رواية قلوب حائرة الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت الثاني والأربعون
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني والأربعون
رواية قلوب حائرة الحلقة الثانية والأربعون
#_قلوب حائرة،الجزء الثاني،
بقلمي روز آمين
🦋 الفصل الأول 🦋
أصبحتُ لا أشعرُ بوجودي سوي بداخل دفئُ ضمـ.ـةِ أحضـ.ـانِكِ
أسبحُ في بحرِ عيناكِ الغريقِ وأبحثُ عن كُلي يا كُل ياسينِ
أي أبحثُ داخل عمقهِما عن كينونتي وكياني
خواطر ياسين المغربي
بقلمي روز آمين
داخل مدينة الإسكندرية العريقة، عروس البحر الأبيض المتوسط كما لقبها العَالم،مدينة السِحر والجمال الخاطف للأبصار والأَنْفُسٌ
وتحديداً داخل حديقة منزل رائف المغربي رحمة الله عليه، كعادتها تجتمع العائلة بأكملها حول سُفرة الطعام بإنتظار إطلاق مدفع الإفطار وأذان مَغرب أول أيام شهر رمضان المُبارك في جو ملئ بالروحانيات والبهجة والسرور، حيث زُينت الحديقة بأشرطة زينة رمضان المزودة بالأَهِلَّة والتي إمتدت داخل المكان بأكمله، والفوانيس المُعلقة بإنارتها المُلونة بجميع الألوان مما جعلها تُضفي البهجة علي المكان وتجذب البَصر وتبثُ البهجة والإِسْتِبْشار داخل نفوس الكِبار من العائلةِ قبل الصِغار
يجلس حول الطاولة كُلٍ من عز الذي يترأس بجلوسهُ الطاولة، وزو جتهُ منال وأنجالهُ وأحفاده، وأيضاً ثُريا والرقيقة مليكة وأطفالها الثلاث ، عبدالرحمن وراقية وأولادهما وأحفادهما، نرمين وزو جها وطفلاها عَلي ورائف الصغير والتي أسمتهُ تيمناً بشقيقها الراحل وليكن هذا بمثابة إعتذار علي ما بدر منها من ذنبٍ عظيم بالماضي ، تجلس أيضاً يُسرا وزو جها وأطفالها، حيثُ أنها باتت تُجاورهم السَكن بعدما نقل سليم عملهُ من أسوان إلي ميناء الأسكندرية، وحضر بعائلتهُ للعيش بها بجانب والدة زو جته الحنون،وذلك كي يُطمأن روح يُسرا التي كانت دائمة القلق والحُزن بشأن والدتها
كُلٍ حاضر عدا ذاك الياسين المتواجد بدولة ألمانيا بجـ.ـسدهِ فقط، حيثُ ترك “كُلهُ” بقلب مليكتهُ وسَافر بصحبة صغيرهُ حمزة ليكُن بجوار زو جتهُ ليالي وإبنتهُ أيسل التي وصلت إلي الفرقة الثانية بكلية الطِب البشري بجامعة هايدلبرغ الألمانية، وذلك كي لا يتركُهما تقضيتان إفطار أول أيام رمضان لحالهما، بعدما أصَرت تلك الأيسل بعِناد علي عدم الحضور وتعللت بعدم إستطاعتها علي ترك دراستها ولو ليومٍ واحد فقط، وهذا ما جعل مليكة تعترض بشدة علي مكوث ياسين بألمانيا خمسة أيام متواصلة، وخَلق بينهما مشادة كلامية إنتهت بحِدة ياسين عليها في الحديث ونعْتِها بالأنانية والحماقة مما جعلها تخرُج عن شعورها فاقدة السيطرة وتُغلق الهاتف أثناء حديثهُما دون إستإذان وهذا ما جعل داخل ذاك الياسين يشـ.ـتعلُ نـ.ـاراً من تلك التي تجرأت وأقدمت علي ما لم يستطع قبلها من البشرِ فعلهُ،لكنهُ كظم غيظه الشديد بداخلهُ إكراماً لعشقها الهائل والذي بات يسري بشُريانه كسريان الماء داخل عروق الشجرِ ، ومُنذ ذاك الوقت وكلاهما في حالة قوية من العِناد ولم يحاول مهاتفة نصفهُ الآخر إلي الآن
أما مليكة ، فكانت تجاور ثُريا الجلوس بملامح وجه ذابلة لإفتقادها لحبيبها الروحي التي باتت لا تكتمل إلا بحضرته وبتنعُمها بجواره حتي ولو كانا مُتخاصمان
تحركت تلك العاملة مُني حتي وصلت إلي مقعد مليكة وكانت تجاورها العاملة هُدي التي تُمسك بين يديها بصينية كبيرة موضوع فوقها الكثير من القَنانِيُّ المُعبئة بالعصائر الطازجة والمتنوعة لتتناسب مع أذواق جميع الحضور من العائلة
كانت مُني تُمسك بقنينة العصير المُراد وتقوم بسكبهِ داخل أكواب الحضور علي حسب إختياراتهم التي يفضلونها، وقفت وسألتها بهدوء وإحترام :
– تحبي أحط لك أي نوع من العصير يا ست مليكة ؟
أجابتها بنبرة باردة خالية من أية شغف:
– أي حاجة يا مُني
نظر إليها عز الذي يترأس طاولة الطعام وتنهد بصـ.ـدرٍ مُحمل بثقل من الهموم لأجل تلك العاشقة التي ما عادت تستطيع العيش ولا التنفُس بعيداً عن نِصفها الآخر
أما ثُريا التي تحدثت إلي مُني بنبرة هادئة:
-حطي لها سوبيا يا مُني.
أمسكت مُني قِنِّينَة المشروب وبدأت بسكبهِ داخل كأس مليكة وتحركت للشخص الذي يليها الجلوس
تسائلت راقية بإستفسار خبيث مثل روحها وهي تتناقل بالنظر بين ساعة يدها وبين تلك العاشقة الحزينة :
– يا تري سيادة العميد وليالي فطروا ولا لسة؟
رُغماً عنها إنفطر قلبها حُزناً وذلك لشدة إشتياقها له بجانب غيرتها الشاعلة عليه كلما تخيلته مع ليالي، أجابها طارق مُفسراً بهدوء:
– سيادة العميد فاضل له تقريباً ساعة علي أذان المغرب ، لأن توقيتنا سابق توقيت ألمانيا بساعة
تنهدت منال بأسي وهتفت بإستياء متناسية الجَمع:
– أنا مش قادرة أفهم أيسل ليه صممت تقضي أول يوم رمضان لوحدها هي ومامتها هناك
وأكملت بنبرة مفسرة:
-مع إن ليالي كانت قايلة لي بنفسها إن البنت معندهاش أي حاجة مهمة في الجامعة لمدة التلات أيام اللي جايين.
إستغلت راقية شكوي منال وهتفت بنبرة معاتبة خبيثة وهي تبثُ سُمها كعادتها:
– بصراحة يا منال سيادة العميد مدلع سيلا زيادة عن اللزوم، والبنت بدأت تستغل ده بطريقة مش كويسة
واسترسلت مُتهكمة:
– وقال علي رأي المثل، اللي يلاقي دلع ولا يدلعش يبقي حرام عليه
رمقتها منال بنظرة حــ.ـارقة وهتفت بنبرة حادة صارمة:
-سيلا عاقلة ولا يُمكن تكون بتفكر بالشكل ده يا راقية، خرجيها إنتِ بس من دماغك وسبيها في حالها.
لوت راقية فاهها بإمتعاض وتنفست عالياً وباتت تُقلب عيناها تحت نظرات عبدالرحمن الملامة لها ولكنها وكعادتها لا تبالي
أما تلك الـ لمار التي همست بجانب أذن زو جها بنبرة مستاءة:
-أنا مش قادرة أفهم إيه لازمة إننا نتجمع كُل يوم بالدقيقة والثانية علي سُفرة الملكة ثُريا حتي في أول يوم رمضان
وأكملت بإمتعاض:
– بجد الموضوع بقا أوڤر ومستفز جداً بالنسبة لي
واسترسلت معترضة بإنزعاج:
-يعني إيه معرفش أقضي أول يوم رمضان مع مامي وبابي في بيتهم، لكن في نفس الوقت يسرا ونرمين يقضوه هنا مع مامتهم عادي جداً .
تنهد عُمر من حديث زو جتهُ دائمة الإعتراض والتذمُر علي كُل ما يخص العائلة والعادات المرتبطة بها، تحدث بصوتٍ ضعيف بالكاد وصل لمسامعها :
-وبعدين معاكِ يا لمار، هو إنتِ مش بتزهقي من الكلام في الموضوع ده، قبل كده إتكلمتي مع بابا وهو حذرك من مجرد كلامك فيه تاني
وأكمل بنبرة تهكمية وهو يضحك بطريقة مستفزة:
-شكلك إشتقتي لمحاضرة من سعادته يكلمك فيها عن فوائد التجمع الأُسري ومّديَ تأثيره الصِحي علي سلوك ونفسية الفَرد.
نظرت إليه بضيق في حين وجه لها عز سؤالهُ حينما توقع ما تتحدث به مع زو جها ويرجع ذلك لفطانتهُ كـ لواء سابق في المخابرات الحربية:
– فيه حاجة مضايقاكي يا لمار ؟
إرتبكت وأعتدلت سريعاً بجلستها لتوجه بوصلتها إليه وتحدثت بنبرة متزنة أجادت تمثيلها بإتقان:
– أكيد لا يا بابا،
بإبتسامة مُشرقة إصطنعتها بمنتهي المهارة استرسلت حديثها وهي تتنقل ببصرها بين الجميع بفخر وأعتزاز:
– معقولة أتضايق وأنا وسط أهلي وعيلتي الجديدة
إبتسم بجانب فمه بخفوت وأومأ لها مع عدم تصديقهُ لما تفوهت به، ثم صرف بنظرهِ عنها تحت ضحكات عُمر التي يكظمها خشية من توبيخ أبيه له
إستمع الجميع إلي صوت مؤذن المسجد المتواجد بالمنطقة، فتحدث سيادة اللواء عز المغربي ببهجة إلي جميع الحضور :
-كل سنة وأنتم طيبين، رمضان كريم
ثم نظر إلي ثريا التي تتوسط بجلوسها چيچي زو جة طارق ومليكة وتحدث بنبرة خرجت حنون رغم إجتهادهُ في إخفائها:
-كل سنة وبيتك مفتوح وسُفرتك لامة حواليها كل الحبايب يا ثُريا
إبتسمت بخفة وأردفت قائلة بنبرة هادئة واستحسان:
– وإنتِ طيب يا سيادة اللواء، كل سنة وإنتِ كبيرنا ومحتوينا كلنا بقلبك الكبير وبعقلك الواعي
إبتسم لها ثم هتف بنبرة هادئة قاصداً الرجال وهو يرفع كأس العصير إستعداداً لقُربهِ من فمه للإرتشاف منه :
– يلا يا رجالة إكسروا صيامكم بسرعة علشان نلحق صلاة المغرب جماعة في المسجد ونبقي نيجي نكمل فطارنا إن شاء الله
❈-❈-❈
داخل مدينة أسوان الساحرة، حيث السِحر والمناظر الطبيعيةِ الخلابة التي تأسِر العين والروح
يترأس حسن المغربي طاولة الطعام، علي يمينهُ زو جتهُ الجميلة إبتسام وعلي يساره نجلاه رؤوف الذي تخرج من الهندسة وأصبح يعمل مع والدهُ علي متن البواخر السياحية، وإسلام الذي تخرج من كلية الأثار وعمل بمجال السياحة
تنهد حسن الذي إفتقد وجود إبنة شقيقته يسرا،وذلك بعدما إعتاد علي تواجدها معهُ طيلة الأربع سنوات المنصرمة فترة وجودها داخل أسوان بسبب عمل زو جها، وحزن بعدما قرر سليم ترك أسوان ونقل عملهُ إلي الأسكندرية بعدما تحاور هو ويسرا التي لم تستطع الإبتعاد عن والدتها، فقررا العودة معاً
تحدث حسن بحنين لما مضي:
– رمضان اللي فات يسرا وأولادها كانوا معانا وماليين علينا البيت وعاملين لينا حِس
تنفست إبتسام وتحدثت بهدوء:
-عندك حق يا حسن، البيت فضي علينا بعد ما سافروا، وحشوني أوي بس هقول إيه، ربنا يوفقهم في حياتهم
تحدث إسلام وهو ينظر إلي شقيقهُ ويغمز له بعيناه:
-هو إحنا مش هنسافر علشان نقضي يومين في رمضان مع عمتو ثريا ولا إيه يا بابا ؟
أجابهُ حسن بتأكيد:
– أيوا طبعاً هنسافر علشان عمتك وعلشان نعمل الواجب مع أولاد المرحوم رائف، وكمان علشان أختك وأولادها
إبتسم إسلام وهمس بجانب أذن شقيقهُ:
– أي خدمة يا هندسة
همس رؤوف هو الآخر قائلاً بدعابة:
_أردها لك قريب لما تتزنق إن شاء الله يا حبيبي
قطبت إبتسام جبينها وتحدثت بدهاء وهي تنظر إلي نجليها:
– يا أما نفسي أفهم طول الوقت حاطين بوزكم في بوز بعض وبتتوشوشوا في إيه!
أجابها رؤوف قائلاً بدعابة:
-ما تفكك مني أنا وإسلام يا بسمة وتركزي شوية مع الحليوة اللي قاعد جنبك ده
وأكمل بلطافة:
-بدل ما هو مقضيها في الباخرة زي النحلة اللي بتتنقل بين الزهور، إيشي طليانية وإيشي ألمانية علي فرنسية
إتسعت عيناي حسن وهتف قائلاً بدعابة :
– أدي أخرة اللي يشغل إبنه معاه في مكان واحد
قهقه نجلاه علي دعابته في حين تحدثت بسمة التي أمسكت كف يـ.ـد زو جها ونظرت إلي نجلها قائلة :
-مش هتعرف تدخل لي من الحتة دي يا باشمهندس
وأكملت وهي تنظر لعيناي حبيبها بهيام ونبرة صادقة:
– اللي إختارني زمان وفضلني علي كل البنات اللي كانت حواليه وبتتمناه، لا يمكن أصدق إنه يبص لواحدة غيري أبداً مهما كانت المُغريات ومهما مّر العُمر ومضي
إبتسم لها ورفع كف يـ.ـدها ووضع عليه قُبـ.ـلة حنون وتحدث بنبرة صادقة واستحسان:
– وأنا لو لفيت الدنيا كلها هلاقي ظفرك يا بسمة، ده إنتِ هدية ربنا ليا اللي كافئني بيها وعرفت قد إيه سبحانه وتعالي بيحبني وراضي عني
شعرت بقلبها يتراقص من شدة سعادته جراء إستماعها إلي كلمات زو جها الصادقة لها، وباتت تتبادل معهُ نظرات الغرام غير مباليين بكِلا الجالسان
في حين تحدث رؤوف إلي أخاه قائلاً بمداعبة والديه:
-خلص أكلك بسرعة خلينا نقوم علشان شكلنا بقا وحِش أوي.
أطلق الجميع الضحكات وأستمروا بتناول طعامهم مع أحاديثهم الشيقة التي لا تنتهي
❈-❈-❈
أما داخل دولة ألمانيا وبعد مرور حوالي ساعة
بالحديقة الصغيرة الملحقة بالمنزل الذي إستأجرهُ ياسين وحاوطهُ بمجموعة من أكفئ رجاله المخلصين كي يؤمنوه ليطمأن علي حماية صغيرته وزو جتهُ في هذا البلد الغريب
كان يقف أمام رجاله ونجله حمزة الذي بلغ عامه الرابع عشر، يؤم بهم لصلاة المغرب، بعد قليل إنتهي من الصلاة وأخرجت العاملة طعام الإفطار الخاص بطاقم الحراسة ورصتهُ فوق المنضدة برتَابة، وتحرك ياسين وحمزة لداخل المنزل ليتناولا إفطارهُما جانب أبنته وليالي
رسم إبتسامة واسعة فوق شفتاه رُغم الألم الذي يعتصر قلبهُ والوحدة التي يشعر بها بعيداً عن تجمُع عائلتهُ في أول يوم من شهر رمضان المُبارك ككُل عام، وما كان يؤرق روحه أكثر هو إشتياقهُ الجارف لمتيمة قلبهُ العاشق الذي يَئنُ ويتحرقَّ شوقاً لرؤياها التي تُبهُج النفس وتجعل السرور يتخلل لكل خليه بجـ.ـسده فينتفض ويفيضُ فرحَ، فبرغم مرور كُل تلك السنوات علي زو اجهما إلا أن نيـ.ـران عشقهِ الجارف لم تخمُد ولم تهدأ بَعْدْ ،بل تتزايد وتشـ.ـتعل داخل قلبيهما
سحب المقعد المخصص له وأردف قائلاً بنبرة حنون وهو يجلس:
-كل سنه وانتم طيبين ورمضان كريم
إبتسامة خفيفة خرجت من ليالي التي تعلم مّدي حُزنهُ من عدم تواجدهم بصحبة العائلة في ذاك اليوم المميز للجميع وهذا شعورها هي أيضاً
أما تلك الـ أيسل التي إبتسمت بسعادة وكأنها حققت أعظم إنتصاراتها بعدما جعلت والدها ينساق إلي رغبتها ونجحت بأبعاده في تلك الليلة المميزة عن تلك المليكة التي أصبحت لا تبغض أحداً بالعالم مثلما تبغضها وذلك لشدة غيرتها علي أبيها منها
بدأو بتناول طعام الإفطار تحت شرود ياسين وضيق ليالي من إبنتها وذلك لرغبتها السابقة في حضور أول يوم من هذا الشهر المعظم في الجو العائلي وايضاً رؤية والدتها وشقيقتها “داليدا” وصديقاتها
مدت ليالي يـ.ـدها وناولته كأسً من المشروب الذي يعشق “ياسين” تناولهُ بهذا الشهر الكريم وهو “الخُشاف” لا غير وتحدثت بإبتسامة هادئة:
-الخشاف يا “ياسين”.
تناولهُ من يـ.ـدها مع إبتسامة هادئة وأردف شاكراً بهدوء:
-تسلم إيدك يا” ليالي”.
أمسك الملعقة وتناول من الكأس ملعقتان ليتذوقهُ، نظرت إليه وتحدثت بترقب:
-عجبك الخُشاف يا حبيبي؟
إبتسم لها وتحدث بكذب مقبول لعلمهِ عدم إجادة ليالي لذاك المشروب المحبب لديه والذي لم يتكـ.ـيف بتذوقهُ سوي من صُنع عمتهِ “ثُريا” وأسِرت قلبهُ ومعذبتهُ تلك التي ملكته وتملكت من كيانه”مليكة”:
-حلو أوي يا “ليالي”، تسلم إيدك
تنفست بإنتشاء وسعادة وبدأت بتناول الطعام في حين تحدثت” أيسل” إلي أبيها وهي تغمرهُ ببعض الإبتسامات الرائعة التي تُدخل السرور علي قلب ذاك الياسين عاشق صِغاره:
-بالهنا والشفا يا بابي
إبتسم لها بهدوء ثم وضع الكأس جانبً وبدأ بتناول الطعام، نظر إلي حمزة ولملامح وجههِ السَاكنة وتحدث متسائلاً بإستفسار:
-مالك يا حمزة؟
تنهد الفتي وتحدث بتبرم:
-مش مبسوط يا بابي، أول مرة أقضي أول يوم في رمضان بعيد عن جدو وتيتا ثُريا ولمة العيلة
واسترسل بضيق ظهر علي ملامح وجهه:
-ممكن تقولي إحنا هنا ليه وبنعمل إيه في ألمانيا؟!
واستطرد ناظراً لأبيه بتعجُب:
-أنا لحد الوقت مش قادر أصدق ولا مستوعب إن حضرتك وافقت سيلا علي جنانها في إننا نقضي أول يوم هنا بعيد عن بلدنا والعيلة وأصحابنا
صاحت تلك الغاضبة بشقيقها قائلة بحنق:
-لو زعلان أوي كدة علي إنك ضحيت بلمة العيلة العظيمة وشايف إنك مقـ.ـهور لما قضيت معايا أنا ومامي أول يوم يبقي بلاش تيجي لنا زيارات تاني يا حمزة بيه
أيسل..كلمة جادة نطق بها ياسين وهو يرمقها بنظرة حـ.ـادة كنظرات الصقر
كعادتها مطت شفتاها بحزن ونظرت للأسفل وتحدثت بنبرة حزينه لتستجدي تعاطف والدها:
-حضرتك مش سامع كلامه يا بابي، المفروض إن عيلتنا الصُغيرة أهم حاجة ولازم تبقي في مقدمة أولويات حياتنا وترتيبها ييجي قبل العيلة الكبيرة
أجابها بإعتراض مصححاً لها رؤيتها الضيقة للمعني الشامل للعائلة:
-غلط يا سيلا، قوتنا في قوة لمتنا وتماسك عيلتنا الكبيرة، إنتِ فكرتي بمنتهي الانانية في نفسك وفي عيلتك اللي جمعتيها حواليكي
واسترسل وهو يُشير إلي ليالي:
– ونسيتي إن أنا وماما عيلتنا واهالينا كلها هناك، وحتي إنتِ وحمزة لمتكم وعيلتكم الصُغيرة زي ما بتقولي ناقصة
واستطرد عَاتباً عليها:
-إنتِ ناسية أخوكِ الصُغير اللي بعيد عننا، ولا إنتِ مش معتبرة عز أخوكِ؟
تلبكت وتحدثت بنبرة صادقة:
-إيه الكلام اللي بتقوله ده يا بابي، أخويا طبعاً وحضرتك متأكد إني بحبه جداً
واسترسلت بنبرة حزينة كي تستدعي تعاطف الجميع إليها:
-بس كمان المفروض حمزة يكون مقدر الظروف اللي إضطرتنا نكون هنا في اليوم ده،مش يقعد يضايقني كل شوية بكلامه ويحـ.ـسسني إني إرتكبت ذنب عظيم علشان فضلت دراستي وخفت علي مستقبلي ليتأثر
ثم نظرت إلي أبيها ومطت شِـ.ـفتها وتحدثت بتـ.ـألُم تـ.ـألم لهُ ياسين:
-هو أنا يعني منزلتش مصر بمزاجي؟
زفرت ليالي وتحدثت بتبرم:
-وبعدين معاكم بقي، إسكتوا وخلوا بابي يكمل فطاره وكلوا إنتم كمان
تنهد ياسين وتحدث مؤكداً علي حديث زوجته:
-ماما عندها حق، ده مش وقت كلام ولا عتاب، إتفضلوا كلوا قبل الأكل ما يبرد
ثم رسم إبتسامة زائفة علي وجهه وتحدث بنبرة هادئة:
-كُل سنة وإنتم طيبين
إبتسم له الجميع ورددوا بحفاوة:
-وإنتَ طيب
بعد قليل إنتهي ياسين وأسرته من الطعام وجلسوا لتناول مشروب القهوة، جلست أيسل داخل أحـ.ـضان والدها كي تُنسيه حُزنه التي رأته داخل عيناه،شدد هو من ضمـ.ـتها ووضع قُبـ.ـلة حنون فوق مقدمة رأسها وهو يُربت علي ظـ.ـهرها بحِنو، إستمع إلي صوت مكالمة فيديو كول، نظر بشاشة هاتفه وجد الإتصال من شقيقهُ طارق، فتح الكاميرا سريعاً وهتف بنبرة حماسية:
-طارق باشا، كل سنة وانتَ طيب يا حبيبي
هلل طارق قائلاً بنبرة حماسية كعادته:
-وإنتَ طيب وبخير سعادة العميد
وأكمل وهو يوجه كاميرا جهاز الحاسوب إلي الصغير الذي أصّر علي مهاتفة أبيه بإلحاح وذلك لشدة إشتياقه لرؤيته التي إفتقدها مُدة الخمسة أيام المُنصرمة:
– إستلم عز باشا الصُغير،شكله إشتاق للباشا الكبير
هلل الصغير الذي أتم عامهُ الرابع، قائلاً وهو يري وجه عزيز عيناه أمامهُ في شاشة الهاتف:
-بابي، وحَشت عزو كتير
إنتفض قلب ياسين من مكانه وباتت دقاتهُ تتعالي وهتف بسعادة ظهرت فوق ملامح وجههُ من رؤية إبنه الذي إنتظرهُ وحلم بمجيئه مُنذ أول مرة رأي فيها مالكة فؤاده وحلُم بأن يكون لهُ ولداً منها ليشعر بإمتلاكهُ لكل ذرة بها :
– يا حبيب قلب بابي من جوة، إنتَ اللي وحشتني أوي يا حبيبي
تحدث الصغير قائلاً بنبرة طفولية:
– إنتَ هتيجي أمتي يا بابي علشان تجيب لعزو فانوس رمضان
أجاب صغيره بنبرة حماسية:
– هاجي بكره يا حبيبي، وهجيب معايا أحلا فانوس لـ عز حبيب بابي
صفق الصغير بكفاي يـ.ـداه مهللاً وحضر مروان وتحدث إليه ، وأنس وأيضاً ياسر إبن يسرا، وانضمت أيسل إلي أبيها كي تحادث شقيقها وليالي التي تحدثت إلي الجميع وهنأتهم بحلول شهر رمضان المبارك
كان يتحدث مع الجميع ويترقب بشدة ظهور وجه سارقة النوم من عيناه حتي فقد صبره جراء عدم ظهورها وسأل ثريا عنها تحت غضب أيسل وغيرة ليالي ، فأخبرتهُ أنها صعدت للأعلي لأخذ أدويتها الخاصة بالحمل
سألت أيسل يسرا بإهتمام:
-هي فين سارة يا عمتو؟
تلفتت يسرا حولها بعناية تتفقد إبنتها سارة التي بلغت عامها التاسع عشر وأصبحت شابة جميلة، لم تجدها حولها، فعادت ببصرها من جديد إلي جهاز الحاسوب وأجابت أيسل علي سؤالها:
– مش عارفة يا سيلا،تقريباً كدة دخلت التواليت
أما بالأعلي، كانت تقف أمام مرأتها تنظر لإنعكاس صورتها وهي تتحـ.ـسس بطنها الذي بدأ بالظهور جراء وصولها بحملها إلي الشهر الرابع والحزن والألم هما من يسيطرا علي ملامح وجهها وهي تتذكر مشاداتها الكلامية معهُ بالأمس حينما كانت تنتظر عودته من ألمانيا لقضاء أول سحور بشهر رمضان، لكنهُ فاجأها أنهُ إنتوي قضاء اليوم الأول بصحبة ليالي وأيسل بعدما أصّرت الأخيرة علي عدم نزولها إلي الإسكندرية وبقائها داخل ألمانيا متحججة بدراستها
في الأسفل
داخل غرفة جانبية، دلفت إليها تتسحب بهدوء وهي تُغلق الباب خلفها بحذر، رفعت هاتفها الذي يصدح رنينهُ وضغطت زر الإجابة وأردفت بنبرة تهيمُ شوقاً:
-ألو
رد عليها ذاك الفارس الجالس خلف مكتبهُ بداخل غرفته بعدما تناول إفطارهُ بصحبة والداهُ وشقيقهُ إسلام :
– كل سنة وإنتِ طيبة
خرجت منها إبتسامة سعيدة أظهرت صفي أسنانها البيضاء وأردفت قائلة بنبرة رقيقة:
-وإنتَ طيب يا “رؤوف”
استرسل “رؤوف” حديثهُ قائلاً بنبرة حزينة:
-أول مرة من أربع سنين أفطر أول يوم رمضان من غيرك.
إنهُ”رؤوف حسن المغربي”، ذاك الخلوق الذي نَشبَت شرارة وتحولت إلي قصة حب نشأت بينهُ وبين “سَارة” عِندما ذهبت إلي أسوان بصحبة والدتها وشقيقها مع الباشمهندس سليم حين كانت في الخامسة عشر من عمرها ، وذلك بعدما تزوج من يسرا وأنتقل بها للعيش داخل أسوان، لكنهُ إنتقل بعمله إلي الإسكندرية منذُ ستة أشهر بعد إلحاح شديد من يسرا لتعود بجانب والدتها من جديد كي ترعَاها
وأكمل بنبرة حنون:
-بابا جاب سيرتكُم النهاردة علي الفطار وكان زعلان جداً
أجابتهُ بهدوء:
-أنا كمان كنت متضايقة
وأكملت بنبرة رقيقة يملؤها الإشتياق:
-قضيت اليوم كُله وأنا بفتكر تفاصيل السنة اللي فاتت لما جهزنا الفطار كُلنا ، وأنا وإنتِ عملنا الكُنافة والخُشاف مع بعض
وسألته برقة:
-فاكر يا “رؤوف”؟
أجابها بنبرة تقطرُ شوقاً للذكريات:
-عُمري ما بنسي أي حاجة جمعتنا وعملناها مع بعض يا “سَارة”
وأكمل بنبرة حنون:
-وحشتيني قوي يا “سارة”
خجلت من نبراته العاشقة، فسألها كي يُشبع رغبة العاشق بداخله:
– هو أنا موحشتكيش ولا إيه؟
إزدادت سُرعة دقات قلبها وبدأ صـ.ـدرها يهبط ويعلو من شدة خجلها الممزوج بالسعادة الهائلة، أنقذها صوت إبتسام التي إقتـ.ـحمت الغُرفة علي نجلها وهي توبخهُ بدعابة قائلة:
– إنتَ سايبني أنا وأخوك ملبوخين في لمْ السُفرة وتنضيف المطبخ وقاعد تتكلم في التليفون يا “رؤوف” بيه ؟
زفر بقوة وتحدث ساخراً :
-دخلتين كمان زي دول وهقطع الخَلف خالص، وساعتها إبقي إفرحي بالقوي بخِلفتك اللي هتبقي زي قلِتها يا “بسمة”
ضحكت بصوتٍ عالِ وأيضاً “سارة” التي لم تستطع تماسك حالها فقهقهت عالياً مما جعل رؤوف يتحدث إليها بمراوغة:
-لا والله، عجبك أوي الكلام يا سي إسماعيل
إرتبكت وانتفض جـ.ـسدها رُعبً وبسرعة البرق أغلقت هاتفها مما جعل رؤوف يستغرب ردة فعلها وينظر بشاشة هاتفه ليتأكد،ثم نظر إلي والدتهُ وأردف قائلاً بنبرة لائمة:
-عجبك كدة يا ست ماما،أهو صاحبي إتحرج من إسلوبك معايا وقفل الخط.
إبتسمت ساخرة بجانب فمها وأردفت بذكاء:
-صاحبك؟ علي ماما الكلام ده بردوا يا سي رؤوف
ضيق عيناه وهز رأسهُ بإستسلام قائلاً:
-روحي يا بسمة علي المطبخ وأنا جاي وراكي
تحدثت وهي تواليه ظهرها في طريقها للخروج:
-أديني خارجة لما أشوف أخرتها معاك يا إبن المغربي.
أمسك هاتفهُ وبدأ بكتابة رسالة نصية ليبعث بها إلي حبيبته الرقيقة
أما عند سارة التي أغلقت معهُ وصعدت سريعً عند مليكة كي لا تدع فرصة للشك بأن يتسلل إلي قلب والدتها عندما تكتشف إختفاءها وتسألها إلي أين ذهبت، دلفت إليها بعدما طرقت بابها، وجدتها تجلس بإسترخاء فوق تختها مستنده علي ظهره وتضع كف يـ.ـدها فوق بطنها تتحـ.ـسسها برعاية وكأنها تُربت علي جنينها وتُطبطب عليه
إبتسمت لها وسألتها بإهتمام:
– قاعدة لوحدك ليه؟
أجابتها مليكة بهدوء:
– كُنت باخد الفيتامين بتاعي
وأكملت مشيرة إليها بيدها قائلة:
– تعالي إقعدي.
تحركت بالفعل وجلست علي حافة التخت، إستمعت إلي صوت يُشير بوصول رسالة نصية إلي هاتفها، ففتحتها وقرأت ما بداخلها وكانت كالأتي:
-هتفضلي طول عمرك جبانة، بس مش هسمح لك تهربي مني كتير، هكلمك بعد صلاة التراويح، إستنيني
تنهدت براحة ظهرت فوق ملامح وجهها الذي تزين باللون الوردي من شدة سعادتها مما جعل مليكة تلاحظ تلك التغيرات وتساءلت بنبرة دعابية:
– للدرجة دي الرسالة حلوة؟
إرتبكت ونظرت إليها سريعً وهتفت بتلبك:
-دي رسالة من واحدة صاحبتي في الجامعة.
إبتسمت “مليكة” وهزت رأسها بتفهم وفضلت الصمت كي لا تُزيدها علي تلك البريئة
سألتها “سارة” وهي تنظر إلي بطن مليكة في محاولة منها إلي تغيير مجري الحديث:
– عرفتي ولد ولا بنوتة؟
حركت رأسها يميناً ويساراً في حركة نافية وأردفت قائلة:
– لسه، عندي ميعاد مع الدكتورة بعد يومين، هتعمل لي سُونار وتبلغني بنوع الجنين لأني وصلت للشهر الرابع خلاص
سألتها تلك الرقيقة من جديد:
_ طب إنتِ عاوزة ولد ولا بنت؟
إبتسمت بخفة وأردفت بصدق:
_ كل اللي يجيبه ربنا كويس، أهم حاجة الطفل ييجي بصحة وعافية.
تكملة الفصل الأول 🦋
داخل مسكن سالم عثمان
كان يجلس فوق الأريكة بصُحبة زوجته سُهير وهي تحمل صغيرة نجلها شريف التي بالكاد أكملت شهرها السابع،والتي أطلقوا عليها إسم “هَمسة”، ويجاورها” علي” صغير شريف، يقابلهم “شريف” الذي يجلس بمقعداً مقابلاً
أقبلت عليهم علياء وهي تحمل بين ساعديها صّنية موضوع عليها الكؤوس المعبئة بمشروب “الخُشاف”، وبعضً من الصُحون المليئة بالحلوي التي إرتبط إسمها بشهر رمضان المعظم
تحركت إلي والد زو، جها وتحدثت بإحترام وهي تُبسط لهُ ساعديها قائلة بنبرة هادئة:
-إتفضل يا عمو
تناول كأس المشروب وتحدث بنبرة حنون:
– تسلم ايـ.ـدك يا بنتي
تحدثت شاكرة بإحترام:
– بالهنا والشفا.
وقدمت إلي والدة زو، جها وشريف ثم وضعت ما بيـ.ـدها فوق المنضدة وحملت إبنتها عن سُهير، تحركت وجلست بجانب زو، جها الذي تحدث قائلاً بنبرة حنون:
– تسلم إيـ.ـدك يا حبيبتي
إبتسمت له وتناولت صَحنً من الحلوي وبدأت تتناولهُ، سأل سالم إبنه قائلاً بإهتمام :
-فكرت يا أبني في موضوع قعادكم معانا طول شهر رمضان زي ما قولت لك إمبارح؟
نظر شريف إلي علياء ليستشف رأيها الأخير قبل أن يُجيب أبيه، حيث طلب سالم وسُهير من شريف وعلياء المكوث معهما داخل الشقة طيلة شهر رمضان ليقضيا معاً الشهر بصحبة طفليهما حتي يشعر الجميع ببركة الشهر وجَمعتهُ الطيبة ،وسألها شريف بوضوح أمام والداه:
-إيه رأيك يا عالية؟
وجد منها القبول التام حين أردفت بنبرة لينة:
-ودي حاجة محتاجة سؤال يا شريف، طبعاً موافقة.
إبتسمت سُهير وهتفت برضا:
-رمضان بيحب اللمة يا ولاد، والشقة كبيرة وفاضية عليا أنا وسالم، هنفطر ونتسحر مع بعض ولما الشهر يخلص علي خير إبقوا إرجعوا شقتكم تاني.
أومات لها علياء وأردفت قائلة بنبرة هادئة:
-إن شاء الله.
وأكملت بإستحسان وإشادة وهي تتناول قطعة حلوي بالشوكة:
– تسلم ايدك يا ماما، الكنافة طعمها حلو أوي
سعدت سُهير بإشادة زو جة ولدها بصنع يداها ونطقت بنبرة حماسية:
-بالهنا والشفا
ثم تذكرت وسألتها بنبرة جادة:
– هديتي النار علي الفول علشان يتدمس كويس قبل السُحور يا عالية؟
أجابتها بنعم واكملوا حديثهم منتظرين أذان العشاء كي ينصرف الرجال إلي المسجد لتأدية صلاة التراويح والنساء يؤدياها بالمنزل
❈-❈-❈
خرج “ياسين” إلي الحديقة وبدأ يمارس رياضة المشي حتي يستطيع تهدأت حالهُ من حالة الأسي التي أصابته جراء حزن متيمتهُ وإستيائها منه، كان شارداً فيما دار بينهُ وبينها بالأمس من حديث إنتهي بمشاجرة ، أخرجهُ من شروده صوت أيسل التي إقتربت عليه وتحدثت وهي تناولهُ قدحً من القهوة التي أوصت العاملة علي صُنعه كي تستجدي به رضا أبيها وتُخرجهُ من حالته تلك
تحدثت أيسل وهي تُبسط ساعديها بقدح القهوة:
-قهوتك يا Dad
إنتبه لصوت صغيرته ومد يـ.ـدهُ وتناول منها قهوتهُ وشكرها قائلاً بنبرة باردة:
-تسلم ايدك يا حبيبتي
نظرت إلية ومطت شفتاها كي تستجدي تعاطفهُ وأردفت متسائلة بنبرة حزينة مصطنعة بالتأكيد:
-بابي، هو حضرتك زعلان مني؟
هز رأسهُ بنفيٍ زائف وتحدث كي لا يُحزنها:
-لا يا حبيبتي مش زعلان
إقتربت عليه ودفنت حالها داخل أحـ.ـضانه وشددت من ضمة ساعديها حول جـ.ـسده مما أدخل السرور علي قلب “ياسين” ،وتحدثت بصوتٍ متأثر كي تستدعي حبهُ الهائل لها:
-علي فكرة يا بابي، أنا لما قولت لحضرتك إني مش هينفع أنزل مصر أول يوم رمضان مكنش قصدي إني أبعدك عن العيلة
وأكملت بزيف لأنها كانت تتيقن أن أبيها لن يتركها هي ووالدتها تقضيتان أول أيام الشهر الفضيل لحالهما:
-ولا كُنت أعرف إنك هتقرر تقضيه معانا هنا إنتَ وحمزة
واستطردت:
-أنا فعلاً مكنتش عاوزة أشتت ذهني بالسفر وأنا عندي lecture ( محاضرة) مهمة جداً رابع يوم رمضان ولازم أذاكر كويس قبلها
لف ذراعهُ الخالي من قدح قهوته وضمها إلي صـ.ـدرهُ بحنان كي يُطمئن روح الطفلة المُشتتة بداخلها والتي تنقسم ما بين مراضاة عزيزُ عينيها وبين رغباتها المُلحة بالإستحواذ عليه وإبعاده بشتي الطُرق عن مليكة ، هو يعلم جيداً كُل ما يدور بمخيلة صغيرتهُ ويُقدر المرحلة العمرية الحرجة التي تمر بها تلك المراهقة
فتحدث بنبرة حنون لإحتواء روحها المُتبعثرة:
-أنا عارف كُل الكلام ده يا سيلا وإنتِ مش محتاجة تفسري لي موقفك
وأكمل بذكاء لتذكيرها:
– لأني واثق فيكي لأبعد الحدود،وعارف إن بنتي اللي ربيتها كويس لا يُمكن تسمح للشيطان بإنه يغلبها ويحاول يغير طهارة روحها البريئة
أخرجت تنهيدة حارة علي صـ.ـدر “ياسين” فشعر هو بها فتحدث بنبرة هادئة كي يُخرجها مما هي عليه متسائلاً بإهتمام :
– أخبارك إيه في الدراسة؟
هتفت بنبرة حماسية وهي تسحب حالها من بين أحضـ.ـانه:
-كويسة جداً،
وأكملت بنبرة فخورة بحالها:
-من الآخر كده هخلي حضرتك تفتخر بيا قدام الكل
إبتسم لها ياسين بشدة بينت صفي أسنانه،فتحدثت هي بمراوغة وتخطيط في محاولة جديدة منها لإبعاد والدها يومً أخر عن مليكة كي تُزعجها وتحظي هي ووالدتها بالظفر بوجودهُ مع كلتاهُما:
-بابي، ممكن بُكرة تروح معايا المُول اللي روحناه إمبارح مع مامي؟
واسترسلت مفسرة بنبرة شديدة الحماس:
– فيه كولكشن جديد هينزل بكرة وأعلنوا عنه علي البيدچ بتاعتهم إنما إيه، كُل الموديلات تجنن يا بابي
ونظرت إليه بعيناي مترجية وهي تُميل رأسها بدلال في حركة أذابت بها قلب والدها رُغم إعتراضه :
-وحياتي عندك توافق
تنفس بهدوء كي لا يُظهر مدي إحتدامه من إسلوبها الإنتهازي والتي دائماً تتبعهُ كي تبتز مشاعرهُ لصالحها،
ثم تحدث بنبرة جادة:
-مش هينفع وإنتِ عارفة كدة كويس
أردفت متسائلة بإعتراض ودلال:
-ليه مش هينفع يا حبيبي؟
أجابها بنبرة صارمة لا تقبل المُجادلة:
-قولت مش هينفع يعني مش هينفع يا سيلا
زمت شفتاها بإحباط وأنزلت وجهها ناظرة للأسفل بحزن سيطر علي ملامحها،مما أحزن ياسين وجعلهُ يتألم علي ما وصلت إليه تلك الطفلة من أنانية، فتحدث شارحً بنبرة جادة :
– إنتِ كِبرتي خلاص ولازم تكوني فاهمة ومقدرة طبيعة شغلي ومكانتي الحــ.ـساسة جوة جهاز المُخابرات، وإني مش حُر نفسي
وأكمل بنبرة حادة وصلت إلي حد الغضب بعدما فاض به الكيل:
– المفروض إني كُنت هرجع مصر معاكم من يومين فاتوا، لكن لما سيادتك رفضتي ترجعي واتحججتي بالدراسة ، ولما طلبتي مني أروح معاكي المول علشان تاخدي رأيي في اللبس ،مقدرتش أقول لك لا، وبالفعل مديت أجازتي يومين علشان خاطر ما أخلكيش تزعلي
وأكمل بنبرة أكثر حِدة:
– أكتر من كدة هيبقا إهمال مني وأنا اللي طول عُمري معروف عني الإلتزام في شُغلي وفي مواعيدي
إرتبكت بوقفتها وأنكمش جـ.ـسدها، ذُهلت من هيئة والدها الغاضبة والتي ولأول مرة تراهُ عليها وعلي الفور هتفت بإرتباك كي تتفادي غضبهُ:
– أنا أسفة يا بابي
واسترسلت بنبرة متألمة ودموع صادقة:
-أنا عمري ما تخيلت إنك هتزعل مني وتضايق بالشكل ده، لمجرد إني طلبت منك تيجي معايا علشان تختار لي لبسي
وأردفت بتعهد وهي تهز رأسها بإعتذار ونبرة متقطعة جراء شهقاتها :
– أنا أسفة وأوعدك إني عمري ما هعمل كدة تاني
إنتفض قلب ياسين مُتأثراً بدموع عزيزة أبيها،لم يتحمل مشاهدة دموعها التي تنزل علي قلبه وتكويه فأقترب عليها وقرب كفاي يـ.ـداه من وجنتيها ومررهُما فوقهما ليجفف لها دموعها وتحدث بنبرة حنون متأثرة:
– أنا اللي أسف يا حبيبتي علشان إتعصبت عليكي
وأكمل بإبتسامة كي يسترضيها :
– وإوعي تفتكري إني زعلت علشان طلبتي مني أروح أختار اللبس معاكي “بالعكس” أنا فرحت بطلبك ده جداً بدليل إني كُنت مبسوط إمبارح ويعتبر أنا اللي إختارت لك كل اللي إشتريناه
واسترسل شارحً بنبرة لينة:
– أنا كُل اللي بطلبه منك إنك تقدري طبيعة شُغلي وما تحاوليش تضغطي عليا
أومأت له وتنهد هو براحة وأمسك كف يـ.ـدها وأتجه بها إلي الداخل ليكملا مع ليالي وحمزة سهرتهم
بعد حوالي ساعة
كان يتمدد فوق تخته مُحتضناً ليالي بإحتواء بعدما أعطاها حقها الشرعي كزو جة له كما أمر الشرع والدين، تنهدت بإنتشاء مما يدُل علي إسترخائها وسعادتها جراء ما حدث بينها وبين ياسين مُنذُ القليل، فحتي وإن لم يكُن يعشقُها فهي زو جته ولها كل الحق عليه في إشباعه لرغباتها الجـ.ـسدية والنفسية
تحدثت بإنتشاء وهي تُشدد من ضمتها لهْ:
– وحشتني يا “ياسين”
إبتسم لنجاحه في وصولها إلي تلك الحالة من النشـ.ـوة وقام بوضع قُـ.ـبلة حنون فوق مقدمة رأسها وتحدث إليها بكذب مقبول شرعاً:
-وإنتِ كمان وحشتيني أوي.
ثم سحب جـ.ـسده لأعلي وتحدث وهو يستعد إلي النزول من فوق التخت:
-أنا هدخل أخد شاور علشان أنزل أقعد شوية مع إيهاب والرجالة علي ما تجهزي السحُور مع هيلين.
أومأت له بموافقة وتحرك هو إلي الحمام واختفي خلف بابه،أما هي فتمددت من جديد وباتت تتقلب بفراشها بإسترخاء وتتمطئ بدلال مما يوحي إلي وصولها للمنتهي من الراحة
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي
كان يغفو بثبات فوق تخته الخاص بغرفة ليالي، دلفت لداخل الغرفة وجلست بجانبه وبدأت بإيقاظه قائلة بنبرة هادئة وهي تهز كتفه بخفة:
-ياسين، ياسين
فتح عيناه ببطئ وأغلقهما عدة مرات حتي إستطاع ثم دقق النظر إلي ليالي التي أردفت بنبرة هادئة:
– قوم يا حبيبي علشان تلحق ميعاد طيارتك
تنهد براحة وسألها بنبرة جادة:
-حمزة جاهز ؟
أجابته بنبرة حزينة وذلك لرحيل نجلها الحبيب مع والده، وأيضاً إبتعاد ياسين عنها:
-جاهز ومستنيك تحت مع أيسل،
وأكملت بتأثر :
-البنت عمالة تعيط تحت ومتأثرة جداً بسفرك إنتَ وحمزة، وبتحاول تقنع أخوها إنه يتحايل عليك ويحاول يخليك تتراجع عن سفرك وتقعد يومين كمان معانا
سحب جـ.ـسده لأعلي وأستند بظهره علي خلفية التخت، ثم زفر بضيق وهتف بإستياء:
-إقعدي مع بنتك وقولي لها إن اللي بتعمله ده ميصحش وإنها كبرت علي تصرفات وحركات الأطفال دي
وأسترسل شارحاً:
– فهميها إن عندي شغلي اللي محتاج لكل قوتي وتركيزي علشان أقدر أحافظ علي مركزي اللي وصلت له بعد عذاب ، قولي لها كمان إني بعمل كل اللي أقدر عليه علشان أجي هنا كام يوم في الشهر وأكتر من كده مش هقدر
وأكمل بنبرة حادة وهو يتحرك ويستعد للنزول من فوق التخت :
-خلي بنتك تبطل أنانية وتفكر في اللي حواليها زي ما بتفكر في نفسها واللي بيسعدها يا ليالي
تحدثت بهدوء مدافعة عن صغيرتها:
-متزعلش منها يا ياسين، سيلا لسة صُغيرة ومتعلقة بيك جداً وبتغير عليك
أخذ نفساً عميقاً وتحدث مُفسراً بنبرة متفهمة:
-وأنا عازر سنها وتفكيرها وبحاول علي قد ما أقدر إني أرضي غرورها وأشبع كبريائها، بس غيرتها العامية دي من مليكة هتضرها وهتخلق منها بني أدمه حقودة وأنا مش حابب أشوف بنتي بالصورة دي
ثم زفر بقوة وتحدث وهو يستعد ليتحرك إلي باب الحمام:
– عقلي بنتك وخلي عينك عليها أكتر من كدة يا ليالي
تحركت إليه سريعاً وأستوقفته قبل أن يخطوا إلي الحمام، وهتفت لإسترضائه:
-ممكن تهدي وأنا هعمل لك كُل االي إنتَ عاوزة
هز رأسهُ بتفهم فتحدثت بترقُب شديد:
-ياسين، كُنت عاوزة أحجز عند دكتور تجميل علشان أظبط شوية defohat في وشي قبل ما أنزل مصر علي العيد
تنهد بثُقل وحَزن داخلهُ من أفعال تلك التي بات هوسها بعمليات التجميل واقعاً ولن يستطيع ان يجعلها تُحيد عنه مهما فعل، فلقد فقد الأمل بعد محاولاته العديدة التي باءت جميعها بالفشل الذريع، حيثُ أنه قام بمنعها سابقاً لكنها آُصيبت بإكتأبٍ حـ.ـاد فأُجبِر علي التراجُع عن قرارة مُضطراً كي لا يدع حالتها تسوء أكثر مما كان سيعود بالسلب علي نفسية أطفاله
أومأ لها وتحدث بهدوء كي لا يُحزنها:
-شوفي المركز اللي حابه تروحيه وإديني إسمه وعنوانه وأنا هبلغ إيهاب يشوف الإجراءات علشان يأمنك قبل ما تروحي
آنير وجهها لمجرد إستماعها لموافقته ورَفعت قامتها لأعلي واقفة علي أطراف أصابع قدميها، ومالت علي وجنته لتطبع لهُ قُـ.ـبلة تعبر بها عن شدة سعادتها، وسار هو إلي داخل الحمام وأغلق بابهُ خلفه ثم تحركت هي بحماس لتُجهز له ثيابهُ التي سوف يرتديها عند خروجه
بعد مّدة كان يقف بالأسفل مقابلاً بوقفته لأيسل التي كانت تبكي بشدة وذلك لحُزنها العميق جراء مغادرة أبيها وإبنعادهُ عنها، نظر لها فأحنت رأسها للأسفل بحُزن مما أحزن ياسين فقام بسحبها وأخذها داخل أحضـ.ـانه وأردف وهو يربت علي ظهرها بحِنو:
-مش عاوزك تزعلي ،إن شاء الله في أقرب وقت هحاول أخد أجازة يوم ولا إتنين وأجي لكم نقضيهم مع بعض
خرجت سريعاً من داخل أحضـ.ـان والدها وسألته متلهفة بإبتسامة متأملة:
– بجد يا بابي؟
أجابها مبتسمً وهو يُمرر أصابع يـ.ـده ليجفف لها دموعها:
-بجد يا حبيبتي
ثم أدار وجههُ إلي ليالي واقترب منها وأحتضـ..ـنها مربتً علي ظهرها ثم أبعد وجههُ ومال علي وجنتها وقام بوضع قُـ.ـبلة فوق وجنتها وأردف قائلاً بنبرة هادئة:
-خلي بالك من نفسك ومن سيلا
واسترسل وهو يتناقل ببصره بين كلتاهما قائلاً بنبرة تنبيهية:
-وأرجوكم تسمعوا كلام إيهاب وتنفذوه بالحرف، ومتتحركوش خطوة واحدة من غير ما ترجعوا له فيها
واستطرد:
-أنا عاوز أكون مطمن عليكم وبالي رايق من ناحيتكم.
أومأت لهُ كلتاهُما بتأثر ثم تحركت ليالي وأحتضـ.ـنت صغيرها الذي بلغ عامهُ الخامس عشر وأصبح رجُلاً صغير وتحدثت:
– هتوحشني يا قلب مامي
تنهد حمزة وأردف بتأثر:
-وحضرتك كمان هتوحشيني جداً
ثم حول بصرهِ إلي شقيقتهً وتحدث بمشاكسة :
-هتوحشيني
لكزته بكَتِفهْ بخفة وتحدثت بدُعابة:
-سخيف
رد الفتي دُعابتها قائلاً بمرح:
-طالع لك.
تبادل الجميع الأحضـ.ـان ثم تحرك إلي الخارج وتوقف أمام إيهاب ورجالهُ قائلاً بتوصية وإشادة:
-أنا سايب ورايا وحُوشْ وعارف إنكم سدادين وقدها، بس عايزكم تاخدوا حظركم أكتر من الآول
اومأ لهُ الجميع بطاعة عمياء، وأشار هو بكف يـ.ـده مُثبتاً بصره علي إيهاب:
– أي حاجة تحصل تبلغني بيها فوراً، مفهوم يا إيهاب؟
مفهوم سعادتك… كانت تلك جُملةْ إيهاب التي أجاب بها قبل أن ينطلق ياسين إلي المطار بسيارة تابعة لرجال الحراسة بصحبة نجلهِ حمزة
❈-❈-❈
داخل المطبخ المتواجد بمنزل ثريا، وقبل إنطلاق مدفع الإفطار بحوالي الساعة
كانت جميع نساء العائلة تجتمعن داخل المطبخ ويقفن علي قدمٍ وساق وهُن ينتهين من تجهيزهُن لطعام الإفطار، دخلت مُني إلي الداخل علي عُجالة وهي تهتف بكُل صوتها بنبرة حماسية:
– ياسين باشا وصل بالسلامة يا ست مليكة
لم تدري بحالها إلا وهي تلتفت إلي تلك العاملة وعلامات اللهفة تغمر ملامحها، وبلحظة تسمرت بوقفتها حينما وجدته يخطوا بساقيه ويتحرك فوق أرضية المطبخ ويتلفت بحماس ولهفة باحثً عن ضالته، توقفت عيناه وثُبتت فوق ملامح وجهها التي إشتاقها حد الجنون، تشابكت عيناهم بنظرات الإشتياق والولع
أخرجهُ من حالة الوله صوت ثريا التي تحدثت بنبرة مبتهجة تدل علي مدي سعادتها:
-حمدالله علي السلامة يا “ياسين”
إقترب عليها وقام بتقـ.ـبيل مُقدمة رأسها وتحدث بنبرة صادقة:
-الله يسلمك يا أمي، كل سنة وانتِ طيبة
وتحرك إلي منال وقام بتقـ.ـبيل رأسها وتهنأتها هي الآخري بقدوم شهر رمضان المبارك وتحدثت إليه بنبرة حنون:
– حمدالله علي سلامتك يا حبيبي
نظر لها بإبتسامة لطيفة فأكملت هي متسائلة بنبرة متشوقة:
-ليالي وأيسل أخبارهم إيه؟
أجابها بنبرة هادئة:
-كويسين يا حبيبتي وبيسلموا عليكي
وتحرك إلي يسرا التي صافحته بحفاوة وترحاب شقيقة لشقيقها
حتي جاء دورها في المصافحة، وقف قُبالتها ينظر داخل مقلتيها بإشتياقٍ جارف لعاشق ولهان ، بدأ قلبهُ بالإرتجاف والأنين ،لم يستطع التحكم بحالة الهيام التي سيطرت علي كيانه بمجرد طلتهِ داخل بحر عيناها العميق
ودَ لو وضع راحتيه حول كتفيها بإحتواء وسحبها لداخل أحضـ.ـانه كي يُشبع روحهُ العطشة لضمتها ويستنشق عبيرها الرائع، ودَ لو بإمكانه الإعتذار منها ألاف المرات عن ما بدر منه من حِدةٍ معها عبر الهاتف وعلو صوتهِ عليها مما أحزنها وجعلها تشعُر بأنها أصبحت وصيفة في مملكة عرشة وليست الملكة كما عودها مُنذ أن إعترف لها وأفصح عن عشقهِ الهائل
تحامل علي حاله وكبت بداخلهِ شعورهُ العظيم بالإشتياق وسألها بإهتمام دون مُصافحة بالأيدي خشيةً الإنهيار:
-إزيك يا مليكة
بصعوبة بالغة أخرجت صوتها متحاملة، وأجابته بنبرة جافة أخرجتها بتعسُر رغم الإشتياق الجارف لذاك الواقف أمامها بمظهرهُ الذي خطف قلبها وأصابهُ برجفة العِشق:
-الحمدلله
وأردفت بلامبالاة وهي تواليه ظهرها لتتابع تحريك الحَساء التي كانت تصنعهُ أمام الموقد:
-حمدالله علي سلامتك
تنفس بيأس بعدما تيقن إستمرار غضبها مه وأجابها بهدوء:
-الله يسلمك.
ثم نظر إلي ثريا وسألها بإشتهاء في محاولة منه بتغيير مجري الحديث الذي أثار إنتباه جميع المتواجدات :
-أخبار الكُنافة والقمر الدين إيه يا عمتي؟
وأكمل بتساؤل في مداعبة منه:
-يا تري عملتيهم ولا طنشتيني ؟
إبتسمت له وأجابتهُ وهي تنظر إلي مليكة مما أشعرها بالخجل:
-والله يا ابني كان نفسي اعملهم لك بإيـ.ـدي ، لكن مليكة سبقتني وعملتهم لك هي وكمان عملت لك الخُشاف
إبتسم وتنفس براحة وهو ينظر إلي تلك التي تواليه ظهرها وتحدث بنبرة شاكرة:
-تسلم إيـ.ـدك يا مليكة
أغمضت عيناها بإستسلام لنبرة صوتهِ الدافئة التي إشتاقتها بجنون، وقامت بأخذ نفساً عميقاً دون رد
تحرك هو إلي خارج المطبخ كي لا يُزيدها عليها وعلي حاله، وصعد الدرج إلي الأعلي، دلف إلي جناحهُ المشترك معها، قام بأخذ حماماً دافئً وأرتدي ثيابً نظيفة ونزل متجهً إلي الحديقة، وإنطلق حينها قرءان ما قبل المغرب، جلس ياسين بجانب والدهُ وبدأ يتحدثان في أمور تخص العائلة حتي إنطلق مدفع الإفطار وتلاهُ أذان المغرب، خرج الجميع لأداة الصلاة وبعدها عاد الجميع وبدأوا بتناول إفطارهم تحت نظرات ياسين المُتشوقة لغالية قلبه
في تمام الساعة العاشرة مساءً
صعد “ياسين” إلي جناحه مرةً آخري بعدما جلس مع والديه وشقيقاه ، وجدها تغفو فوق تختها وتغطُ في ثباتٍ عميق تأثراً بهرمونات الحمل، تمدد بجانبها وأحتـ.ـضنها من الخلف بشدة دافناً أنفهُ داخل تجويف عُنقها البض وبدأ يشتم رائحتها العبِقة براحة وإستجمام
شعرت بوجودهُ خلفها، حركت أهدابها ثم فتحت عيناها وأخذت نفساً عميقً يدل علي مّدي إشتياقها له، ضـ.ـمها إليه أكثر وهمس بجانب أذنها في حركة أذابتها:
-وحشتيني
إقشعر جـ.ـسدها وبلحظة تناست حُزنها وغضبها السابق منه، أمسكت كفاي يداه التي تطوق خصرها وتلمـ.ـستهما بحنان أثار جنونه وجعلهُ يتحول من عاشق هادئ يشتاق رائحة متيمتهُ، إلي رجُلً راغب في آُنثاه وبشدة، لفها إلي وجهه بحذر كي لا يؤلمها ويؤذي جنينهُ، نظر لداخل عيناها وانتفض داخلهُ حينما رأي بنظراتها التي أخبرته كّم إشتاقت رجُلها حد الجنون، وبلحظة غاصا معاً بعالمهما الخاص في جولة عشقية حاول من خلالها كلاهما جاهداً أن يُثبت للاخر مّدي وصولهُ للمنتهي في عشقهما العظيم
بعد مرور بعض الوقت، كان يستند بظهره علي خلفية التخت ويُجلسها أمامهُ واضعً كف يـ.ـده علي بطنها الذي بدأ يظهر ويتحـ.ـسس موضع جنينهُ بحنان، أردف قائلاً بنبرة يملؤها الإشتياق:
_وحشتيني أوي يا “مليكة”
تنفست بإسترخاء متناسية حزنها منه، وتحدثت بنبرة حنون تدل علي مدي وصولها للراحة النفسية والسلام الداخلي التي كانت تفتقدهُ روحها وكيانها جراء إبتعاد نصفها الآخر عنها:
-مش أكتر مني يا حبيبي
سألها بإهتمام وهو يتحـ.ـسس بطنها:
– ميعادك مع دكتورة مُني أمتي علشان هاجي معاكِ ؟
ردت عليه بنبرة هادئة:
– إن شاء الله بكرة
وأكملت بسعادة:
-للدرجة دي مشتاق تعرف نوع البيبي؟
أجابها بنبرة صادقة لرجُل عاشق:
– مايفرقش معايا نوع البيبي قد ما يفرق معايا إنه حتة غ
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)