روايات

رواية قلوب حائرة الفصل الثاني والستون 62 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل الثاني والستون 62 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت الثاني والستون

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني والستون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة الثانية والستون

🦋 الفصل الحادي والعشرون 🦋
برضاكَ يا آسِرَ القَلبِ ومالكِهِ تَرُوقُ لي دُنْيايَ وكلَّ الصِعابِ تهونُ،فقط برضاكَ
خواطر ياسين المغربي
بقلمي روز أمين
صباح اليوم التالي
تقلب ياسين بفراشهِ بوجهٍ يبدوا عليه الراحة والإستمتاع، وكعادته كاد أن يتَمَطِّي أوقفهُ شعورهُ بحِملٍ ثقيل فوق ذراعه،وقبل أن يفتح عيناه تذكر ليلتهُ المُثيرة مع متيمة القلب وأسرة الروح تلك التي بمقدورها تغيير مِزاجهُ من سيئ إلي مُبْتَهجُ دون أدني مجهود منها،فقط بحضُورها تنقلب كل الموازين وتُبهَج حياتهُ،تدريجياً بدأ بفتح عيناه وهو ينظر لذاك الوجه الذي طالما إستمتع بالنظر إليه بلا مَلَل أو كَلَل،زادت إبتسامتهُ الصافيةُ حينما رأي علاماتُ الإسْتجُمامِ ترتسمُ فوق ملامحها السَاكنةُ وهي تغطُ بغفوتها واضعة رأسها فوق ذراعهْ بسلامٍ روحيّ
قرب وجههُ من خاصتها واضعاً قُبلة فوق أرنبة أنفها ثم قرب فمهْ بجانب أذنها وتحدث هامساً بصوتٍ أَجَشّ تأثُراً بنُعاسِه:
-حبيبي،إفتحي عيونك
إبتسامة رائعة إرتسمت فوق محياها زينته قبل أن تبدأ بتحريك أهدابها السمراء عدة مرات في محاولة منها للإستيقاظ وفَتحْ عيناها الناعسة بقوة،فهي لم تأخذ القسط الكافي من النوم بَعْد،بصعوبة بالغة فتحت عيناها ونظرت لأسر كيانها وتحدثت بصوتٍ مَبْحُوح:
-صباح الخير يا ياسين
صباح الفل علي كُل عُمر ياسين…نطقها مُبتهجاً واسترسل لعلمهِ عشق ثُريا لأطفال غاليها ومعاناتها في إبتعادهم عن مرْميّ عيناها:
-صباح الفُل،يلا يا حبيبي فَوقِي علشان نروح نفطر مع حماتي وناخد الولاد ونرجع بيتنا
واستطرد بتأكيد:
-عمتي أكيد قلقانة عليهم،وكمان عز تلاقيه عامل لمامتك صُداع وبيسأل عليكِ
أومأت بموافقة فاقترب منها وبات ينهلُ من شهد شفتاها ولم يكتفي،إبتعدا مُرغمان وتحركا معاً في طريقهم إلي الحمام وكادا أن يُرافقها للداخل لولا صوت رنين هاتفهُ الذي صدح بالمكان مُعلناً عن وصول مكالمة،طلب منها الدخول واجاب هو بجدية بعدما رأي نقش إسم رجلهُ عامر علي شاشة الهاتف:
-ياريت تكون جايب لي أخبار لها قيمة تحرك شُغلنا الواقف ده يا عامر
حصل معاليك…قالها بثقة واستطرد بنبرة حريصة لأهمية الموضوع ودقة خصوصيتهُ:
-الكلام مش هينفع علي التليفون،لازم سعادتك تيجي وتشوف الفيديو بنفسك لأن اللي هتسمعه هيذهلك
وافقهُ الرأي وأغلق مُتأملاً أن يجد ما يسرُ قلبه ويُريح عقلهُ المُنهك وينتهي من ذاك الكابوس قبل أن يتأذي أحداً من أحبابه وعائلته
قاما كلاهُما بالإغتسال وأرتداء ثيابهما وتحركا إلي الأسفل،بعد قليل كانت تجاورهُ الجلوس بالمقعد الأمامي لسيارته الخاصة واضعة كف يدها فوق وجنتها ناظرة عليه بعيناى تهيمُ عِشقاً،أما هو فكان يُتابع قيادة السيارة بحِرصٍ شديد وكُلما إطمئن لخلو الطريق من المركبات إسترق النظر إليها للحظات ليُمتع بصرهِ ويَظْفرْ بطلتِها البهيةُ التي تُدخل السرور علي قلبهِ الولهان
بطلة رائعة سألها مُبتسماً:
-بتبصي لي كدة ليه؟
أجابته بإبتسامة عريضة أظهرت كَمّ إستجمامها:
-مبسوطة بيك وإنتَ حنين عليا
واستطردت سائلة بمداعبة:
-فيها إيه لو تفضل هادى وحنين كدة علي طول
أخاف عليكِ من مَلَل التِكرار يا حبيبي…جُملة بمراوغة نطقها عقبت عليها مُتعجبة:
-لا والله؟!
واسترسلت مُتهكمة:
-شوف إزاي! قال وأنا اللي طول الوقت كُنت ظلماك وبقول عليك مُتحكِم ونِكدى،أتاريك طلعت مُضَحِي وبتنكد عليا لأسباب سامية.
هز رأسهِ بأسي مُصطنع وتحدث بفُكاهة:
-طول عُمرك وإنتِ ظالماني يا حياتي،
واستطرد بعيناي عاشقة:
-وبرغم ظُلمك ليا بموت في التُراب اللي حبيبي بيمشي عليه
تنهيدة طويلة خرجت بعيناي هائِمةُ من أعماق صدرها أسعدت ذاك العاشق الذي تابع القيادة حتي وصل تحت البناية المتواجد بها مسكن سالم عُثمان وصف سيارته جانباً ثم صعدا وتناولا إفطارهُما وسط تلك العائلة المترابطة والمُحبه لبعضها،وبعدها تحرك بأسرتهِ السعيدة وأعادهم إلي منزل ثُريا
تحرك من جديد إلي مقر عملهْ،جاور عامر جلوسهُ بأريكة مكتبهِ وأشعل الأخير جهاز الحاسوب وبدأ بمشاهدة الفيديو بكامل حواسه،إنتهي الفيديو فأعاد تشغيلهُ من جديد وقام بتسريعهُ حتي جاءت مقولة السيدة حين لمَحت عن إستحالة أذية عائلة المغربي للمار وذَكّرْتها بشئٍ ما،تحدث ياسين إلي رَجلهُ بإهتمام شديد:
-عاوز أعرف مين الست دي يا عامر
بثقة عالية عقب علي حديثهُ الأخر:
– حصل سعادتك،بعد ما خَرجت من المكان إمبارح خليت رجالتي إتحركوا وراها يراقبوها لحد ما وصلت لبيتها،بس طبعا من غير ما تحس بأي حاجة،وعِرفنا عنها بينات كتير نقدر نمسك بيها بداية الخيط اللي هنمشي وراه
واستطرد شارحاً:
-السِت طلعت عايشه هنا بس بتتردد كتير علي لندن
كان يستمع إليه بإهتمام شديد وتفكُر، ثم تحدث بنبرة عملية:
-لندن! تمام،إسمعني كويس يا عامر،تخلي رجالتنا اللي في شركة الإتصالات تجيب لنا سجل مكالماتها وتفرغوه كويس إنت والرجالة
ثم صمت لثواني واستطرد بتضييق عيناه:
-كلام السِت وهي بتقولها ما حدش هيقدر يلمش شعره منك أكد لي إن البنت دي حامية نفسها بحاجة مُهمة قوي وتخُص عيلة المغربي
بتفكر في حاجة معينة يا باشا؟…سؤال وجههُ له عامر بترقُب،أجابهُ ياسين بارتياب وهو يومى برأسه:
-فيه حاجة مُهمة قوي إفتكرتها ولازم نتحرك في إتجاهها في أسرع الاوقات
نظر أمامهُ في اللاشئ واستطرد بقسم وهو يجز علي أسنانه بغيظٍ شديد:
-لأن لو اللي في بالي طلع صح هتبقي كارثة،وساعتها قسماً برب العزة لأخليها تتمني الموت كل يوم هي والكلاب اللي وراها أياً كانوا هما مين
وبدأ يقصُ عليه بتَكَهُّن ما راود فِكرهِ
❈-❈-❈
بعد مُضِيّ ثلاثة أيام بصعوبة بالغة مَرت علي الجميع،عز المغربي الذي أُرغِم علي الإبتعاد عن من تُنير لهُ درب حياتهِ وتهون عليه مرارة الحياة وقساوتها،وياسين المُنقسم بين والدهُ وقلبهُ المُهشم وملامحهُ التي ذَبلت وتغيرت من مجرد ثلاثة أيام هُجران،وبين والدتهُ وكبريائها الذي تحطم أمام نجلها ومن سارت تعتبرها غريمتها،كبيرة حقاً وثقيلة عليها أن تُطلَق وتُهان من زوجها أمامهما،أما تلك البريئة صاحبة القلب الماسِي فقد تبدلَ حالها وأصبحت أكثر حُزناً وتعاسة وهي تري حبات عُقد عائلتها التي وصاها عليها أبيها قبل وفاته تنفرطُ حبةًُ تلو الأخري وهي واقفةُ مكتوفةِ الأيدي لا حول لها ولا قوة
رغم الحُزن الذي خيم علي الجميع إلا أن هذا اليوم كان مُميزاً حيث موعد حفل خُطبة سارة ورؤوف التي ستُقام داخل حديقة منزل رائف حيث أشرف ياسين علي جميع التجهيزات بمساعدة سليم بعدما إستأذن الأول عائلة والد سارة في إقامة الحفل داخل منزل ثُريا مراعتاً لظروف مرضها وايضاً لإتساع المكان وفخامته
كان يقف أمام مرأتهْ يضع لمساتهُ الأخيرة علي رابطة عُنقهِ،علي قدر الحُزن السَاكن بداخلهِ إلا أنهُ كان مُتحمساً لرؤية غاليتهُ ويغلبهُ إشتياقهُ وحنينهُ لها،نثر عطرهِ المميز بسخاء فوق ثيابهُ ثم وجه زُجاجة عطرهِ علي ذاك الذي يُجاورهُ الوقوف حيثُ رفعهُ جدهُ فوق المقعد كي يتساوي بوقفته معهُ مما جعلهُ يشعر بالبهجة،كان ينظر علي جدهِ بإنبهار فتحدث عز إليه وهو يُدلله:
-مين اللي هايحط من بيرفيوم جده حبيبه؟
عزو…نطقها سريعاً بحبُور مما أدخل السعادة علي قلب عز وبدأ بنثر العِطر عليهِ بسخاء،إبتسم الصغير وهو ينظُر إلي حلته السوداء وتلك البابيون بلونها النبيتي ويُقارنها بنظيرتها التي يرتديها جدهِ،حيث أتي عز بحِلة حفيدهُ نُسخةً مُصغرة من حلته وهتف بسعادة:
-شُفت عزو إزاي بقي شبهك يا جدو؟
غمز لهُ عز وتحدث بمداعبة:
-إنتَ مبسوط إنك بقيت شبهي؟
هز رأسهُ عدة مرات متتالية دلالة للتأكيد فتحدث عز بنبرة تحمل الكثير من الهموم وهو يتلمس بكفهِ شعر رأس الصغير بحِنو:
-ربنا يا أبني ما يجعل نصيبك زي نصيبي ولا تعيش الوجع اللي أنا عيشته،ويكتب لك السعادة مع اللي قلبك يختارها
إبتسم له ذاك اللطيف فقام بإنزاله من فوق المقعد وتحركا إلي مقر الحَفل بعدما تأكد عز من حضور الجميع
بنفس التوقيت،صعد ياسين إلي جناحهِ الخاص مع مليكة كي يطمئن عليها ويقوم بإصطحابها إلي الأسفل بعدما أحضر ليالي إلي الحفل،خطي بساقيه للداخل وبلحظة تسمر بوقفته عندما لمح تلك الجميلة الواقفة أمام مرأتها تتطلع علي حالها بعدما إنتهت من وضع اللمـ.ـسات الأخيرة من زينتها،كانت رائعة للغاية بثوبها الموڤ الذي خطفهُ من النظرة الأولي وكأنهُ صُنع خصِيصاً ليتزين بوضعهِ علي تلك الجميلة،وزينة وجهها الرقيقة التي بالكادُ تظهر،نظرت علي إنعكاس صورتهُ الظاهرة في مِرأتها وبنبرة صوت رقيقة تساءلت بإبتسامة صافية:
-واقف عندك كدة ليه يا حبيبي؟
أجابها بتركيز في عينيها:
-بمتع نظري بحُسن حبيبي اللي ربنا سبحانه وتعالي أبدع فيه
إبتسامة جذابة جعلتهُ بدون إدراك يسير بإتجاهها إلي أن وصل خلفها مباشرةً ثم حاوط خَصـرها بذراعاه وبات يتحـسس موضع إبنتهِ السَاكنة أحشـ.ـائها والتي يتشوقُ لرؤياها حد الجنون،ثم مال برأسهِ وقام بوضع وجههُ داخل تجويف عُنقها وتحدث وهو ينظر لإنعكاس عيناها بولهٍ:
-وبعدين في شقاوة مامي يا مِسك،أخرته إيه الجمال والسِحر والأصالة دي كُلها؟
إبتسمت برقة وهمـس هو متسائلاً إياها بعيناي متشوقة:
-هو انتِ عاوزة تجننيني يا مليكة؟
بدلال أنثوي أثـ.ـارهُ سألتهْ:
-عملت لك إيه أنا بس يا ياسين؟
بتحلوي كُل يوم عن اللي قبلُه بشكل مبالغ فيه يا قلب ياسين…هكذا أجابها بعيناي ولهة
برِقة وابتسامة لطيفة عَقبت:
-إنتَ اللي شايفني كدة علشان بتحبني،والمُحب دايماً بيشوف الكَمال في الحبيب
دفَن أنفهِ داخل تجويف عُنقها من جديد وأستنشق رائحتها بعُمق واستمتاع ثم تحدث بنبرة هائمة:
-أنا شايف حبيب جوزه كدة علشان هو فعلاً كدة
إبتسمت بدلال نال إستحسانهُ،وتحدثت بعيناي إمراة تهِيْمُ عِشقاً في غرامِ زوجها:
-تعرف يا ياسين،أنا كُل يوم بسأل نفسي،يا تري إيه الخِير اللي أنا عَملته في حياتي علشان ربنا يِرضي عني بالشكل ده ويُرزقني عِشقك
كقطراتٍ الندي الذي ينزِلُ فوق الزهور عِندما يشُقُ الصباحٍ ظلام الليل ليُعلن عن بزوغ فَجراً جديد،هبطت كلماتُها العَطرة فوق قلبهُ فأروتهْ وأنعَشت نبضاتهِ التي دقت بقوة لتُعلن عن شدة هنائهُ،بقلبٍ هائم وعيناي مُتلهفة عقب علي حديثها الذي أحيا فؤادهْ:
-السؤال ده أنا اللي بسأله لنفسي،هو إيه اللي أنا عملته أستاهل عليه عِشق وإمتلاك قلب مليكة؟
واسترسل بإيجاب وهو يُشدد من ضمتهِ لها:
-واللي قدرت أوصل له هو إنك مُكافأة ربنا ليا عن كُل حاجة كويسة عملتها في دُنيتي يا قلب حبيبك
أغمضت عيناها وأبتسامة رائعة عَلت ثغرها وهي تُلقي بثقل جَسدها لتستند علي ذاك المُتيم الواقف خلفها مما جعلهُ يشعُر وكأن روحهُ تُحلق في السماء فضمها بقوة أكثر،لفت إنتباههُ إرتدائها لساعة اليـ.ـد هَديتهُ لها،فاسترسل وهو يتحَسسها بكفهِ:
-هي ساعتي عجبتك لدرجة تلبسيها في حفلة مُهمة زي دي؟
أي حاجة بتقدمها لي بتأثرني مش بس بتعجبني يا ياسين…قالتها بعدما نظرت إلي إنعكاسهِ بعيناي إمرأة تهِيمُ عِشقاً بخاطف أنفاسها،مما جعل قلب ذاك المُتيم ينتفض ويثور عليه،لف ساعديه فوق صَـ.ـدرها وشدد أكثر من ضمتهْ وتقريبها إليه،ثم مال علي وجهها ووضع قُبلة بجانب شـ.ـفتها المُكتنزة أغمضت عيناها بنعومة علي أثرها
هَـ.ـمس بما جعل القشعريرة تسري بجَـ.ـسدها بالكامل:
-أنا بعشقك يا مليكة
واستطرد وهو يميل عيناه بنظرات مُترجيه:
-إوعي تبعديني عنك تاني،بتوجعيني ببُعدك يا نور عيني
رفعت كفها وتلمـ.ـست به ذقنهِ النابت ونظرت لإنعكاس صورتهُ في المرأة ثم أردفت بعيناى هائمة:
-لو بُعدي بيوجعك فبُعدك عني بيقتلني يا ياسين
إنتفض قلبهْ جراء إستماعه لنغماتها التي تخرُج من فاهها بهيئة كلمات،فاسترسلت بهيام:
-لما بتبعد عني بحِـ.ـس روحي بتنسحب مني،ماببقاش أنا يا حبيبي
ضمه شديدة واحتواء لروحها كان أبلغ رد منه علي كلماتها التي أروت عطش روحهُ واردف بهدوء قبل أن يفقد تماسكهُ أمام سِحرهَا العظيم:
-يلا يا حبيبي علشان ننزل،العيلة متجمعة من بدري والمعازيم كُلها حضرت ومستنيين خروج سارة
واسترسل وهو يغمز لها بإحدي عيناه:
-ولما الحفلة تخلص،نبقي نيجي نكمل وصلة غرامنا ونطبق كلامنا لعَملي
واسترسل وهو يُحركها داخل أحضانه بدلال:
-ما أنتِ عارفاني،بحب الفِعل،ماليش في الكلام أنا
إبتسمت بأنوثة اذابتهْ ثم أومأت له وأعتدلت تواجههُ فسـ.ـحبها وأسكنها لداخل أحضـ.ـانه لبعض الوقت كي يبثُ داخلها روح الطمأنينة ويغمُرها ببعضاً من الحنان،تحركا متجهين إلي الأسفل،خرجا من باب الڤيلا وتحركا إلي المنضدة الجالسة حولها ثُريا وسُهير ونُهي بصحبة إبتسام ووالدتها،سحب ياسين مقعداً وأجلس زوجته ثم رحب بنُهي وسُهير اللتان حضرتا للتو
مال بطولهُ الفارع علي سُهير ثم قام بوضع قُـ.ـبلة فوق وجنتها رأتها قسمة وانزعجت كثيراً لهذا المشهد الذي إستدعي أيضاً إستشاطة ليالي وداليدا حيثُ هتفت الأخيرة بنبرة ساخطة كي تستدعي غضب ليالي عليه:
-شايفة الفرق بين الترحيب بمامتك والترحيب بأم الهانم بتاعته؟
واستطردت بغضبٍ حادّ وهي ترفع قامتها لأعلي بكبرياء:
-تفتكري الناس هتقول علينا إيه بعد ما شافوا سلامه البارد علي قسمة هانم حرم الباشمهندس أحمد العشري
واستطردت وهي تنظر إلي سُهير بتَحْقير:
-وشافوا كَمّ التقدير والإحترام اللي في سلامه لمرات حتت موظف لا راح ولا جه،وكمان من عيلة عادية
هتفت قسمة بإنزعاج بدا ظاهراً علي ملامحها:
-ما هي دي الأشكال اللي تليق تكون حماة واحد قليل الذوق من أصل فلاحين زيه
بنبرة خجلة أردفت ليالي شارحة بتوضيح كي تُخفف من وَطْأة سُخْط والدتها:
-يا مامي ياسين ما يقصدش أبداً يهينك زي ما داليدا بتقول،هو عارف قيمة حضرتك كويس وعلشان كدة بيتعامل معاكِ برُقي وفي الحدود اللي تليق ببرستيچك قدام الناس
عقبت علي حديثها بإعتراض حادّ:
-هو إنتِ شايفاني مُغفلة علشان اصدق كلامك ده؟
واستطردت مُفسرة:
-ياسين عُمره ما حبني ولا تقبلني يا لي لي،أنا اللي مصبرني عليه إنه بينفذ لك كُل طلباتك وما بيبخلش عليكِ في أي حاجة،
وهعديها له بس علشان ما أعملش مشكلة معاه ويتلكك ويبوظ لي سفرية ألمانيا اللي طلبتها منه
وبمنتهي التبجُح استرسلت بإستياء:
-ده مش بعيد يخلي الحرس بتوعه يلغوا لي الحجز بتاع دكتور التجميل بعد ما أكد عليه،أو يخليني أروح المركز وبعدها يدبسني في الحِساب
أردفت داليدا بتقليل من شأنهْ:
-عندك حق يا مامي،ده واحد ما بيفهمش في إتيكيت مُعاملة الناس الراقية
واستشهدت بتذكير:
-وخصوصاً إنه عملها قبل كدة وقت مُشكلته مع اللي إسمها مليكة
فضلت الصمت كي لا تُزعج كلتاهُما بالدفاع عن ياسين وايضاً لاستيائها ومقتِها هي شخصياً منهْ ومن تقليلهُ لها ولأهلها علي حسب منظورها لافعالهْ، ومازاد من سخطها رؤيتها لنُسخة الساعة التي أهداها لها ياسين وهي تُزين يد مليكة،إشتعل داخلها حِقداً ويرجع ذلك لتعاليها وحرصها الدائم علي أن لا يقتني أحداً أشياءاً تشبهُ مقتنياتها الفريدة
عودة إلي ياسين الذي تحدث بترحابٍ شديد إلي السيدة سُعاد والدة إبتسام:
-إسكندرية كُلها نورت واتباركت بحضورك يا أمي
إبتسامة مُشرقة إرتسمت فوق ثغر تلك السمراء جميلة الخُلق والأخلاق مما زاد من سِحر ملامحها الأصيلة ثم تحدثت بنبرة شاكرة تدل علي أصلها العريق:
-تعيش ويبارك في عُمرك يا أبن الأصول
أماء باحترام ثم تحدث إلي إبتسام مُهنئً إياها:
-ألف مبروك يا مدام إبتسام
بإبتسامة صافية عقبت:
-الله يبارك فيك يا سيادة العميد،عقبال ما تفرح بسيلا،وربنا يقوم لك مليكة بالسلامة
يارب يا طنط،إدعي لي…هكذا عقبت مليكة بترجي واسترسلت بتوضيح:
-أنا أصلي تعبانة المرة دي وخايفة وقلقانة أوي من الولادة
إرْتعد قلبهُ هلعاً عِندما إستمع لتخوفاتها،وضع كَف يـ.ـدهْ فوق كَتِفَها وحَركهُ بحِنو كمؤازرة مما أشعرها بالطمأنينة،رفعت ذراعها وقامت هي الأخري بوضع كَفها فوق كَفهْ وتلمـستهُ بحنان تحت نظرات ليالي الحارقة التي رمقت كليهما بها
حول ياسين بصرهِ إلي ثُريا وسألها بإحترام:
-يُسرا فين يا ماما؟
أجابته ببشاشة وجهْ:
-جوة مع سارة هي ونرمين وسيلا يا حبيبي
أومأ لها فتحرك رؤوف إليه وتحدث بتوتر ظهر بَيِنّ فوق ملامحهْ:
-المعازيم كلهم حضروا يا سيادة العميد،بيتهئ لي ده الوقت اللي لازم سارة تُخرج فيه علشان الحفلة تبدأ
إبتسم له وتحدث مُداعباً إياه بلطافة:
-ما تتقل يا أبني شوية وبلاش الدلقة اللي إنتَ فيها دي،وبعدين عز باشا لسة ما وصلش ومافيش حاجة هاتتم قبل وصول الباشا الكبير
أهو وصل أهو…جُملة نطقها بلهفة وهو ينظر علي عز الذي دلف من البوابة حاملاً حفيدهُ فوق ذراعه،نظرت ثُريا مُتلهفة وهي تتطلع علي إبن عمها التي إشتاقت لرؤئيته بعد إنقطاع دام لمدة ثلاثة أيام،خدعته عيناه رُغماً عنه وما شعر بحاله إلا وهو يتفقد الحضور باحثاً عنها بين الجميع بلهفة حاول إخفائها قدر المُستطاع،وما أن إستقرت عليها عيناه حتي إنتفض قلبهُ وكاد يخرُج من بين ضلوعهُ ويُسرع إليها متلهفاً ليرتمي بين أحضانها الحنون التي طالما تمناها وحلُمَ بها
شعرت بالأسي عِندما رأتْ الحُزن قد تعمق من ملامحهُ وكأنهُ إنطبع عليها وحُفر،أحزنها أيضاً رؤيتها لجَسدهِ الذي نحِف بشكلٍ ملحوظ وفقد الكثير من وزنهْ
وقفت المعازيم بتوقير لتحيتهُ وبات يُرحب هو بالضيوف بعدما تحرك إليه ياسين وحمل عنهْ صغيرهُ وأعطاه إلي عُمر الذي أوصلهُ إلي مليكة،وبالأخير وصل إلي تلك المنضدة التي تجلس حولها متيمة قلبهْ،رحب بالسيدة النوبيةِ الجميلة قائلاً بحفاوة:
-أهلاً وسهلاً يا حاجة،نورتي إسكندرية كُلها
أجابته بوجهها البشوش وضحكتها الجميلة التي وبرغم ما فعلتهُ عوامل الزمن بملامح وجهها إلا أن ضحكتها التي تخرُج من قلبها الطيب جعلت من وجهها مُنيراً:
-تِسلم وتعيش يا سعادة البيه
ورحب أيضاً بإبتسام وسُهير حتي وصل إلي من توقفت حياتهُ جراء إبتعادها عن عيناه،بنظرات لائمة عاتبتها عيناه وتحدث بنبرة تحمل الكثير من الحُزن والأسي:
-مبروك لرؤوف وعقبال ما تفرحي بمروان وأنس
شعرت بالكآبة جراء معاملتهِ الرسمية،بقلبٍ مُتألم لأجله أجابته بنبرة صوت جاهدت في خروجها جادة كي توفي بوعدها الذي قطعته علي حالها قَبلهْ:
-في حياتك يا سيادة اللواء
قالت كلماتها وسريعاً حولت بصرها إلي أنس الجالس بجانبها لتسأله عن شقيقهُ الكبير تحت إلتياع قلب عز وسعادة منال التي تراقبهما من مكانها حيثُ تجلس بصُحبة شيرين وچيچي وتلك اللمار التي تُحرك عيناها في جميع الإتجاهات وكأنها رادار تراقب الجميع مع أخذها للحِيطة كي لا يلحظها أحد
سار ياسين إلي والدهُ واردف متحدثاً بنبرة جادة:
-بعد إذنك يا سعادة الباشا،أنا هادخل أجيب سارة علشان نبدأ الحفلة
أردف عز بحَصَافَة:
-خد معاك عمها الكبير وخليه هو اللي يخرجها علشان جِدها ما يزعلش يا ياسين
عين العقل يا سيادة اللواء…جُملة إطْرائية نطقت بها ثُريا بملامح جادة وهي تثني علي إبن عمها كبير عائلتهْ
أومأ لها فتحدث ياسين بتفخيم:
-أوامر معاليك يا باشا
ذهب بالفعل إلي عمها الكبير وتحركا لداخل المنزل،دلف ياسين إلي الغُرفة بعد الإستئذان،نظر علي سارة التي تجلس بعدما إنتهت اخصائية التجميل من وضع المساحيق لها،تجاوراها يُسرا ونرمين وأيسل،سار بإتجاهها فوقفت بتوقير،إبتسم لها ثم حاوط وجنتيها بكفاه وقام بوضع قُبـ.ـلة فوق مُقَدَّمة رأسها وتحدث بنبرة أبوية:
-كِبرنا وبقينا عرايس يا سارة
أنزلت بصرها خجلاً فاسترسل بمباركة:
-مبروك يا حبيبتي
أجابته بنبرة هادئة:
-الله يبارك في حضرتك يا خالو
أردفت يُسرا بعيناي مُمتنةٌ ووجهٍ بشوش:
-عقبال ما تفرح بأيسل يا ياسين
حول بصره إليها وعقب:
-في حياتك يا حبيبتي إن شاء الله
واسترسل وهو ينظر إلي نرمين:
-عقبال أولادك يا نرمين
مُتشكرة يا ياسين،عقبال سيلا…هكذا ردت بإبتسامة هادئة
تحركت إليه أيسل وأرتمت داخل أحضـ.ـانه بدلال قابلهُ هو بإحتواء،ثم تحدث إلي سارة:
-جاهزة يا سارة علشان تُخرجي مع عَمك؟
أومأت له فتحرك بإتجاه باب الغُرفة وفتحها ليخطو للداخل عمها الذي هنأها بحفاوة وتحرك الجميع إلي الخارج تحت سعادة رؤوف وتهلُل وجههُ،أمـ.ـسك كف يـ.ـدها بنعومة جعلت القشعريرة تسري بجميع جَـ.ـسدها وذهب بها حيثُ جلوس جدها لأبيها،قامت بوضع قُبـ.ـلة إحترام فوق كف يـ.ـدهْ المُمْـ.ـسكة بعصاهُ التي يتكئُ عليها جراء كُبر سِنه،فأردف ذاك الأشمط بنبرة حنون وهو يُربت علي كتف إبنة فقيدهِ الحبيب:
-مبروك يا بنت الغالي
الله يبارك في حضرتك يا جدو…جُملة توقيرية نطقت بها تلك الخلوقة مما أسعد جدها وجميع عائلة المرحوم والدها
إقتربت يُسرا من جلوس والد زوجها المتوفي وتحدثت بإحترام وتوقير:
-إزي حضرتك يا عمو
أشاح عنها بصرهْ ويرجع هذا لضيقهُ منها لزواجها بعد وفاة نجلهِ الغالي،وبنبرة حادّة وملامح وجه صارمة أردف:
-بخير الحمدلله
حزن داخلها لتلك المعاملة الجافة التي لم تكُن يوماً تستحقها،لكنها تداركت الأمر وبررت تصرفهُ وعذرتهْ،سارت خلف إبنتها التي إنتقلت إلي ثُريا وأخذت مباركتها ثم تحركت بجانب رؤوف وجلسا في المكان المُخصص لكليهما،إنهالت عليهما المباركات والتهاني من الجميع وبدأت مراسم الحفل
❈-❈-❈
تحرك ياسين بين الحضور وبات يُرحب بهم هو وسليم وطارق وعُمر ووليد وباقي شباب عائلة المغربي،ثم بعد ذلك ذهب إلي مليكة وتحركا معاً إلي سارة ورؤوف ليُهنأهما فتحدثت مليكة وهي تقوم بتقبيل سارة وتقديم هديتها لها:
-ألف مبروك يا سارة
أجابتها بوجهٍ مُشرق سعيد:
-ميرسي يا ليكة،عقبال ما تقومي لنا بالسلامة
بدأ المصور الفوتوغرافي بأخذ بعض الصور التذكارية لياسين ومليكة بصُحبة العروسان،حاوط ياسين خَـ.ـصر مليكة ونظر لها بعيناي عاشقة تحت إبتهاج تلك المتيمة واستغل المصور الوضع وعلي الفور إلتقت لهما صورة،كانت أيسل تراقب والدها بإنزعاج شديد وهي تري يـ.ـدهُ المُحتـ.ـضنة كف تلك الدخيلة بعناية وأهتمام ودلالهُ الزائد لها
أعلن المسؤول عن تنظيم الموسيقي إفتتاح الحفل بالرقصة الأولي للعروسان،تحدث ياسين إلي مليكة بنبرة هادئة وهو يحثَها علي السَير:
-يلا يا حبيبي أرجعك للتربيزة علشان ترتاحي
أومأت له بتأييد وبالفعل أوصلها وتحرك بعدما إطمئن عليها،أما رؤوف الذي وقف قُبالة سارة وأمـ.ـسك كف يـ.ـدها ببهجة لا مثيل لها ووضع الكف الأخر خلف كتفها برقة مما جعل القشعريرة تسري بجَـ.ـسدها،بدأ يخطوان معاً أولي خطواتهما برقصتيهما الأولي معاً
تعمق بالنظر لداخل عيناها وتحدث بنبرة عاشقة:
-أنا مش مصدق نفسي يا سارة،هو النهاردة فعلاً حفلة خطوبتنا؟
واسترسل بهيام:
-وإنتِ فعلاً معايا وبين إيـ.ـديا؟
إبتسمت وهي تنظر إليه بمزيجٍ مِن السعادة والخَجل،فتحدث من جديد ليحثها علي الإنسجام معهْ بالحديث:
-ساكتة ليه يا قلبي إتكلمي،عاوز أسمع صوتك علشان أستوعب اللي أنا فيه
إبتسمت وتحدثت بسعادة.ممزوجة بالحياء:
-أتكلم أقول إيه بس يا رؤوف،هو فيه كلام يقدر يوصف اللي إحنا فيه ده؟أنا بجد مبسوطة أوي
هتف بحبور وحماس:
-بحبك يا سارة،وأوعدك إني عُمري ما هخليكِ تندمي علي إنك حبتيني وإختارتيني أكون شريك حياتك
تهلَّلت ملامح وجهها واسترسلا حديثهما المعسول
وصل ياسين إلي المنضدة المتواجد عليها بعض الضباط المساعدين له ومن بينهم كارم المعداوي الذي تحدث بإبتهاج بعد ترحيب ياسين بهم:
-عقبال ما نفرح بأولاد سعادتك يا سيادة العميد
أجابهُ بمشاكسة كعادته معه:
-عقبال ما ربنا يكرمنا فيك إنتَ الأول يا حبيبي بدل ما أنتَ عامل زي البيت الوَقف ومسوء سُمعتك وسُمعة الجهاز معاك
قهقه الجميع مما جعل كارم يرفع حاجبيه بإستنكار وهو يتناقل النظر بين أصدقائه وتحدث لائماً:
-عجبتكم أوي الجُملة اللي الباشا قالها وشمتانين سيادتكم،أمال لو مرتاحين في جوازتكم الهباب كنتم عملتوا إيه يا بشوات؟
ده كُل واحد فيكم مراته مشرباه المُر بالشاليموه وكله علي يدي
قهقه ياسين ثم تحدث بدُعابة:
-يا باشا يكفيهم شرف المحاولة
أردف شارحاً وجهة نظره:
-شرف المحاولة أخدته في الخطوبة سعادتك،ثم أنا إيه اللي يجبرني علي إني أتحمل واحدة زنانة فاكرة نفسها متجوزة علاء الدين وجاية له علشان تحقق أحلامها بفانوس جنابه السِحري،ده غير الدلع الماسخ اللي بقي في بنات اليومين دول واللي لا يُطاق
ثم استرسل وهو يرفع كفاه للأعلي:
-لا يا باشا،أنا كدة تمام أوي وبرنس في نفسي
هتف أحد اصدقائه في محاولة منه لترغيبهُ في الزواج:
-يا أبني الجواز يعني الدلع والحنان كُله،ما كانتش حتة خطوبة اللي عقدتك في الجواز بالشكل ده
واستطرد وهو ينظر إلي ياسين:
-ما توعيه يا باشا
وتحدث أخر:
-خوض التجربة واستمتع بحلاوة البدايات
عقب بمساكسة:
-وبعدها أتخزوق وألبس في شرشحة النهايات
ضيق ياسين عيناه وتحدث مُتعجباً:
-إيه يا ابني كمية التشاؤم اللي إنتَ فيه ده،ليه بتتوقع الأسوء،مش يمكن حظك يضرب وتُقع في عروسة بنت ناس وعاقلة وتشوف الدلع كُله علي أديها، وتبقي هي السبب في تغيير حياتك كُلها للأحسن
هتف بدُعابة:
-أيـ.ـدي علي كتفك يا باشا،لو لقيت لي بنت عاقلة في الجيل ده أوعدك إني أتجوزها وِش
رفع حاجبيه مُستنكراً وهتف بدُعابة:
-ما تظبط نفسك يَلاَ،أهو ده اللي ناقص إني أشتغل لك خاطبة علي آخر الزمن
قهقه الجميع وتحدث كارم:
-دي خدمة إنسانية يا باشا،مش أحسن ما نسلِي يتقطع من الدُنيا
بنبرة ساخرة عقب علي حديثهُ:
-ما يتقطع يا أخويا،دي هاتبقي أكبر خدمة هاتقدمها للبشرية كُلها
قهقه الجميع وتحرك ياسين تاركاً إياهم ليُرحب بالحضور،بدأ كارم بتفقُد الحفل بترقُب شديد طبقاً لما تعود عليه خلال عَمله،وقعت عيناه علي تلك الجميلة التي تتحرك بحيوية وإشراقة خلاَّبة،كم كانت رائعة الجمال وخاطفة للأبصار بثوبها الراقي ذو اللون الأحمر الصريح،إبتسم للحظات وتخطاها ليتابع تفقُدهُ للمكان وعيناه علي تلك اللمار التي أوصاه ياسين عليها
كان يتحرك متجهاً إلي مليكة كي يتأنس بالقُرب منها،قطعت طريقهُ تلك التي تراقبهُ وتحدثت بترجي ودلال وهي تُمـ.ـسك بكف يـ.ـده لتحثهُ علي الموافقة للرقص معها لتقطع علي مليكة فُرصة الحَظِى بالرقصةِ الأولي وأيضاً لتنأي بإحراج والدتها أمام المعازيم:
-بابي،تعالي أرقص معايا
أجابها بصدقٍ:
-مش هينفع يا حبيبتي علشان بتابع الضيوف وبرحب بيهم،لأن زي ما انتِ عارفة جدك عز تعبان شوية ومش هيقدر يتحرك في الحفلة،كمان علشان عمتو يُسرا ما تحسش إننا مش مركزين في الحفلة ومش مُهتمين
وحياتي يا بابي توافق،دي هي رقصة واحدة وبس…قالتها بعيناي متوسلة،تجنبها ياسين وأصرّ علي موقفه حيث أنهُ كان قد قرر مُسبقاً عدم الرقص بزوجتاه خلال الحفل لكي لا يُزعج حالهُ ويظلم معهُ إحداهُما وأيضاً لمراعاة شعور حالة والدهُ:
-وبعدين معاكِ يا سيلا،قُلت لك مش هاينفع
بتَبَرُّم مطتْ شَـ.ـفتاها فتحدث وهو يُشير إلي حمزة بكف يـ.ـده:
-طب ما تزعليش،هخلي حمزة يُرقص معاكِ
بس أنا مش عاوزة أرقص مع حد غيرك…قالتها بإحتدام
كان هناك من يراقبهُما من بعيد،إنهُ أحد هؤلاء الضُباط المُتدربون تحت أيـ.ـدي ياسين ويُدعي أحمد،هتف بنبرة دُعابية:
-أوبا،إيه الصاروخ الجامد اللي واقف مع سيادة العميد ده
حول كارم بصرهِ إليهما فتحدث آخر بنبرة ساخرة:
-هو الراجل ده ما بيعتقش،بس بصراحة المُوزة جامدة وتستاهل
إتلم إنتَ وهو للكلام يوصل له ويبعتكم بِعثة مستعجلة للمخزن الخاص اللي بيستقبل فيه الحبايب…هكذا تحدث كارم بنبرة تحذيرية
هتف أحدهم بتهاون:
-وهو هيعرف الكلام اللي بنقوله منين يا سي كارم؟
أردف بنبرة تنبيهية:
-إنتَ غلبان أوي يا ماجد،ياسين المغربي عارف القرد مخبي إبنه فين،ده زي ما يكون مخاوي جِن بيبلغه بكل اللي بيحصل حواليه
واستطرد بحيرة:
-يا أبني أنا بتصدم من كَمّ المعلومات اللي بيمدني بيها في العمليات اللي المفروض أنا اللي بتحري له عنها
ثم وضع كفهُ علي ذقنه وقام بحَـ.ـكه واسترسل مضيقاً إحدي عيناه:
-صدق اللي سماه وَحْش المُخابرات
وافقهُ الجميع الرأي فتحدث أحمد من جديد مُتعجباً:
-شوف البِت بتدلع عليه وماسكة إيـ.ـده إزاي!
أنا معلوماتي عنه من زمان إنه فاجر وما بيهموش حد،بس مش لدرجة إنه يدلع نفسه ويلعب بديله قدام حريمه كدة عادي
قهقه الجميع وهتف أحدهم بدُعابة:
-قادر ويعملها
رفع كارم حاجبهُ وأردف بفطانة إكتسبها من عَمله:
-اللي أعرفه إن ياسين باشا بيحب مراته التانية لدرجة الجنون،وبعدين مش هو الشخص الساذج اللي يلعب بديله قدام الناس كدة ويبوظ سُمعته
أردف أحدهم مُفسراً:
-يا شباب دي شكلها قريبته،وبعدين دي صُغيرة أوي عليه
بحَصَافة أردف كارم مؤكداً:
-تؤ،مش قريبته،دي أكيد بنته اللي مسافرة ألمانيا،لو دققتوا في ملامحها هتلاقوها واخدة من سيادة العميد كتير،نفس لون العيون ونظرتهم اللي كلها دهاء
هتف أحمد بمشاكسة لصديقهُ:
-أوباااا،ده سيادة الرائد مِركز بقي،هي وصلت للعيون يا كارم باشا
عَدل من ياقة حِلته ونطق بغرور مُصطنع:
-يا أبني ده الفرق اللي بيني وبينكم،إنتوا بتبصوا علي المواضيع وتحكموا عليها من الظاهر،لكن أنا بغوص في التفاصيل، وما أدراكَ بالتفاصيل
هتف أحدهم عندما رأي ياسين قد سلم أيسل إلي نجلهِ وإصطحبها للمكان المُخصص للرقص:
-شكل كلامك صح وطلعت بنته بجد يا كارم،سيادة العميد خلي إبنه يرقص معاها
نطق بإستِعْلاء مُصطنع:
-عيب عليك يا باشا،إنتَ بتكلم رجُل مُخابراتي من الدرجة الأولي
كانت تتراقص مع شقيقها بعدم شغف فسألها حمزة مُشاكساً إياها:
-مادة بوزك شبرين لقدام ليه يا سيلا؟
هتفت بحِنق:
-سيبني في حالي يا حمزة،أنا مش طايقة روحي
إيه اللي حصل لكُل ده…هكذا سألها فأجابته بإستفاضة:
-هطق من بابي،طلبت منه يرقص معايا رفض وأتحجج بجدو وتعبه
واسترسلت بإِمتِعاض:
-وأنا بقي مُتأكدة من إنه رفض لأنه خاف علي زعل الهانم دلوعته اللي خلاص أكلت عقلُه ومابقاش شايف في حياته حد غيرها
قطب جبينهُ وسألها بإستفسار بعدما فهم مقصدها:
-طب وإيه اللي يزْعل مليكة في إن بابي يُرقص معاكِ مش فاهم؟
تجهمت ملامحها وأجابته بتأكيد:
-طبعاً هتزعل وتِطَق كمان لو كان بابي خَصِني بالرقصة الاولي وفضلني عليها،وبابي علشان فاهم طبعها كويس وعارف الغل اللي جواها من ناحيتي أنا ومامي،رفض وريح دماغه من الصُداع اللي كانت هتعملهُ له
ضحك حمزة وأردف متسائلاً بتعجُب:
-أنا نفسي أفهم إنتِ إيه اللي حولك من ناحية مليكة بالشكل ده،إنتوا مش كنتوا أصحاب زمان؟
عقبت بحِدة:
-دي واحدة غدارة وخانت مامي،أصاحبها إزاي يعني؟
أجابها بإنصاف وعدم تحيُز ورثهُ عن عز:
-والله يا بنتي مليكة دي ما فيه أغلب منها،ولو هي فعلاً بالشر اللي بتقولي عليه ده كان زمانها خلت بابا طلق ماما،وعلي فكرة بقي،هي تقدر تعمل ده وبسهولة كمان،لأن بابا بيحبها ومتعلق بيها جداً
واستطرد بأسي:
-هي أديته الطمأنينة وإحساس الدفئ وأسقرار العيلة اللي ماما للأسف فشلت في إنها توصلهُ له،وبابا عُمره ما هيقدر يستغني عن الإحساس ده ولا عن الإهتمام والحُب اللي هي بتقدمهُ له
جحظت عيناها وهتفت مُستنكرة بإحتدام:
-إنتَ اللي بتقول الكلام ده يا حمزة؟!
واستطردت بعتاب:
-سيبت إيه للناس الغريبة لما إبنها بيقول عليها كدة
عقب علي حديثها بنبرة صارمة:
-ما تبقيش عاملة زي النعامة وتدفني راسك في الرمل علشان تهربي من الحقيقة يا أيسل
واسترسل بإبانة:
-أنا وإنتِ عارفين كويس أوي إن بابا عُمره ما كان من أولويات ماما ولا إهتماماتها الأساسية،وبابا زيه زي أي راجل،من حقه يدور علي راحته وعلي الإهتمام والحُب
كانت تستمع إليه بملامح وجه مُحتدة رافضة لكُل ما يُقال من شقيقها الذي يمتلك عقلاً رزيناً ورثهُ عن عز المغربي،تتيقن من داخل أعماقها أن حديثهُ صائِب لكنها ترفضهُ وبشدة تضامناً مع والدتها بقلبٍ أعمي،هتفت بنبرة صارمة:
-وأنا هستني منك إيه غير كدة يا مغربي يا صُغير،نفس التفكير الذكوري العَفِنْ
ضحك عليها وهز رأسهُ بإستسلام واكملا رقصتيهما تحت ضيقها واستفزازها منه
❈-❈-❈
شعوراً هائلاً بالفرحة إجتاح روح تلك الرقيقة وهي تري صغيرتها الجميلة تجلس بجانب من إختارهُ قلبها البرئ وارتاحت لهُ روحها،حاوطها بذراعه ذاك الواقف بجانبها وتحدث بنبرة حنون:
-مبروك يا حبيبتي
حولت بصرها ونظرت إليه بعيناي لامعة جراء إبتهاجها وتحدثت بنبرة رقيقة حنون:
-الله يبارك فيك يا حبيبي
واسترسلت بعيناي مُمتنةُ:
-مش عارفة أشكرك إزاي علي وقوفك معايا أنا وياسين في تحضيرات الحفلة
كمحُبٍ صادق نطق مُعاتباً إياها:
إيه الكلام اللي بتقوليه ده يا يُسرا،سارة دي بنتي اللي ربنا عوضني بيها،وربنا وحده عالم غلاوتها في قلبي قد إيه
عقبت علي حديثهُ بنبرة حنون:
-ربنا يخليك ليا ومايحرمنيش منك أبداً يا سليم
إبتسم لها بحنان وانسحبت هي لتجلس بصُحبة إبتسام ووالدتها وتقوم بالترحاب بهم
وجهت مليكة حديثها اللبق إلي ثُريا بنبرة رقيقة:
-مبروك لسارة يا ماما،عقبال ما تفرحي بمروان وأنس
هتف الصغير الجالس فوق ساقاي سُهير بمشاكسة:
-وعزو يا مامي؟
ضَحكنْ جميع الجَالسات علي فطانة الصغير وتحدثت سُهير وهي تحتضنهُ وتُـ.ـقبل وجنتهِ الوردية بحفاوة:
-إنتَ عاوز تتجوز يا صُغننْ
قهقه ببراءة لمداعـ.ـبة جدته له وتحدثت مليكة بفُكاهة:
-هخلي نانا ثُريا تخطب لك مع مروان وأنس
إبتسمت ثُريا وأردفت بحنين:
-يا مين يعيش يا مليكة
إن شاء الله هتعيشي وإنتِ بنفسك اللي هتختاري لهم العرايس…جُملة نطقتها سُهير بملاطفة مما أسعد قلب ثُريا التي تحدثت بضحكة لطيفة جعلت قلب عز المراقب لها ينتفض إشتياقاً:
-هختار لهم العرايس مرة واحدة يا سُهير،إللي ما عملتها مع أبوهم،هختار لهم هما؟
أردفت سُعاد بنبرة تفاؤلية:
-أنا كُنت بقول زيك كدة يا ثُريا يا بنتي،واديني بحضر خطوبة حفيدي أهو،ربك كريم قادر يعوضك فيهم عن أبوهم وجدهم ويفرح قلبك بيهم
ونعم بالله يا حاجة…نطقتها ثُريا بيقين ورضا
وقفت منال واتجهت مُرغمة إلي جلوس ثُريا لتقديم التهنأة لإبتسام والترحيب بوالدتها وشقيقتها،نظرت ثُريا أمامها متجاهلة حضور تلك البغيضة مما أغضب منال لكنها أظهرت عكس ذلك حفاظاً علي شكلها أمام الجميع،وتحدثت وهي تقوم بتقبيل وجنتي إبتسام:
-ألف مبروك يا بسمة،ربنا يتمم لكم علي خير
أردفت بإبتسامة مُشرقة:
-الله يبارك فيكِ يا أبلة
ورحبت أيضاً بالجميع وحان الدور علي مصافحتها لتلك التي أصبحت تبغضها بُغضاً لم تشعر به بإتجاه أحدهم من ذِي قَبل،تحدثت مُرغمة دون مُصافحة الأيدي:
-مبروك لسارة وعقبال مروان وأنس
عقبت ثُريا بملامح وجة هادئة كي لا تُثير إستغراب الجميع:
-متشكرة وعقبال أيسل
بنبرة شديدة التعالي تحدثت وهي ترفع قامتها لأعلي بكبرياء:
-الدكتورة أيسل ما بتفكرش في الإرتباط حالياً،هي لسة قدامها مشوار طويل علشان تحقق ذاتها اللي هايكون مختلف ومميز عن أي حد من جيلها
واسترسلت بكِبر:
-ما هو مش معقول تكون بتدرس الطِب في جامعة عريقة زي هايدلبرغ وتفكر في الكلام الفاضي ده
شعرت يُسرا بالأسي لحديث منال المقصود وفضلت ثُريا الصمت فتحدثت إبتسام لغلق ذاك الموضوع السخيف:
-ربنا يحقق لها كل أحلامها يا أبلة
واسترسلت بنبرة هادئة وهي تُشير بيـ.ـدها إلي أحد المقاعد:
-ما تقعدي معانا شوية
أجابت بإعتراض:
-مش هاينفع أسيب شيري لوحدها يا بسمة
ثم وجهت حديثها إلي سُهير بنبرة لائمة:
-إبقي شرفينا مرة وزورينا في ڤيلا الباشا يا مدام سُهير،ولا أنتِ ما تعرفيش غير طريق ڤيلا رائف الله يرحمه؟
واسترسلت مُتهكمة وهي تنظر إلي مليكة:
-إبقي فكري ماما إنك بقيتي حَرم سيادة العميد ياسين المغربي وعرفيها طريق الڤيلا يا مليكة،وأهو بالمرة تزوريني إنتِ كمان،يمكن ساعتها تفتكري إن حماتك بقت منال هانم العشري
إرتبكت مليكة من حِدة لهجة تلك الساخطة فتحدثت سُهير بهدوء كي تنأي بإبنتها من براثن تلك الساخطة:
-حاضر يا مدام منال،إن شاء الله في أقرب وقت هجيب مليكة وأجي أقعد معاكِ شوية
عقبت بنبرة جادة:
-تشرفي وتنوري
بملامح وجه حادّة استرسلت بإنسحاب:
-بعد إذنكم
قالتها وتحركت تحت إستياء الجميع وإخراج ثُريا نفساً عميقاً وكأن تلك الغليظة كانت تحتجز عن رئتيها الهواء،وقفت وتحدثت بنبرة راقية:
-بعد إذنك يا حاجة سُعاد،هاروح أرحب بستات علي وفريد إخواتي وأقعد معاهم شوية علشان ما يزعلوش وياخدوا علي خاطرهم مني
إنسحبت بعدما أومأت لها السيدة بموافقة،أما سُهير فمالت بجانب أُذن نجلتِها وهمـ.ـست:
-هي مالها سَانة سكاكينها علي الكُل كدة ليه؟
عقبت الاخري بتوضيح:
-مش عارفة يا ماما،بس من يوم طنط منال ما كانت بتتكلم مع ماما ثُريا في أوضتها وبعدها تعبت وأغمي عليها وكل الأمور إتلغبطت،عمو عز مابقاش يدخل البيت وطنط منال زي ما أنتِ شايفة كدة
تنفّست بهدوء ثم أردفت ناصحة لإبنتها:
-خرجي نفسك من بينهُم يا بنتي،إوعي تتدخلي مهما يحصل وإوعي تتكلمي علي حد فيهُم مع التاني،دول في الأول وفي الأخر عيلة واحدة ومهما اختلفوا مرجوعهم لبعض،إنتِ اللي غريبة في وسطيهم
واستطردت بنبرة تحذيرية:
-وخلي بالك من اللي إسمها منال كويس وما تعاديهاش،دي مُمكن تبُخ في ودان ياسين وتغيره من ناحيتك
بإِقْتِضَاب أومأت بطاعة رغم تيقُنها من عِشق ياسين الشديد لها وعدم إنجرافهِ وراء الأحاديث:
-حاضر يا ماما
تحرك عز وجلس بمنضدة جانبية لأخذ قِسطاً من الراحة بعيداً عن الزحام والمجاملات،إقترب منهْ عبدالرحمن وتحدث مُتسائلاً بعدما سَحب مقعداً مُقابلاً وجلس فوقهُ:
-باعد عن الكُل وقاعد لوحدك ليه يا عِز؟
عقب بنبرة بائسة:
-وإيه فايدة القُعاد في وسط الناس وأنا من جوايا حاسس وعايش الوِحدة
ليه بتقول كدة يا حبيبي،ما أحنا كُلنا حواليك أهو وبنحبك…هكذا أجابهُ شقيقهُ وهو يُربت علي كف يده الموضوع فوق المنضدة بحِنو
عارف يا عبدالرحمن،بس البُعد ساعات بيكون علاج للجروح اللي مالهاش دوا…قالها ببؤسٍ شديد
تنهيدة حارة شقت صَـ.ـدر عبدالرحمن وهو يري إنهزام شقيقهُ الأكبر بتلك الصورة الموجعة لقلبهْ وتحدث ناصحاً إياه:
-إنسي بقي يا عِز وأرحم قلبك اللي وجعته معاك طول السنين اللي عَدت،ثُريا عُمرها ما كانت ولا هاتبقي ليكْ،ريح قلبك يا حبيبي
كلمات برغم تيقُنهُ من صِحتها إلا أنها هبطت علي قلبهِ الولهان كحِممٍ بُركانية وباتت تُحرق جُل ما يُقابلها بطريقها
قطع حديثهُما حسن الذي إنضم إلي جلوسهما وتحدث بمشاكسة:
-قاعدين إنتوا بعيد عن الدوشة ومروقين دماغكم وسابيني مع ياسين وطارق وسط الضيوف لما نفوخي اتنفخ
إبتسم لهُ كليهما بهدوء فتحدث هو إلي عز مستوضحاً بعدما رأي كَمّ الأسي المحفور بملامحه:
-مالك يا عِز؟إنتِ فيه حاجة تعباك؟
أنا كويس يا حسن الحمدلله…نطقها ليُطمأن إبن عمه الذي إستغرب حالهُ وتغيير ملامحه لكنهُ غَير مَجريّ الحديث كي لا يُزعج إبن عمه
❈-❈-❈
كان يقف بعيداً عن الضوضاء حاملاً صغيرهُ الذي أصّر علي تواجدهُ معه تحت نظرات مليكة الجالسة بصُحبة نساء العائلة،تحدث إليه متسائلاً بدلال:
-بس إيه الشياكة دي كُلها يا عزو باشا،البدلة والبابيون هياكلوا منك حتة
ضحك الصغير وتحدث بإيجاب:
-جدو هو اللي جاب لعزو بدلة شبهه
ثم بدلالٍ وضع كفهُ الرقيق فوق وجنة أبيه واسترسل بفطانة ليستولي علي قلب غاليه:
-بس عزو كان عاوز يكون شبهك يا بابي
مال برأسهِ وأجاب بما أسعد قلب الصغير:
-طب ما أنتَ شبهي يا قلب أبوك،ده أنتِ الوحيد اللي واخد ملامحي وعيوني بالمِلي
واسترسل بقلبٍ يُرفرف من شدة سعادته وهو يُداعب صغيرهُ المُقرب لقلبه بأصابع يـ.ـده:
-وواخد معاهم قلب وعقل وروح ياسين المغربي
قهقه الصغير بشدة جراء دغدغة والدهُ وحديثهُ المُدلل له،قطع إنسجامهُما ليالي التي أتت تتحرك إليه بغنچ ثم جاورته الوقوف وتمسكت بكف يده كي تُزعج مليكة وتُثبت للحضور مَدّي وئامها هي وزوجها معاً:
-يا بختك يا عزو،مستولي علي إهتمام سيادة العميد لوحدك وواخد عقله
واستطردت وهي تنظر لعيناي ياسين بمعاتبة:
-ومخليه ناسي إن فيه ناس تانية مسؤلة منه هي كمان ومن حقها عليه الإهتمام والرعاية
قالت كلماتها ثم إقتربت علي ياسين ورمت حالها داخل أحضانه بحجة تقبيلها للصغير مما جعل الألم يقتحم قلب تلك العاشقة وتجددت إشتعال النيران به ككُل مرة تري بها ليالي تقترب من رجُلها وأسر قلبها،قطب ياسين جبينهُ ونظر لها مُتعجباً تصرُفها، واسترسلت موجهةً سؤالها إلي الصغير بدُعابة:
-ولا أنتَ إيه رأيك يا عزو؟
ببلاهة كطفلٍ لم يستوعب حديثها الغامض عقب علي سؤالها بسؤالاً:
-في إيه يا طنط؟
ثم استرسل يسأل أبيه مُستفسراً:
-هي طنط لي لي بتسألني عن إيه يا بابي؟
إبتسم بخِفة وتحدث إلي صغيرهُ:
-اللي طنط لي لي بتعمله ده إسمه تلقيح يا حبيبي،لما تكبر هتفهمه
تجهمت ملامحها وأردفت بإمتعاض:
-بقيت بلدي أوي يا ياسين،مش عيب يا سيادة العميد تقول لفظ بيئة زي ده قدام الولد؟
إنتِ عاوزة إيه يا ليالي؟!…سؤال وجههُ إليها فأجابت بنبرة حادة:
-حقي فيك،عاوزة حقي فيك يا ياسين،عاوزة نفس المُعاملة ونفس الإهتمام اللي بتديهم لمراتك التانية،بإختصار كدة عاوزة العَدل يا سيادة العميد
واستطردت بسؤال:
-مش إنتَ بردو تعرف ربنا وعارف إن العَدل من أساسيات الجواز التاني؟
أشار إلي أنس الذي أتي إليه مُسرعاً وتحدث إليه بنبرة حنون:
-خُد أخوك وديه لماما يا حبيبي
أجابهُ الصغير بطاعة:
-حاضر يا بابي
واستطرد وهو يُبسط كفهُ إلي شقيقهُ الأصغر:
-يلا يا عزو نروح لمامي
رفض الصغير وتشبث بشدة بعُنق أبيه وهتف بإعتراض:
-لاء،أنا عاوز أفضل مع بابي
وضع ياسين قُبـ.ـلة فوق وِجنة صغيرهُ وتحدث لمراضاته:
-مش قُلنا نسمع الكلام علشان بابي يحِبك،روح مع أنس وأنا هتكلم شوية مع طنط ليالي وهاجي لحد عندك أخدك ونروح نتصور مع سارة ورؤوف
تهلل وجه الصغير وتحرك بجوار شقيقهُ وتابعهُ ياسين بعيناه التي إلتقت بعيناي حبيبتهُ فأبتسم لها كي يُطمئن روحها ويخفف من وطأة شعورها بالغيرة الذي لمحهُ داخل مقلتيها المُشتعلة ثم حول بصرهِ إلي تلك التي تُجاورهُ الوقوف وسألها متعجباً:
-وإيه اللي أنا بعمله وحَـسِسِك بالظُلم يا ليالي؟
بدلال إقتربت وتحدثت وهي تُمـ.ـسك كف يـ.ـده لتحثهُ علي التحرُك:
-تعالّ نُرقص وأقول لك علي اللي مزعلني منك يا ياسين
أنزل كفها بهدوء وتحدث موضحاً:
-مش هاينفع،نفسياً مش متظبط ده غير إن سيلا طلبت مني أرقص معاها ورفضت،فأكيد هتزعل لو رقصت معاكِ
بملامح وجه حادة هتفت مُشككة في صحة حجتهُ:
-ما تتلككش بسيلا لأنك متأكد من جواك إنها هتفرح جداً لو ده حصل،أنا عارفة إنك عامل حساب لزعل الهانم لو رقصت معايا أنا أو أيسل قبل منها،وده اللي خلاك رفضت عرض بنتك يا ياسين يا مغربي
بسؤالٍ حادّ هتف بغَرَابة:
-هو ده اللي أخدتي بالك منه؟
طب وبالنسبة للمشاكل اللي مالية البيت ولا أبويا وأمي اللي شِبه مقاطعين بعض؟
واسترسل معاتباً:
-ما خدتيش بالك إن الباشا ما بيقعدش معانا علي سُفرة غير لما شيرين تكون موجودة؟
وإن اليوم اللي بتقضيه عند أهل جوزها أو مع أصحابها الباشا بيقضيه يا إما في أوضته أو مع عمي عبدالرحمن برة البيت؟
واسترسل مُتهكماً بإبتسامة ساخرة:
-أه،أنا أسف،أنا أصل?

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى