرأت للتو بمخيلتها:
-أنا عرفت مين اللي هيخلص لنا الموضوع ويحط ياسين قدام الأمر الواقع
بلهفة مفرطة سألتها:
-تقصدي مين؟
بإبتسامة فخر رفعت كفها للأعلي وأردفت:
-مافيش غيره طبعاً،الباشا الكبير،هو الوحيد اللي ياسين مش هيقدر يتنفس قدامه
إتسعت عيناها ونطقت متعجبة:
-جدو؟!
واستطردت بارتياب ونبرة متلبكة:
-بس أنا مش هينفع أكلمه،إتكسف يا مليكة
إبتسمت لها وتحدثت بطمأنة:
-سيبي الموضوع ده عليا وخليكي واثقة فيا،هو إسبوع واحد وهيكون خاتم خطوبتك علي حضرة الضابط منور في صُباعك
واستطردت وهي تنظر أمامها بتحدي:
-وإبقي وريني نفسك بقي قدام سيادة اللواء يا سي ياسين
إتسعت عيناي ايسل وتحدثت بمشاكسة:
-بسرعة كدة قلبتي علي بابي
بنبرة دُعابية اردفت:
-علشان يبقي يتجنن عليا تاني ويقول لي خدي لك ساتر،أهو الساتر ده هو اللي هياخده ويستخبي وراه من اللي هيعمله فيه عز باشا
ضحكت كلتاهما ثم نظرتا امامهما وباتتا تتنفسا هواء البحر باستمتاع مع استكمال حديثيهما
❈-❈-❈
عاد من عمله بعد الثانية صباحاً حيثُ استمر التحقيق لعدة ساعات،صعد الدرج بقلبٍ مهموم لما اقترفهُ من ذنبٍ عظيم بحق تلك البريئة التي أفرغ بوجهها غضبهِ العظيم الذي أصابهُ جراء ما حدث
دخل إلي جناحهُ وجدهُ مُظلماً إلا من إضائه خافتة لأجل الصغيرة الغافية داخل مهدها،نظر علي حبيبتهُ وجدها تتوسط فراشها وتغفو بسباتٍ عميق،تحرك علي أطراف أصابعه كي لا يُزعج غاليتاه ودخل الحمام،خلع عنه ثيابهُ وارتدي أخري للنوم بعدما اغتسل وتحرك عائداً إلي الغرفة من جديد
جاورها التمدد وسند ظهرهُ للخلف ثم نظر علي تلك التي تواليه ظهرها،شعر بيقظتها رغم إغلاقها لجفونها وتظاهرها بالنوم،تنهد بثُقل وتسطح علي جنبهِ الأيسر واضعاً رأسهُ فوق الوسادة الخاصة به ثم ألصق جسدهُ بها محتضناً إياها من الخلف بعد أن حاوط خصرها بتملُك،أبعدت حالها بتمرد وعناد،زفر وجذب جسدها من جديد وتحدث حانقاً:
-وبعدين معاكي بقي،ما تهدي شوية البنت هتصحي
بحركة عنيفة أبعدت جسدها عنه من جديد وتحدثت بنبرة ساخطة:
-إبعد عني لو مش عايزها تصحي
تنهد بثُقل واردف بابانة كي يستقطب حنانها ويروض شراستها:
-ما أنتِ عارفة،مابعرفش أنام غير وإنتِ في حُضني
انتفضت من رقدتها وهبت غاضبة من فراشها وتحدثت وهي تتناول وسادتها بين يديها:
-خلي لك السرير كله واشبع به
نطقتها وتحركت باتجاة الأريكة وقامت بفردها وتجهيزها للنوم،سحب جسدهِ للأعلي وجلس ينظر عليها بالتياع،اخرج زفرة حادة وتحدث بنبرة هادئة:
-تعالي نامي في سريرك وبطلي جنان علي المسا يا مليكة
وكاد أن ينزل من فوق الفراش فهتفت بشراسة وملامح وجه حادة وهي تُشير إليه بسبابتها مهددةً إياه:
-لو إتحركت خطوة واحدة من مكانك هروح أنام مع أنس وعز في أوضتهم
ده إنتِ إتجننتي رسمي…نطقها بعيناي متسعة واسترسل مهدداً كعادته كي يحثها علي التراجع عن عنادها الشرس:
-إغزي الشيطان وخدي لك ساتر وتعالي نامي علشان تتقي غضبي اللي إنتِ مش قده يا مليكة
بشراسة تحدثت بندية علي غير عادتها:
-الساتر ده إنتَ اللي هتاخده لو ما نمتش وسبتني في حالي يا سيادة العميد
جحظت عيناه وهو يتطلع عليها بعدم تصديق لما تراهُ عيناه من شكاسة جديدة عليها،لاول مرة يشعُر بالعجز أمام إصرارها وعنادها الحاد،غرس أسنانهُ بشفته من شدة غيظه وتحدث متوعداً لها:
-ماشي يا مليكة،أنا هعدي الليلة بس علشان خاطر البنت اللي نايمة،بس وحياة أمي لأحاسبك علي كل كلمة قولتيها
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمها أحرقت روحه ثم تمددت فوق أريكتها تحت إستشاطة ذاك الحانق الذي ألقي بجسدهِ فوق الفراش بإهمال وهو يضغط علي شفتهِ السُفلي حتي كادت تُدمي من شدة غيظه
قضي ليلتهُ متسطحاً علي ظهره ناظراً في السقف يفكر بشرود،تارة في تلك العنيدة التي اوصلته لإشتعال روحه بقرار ابتعادها عن أحضانه وهذا الأمر بالأخص لم يقوي قلبهُ العاشق علي إحتماله،ويفكر ايضاً بوضع إبنته الذي أرق روحهُ وشتت كيانه
إنقضت الليلة وانتهت وشق الظلام نور الصباح دون أن يغمض له جفن،قام بجسدٍ مرهق بسبب عدم نومهِ ونظر علي تلك المستلقية فوق الأريكة وهي غافية باستسلام،تنهد وتحرك إلي الحمام اغتسل وتوضأ وصلي صلاة الضُحي وقام بارتداء ملابس العمل وتوجه إلي الخارج بقلبٍ حزين بائس
❈-❈-❈
فور ذهابهُ إلي العمل،تحركت مليكة إلي منزل والد زوجها كي تشتكيه وتضع لجنونهُ الذي أصابهُ حداً،طلبت الجلوس معه هو ومنال علي إنفراد بغرفة المكتب،جلست وقصت لهما كل ما حدث
فتحدثت منال بنبرة جادة مساندة قرار نجلها الأكبر:
-بس أنا شايفة إن ياسين معاه حق في اللي عمله
واستطردت باستعراض لوِجة نظرها:
-أول حاجة البنت لسة صُغيرة،ودراستها صعبة ومحتاجة تفرُغ كامل علشان تقدر تحقق حلمها وتبقي جراحة ممتازة ومميزة
ثم رفعت قامتها بكبرياء واسترسلت بتعالي كعادتها التي لم تتغير لتأصُلها داخل كيانها:
-وبعدين هو مين الولد ده أصلاً علشان يتجرأ وييجي يطلب إيد أيسل المغربي،ده مجرد ضابط صُغير من عيلة لا تُذكر قدام إسم ياسين عز المغربي
واسترسلت بسخط:
-هي الناس إتجننت ولا إيه
إتسعت عيناي مليكة بذهول،وإستشاط داخل عز من تغطرس تلك المُتكبرة وهتف بنبرة حادة:
-ولد! الولد اللي بتتكلمي عنه بالدونية دي يبقي رائد متميز في جهاز المخابرات الحربية،وليه مكانته اللي الكل بيقدرها من أصغر عامل لحد رئيس الجهاز بذات نفسه
إبتلعت لُعابها واستطرد هو بإبانة:
-وعيلة إيه اللي بتتكلمي عنها؟!
أفتكر يا مدام اللي يربوا راجل يضحي بروحه في سبيل شُغله وبلده يبقوا ناس محترمة ويستحقوا كل التقدير وإننا نتكلم عنهم بإسلوب أرقي من كدة
بنبرة واثقة تحدثت:
-انا ما قصدتش أهينه يا عز،كل الحكاية إني إستغربت من جُراته
جرأتهُ!نطقها باشمئزاز ثم استرسل بنبرة غاضبة:
-سيبك من جرأته ومن كلامك المتدني عن الطبقية والكلام اللي عفي عنه الزمن وخليكي في البيه اللي إنتِ مخلفاه
واسترسل بوجهٍ ساخط:
-إبنك يا هانم فاكر نفسه كِبر عليا وبيتصرف في البيت ولا كأن ليه أب يرجع له ويستشيره
بدفاع عن حبيبها نطقت بطلقائية ودون إدراكٍ منها متغاضية عن إحتدامهُ عليها وتوبيخها ليلة أمس:
-ياسين أكيد ما يقصدش المعني اللي وصل لحضرتك ده يا عمو،كل الحكاية إن غيرته وخوفه علي أيسل خلوه يتصرف بتشتت وعدم إتزان
ثم استرسلت بتعقُل:
-المشكلة الوقت في أيسل،البنت متعلقة بيه وشايفة إن ده الراجل المناسب اللي تقدر تكمل معاه حياتها وهي مطمنة علي نفسها
أردفت منال بلامبالاة:
-أيسل لسة صُغيرة ومتعرفش مصلحتها،بكرة تنسي
عقبت بإبانة:
-مش هتنسي يا طنط،أيسل حبت الرائد بجد، بدليل التغيير اللي كلنا لمسناه في تصرفاتها،أيسل رجعت لطبيعتها بفضل حبها ليه،
واسترسلت بتوجس:
-ولو ياسين أصر علي موقفة من السهل جداً تنتكس مرة تانية،وياعالم هتقدر تخرج من الحالة دي تاني ولا حالتها هتسوء أكتر
أردفت منال بنبرة مُشتتة:
-عندك حق يا مليكة،سيلا فعلا رجعت زي زمان واحسن كمان
تنهدت مليكة براحة وحولت بصرها إلي عز الجالس يفكر بشرود ويحك رأسهُ بأصابع يده بتفكُر:
-هتعمل إيه مع ياسين يا عمو
وبخجل استرسلت بتردُد ظهر علي وجهها:
-بصراحة كدة أيسل هي اللي بعتاني علشان أحاول أقنع حضرتك وطنط
إبتسم عز وتحدث بمشاكسة:
-سبحان مُغير الأحوال،بقي أيسل اللي ما كانتش بطيقك أخر فترة،تلجأ لك إنتِ بالذات علشان تساعديها؟
واستطرد بفُكاهتهُ المعهودة:
-بركاتك يا سيادة الرائد
ضحكت مليكة وتحدثت بفُكاهة:
-الحُب يصنع المعجزات يا عمو
سألته منال بترقُب بعدما أصابها حديث مليكة بالريبة وجعلها تفكر في أمر إرتباط حفيدتها بجدية:
-هتعمل إيه يا عز؟
تنهد بحدة وتحدث متوعداً بنبرة جادة:
-هربي لك إبنك من جديد يا منال
بتوجس أردفت مليكة:
-عمو،ممكن ما تقولش لـ ياسين إن أنا اللي قُولت لحضرتك
برغم غضبهِ الهائل منه إلا أنهُ قهقه عالياً وتحدث بمفاخرة:
-اللي بيعجبني في ياسين إبني إنه فارد عضلاته علي الكُل ومسيطر،تربية تشرف والله
ثم استطرد مطمأناً إياها:
-ما تخافيش يا حبيبتي
ثم حك ذقنهُ واسترسل متوعداً:
-بسلامته مش هيبقي عنده وقت يفكر في مين اللي قال لي أو عرفت إزاي
❈-❈-❈
خرج من غرفته مرتدياً ثياباً عصرية أنيقة للغاية جعلت منهُ وسيماً حد الجنون،وجد والدتهُ تقابلهُ حيثُ كانت تتجه إليه،شملتهُ بنظراتٍ متعجبة وتحدثت مستفسرة:
-إنتَ متشيك كدة ورايح علي فين علي الصبح؟
أجابها بنبرة هادئة:
-رايح مشوار ضروري يا ماما
اردفت بنبرة جادة:
-مشوار إيه ده كمان،إنتَ مش لسة في أجازة يا ابني؟
أردف بتملُل:
-بلاش شُغل رجالة النيابة اللي علي الصبح ده يا ماما الله يبارك لك
هتفت بنبرة حادة:
-سيبنا من رايح فين وقول لي،صحيح الكلام اللي أبوك قالهُ لي إمبارح ده؟
ضيق عيناه مستفهماً فاسترسلت هي بايضاح:
-إنتَ طلبت بنت سيادة العميد للجواز؟
إبتسم وأجابها بمداعبة:
-هو الدكتور لحق بلغك بالموضوع؟
هتفت لائمة إياه:
-يعني الكلام طلع بجد يا كارم،طب وبنت خالتك اللي متعشمة إنك تخطبها؟
عقب علي حديثها بنبرة حانقة:
-أنا راضي ذمتك يا ماما،أنا عمري جيت في يوم وقُلت لك إني حابب أخطب بنت خالتي؟!
طب ما هي كانت قدامي قبل ما اخطب ريهام ولو كنت شايفها مناسبة ليا كنت خطبتها بدالها
حاولت معهُ قائلة بإقناع:
-يا ابني بنت خالتك أولا بك،وبعدين مايان بتقولي إن بنت سيادة العميد دي مغرورة ودمها تقيل،وأنا عاوزة لك واحدة فرفوشة تدلعك ومفيش غير مايان اللي هتوريك الدلع كله،إسمع من أمك حبيبتك
أردف بوجهٍ سعيد:
-كدة نبقي متفقين يا حبيبتي
إنفرجت أسارير بثينة وبلهفة تسائلت:
-يعني هتخطب بنت خالتك؟
لا طبعاً،هخطب أيسل…نطقها بتأكيد أصاب الاخري بإحباطٍ شديد،واسترسل وهو يحاوط كتفها بحنان:
-هو أنتِ يا حبيبتي مش كل اللي يهمك إني ألاقي اللي تسعدني وتدلعني
واستتطرد مؤكداً بثقة:
-أهي أيسل دي الوحيدة اللي هلاقي علي أديها الدلع كله
بنبرة متهكمة سألته:
-وإنتَ بقي جايب الثقة دي كُلها منين إن شاء الله؟!
بمشاكسة أجابها:
-من قلبي يا روح قلبي،قلبي هو اللي قال لي إن دلعك كله يا واد يا كرومة هتلاقيه عند أيسل
سألته بإحباط ظهر بعيناها:
-يعني مفيش فايدة فيك،بردوا منشف دماغك ومش هتخطب مايان؟
واسترسلت بنبرة حائرة:
-طب أقول لخالتك إيه المرة دي كمان
بنبرة جادة أجابها:
-قولي لها إن إبني لقي اللي عاش عمره كله يدور عليها
إبتسمت بحنان وسألته بعدما رأت علامات العشق داخل عيناي صغيرها:
-بتحبها يا كارم؟
عقب بعيناي عاشقة:
-قوي يا ماما
سألته من جديد باستفسار:
-وهي بقي تستاهل حُبك ده؟
أردف بنبرة حنون وصلت إلي والدتهُ وتأثرت بها:
-أيسل طيبة وحنينة قوي،أنا متأكد إنك لو شفتيها هتحبيها وتعتبريها زي بنتك بالظبط
واستطرد بعيناي مترجية حيثُ انه لم يبلغ والدهُ برفض ياسين لعرضه،بل أبلغهُ أنهُ طلب مهلة للتفكير كتصرف أي أب:
-إدعي لي بس ربنا يهدي أبوها ويوافق
هتفت بعين الأم:
-وهو هيلاقي فين راجل أحسن منك لبنته
إبتسم لها وتحدث بانسحاب:
-أنا ماشي يا حبيبتي،مش عاوزة حاجة؟
عاوزة سلامتك يا حبيبي…نطقتها بإبتسامة حنون فقبل جبهتها وانطلق سريعاً إلي الخارج
❈-❈-❈
داخل الحرم الجامعي
كانت تتحرك بطريقها إلي مقر قاعة المحاضرات بوجهٍ عابس تأثراً بتواجدها مع ذاك المتطفل الثرثار، نظرت أمامها وبلحظة تبدل حالها وتهلل وجهها بالسعادة وامتزجت حمرة السرور مع الخجل مما أعطي لوجنتيها بريقاً حين رأت ذاك الوسيم الواقف بانتظارها بهيأة خطفت أنفاسها وهزت قلبها بعنفٍ شديد
إهتز قلبه طرباً واعترته نشوة بالغة والتمعت عيناه إغتباطاً حين تعمق بالنظر لزرقاويتاها الساحرة،تحدث بنبرة تقطرُ إشتياقاً:
-وحشتيني
كاد قلبها أن يقفز من بين أضلعها ويرمي بحاله داخل أحضانهُ،نظرت عليه وهتفت بسعادة بالغة:
-يا مجنون
قهقه عالياً وتحدثت وهي تتلفت حولها بترقُب:
-مش خايف حد يشوفك ويروح يقول لسيادة العميد؟
ما بقتش خايف غير من حاجة واحدة بس…نطقها بإبتسامة ساحرة واسترسل بعيناي تقطرُ هياماً:
-بُعدك عني يا أيسل
إنتفض قلبها عشقاً ثم تمالكت من حالها وسألته بمداعبة:
-ما كُنتش أعرف إنك متهور كدة يا حضرة الرائد
أردف بمداعبة:
-شوفتي حُبك وصلني لأيه يا بنت المغربي،بقيت ماشي بنُص عقل من ورا غرامك
إبتسمت خجلاً وتحدث هو:
-تعالي نقعد في الكافيتريا نشرب حاجة ونتكلم
إتسعت عيناها وكأنها للتو وعت علي حالها:
-يا خبر،ده أنا عندي محاضرة مهمة ولازم اتحرك حالاً
فتحدث هو باعلام:
-هستناكي في الكافيتريا علي ما تخلصي
أومات ثم سألته باستفسار علي عجالة:
-هو أنتَ دخلت الجامعة إزاي؟!
رفع أحد حاجبيه وتحدث مستنكراً:
-إنتِ بتشككي في قدرات حبيبك ولا إيه يا هانم؟
إبتسمت له فتحدث بمشاكسة:
-إوعي تتأخري عليا،علشان ماتزعليش لو جيتي لقتيني قاعد مع إحداهُن من الجميلات
بنظرات فتاكة وكأنها تحولت أجابتهُ بشراسة:
-طب إتجرأ وأعملها وإنتَ تشوف اللي هيجرا لك علي إيدي يا إبن المعداوي
أموت أنا في الشراسة…نطقها بغمزة وقحة جعلتها تخجل وتهرول هرباً إلي قاعة المحاضرات تحت حبور ذاك الذي يشعر وكأنهُ ملك
عودة إلي حي المغربي
عاد من عملهِ مبكراً وتحرك إلي منزل أبيه كي يعطي فرصة لتلك الثائرة أن تهدأ،دخل من البوابة الداخلية وجد والده يقف أمام مكتبهُ وكأنهُ ينتظر حضوره،تحدث بوجهٍ عابس ليستدعيه للداخل:
-ياسين،تعالي عاوزك
تعجب من تجهم وجه أبيه وتحرك خلفهُ داخل حُجرة المكتب ثم تحدث بانصياع بعدما أغلق الباب ونظر لذاك الواقف أمامهُ:
-تحت أمرك يا باشا
بملامح وجه ساخطة هتف بنبرة غاضبة:
-تحت أمري إيه بقي يا ياسين باشا،ده أنا اللي بقيت تحت أمر جنابك بعد ما لغيت وجودي من حياتك وبقيت تاخد قرارات مصيريه تخص العيلة من غير ما تعمل حساب لوجودي
قطب ياسين جبينهُ متعجباً ثورة والدهُ فصاح الآخر موبخاً إياه بصوتٍ حادّ:
-فاكر نفسك كِبرت عليا يا أبن منال؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)