رواية قلوب حائرة الفصل الثاني والثمانون 82 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت الثاني والثمانون
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني والثمانون
رواية قلوب حائرة الحلقة الثانية والثمانون
🦋 الفصل الحادي والأربعون 🦋
صرخاتِ ذُعرٍ كانت تُطلقها كُلما دوي صوت إصطدام طلقات الرصاص بأذنها ليزيد صوتهُ من إنتفاض جسدها وارتعابها،لا تعلم عن مصيرها شيئاً،جُل ما تعلمهُ أنها ذاهبةً إلي المجهول جراء ذاك الإعتداءُ الغاشم،لا تخشي مستقبل حالها وفقط،بل زاد إرتعابها علي من هيْمَنَ علي الفؤادِ وتملَكَ
أما ذاك المِغْوار فكان يقود بيدٍ واحدة سيارتهُ بحذرٍ شديد وهو يراوغ طلقات الرصاص التي تقصِدهُ ليتفادي محاولات إغتيالهُ المُستميتة من هؤلاء الخوارج كي يتمكنا من مقصدهم بعد التخلُص منهْ،مُمسكاً باليد الأخري سلاحهُ الناري مقاتِلاً به باستماتة مقتحماً المخاطر دون تردّد،كان يتحدث من خلال سماعة البلوتوز ويُنسق مع فريقهُ المؤهل والمُدرب جيداً علي خوض تلك المعارك،لذا فكانوا يصارعون دون هَيَّاب
بشراسة مُقاتل لا يخشي الموت صوب سلاحهُ صوب الرجل المجاور لقائد السيارة والذي كان يوجه ضرباتهُ المُتتالية عليه كي يستطع التمكُن من قتلهْ،لكنهُ إستبق وبمهارة عالية بادر بضغطة واحدة علي الزناد فخرجت طلقة نارية إستقرت بين حاجبيه فاوقعته صريعاً في التو واللحظة
بعد أن تخلص من ذاك الحاقد،بدأ بصب جُل تركيزهُ علي السائق فأصاب كَتفهُ الأيمن مما جعل الرجل يفقد سيطرتهُ علي عجلة القيادة وباتت العربة تتمايل يميناً ويساراً
إستغل أحد أفراد فريق الحراسة عدم قُدرة سيطرة السائق علي العربة وتباطُئ سُرعتها وقام بتصويب سلاحهُ فوق إحدي إطارات السيارة مما أدي إلي عدم إتزانها وإنقلابها في الحال عدة مرات
تابع كارم العربة حتي توقفت تماماً واستقرت مُنقلبة علي وجهها،صف سيارتهُ جانباً وتحدث إلي تلك المختبأة تحت مقاعد السيارة:
-خليكي مكانك وإوعي تتحركي يا أيسل
إنتَ رايح فين وسايبني…نطقتها بدموعٍ وصوتٍ مرتعب،فأجابها علي عُجالة:
-ماعنديش وقت أشرح لك،خليكي مكانك وانا شوية وراجع لك حالاً
واستطرد محذراً إياها:
-بس مهما يحصل مش عاوزك تتحركي من مكانك إلا لما أنا بنفسي أجي وأخرجك
أومأت بطاعة وخرج هو من سيارتهُ بحذرٍ تام،مد ذراعيه للأمام مُمسكاً بكفيه سلاحهُ وهو يتلفت حوله بنظرات متفحصة مدققاً بكل شئ،تبعهُ رفاقهْ مُشهرين أسلحتهم وهم يتحركون باتجاه السيارة المنقلبة حيثُ طوقوها من جميع الإتجاهات وفتحوا أبوابها وبدأوا بإخراج هؤلاء الخونة واحداً يلو الأخر
قاموا بالقبض علي أربعة أشخاص كانوا متواجدون بالسيارة ولم يحاولوا المقاومة تأثراً بإنقلاب السيارة عدة مرات متتالية مما أفقدهم السيطرة وأصابتهم باعياءٍ شديد استغلتهُ القوة وقاموا باعتقالهم جميعاً والاحتفاظ بجثة الرجل الذي لقي حتفه فور تلقيه طلقة مُميتة من سلاح الرائد كارم
وضعوا الرجال بجانب السيارة الخاصة بالفريق بعدما قاموا بتقييدهم جيداً واصطفافهم إنتظاراً لوصول قوات الدعم التي استدعاها كارم عبر الهاتف النقال،وقف يتلفت حوله حتي تأكد من خلو المكان وتحدث إلي رجاله باشادة:
-عاش يا وحوش
واسترسل بإبانة:
-أنا هنقل الدكتورة لعربيتكم تقعد فيها علي ما الدعم يوصل،العربية بتاعتي إتبهدلت من طلقات الرُصاص والتكييف وقف
أومأ له الرجال وتحرك هو إلي السيارة متجهاً بقلبٍ متلهفاً عليها،فتح الباب الخلفي وجدها تجلس بالاسفل وما زالت تضع كفاها فوق أذنيها، أمسك كفها وتحدث بنبرة حنون كي يُطمأن روعها:
-أيسل
رفعت بصرها تتطلع إليه بوجهٍ شاحب كشحوب الموتي،بملامح وجه مطمأنة حدثها قائلاً:
-تعالي معايا اوديكي العربية التانية علشان التكييف
بعيناي مترقبة سألته:
-والمجرمين اللي بيطاردونا؟!
غمز لها بإحدي عيناه وبدعابة حدثها بإبتسامتهُ الجذابة كي يخرجها من حالة الذُعر تلك:
-تم التعامل مع الهدف بنجاح والأمن أصبح مُستتب يا باشا
واسترسل وهو يومي لها بنظرات مطمأنة تحت إبهامها للموقف:
-قبضنا عليهم ومتكتفين برة زي الخرفان مستنيين القوة لما تيجي تاخدهم
سحبت جسدها للأعلي بمساعدته وجلست تستريح فوق مقعدها وبعيناي متلهفة سألتهُ مستفسرة:
-بجد يا كارم؟
هو أنا مش قُلت لك ثقي فيا… نطقها بعيناي هائمة،وكأن العالم تبدل بنظرها وأصبح أكثر حالمية جراء نظراتهِ الساحرة،وبعد أن عاشت أسوء كوابيسها مُنذُ القليل،تبدل الحال بفضل وجود ذاك المغوار بجانبها،كم أنهُ لشعوراً رائع أن تحصل الأنثي علي رجُلاً يُصبح لها درع الحماية وتُسلم لهُ حالها دون إرتياع
وضعت كفها فوق صدرها وتنهدت براحة ظهرت علي ملامح وجهها ثم تطلعت إليه بإبتسامة ساحرة أسرت بها قلبهُ،تحدث سائلاً إياها بنبرة هادئة:
-إطمنتي خلاص؟
أومت برأسها عدة مرات متتالية فاسترسل بعيناي مغرمة:
-طب ممكن بقي أسمعها تاني؟
عقبت مُتعجبة:
-هي إيه دي؟!
كارم…نطقها بصوتٍ مُتيمُ ادخلها بعالمٍ جديداً عليها،قشعريرة سرت بجسدها بالكامل أثر رقتهُ اللامتناهية،أنزلت بصرها علي استحياء مع رسم إبتسامة خجولة جعلتهُ يبتسم بانتشاء
مد أحد كفاهُ لها ليحثها علي التحرُك وأحتفظ بسلاحهُ باليد الأخري ثم تحدث كي لا يُزيد من خجلها:
-يلا بينا
رفعت بصرها تتطلع إلي مدينة عيناه التي تتوهُ داخل وسعها ثم نظرت لكفهِ المنتظر،إبتسمت وحركت كفها وقامت بوضعهِ داخل كفهُ العريض،شعوراً هائلاً إجتاح داخل كلاهما وتغلغل وقام بنقلهما إلي عالم حالم خطي بداخلهُ سوياً أولي خطواتهما
ضم كفها الرقيق باحتواء تحت إبتهاج روحها ثم جذبها لخارج السيارة وتوقف منتظراً إياها كي تعدل من حالة ثيابها بيدها اليُمني حيثُ مازال مُتمسكاً بكفها الأيسر كمن وجد ضالته بعد عناءٍ في بحثٍ إستمر لأعوام
تحدث أحد رجال الحراسة المتواجد قريباً من موقعهما:
-حمدالله علي السلامة يا دكتورة
بعيناي شاكرة ونبرة هادئة أردفت:
-ميرسي
تحركا بجانب بعضيهما وبلحظة إستمع إلي صوت شد لأجزاء سلاح،دار بعيناه وبات يتطلع حولهُ يتفقد المكان بترقبٍ عالي،تسمرت عيناه علي ذاك القناص المُتخذ مكانهُ بأعلي قمة بالجبل مصوباً سلاحهُ علي تلك المجاورة لهْ وبسرعة البرق ضغط علي الزناد حيثُ خرجت الطلقة وإنطلقت بسرعة الصاروخ موجهةً بحرفية صوب قلب الفتاة
بمهارة عالية وتدريبات يتقنها جيداً شد أجزاء سلاحهُ ووجههُ إليه وبسرعة رمي حالهُ علي جسدها كي يفاديها الطلقةُ الحتمية وضغط فوق زناد السلاح فخرجت طلقة إتجهت واستقرت بين عيناي ذاك القناص مما أدي إلي سقوطهُ من أعلي الجبل لينزل جُثة هامدة،إنبطحت أرضاً واعتلاها بعدما سقط بجسدهِ فوقها
رفع رأسهُ قليلاً ثم تطلع بعيناها المرتعبة وسألها متلهفاً:
-إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بارتعاب والذُعرُ سيد موقفها وتحدثت بنبرة هلعة:
-كارم أنا خايفة
إطمني،قُلت لك خليكِ واثقة فيا…نطقها بإعياءٍ شديد تعجبت لهْ
قاموا رجال الحراسة بتمشيط المكان جيداً وتأكدوا من خلو المكان وعدم وجود المزيد من العناصر الإرهابية،أسرع البعض منهم يتفقدون جُثة ذاك الإرهابي الذي سقط للتو من أعلي قمة الجبل وباتوا يتفقدوه مع إتخاذهم الحِيطة،وجدوه قد لفظ أنفاسهُ فتحفظوا علي الجثة ونقلوها بجانب الجُثةِ الأولي
أسرع إثنان من الرجال إلي كارم حيثُ مازال يعتلي جسد تلك المنبطحة مما أدي إلي تعجُب كلاهما،إرتعش جسد الفتاة خجلاً من رؤية هاتان لمشهدها المُخجل مع ذاك التي إستغربت إستسلامهُ فوقها بهذا الثبات وثُقل جسدهِ الذي أرهقها
جثي أحدهم واقترب من وجه كارم المُلقي علي عُنقها وتحدث مستفسراً:
-إنتَ كويس يا سيادة الرائد؟!
بصعوبة بالغة أخرج صوتاً خافتاً:
-قومني يا أحمد
أشار بكفهُ إلي صديقهُ ورفعاه من فوقها بحذرٍ ثم وضعاه مسطحاً فوق ظهره تحت خجلها الشديد،أستندت بكفاها علي الأرض وأعتدلت جالسة ومازالت تخفض بصرها للأسفل من شدة حيائها من ما حدث
جحظت عيناها حين رأت ذاك المشهد المُرَوَّع،كثيراً من الدماء تسيلُ فوق كنزتها البيضاء وتُلطخها
شعرت بروحها علي وشك المفارقة لجسدها المرتعب،هزت رأسها بارتياب ودعت الله في سريرتها وتوسلت له بألا يكون ما طرأ بمخيلتها حقيقي،توقف مجري الدم بعروقها وتجمد حين رفعت بصرها وتطلعت عليه ووجدت الدماء تسيلُ بغزارةٍ من صَدره
صرخة مدوية خرجت منها بكل ما أوتيت من قوة وصاحت باسمهِ برَهْبان:
-كااااااارم
نظر عليها بانْهاك ظهر بَيِنّ علي ملامحهُ ثم أغلق جفونهُ بارهاقٍ شديد،هرولت إليه وبحركات إضطرابية باتت تتفحص موضع خروج الدماء،كم كان مشهد رؤيتها لدماءهُ مُرَوَّعاً
بنبرة مهتزة وجسدٍ مُرتعب تحدثت إلي الرجال بتكليفٍ:
-إنقلوه علي العربية وحد يتصل بالإسعاف حالاً
علي عُجالة هاتف أحدهم غرفة العمليات الخاصة بالجهاز وأبلغهم بما حدث لسيادة الرائد،أعلموه أنهم سيهاتفون المشفي العسكري ويحثوهم علي إرسال سيارة إسعاف مجهزة علي الفور
حمل الرجال كارم واجلساه بالاريكة الخلفية بالسيارة،جاورتهُ تلك المَذْعُورة بدموعها التي انسابت بغزارة فوق وجنتيها،سحبت الوشاح الموضوع كـ. زينة حول عُنقها وقامت بوضعهِ فوق موضع الطلقة لتحجب خروج الدماء كي لا يحدث لهُ مضاعفات جراء فقدانهُ لكَمٍ كبيراً منها
وقف الرجال جميعاً خارج السيارة،منهم من يتحدث عبر الهاتف كي يقوم باستعجال سيارة الإسعاف،ومنهم من يتابع سير وصول قوات الدعم،والاخرون يقفون بأسلحتهم يترقبون المكان ويقومون بمتابعة المعتقلون
بنبرة مُرْتعبة هتفت مطالبة إياه بتوسُل:
-فتح عيونك يا كارم،إوعي تستسلم وتغمضهم
بنبرة خافتة متقطعة أردف مطمأناً أياها بزيف:
-ماتخافيش يا حبيبي،أنا كويس
شهقات متقطعة خرجت منها جراء بكائها الحار،ومازاد من شهقاتها كلمة حبيبتي التي وبرغم سوء حالتهُ الصحية إلا أنهُ نطقها بعيناي رجُلاً هائماً في غرامِ أُنثاه
صرخ قلبها وحدثها متألماً:
-كم تمنيتُ وحلمتُ مؤخراً بأن أستمعُ لتلك الكلمة المثيرة،أحقاً يقولها الآن وبهكذا توقيت؟
يا الله،لما تتصرفُ معيّ الحياة بهكذا قساوة،أنا لستُ بفتاةٍ سيئةً بهذا القدر؟
ألم أستحق فرصة أفضل من تلك؟
فـ لطالما حلمتُ مُنذ أن أنتقاهُ قلبي وإتخذهُ خليلاً بأن يُفاجأني بإعترافهُ بعشقهِ الهائلُ لي،يجثو أمامي مباغتاً إياي بفتح عُلبة صغيرة يحتوي داخلُها علي خَاتماً رقيقاً كقلبهُ واضعاً إياهُ أمام وجهي،
وعلي أنغام إحدي المقطوعات الموسيقيةِ الراقية يقوم بطلب الزواج مني،تماماً مثلما رأيتُ بأشهر أفلام الرومانسيةِ العالمية
بكت بحُرقة قلب وحدثت حالها:
-إستفيقي وعودي لرُشدكِ يا فتاة،فمتي كانت معكِ الحياةُ عادلةً وأعطت لكِ ما تمنيتهُ لتترقبي الأنُ أيتها الخرقاء!
نظرت علي حبيبها وجدت جبينهُ يتصببُ عرقاً،إبتلع ريقهُ ليُبلل حلقهُ الذي جف جراء ما حدث له،حدثتهُ بهَلعٍ وهي تخبط بأصابع يدها فوق وجنتهُ لتستدعي وعيهُ من جديد:
-خليك معايا،إوعي تسيبني أرجوك،أنا مش حمل أي صدمات تانية في حياتي،مش بعد ما رجعت لي دُنيتي الضايعة تسيبي كدة بمنتهي البساطة وتروح،خليك معايا يا كارم أرجوك
تحدثت دون قيود واخرجت ما في قلبها ظناً منها أنهُ غير واعياً ولم يستمع لكلماتها
رُغم ما يشعر به من ألام مُبرحة لا يضاهيها شيئاً بالكون،إلا أن كلماتها نزلت علي قلبه كقطراتٍ الندي التي تهطلُ علي الزهور في الصباح فترويها وتُنعشها لتتراقص بمداعبة نسماتُ الصباحِ لها
بصعوبة بالغة رفع جفناي عيناه مُتطلعاً بعيناها ثم إبتسم بخفوت تحت خجلها الشديد،وتحدث مداعباً إياها بكلماتٍ متقطعة بفضل إصابته الشديدة:
-تفتكري بعد اللي سمعته منك ده هسيبك وأموت،ده أنا أبقي أكبر مغفل
أجهشت ببكاءٍ مرير وهي تضغط بوشاحها فوق جرحهِ لوقف النزيف إنتظاراً لوصول سيارة الإسعاف،فاسترسل هو من جديد بصوتٍ خافت:
-ما تخافيش عليا،إحنا وحوش وبسبع أرواح،لو طلعت منهم روح،بنلبس اللي بعدها ونرجع أرض المعركة من جديد
إرتفعت شهقاتها وبات صدرها يعلو ويهبط جراء هلعها عليه،ثم تحدثت بعيناي صارخة:
-بلاش تتكلم علشان ما تتعبش
إبتسم لها وبدأت عيناه تترجل دلالة علي وصولهُ علي أعتاب غيبوبة،بقلبٍ مُرْتَاع هتفت وهي تخبط بكفها فوق وجنته ليستفيق:
-فوق يا كارم،إوعي تغمض عنيك،خليك معايا لحد الإسعاف ما تيجي
بصعوبة بالغة فتح عيناه وهمس لها:
-عاوز أعترف لك بحاجة مهمة
ترقبت بعيناي متلهفة،فاسترسل بعيناي حنون:
-أنا شكلي وقعت في الحب اللي عشت عمري كله بهرب منه
إبتسمت بدموعها فاستطرد هامساً بإبتسامة:
-أنا حبيتك يا أيسل
شهقات مرتفعة خرجت منها جراء بكائها الحار وباتت تهز رأسها وهي تنظر له بعيناي عاشقة تخشي الفراق وتهابهُ
حضر ياسين علي رأس قوة الدعم حيث ترجل سريعاً من سيارتهِ تاركاً القوة تتعامل مع هؤلاء الإرهابيين وبات يتلفت بعيناي متلهفة وقلبٍ مُرْتَاع،بدأ يُمشط المكان بعيناه باحثاً عن صغيرتهُ كي يطمأن عليها ويتأكد أنها بخير ولم يصبها مكروه،أشار لهُ أحد الرجال علي مكان إبنته،فهرول إليها حتي وصل لمقر السيارة ثم مال بطولهُ الفارع ونظر بداخلها
كانت تجاور حبيبها الجلوس تضغط بإحدي يداها فوق جرحهُ ومُمسكة باليد الأخري محرمة ورقية تُجفف بها حبيبات العرق المتصببة من جبينهُ،إستمعت إلي صوت أبيها الفَزِع حيث أردف بقلبٍ مُلتاع وانفاسٍ مُتقطعة وهو يتفحصها بهلعٍ:
-أيسل،إنت كويسة يا قلبي؟
إلتفتت خلفها وهتفت بدموعٍ حارقة وعيناي صارخة:
-بابي
نطقتها وأجهشت بنوبة بكاء هستيرية وهي تنظر إليه لكنها مازالت علي حالها ضاغطة بكفها علي جرح خاطف أنفاسها،إستغرب عدم هرولتها إلي أحضانه لتحتمي بداخلها كعادتها،لكنهُ اعتقد أنهُ بسبب الصدمة أو ربما لكي لا تترك ذاك النازف فـ تنتكسُ حالته،قطع شرودهُ وصول عربة الإسعاف،هرول المُسعفون إليه
سحبها ياسين وأخرجها من السيارة ليُفسح لهما المجال لإخراجه،وجذبها محتضناً إياها بقوة تحت بكائها الحار وهي تتشبث بتلابيب والدها مما أظهر كم رعبها جراء ما تعرضت إليه،أبعدها عنه سريعاً عندما لاحظ وجود بقع لدماء فوق كنزتها وبات يتفحصها بقلبٍ مُرتعب وتحدث مستفهماً:
-إيه الدم ده يا سيلا؟
أجابته بدموعها المنهمرة:
-ده دم كارم يا بابي
ضيق عيناه متعجباً من نطقها لإسمهِ دون ألقاب كعادتها،نظر علي عيناها الزائغة والتي تحاصر ذاك المصاب بهلعٍ،أخذ نفساً عميقاً ثم زفره كي يهدي من تشتُت عقلهُ،قبض علي كفها ثم تحرك بها إلي كارم حيث حملهُ المسعفين وقاموا بوضعه فوق الحامل وتحركوا به في طريقهم إلي العربة
تحرك بجانبهُ وتحدث بنبرة وخوفٍ صادق:
-طمني عليك يا حضرة الرائد؟
بصعوبة أردف محاولاً فتح جفونهُ:
-الحمدلله
بعيناي شاكرة تحدث إليه بمؤازرة:
-إتحمل يا بطل،إن شاء الله هتبقي كويس
أومي له بعيناه ثم حول بصرهُ وبات يتطلع علي ذات العينان الباكيتان ثم طبق جفناه فاقداً لوعيهِ بالكامل،وكأن عقلهُ أراد أن يحتفظ بصورتها ليُصبح وجهها المُنير أخر ما رأي
دخل بنوبة فقدان للوعي الكامل وعلي الفور قام المسعفين بإدخالهُ داخل العربة ووضعه علي جهاز التنفس الصناعي لمساعدتهُ علي التنفس بانتظام
جذبت كف أبيها لتحثهُ علي السير نحو سيارته الخاصة ثم أردفت بعيناي باكية مترجية بعد أن فقدت السيطرة علي حالها عندما وجدت باب السيارة يُغلق علي مالكِ الفؤاد:
-يلا بسرعة نروح معاه المستشفي علشان نتطمن عليه يا بابي
قطب جبينهُ وتحدث بنبرة بصعوبة أخرجها هادئة:
-مستشفي إيه اللي عاوزة تروحيها يا سيلا،أكيد مش هينفع،جدك وجدتك هيتجننوا عليكِ في البيت
واستطرد وهو يطوق كتفها بذراعه:
-تعالي إقعدي في العربية علي ما أطمن علي القوة وأشوفهم عملوا إيه وأرجع لك
نظرت عليه تتوسلهُ بعيناها فأطلق زفرة قوية وتحدث أمراً بعيناي حادة:
-قدامي علي العربية يا سيلا.
تسمرت قدماها وباتت تتطلع علي عربة الإسعاف التي إنطلقت مسرعة بطريقها متجهة إلي مدينة الأسكندرية،إنسابت دموعها بغزارة وشحب وجهها وكأن روحها للتو قد فارقتها
كان ينظر إليها بارتياب وقلبٍ مرتبك،مشتت الذهن والكيان مما رأتهُ عيناه،حثها علي التحركت فانساقت معه دون روح،خلع عنه سترته وألبسها إياها كي لا يراها أحداً من أهل المنزل فيصيبهُ الفزع كما حدث معه،إرتدت السترة واستقلت السيارة بانقيادٍ تام وعيناي متحجرة ناظرة بنقطة اللاشئ وكأنها أصبحت صنماً فاقد الحِس عدا دموعها المنسابة وفقط
إطمأن ياسين علي سير الإجراءات والتحفظ علي المجرمين وحمل كِلتا الجثتين لمعرفة هويتهما،وشكر رجالهُ ثم تحرك الجميع عائدون إلي المدينة كُلٍ إلي وجهته
كان يُراقب من تجاورهُ الجلوس بتوجس خشيةً صحة ما طرأ بعقلهِ،أيُعقل!
❈-❈-❈
بعد مرور بعضاً من الوقت
توقف ياسين بالسيارة داخل الحديقة الخاصة بمنزل سيادة اللواء عز المغربي،ترجل منها واستدار للجهةِ الأخري وقام بفتح الباب وإخراج صغيرتهُ المنهارة،أخذها تحت ذراعهُ بعدما لفهُ علي كتفها وضمها إلي صدرهِ بإحتواءٍ كمن يخشي علي رضيعتهُ من النسيم كي لا يخدش جفونها
كانت ترتدي سُترةِ أبيها الخاصة والتي ألبسها إياها خصيصاً كي يخبأ بها منظر الدماء التي لُطِخت بها كنزتها البيضاء كي لا يفزع كل من يراها ويعتقد إصابتها،أسرع الجميع إليها مهرولين حيثُ كانوا بأنتظارها داخل الحديقة بعدما علموا بأمر محاولة الإغتيال التي تعرضت إليها الفتاة من ياسين،حيثُ قام بمهاتفة أبيه وابلغهُ بما جري قبل أن يعلم من خلال مصادرهُ ويُفزع علي الفتاة
هرولت منال بارتعاب بعدما رأت بعض الكدمات التي أصابت وجه الفتاة جراء تخبُط وجهها واصطدام رأسها أثناء المطاردة،انتزعت الفتاة من داخل صدر أبيها لتحتويها بصدرها كي تُطمأن فزع قلبها الذي انتفض رُعباً علي حفيدتها المقربة من قلبها
أبعدتها عن أحضانها ثم باتت تتفحص جسدها بعناية،فُزعت وهتفت هلعاً عندما لاحظت بقع دماء علي كنزتها البيضاء:
-إيه الدم ده؟
وما كان من الفتاة سوي الاجهاش ببكاءٍ حار أظهر كم الألم الذي يسكُن روحها ويوجعها،علي عُجالة عقب ياسين مُطمأناً والدتهُ والجميع الذين فزعوا جراء ما شاهدوه:
-ما تقلقيش يا ماما،أيسل كويسة
باستفسارٍ مهتم أردفت ثُريا موجهة سؤالها إلي ياسين:
-أُمال إيه الدم ده يا ياسين؟
زادت أيسل من شهقاتها الحارة،وكلما تذكرت أن والدها أجبرها علي ترك حبيبها غارقاً في دمائه إرتعبت وانتفض قلبها الصارخ مطالباً إياها بالهرولة إليه كي تطمئن عليه وتكُن بجانبه في ذاك الوقت العصيب وليكُن ما يكون
تنهد بأسي أظهر كم ألمهُ ثم أردف بملامح وجه بدي عليها الحُزن:
-ده دم ظابط الحراسة اللي كان بيحميها
شهقة عالية خرجت من فم مليكة التي وضعت كفها فوق فمها وحولت بصرها سريعاً تتطلع إلي تلك التي تبكي بمرارة وألم إرتياب الفراق يظهر بعيناها،نطقت مليكة مستفهمة من زوجها:
-تقصد الرائد كارم المعداوي ولا حد تاني يا ياسين؟
أخذ نفساً عميقاً ثم زفرهُ بأسي وتحدث بإبانة:
-للأسف هو يا مليكة
إنتفض قلب سارة بعد أن إستمعت لذِكر إسم كارم فتحركت سريعاً وجاورت صديقتها وضمتها لداخل أحضانها وباتت تُربت عليها بمؤازرة ويرجع ذلك لما تعلمهُ عن عِشق أيسل لذاك الذي إمتلك قلبها مؤخراً
هزت ثُريا رأسها يميناً ويساراً ثم أردفت بأسي:
-لا حول ولاقوة إلا بالله،وحصل له إيه يا ياسين؟
عقب علي سؤالها:
-لسة ما أعرفش يا عمتي،هو اتصاب في كتفه بعد ما أخد طلقة كانت قاصدة سيلا
بهلع حولت مليكة بصرها إلي تلك العاشقة فـ رأت جسداً بدون روح،تألمت لأجلها وهتفت راقية بعدما خبطت بكفها فوق صدرها:
-يا مصيبتي،شكلهم كدة كانوا قاصدين يخلصوا منها زي المرحومة ليالي
واستطردت بإبانة:
-أنا لو منك يا ياسين أقعدها في البيت وكفاية اللي حصل لحد كدة،لأن شكلهم كدة مش ناويين يسبوها غير وهي مدبوحة زي أمها
لكزتها ثُريا بذراعها كي تكف عن ثرثرتها المسمومة لكنها لم تهتم
احتدت ملامحهُ غضباً وهتف بنبرة حادة وعيناي مشتعلة بعدما نظر إلي جسد إبنته المرتعب بفضل كلماتها المسمومة:
-مرات عمي،لو عندك كلمة ياريت تحتفظي بيها لنفسك لأني مش هسمح لأي حد يخوف بنتي بكلام تافه
إرتبكت وتحدثت بنبرة متلبكة:
-يعني الحق عليا علشان خايفة علي حياة بنتك يا ياسين؟
صاح بكامل صوتهِ وهتف بلهجة تحذيرية:
-وضع بنتي ما يستحملش أي سخافات،وحياتها أنا كفيل بحمايتها ومش محتاج نصايح لا من حضرتك ولا من غيرك
نطق عبدالرحمن بصوتٍ جاد بعدما رمق زوجتهُ بنظرات صارمة:
-إهدي يا ابني وحقك عليا أنا
باعتذار عقب بنبرة أقل حِدة إستدعاها بصعوبة جراء ما أصابهُ من تلك المرأة غريبة الاطوار:
-العفو يا عمي،أنا اللي أسف علشان غصب عني إتنرفزت في وجود حضرتك والباشا
أومأ له متفهماً ثم رمق زوجتهُ باشمئزاز وهتف طارداً إياها وهو يشير بكفه إلي خارج المنزل:
-روحي علي بيتك ما تجيش هنا تاني،الناس مش ناقصة سخافتك ولسانك اللي بينقط سِم
كادت أن تتحدث باعتراض رمقها بنظرات غاضبة وما كان منها إلا الهرولة من وجه ذاك الغاضب كي لا يشتد حِنقهُ ويُصيبها غضبهُ الغاشم
نظر ياسين إلي أبيه وأردف بنبرة تحملُ كثيراً من الهموم:
-خلي بالك من سيلا يا باشا لأني مضطر أروح المستشفي حالاً علشان أتابع وضع الرائد وأطمن عليه وأقف مع أهله
واستطرد شارحاً:
-وبعدها هتحرك علي الجهاز علشان أبدأ التحقيق
ربت علي كتف إبنهِ بعدما رأي حالة من الشجن تُسيطر عليه وتحدث كي يطمئنهُ:
-روح شوف شُغلك وما تقلقش علي سيلا،أنا بنفسي هخلي بالي منها
إقترب عليها وقام بوضع أناملهُ فوق وجنتيها الناعمتان ليُجفف دمعاتها المُنسابة بغزارة وتحدث وهو يُقبل مقدمة رأسها:
-إطلعي خدي شاور وغيري هدومك وحاولي تنامي يا قلبي
أغمضت عيناها لمداراة ألمها ورُعبها الساكنُ مقلتيها كي لا يظهر ويلاحظه والدها،لكنها غفلت عن أنهُ ذئب المخابرات الذي لا يخفي عنه شيئً،ثم هزت رأسها وهي تومي له بمصادقة علي حديثه،في حين أردفت منال وهي تحتوي الصغيرة وتضمها إلي صدرها من جديد:
-ما تقلقش عليها يا حبيبي،أنا هطلع معاها ومش هسيبها لوحدها غير لما ترجع من شُغلك
أومأ لوالدته وشكرها بعيناه ثم تحرك في طريقهُ إلي مليكة حيثُ كانت تجاور مروان ويُسرا الوقوف،تحركت إليه ووقفا متقابلان بعيداً عن الجميع وتحدث مستفسراً بعدما اغمض عيناه بأسي:
-فين مِسك؟
عقبت بنبرة خافتة تأثراً بالأحداث الجارية:
-سبتها مع دادة عَلية هي وأنس وعز
خلي بالك من الأولاد يا مليكة…نطقها بعيناى وروحٍ مُتعبتان،أمسكت كفاه بمعاونة وتحدثت بعيناي حنون لتبث بروحهِ القوة والتحمل:
-ما تقلقش يا حبيبي،إحنا هنا كُلنا بخير وأنا واخدة بالي كويس
واستطردت بنظرات مُترجية:
-أهم حاجة تخلي بالك من نفسك إنتَ يا ياسين
وبلحظة ظهر ذُعر بَيِنّ داخل مقلتيها واسترسلت بارتعاب:
-أنا ممكن أروح فيها لو جرا لك حاجة،مش هقدر أتحمل،سامعني يا ياسين؟
بلاش تزودي همي بكلامك ده الله يخليكِ يا مليكة،أنا علي أخري…كلمات نطقها بعيناي تترجاها بألا تُزيد من همومهِ،علي عُجالة تحدثت كي تزيل من توترهُ الناتج عن حديثها:
-إهدي يا حبيبي ويلا روح علي المستشفي علشان ما تتأخرش
أومأ لها وسألها مستفسراً:
-عاوزة حاجة؟
سلامتك يا حبيبي…نطقتها بصوتٍ هادئ حنون هدئ من حالته قليلاً ثم تحرك من أمامها واستقل سيارتهُ متجهاً إلي المشفي
صعدت أيسل إلي أعلي بمساعدة منال وسارة اللتان لم تتركاها،جهزت لها إحدي العاملات الحمام كي تنعم بحماماً دافئً ليُزيل من رَوَّعها لكن هيهات،فبمجرد دخولها وغلقها للباب واختلائها بحالها حتي أجهشت ببكاءٍ مرير يقطع نياط القلب
شرعت بنزع ثيابها وخطت بساقان مرتجفتان حتي وصلت إلي كابينة الإستحمام الزجاجية وقامت بفتح صنبور المياه لتنساب فوق جسدها وتختلط بدموعها الحَارة،أسندت بذراعيها علي الحائط الزجاجي وبكت من قلبها المحترق علي فارسها المغوار والتي لا تعلم عن حالتهُ شيئاً يطمئن قلبها المخلوع
شهقت بحرقة وحدثت حالها:
-حبيبي،لا تتركني أرجوك،فلم يعد لدي قُدرة علي إحتمال ألم الفراق،وأي فراقٍ خليل روحي،فراقك سينتزع روحي معهْ
باتت تبكي وتبكي بمرارة عاشقة حتي إنقطعت أحبال صوتها من شدة بكائها المتواصل،إغتسلت بالماء وخرجت من الحمام مرتدية مأزرها الخاص،اسرعت إليها سارة التي أسندتها حتي وصلت إلي تختها وجلست فوقهُ،تحركت منال إلي الأسفل كي تخبر العاملات بصُنع بعض العصائر للفتاة كي تساعدها علي الإسترخاء والنوم
نظرت سارة إليها وبنبرة متأثرة أردفت مستفسرة:
-بقيتي أحسن!
بنفيٍ هزت رأسها وانسابت دموعها من جديد وتحدثت بهلع ظهر بيِنّ بعيناها:
-كارم يا سارة،كارم
إحتوت كفاها وتحدثت بطمأنة:
-ما تخافيش،هيبقي كويس
بقلبٍ ينزفُ دماً عليه إنسابت دموعها،إستمعت الفتاتان إلي خبطات فوق الباب وبعد السماح فُتح الباب ودلفت منه مليكة وهي تحمل صغيرتها وتحدثت علي إستحياء:
-ممكن أدخل؟
جففت أيسل دموعها وتحدثت سارة بنبرة هادئة:
-إتفضلي يا ليكة
تحركت بساقيها للداخل وتحدثت إلي أيسل بخفوت:
-أنا جبت لك مِسك علشان تقعد معاكِ شوية
رفعت بصرها ونظرت إلي الصغيرة وجدتها مبتسمة بوجهها الصبوح،فتحت كفاها لاستقبال شقيقتها فناولتها مليكة إياها،ضمتها إلي أحضانها كي تُشعر قلبها بالطمأنينة ولو قليلاً
جلست مليكة علي طرف الفراش وأردفت بحديثٍ ذات مغزي:
-ما تقلقيش،كل حاجة هتبقي كويسة
نظرت لها بعيناي باكية فابتلعت مليكة لعابها وتحدثت بعدما تحلت بالشجاعة:
-أنا هكلم بابا وأسأله عن حالة الرائد كارم
ياريت…كلمة نطقتها بلهفة ظهرت بصوتها وعيناي متوسلة،اومت لها مليكة وهي تخرج هاتفها من جيب بنطالها وتضغط علي زر الإتصال
هتفت بتوسل:
-ممكن تفتحي الـ سبيكر
هزت رأسها بموافقة وأردفت بنبرة هادئة:
-حاضر
ضغطت فوق زر مكبر الصوت واستمعت إلي صوت ياسين الخافت:
-أيوة يا مليكة
بنبرة هادئة سألته باستفسار:
-طمني يا ياسين،الرائد كارم عامل إيه؟
بصوتٍ متأثر أجابها:
-لسة في أوضة العمليات وما فيش أي أخبار
واستطرد بإبانة وهو يبتعد عن والداي كارم وأشقائه المتواجدون أمام غُرفة العمليات ينتظرون بقلوبٍ مرتعبة،مناجين الله بأن يرأف بحالهم ويُنجي ذاك المغوار:
-الدكاترة قالوا إن الرصاصة عميقة وللأسف نزف كتير،أبوه واخواته إتبرعوا له بالدم
إنتفض جسدها وشعرت بروحها تكاد أن تفارقها،شعرت بها صديقتها فحملت عنها الصغيرة التي إهتزت بين يداها،قامت بوضع كفها فوق فمها لكظم شهقاتها خشيةً إستماع والدها لها
أما ياسين فوضع كف يده وفرك به وجههُ بارهاق ثم استرسل بنبرة مهمومة:
-إدعي له ربنا ينجيه يا مليكة،لو جري له حاجة مش هقدر أسامح نفسي،لأن أنا اللي إختارته لحماية بنتي وأنا عارف الخطر اللي بيحوم حواليها
كانت تستمع إلي صوت والدها بقلبٍ صارخ مُتألم لأجل كلاهُما،حبيبها الراقد داخل غُرفة العمليات بفضلها وهو يصارع الموت لينجو بحاله،وبين والدها الذي يحمل داخل قلبهُ هماً عظيماً ولا يشعر بالطمأنينة بفضل هلعهُ الدائم عليها
الان وفقط أدركت حجم معاناة والدها وصراع روحهُ جراء الخطر الذي يحوم حولها،تيقنت من حجم المخاطر وعذرت والدها علي تصرفاتهُ معها وهي التي إتهمتهُ بالتعنُت وعدم المبالاة بمستقبلها
أغلقت مليكة الهاتف واقتربت من الفتاة التي انكمشت علي حالها وهي تنظر في اللاشئ بذُعرٍ،إحتوت كفاها وتحدثت بنبرة حنون وعيناي متأملة:
-ما تخافيش يا حبيبتي،صدقيني هيبقي كويس
رفعت بصرها وهتفت بهلع:
-إنتِ مش سامعة بابي قال إيه عن حالته
أجابتها بيقين وصل للفتاة:
-إطمني،إحساسي بيقول لي إنه هيبقي كويس،وأنا إحساسي عمره ما خدعني
بلهفة اردفت:
-يارب،يارب يبقي كويس
واسترسلت بعيناي متوسلة:
-إدعي له من فضلك،إدعي له كتير من قلبك
حاضر يا حبيبتي،والله هدعي له…نطقتها بعجالة وهي تربت بحنان فوق كفيها كي تُطمئن روعها ونوبة الهلع التي أصابتها
نظرت لها مليكة بعيناي متأثرة وبدون ادراك وضعت أناملها لتجفف لتلك الجميلة دمعاتها المُنسابة،لمست الفتاة صدق مشاعرها وما شعرت بحالها إلا وهي تُلقي بحالها داخل أحضان تلك التي تعجبت ذاك التصرُف لكنها تداركت الموقف سريعاً وتيقنت بحاجة الفتاة لمن يُشعرها بالطمأنينة والإحتواء
طوقت ذراعيها باحتواء لكتفي الفتاة وباتت تُربت بحنان صادق وتمسح بكف يدها فوق ظهرها،ظلت الأخري تبكي وتفرغ ما بصدرها علي هيأة دموع صارخة
باستحسان نظرت سارة إلي مليكة وشكرتها بعيناها تحت تألُم قلب كِلتاهُما لأجل تلك الباكيةِ المنهارة
أمام غرفة العمليات بالمشفي الخاص بالمخابرات الحربية،يجاور ياسين الجلوس والداي وأشقاء كارم،تحدث إلي والدهُ بمؤازرة:
-إن شاء الله ربنا يطمنا علي سيادة الرائد
عقب دكتور جمال المعداوي بيقين:
-إن شاء الله يا سيادة العميد،كل اللي يجيبه ربنا خير
بعد قليل خرج الطبيب وانتفض الجميع مهرولين إليه،سألته بثينة بقلب أمٍ مُلتاع:
-طمني علي إبني يا دكتور
بوجهٍ مُبتسم تحدث كي يطمأنها:
-إبن حضرتك بقي زي الفل
هتفت مستفسرة بتأكيد:
-بجد يا دكتور؟
أومي لها ثم سألهُ ياسين مستفسراً عن حالته فاجابهُ الطبيب بإبانة:
-حالة سيادة الرائد مستقرة،لان الطلقة في الكتف وبعيدة عن أي مكان يشكل خطورة علي حياته،المشكلة كلها كانت إن الطلقة دخلت في عُمق كبير والمريض نزف كتير،وبمجرد خروج الطلقة ونقل الدم لسيادة الرائد حالته أصبحت مستقرة
واسترسل موضحاً:
-إحنا نقلناه غرفة الإنعاش لمتابعة الحالة،ولما يفوق هندي له مسكن علشان ما يشعرش بألم الجراحة، وبعدها هننقله علي غرفة عادية وتقدروا بعدها تشوفوه
قال كلماته وانسحب،ضل ياسين بالمشفي منتظراً إفاقة كارم حتي يطمأن عليه قبل ان يذهب إلي مقر جهاز المخابرات ليبدأ التحقيق مع الإرهابيين المقبوض عليهم لمعرفة المنظمات الذين يعملون لديهم
عودة إلي غرفة أيسل حيثُ مازالت علي حالتها،تجلس القرفصاء بمنتصف التخت ودموعها مازالت تنساب فوق وجنتيها بغزارة،تجاوراها مليكة التي تحمل صغيرتها وسارة حيث تحتضن صديقتها وتربت علي كتفها في محاولة منها لتهدأتها
نظرت علي مليكة وتحدثت وهي تُمسك كف يدها باستعطاف:
-إتصلي ببابي واسألي علي كارم تاني من فضلك
بـعيناي حائرة وقلبٍ مُرتاب يخشي غيرة متيمها المهووس بعشق أميرة قلبهْ،تطلعت إليها وتحدثت بتَردُّد:
-كدة بابا ممكن يشُك فينا يا أيسل
ترجتها بدموعها التي قطعت نياط قلباي كِلتا المتطلعتان بإشفاقٍ علي حالة تلك العاشقة:
-علشان خاطر ربنا تتصلي،أطمن عليه بس ومش هخليكِ تتصلي تاني
بانصياع واحتراماً لأمر الهوي الذي تملك من قلب الفتاة أجابتها:
-حاضر
إنبثق بريق الأمل داخل عيناها المغرمة وامسكت مليكة هاتفها وطلبت رقم هاتف زوجها مع تفعيل خاصية مكبر الصوت وتحدثت بمراوغة:
-طمني يا حبيبي،عملت إيه في التحقيق؟
أخذ نفساً عميقاً وتحدث بارهاق جلي بصوته:
-لسة ما اتحركتش للجهاز يا مليكة،أنا كُل ده لسة في المستشفى
تحلت بالشجاعة وتحدثت بنبرة جاهدت لإخراجها غير مهتمة كي لا تستدعي غيرة ذاك العاشق:
-بتعمل إيه في المستشفي كل ده يا ياسين؟!
بمرونة بدأت يشرح لها بإبانة:
-العملية كانت صعبة والدكتور لسة مطمنا حالاً،مستني بس لما ينقلوه علي أوضة عادية وأطمن عليه وأتحرك علي الجهاز
واسترسل علي عُجالة بعدما رأي طاقم التمريض يتحركون بذاك المتمدد فوق الشزلونج المتحرك ويتجهون بطريقهم لإيصاله إلي إحدي الغُرف العادية:
-حبيبي،هكلمك بعدين علشان كارم فاق وبينقلوه
تهلل وجه تلك العاشقة بينما حمدت مليكة ربها داخل سريرتها لعدم إكتشاف ذاك الداهي للغرض من وراء تلك المكالمة،نظرت إلي أيسل وتحدثت بإبتسامة خفيفة:
-حمدالله علي سلامته
إبتسمت لها وعلي الفور أمسكت كفها ضاغطة عليه واردفت شاكرة:
-متشكرة بجد
إبتسمت لها ثم رفعت أيسل وجهها للسماء وتحدثت حامدة:
-الحمدلله،الحمدلله
أردفت سارة وهي تجفف لها دمعاتها:
-أديكي إطمنتي عليه أهو،إهدي بقي وبطلي عياط
اومأت لها بدموعٍ تتساقط فرحاً،أما مليكة فتحدثت بعدما إستقامت واقفة إستعداداً للمغادرة:
-حاولي تنامي شوية علشان ترتاحي
واسترسلت بعدما حولت بصرها إلي سارة:
-خليكِ معاها يا سارة ما تسبيهاش لوحدها
حاضر يا ليكة…نطقت بها الفتاة بموافقة وخرجت مليكة حاملة طفلتها كي تذهب للإطمئنان علي صغارها،وما أن تحركت داخل الرواق حتي تقابلت بمنال التي كانت تتقدم إحدي العاملات الحاملة لصينية محملة ببعض الأطعمة الخفيفة وبعض أكواب العصير
توقفت وتحدثت إلي مليكة بنبرة ودودة:
-رايحة فين يا مليكة؟
عقبت الاخري بهدوء:
-هروح علشان الأولاد يا طنط،أيسل الحمدلله بقت أحسن
إبتسمت بخفوت وتحدثت باستحسان:
-متشكرة علي وقفتك مع أيسل يا مليكة
شكر إيه بس يا طنط،إحنا أهل ومافيش بينا الكلام ده…نطقتها بعفوية صادقة فابتسمت لها منال وتحركت كُلٍ منهُما باتجاهها
عودة للمشفي
دخل ياسين للإطمئنان علي كارم بعد إفاقتهُ بالكامل،وجد والدتهُ تقف بجانبهِ وهي تقبل كل إنشٍ يقابلها بوجه صغيرها الذي عاد من الموت للتو،يجاوراه أيضاً والدهُ وأشقائه
إقترب ياسين من كارم وتحدث بابتسامة أظهرت مدي إبتهاجهُ بعودته من جديد إلي الحياة:
-حمدالله علي سلامتك يا بطل
بإبتسامة خافتة أجابهُ بأنفاسٍ متقطعة نتيجة تأثرهُ بالعملية التي أجراها مُنذُ القليل:
-الله يسلم سعادتك يا أفندم
واسترسل بعيناي متلهفة دون مراعاة لأية حساباتٍ أخري متغاضياً عن كل شئ:
-طمني علي دكتورة أيسل
الأن ومن نظرة عيناة المتلهفة إستنتج أن الشعور متبادل،فرد باقتضاب:
-الحمدلله،ماتشغلش بالك بأي حد غير نفسك يا سيادة الرائد
قالها بجمود ثم استرسل بنبرة جادة:
-أنا مضطر أتحرك علي الجهاز علشان أبدأ التحقيق في اللي حصل
واستطرد قبل أن ينسحب إلي الخارج:
-مش عاوز حاجة؟
شكره كارم ووالده وانسحب تحت غضب بثينة التي هتفت بنبرة حادة بعدما تأكدت من خروجهُ:
-مش عاوزين منك حاجة غير إنك تبعد عننا إنتَ وبنتك اللي ما تتسمي
ماما…نطقها محذراً بعيناه فهتفت الاخري بلهجة صارمة:
-بلا ماما بلا بابا بقي،إنتَ لازم تسيب المهمة الشؤوم دي وكفاية اللي حصل لنا من وراها لحد كدة
عقب متعجباً:
-وهو أنا كل ما اتصاب في مهمة هسيبها؟!
وإنتَ بتسمي حراستك للنُغة بنت سيادة العميد مهمة؟
واسترسلت بسخط:
-ده أنا كنت في نص هدومي لما خالتك قالت لي إن مايان شافتك وإنت بتوصل الغندورة كل يوم لجامعتها،قعدت أألف لها قصص علشان أداري كسوفي منها
أردف جمال بنبرة حكيمة:
-كلام إيه اللي بتقوليه ده يا حضرة المُربية الفاضلة يا مثقفة،لما أنتِ بتقولي كدة أُمال خليتي إيه لاصحاب العقول البسيطة
بلا حضرة المُربية بلا مثقفة…نطقتها بحدة ثم استرسلت موجهة حديثها لصغيرها المُصاب:
-إنتَ لازم تعتذر عن المهمة دي يا كارم،أنا مش مستغنية عنك يا ابني
واستطردت بعيناي ترقرقت بهما الدمعات:
-أنا كُنت هموت لما سمعت الخبر يا كارم
تنهد بضيق وتحدث إلي والدتهُ بصوتٍ متقطع:
-ماما،أنا لسة خارج من أوضة العمليات من ساعة واحدة لو مش واخدة بالك
زفرت بضيق في حين تحدث شقيقهُ الأكبر وهو يطوق كتفاي والدتهُ كي يُهدئ من ثورتها:
-إستني بس أما نشوف الحكاية إيه يا بُسبُس
ثم غمز لشقيقهُ وتحدث بنبرة هائمة متهكماً علي شقيقهُ:
-طمني علي دكتورة أيسل يا سيادة العميد
واستطرد غامزاً بعيناه:
-هو سيادة الرائد غرق في حُب بنت سيادة العميد ولا إيه؟
إنتفض قلبهُ ثم تحدث إلي أبيه بنبرة متعبة:
-بابا،أنا تعبان والمُسكن بدأ يشتغل وحقيقي محتاج أنام
مال علي جبين صغيره واضعاً قُبلة حنون وتحدث بمشاكسة:
-أخوك بيضحك معاك،ما تبقاش حمقي قوي كدة
واستطرد بعيناي تشعُ حناناً لعودة صغيره سالماً:
-حمدالله علي سلامتك يا ابني
بابتسامة حنون عقب:
-اللي يسلمك يا حبيبي
ثم نظر إلي والدتهُ وتحدث لمراضاتها:
-مش هتيجي تقعدي جنبي علشان أطمن وأعرف أنام؟
تحركت إليه وجلست بالمقعد المجاور وأمسكت كفهُ وقامت بوضع قُبلة فوقهُ راقت لذاك الذي استسلم لسلطان النوم وغفي بسباتٍ عميق متأثراً بالبنج وعقّار المُسكن الذي تلقاه فور نقلهِ لتلك الغرفة لتسكين ألامه
❈-❈-❈
ليلاً
داخل حديقة سيادة اللواء عز المغربي
حول المنضدة يجلس كُلً من ثُريا وعز وعبدالرحمن ومنال وطارق الذي تحدث إلي أبيه:
-وبعدين يا باشا،هنتصرف إزاي مع أيسل؟
تنهد سيادة اللواء وأردف شارحاً بهدوء:
-خليها علي الله يا طارق،رئيس الجهاز كلمني حالاً وبلغني إن القوات المسلحة بعتت قوة داهمت المقر الرئيسي للجماعة الإرهابية وقبضوا علي بؤر مجاورة ليها
واستطرد بإبانة:
-البلد بدأت تنضف والجيش مش ساكت،بس أكيد مش هيقضي علي الإرهاب بشكل قاطع
واسترسل شارحاً:
-الإرهاب بقي صناعة،الدول الكُبري بتصنعه وتنميه وتحارب بيه البلاد علشان تمنع تقدمها وتنميتها،وتكسر بيه جيوشها وتفتتها علشان تضعفها وتقدر تتحكم فيها وتسيطر عليها بسهولة،وكل فترة تطلع لنا بتنظيم بإسم مختلف بعد ما جيوش الدول القوية تقضي علي اللي قبله وتكسره
واستطرد ذاكراً:
-مرة تنظيم الدولة الإسلامية ومرة داعش وحسم وكله تحت شعار الإسلام،والإسلام منهم ومن أفعالهم برئ
هتفت ثريا بنبرة متأثرة:
-حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم،ربنا عليهم قادر يدمرهم زي ما دمروا بلادنا وضيعوا عقول شبابنا
أما منال فتحدثت متأثرة بحادث ليالي:
-ربنا ينتقم منهم ويحرق قلوبهم زي ما حرقوا قلوبنا علي كل حبايبنا اللي غدروا بيهم
تأثر الجميع بحديثها ثم تنهد عبدالرحمن وأردف بأسي:
-المشكلة إنهم مسخرين كل جهودهم وإمكانياتهم لتشوية صورة الإسلام قدام العالم،بيستعينوا بشوية مغيبين كل اللي بيربطهم بالإسلام الدقن والجلبية البيضا، ويعملوا لهم غسيل مخ ويطلعوا علي المواقع يرددوا كلام زي البغبغانات وهما اصلاً مش فاهمين اللي بيقولوه
أردف طارق موضحاً بهدوء:
-الكلام ده كان زمان يا عمي،حالياً السوشيال ميديا كشفت ألاعيبهم وكل الناس فهموا إنها لعبة وشافوا وشوشهم الحقيقية
تحدثت منال إلي عز بقلبٍ مُرتعب:
-أنا خايفة علي البنت يا عز،لازم تكلم رئيس الجهاز يعين لها طقم حراسة جديد يكون أقوي من اللي معاها
أردف عز بايضاح:
-وهو اللي معاها قصر في إيه بس يا منال،ده الرائد المسؤل عن حمايتها ضحي بروحه وأخد الطلقة مكانها
عقبت ثريا بتأكيد علي حديثهُ:
-عندك حق يا سيادة اللوا،ربنا يحميه ويقومه بالسلامة
أمن علي دعوتها وتحدث موصياً الاخري:
-أهم حاجة خدي بالك من البنت وخليكي جنبها
اومأت له بموافقة وتابع الجميع أحاديثهم
❈-❈-❈
مرت ثلاثة أيام واليوم كان الأول لعودتها إلي جامعتها لمتابعة سير دراستها،مَر اليوم بصعوبة عليها،فكرة عدم وجودهُ حولها كانت تؤلم روحها،تعودت علي وجودهُ وأكتشفت عدم إستطاعتها تكملة حياتها بدونه
وخلال هذة الايام لم تستطع تلك العاشقة الإطمئنان علي حبيبها لغلق هاتفهُ حيثُ أُتلف خلال الحادث واليوم فقط جلب لهُ شقيقهُ هاتفاً جديداً وقام بوضع شريحة الهاتف به
كانت تتحرك أمام البحر ببُطئٍ متأملة مظهر المياة،تراهُ في كل ما تقع عليهِ عيناها،رأت وجههُ الحنون فوق سطح مياههُ الزرقاء،شموخهُ داخل إتساعه اللانهائي،حتي غضبهُ رأتهُ بين أمواجهِ العاتية
نزلت دموعها المُشتاقة لتُعلن عن ضعفها ووصولها للمنتهي،حنينًُ يأخدها إليه تشتاقُ رؤياهُ وتكادُ أن تصلُ لحافة الجنون
إستمعت لصوت وصول رسالة إلي هاتفها الجوال،أخرجته تتطلع علي شاشته،إتسعت عيناها حينما رأت رسالة مفادها أن هاتفهُ المغلق أصبح متاحاً الأن،بلهفة باتت تقلب بهاتفها حتي إستقرت علي نقش إسمهِ وبسرعة البرق كانت تضغط علي زِر إجراء مكالمة
كان يتمدد فوق تخت المشفي سانداً ظهرهُ للخلف،ممسكاً بهاتفهُ يتفحص الرسائل التي وصلتهُ للتو فور إدخال شقيقهُ للشريحة،إنتفض قلبهُ حين رأي عدة رسائل منها
كاد أن يطلب من شقيقهُ المرافق له أن يتركهُ كي يهاتفها قطع حبل أفكارهُ وصول مكالمة منها،إتسعت عيناه وما شعر بحالة إلا وهو يبتسم بشدة حتي ظهر صفاي أسنانه مما جعل شقيقهُ يتعجب
بلهفة تحدث إلي شقيقهُ:
-سيبني لوحدي شوية بعد إذنك يا محمد
كاد أن يشاكسهُ قاطعهُ باستعجال:
-يلا بقي ما تبقاش رخم
غمز له شقيقهُ وتحدث وهو ينسحب:
-ماشي يا باشا،بس راجع لك وأعمل حسابك مش هسيبك غير لما أعرف كل حاجة
إنقطع الإتصال تحت حُزن تلك العاشقة التي عبس وجهها لكنهُ سُرعان ما تبدل لمبتهج بعدما أتاها إتصالاً منه،علي الفور ردت بنبرة أظهرت كم إشتياقها:
-ألو
وحشتيني…نطقها وكأن روحها كانت غائبة والأن قد عادت،تحدثت باشتياقٍ جارف:
-طمني عليك إنتَ كويس؟
وحشتيني…نطقها بصوتٍ متقطع دلالة للتأكيد فابتسمت بسعادة وتحدثت خجلاً:
-حمدالله علي سلامتك يا كارم
بنبرة رجُل مُغرم أجابها:
-الله يسلمك يا عُمر كارم
وكأن لكلماتهِ السِحر،فحولتها من مهمومة عابسة إلي فراشة تطير وتتناقل بين الغصون والزهور ذات الألوان الزاهية،أغمضت عيناها باستسلام كي تستمع لكلماتهِ التي تقع علي مسامعها كأعذب الألحان
بنبراتٍ حنون أردف بصدقٍ شعرت به:
-وحشتيني قوي يا أيسل،هتجنن وأشوفك
وأخيراً تجرأت ونطقت بما أدخل البهجة علي قلبه:
-أنا كمان عاوزة أشوفك،بس مش عارفة إزاي
يا حبيبي…نطقها بصوتٍ هائم وعدم إستيعاب لاندماجها معهُ بالحديث
بدون وعي سألته بحنين ظهر بَيِنّ بصوتها:
-إنتَ هترجع لي أمتي؟
وعت علي حالها فابتلعت لعابها وأغمضت عيناها وبدأت تؤنب حالها وتلومها علي ما نطقت به دون إدراك أو تفكير،أما هو فكان يعيشُ أروع لحظات حياتهْ،فها هو يحيي العِشق الذي طالما إستمع عنه كثيراً،وها هو الآن يلتقي به وجهاً لوجه ويسبح داخل بحرهِ العميق
أيسل…نطقها بنبرة حنون،فردت برقيقة:
-نعم
عقب بصوتٍ أذابها عشقاً ونهي علي تبقي من صبرها:
-بحبك،بحبك يا أيسل،بحبك ودي أول مرة أحسها وأقولها،بحبك ونفسي أكمل عمري اللي جاي كُله معاكِ
أوصلتها كلمات غزلهِ للمنتهي من كل شئ،تنهدت براحة وسعادة ولأول مرة تشعُر بها،وكأنها خُلقت من جديد لتحيا العشق الذي طالما تمنت الدخول إلي عالمهُ الساحر،وها هي الأن تدلف من بابهِ مًمسكةً بيد حبيبها ليخطوا معاً أولي خطواتهم في شارع الغرام
حدثها بنعومة متسائلاً:
-هو حبيبي ساكت ليه؟
بصعوبة أخرجت صوتها متسائلة:
-عاوزني أقول لك إيه
عقب هائماً:
-تقولي لي وأنا كمان بحبك يا كارم
إبتسمت خجلاً وشعر بها فاسترسل عاذراً خجلها:
-طب بلاش بحبك لو مكسوفة،كفاية تقولي لي وأنا كمان
واستطرد بايضاح:
-وأنا هفهم
ضلت صامته فتحدث بمشاكسة كي يحثها علي الكلام:
-ما أنتِ لازم تتكلمي علشان أعرف إذا كُنتي بتبادليني نفس شعوري ولا رافضة حبي وقربي منك
أرادت مداعبتهُ فتحدثت بمشاكسة:
-بلاش تشغل ذكاء ظُباط المخابرات ده عليا،إنتَ عارف كويس قوي شعوري من ناحيتك
واسترسلت مذكرة إياه:
-هو أنتَ ناسي اللي حصل يوم الحادثة؟
تحدث متدللاً عليها:
-بس أنا عاوز أسمعها الوقت منك،ولا خسارة فيا يا أيسل؟
بنبرة حنون أجابته:
-مافيش حاجة خسارة فيك يا كارم
أردف مطالباً إياها:
-طب يلا قولي ورايا،بحبك يا كارم
ضحكت بخبث وتحدثت بمراوغة قبل أن تُغلق الهاتف سريعاً:
-وأنا كمان
نطقتها وضمت هاتفها إلي صدرها وباتت تدور حول نفسها كفراشة من شدة سعادتها،أما هو فاخرج زفرة قوية ليُهدئ من لهيب صدرهُ المشتعل بنار الهوي،ألقي برأسهِ إلي الخلف وأبتسم بشدة وتنهد براحة عجيبة
ليلاً بنفس اليوم
كان يحمل صغيرتهُ ويضمها إلي أحضانه قبل أن يتحرك إلي منزل أبيه حيثُ انهُ منذ وقوع حادث إبنته وهو يبيت بجانبها ليُشعرها بالامان والإطمئنان
كان يستمع إلي ملاغاتها بقلبٍ سعيد يرفرف كَكل مرة يستمع من بين شفتاها كلمة دااااادا التي تجعل قلبهُ ينتفض ويتراقص فرحاً
وقفت لتقابلهُ وتحدثت بملامح وجه حائرة متردّدة:
-ياسين
إيه يا حبيبي…نطقها وهو يشملها بعيناي حنون،فتحدثت من جديد بعدما إستدعت شجاعتها بصعوبة بالغة:
-هو أنتَ مش هتاخد أيسل المستشفي علشان تزور الرائد كارم؟
وكأن بكلماتها الغير محسوبة قد أيقظت الوحش الكاسر الخامد بداخله،فهتف متهكماً:
-نعم يا اختي؟!
ابتلعت لُعابها لتُبلل جوفها الذي جف جراء إرتعابها من ردة فعله العنيفة،وهتفت بملامح وجه شاحبة:
-أنا قصدي إنها تشكره علي اللي عمله معاها،ده أخد الطلقة مكانها يا ياسين
بفظاظة أجابها بسخطٍ:
-هتشكره علي إيه يا هاااانم،ده شُغله يا ماما
نطقت بتلبُك:
-إسمعني بس يا ياسين وحاول تفهمني
ألقي بداخل أحضانها الصغيرة التي تعجبت من تحول ملامح وجه أبيها وتحدث وهو يستعد للرحيل:
-مش عاوز أسمع ولا كلمة ورأيك خليه لنفسك يا مدام
واستطرد وهو يرمقها بنظرات مُرعبة:
-خدي لك ساتر واتقي غضبي يا مليكة
واسترسل مؤكداً:
-خدي لك ساااتر
نطقها وانطلق خارج الحُجرة كالأعصار المدمر متجهاً إلي منزل عز المغربي
نطقت الصغيرة بملاغاة لوالدتها:
-داااادا
إلتفتت إلي الصغيرة وتحدثت بابهام وتيهة:
-داددا هبت منه خلاص يا مِسك،الله يكون في عونك يا كارم،ده أنتَ شكلك كدة داخل علي أيام أسود من قرن الخروب
❈-❈-❈
بعد مرور خمسةُ عشر يوماً علي واقعة محاولة الإغتيال الفاشلة
تعافي كارم وعاد إلي مقر عمله كي يطلب من ياسين مزاولة عمله من جديد بعد أن أذابهُ الحنين لرؤية من حرمتهُ تلك الرصاصة اللعينة من التمتع بالنظر إلي وجهها بعدما أصبحت حياتهُ بدون النظر لعيناها يومياً كصحراءٍ جرداء
دلف إلي ياسين الذي وقف إحتراماً له واستقبلهُ بحفاوة بالغة إمتناناً لما فعلهُ لأجل غاليته،جلسا وطلب قهوة ليحتساها سوياً، وأثناء إرتشافهِ تحدث إلي ياسين بنبرة جادة:
-أنا عاوز أرجع لشغلي مع الدكتورة جنابك
أخذ نفساً عميقاً وعقب بنبرة هادئة:
-لسة بدري علي رجوعك للشُغل يا كارم،خد لك كمان إسبوع أجازة علشان تقدر تسترد كامل صحتك
بثقة عالية أردف بإبانة:
-أنا بقيت تمام معاليك،وأخدت رأي الدكتور قبل ما أجي لحضرتك
تنهيدة حارة خرجت من صدر ذاك الذي يكظمُ غضبهُ منه بصعوبة بالغة ويرجع ذلك لشعورهُ بالإمتنان لفضل كارم عليه وحمايتهُ والنأي بحياة إبنته من محاولة الإغتيال التي كانت ستقضي علي حياتها
تمالك من حالهُ لأبعد حد ونفض عن عقلة تلك الفكرةِ المسيطرة علي مخيلتهُ مقاومًا رغبته في الإنقضاض عليه للفتك بهِ كالأسد الجائع،ثم تحدث ليُعلمهُ بقراره الذي وصل إليه بعد تفكير:
-أنا سحبت منك المهمة وأسندتها لـ أحمد كمال
إتسعت عيناه بذهول وسألهُ مستفسراً:
-هو أنا قصرت في حماية الدكتورة علشان تسحب مني المهمة يا أفندم؟!
بنبرة جادة عقب علي سؤالهُ نافياً:
-لا يا سيادة الرائد،إنتَ ما قصرتش بالعكس،شغلك إنتَ عملته علي أكمل وجه
واستطرد باعلام:
-وأنا قدمت تقرير بالكلام ده ورفعته للإدارة علشان يتضاف لـ ملفك
واستطرد بحديث ذات مغزي وصل معناه إلي ذاك الفطن:
-بس أنا شايف إن كدة أفضل ليك ولبنتي
نظر كارم إلي عيناي ياسين ثم تنفس بقوة لاستدعاء شجاعتهُ وتحدث بنبرة جادة دون مراوغة:
-سيادة العميد،أنا طالب القُرب من سعادتك ويشرفني إن حضرتك توافق علي جوازي من الدكتورة أيسل
جحظت عيناه ورمقهُ بنظرات فتاكة ثم هتف بنبرة ساخطة بعدما هب واقفاً وكأنهُ تحول إلي غول:
-نعم يا حبيبي؟
واسترسل بعيناي تطلقُ شزراً:
-سمعني تاني كدة اللي قولته؟!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)