رواية قلوب حائرة الفصل التاسع والسبعون 79 بقلم روز أمين
رواية قلوب حائرة البارت التاسع والسبعون
رواية قلوب حائرة الجزء التاسع والسبعون
رواية قلوب حائرة الحلقة التاسعة والسبعون
🦋 الفصل الثامن والثلاثون 🦋
يا عاشقة الوردِ،إن كنتِ على وَعدي
فحبيبكِ منتظرٌ،يا عاشقةَ الوردِ
حيرانُ، أينتظرُ والقلبُ بهِ ضجرُ؟
ما التلّةُ ما القمرُ، ما النّشوةُ ما السهرُ
إن عُدتِ إلى القلق، هائمةً في الأفُقِ
سابحَةَ في الشّفَقِ، فهُيامك لن يُجدي
يا عاشقة الوردِ،إن كنتِ على وَعدي
فحبيبكِ منتظرٌ، يا عاشقةَ الوردِ
كلمات ذكي ناصيف
وصل كارم بسيارتهُ أمام منزل سيادة اللواء عز المغربي وما أن توقف بالسيارة حتي ترجلت سريعاً تلك الحزينة التي هرولت بمشيتها قاصدة منزلها حيثُ وبسُرعة البرق إختفت خلف جدرانه،تنهيدة حارة خرجت من صدر ذاك الكارم تلتها زفرة قوية مع خبطة من كف يده علي مِقود السيارة عبر من خلالها عن كم الضيق الذي أصاب داخلهُ جراء حُزن تلك الأيسل
أخذ نفساً عميقاً هدأ بهِ حاله ثم أدار عجلة القيادة وتحرك سالكاً طريقهُ إلي منزلهُ
هز رأسهُ بأسفٍ وبملامح يكسوها الأسي حدث حالهُ:
-لم يأتي يوماً بمخيلتي أنني سأُتعامل مع إحداهُن بتلك الفظاظة،لكن الفضل يرجع لكِ أيتها المتعجرفة،أنتِ من إستدعيتي ماردِي فلتتحملي إذاً نتيجةُ أفعالكِ ولا تتذمري
وبرغم إقتناعهُ بما بدر منه لها إلا أنهُ شعر بنغزة غزت قلبهُ واصابتهُ بالإستياء،زفر بضيق واسترسل من جديد حديثهُ النفسي:
-يا إلهي،ما هذا التَضَارُب الذي أصاب داخلي وجعلني مشوشاً بشأن تلك المُتغطرسةُ
واستطرد حديثهُ مذكراً حالهُ كي لا يلين قلبهُ ويشعر تجاهها بتأنيب الضمير:
-إنتبه وعُد إلي رُشدك يا رجُل ولا تسمح لشعور الإستياءُ بأن يتملكُ منكْ ويهزمكَ
واستطرد مُلقياً باللوم عليها:
-هي من بدأت بجرح كبريائكَ وكان تصرفك هو أبلغُ رداً علي سخافاتها الغير مقبولةً لديك،فلما الحزن إذاً كارم؟ أنا لم أفهك حقاً يا رجُل!
زفر من جديد ونفض من رأسهُ تلك الأفكار الغريبة علي شخصهْ،ثم تابع قيادتهُ للسيارة محارباً تلك الأفكار التي تحاول غزو مخيلتهُ من جديد وضل هكذا حتي وصل لوجهته
أما تلك التي أصبحت مشتتة العقلِ والكيان بفضل ما مرت به مؤخراً وتحديداً حادثة رحيل والدتها التي هجمت علي حياتها كإعصارٍ دمر بطريقهُ الأخضر واليابس،صعدت الدرج علي عُجالة تحت نظرات منال المتعجبة لأمرها،دخلت إلي غرفتها وصفقت خلفها الباب
ألقت ما بيدها من حقيبة ومتعلقات شخصية فوق المنضدة الجانبية وهرولت إلي تختها وألقت بحالها فوقهُ بإهمال وبدون سابق إنذار أجهشت ببكاءٍ مرير
كم كانت لكلماتهُ المُهينة لشخصها أثراً عميقاً مؤلماً توغل داخل روحها المتوجعة،باتت تسترجعها بمخيلتها وكُلما تذكرت إهانتاتهُ المتعمدة زادت شهقاتها جراء دمعاتها وتألُم قلبها الجريح
هبت واقفة وتحركت إلي مرأتِها وباتت تتطلع علي هيأتها المزرية،تطلعت علي وجنتيها الملطخة بسواد زينة عيناها التي ساحت بفضل دموعها وتسببت بفوضي،تعمقت بعيناها الباكية وهزت رأسها بأسي
زاد بكائها حينما رأت حُزناً عميقاً مستوطناً بعيناها،نظرت إلي ملامح وجهها واستغربتها،كم تشوهت أعماقها فأصبحت لا تُشبهها بشئ،تعجبت كم الشجن الذي سكن ملامحها فحولها وما عادت بريئة كَما قبل،وكأنهُ غزوٍ إحتل وإستوطن روحها فاستسلمت بكيانٍ مهزوم لطُغيانهُ وبات هو السيد
إستمعت إلي طرقات فوق الباب،علي عُجالة جففت دموعها وأسرعت لتفتح الباب،وجدتهُ يقف بمقابلها بروحهُ الراقية وإبتسامتهُ الهادئة التي تجلب الراحة والسكينة علي ناظريه،تحدث إليها بمشاكسة:
-ممكن أدخل
بإبتسامة خافتة حاولت أن تتواري خلفها أجابته:
-إتفضل يا جدو
دلف وأغلق خلفهُ الباب وتحدث وهو ينظر لثيابها:
-إنتِ لسة ما غيرتيش هدومك؟!
واستطرد بايضاح:
-نانا قالت لي إنك وصلتي من أكتر من نص ساعة!
وقالت لك إيه تاني نَاَناَ خلي حضرتك تطلعي أوضتي علي غير العادة…نطقتها بضيق من إسلوب منال المتبع والتي أصبحت تبغضهُ،فهي مُنذ إغتيال ليالي وإطلاعها علي رواية هؤلاء القتلة وبأنهم كانوا يترصدون لحفيدتها أيضاً، باتت ترتعب علي حفيدتها وتترصد لأفعالها وتُبلغ بها إما ياسين إن تواجد،أو عز ليقينها أنهما الوحيدان اللذان يستطيعا حماية تلك المتمردة من حالها
نظر عليها بأسي بعدما بات مشفقاً علي حالها الذي وصلت إليه وأصبح مؤلماً للجميع،أمسك كفها الرقيق وتحرك بها حتي وصلا إلي تختها وجلسا علي طرفي الفراش ثم تحدث بنبرة لينة:
-نَانَا بتحبك وخايفة عليكِ
بس أنا مبقتش صُغيرة علشان تعاملني بالطريقة دي يا جدو…نطقتها باعتراض ثم استرسلت بنبرة ساخطة عبرت من خلالها عن غضبها الذي أصبح ملازماً كظلها:
-يا جدو نَاَناَ بقت مركزة معايا بشكل مستفز وغير مقبول بالنسبة لي،طول الوقت عيونها عليا وكأنها إتحولت لرادار بيراقبني لدرجة إني مش عارفة أخد راحتي حتي في أوضتي
تنهد لأجل حِدتها بالحديث التي وأن دَلت فإنما تدُل علي إحتدام روحها وإصابتها بالسخط الخاد،أمسك كفها وتحدث بهدوء في محاولة منه بسحب غضبها الساكنُ داخلها:
-سيبك من منال وتصرفاتها اللي مضيقاكي وقولي لي مالك؟
وإيه سبب أثار الدموع اللي في عيونك دي؟
تعمقت بعيناه ورغماً عنها نزلت دموعها من جديد وأردفت بنبرة توحي بوصولها للمنتهي من الألم:
-تعبانة ومش مرتاحة يا جدو،لا بقيت مرتاحة في حياتي ولا قادرة أتأقلم علي الكلية الجديدة ولا مع الطلبة
واستطردت بنبرة بائسة:
-مابقاش فيه حاجة بتفرحني وتديني أمل إني أكمل
نفساً عميقاً أخذهُ ذاك الرزين وتحدث بنبرة تحمُل حناناً رائعاً لحفيدتهُ الأولي والغالية علي قلبه:
-إنتِ اللي محيرة نفسك وعاملة فيها كدة يا سيلا
واستطرد محفزاً إياها:
-إنسي إمبارح وتخطي جروحك وبصي لقدام،إفتحي قلبك وخرجي كل اللي فيه للدكتور النفسي،إحكي له علي اللي تاعبك وواجع روحك
واسترسل لتحفيزها:
-مش يمكن ترتاحي لما تنتظمي معاه في الجلسات؟
تنهيدة حارة خرجت من جوفها ثم تحدثت بنبرة إنهزامية وهي تومي إلي جدها الغالي بهدوء وكأن قواها قد خارت وأعلنت روحها إستسلامها:
-حاضر يا جدو،هبدأ أنتظم في الجلسات وأتكلم مع الدكتور
إبتسامة حانية خرجت من ثغر ذاك الحنون الذي أشاد بقرارها وأثني عليه ثم إنسحب متجهاً إلي الخارج بعدما أبلغها أنهُ ينتظرها بالأسفل ليتناولا معاً وجبة الغداء
❈-❈-❈
بعد إنتهائه من تناولهُ لوجبة الغداء بصُحبة حفيدتهُ وصعودها مجدداً إلي غرفتها لأخذ قسطاُ من الراحة ومتابعة دروسها،حمل ليزا داخل أحضانهُ وتحرك بها إلي منزل ثُريا كي يتأنس بحضرتها ويحتسي معها قهوة العصاري،جاورتهُ إحدي العاملات وهي تحمل بيدها مقعداً متحركاً خاص بالصغيرة حيثُ أنها لا زالت ساقها مصابة ولم تتعافي بعد
دلف من البوابة وما أن وجدها تجلسُ بمكانها المُعتاد حتي إنفرجتت أساريرهُ وشعر براحة إجتاحت كيانهُ بالكامل وأدخلتهُ في حالة من السلام لم يشعُر به سوي بحضرة تلك الراقية
أما تلك الصغيرة القابعة بأحضان جدتها الحنون فلوحت بيداها في الهواء وهي تُشير بترحاب بجدها الحبيب التي تعشقهُ بفضل حنانهُ المفرط لها وكثرة دلالهِ،إقترب عليهما وكأن مغناطيساً يجذبهُ لكلتا الجميلتين
تحدث بنبرة حنون إلي تلك الجميلة التي وما أن رأته حتي إرتسمت إبتسامة هائة تبعثُ الراحة والطمأنينة في قلب كُل من يراها،فما بالك بقلب المتيمُ:
-مساء الخير يا ثُريا
بالإبتسامةِ ذاتها عقبت موقرة إياه:
-مساء النور يا سيادة اللواء
ثم إستطردت بعدما حولت بصرها إلي تلك الرقيقة المحمولة داخل أحضان جدها:
-إزيك يا ليزا،رجلك عاملة إيه؟
بنبرة رقيقة ردت عليها الصغيرة:
-أنا كويسة يا نَانَاَ
واستطردا متسائلة بإستفسارٍ لهوف:
-هو مارو فين؟
إبتسمت لها بهدوء وأجابتها بما جعل الإحباط يُصيب داخل الصغيرة:
-مارو في النادي هو و أنس،وعزو جوة في المطبخ مع ماما مليكة بتعمل له ميلك شيك،الوقت اخليها تعمل لك معاه
واسترسلت وهي تحث ذاك الراقي علي الجلوس بالصغيرة:
-ما تقعد يا سيادة اللواء واقف ليه؟!
حملت العاملة الصغيرة عنه واجلستها بمقعدها في حين سحب عز المقعد وجلس فوقهُ ثم إبتسم إلي تلك الصغيرة التي لوحت لهُ من جديد وابتسمت بسعادة،إنشرح قلبهُ بعدما نظر بعيناها التي تبعثُ البهجةِ والسرور حين تتواجدُ،حملها عن ثريا وثبتها فوق ساقيه ثم بات يداعبها هي وليزا تحت إطلاق الصغيرتان لضحكاتهما البريئة وسعادة ثريا
خرجت مليكة من بوابة المنزل تجاورها مُنى حاملة صَنية عليها بعضاً من صحون الحلوي وكؤوس المشروبات الباردة،تحركت في طريقها إليهما مُمسكة بكف صغيرها الذي أفلت كفهُ منها وهتف عالياً وهو يهرول إلي جده وتلك الليزا:
-جدووووو
إبتسم عز واحتوي الصغير الذي ألقي بجسدهِ داخل أحضان جدهُ الحنون،وضعت العاملة ما بيدها فوق الطاولة وتحدثت مليكة بترحابٍ بوالد زوجها:
-إزي حضرتك يا عمو
الحمدلله يا حبيبتي أنا بخير…هكذا أجابها بملامح وجه بشوشة،نظرت العاملة إلي ثريا ثم سألتها بتوقير بعدما رحبت بعز:
-تؤمريني بأي خدمة تاني يا ست هانم؟
حولت ثُريا بصرها إلي ذاك المقابل لها واردفت مستفسرة:
-تشرب إيه يا سيادة اللواء؟
واستطردت بنبرة ودودة:
-ولا أجيب لك غدا الأول؟
أجابها بعيناي شاكرة:
-أنا اتغديت الحمدلله
ثم استطرد بدهائهُ المعهود لعلمهِ أن مليكة ستعترض وستُفضل أن تصنعها لهُ بيدها كما يُفضلها دائماً،وبهذا سيترتب عليه إنسحابها إلي الداخل وتركهُ بصُحبة حبيبتهُ وهذا جُل ما يتمناه في الوقت الراهن،نظر إلي مُنى وأردف بنبرة هادئة:
-إعملي لي قهوتي لو سمحتي يا مُنى
بنبرة حماسية وعيناي مبتسمتان عقبت تلك المُنى بترحاب:
-من عنيا يا سعادة الباشا،حالاً وهعمل لسعادتك أحلا فنجان قهوة
وقبل أن تنطلق إلى الداخل أوقفها صوت مليكة التي تحدثت بإعتراض:
-إدخلي إنتِ يا مُنى وأنا هعمل قهوة الباشا بنفسي
مش عاوز اتعبك معايا يا مليكة…نطقها بخباثة عقبت تلك الرقيقة بتوقير لشخصهِ:
-تعبك راحة يا عمو
واسترسلت بتساؤل وهي تحول بصرها إلى تلك الراقية:
-أعمل لحضرتك فنجان مع عمو عز يا ماما؟
أومأت برأسها بموافقة واردفت بنبرة لينة:
-لو مش هتعبك يا بنتي
إنتي تؤمري يا ماما…نطقتها بتبسُم ثم تحركت إلي الداخل،وتحرك الصغير إلي ليزا وباتا يتحدثان بطفولية
نظر عز إلى خاطفة فؤادهُ التي وبرغم مرور كل تلك السنوات عليها،ما زال يراها ثُريا إبنة الثامنة عشر من عمرها،وكأن روحهُ أرادت التوقُف عند هذا الزمن الذي طالما تمني من داخلهُ العودة إلي حينها،تحمحم ليُنظف حنجرتهُ ثم أردف علي استحياء:
-كُنت عاوز أبلغك حاجة مهمة يا ثُريا
نظرت إليه وسألته باستفسار:
-خير يا سيادة اللواء؟
إبتسامة خافتة ظهرت علي ثغر ذاك الفارسُ النبيل وأجابها بتحيُر وارتباك لصعوبة موقفهُ:
-إنتَ عارفة طبعاً إني رجَعت منال لعصمتي من جديد بعد موقفها الأخير معاكِ
تنهدت بأسي عندما تذكرت ذاك اليوم الذي تلقت فيه أكبر إهانتاتها علي يد تلك التي تجنت عليها وسبتها بشرفها،حزن لأجلها واسترسل بإبانة:
-فـ أنا،كُنت حابب أوضح لك إن العلاقة بينا ما رجعتش طبيعية زي الأول
ضيقت عيناها بعدم إستيعاب فاستطرد بإعلام بنظرات حنون:
-أنا ومنال كُل واحد فينا ساكن في أوضة لوحدة
واستكمل بعيناي هائمة:
-ماكانش ينفع أرجع معاها زي الأول وأنسي إهانتها ليكِ يا ثُريا
إرتبكت من حديثهُ ونظرات عيناه الهائمة وأردفت بنبرة مرتبكة:
وإنتِ جاي تقول لي أنا الكلام ده ليه يا عز؟
إتسعت عيناه وأنتفض قلبهُ صارخاً من شدة أثر نطقها لحروف إسمه علي مسامعهُ،كم إشتاق لتلك الكلمة التي تخرُج من بين شفتاها كأعذب الألحانِ،وما شعر بحالهِ إلا وهو يحدثها بذهولٍ ممزوجاً بنظراتٍ ونبرات الولهْ:
-يااااه يا ثُريا،أخيراً رجعتي تنطقيها تاني بعد ما حرمتيني منها المدة دي كلها؟
واستطرد بنبرة رجل يهيمُ عِشقاً:
-رجعتي لي روحي تاني يا حبيبتي
علي عُجالة أردفت بترجي كي لا تعطي لهُ المجال بأن يُفصح أكثر عن مشاعرهُ وهذا ما لم تعد تتقبلهُ إحتراماً لحالها أولاً ولفقيدها الراحل ثانياً ولحفاظها عن سمعتها كي تظل طيبة:
-من فضلك يا سيادة اللواء،ياريت ما تتجاوزش حددودك معايا في الكلام،وكفاية قوي اللي حصل المرة اللي فاتت
هتف معنفاً إياها بنبرة حادة بعدما فاض به الكيل من صدها المتكرر له:
-كفاية إنتِ بقي يا ثُريا،إنتِ إيه يا شيخة،لسة مشبعتيش من وجعك ليا،سنين وأنا عايش علي أمل إنك توافقي بجوازي منك وتريحي قلبي،وبعد ما أتأكدت إن عُمر ما هيكون لي نصيب معاكي
واستطرد معبراً بأسي:
-قررت أعيش علي ذكري حبي ليكِ وأكتفي بنظرة من عنيكي وكلمة حلوة ترُدي بيها الروح لعاشق الروح،
واستطرد لائماً بقلبٍ يتألم:
-حتي دي من قسوة قلبك حرمتيني منها ومصممة تكملي،بتستفادي إيه لما تلاقيني بتعذب قدامك يا ثُريا؟
واستطرد متسائلاً بعيناي حائرة:
-إوعي تكوني بتستمتعي لما بتشوفيني بتوجع قدامك؟
إتسعت عيناها بذهول من إتهامهُ المؤلم لها وتحدثت بدفاعٍ عن حالها:
-الله يسامحك،إنتَ بتقول لي أنا الكلام ده يا عز؟
واسترسلت لائمة إياهُ بشدة:
-هان عليك تتهمني وتقول لي إني بستمتع بوجع قلبك؟!
أردف بنبرة حادة:
-أُمال عوزاني أفسر تعمُدك الدايم لرفضك لأي محاولة ليا بإني أتقرب مني بإيه؟!
صمتا كليهما عندما لاحظا قدوم مليكة التي شعرت بأنها قطعت حديثهما فوضعت ما بيدها فوق المنضدة وأخذت صغيرتها وصعدت إلي الأعلي لتبدل لها ثيابها
تنهدت ثريا بأسي وأردفت بإبانة:
-فسر كلامي بإني سِت حابة تعيش علي ذكري جوزها الغالي،وممكن كمان تفسره بإني واحدة عاوزة تحافظ علي سُمعتها
واستطردت معاتبة إياه:
-هو أنتَ نسيت الكلام اللي مراتك قالته لي وأفترت بيه عليا؟
ولا صعبان عليك إن محدش عرف بيه وعاوزها تطلع تقوله قدام الناس المرة دي؟!
أجابها واثقاً:
-منال مش هتقدر تكرر اللي عملته تاني لأسباب كتير،أولهم إن اللي كان بيحرضها عليكِ هي العقربة اللي إسمها لمار ودي خلصنا من شرها خلاص،ده غير إن منال نفسها إتغيرت،مبقتش منال اللي نعرفها
بنبرة جادة أردفت باعتراض:
-أرجوك يا عز تخرجني ومن وسط مشاكلك إنتَ ومنال
واسترسلت بايضاح لتصرفها السابق:
-أنا لما وافقت أرجع ألم العيلة عندي عملت كدة علشان البنت اليتيمة اللي ملهاش ذنب تتحرم من أبوها وعيلتها زي ما اتحرمت من أمها،وعلشان سيلا وحمزة يرجعوا لطبيعتهم ويحسوا بالدفي وسط عيلتهم الكبيرة
واستطردت بإبانة:
-والحمدلله،عُمر ربنا هداه وأخد بنته في حضنه،وحمزة رجع لطبيعته بعد شهور عاشها في وجع علي أمه الله يرحمها،وسيلا ربنا يهديها وترجع زي الأول
بعيناي متوسلة أردف مطالباً إياها بمناشدة:
-أنا مش طالب منك المستحيل يا ثُريا،أنا كُل اللي عاوزه منك إنك تسمحي لي أقعد معاكي،نتونس بقعدتنا ونشرب قهوتنا مع بعض زي الوقت كدة
واستطرد حين رأي الإعتراضُ داخل عيناها:
-مش لازم حتي نحكي عن نفسنا ومشاعري ناحيتك،خلينا نحكي مثلاً عن ذكريات العيلة وجدي وأبوي وعمي صلاح الله يرحمهم
واستطرد متوسلاً:
-بس أنا ليا طلب عندك،لما نكون مع بعض إندهي لي بإسمي زي الأول،بلاش سيادة اللواء
نظرت عليه والتردد أصبح سيد موقفها،حقاً هي الأنَ حائرة،تنظر لهُ بعين الشفقة علي حال ذاك العاشقُ الولهان الذي يشتاقُ ويتطلعُ ويرتضي حتي بالقليل مِن مَن ملكت الفؤاد واحتلتهُ بعِشقها،ومن جهة أخرى تخشي الله وتخشي سُمعتها إذا ما وافقته علي جنانهُ ذاك وتمادي هو كَقبل
بنبرة متلهفة أردف متسائلاً:
-قولتي إيه يا ثُريا؟
تنهدت بأسي وتحدثت بصرامة بعدما حسمت أمرها:
-موافقة بس بشرط،لو تعديت حدودك معايا في الكلام زي الأول مش هتشوف وشي تاني حتي في فطار يوم الجمعة،هعتذر بأي حِجةومش هخرج،إتفقنا يا عز
زفر بقوة كمن كان ينتظر حكم برائته وتحدث بنبرة هائمة:
-موافق علي أي حاجة طالما نطقتي إسمي يا ثُريا
إبتسمت بخفوت وهزت رأسها بيأس علي ذاك العاشق وتسائل داخلها متعجباً:
-ماذا رأي مني ذاك الفارس كي أُصبح متيمتهُ التي يترجاها لترضي بمنحهُ ولو القليل!
تنهد وسألها بعيناي مُحب:
-لسة بتحبي الورد زي زمان يا ثُريا؟
بإبتسامة هادئة عقبت:
-ومين ميحبش الورد يا عز
إبتسم ثم أردف سارداً كلمات غُنوةً شهيرةُ بعيناي تهيمُ شوقاً جعلتها تسبحُ في سماء سحر كلماتهِ المُنتقاه بعناية رغم عدم رغبتها بالإنجراف خلف مشاعرهُ البريئة،لكن كانت لكلماته ولصوتهِ الحنون أثر السِحرُ عليها
يا عاشقة الوردِ،إن كنتِ على وَعدي
فحبيبكِ منتظرٌ،يا عاشقةَ الوردِ
حيرانُ، أينتظرُ والقلبُ بهِ ضجرُ؟
ما التلّةُ ما القمرُ، ما النّشوةُ ما السهرُ؟
إن عُدتِ إلى القلق، هائمةً في الأفُقِ
سابحَةَ في الشّفَقِ، فهُيامك لن يُجدي
يا عاشقة الوردِ،إن كنتِ على وَعدي
فحبيبكِ منتظرٌ، يا عاشقةَ الوردِ
إبتسمت له باستسلام لحالة الوله التي يحياها ذاك الفارسُ النبيل
❈-❈-❈
بنفس التوقيت داخل الشركة التي يعمل بها عُمر كمهندس إلكترونيات
دخلت المهندسة تارا مجدي إلي المكتب الخاص بعُمر المغربي لتستكمل معه خطوات مشروعهما معاً كي يخرج إلى النور،وجدت المكتب خالي من ذاك الجاد في عمله،كادت أن تتحرك إلى الخارج لولا دلوف ذاك العمر المُفاجئ الذي أربكها وجعلها تتراجع إلي الخلف علي عُجالة
نظر عليها وتحدث بجدية:
-سوري لو إتأخرت عليكِ شوية،كنت عند المدير في أمر ضروري
هزت رأسها بتفهُم وتحركت إلي المقعد لتجلس،وما أن رأتهُ يُغلق الباب حتي إنتفضت كمن تعرض للدغة عقرب وتحدثت بنبرة حادة:
-سيب الباب مفتوح لو سمحت.
ضيق عيناه وهو ينظر إليها مُستغرباً فزعها وتحدث متعجباً:
-وليه أسيب الباب مفتوح!
هتفت بنبرة خرجت حادة لملامح وجه جادة:
-علشان ده المفروض
قطب جبينهُ متعجباً أمرها وسألها ساخراً:
-ومين بقي اللي فرضه يا باشمهندسة؟!
بثقة عالية أردفت بيقينٍ:
-ديني والإصول والعادات اللي إتربيت عليها هي اللي فرضته عليا يا باشمهندس.
رفع أحد حاجبيه متمعناً في النظر إليها ثم تحدث بلامبالاة:
-أوكِ،زي ما تحبي.
قال كلماتهُ إحتراماً لرغبتها وتحرك إلي مكتبهُ بعدما تاركاً الباب مفتوحاً كما طلبت،أشار بيده يستدعيها للجلوس وتحدث بنبرة جادة:
-إديني سبت الباب مفتوح،ممكن بقي نشوف شُغلنا اللي متعطل ده؟
تحمحمت وأردفت بهدوء:
-تمام يا باشمهندس،أنا تحت أمرك
أومأ لها ثم بدأ بمتابعة عملهما تحت نظرات عُمر،فمُنذُ الوهلة الأولي التي رأي فيها تلك الطَامِحةْ وعلي الفور أنبهر بذكائها وإصرارها علي النجاح،وها هو الآن يُضاف إلي إنبهارهِ إعجابهُ بسمو أخلاقها ومبادئها الجديدة عليه،حيثُ أنهُ وطوال مسيرتهُ وجولاتهُ النسائية التي لا تُعد ولا تُحصي لم يحالفهُ الحظ بمقابلة نفس تلك النوعية،بل لم يلتقي سوي بالمنحرفات أمثاله والتي كان يلتقي بهن داخل الحاناتِ بالماضي.
عودة إلي حديقة رائف
ما زال عز وثريا يجلسان وانضمت إليهما مليكة ومِسك وباتوا يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم تحت سعادة عز التي لا توصف
كان الصغير يلهو مع تلك القابعة فوق مقعدها محاولاً إلهائها ودمجها معه وبرغم هذا كانت تشعر بالضجر الذي إختفي بمجرد رؤيتها لدخول مروان بجوار أنس وحمزة وبصُحبة ياسين الذي إنتهي من عملهُ بالجهاز واتجه إلي النادي ليجلب حمزة ومروان وأنس في طريقهُ إلي المنزل
هتفت ليزا الذي أنير وجهها عندما رأت ذاك الفارس وهو يقترب عليها مبتسماً بعدما ألقي التحية علي الجميع وقام بالترحيب بجده عز:
-ماااارو
أجابها بعيناي سعيدة:
-ليزا،وحشتيني
إلتمعت عيناها ببريق البهجة وبرغم شدة اغْتِباطها جراء حضوره إلا أنها مطت شفتاها وتحدثت معاتبة إياه:
-أنا زعلانة منك كتير يا مارو
ليه يا حبيبتي…جُملة حنون نطقها وهو يجثو علي ركبتيه ليكون قريباً منها،فأجابتهُ بدلال:
-علشان إنتَ وعدتني إمبارح إنك هتيجي تاخدني من عند بابي،وتجيبني هنا علشان أنام مع نَانَاَ ثُريا
واسترسلت وهي ترفع منكبيها للأعلي بحزن:
-ومش جيت
أجابها متفهماً غضبها:
-معلش يا حبيبتي اصلي نمت إمبارح بدري،وبعدين مش إحنا إتفقنا إنك هتنامي مع بابي يومين وعندنا هنا يوم
أومأت ثم تحدثت متذمرة بنبرة طفولية:
-أنا عارفة يا مارو،بس أنا بحب أقعد معاك كُل الوقت
كان يستمع إلي حديثها الموجه إلي مروان ويتناقل بنظراته الحادة بينها وبين أبيه الذي يحمل صغيرتهُ المدلله ويغمرها بالكثير من القُبلات والدلال هو وحمزة متناسياً وجودهُ حسب رؤيتهُ الضئيلة للأمور بفضل حداثة سِنهِ،وفجأة ألقي بألعابهِ أرضاً ثم هتف بنبرة غاضبة موبخاً تلك الليزا:
-إنتِ بنت رخمة وأنا مش هلعب معاكِ تاني،وخليكي بقي مع مروان
صاح بكلماته الغاضبة وكاد أن يتحرك قاصداً بوجهتهِ الداخل لولا مليكة التي إستمعت إلى صوتهِ الحادّ وهرولت عليه وقامت بحمله وثبتتهُ بأحضانها وتساءلت بنبرة حنون:
-مالك يا حبيبي،مين مزعلك؟
أشار بكف يده باتجاة ليزا وتحدث بصياحٍ حاد وعيناي غاضبتان:
-الرخمة دي،عمال ألعب معاها من بدري واديتها من الميلك شيك اللي عملناه انا وإنتِ،ولما مروان جه سابتني وبتتكلم معاه هو،وبتقول إنها مش بتحب تلعب غير معاه
إبتسمت إليه وتحدثت بهدوء في محاولة منه بسحب غضبه الطفولي:
-ليزا أكيد ما تقصدش تزعلك،وبعدين هي مش كانت لسة بتلعب معاك ومبسوطة؟ يعني بتحب تلعب معاك إنت كمان
إقترب حمزة من شقيقهُ وحملهُ عن زوجة أبيه وتحدث مشاكساً إياه:
-ما تهدي علينا شوية يا عم العصبي،مالك قالب علي البنت كدة ليه؟
مط ذاك الحانق شفتاه وأردف بنبرة ساخطة:
-عزو زعلان منك إنتَ كمان يا حمزة علشان بتلاعب مِسك ومش كلمت عزو خالص
ناول ياسين إبنته إلي ثُريا وخطي بساقيه إلي ولداه وحمل الصغير وبات يراضيه حتي إبتسم وتفهم الموضوع بل وحثهُ ياسين علي الإعتذار من ليزا بعدما شرح له وضع ساقاها المتعبة وأيضاً إعتذر منهُ مروان وقام بإرضائه
إقتربت مليكة من زوجها وتحدثت إليه بإبانة:
-أنا هطلع أجهز لك الحمام إنتَ ومروان وأنس،وعلي ما تنزلوا هيكون الغدا جاهز
وأردفت بعدما حولت بصرها إلي حمزة:
-وإنتِ يا حمزة،روح خد الشاور بتاعك وتعالي إتغدي مع بابا وإخواتك
واسترسلت لإغرائه:
-أنا عاملة بيكاتا بالمشروم مع رز أبيض هتاكل صوابعك وراهم
حك الفتي شعر رأسهُ وأردف مشاكساً زوجة أبيه بعدما سالَ لُعابُهُ جراء ذِكرها لوجبتهُ المُفضلة:
-هو يعني الشاور هيطير،خلينا ناكل البيكاتا الأول وبعدين نشوف موضوع الشاور ده
ثم نظر إلي أبيه واستطرد بمداعبة:
-ولا انتَ إيه رأيك يا باشا؟
إمشي يَلاَ علي البيت،روح إستحمي وانضف وبعدين إبقي تعالي…نطقها باسين بسخرية فعقب ذاك المشاكس قائلاً بمراوغة:
-أنا كمان بقول كدة بردو
ضحكت مليكة علي ذاك التي تكن لهُ مشاعر صافية وتعتبرهُ بمكانة مروان
نظر ياسين إلى والدهُ المنسجم بالحديث مع ثريا وعيناه توحي بسعادة الدُنيا،هتف بنبرة ذات مغزي:
-منور يا باشا
نظر عليه عز وتحدث بمشاكسة بعدما فهم مغزي نجلهُ:
-بوجودك يا حبيبي
إبتسم له ثم تحرك الجميع كُلٍ علي وجهته وبعد قليل كان الجميع يلتف حول سُفرة طعام ثُريا التي دائماً ما تسع الجميع وتحتضنهم
❈-❈-❈
في اليوم التالي
خرجت من المنزل في طريقها إلي البوابة لتستقل سيارتهُ وتذهب معهُ برحلتها اليومية،كانت تشعر بسوءاً جراء ما حدث منهُ ليلة أمس،وصل شعورها بعدم قدرتها لرؤية ملامحهُ،ولكن قد تبدل ذاك الشعور حال رؤيتها لذاك الوسيم الذي كان ينتظرها وهو يقف بجسدٍ ممشوق وقامة مرتفعة،كم كان بديعاً بنظارتهِ الشمسية التي زادتهُ وسامة
علي غير العادة إرتبكت وشعرت بفوضي خلاقة فور رؤيتهُ،تبعثر داخلها ورجفة عنيفة أصابت قلبها لما،هي بالطبع لا تدري،إبتلعت لُعابها وحاولت جاهدة في لملمت شتاتها المُبعثر
أنزلت بصرها متجنبة النظر إليه وتحركت وعلي عجالة إتجهت إلي باب السيارة الخلفي دون صدور صوتاً منها،فقام هو بفتحهِ لها واستقلت العربة تحت ضيقهُ منها وعليها بنفس الوقت،ثم استدار واستقل سيارته متخذا مكانه أمام عجلة القيادة،أدار المُحرك حتي وصلا لمقر جامعتها تحت صمتهما التام وبعض النظرات التي يسترقها كلاهما للأخر مع مراعاة كلاً منهما عدم رؤية الآخر له
❈-❈-❈
ليلاً
فتح ياسين باب جناحهُ الخاص بمليكتهُ وجدهُ خالي،أتي إلي سمعهِ أصوات صغيرتهُ المدللة يأتي من خلف باب الحمام،دق بعض الطرقات فوق الباب ودخل بعد أن إستمع إلي صوت حبيبته بالسماح،
إبتسامة عريضة إرتسمت فوق شفتاه حين رأي صغيرتهُ تقبع داخل حوض الإستحمام الخاص بها والملئ بالماء وفقاعات صابون الإستحمام تغطي جسدها الصغير مما جعل الصغيرة تتراقص داخل الماء وتُداعبهُ بكفاها في حالة من السعادة
نظرت إلي حبيبها الذي تحدث إلي غاليتاه قائلاً بإبتسامة:
-بتعملوا إيه؟
أجابتهُ بملاطفة:
-الأستاذة مِسك بتاخد الشاور بتاعها
أما تلك الصغيرة فما أن رأت عزيزُ عيناها واقفاً أمامها حتي صاحت وبدأت بخبط الماء بكفاها الصغيرتان مما دل علي شدة إبتهاجها وباتت تحدث أصواتاً وتناديه بمناغاة:
-دادااا،دادددا
وككل مرة يراها بها وتُدخل إلي قلبهِ السرور والبهجة،إقترب عليها وجثا علي ركبتيه فباتت الصغيرة تشب بطولها لتنهض وتقف بمقابلة أبيها،ساعدها علي النهوض وبدأت تثرثر بكلماتٍ غير مفهومة لدي ياسين الذي إشتدت سعادتهُ وتحدث إليها بمناغشة:
-مين قلب داداا اللي مبسوط وهو بياخد الشاور بتاعه
تراقصت الصغيرة فابتسم لها وبدأ بمساعدة مليكة علي إستحمام الطفلة،أردفت مليكة قائلة بدلال لصغيرتها:
-شايف يا بابي مِسك شطورة إزاي وبتحب الشاور وبتفرح بيه
طالعة لمامي…نطقها وهو ينظر لعيناها فابتسمت وباتا معاً يدللان صغيرتيهما ويغمرا جسدها بالماء والصابون تحت سعادة الصغيرة ومناغاتها لكلاهما
❈-❈-❈
بعد مرور يومان
خرجت من داخل جامعتها دون أن تُبلغ كارم بخروجها إليه يستعد لتأمينها،نظرت علي مكانه وجدتهُ يقف بصُحبة تلك الفتاة التي لم تتقبلها منذُ الوهلة الأولى والتي رأتها فيها مع ذاك الوسيم
علي الفور شعرت بإشتعال روحها وما زادهُ هو رؤيتها لذاك الجذاب وهو يتحدث بإرتياح إلي تلك الملعونة التي باتت تبغضها وبشدة
تحاملت علي حالها كي تتحكم في ضبط إنفعالاتها وتبدو بكل ذاك الثبات الذي ظهر علي وجهها،تحركت بطريقها إليه بجسدٍ مشتعل لم تقوي علي تهدأتهُ كما فعلت في تعبيرات وجهها
وما أن رأها كارم حتي إرتبك من مفاجأتهُ بخروجها،هرول إليها ليؤمن خروجها وكالعادة بات يتلفت حولهُ ليتفقد المكان وهتف بغيظٍ من بين أسنانه:
-إزاي حضرتك تتحركي من غير ما تبلغيني بخروجك؟!
وجهت بصرها علي تلك الواقفة تنتظرهُ وأردفت بحديث ذات مغزي:
-محبيتش أقطع وصلة غرامك وأفصلك
رفع حاجبهُ مستنكراً حديثها ثم هز رأسه بضيق وتوجه بها حتي أوصلها لمقر السيارة تحت نظرات رجال الحراسة المحاوطين لهما،ألقت نظرة سريعة علي تلك المايان وابتسمت بجانب فمها ساخرة ثم استقلت السيارة تحت إستشاطة ذاك الذي كاد يُصاب بذبحة صدرية جراء أفعال تلك المتمردة
إستأذن من مايان وتحرك منطلقاً بالسيارة تحت نظرات مايان الحارقة التي رمقت بها تلك التي رمقتها ببغضٍ من نافذة السيارة وكأن نظرات كِلتاهما للأخري قد تحولت لقذائف هاون لو أصابت إحداهما لنهت عليها في الحال
قضا كلاهما طيلة الطريق في صمتٍ تام وترقب كُلاً منهما للأخر دون أن يلاحظهُ،دخلا إلي حي المغربي فصدح هاتف كارم واضطر أن يُجيب قائلاً:
-أيوة يا حبيبتي،أنا وصلت إسكندرية خلاص ونص ساعة بالكتير وهكون عندك
واسترسل:
-تمام يا حبيبتي،هشوفك بعد شوية
نطقها وأغلق الهاتف سريعاً تحت فضول تلك الجالسة،إكتشفت أنها لا تمتلك أية معلومات عنه،هل هو متزوج،مرتبط،أم أن حياتهُ خالية من أي إرتباطات مثلها،أوقف كارم السيارة أمام منزل اللواء عز المغربي
نزل من السيارة واقترب من الباب الخاص بها وقام بفتحهِ وكاد أن يتحرك بعدما نزلت،إلا أنهُ توقف حين رأي مليكة وهي تخرج من منزل سيادة اللواء حاملة طفلتها بعد زيارة قصيرة قضتها بصُحبة منال وليزا التي إنتقلت للعيش في منزل أبيها تحت تذمرها ورفضها الإبتعاد عن مروان وعز الصغير بالإضافة إلى أنس الذي يعاملها بلطفٍ وأهتمام،حل عُمر تلك المعضلة بأنهُ جعلها تقضي بعضاً من الوقت بمنزل رائف والبعض الأخر تقضيه بمنزل عز المغربي أما بالنسبة للمبيت فأصبح داخل أحضان منال التي إتخذت من الطفلة أملاً جديداً لتحيا بحماسٍ من أجله
إقترب كارم من مكان مليكة وتحدث بتوقير:
-مدام مليكة،إزي حضرتك يا أفندم
ضيقت أيسل عيناها باستغراب وتعجب داخلها من معرفة كارم بمليكة،ردت مليكة بإحترام وابتسامة هادئة إعتلت ملامحها وجعلتها بشوشة:
-أهلاً يا حضرة الرائد،إزي أخبارك
كادت أن تتحرك في إتجاهها إلي الداخل بتجاهُل مفتعل رغم فضولها،أرضي فضولها تلك الصغيرة التي لوحت بيداها في إشارة حماسية توحي لمدي اشتياقها لشقيقتها الكُبري،تحركت أيسل إليها وبسطت ذراعيها وألتقطت الصغيرة وتحدثت بنبرة حنون:
-مِسكي،وحشتيني يا جميلة
تراقصت الصغيرة بحماس تحت سعادة أيسل التي باتت تُنثرها بالكثير من القُبلات الشغوفة والتي تجلب لقلبها السرور
تحدثت مليكة إلي أيسل لتجميل صورة زوجها أمام ذاك الكارم:
-حمدالله علي السلامة يا أيسل
إبتلعت لُعابها إحراجاً وتحدثت بهدوء:
-الله يسلمك
سألها كارم باستعلام وهو ينظر علي تلك الجميلة مداعباً وجنتها الوردية تحت خجل أيسل الذي أصابها جراء إقترابهُ منها كي يُداعب الصغيرة:
-دي أكيد بنت حضرتك وسيادة العميد؟
أه،مِسك…نطقتها مليكة بإبتسامة فتحدث كارم من جديد بما جعل داخل أيسل يستشيط:
-ماشاء الله طالعة مرحة وعندها قبول،تمام زي حضرتك
رمقتهُ أيسل بنظرة حارقة لعلمها أنهُ يستفزها بحديثهُ قاصداً به إتهامها ووصفها بعدم القبول لدي الأخرين
إبتسمت مليكة وشكرته ثم تحدثت وهي تدعوه للداخل:
-إتفضل حضرتك أعرفك علي ماما ثُريا وتشرب معاها فنجان قهوة
أردف باحترام:
-أكيد ليا الشرف إني أتعرف عليها يا أفندم
واستطرد باعتذار:
-بس وقت تاني إن شاء الله لأن والدتي مستنياني علي الغدا ومأكلتش لحد الوقت، ومش حابب أتأخر عليها
واسترسل بدُعابة تحت إرتياح قلب أيسل بعدما علمت أن التي هاتفها مُنذُ القليل هي والدتهُ:
-أو بمعني أصح مش حابب أتأخر علي طاجن الجمبري الجبار وألحقه قبل ما يبرد
بالهنا والشفا…قالتها مليكة واستطردت باحترام:
-طب بمناسبة الكلام عن الأكل،إيه رأيك تتغدي معانا بكرة إن شاء الله، أهو بكرة أجازة رسمية للكل
واستطردت بلطافة:
-وأهو علي الأقل تدوق أكلنا،اللي أكيد طبعاً مش زي أكل مامت حضرتك،بس أهو تغيير
أجابها باحترام:
-العفو يا أفندم ما تقوليش كدة، أكيد أكل حضرتك ممتاز
واسترسل بموافقة:
-يشرفني طبعاً حضرتك،إن شاء الله هاجي
أجابتهُ بهدوء:
-إتفقنا،أنا هبلغ سيادة العميد وهنستناك بكرة إن شاء الله
واسترسلت بعدما رأت الإهتمام بعيناي سيلا التي تتظاهر بملاطفة الصغيرة وهي تسترق النظرات منه بين الحين والأخر:
-وإنتِ أكيد هتيجي يا أيسل،مش محتاجة عزومة طبعاً
هفكر…نطقتها بتَرَفَّع لحفظ ماء وجهها أمام غريمتها
قطب كارم جبينهُ متعجباً تعالي تلك المتعجرفة حتي علي زوجة أبيها اللطيفة،وما زاد تعجبهُ هو تصرف مليكة التي إبتسمت لها بتفهُم وتعاملت مع الموقف كأنهُ طبيعياً
إنصرف كارم بعدما إستأذن منهما وأخذت مليكة إبنتها بهدوء وأنسحبت لداخل منزلها،أما أيسل فدخلت إلي منزلها تحت سعادتها البَالغةالتي لا تعلم مصدرها وهي تُفكر في حضور ذاك الوسيم إلي منزل ثُريا
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)