رواية قلوب حائرة الفصل الثمانون 80 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت الثمانون
رواية قلوب حائرة الجزء الثمانون
رواية قلوب حائرة الحلقة الثمانون
🦋الفصل التاسع والثلاثون🦋
بمَغِيبِك يا خليلَ الرُّوحِ يَحُولُ وَضْحَ نهارِي إلي ظلامِ
والصَّمتُ سيِّدِي في حضرةِ هواكَ أبْلغُ مْن كُلِّ الكلامِ
فيا منْ ملكْتَ القلبَ والعقلَ والوجدانَ والأحلامَ
لكَ منِّي يا حبيبَ الرُّوحِ قُبلةً وألفُ ألفُ سلامِ
خواطر مليكة عثمان
بقلمي روز آمين
عادت مليكة بطفلتها إلي المنزل بعد مغادرة كارم وخروجهُ من حي المغربي،تلفتت حولها وباتت تبحث بعيناها هُنا وهُناك عن ثُريا وصغارها،وجدت أصوات أطفالها تخرج من جهة المطبخ،تحركت في طريقها إليهم وجدت ثُريا تقف أمام المنضدة المستديرة المتواجدة بالمنتصف ويصطف حولها أنس وعز ومروان يتابعون جدتهم وهي تصنع لهم كعكة الشيكولاتة المحببة لدي ثلاثتهم
هتف ذاك المشاكس الواقف فوق المقعد مهللاً بالصغيرة وبوالدته:
-تعالي يا مسوكتي،شوفي نَاَنَاَ وهي بتعمل لنا شوكلت كيك
إبتسمت له مليكة وتحدثت موجهة حديثها إلي ثريا:
-أنا شامة ريحة كيك البرتقال؟
صح يا ماما ولا حاسة الشم عندي فيها مشكلة؟
تحرك مروان إلي والدتهُ وحمل عنها الصغيرة وبات يداعبها هو وأنس وعز تحت مناغاتها لهم والتي تسر القلوب مما بث البهجة داخل قلوب جميع من بالمطبخ
أما ثريا فـ ابتسمت وتحدثت مداعبة تلك التي تكنُ لها الكثير من الحب داخل قلبها:
-إطمني يا مليكة،حاسة الشم عندك بخير وقوية كمان
ثم تابعت صُنع كعكتها،وتحدثت عَلية حيث كانت تفتح باب موقِد الخبز وتُخرج منه إحدي صَوَانِي كعكة البرتقال:
-السِت ثُريا عملت صنيتين بالبرتقال،وصنيتين بالشيكولاتة علشان الأولاد
أسرعت هدي وقامت بوضع حاملاً للسخونة وقامت عَلية بوضع الصينية عليه،أما مُنى فتحدثت بنبرة حماسية وهي تنظر إلي تلك الكعكةِ الساخنةُ بلونها الوردي ورائحتها الشهية التي تسيل لعاب كل من يشتم لرائحتها الذكية:
-تسلم ايدك يا ست ثُريا،الكيكة شكلها يفتح النِفس
أردفت بإبتسامة حنون لتحثها علي تذوقها:
-طب يلا قطعيها ودوقي كدة وقولي لي رأيك
إبتسمت العاملة خجلاً وتحدثت علي استحياء:
-ما يصحش يا سِت هانم
وأنا بقول لك قطعي يلا ودوقي…كلمات نطقتها بنبرة رحيمة حين رأت إشتهاء الفتاة للكعكة ثم استرسلت وهي تنظر إلي عَلية:
-قطعي إنتِ ووزعي علي البنات يا عَلية
إعترضت تلك العَلية فتطوعت مليكة التي أردفت بإبتسامة هادئة:
-أنا اللي هقطعها يا ماما
أردف مروان قاصداً بحديثهُ والدته وهو ينسحب إلي الخارج حاملاً شقيقتهُ:
-أنا هستناكم برة أنا ومِسك يا ماما
تمام يا حبيبي…نطقتها بعيناي ممتنة ثم بدأت بتقطيع الكعكة ووضع بعضاً منها داخل الصحون التي أحضرتها هدي ووزعت علي ثلاثتهم ومن ثم لأطفالها ولها وثريا التي إنتهت من صنع ما بيدها وقامت عَلية بوضعها بموقد الخبز وانتقل الجميع حيث جلسوا بالخارج وبدأو يتناولون كعكتهم بتشهي والإثناء علي مذاقها المُميز
أردف مروان ممتدحاً جدتهُ:
-تسلم إيدك يا نانا،الكيك تُحفة
نظرت لنسخة فقيدها الغالي التي تتشكل وتتأكد يوماً بعد الآخر وتُسعد رؤية ملامحهُ قلبها وتجعلهُ يُحلق بالسماء،وتحدثت بنبرة تفيضُ من شدة الحنان:
-بألف هنا يا قلبك يا حبيبي
إبتسم لها الصغير تحت نظراتها الحنون التي تشملهُ بها،قطع تركيزها حديث مليكة التي نطقتهُ علي استحياء:
-ماما،أنا بعد إذنك عزمت ظابط الحراسة بتاع أيسل عندنا هنا بكرة علي الغدا
واسترسلت موضحة بتلبُك:
-كان موصل أيسل ووقف يسلم عليا فعزمته يدخل يشرب قهوته مع حضرتك،إعتذر بمنتهي الذوق وقال إن مامته مستنياه علشان يتغدا معاها،فاتحرجت وقُلت بما إن بكرة أجازة المولد النبوي الشريف فعزمته علي الغدا
عقبت ثُريا بنبرة هادئة:
-خير ما عملتي يا بنتي
سألتها مستفسرة بترقُب:
-يعني حضرتك مش متضايقة؟!
قطبت جبينها وعقبت متعجبة:
-أتضايق!
واستطردت بايضاح:
-أتضايق ليه يا بنتي،ده بيتك وبيت أولادك ومن حقك تعزمي فيه أي حد في أي وقت
متشكرة يا ماما…نطقتها بعيناي ممتنة فأردفت الاخري مستفهمة:
-بلغتي ياسين وقُولتي له؟
أجابتها بهدوء لتيقُنها بتقبلهُ للأمر ببساطة:
-لسة يا ماما،هو كلمني وأنا عند الباشا وكان لسة في الشغل
واستطردت بإعلام:
-هروح أتمشي شوية علي البحر ولما ييجي هكون رجعت وأبقي اتكلم معاه وأبلغه
وافقتها الرأي وانسحبت مليكة بعدما تركت لها الصغيرة بصحبة مروان وأنس
❈-❈-❈
أما عز فقد ذهب إلي ليزا وساندرا بصحبة مُنى التي أخذت معها إحدي كعكات الشيكولاتة للصغيرتان بناءاً علي طلب ذاك العز كي يظهر بشكلٍ لائق أمام الفتاتين حتي ينال إعجابهما به
جلس بأرضية البهو بصُحبة الصغيرتان اللتان كانتا تتناولتان من الكعكة بشهية مفتوحة تحت نظرات عز ومنال وطارق وچيچي وعمر الجالسون بمقاعدهم ينظرون علي الصغار بسعادة ويتناولون أيضاً من كعكة الصغير
نظر علي ساندرا وسألها مستفسراً باهتمام:
-عجبتك الشوكلت كيك يا ساندرا؟
بنبرة رقيقة أجابتهُ تلك الراقية:
-حلوة قوي يا عزو
أجابها بانتشاء:
-أنا اللي خليت نانا ثُريا تعملها،قولت لها ساندرا طارق بتحبها
إبتسمت إليه وتحدثت بنبرة رقيقة تليقُ بها:
-ميرسي يا عزو
إتسعت عيناي طارق الذي هتف بنبرة مذهولة:
-إنتَ يَلا قاعد تُشقط البنت قدامي ولا عامل لوجودي أي حساب؟
أطلق عز ضحكاتهُ التي وصلت حد القهقهة وتلاهُ الجميع في حين رفع الصغير بصرهُ وسأل عمهُ مستفسراً:
-يعني إيه تُقشط يا عمو؟
بنبرة ساخرة أجابهُ طارق:
-تُقشط ده إيه يا روح عمو؟
واسترسل مصححاً:
-إسمها تُشقط يا حبيبي؟
قطب جبينهُ وسألهُ من جديد:
-يعني إيه بقي؟
أردف عز موضحاً لحفيدهُ المحبب لديه بمراوغة:
-عمو يقصد إنك باشا وملكش زي
واسترسل مادحاً إياه بدُعابة:
-إستمر يا حبيب جدو،مستقبلك باهر زي أبوك إن شاء الله
ميرسي ياجدو…نطقها بترفُع وهو يتبسم بخفوت مما جعل طارق يجن جنونهُ ويهتف بحِنقٍ مفتعل:
-شوف الواد وغروره،إبن ياسين هينقطني يا باشا
ضحكت چيچي وتحدثت إلي زوجها:
-ما تسيب الولد علي حريته يا طارق،طب والله دمه زي العسل
أردفت منال وهي تنظر إلي الصغير وتشملهُ بعيناي حنون:
-عز أكتر حد من ولاد ياسين يشبهه وهو صغير
ثم حولت بصرها إلي عز وسألتهْ بإبتسامة هادئة:
-فاكر ياسين وهو صُغير يا عز؟
إبتسم بهدوء وعيناي لامعة ببريق الماضي والحنين إليه:
-طبعاً فاكر يا منال،وكان لمض وشايف نفسه زي إبنه كدة بالظبط
واستطرد بإيضاح:
-بس الشهادة لله أول ما طارق إتولد ياسين إتغير وكأنه إتحول لواحد تاني،بقي بياخد باله من أخوه ومستحيل كان حد يزعله في وجود ياسين،ولما كبر شوية إتحول لأب لإخواته مش بس أخوهم الكبير
تنهدت منال وأردفت بتذكُر:
-طول عمره راجل وسند لكل اللي حواليه،إتحمل مسؤلية إخواته مع بباه ومعايا من وهو عنده عشر سنين
واستطردت وهي تنظر إلي عمر الذي يستمع إلي والديه بتمعن شديد:
-بس عمر أنا اللي ربيته لوحدي
واسترسلت بإبانة:
-بباه كان إترقي لـ عقيد وقتها ووقته كله كان مشغول،وياسين كان دخل الكلية الحربية وانشغل فيها
إبتسم عز لسردها للذكريات في حين تحدث عمر متمنياً بنبرة حزينة:
-ده من سوء حظي يا ماما
تنهدت بأسي حين علمت مخزي كلماته وتيقنت صحتها،هي من افرطت بدلاله وأفسدته بكثرة الأموال التي كانت تنثرها عليه
أما الصغير الذي كان منشغلاً باللهو مع تلك الجميلتان،فابتسم متفاخراً بحاله بعدما سألتهُ تلك الليزا قائلة وهى تُشير إلي شكل المنزل بعدما قامت بصنعه من المكعبات:
-عزو،هو كدة أنا عملت البيت صح؟
إبتسم برضا ثم تحدث بتفاخر:
-طبعاً صح يا ليزا
واستطرد بمُبَاهَاة بحالهُ:
-مش أنا اللي علمتك
إبتسمت الصغيرة وهزت رأسها بموافقة فتحدثت ساندرا باعلام:
-أنا كمان عملته معاها يا عزو
نظر عليها وتحدث معقباً:
-برافوا عليكِ يا ساندرا
نظرت ليزا علي والدها وسألته مستفسرة وهي تُشير للفافة ساقها بتملُل وضيق:
-بابي،هو أنتَ مش قلت لي إنك هتشيل القشرة الرخمة دي علشان بتضايقني
أومأ لها بإبتسامة وأردف مطمأناً إياها:
-حاضر يا قلبي،هنروح بكرة المستشفي وهخلي الدكتور يشيلها لك
صفقت الصغيرة واردفت بوجهٍ مُتهلل:
-وهتاخدني معاك الشغل زي ما وعدتني؟
تحرك إليها وقام بحملها وسار بها إلي المقعد ثم تحدث بنبرة حنون بعدما قبل وجنتها:
-أكيد يا ليزا،ومش بس الشُغل اللي هنروحه مع بعض،أنا هوديكي مدينة الملاهي ونروح محل الألعاب وتختاري منه كل اللي يعجبك
تهلل وجه عز وتنهد بارتياح عندما وجد نجلهُ قد تحمل مسؤلية صغيرتهُ وباتت علاقتهُ بها طبيعية كأي أب وابنته، وسعد داخل طارق وچيچي
أما منال فسألته مستفسرة:
-هو الكسر لحق يلم يا عُمر؟!
أجابها طارق نيابةً عن شقيقه:
-الكسر بسيط جداً يا ماما،والدكتور قال تلات أسابيع بالكتير وهيعمل لها إشعة ويفك الجبس بعدها
أومأت منال وتحدث عز بهدوء:
-إن شاءالله خير
إحتضن عُمر صغيرتهُ التي إبتسمت له وباتت تتمسح برأسها علي صدرهِ بدلالٍ أسعدهُ وشعر أنها باتت تتعلق به كما تعلقت روحهُ بها،شعر وكأنها عوضاً من الله عن تجربتهُ المريرة التي خرج منها مدمر الكيانِ
❈-❈-❈
تحركت في طريقها إلي البحر وابتعدت حتي وصلت لمكانها المعتاد لتمتع نظرها بغروب الشمس حيثُ تعشق رؤيتهُ،مزيجاً لا متناهي من الجمال ترصدهُ بعيناها أثناء تعانق لون الشمس الذهبي مع زرقة البحر الصافية لترسم أجمل لوحة فنية يمكن للعينُ أن تراها
إلتفت بجسدها لتقابل البحر وباتت تتأمل صفائهُ وتراقب غروب الشمس في مظهراً خلاباً حبس أنفاسها من شدة جمالهُ،دائماً ما كان يُشعرها منظر إنعكاس أشعة الشمس فوق سطح البحر بالسكينةِ والهدوء،وكأنهما حبيبان يتعانقان ويتهامسان بأعذب الكلماتِ
منظراً ترِقُ به المشاعر وتلينُ لهُ القلوبَ ويسحر العيون ويبثُ داخل الروح السكينةُ والطمأنينة
أغمضت عيناها ورفعت أنفها للأعلي وبدأت تتنفسُ بإنتظام،كم كان لرائحة اليود أثر السِحرُ علي تحسين مزاجها العام،باتت تأخذ شهيقاً وتزفرهُ بهدوء وترتيب حتي شعرت بتحسُن حالتها المِزاجية
إنتفض جسدها بارتعاب وشعرت بذعر إستمر لثواني فقط حينما شعرت بوقوف أحدهم خلفها وعلي عُجالة قام بلف ذراعيه حول خصرها وضمها محتضناً إياها،أُزيل ذاك الشعور بغضون دقائق بعدما اشتمت رائحتهُ التي تحفظها عن ظهر قلب،إبتسم ومال علي اذنها وهمس:
-إتخضيتي؟
نفساً عميقاً أخرجته وأردفت برقة وهي تضع كفاها باحتواء كفاه المحاطين لخصرها:
-شوية بس في الأول،لكن لما ريحتك وصلتني علي طول إطمنت
تنهد براحة ومال علي وجنتها واضعاً قُبلة حنون، ثم انتصب بوقفته وبات ينظر علي البحر مع إحتفاظهِ باحتضانه لحبيبته
سألته باهتمام حبيبة:
-اتغديت؟
عقب مُبتسماً علي سهوها:
-لحقتي تنسي بالسرعة دي!
واسترسل مذكراً إياها:
-هو أنا مش قايل لك في التليفون إن سيادة الرئيس بعت جاب لنا غدا لما لقي الإجتماع طول
حولت وجهها إليه وابتسمت برقة وعقبت وهي تنظر داخل مقلتيه بوله:
-هو أنتَ خليت فيا عقل افتكر بيه حاجة غيرك
ما تيجي نروح…نطقها وهو يغمز لها بإحدي عيناه بوقاحه فضحكت وتحدثت بدلال:
-وبعدين معاك يا ياسين
واسترسلت وهي تنظر للأمام من جديد:
-خلينا نستمتع بمنظر الغروب وبعدين نبقي نروح
صمتا قليلاً وباتا ينظران لروعة الغروب بعيون مبتهجة مع تشديد ضمتهِ الحنون لها،قطعت صمتهما الهادئ وتحدثت وهي تتطلع إليه من جديد:
-بالمناسبة يا ياسين،أنا عزمت الرائد كارم على الغدا بكرة عندنا
ضيق عيناه ونظر لها بعدم إستيعاب لما نطقت به للتو،سألها مستفسراً بتعجُب:
-كارم مين ده اللي عزمتيه؟!
بنبرة حماسية أجابتهُ بايضاح:
-الرائد كارم يا حبيبي،الحارس الشخصي بتاع أيسل
علي عُجالة هتف مستفسراً:
-وشفتيه فين الرائد زفت علشان تعزميه؟!
قال جملتهُ وفك وثاق ذراعيه من حول خصرها ثم ابتعد تاركاً إياها ووقف مُقابلاً لها منتظراً لإجابتها علي أحر من الجمر وهو ينظر لها بملامح وجه حادة،بنبرة هادئة أجابتهُ بإبانة رغم تعجبها من طريقتهُ المتهكمة:
-شفته لما كنت خارجة من عند الباشا وهو كان موصل سيلا،عزمته يدخل يشرب فنجان قهوة مع ماما علشان يتعرف عليها،إعتذر وقال إن مامته مستنياه على الغداء
ثم رفعت منكبيها واسترسلت مبررةً لتصرفها الأحمق:
-مش عارفة ليه حسيت إني إتحرجت،ولقيتني بعزمه على الغداء
واستطردت لإعلامه:
-على فكرة يا حبيبي،أنا قلت لماما ثُريا وهي ما عندهاش مانع.
إشتعلت عيناه غضباً وهتف متهكماً:
-آه،ده أنا طلعت الطرطور آخر من يعلم
وضع كفاه داخل بنطاله واستطرد سائلاً إياها بنبرة ساخرة:
-طب ممكن الهانم تتكرم وتقول لي إيه اللي مطلوب مني؟!
شعرت بحزن تسلل داخلها وأردفت مستفهمة بنبرة خجولة أصابتها بفضل تهكمهُ عليها وتقليلهُ من شأنها بتلك الطريقةِ المهينة:
-هو فيه إيه يا ياسين؟!
إنتَ ليه كبرت الموضوع بالشكل ده
واستطردت مستفهمة بنبرة حزينة:
-ومالك كدة بتكلمني وكأني إرتبكت جُرم؟!
رمقها بنظرات حارقة ولو كانت النظرات تقتل لأنتهي أمرها،هتف بحِنقٍ بَيِنّ أظهر كم الغضب الذي أصابهُ حينما استمع الى حديثها الذي أشعل جسده بنار غيرته العمياء علي من ملكت الفؤاد واستحوذت علي كُلِ ياسين
ثم أخرج يداه ورفعهما في الهواء وهو يهتف مستكملاً وصلة تهكُمهُ الغاضب عليها:
-جُرم إيه لا سمح الله يا مدام،فيها إيه يعني لما الهانم قررت وعزمت الراجل علي الغدا،وقالت لماما ثريا وماما ثريا ما عندهاش أي مانع
واستطرد بنظرات حادة ألمتها:
-وبعد كُل ده جاية تبلغ المغفل اللي متجوزاه لا ومستغربة كمان إنه متضايق؟
ثم صرخ متسائلاً بعيناي تشتعلُ ناراً بفضل غيرتهُ العمياء:
-هو المفروض أفرح لما أعرف إن مراتي وقفت مع راجل غريب واتكلمت معاه والكلام طال لدرجة إنها عزمته علي الغدا؟!
اغرورقت عيناها وتلألأتِ الدُّموعُ داخل مقلتيها جراء حِدتهُ وتهكماته عليها بجانب تشكيكهُ بأخلاقها،تحاملت علي حالها وبصعوبة أخرجت صوتها المختنق بفضل دموعها الحبيسة:
-من فضلك يا ياسين تحاسب على كلامك
وبعيناي لائمة استطردت بايضاح:
-والمفروض يا سيادة العميد تكون ثقتك في مراتك أكتر من كدة دي أول حاجة،الحاجة التانية أنا ما وقفتش واتكلمت مع سيادة الرائد لوحدنا لا سمح الله،أيسل كانت موجودة معانا وتقدر تسألها علي الكلام اللي دار بينا بالظبط
رمقها بنظرة حارقة توحي إلي رفضه التام لفهمها الخاطئ لحديثهُ وصاح رافضاً:
-لا ده إنتِ إتجننتي رسمي،إنتِ فاكرة إني ممكن أشك في أخلاقك أو فيكِ؟!
هتفت متسائلة بنبرة حادة:
-أُمال عاوزني أفهم إيه من كلامك يا سيادة العميد؟
واستطردت بصوتٍ حاد بعدما إستدعت قواها للرد علي إهاناته:
-علي العموم أنا أسفة،بس مش ليك،أسفة لنفسي لأني حطيتها في موقف سخيف واتدخلت في حكاية ما تخصنيش
واسترسلت ساخرة:
-قال وأنا من غبائي كُنت فاكرة نفسي بعمل حاجة كويسة وهتبسطك،غبائي صور لي إنك هتفرح لما أعزم الراجل ونكرمه في بيتنا ونعبر له عن إمتنانا ليه في إنه بيحمي بنتنا وواخد باله منها
واكملت مؤكدة:
-بس طلعت فعلاً غبية وغلطانة وأستاهل كل الكلام اللي سمعته منك وأكتر كمان،وأوعدك الغلطة دي مش هتتكرر تاني.
مسح على وجهه بقوةٍ وهو يحاول السيطرة علي حالة الغضب التي إجتاحت جسدهِ بالكامل،وبرغم محاولاته إلا انه أردف بنبرة حادة لم بستطع كظمها:
-نيتك وكلامك مش مبرر في إنك تعزميه من غير ما تبلغيني يا مليكة
واستطرد بعدم إستيعاب لتصرفها العجيب والطارئ علي شخصيتها:
-ده أنتِ حتي مافكرتيش في إني ممكن أكون مرتبط بمواعيد ومش هقدر أكون موجود في البيت؟!
مطت شفتاها وتحدثت بلامبالاة:
-ما أنا قُلت لك إني أسفة يا ياسين،مش فاهمة إيه اللي مطلوب مني أعمله تاني؟!
واسترسلت بنبرة متألمة اظهرت كم الإنزعاج الذي أصابها:
-ولو علي العزومة فـ الموضوع بسيط،إتفضل حالاً إتصل بيه واعتذر له،قول له إن عندك شغل وإني مكنتش أعرف
هز رأسهُ بضيق ثم أردف رافضاً إقتراحها:
-وإنتِ بقي شايفة إن الموضوع يتحل بالبساطة دي؟
زفرت بضيق وهتفت بنبرة حانقة بينت وصولها للمنتهي:
-والله أنا قُلت لك اللي عندي والكورة أصبحت في ملعبك،شوف اللي يريحك وأعمله بس ياريت بعيد عني،لأن الموضوع أخد أكبر من حجمه وأنا فعلاً ندمانة
بعد إذنك…نطقتها بتملُل ثم استدارت مغادرة دون انتظارها لتعقيبهُ مما جعله يستشيط،صاح يناديها من بين أسنانه لتنتظر:
-إستني عندك يا مدام،إحنا لسة ماخلصناش كلامنا علشان تسبيني وتمشي
بالنسبة لي الكلام خلص لحد هنا يا سيادة العميد…نطقتها بنبرة حادة دون أن تكلف حالها عناء النظر إليه وانطلقت بطريقها عائدة إلي المنزل
❈-❈-❈
داخل مدينة أسوان الساحرة حيث العراقة والأصل والقلوب الطيبة وبشاشة الوجوه،
كان كل من حسن سليم يسرا إبتسام ورؤوف وسارة يجلسون في حديقة المنزل الصغيرة المملوكة للمهندس حسن المغربي،يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم ويتسامرون بالكثير من الود وهم يتناولون بعض التسالي والحلوي والمشروبات والتي تدلُ علي جود تلك الإبتسام وكرمها الزائد
تحدث حسن بحنين لشقيقتهُ الغالية:
-ياريت لو ثُريا وافقت تيجي معاكم،علي الأقل كانت فكت شوية عن نفسها وغيرت جو
عقبت يُسرا علي تمني خالها:
-والله قعدت اتحايل عليها كتير يا خالو،بس إنتَ عارف ماما،ما بتتحركش خطوة واحدة من غير مروان وأنس
واسترسلت بشجن ملئ جُل صوتها:
-ما أنتَ عارف إن روحها بقت متعلقة فيهم من بعد موت رائف الله يرحمه
الله يرحمه…نطق بها الجميع بوجوه حزينة،فسألها رؤوف مستفسراً:
-طب وهي ليه عمتي ما جابتهمش معاها؟
أجابته يُسرا بايضاح:
-ما كانش هينفع يا رؤوف علشان الدراسة
واسترسلت بإبانة:
-ده غير إن عمتك مش هينفع تسيب مليكة مع مِسك لوحدها،وعز كمان متعلق جداً بيها ومش بينام غير في حضنها،وأكيد ياسين ماكانش هيسيبه ييجي هنا معاها
أستكمل حديثها زوجها سليم حيثُ تحدث بهدوء:
-هي قالت لي إنها هتيجي هي ومليكة والاولاد في الأجازة إن شاء الله يا باشمهندس،نرمين وأولادها كمان هييجوا معاها
إن شاء الله…نطقها حسن وأردفت إبتسام بنبرة ودودة ووجهٍ بشوش:
-هينوروا أسوان كلها ويشرفوها زي ما شرفتونا إنتوا كمان يا باشمهندس
بنبرة شاكرة حادثها بإحترام:
-أشكرك يا مدام إبتسام،ده من ذوق وكرم أخلاق حضرتك
وجه حسن سؤالاً مداعباً به سليم صديقهُ بالعمل بالماضي:
-أخبار الشغل في مينا إسكندريه إيه يا باشمهندس؟
بابتسامة هادئة عقب صديقهُ:
-كله تمام يا باشمهندس،ماشي الحال الحمد لله
تحدث إليه حسن من جديد:
-خلاص إنتَ كدة يا هندسة،نسيت ناس أسوان وشُغل أسوان وشكلك إرتحت هناك ومش ناوي ترجع هنا تاني
أردف سليم بنبرة مليئة بالحنين لماضي يحن لهُ من الحين للأخر:
-اللي يزور أسوان مرة ويشوف ناسها الطيبين ما يقدرش ينساهم
واستطرد بتأكيد:
-فما بالك بقي باللي يعيش فيها ويعاشر ناسها،أسوان وناسها في القلب يا باشمهندس
هتف رؤوف معاتباً إياه بلُطف:
-طب ولما أسوان وناسها عاجبينك قوي كدة سبتنا وبعدت ليه يا باسمهندس؟
اسوان في القلب يا رؤوف…نطقها بحنين ثم حول بصره الى زوجته التي تجاورهُ الجلوس وامسك يدها ثم تحدث بفكاهة:
-بس علي رأي المثل،سألوا جحا وقالوا له بلدك فين يا جُحا،قال لهم اللي فيها مراتي،وأنا خلاص اخترت بلد مرات
أطلق الجميع ضحكاتهم في حين تحدثت ابتسام بحنين لما مضي:
-والله كانت أحلى أيام اللي عشتوها معانا هنا يا باشمهندس،كُنا متونسين بيكم وماليين علينا الدنيا
ثم إلتفتت إلى رؤوف علي عُجالة وكأنها تذكرت شيئً وتحدثت مشاكستاً اياه تحت ضحكات الجميع:
-إوعي إنتَ كمان تعمل زي الباشمهندس سليم وتسيبني بعد ما ربيتك وتروح تعيش في إسكندرية وتقول بلدي اللي فيها مراتي
ضحك الجميع في حين اجابها رؤوف بتفاخر بحاله وهو ينظر إليها:
-من الناحية دي إطمني علي الآخر يا ست الكل
واستطرد بإبتسامة واسعة:
-أنا عاشق لتراب أسوان زي الباشمهندس حسن بالظبط وما اقدرش علي بعدك
ثم استطرد وهو ينظر إلي سارة:
-وبعدين أنا مراتي هي اللي لازم تكون تبع بلد جوزها مش العكس،ولا إيه يا سارة؟
إبتسمت باسْتِحْياء وقامت بتوجيه نظرها إلي إبتسام ثم تحدثت بصوتٍ خفيض يرجع إلي خجلها:
-إطمني يا طنط،أنا بحب أسوان جداً وبعشق هدوئها وبساطة ناسها
بمشاكسة لإبنتها تحدثت يُسرا:
-الوقت إسكندرية بقت وحشة يا سِت سارة،ولا علشان سي رؤوف تقومي تبيعي بلدك اللي إتربيتي فيها؟
إبتسمت وضحك الجميع عليها وتسائلت يُسرا زوجها:
-إسلام وياسر وعلي إتأخروا يا سليم،ما تتصل بيهم وقول لهم ييجوا وكفاية كدة
أجابها ليُطمئن قلبها:
-خليهم علي راحتهم يا حبيبتي،الدنيا هنا أمان
عقبت بتأكيد إبتسام:
-ما تقلقيش عليهم يا يُسرا،وزي ما الباشمهندس قال لك الدنيا هنا أمان وما فيش خوف عليهم،وبعدين لسه بدري،دي الساعة لسة ما جتش ثمانية.
أومت برأسها وتابع الجميع حديثهم اللطيف
❈-❈-❈
عوده الى ياسين الذي ما زال واقفا أمام شاطئ البحر،مازال جسدهُ مشتعلاً من حديث تلك التي اوصلته لحالة من الجنون بعفويتها،أغمض عيناه وبدأ يأخذ شهيقاً طويلاً ويُزفرهُ بهدوء كي يهدئ من حالة الغضب،بالفعل بدأ يهدئ وبات يسترجع كلماته مع زوجته،إكتشف كم كان حاداً معها وردة فعلهِ عنيفة
نظر الى البحر وبقوه أخرج زفرة توحي إلى إستشاطت داخلهُ،بدأ يكرر عملية الشهيق والزفير كي يهدئ من حاله ويخرج الغضب الذي ملأ صدره
أخرج هاتفه الجوال من داخل جيب بنطاله وهاتف الرائد كارم وأكد علي عزيمة زوجتهُ له،ثم أغلق معهُ وتوجه مباشرةً إلي زوجته،دخل من باب الجناح يتطلعُ عليها لكنهُ لم يجدها،إلتفت إلي باب الحمام وجد إضائتهُ شاعلة فتأكد من وجودها بالداخل،جلس علي طرف الفراش ينتظر خروجها الذي طال،لم يستطع الإنتظار أكثر فتوجه إلي الباب وقام بالطرق عليه بضعة طرقات ثم فتح الباب عندما لم يستمع إلي صوتاً لها
دار بعيناه باحثاً عنها حتي إستقر بصرهِ علي المغطس،حيثُ كانت تتمدد تحت الماء وفقاعات الصابون تطفو وتُخفي كامل جسدها،حزن داخلهُ وتألم عندما رأي جموداً بوجهها مُزِجَ بالحُزن ﻭلمح ﺩﻣﻌﺔ ﺗﻨﺴﺎﺏ ﻣﻦ عيناها الحمراويتان، جففتها بكفها سريعاً كي لا يري ضعفها
تحمحم كي يُجلي صوتهُ ثم تحدث بنبرة هادئة:
-مليكة،إحنا محتاجين نتكلم شوية علشان أوضح لك اللبس اللي حصل بينا
لم تعيرهُ عناء النظر إليه وتحدثت بنبرة شديدة اللهجة أظهرت كم إحتدامها:
-وإنت بقي شايف إن ده مكان مناسب للكلام يا سيادة العميد؟!
أومأ لها وتحدث وهو يستعد للإنسحاب إلي الخارج:
-هستناكِ برة علي ما تخلصي
قالها وأنسحب واغلق خلفه الباب،تنهدت بأسي ومن جديد إنسابت دموعها بألم جراء إهاناتها التي تلقتها علي يده مُنذُ القليل
كان يجلس علي طرف الفراش منتظراً خروجها علي أحر من الجمر كي يسترضاها ويجعلها تغفر له خطأهُ الغير متعمد بحقها،بعد مرور حوالي الربع ساعة خرجت من الحمام متجهة إلي غرفة تبديل الملابس،وخرجت بعد إرتدائها لثوباً مُحتشماً يغطي كامل جسدها،
وقف سريعاً وتحرك إليها وتحدث وهو يُشير إلي الأريكة خاصتهم:
-تعالي نقعد علشان نعرف نتكلم
تحركت وبالفعل جلست وتحدث وهو يُمسك كف يدها ويرفعهُ إلي فمه واضعاً فوقهُ قُبلة إعتذار وتحدث بملامح أسفة:
-أنا أسف يا حبيبي،مكانش لازم إحتد عليكِ في الكلام بالشكل ده
واستطرد موضحاً:
-كان لازم أفهمك غلطك بهدوء
تاني هتقول لي غلطي يا ياسين؟…نطقتها بنظرات حزينة عاتبة،فأردف بنبرة جادة:
-آه غلطك يا مليكة،إنتِ فعلاً غلطي لما عزمتي الراجل من غير ما تاخدي رأيي
واستطرد بنبرة صارمة:
-إنتِ مش بس غلطتي،إنتِ تعديتي الإصول اللي عُمرك ما تعديتيها طول سنين جوازنا
إبتلعت لعابها خجلاً وتحدثت بعدما تمعنت بحديثهُ وتيقنت صحتهُ:
-النقطة دي إنتَ معاك حق فيها
واسترسلت بنبرة حزينة:
-أنا أسفة واوعدك الغلطة دي مش هتتكرر تاني
ثم استرسلت بقوة وكأنها تحولت لإمرأة أخري:
-بس ده ما يمنعش إنك غلطت فيا وشكيت في أخلاقي وده اللي مش هقبله أبداً لا منك ولا من غيرك
ﺗﺠﻬﻤﺖ ﻣﻼﻣﺤﻪ ﻭﺍﻋﺘﻼﻩ ﺍﻟﻐﻀﺐ ثم هتف من بين أسنانه عقب إستماعه لحديثها الجنوني والغير مقبول لدي عقله:
-مليكة،إتلمي وخدي لك ساتر في الكلام علشان ما طلعش جناني عليكِ
واستطرد موضحاً:
-أنا عمري ما خطر علي بالي إني أشك في أخلاقك،وثقتي فيكِ ملهاش حدود
هتفت متسائلة بحدة:
-وتسمي كلامك اللي قولتهُ لي ده إيه يا ياسين؟
علي عُجالة هتف بعيناي تشتعلُ بفضل غيرة عشقها:
-كلامي ناتج عن غيرتي وجنوني علي حبيبتي اللي بموت فيها مش أكثر
وبنبرة تفيضُ عِشقاً أسترسل وهو ينظر بمقلتيها:
-أنا أموت قبل ما أشك فيكِ يا مليكة
وضعت يدها علي فمه سريعاً لتمنعهُ تكملة الجملة وهتفت بنبرة مرتعبة:
-بعد الشر عنك يا حبيبي
إبتسم واعتلت ملامحهُ الراحة وسألها بنبرة حنون:
-يعني خلاص سامحتي ياسين؟
بإبتسامة حنون أجابتهْ:
-أنا روحي فدا ياسين
واسترسلت برجاء:
-بس أرجوك ما تعملش كدة تاني
تسلم لي روح حبيب جوزه…نطقها تحت إبتسامتها السعيدة،إقترب عليها وقام بإحتضانها وتحدث وهو يتنفس بانتشاء:
-إوعي تزعلي مني أبداً يا مليكة،والله لو تعرفي مقامك وغلاوتك عندي عمرك ما تزعلي مني
لفت ساعديها حول عنقه وشددت من ضمته لصدرها تحت حبورهُ الشديد،تحدث بإعلام:
-علي فكرة،أنا كلمت الرائد كارم وأكدت عليه عزومة بكرة
مجنون…نطقتها باستسلام فأجابها وهو يشدد من إحتضانهُ لها:
-مجنون بحُبك.
أتي المساء
وعندما يأتي المساءُ لابد أن يجلب معهُ ما ينشغل بهِ سواء القلبُ أو العقلِ،فهو لا يأتي بمفردهُ بَتَاتاً،دائماً ما يأتي معهُ بما يشغلُ بالنا لنتوه وسط حواديتهُ التي لا تنتهي
أما بالنسبةِ لتلك القابعةُ علي تختها،فتعودت عليه مؤخراً بأن يأتي مصطحباً معهُ أحزانها وأنينِ روحها المتوجعةُ جراء رحيل غاليتها،أما مساء اليوم فيختلفُ كُلياً عن كل ما سبقوه،فقد أتي بالحيرة والمشاعر المتضاربة التي لم تستوعبها تلك البريئةِ بَعد
كانت تتمدد فوق تختها ناظرة بسقف غرفتها،شاردة في ذاك الذي بدأ يستولي علي حيزاً من تفكيرها،تنهدت بهدوء ثم سحبت جسدها لأعلي وأسندتهُ علي خلفية تختها،ربعت ساقيها ومالت بجسدها بإتجاه الكومود وقامت بالتقاط جهاز الحاسوب الخاص بها وحركت مؤشر البحث حتي استقرت علي صفحة ذاك الفارس الرسمية علي أحد مواقع التواصل الإجتماعي
باتت تسحب الشاشة وهي تنظر إلي محتوي ما يتم مشاركتهُ من قِبلهِ،وفجأةً توقفت يدها عندما رأت صورةً له،حيثُ يقف بطولهُ الفارع وينظر للأمام بإبتسامة رائعة جذبتها،دون إدراكٍ منها خرجت إبتسامة حنون زينت ثغرها الذي كاد أن ينسي الإبتساماتِ،بتمعُن شديد باتت تُركز علي تفاصيل ملامح وجههُ الرجولية
كبرت حجم الصورة وباتت تنظر إليها بتركيز وتتعمق النظر بعيناه،إكتشفت أنها باللونِ العسلي،إبتسمت ودون وعي وضعت يدها علي شاشة الحاسوب وباتت تتحسس موضع شفتاه الغليظة بأصابع يدها الرقيقة
ضيقت عيناها تستغرب سلوكها ذاك والذي لا يُشبهها بتاتاً،هزت رأسها وسحبت يدها سريعاً مُستنكرة تصرفها
تنفست بضيق وقامت بغلق ذاك الحاسوب وألقت برأسها إلي الخلف،إبتسمت بخُبث عندما أتتها فكرة تهاتف بها ذاك الكارم دون أن تُمس كرامتها،اعتدلت سريعاً والتقطت هاتفها الجوال وضغطت علي نقش إسمهْ وانتظرت الإجابة بقلبٍ يخفقُ بشِدة
كان يقف داخل شُرفة غرفته الخاصة المُطلة علي شارع عام مزدحم بالسيارت المارة،استمع إلي رنين هاتفه الموضوع فوق تختهِ بالداخل،تحرك إليه ورفعهُ لمستوي وجهه وما أن رأي نقش إسمها حتي قطب جبينهُ متعجباً،فهي لا تهاتفهُ إلا وهي داخل الحرم الجامعي لتخبرهُ كي يستعد،ضغط زِر الإجابة وتحدث بنبرة جادة:
-أهلاً يا دكتورة
تسارعت وتيرة دقات قلبها فور إستماعها لنبرة صوتهُ الرجولية وما شعرت بحالها إلا وهي تُجيبهُ بنبرة رقيقة خرجت دون إدراكها:
-أهلاً بيك يا حضرة الرائد
ضيق عيناه وابعد الهاتف سريعاً وبات ينظر علي إسم المتصل بتمعُن ليتأكد من تلك النبرة الجديدة عليه،فـ أيسل التي تعود عليها مُنذ أن إستلم مُهمة حمايتها تمتلكُ صوتاً حاداً من يستمع إليه وهي تهاتفهُ يتأكد أنها مُجبره علي محادثتهُ،لوي فاههُ متعجباً ثم أعاد الهاتف إلي أذنه من جديد وسألها مستفسراً:
-خير يا دكتورة؟
إستشاط داخلها جراء إستماعها لسؤالهُ السخيف وبلحظة انقلب حالها من هائمة إلي غاضبة وتحدثت بنبرتها التي تعود عليها ذاك الوسيم:
-هو سؤال وعاوزاك تجاوبني عليه بمنتهى الصراحة
إبتسم لتحولها السريع إلي طريقتها الحادة والتي بات يحفظها عن ظهر قلب،تحدث بنبرة باردة أثارت حفيظتها:
-أنا سامعك
هتفت بنبره حادة:
-ممكن أعرف كنت تقصد ايه بالكلام اللي قُلته لطنط مليكة؟
ضيق عيناه مستغرباً حديثها،عن أي حديث تتحدث تلك الغاضبة،وبلحظة تذكر نظرتها الحادة التي رمقتهُ بها أثناء ما كان يتحدث عن مِسك ووصفها بأنها تُشبه تلك الراقية،لكنهُ لم يرد كشف أوراقهُ أمام تلك الحانقة وقرر اللعب معها كي يستدعي غضبها أكثر،فقد أعجبهُ تلك الشراسة التي تُحادثهُ بها وأراد أن يستدعي المزيد كي يتسلي بها قليلاً،وأردف مُستفهماً بخباثة:
-ممكن توضحي أكثر
واستطرد بإبتسامة ماكرة ارتسمت فوق شفتاه:
-أنا ومدام مليكة إتكلمنا في كذا موضوع وحقيقي مش فاهم تقصدي أي جُزئية من كلامنا
إشتعل داخلها من إسلوبهُ المستفز،تعلم مدي فطانته ولذا فهي أكيدة من داخلها أنه يفهم مغزي حديثها،هتفت بحِنقٍ أظهر كم غضبها:
-أنا متأكدة إن حضرتك عارف قصدي كويس قوي
واستطردت بايضاح تحت ضحكاتهِ التي يكظمها كي لا تصلها:
-ومع ذلك أنا هقول لك،أنا بتكلم عن اللي قولته عن مِسك أختي،لما قُلت إنها تشبه مامتها في خفة الدم والقبول
عقب مصححاً حديثها بنبرة جادة:
-أولاً أنا ما قولتش خفة الدم،أنا قولت عندها قبول ومرحة،ودي حقيقة لمستها في إسلوب مدام مليكة في الكام مرة اللي حالفني الحظ وقابلتها فيهم
واستطرد متسائلاً بتعجُب تحت إشتعالها من حديثهُ عن مليكة بذاك الإنبهار:
-هو اللي أنا مش قادر أفهمه بصراحة،إنتِ إيه اللي زعلك وزعجك من الكلام بالشكل ده؟!
هتفت نافية بلهجة حادة:
-ومين اللي قال لك إن أنا زعلانة من كلامك ليها،خالص علي فكرة
واستطردت بإبانة:
-أنا اللي ضايقني يا أستاذ إنك كنت بتلقح عليا وعاوز توصل لي إني دمي تقيل ومعنديش قبول
غضب من إسلوبها وهاتفها بنفس الحِدة كي تعي علي حالها وتتراجع عن طريقتها التي تستفز داخلهُ كرجل شرقي لديهِ من الكرامة وعزة النفس ما لا يجعلهُ يقبل علي حاله أن تُحادثهُ إحداهُن بتلك الفظاظة:
-أولاً أنا مش أستاذ،أنا سيادة الرائد كارم المعداوي
واستطرد بنبرة صارمة:
-ثانياً ياريت تسحبي وفوراً كلمة بتلقح،لأن التلقيح وصف حريمي وخسيس وما ينطبقش علي شخصي،وثالثاً وده الأهم يا دكتورة،أنا لو حابب أوصل لك حاجة مش هستخبي ورا الكلام زي النسوان،أنا هقف قدامك وهقوله في وشك ومفيش حاجة هتوقفني
هتفت متهكمة عليه:
-في دي بقي معاك حق،إنتَ فعلاً بجح وعملتها معايا قبل كدة
بنبرة متعجبة سألها باستغراب:
-طب ولما سيادتك متأكدة وعارفة إني عملتها قبل كدة،كان لزمته إيه إتهامك ليا؟!
واستطرد باتهام معنفاً أياها:
-ولا إنتِ من النوع اللي ما بيرتحش إلا لما تهيني الناس اللي حواليكي وتعامليهم بطريقة ما تليقش بيهم؟
واسترسل مستشهداً:
-زي معاملتك لمدام مليكة النهاردة مثلاً
واسترسل ناقداً:
-بصراحة إستغربتها ومحبتهاش أبداً
إحتدت ملامحها واشتعل قلبها وهتفت بنبرة حادة لحساسية ذاك الموضوع لديها:
-تعرف إيه إنتَ عن علاقتي بمرات بابا علشان تتهمني إن معاملتي ليها كانت مُهينة
وبنبرة حادة صاحت به:
-ثم أنتَ مين أصلاً علشان تكلمني بالطريقة دي، ومين إداك الحق في إنك تحاسبني وتنتقد أفعالي؟
بسرعة بديهة أجابها قالباً الأدوار:
-اللي إداني الحق هو نفسه اللي إدي لسيادتك الحق تكلميني في وقت زي ده وتتهميني إني شخص خبيث وبلقح بالكلام عليكِ زي النسوان
تحولت عيونها الزرقاء الصافيةُ إلي غامقة وكأنها سحابةٍ كستها غيمة،انكمشت ملامحها بفضل الألم الذي أصاب قلبها الحزين جراء كلماتهِ الهجومية والمُهينةُ لها،تجمعت الدموع بعيناها واردفت بنبرة خافتة يملؤها الندم:
-عندك حق،أنا اللي غلطانة
واسترسلت بنبرات مختنقة بفضل دموعها السجينة والتي تصرخ وتريد من يُطلق لها السراح:
-أنا أسفة
قالت كلماتها وعلي الفور أغلقت الهاتف تحت ضيق ذاك الذي زفر بضيق لائماً حالهُ للمرة الثانية علي التوالي لمعاملتهُ الجافة لتلك التي لا يعلم إن كانت قوية شامخة سليطة اللسان،أم انها تلك الضعيفةُ سريعة البكاء والإستسلام!
حقاً هو لم يفهمها بعد،لكن جُل ما يسيطر علي تفكيرهُ الأن،هو لوم حاله وحزن قلبه جراء حزنها الذي لمسهُ أثناء صوتها المختنق بفضل الدموع وهذا ما جعلهُ يشعر بالإستياء من حاله
عودة إلي تلك التي أغلقت معهُ ورمت رأسها فوق وسادتها وأجهشت ببكاءٍ مرير يقطّع نياط القلب،شعرت بغصة مُرة تقف بحلقها مانعة عنها الهواء وتكادُ تزهق بروحها،لامت حالها وشعرت بألم تغلغل بكيانها،متي وكيف أصبحت بكل ذاك السوء؟!
هي لم تكن يوماً هكذا،تذكرت كيف حولها حقدها علي مليكة إلي مسخ ومُنذ أن سلمت حالها للشيطان لم تعُد روحها النقية كما السابق وتلوثت حتي باتت تعادي الجميع وتضع حواجز بينها وبين جميع البشر،حتي هي لم تعد تتعرف علي حالها
كم كانت تتمني وجود سارة بذاك التوقيت كي تشتكي لها همها وتشاركها أحزانها،لكنهُ سوء حظها الملازم لها مؤخراً
بحثت عن حالها داخل حالها فلم تجدها،إستسلمت لألامها وباتت تزرفُ الدموع بألم وحزن لم تضاهي مثلهُ يوماً
لم تحزن منه بقدر حزنها من حالها،ضلت تبكي وتبكي وبالأخير غفت بدموعها المتألمة
❈-❈-❈
ظهر اليوم التالي
خرج كارم من حجرته الخاصة مرتدياً ثياباً عصرية عبارة عن بنطال چينز من اللون الأزرق الفاتح يعتليه تيشيرت باللون الأبيض مع تصفيفهِ لشعره وارتدائهُ نظارة شمسية جعلتهُ وسيماً للغاية
تصادف خروجهُ مع خروج بثينة من المطبخ حيث تفحصتهْ بعناية شديدة وتحدثت بمشاكسة:
-إية الشياكة دي كلها يا سيادة الرائد،اللي يشوفك وإنتَ متشيك كدة يفتكرك رايح تخطب مش معزوم على الغدا
أبتسم إلي والدتهُ وتحدث بمفاخرة مفتعلة:
-ماتنكريش إن الشياكة دايماً عنوان إبنك يا بُسبُس
إبتسمت إليه ثم تحدثت بجدية:
-ما قولتليش هتاخد إيه معاك وإنتَ رايح
علبة شيكولاته أكيد…نطقها بلامبالاة وتلقائية فتحدثت هي باعتراض:
-شيكولاتة إيه اللي هتدخل بيها علي الناس يوم مولد النبي يا ابني!
واستطردت بتوجيه:
-هات لهم علبة حلاوة غالية من محل شيك
ضيق عيناه بتفكُر ثم أومأ وأردف بموافقة:
-تمام يا حبيبتي،سلام أنا بقي علشان ما اتأخرش
قبل رأسها بتوقير وتحدثت هي بنبرة حنون:
-خلي بالك من نفسك يا حبيبي
بعد قليل كان يقف داخل أحد المحال الكبري المشهورة ببيع تلك الحلوي،إنتقي عُلبة خشبية أنيقة تحتوي علي أفخم أنواع الحلوي وأغلاهم ثمناً تقديراً لياسين وأسرته،حملها وتحرك إلي الخارج، قام بوضعها داخل السيارة وكاد أن يستقلها لولا رؤيتهُ للمتجر المجاور لمحل الحلوي والذي لفت إنتباههُ تلك العرائس المعروضة عبر الفاترينا الخاصة بواجهة المتجر
طرأت علي مخيلته فكرة خبيثة يمكنهُ من خلالها إبداء الندم والإعتذار من تلك الأيسل دون أن يضطر للإعتذار المباشر ويكفيهِ شر الحرج،إبتسم وتحرك إلي المتجر
❈-❈-❈
كانت تقبع داخل فراشها بجسدٍ مُرْهَقاً ووجهٍ ذابل جراء ليلتها التي قضتها بدموعها،إستمعت إلي دقات فوق الباب ثم دخل والدها وتحرك إليها مستفسراً:
-قاعدة لوحدك ليه يا حبيبتي؟
اجابتهُ بملامح وجه حزينة:
-مكسلة شوية يا بابا
سألها علي استحياء كي يستطلع رأيها:
-مليكة قالت لي إنها عزمتك علي الغدا مع الرائد كارم وإنتِ وافقتي
إنتفض داخلها جراء ذكر حروف إسمه وابتلعت لعابها،وبلحظة حاولت التماسك كي لا يلحظ والدها إرتباكها،وتحدثت معتذرة بنبرة هادئة:
-أنا فعلاً قلت لها إني هاجي
واستطردت باعتراض بعد حزنها من ذاك الكارم:
-لكن حاسة إني تعبانة ومش قادرة
مفيش حاجة إسمها مش قادرة،قومي إلبسي وهبعت لك حمزة يجيبك…نطقها وهب واقفاً ثم أمسك يدها ليحثها علي النهوض،وقفت وابتسمت له،إستدار وكاد أن يخرج أوقفتهُ بصوتها وهي تناديه:
-بابي
إلتف إليها من جديد وبدون مقدمات تحدثت:
-أنا عاوزة أرجع أتابع جلسات الدكتور بانتظام
تنهد براحة وتحدث بنبرة حنون وعيناي متأملة:
-حاضر يا حبيبتي،هكلم الدكتور وأخليه يحدد لك جلسة ونروح له بالليل انا وإنتِ.
أومأت له مع تنهيدة حارة خرجت من صدرها،تحدث وهو ينسحب إلي الخارج:
-يلا جهزي نفسك وأنا هبعت لك حمزة بعد نص ساعة
بعد مرور النصف ساعة،كانت تقف أمام مرأة زينتها تتطلع علي حالها باستحسان وكامل الرضا بعدما وضعت بعض الزينة البسيطة بوجهها،فحقاً كانت جميلة بل فاتنة رغم عدم تكلفها بوضع مساحيق التجميل
ارتدت بنطالاً من الچينز الواسع يعتليه سترة ضيقة ومن فوقهُ بليزر باللون البيج الفاتح،وحجاباً رقيق وبسيط بنفس لون البليزر،وحذاء رياضي باللون ذاته فأصبحت حقاً حسناء
واثناء تطلعها علي حالها إستمعت إلي طرقات فوق الباب،سمحت للطارق بالدخول فدخل حمزة الذي شهق بإعجاب وهو ينظر الى شقيقتهُ بانبهارٍ وتحدث:
-وااااو يا سيلا،إيه يا بنتي الجمال والأناقة دي كلها
إبتسمت له وتحدثت بغرور مصطنع:
-دي أقل حاجة عندي يا بيبي
غمز لها بإحدي عيناه وأردف مشاكساً شقيقته:
-طب يلا بينا يا ست المغرورة علشان إتأخرنا والراجل خلاص علي وصول
يلا بينا…قالتها بإبتسامة سعيدة وتأبطت زراع شقيقها وتحركوا متوجهان إلى منزل ثريا،دخلت من البوابه بجوار شقيقها وجدت ثُريا تجلس بصحبة ياسين وأطفال المنزل يبدوا أنهم ينتظرون الضيف كي يكونوا في إستقباله
وما أن رأها والدها حتى تهلل وجهه وتحدث إليها مُنبهراً:
-إيه الجمال ده كله يا سيلا؟
إبتسمت له وتحدثت بحبور:
-ميرسي يا بابي
وأردفت أيضاً ثريا باستحسان:
-زي القمر يا أيسل،ربنا يحميكِ يا حبيبتي
اقتربت على ثريا ثم مالت عليها بطولها وقامت بتقبيل وجنتيها وتحدثت بنبرة حنون:
-ميرسي يا نانا
إقترب منها مروان الذي تحدث بمشاكسة:
-ممكن أتعرف
بايخ قوي حضرتك…نطقتها وهي تهز رأسها بمداعبة فأطلقا ضحكاتهما،قطع ضحكاتهما خروج مليكة وهي تحمل صغيرتها بعد أن أبدلت لها ثيابها وكانت أشبه بأميرات الحكايات بثوبها الواسعُ القصير
تحرك حمزة وحمل عنها شقيقته التي ما أن رأت وجههُ البشوش حتي باتت بالمناغاة والثرثرة التي لا يفهما سواها،بدأ الأخر بمداعبتها وتقبيلها
اقتربت من زوجها الذي وقف لإستقبالها وبدأ يتطلع عليها بإنبهار لجمالها الخلاب الذي دائماً ما يخطف لُبهُ،تحدث إليها هامساً:
-إيه السِحر ده كله يا حبيبي
إبتسمت له وشكرته بامتنان وعيناي عاشقة،ثم نظرت إلى أيسل وتحدثت بنبرة هادئة وشبه رسمية ويرجع ذلك لتيقنها رفض أيسل الشديد للتقرب منها:
-ازيك يا أيسل
هزت الفتاه رأسها بايماءة بسيطة وتحدثت بنبرة جادة:
-الحمد لله
واثناء حديثهما وصل كارم بسيارته التي اصطفها أمام المنزل،إصطفت بجانب والدها ووجهت بصرها إلي البوابة وما أن رأتهُ يطل عليها حتي أصاب جسدها رعشة قوية وبات قلبها يدق بقوة كطبول حربٍ
كان يدلف من البوابة حاملاً بين ذراعية عروستان من العرائس المعروف عنها الإحتفال بالمولد النبوي الشريف،إحداهم ترتدي ثوباً باللون الوردي هادئ وجميل وغير متكلف إختارها خصيصاً للصغيرة
والأخري ترتدي ثوب زفاف منفوش باللون الأبيض وحقاً كانت مبهرة إختارها لتلك المتمردة،يليهِ حارس البوابة حاملاً بين يديه صندوقاً خشبياً ملئ بالحلوي الخاصة بالإحتفال بالمولد النبوي
ضيق ياسين عيناه متعجباً من ما يحملهُ ذاك الكارم،ثم تحدث إلي مروان الذي يجاورهُ الوقوف:
-قابل سيادة الرائد وشيل عنه يا مروان
أومأ باحترام وتحدث قبل أن يتحرك إلي ذاك الزائر:
-حاضر يا عمو.
مال علي أذن مليكة الواقفة بجانبه وتحدث متهمكاً:
-هو إيه اللي جايبة معاه المغفل ده كمان،هو فاكر نفسه جاي يقرأ فاتحة بروح أمه؟!
همست مليكة بترجي:
-إهدي يا ياسين وعدي اليوم علشان خاطري
رمقها بنظرات مبهمة ثم نظر أمامهُ يتابع ذاك الكارم
وصل مروان إلي كارم وقام بالترحيب به ثم حمل عنه إحدي العرائس وجاوره الخطوات حتي وصلا إلي ياسين الذي رحب بكارم قائلاً بحفاوة وابتسامة هادئة رسمها ببراعة بعد أن جنب غيظهُ منه:
-أهلاً يا سيادة الرائد،نورتنا
أجابه بتوقير لشخصه:
-متشكر لذوق سعادتك يا باشا
نظر ياسين إلي زوجة عمه وأشار بكفه لتقديمها إليه:
-ثُريا هانم المغربي،مرات عمي أحمد الله يرحمه وأمي التانية
إبتسمت ثُريا ونظرت إلي ياسين بحنان أما كارم فمد يدهُ كي يصافحها وتحدث بلباقة وتوقير:
-زادني شرف بمعرفة جنابك يا افندم
بابتسامتها البشوش المعهودة عقبت باحترام:
-العفو يا سيادة الرائد،شرفتنا
ثم استطردت وهي تنظر إلي ما بيده:
-تعبت نفسك ليه بس يا ابني
بهدوء عقب:
-دي حاجة بسيطة حضرتك بمناسبة المولد النبوي،كل سنة وحضرتك طيبة
قدم له ياسين مروان وحمزة وانس وعز الصغير ثم تحدث بإبتسامة قاصداً مليكة وأيسل التي تجاور والدها بقلب يدق بضرباتٍ سريعة:
-مش محتاج أعرفك علي الباقي أكيد.
أومأ له ونظر إلي مليكة وأمال بجانب رأسهِ وتحدث موقراً إياها:
-إزي حضرتك يا مدام مليكة
أجابته:
-الحمدلله يا سيادة الرائد،شرفتنا
بدهاء منه حول بصرهِ إلي حمزة واقترب من وقفته وقام بتقديم العروسة ذات الرداء الوردي والتي إحتفظ بها بيده وتحدث إلي مِسك وهو يُقبل وجنتها الرقيقة:
-كُل سنة وإنتِ طيبة يا مِسك.
ضحكات متتالية خرجت من الصغيرة التي باتت تلوح بكفاها لتمسك بها الدمية بحفاوة أسعدت الجميع
وبمنتهي المكر تحرك إلي مروان وتناول عنه الدمية الأخري والتي كانت ترتدي ثوباً أبيضاً كثوب عروس بليلة زفافها،ثم تحرك إلى أيسل وبسط لها ذراعيه بالأخري وتحدث بنبرة جادة:
-كل سنة وإنتِ طيبة يا دكتورة
مدت يداها لتتلقي هديتهُ ثم رفعت عيناها لتلتقي بعيناه لينتفضُ قلبها بعنفٍ ورجفة قوية أصابت جسدها التي إرتفعت حرارتهُ وكأن سهم عيناه المنطلق أصاب قلبها وقُضي الأمر
بلحظة مُحي كل حزنها الذي أصابها بفضل حديثهُ المهين ليلة الأمس،حمحمت لتُجلي صوتها وبصعوبة أخرجتهُ ونطقت:
-ميرسي يا سيادة الرائد
إرتبك من نظراتها ونبرة صوتها الحنون حيثُ شعر برجفة بسيطة بداخل قلبه علي أثرها،علي عُجالة حول بصره إلي ياسين خشيةً إغضابه وجدهُ بالفعل رافعاُ حاجبهُ مستغرباً ما يحدث وأردف مبرراً في محاولة منه لإظهار الصورة كطبيعية ولإبعاد الشُبهة عنه:
-أنا لقيت إنه مايصحش أجيب لبنت حضرتك الصغيرة وما اجيبش للدكتوره بما إنهم الإتنين بنات حضرتك
واستطرد موقراً إياه:
-ده طبعاً بعد إذن جنابك
إرتبكت مليكة عندما رأت تجهم ملامح ياسين الذي تحدث بنبرة في ظاهرها الهدوء عكس ما يدور بداخلهُ من تساؤلاتٍ عدة واستفسارات:
-ولا يهمك يا كارم،وبعدين الدكتورة أيسل زي أختك الصغيرة
طبعاً يا باشا…نطقها برصانة تحت إستشاطة أيسل من حديث أبيها الذي أصابها بالضيق
تحدثت ثُريا وهي تُشير للضيف بكفها للداخل:
-إتفضل يا ابني
امال رأسهُ باحترام وتحركوا جميعاً إلي الداخل عدي تلك العاشقة الصغيرة التي نظرت إلي هديتهُ وبدون إدراك وجدت حالها تضمها إلي صدرها،وبلحظة شعرت بإنها إمتلكت العالم بأسره من مجرد هدية بسيطة قدمها لها
تنهدت براحة ثم أخذت نفساً عميقاً تهدي بهِ فوران قلبها ودقاتهُ العالية،ثم تحركت لتلحق بهم كي لا يلحظ أحداً إرتباكها
بعد قليل كان الجميع يلتفون حول سُفرة الطعام المُشرفة والتي وجدت عليها أصنافاً عديدة من الاطعمة المنوعة والتي توحي علي كرم ساكني هذا المنزل
ترأس ياسين الطاولة وجاورهُ كارم علي الأيمن وتلاهُ حمزة، وعلي الأيسر من المفترض أن تجاور مليكة زوجها حيثُ أشار لها لتجلس،لكنها نظرت إلي أيسل ولمست إصابتها بالضجر وحدث هذا لسببان،أولهما هو جلوس مليكة والفصل بينها وبين أبيها
والسبب الأهم والتي باتت شبه أكيدة منه هو بداية مولد شرارة لعِشقٍ رأتها بفطانتها بعيناي تلك المتمردة حيثُ فضحتها عيناها،فأرادت بدهاء أن تصيدُ عصفورين بحجرٍ واحد،وبمنتهي الدهاء تحدثت إليها ببشاشة وجه:
-إقعدي إنتِ جنب بابا يا أيسل
مجرد لحظة وتحول ضجرها إلي حبُورٍ شديد ظهر بَيِنّ علي ملامح وجهها والتي لم تستطع حجب سعادتها مما لاحظهُ ياسين وتعجب لأمرها
نظرت أيسل إلي مليكة وتحدثت وهي تتأهب لسحب المقعد لمجاورة والدها:
-ميرسي
تعجب الجميع من تغيير إسلوب أيسل مع مليكة وانسحبت مليكة لتجاور ثريا التي ترأست الطاولة من الجهة الأخري وجاورها مروان وأنس
أما عز والصغيرة مِسك فضلا بالأعلي بصحبة المربية الخاصة بهما حتي حين إنتهاء وجبة الغداء كي لا يحدثوا فوضي في حضور الزائر
إعتدلت أيسل بجلوسها ثم تنفست بانتشاء وراحة لم تتذوقهما مُنذُ البعيد،نظرت علي استحياء إلي الذي سلبها لُبها،وجدتهُ ينظر داخل صحنهِ باحترام
تحدثت ثُريا إلي كارم:
-يلا يا حضرة الظابط بسم الله،دوق عمايل إدينا وقول لي رأيك
علي استحياء نظر إليها وتحدث بمنتهي الرُقي:
-يا افندم الكتاب بيبان من عنوانه،والأكل ماشاء الله شكله لوحده يفتح النِفس
واسترسل وهو ينظر إلي صحن ورق العنب المزين من الأعلي بشرائح اللحم الحمراء والليمون:
-ده كفاية شكل ورق العنب
إبتسمت وتحدثت إلي حمزة:
-قرب ورق العنب من حضرة الظابط وحط له منه في طبقه يا حمزة
حاضر يا تيتا…نطقها الفتي وبدأ بوضع بعضاً منه في حين تحدث ياسين إلي كارم لعلمه عشق الآخر لتلك الوجبة والتي تعني له الكثير:
-معمول لك بناءاً علي التوصية ورق العنب بشرايح الموزة ده علي فكرة
إبتسم لسيدهُ وشكره فاسترسل ياسين وهو يُشير إليه بنبرة صادقة:
-بالهنا والشفا يا كارم
غرس شوكتهُ بأحد أصابع ورق العنب وتذوقهُ وبات يمضغهُ باستمتاع ظهر عليه إنتظر حتي إبتلع الطعام وتحدث إلي ثُريا منبهراً باشادة:
-لو قلت لحضرتك إن ده أطعم والذ ورق عنب أكلته في حياتي صدقيني مش هكون ببالع
واستطرد شاكراً:
-تسلم إيد حضرتك
عقبت ببشاشة وجهها:
-بألف هنا علي قلبك،بس للأمانة ورق العنب مش أنا اللي عملاه
واسترسلت وهي تنظر إلي مليكة باطراء:
-طاجن ورق العنب بالموزة تخصص مدام مليكة، أما الحمام المحشي والبط والممبار فدول أنا اللي عملاهم
أردف بتوقير:
-هو الحقيقية الأكل كله هايل وبجد تسلم إيد حضرتك
وتحدث إلي مليكة دون النظر إلي وجهها بعدما لاحظ غيرة ياسين وقرر النأي بحاله من براثن ذاك المفترس:
-تسلم إيدك يا افندم
أومأت بهدوء وشكرته لتجنب غضب حبيبها الغيور،نظرت أيسل إلي كارم وسألته بمشاكسة:
-شكلك بتحب الأكل قوي يا حضرة الرائد مع إنه مايبانش عليك
أجابها بإيضاح:
-انا مرتب جداً في حياتي وأحب كل حاجة في حياتي تتعمل علي أكمل وجه،حتي الأكل لازم أتذوقه وأستطعمه ويعجبني علشان أقدر أكله
واستطرد مفسراً:
-ولو معجبنيش مستحيل أكمل طبقي لو حتي هموت من الجوع،وللأسف ده مسبب لي مشاكل في أي مكان بروحه،علشان كدة بتجنب العزومات وبقلل من الخروجات اللي تخص الأكل علي قد ما بقدر
كانت تستمع له بشغف،ضحك ياسين وتحدث باستفهام مشاكساً به تلميذهُ النجيب:
-إوعي يكون ده السبب في إنك فسخت خطوبتك الاخيرة
كانت كلمات والدها أشبه بمادة قابلة للإشتعال حيث نزلت علي قلبها المولع بعشقه فأصابتهُ بشرارة تحولت بلحظات إلي إشتعالاً شديد،
حدثت حالها بجنون:
-هل كان لديه خطيبة؟
أكان بينهما قصةِ عشق؟أم انها مجرد خطيبة طُرحت عليه من أحدهم؟
إبتسم بخفة وتحدث بإبانة:
-علشان أكون صادق في كلامي ده كان واحد من الأسباب، ده غير الأسباب اللي ذكرتها لجنابك قبل كدة
بطريقة حادة استرسلت حديث النفس مرة أخري:
-ما هي تلك الأسباب،إنطق واسردها أيها الخائن لعشقي الذي لم يولد ويخرج إلي النورِ بعد
أردفت ثريا بتعقل مدافعة عن الفتيات الصغيرات وتفكيرهُن:
-ما هي لازم أكلها ما يعجبكش في الأول يا ابني،ما تنساش إنها لسة بتتعلم وواحدة واحدة نفسها في الأكل هيتظبط
أجابها بجدية:
-فهمتيني غلط حضرتك،هي أصلاً ما بتدخلش المطبخ نهائي برغم إنها خلصت دراستها وما بتشتغلش،هي رافضة موضوع شغل الست في بيتها من الأساس،عاوزة شغالة وده حقها مش هنكر، لكن اللي مش مقبول ولا منطقي بالنسبة لي هو إني أعيش علي الدليفري
واسترسل بإبانة:
-ده وصل بيها الامر إنها إشترطت عليا هتقفل المطبخ وتعمله بيت للكلبة بتاعتها بحجة إن سيادتها مابتحبش ريحة الطبخ في البيت
اردف ياسين بمداعبة:
-وانا اللي كنت مستغرب إنك فسخت بعد تلات شهور بس،ده أنتَ كدة طولت يا ابني
هز رأسهُ بإبتسامة خافتة، أما ثريا فتحدثت بتريث:
-بعض بنات اليومين دول واخدين فكرة غلط عن الجواز وده للأسف بيرجع للأم،لازم الأم تفهم البنت إن الجواز عبارة عن شركة ولازم تتأسس صح ويشتغلوا عليها الطرفين علشان تنجح،
إنتبه الجميع لكلامها الحكيم حتي أيسل التي إستمعت بتمعن شديد فاسترسلت ثريا:
-من حق الست تلاقي الحب والتقدير والإحترام من شريك حياتها اللي سابت أهلها واستغنت عن نظام حياتها كلها علشانه،وحق الراجل كمان إنه يرجع بيته بعد يوم طويل يلاقي وش بيضحك قدامه ينسيه هموم اليوم،واكله حلوة تحسسه بطعم البيت وما تخلهوش يحس إنه فقد الاحتواء والدفا وهو بيسيب بيت أمه علشان يأسس بيته الجديد
أردف كارم باستحسان منبهراً بحصافة تلك الثريا:
-الله عليكي يا افندم،بجد احترمت دماغ حضرتك جداً وياريت كل البنات يفهموا كدة
عقبت علي حديثهُ:
-الحمدلله إحنا بناتنا عاقلين ومفهمينهم يعني إيه بيت وأسرة،سارة بنت بنتي الكبيرة مخطوبة حالياً وبدأنا ندخلها المطبخ والحمدلله بقت شاطرة إلي حدٍ ما
ونقلت بصرها علي أيسل وتحدثت بإبتسامة حنون:
-والدكتورة أيسل أنا بنفسي اللي هعلمها لما تتخطب إن شاءالله
كادت ان تُدمع عيناها من كلمات تلك الحنون وتحدثت إليها بنبرة متأثرة:
-حبيبتي إنتِ يا نانا
شعر بحالة من السعادة تغزو قلبه لما لا يدري، كان يريد أن ينظر عليها ويتأمل ملامح وجهها لكنه لم يرد إختراق حرمة واحترام المنزل والرجل الذي أمن له ودعاهُ للدخول إلي منزله وسط عائلته
لف ياسين ذراعهُ حول كتف إبنته وقبل رأسها وتحدث وهو يضمها لصدره تحت سعادة مدللة أبيها:
-أيسل دي قلب ابوها من جوة وجوهرتي اللي لا يمكن افرط فيها أبداً
إشتدت سعادتها وضمت والدها فتحدث حمزة مشاكساً شقيقته:
-هو حضرتك ناوي تخليها تقعد في وشنا علي طول ولا إيه
ضحك الجميع وبدأوا بتناول الطعام مع سردهم لبعض الأحاديث اللطيفة تحت سعادة أيسل التي تخطت عنان السماء وخصوصاً بعدما رأتهُ من إهتمام الجميع بها
إنتهي اليوم بسلام ورحل كارم بعد تناوله قدحاً من القهوة بصحبة الجميع،سعد بالجمع وأحاديثهم المسمرة التي كانت الغذاء لروحهُ وعقله، ضلت أيسل وحمزة بالداخل
عندما حل المساء
كانت تتمشي داخل الحديقة حاملة إبنتها فوق صدرها في محاولة منها لتهدأتها ومساعدتها علي الشروع في نومٍ هادئ، وجدت من تخرج باب المنزل وتقترب عليها وهي تحمل عروستها علي صدرها وتحتويها بذراعيها كمن يحتوي أثمن أشيائهُ،وقفت قبالتها وبدون مقدمات تحدثت بملامح وجه جادة:
-هو أنا ممكن أطلب منك طلب
ضيقت مليكة عيناها باستغراب وتحدثت مُرحبة:
-أكيد طبعاً
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)