روايات

رواية قطة في وادي الذئاب الفصل الثامن عشر 18 بقلم إسراء عبد القادر

رواية قطة في وادي الذئاب الفصل الثامن عشر 18 بقلم إسراء عبد القادر

رواية قطة في وادي الذئاب الجزء الثامن عشر

رواية قطة في وادي الذئاب البارت الثامن عشر

قطة في وادي الذئاب
قطة في وادي الذئاب

رواية قطة في وادي الذئاب الحلقة الثامنة عشر

أغلق أشرف ضفتي المستند بيده ثم وضعه على سطح المكتب قبل ان يريح ظهره على الكرسي كي يلتفت إلى الجالس مقابله بحلته الرسمية يفرك يديه بتوتر ، أزاح أشرف غلاف التوتر عنه و هو يقول بابتسامة راضية:
_ مؤهلات كويسة جدا يا أستاذ باسل ، تقدر تعتبر نفسك سكرتير مكتبي من بكرة
انفرجت أسارير باسل و التمعت عيناه سعادة قبل ان يقف عن مجلسه و يمد يده قائلا بامتنان:
_ اشكرك جدا يا أستاذ ، إن شاء الله أكون عند حسن ظنك
وقف أشرف ثم صافحه و هو يقول بجدية:
_ مبروك يا باسل ، شد حيلك في اللى جاى بقى
_ اكيييد
ثم التقط ملف سيرته الذاتية قبل ان يخرج من غرفة المكتب مودعا أشرف الذي استراح إلى شاب طموح شأنه معتقدا في قرارة نفسه أنه موظف مناسب إلى هكذا وظيفة ذات مركز حساس تختزن العديد من الأسرار ، خرج سامح من الباب الرئيسي للشركة و معالم الحبور تغلف ملامحه حتى قاطعته رنات الهاتف بجيبه ، ليخرجه ثم يطالع الاسم المضئ بشاشته ليلوي فمه استهزاء قبل ان يقول فى نفسه متهكما:
_ مش هتبطلى و لو بالطبل البلدي أنا عارف
عزم أمره كي يسحب زر الإجابة ثم يضع الهاتف على أذنه قائلا ببرود:
_ نعم
أتاه صوتها الثائر قائلة بغضب:
_ ما بتردش على اتصالاتي ليه يا بيه؟
زفر في نفسه بضيق قبل أن يجيبها بضجر:
_ أنا مش قلت لك قبل كدة إن كل اللى بيننا انتهى و قطعنا الورقة ، بتتصلي تاني ليه بقى؟
أطلقت تنهيدة حسرة طويلة قبل أن تجيب بألم:
_ حاتم لازم اقابلك عشان فى حاجة مهمة لازم تعرفها
أجابها بتعال:
_ قولي فى التليفون لإنى يستحيل اقابلك تاني يا مها
تشدقت بصوت خافت ملجلج يغرقه الدمع:
_ أنا حامل
لم ياتها رد فعل منه و إنما ظلت لدقائق معدودة دون أن تستمع إلى إجابة و وجيب قلبها بات يعلو و يهبط بعنف خوفا من إجابته الصادمة و التى أتتها كما ظنت تماما حينما قال بصوت جليدي غير مكترث:
_ إنتي عارفة إنه صعب أوى نتجوز يا قمر ، روحي اعملي العملية و اخلصي
اتسعت مقلتيها صدمة لتزدرد ريقها قبل ان تقول بدهشة:
_ بالسهولة دي هتتخلى عني كدة؟
_ و الله ده اللى عندي و إذا كان عاجبك ، انتى عارفة من الأول انى مش بتاع جواز
هتفت و هي تكز على أسنانها بسخط:
_ آه يا حيوان يا واطي ، استلقى وعدك من أخويا و يارب تعرف تهرب يا جبان
نطق من بين أسنانه بصراخ:
_ احترمي نفسك يا بت انتي ، أنا ما ضربتكيش على إيدك كله كان برضاكي ، يبقى ما ترجعيش تعيطي بقى
تحدثت بصوت دامع متحشرج محاولة كتم شهقاتها بألم:
_ كنت فاكراك راجل و هتطلبني من اخويا بعد ما أمورك تتيسر زي ما قلت لي ، لكن طلعت ندل ، استلقى وعدك من أكمل
لم تسمع صوته و إنما سمعت صوت إغلاق الهاتف بوجهها لتسري رجفة بجسدها جعلتها تنتفض بمكانها و قد شعرت بكونها أصبحت ضائعة بلا قيمة و هي تعرف جيدا عواقب ما سيحدث خاصة لو صار أخيها على علم بما أقدمت عليه من عمل أحمق سيضيعها و يضيع سمعتها معه
بينما ابتسم سامح فى نفسه بمكر قبل ان يقول بشر:
_ دانا هموت و اشوفك يا أكمل ، هو انت لسة شفت حاجة؟!
_ مبروك يا قمر ، و الله فرحت أوى بعد ما عمار قالي
هتفت بها ميرا بسعادة و هى تحتضن فجر بين ذراعيها و الفرح يكسو معالمها برعونة بينما تبتعد عنها الثانية ثم تقول مبتسمة:
_ شكرا اوى يا ميرا ، لولا تعليمك هنا و تعليم عمار فى الشركة ماكنتش أبدا حققت ربح من اول تلات شهور
أكملت ميرا بإعجاب:
_ لا و مش أي ربح ، ده عشرة مليون جنيه ، شابو يا زينة
_ هاااااه!
همهمت بها فجر بأعلى صوتها محذرة لتردف ميرا معتذرة:
_ آه آه آسفة خاالص ، معلش نسيت يا فجر
_ ولا يهمك
استطردت ميرا تقول متسائلة:
_ المهم هتعملي إى دلوقتي مع جماعة الأشرار؟
اجابتها تقول بنبرة جامدة:
_ انا هبعت الرجالة من بكرة يجيبوا أماكنهم عشان وقت الحساب قرب خلاص
عقدت ميرا جبينها بدهشة قبل أن تردف متعجبة:
_ هو انتي مش كنتي مقررة تحاسبيهم بعد ما تسدي اقساط الشركة؟
قالت فجر بصمود:
_ و غيرت الخطة ، لإن لقيت التأخير مش ف مصلحتي نهائي ، و اقساط الشركة هتدفع قبل وقتها إن شاء الله
_ مستنية أشوف انتقامك بفارغ الصبر يا فجر
رمقتها فجر بابتسامة حانية سرعان ما ازاحتها و هى ترمق ميرا بحيرة بينما تتساءل الثانية ما ان لاحظت نظراتها:
_ بتبصيلي كدة ليه؟
نطقت زينة باستفهام يشوبه الشك:
_ عايزة اعرف حاجة ، ازاى عرفتي إنتى و عمار إسمي و ناديتوني بيه من قبل ما اقوله حتى؟!
تلعثمت الكلمات بلسان ميرا التى تكاد تفقد صمودها الظاهري أمام نظرات فجر الثاقبة ، نقلت بصرها إلى الجهتين سريعا قبل ان تلمع برأسها إجابة عابرة فحواها:
_ منك طبعا ، عشان انتي فضلتي تهلوسي كتير بسبب البنج و عرفنا إسمك قبل ما تفوقي وقتها
كانت إجابة كافية لغلق باب التساؤلات اللامتناهية بعقل فجر التي رمقتها بابتسامة راضية تشير إلى تصديقها لما أدلت من علة كاذبة
لاصق الهاتف بأذنه و هو يقف أمام نافذة غرفته يطالع هيئة الشارع عبرها ، يتحدث بنبرة جدية قاتمة:
_ عملت اللى قلت عليه يا سيد و روحت اتوظفت هناك ، و هكمل اللى اتفقنا عليه ، أتمنى انت كمان توفي اللي قلته و المبلغ يوصلني أول بأول
أجابه سيد مؤكدا:
_ و انا عند وعدي يا باسل ، بس تمشي حسب ما اقولك و كلها ست شهور و تتحرر من اللعبة دي كلها ، بعد ما تكون فلسته طبعا
أردف باسل موافقا:
_ مافيش مشكلة…
قبل ان يكمل كلماته توقف للحظة إثر سماع همهمات مكتومة من صوت سيد الذي انقطع فجأة عن الكلام ، نادى باسل بقلق:
_ سيد ، سيد
أتته الإجابة على هيئة أصوات ارتطام أشياء بالأرض و كأن هناك عملية مقاومة تحدث على الجانب الآخر ، ليكرر باسل نداءه هاتفا:
_ يا سيد ، رد عليا ، فى أى بيحصل عندك؟
علا هتافه إلى الحد الذي دفع أحد المهاجمين إلى سماع صوت الهاتف الذي ألقي أرضا ، مما جعله يلتقطه ثم يغلق الخط تاركا باسل الذي صاح فى نفسه بخوف:
_ نهار اسود لو كانوا حكومة!
_ شئ مروع حدث توا مشاهدينا حيث تم اختطاف رجلين من أهم رجال الأعمال من أمكنة اعمالهما إلى جانب أفراد من أسرهم ، فلقد قدم بلاغ عن اختفاء السيد أكمل السمري و زوجته و أخته بالإضافة إلى ابنه الصغير كما اختفى أيضا السيد أشرف فهمي و خطيبته كل من مكان وجوده ، لقد انقلب حال وزارة الداخلية بمن فيها رأسا على عقب فى محاولة استيعاب هذا الموقف العصيب ، هل هي عصابات كبرى تستهدف رجال الأعمال؟ أم هي عصابة واحدة تود طلب الفدية عن كل هذه الارواح؟ ، حتى الآن لا نعرف
هكذا تحدثت المذيعة الإخبارية أمام قسم الشرطة قبل ان تلتفت إلى اللواء الذي خرج لتوه لتسرع إليه مع مماثليها من الجهاز الإعلامي كي يمطروه بوابل من الأسئلة المنشودة إجاباتها من قبل الشرطة أكثر من الإعلام
_ تشتبهوا ف مين يا فندم؟
_ مين ممكن يكون متورط ف كدة؟
_ هل فعلا وصلكم اتصال من الخاطف؟
توقف اللواء عن السير و قد نفذ مخزونه من الصبر على هذه الأسئلة التي لم و لن تكف ، حينما قال بحدة مختصرا:
_ لسة ماعرفناش أى حاجة ، و ما جالناش اتصال من أى خاطف
_ يا ترى فين هما دلوقتى؟
_ الداخلية بتعمل أقصى ما عندها لحد ما نعرف نرجعهم
ثم أكمل سيره و هو يبسط يده أمامهم إشارة إلى الكف عن طرح الأسئلة قائلا بضجر:
_ كفاية أسئلة لو سمحتم
و على طريق آخر مكسو برمال الصحراء معبأ هواؤه بحرارتها ، شمس السماء فوقها تكاد تحرق الأخضر و اليابس ، هادئ بلا صوت مستكينا لم يعكر صفوه سوى صوت سيارتي الجيب اللواتي تقطعان الطريق بسرعة قصوى مخلفة غبار الرمال الذي أزعج صفاء الهواء الأصفر ، يجلسون مكتوفي الأيدي و الأقدام مع عصابات تكبل أفواههم و عيونهم لئلا يكون هناك مجالا للنطق أو المقاومة بأي شكل من الأشكال ، خفقات علت حتى باتت افئدتهم كالمضخات ، ذبذبات من الخوف تطبق على الهواء حولهم مع الصمت المطبق الذي لا يزعجه سوى صوت احتكاك العجلات بالرمال ، لوقت لا يعلمون مداه ظلوا على هذا الحال دون تغيير و قد أصبحت الدقائق تمر كدهور كل دقيقة يزداد معها الرعب أضعافا ، حتى توقفت السيارتين بعرض الصحراء الشاسعة ، ليخرج رجال عريضوا البنية مع عضلات مفتولة قاموا بفتح أبواب السيارات و إخراج المختطفين بعنف
و حررت أعينهم من العصابات المؤلمة و كذلك أفواههم المكممة من اللاصقات الرمادية لتتعالى صرخات السيدات بفزع مستنجدين:
_ الحقووونااا ، آه الحقووونااا
اقترب منهم أحد الرجال و هو يقول مبتسما بتهكم:
_ صرخوا على أد ما تقدروا ، مافيش حد هنا عشان يسمعكوا
نطق أشرف و هو يحاول ان يتحرر من الحبال المكبلة إياه بغضب:
_ إنتو ليه جبتونا هنا؟
_ اصبر و هتعرف
تحدث أكمل بغرور:
_ اسمع يا بابا انت ، مهما كان الخاطف دافع لك أد اى حررنا و هتاخد الضعف
لوى الرجل فمه مستهزئا قبل ان يقول بثقة:
_ مش احنا اللي نبيع كلمتنا يا باشا ، ماتفتكرش ان كل حاجة ممكن تشتريها بالفلوس يا أفندى
تم ذلك على مرأى سيد الذي فضل الصمت و هو يرزق من يقف بجانبه بمعالم محتقنة ، يود لو يفتك به و يقتله أمام الحضور غير عابئ بكونه اختطف و قد يصير هالكا وسط الرمال! ، مر المزيد من الوقت حتى صدح صوت الصغير الذي بيد أحد الرجال داخل السيارة و علا صداه و قد نال منه الجوع ليوقظه من نومه الذي تنعم به طوال الرحلة ، لم يفلح الرجل باسكاته حتى مع محاولة استخدام الحليب الذي معه بالزجاجة إلا أنه أبى بعدما آلمه بصهج الهواء ، مما جعل رزان تصرخ بألم:
_ الولد حران من صهج الشمس مش هيستحمل ، ماله هو بالموضوع ده أنا عايزة افهم؟ ، هاتولي ابني و سيبونا نروح
التفت إليها أكمل و قد وعي توا إلى كون إياد الصغير معهم فى هذا المكان الحارق و بين براثن هؤلاء الكلاب ، يفكر مليا و يبحث بشق الأنفس عن علة منطقية لإحضار الصغير معهم ، ايعقل أنهم سيستخدمونه كوسيلة لابتزازه؟ ، قطع سيل أفكاره صوت الرجل الذي اقترب منها مزمجرا بحدة:
_ ابنك لو هيولع في الشمس مش هسيبه معاكي انتي بالذات
ثم اجفل للحظات كما الواقفين معه حينما التفت إلى صوت قدوم سيارة أخرى من بعيد مقتربة منهم ليبتسم بنصر قبل ان يقول بجدية:
_ إللي المفروض تحميه من صهج الشمس و حرارة المكان جات اهي
التفوا جميعا برؤوسهم نحو مصدر صوت احتكاك العجلات بالرمال حتى توقفت السيارة أمامهم ، ضيقوا حدقاتهم محاولين اختراق الزجاج الأسود و مطالعة من بالداخل و المسؤول عن قدومهم إلى هنا ، حتى خرج سائق السيارة ثم التف حولها كي يفتح بابها الخلفي كي يخرج هذا المجرم الخطير
صدمة كبيرة اعتلت معالمهم و ذهول تام كان كفيلا بتكميم أفواههم و جحوظ عيونهم التى شهدت اليوم ما لا يصدق ، فكانت تلك القصيرة ذات القوام الممشوق الذي اظهره قميصها الأصفر ذا النقوش مع البنطال الأسود الجلدي ، و حذاؤها ذا الرقبة العالية التي طالت ركبتيها ، نظارة شمسية تعتلى وجهها المخضب ببعض لمسات الزينة ، و شعرها المفرود على ظهرها طويلا تغلب عليه خصلات البنية بفعل الصبغات ، نزعت نظارتها ثم رفعتها و أسندت إياها على مقدمة رأسها ، لتصل إلى آذانها شهقات الفزع و الدهشة و قد صدق حدسهم بكونها القطة الجريحة التي اذاقوها من كؤوس الاستغلال الوانا ، خاصة بعدما نزعت نظارتها ليطالعون عيونها الواسعة السوداء الثاقبة ، رمقتهم بازدراء و هي تقترب منهم بخطواتها الواثقة بينما لا تزال حالة البهوت طاغية على ملامحهم حيث بعضهم يرمقها بخوف و الآخر بغير تصديق و الآخر بفرحة! ، قبل ان تخطو خطوتها التالية اوقفها صوت رضيعها الذي عاد يصرخ من جديد داخل إحدى السيارات لتلتفت نحوه بجسدها كاملا قبل ان تسرع إليه بخطوات أقرب الى العدو في عجلتها ، ما ان صارت أمام السيارة حتى خرج الرجل الذي يحمل الصغير كي يناولها إياه لتمسكه ثم تحدق فيه للحظات قبل ان تفر عبراتها الساخنة الفرحة من مقلتيها حينما احتضنته بشدة تكاد تدفنه بين ضلوعها مطفئة شرارة شوقها التي كثيرا ما أضرمت النيران بقلبها بفراقها عنه حتى كادت تشعر بكونها ثكلى و طفلها على قيد الحياة!! ، أخذت تقبله بلهفة في كل أنش بوجهه محاولة إشباع اشتياقها لصغير لم تره أبدا منذ ولادته قبل ست شهور ، كم هو جميل ملائكي الملامح اكتسب براءته من ملامحها الحسنة الطفولية ، اجفلت ما أن سمعت صوت هيدي التى هتفت بصوت ملجلج غير مصدقة:
_ ز زينة؟!
حينها فقط تذكرت أنها بين آخرين من البشر بعدما أنستها رؤية طفلها سواهما من الحضور ، لتعود إلى ملامحها المقتضبة من جديد ما أن تترك ابنها بين يدي أحد الحراس ثم تستدير بثقة و تقترب منهم و هي تجيب بجمود:
_ غلطانة يا آنسة هيدي ، أنا مش زينة
ثم وقفت للحظات و هي تقول بنبرة قاتمة:
_ انا فجر النجدي صاحبة شركة العقارات الصغيرة و اللي جاية تاخد بطار زينة الله يرحمها
ازدادت دهشتهم اضعافا بعدما لاحت إلى مسامعهم لهجتها القاهرية الطليقة الواثقة ، كما تقلصت معالمهم بغير فهم لما تريد الوصول إليه خاصة سيد الذي اقتربت منه فجر بعدما التقطت عصا كبيرة من أحد رجالها ، ترمق سيد بنظرات نارية قائلة من بين أسنانها:
_ زينة اللى اتجوزت و بقت ف عصمة راجل المفروض كان يحميها رماها مع أقرب فرصة بعد ما خد لها صور مع واحد حيوان بكل فظاعة
ثم انهالت على سيد المقيد بالضربات المتتالية ليقع أرضا و هو يتأوه و يتلوى من آلام العصا و قوة وقعها على أنحاء جسده بينما تصرخ فيه ناهرة:
_ يا حيوان يا سافل ، ازاي تتجرأ تلمسني بالشكل ده؟ ، ازاى تسمح لنفسك تشوه بسمعتي كدة يا كلب؟ ، أنت اييييه؟ ، دانا هقطع من لحمك النهاردة
و بينما تصدمه بالضربات المتتالية تبدلت معالم الدهشة و الذهول إلى الخوف و الذعر بعدما وجدوا معاملتها لرجل هو أقلهم اجراما بحقها ، هتفت هيدي من بين روعها بثبات مصطنع:
_ بس يا زينة انتى بتعملي ايييه؟ ، هتودي نفسك ف داهية ، سيبينا أحسن لك
توقفت عما تفعل ثم ألقت العصا من بيد يديها ، لتلتف بجسدها كي تطالع هيدي بنظراتها العاصفة و قد اوقظ الوحش بداخلها حينما اقتربت منها بخطوات قاسية تدق بالأرض مصدرة صوتا عاليا جعل هيدي تتوقف ثم تزدرد ريقها بقلق اعتراها بعدما تسلطت زينة عليها ، و التي ما ان وقفت مقابلها لم تتردد لحظة لتنهال عليها بصفعة مدوية تردد صداها لأميال حتى انفجرت الدماء بشفتيها ، لترفع رأسها و هى تنظر إليها و قدماها لم تعودا تستطيعان حملها بينما تهدر زينة بتهديد:
_ ماسمعش صوتك نهااائي بدل مادفنك مكان مانتى واقفة
صرخ أشرف من الناحية الأخرى محتجا:
_ زينة كلامك معايا انا ، مالكيش دعوة بيها
ارتسمت ابتسامة ساخرة يصدقها قبل ان تلتفت إليه قائلة بسماجة:
_ معاك حق يا أستاذ أشرف ، أنا فعلا كلامي معاك إنت ، في النهاية إنت السبب ف مره أهلي ليا لحد دلوقتي ، في الحقيقة تصفية الحساب هتبقى معاك انت بس على حسابها
حدجها بنظرات مبهمة و لم يفهم بعد مقصدها بينما تقترب منه ثم تمد يدها إلى جانبها ليناولها أحد الرجال هاتفا ، ما أن بدأت في ضغط ازراره ثم رفعت الهاتف أمامه كي يجد رقم قاسم يضئ بشاشته ، ثم تكمل موضحة:
_ هتصل دلوقتي على رقم ابويا الحاج قاسم مشاري ، و انت هتكلمه و هتعترف له على كل حاجة حصلت في الليلة اياها ، و تكشف براءتي ادامهم و ترجع لي حقي
_ إنتي أكيد اتجننتي! ، يستحيل أعمل كدة أنا
تشدقت بنبرة جامدة تخلو من المشاعر:
_ مش قلت لك ، تصفية حقي على حسابها
ثم نادت بصوت أعلى قليلا:
_ جابر
_ نعم يا مدام
قالت و هي تكز على أسنانها بغضب:
_ نفذ
اماء برأسه قبل ان يقترب من هيدي و يجذبها من عضدها قسرا بينما تحاول هي مقاومته و هي تصرخ بهلع:
_ إنت عايز اييي؟ ، أبعد عنييي
لم يلب نداءاتها المتكررة و إنما اخذها على مسافة قصيرة منهما ثم استغل كونها مكبلة كي يمزق سترتها و تبدأ براثنه في تلمس أجزاء جسدها بجرأة بينما تصرخ هي مستنجدة بأشرف الذي هتف و هو يرمق خطيبته _التي ستفقد كرامتها أمامهم عما قريب_ بغير تصديق راجيا:
_ لا يا زينة ، أوعي تعملي كدة ، سيبيها ارجوكي لااااء
_ انا قلت اللى عندي
_ أشرااااف الحقنييييي
و أمام إصرار زينة و عنادها و عدم تأثرها ببشاعة المنظر اضطر الى القبول خانعا:
_ خلاص خلاص ، سيبيها بقى أرجوكي
نطقت زينة بلهجة آمرة:
_ سيبها خلااص
بلحظة واحدة كانت هيدي متحررة من بين يديه حينما ابتعد عنها تاركا إياها لتحتضن الرمال محاولة الاحتماء بها بعدما أصبح نصفها العلوي شبه عاريا كما طبعت عليه ندوبا من أسنانه بكل وحشية ، وقف سيد عن الأرض مجددا بعد أثير الهلع بقلبه و قد بات يرى سيدة غير التي كان يعتقدها قبلا ، بينما أجفل أشرف عن رؤية هيدي بهذه الهيئة حينما رفعت زينة الهاتف أمام وجهه و قد عقدت الاتصال و قامت بتشغيل المكبر الذي أحضر صوت قاسم قائلا:
_ سلام عليكم
أغمضت زينة عينيها بألم بعدما استمعت إلى صوت والدها الذي حرمت منه لأكثر من سنة بسبب هؤلاء الأوغاد ، قال أشرف بخمول:
_ أيوة يا عمي معاك أشرف
_ ايوة يا ولدي عامل ايه؟
اطبقت زينة بباطن كفها على مكبر الهاتف لئلا يسمعها الطرف الآخر و هي تقول مستهجنة:
_ اتكلم علطول مش وقت سلامات و طيبات هو!
نزعت يدها عن المكبر بينما قال أشرف بعدما لمح هيدي _التي اجهشت في البكاء حتى خالطت عبراتها بالرمال_ بيأس:
_ كل الصور اللي ابعتت لك على زينة كدب يا عمي ، أنا اللي لفقت لها الصور عشان اخد ثروتي زي ما وصية ابويا قالت ، عملت كدة عشان حسني ما يحاولش يقتلني ، بنتك بريئة يا عمي
قبل ان يجد الطرف الآخر مجالا لفتح باب التساؤل اغلقت زينة الهاتف سريعا ثم قالت بهدوء:
_ برافو يا أشرف
ثم سرعان ما تشدقت بنبرة باردة تتعمد استفزازه:
_ بس المشكلة إن الكلام اللي انت قلته ده اتسجل حالا دلوقتى ، و لو لقدر الله وصل للشرطة هتاخد مجازاة كبيرة بتهمة القذف يا بيه و عشان مايوصلش لازم يكون في مقابل
_ إنتي بتستعبطي؟
صاح بها بدهشة و قد كاد يطحن أسنانه من الغضب حتى ظهرت نواجذه من فرط غضبه بينما صرخت زينة مماثلة له بتهديد:
_ صوتك مايعلاش قدامي ، لازم تعرف ان زمن الخوف ده راح ، و اللى يخاف و ينفذ دلوقتي هو سيادتك و اللي موجودين و بس
ثم تناولت ورقة صغيرة من بين يدي رجلها و مدته نحو أشرف الذي يستشيط غضبا و هي تأمره بصمود:
_ امضي على دي
انتقل بصره بينها و بين الورقة مرتين قبل ان ينظر إليها باستفهام ، لتزيحه مجيبة:
_ ده شيك ب50 مليون جنيه لضمان ان الريكورد ده مايروحش للشرطة
انفغر فاهه من الدهشة و كذلك الواقفين إلى جانبه حيث اكفهرت وجوه أغلبهم عدا سيد الذي مجد ما تقوم به و راق له كثيرا على الرغم من الندوي التي أهدتها له ، هدر أشرف نافيا:
_ مش هعمل كدة ، يستحيل
أمسكت زينة بهاتفها ثم أخذت تعبث بأزراره قائلة بمرح:
_ أنت الخسران ، عموما بعد فترة السجن لما يكتشفوا أن السبب ف كدة هو الفلوس هتتحرم من جزء أكبر من كدة و هيجيلي كتعويض ، ده غير سمعتك يا رجل الأعمال إللي هتروح هدر ، يعني كدة كدة لابس فيها ، ف أي رأيك تاخدها بالهداوة ولا خلينا بالشوشرة؟
أخذ يزفر بحرارة و قد علت الدهشة مبلغها معه و ما عاد مصدقا أن من تكلمه الآن هي زينة التي صدقت حينما زفت إليهم باسمها الجديد فجر! ، عض على شفته السفلى بتعب قبل ان يجيب على مضض خانعا:
_ حاضر همضي
عادت زينة إلى الابتسام بانتصار من جديد ثم أشارت إلى رجلها كي يحل أسر يده مهددا إياه بالسلاح لئلا يتذاكى ، و لكنه بكل طاعة انصاع لامرها و فعل ما يتوجب عليه فعله ، ختم كلامه متسائلا:
_ أضمن منين انك مش هتبعتي الريكورد؟
أجابت ببرود:
_ ده يعتمد على إنك ماتقربليش نهائي ، ده ضمانك
لم تترك له فرصة للرد و إنما أكملت بتشفي:
_ علفكرة صحيح ، عرفت إنك عملت حادثة و ما بقيتش تخلف يا حرام ، المشكلة هنا بقى ، إنك لو كنت خليتني معاك حتى لو بدافع بر الزوج كنت هتبقى ابيا أشرف باشا
و هو السوط الجديد الذي افلتته عليه فأعطاه الصفعة الناهية التي كانت كفيلة لتكميم لسانه عن الكلام و قد قصمت القشة ظهر البعير ، أكملت زينة مؤكدة بشئ من الحسرة:
_ أيوة يا أشرف بيه ، أنا كنت حامل بابنك إللي ماتمش 12 يوم في بطني ، و لما رميتني خبطتني عربية و ظلت ابني و سبحان الله بعدها علطول عملت حادثة و ما تنفعش تخلف تاني ، دي حكمة ربنا صدقني
ثم تركته غارقا في ذهوله و الامتقاع الذي أصاب ملامحه برعونة ثم اتجهت نحو الثلاثة الآخرين ، محدقة فيهم باستحقار بادئة حديثها و هي تكز على أسنانها بحنق:
_ و ناس تانيين استغلوا ضعفي و طيبتي و عشموني بالجواز من أكمل بيه عشان اجيب له الوريث و نبقى عيلة حلوة مع بعضينا ، رجل الأعمال و مراتاته
ثم تشدقت بسخط:
_ لكن بعد كدة خلوا بيا و أول ما فوقت من الولادة لقيت نفسي مرمية فى الصحرا و الديابة كانت هتاكلني لولا ستر ربنا!
اقتربت من أكمل أكثر حتى صارت مواجهة له ثم قالت باستنكار:
_ بقى بذمتك يا شيخ ، ضميرك ماوجعكش لحظة عشان استغليت طفلة زيي عشان انانيتك؟! ، معقولة كان سهل عليكوا تخدعوني و تاخدوا إبني مني كدة؟
ظل أكمل يرمقها بجمود دون ان يرف له جفن بينما التفت إليه أشرف و معالم الذهول باتت جلية على وجهه بعدما أدرك ما حدث إليها بعد رحيله عنها في حين عادت زينة تمد يدها إلى جانبها مجددا ليعطيها الرجل خلفها عدد من الأوراق و كأنه يحفظ ما تريد باللحظة المناسبة ، كدت زينة بالأوراق إلى أكمل العابس قائلة بخشونة:
_ إمضى دول
ظل على نفس صلابته الهشة يقول بجمود:
_ اي دول؟
اجابته زينة بصمود:
_ حقي اللي انت خدته يا أكمل بيه ، تمضي على ورق الطلاق و وراهم علطول ورق التنازل عن إبني إياد
مط شفتيه سخرية قبل ان يردف بنبرة مستهزئة:
_ و إن ماعملتش كدة هتعملي أي يا قطة؟ ، يا ترى هتمضيني على ورق أملاك برضه؟
قهقهت بأعلى صوتها حتى تردد صداه مع انسياب الهواء ثم التفت لتطالع رجالها قائلة بجفاء:
_ يا رجالة عايزة رأيكم ف حاجة ، اتنين ستات جولي و فهموني اني تتجوز أكمل بيه و هبقى حبيبتهم و نعيش كلنا سوا مع الوريث طبعا ، بعد كدة رموني اول ما ولدت علطول ، كدبوا عليا يبقى أعمل اييي؟
هتف الرجال بصوت واحد:
_ الكداب لازم له نار يا مدام
_ خلو أوي مستنيين ايي؟
انصاعوا إلى أمرها كما كان متفقا عليه حينما أمسكوا بدل من رزان و مها اللتان بدأتا بالصراخ مستغيثات و ما من مغيث هنا ، تتساءل مها و هي تقاوم الحركة مع الرجلين بفزع:
_ إنتو هتعملوا اييييي؟ ، الحقوووونااا آااااه
هتف أكمل بارتياع جمد اطرافه:
_ إنتي هتعملي فيهم ايييه؟
_ صبرك يا باشا كله هيتشاف
ما ان جعلوهما على بعد أمتار معدودة ، اقترب منهما رجل يحمل جرة بيده بها سائل مجهول بني اللون على ما يبدو ، بدأ بسكب ما بالسائل على كلتيهما لتتعالى صرخات الهلع مجددا بعدما استنشقت انوفهم رائحة السائل المحرق و قد بدا قصدها الآن واضحا ، مما دفع أكمل الذي قال راجيا بخوف:
_ لا لا يا زينة ، أوعي تقربيلهم أبوس إيدك
أخذت تحدق باظافرها و هي تقول بتعال:
_ آسفة أوى كلامي ما بيتكررش مرتين ، اتفرج معايا على مراتك و أختك بيتحرقوا أدام عنيك و على أد ما النار هتحرقهم إلا إنها هتبرد على قلبي كتير
ما ان وجد أحد الرجال يتقدم منهم بعلبة أعواد ثقاب ثم بدأ في إخراج أحدهم ، ارتعدت اطراف اكمل و قد تبينت له حقيقة جنون زينة إلى الحد الذي يدفعها إلى تنفيذ ذلك ، مما جعله يجثو أرضا أمام قدميها يقول منكسرا:
_ خلاص يا زينة ، أبوس رجلك سيبيهم و همضي على كل حاجة انتي عايزاها ، بس ماتكلميهمش ارجوكي
_ اقف
نطقت بها زينة آمرة لينفخ الرجل بعود الثقاب المشتعل مطفئا لهيبه ، بينما عادت زينة تأمر أحدهم بإشارة من عينها كي يجعل الثاني يمضي على ما تود من أوراق ، ثم يعود ليكبل يده من جديد ، هنا فقط التفتت زينة إلى الواقفتين هناك ثم قالت بتقزز:
_ ف بيت الواحدة فيه مخلية جوزها تحت طوعها عشان ماسكاله أسطوانة قتل فيها سيرينا المسكينة ، و كمان أخته اللي فاكرها ملاك عمرها ما بتغلط ، و هي في الحقيقة شيطان بيخطط و يتكتك ، و طلعت كمان على علاقة غلط مع واحد لحد ما بقيت حامل و دلوقتي هو هرب و هي مش عارفة تخلص من المصيبة دي!
صمتت للحظات كي تستشف معالم البهوت التي اعتلت وجهي كل من أكمل و رزان الذين اتجهت أبصارهم المندهشة إلى مها محاولين أن يتأكدوا من صدق ما يقال ، فأكدت ذلك مها حينما نكست رأسها منكسرة أمام الجميع ليهتف أكمل غير مصدقا:
_ إنتي يا مها؟! ، مش ممكن!
أكملت زينة بغضب داخلي:
_ إنت قلت قبل كدة إنك يستحيل تسيب واحدة زيي تعيش ف بيتك ، الصراحة أنا اللي اقرف أعيش انا او ابني ف بيت زي ده
ثم استدارت لكي تذهب و لكنها توقفت للحظة و كأنها تذكرت شيئا ما لتوها كما جعلها تلتف مجددا ثم تنظر إلى أكمل على وجه التحديد قائلة بصمود:
_ و عايزة انبهك صحيح ، لو حاولت تلعب معايا كدة ولا كدة ، او تقدم الورقة الفالصو اللي اسمها شهادة الميلاد دي للشرطة ، ساعتها بقى انا أفتح الدفاتر القديمة كلها و أبين بشهادة طبية إنى جالي حمى نفاس في نفس معاد ولادة إياد ، كمان هطلب فحص DNA عشتن يثبت إياد لمين بالظبط و ساعتها إنت و رزان تبقوا مش ساهمتوا ف مهمة خطف بس ، لا كمان تزوير ف أوراق رسمية و مش هتلاحقوا عالقضايا و برضه الولد هيبقى بإسمي ، أتمنى تبقوا فاهمين قصدي
ثم اقتربت نحو سيارة الجيب و قبل ان تركب اوقفها أشرف الذي صاح مستهجنا:
_ استني يا مدام فجر ، يعني ما شاء الله طلعتي تعرفي كل حاجة عننا و مضيتينا كمان على أوراق تودينا ورا الشمس ، يا ترى تعرفي بقى أن اخوكي اللي هتموتي و ترضيه بدل ما يقتلك هو اللي اتقتل ف الطار؟
توقفت للحظات دون ان تدير ظهرها ثم التفت ببطء ليجد معالمها جامدة قاتمة كما هي دون تغيير يذكر تبعه صوتها الصلب يقول:
_ عارفة ان أخويا مات يا أشرف بيه ، مش محتاج تقولي ، مات من غير ما يرضى عني و ده كله بسببك ، حسبي الله و نعم الوكيل
ثم أمسكت بالصغير من بين يدي الحارس ثم تدلف داخل السيارة و قبل أن تغلق الباب قالت بحزم:
_ تلات ساعات و الشرطة تكون هنا ، و هيسألوكم أكيد عن الخاطفين ، أتمنى تقولوا مين اللى خطفكم
حانت منها التفاتة إلى هيدي المتسطحة على الرمال تبكي بصمت تود لو ينحل وثاقها كي تضم جسدها خافية إياه عن الأنظار مما دفع زينة كي تكمل آمرة:
_ غطي البت دي
ثم أغلقت الباب على مرأى منهم جميعا و نظرات الغيظ من جانبهم تكاد تحرقها ، و لكنها لم تأبه او تكترث و إنما نظرت إلى الأمام قائلة:
_ إطلع يالا
انطلقت السيارة إلى الأمام متجاوزة هذه الأرض الذي فسدت رمالها بخط أقدام هؤلاء عليها ، هنا فقط سمحت زينة او بالأحرى يمكن القول فجر الصامدة لدموعها الساخنة بالخروج دون رادع حيث بقيت وحدها الآن ، قلبها صار داميا و عقلها بات يلقي كلمات الرثاء ، حيث لم تكن على علم بمصرع أخيها و لكن في قاموس فجر ، ممنوع الانهيار لئلا يراها أحدهم ضعيفة او خانعة ، فقط ظلت تبكي بداخلها و قد آلمها بالفعل موت أخيها دون أن يعرف ببراءتها حتى! ، مات و لم تدرك رضاه عنها! ، كم هي قاسية هذه الحياة بدروبها الوعرة ، فمهما حاول المرء تجاوز الطرق فإن قدميه تدميان من صخورها ، رمقت وليدها الذي استكان باحضانها و وصل إلى مرحلة السبات على الرغم من جوعه لتحتضنه و لكن هذه المرة هي من تدفن رأسها بصدره و كأنه صار هو امانها الوحيد لا غيره الآن!
نهضت هيدي عن تسطحها و قد عادت إلى البكاء من جديد بعدما كانت في اغماءة سببتها حسرتها ، بينما أردف أشرف حانقا:
_ خلاص قومي يا هيدي ، الشرطة قربت توصل
لم تحبه و إنما ظلت على حالها صامتة تحاول ستر جسدها بكلتا يديها بعدما تمزقت سترتها اربا بينما تشدق أشرف بغضب مكتوم و الدماء صارت محتقنة بوجهه:
_ بقى أشرف فهمي يتلعب بيه الكورة بالشكل ده؟
نطقت رزان بحدة:
_ أسوأ شئ أننا سبناها عايشة و قلنا اخوها اللي يقتلها! ، ياريتك كنت اتصرفت معاها زي ماتصرفت مع سيرينا يا أكمل
قال سيد متهكما:
_ هي برضه خدت حقها ، يعني كنتي ترضي يحصل كدة معاكي يا هانم؟
هتفت رزان بغيظ:
_ أخرس يا حيوان انت ، مابقاش غير انت اللى تتكلم!
اشاح سيد بوجهه إلى الجهة الأخرى بينما قال اشرف متعجبا بشك:
_ معقول في الشهور دي بقى معاها كل الابهة دي و اتغيرت خالص كدة؟!
تحدث أكمل نافيا:
_ لأ البنت دي مسنودة على ضهر ، و ضهر جامد أوي هو اللي مخليها واثقة اوي كدة و فتح دماغها للأمور دي بعد ما كانت ماتعرفش الألف من كوز الدرة!
قاطعهم صوت رنين سيارات الشرطة العديدة التي قدمت نحوهم من الفراغ ، ليتنهد جميعهم بارتياح و قد أتت النجاة أخيرا ، اصطفت السيارات أمامهم ثم خرج الجنود و كذلك الضباط ، أسرعوا إليهم يفكوا وثاقهم كما يحضروا تلك الباقية هناك و الدموع مغرقة صفحة وجهها هاتان الاثنتان اللتان غمر الكيروسين أجسامهم ، مما يبين ان هناك عملية اعتداء و شروع بقتل لم يكتملا ، كما الطفل ليس معهم مما يؤكد انه كان هو المستهدف هنا ، أردف أحد الضباط متسائلا:
_ عرفتوا مين الخاطفين؟ ، او حد فيهم كشف عن هويته؟
همت مها لتتحدث بينما الجمها أكمل حينما تشدق بصلابة و عيناه تطلقان الشرر:
_ لا يا حضرة الظابط ، مافيش حد كشف عن هويته ، كلهم بأقنعة ماعرفناش مين اللي خطفنا او كان هدفه اي
_ اتفضل باقي فلوس الشركة يا عمار
قالتها فجر و هي تمد بحقيبتين إلى عمار الذي رمقها بابتسامة رضا اعتلت ثغره بينما اقتربت ميرا منها ثم قالت بإعجاب:
_ أنا مش مصدقة انك خدتي فلوسك بالطريقة دي يا فجر!
التفتت إليها فجر ثم أجابت بثقة:
_ إنتي قلتيلي قبل كدة يا ميرا أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة و ما أخذ بالخداع لا يسترد إلا بالخداع ، لكن في قاموس فجر النجدي ما أخذ بالخداع لا يسترد إلا بالقوة ، و الناس دي خدعتني و عملت البدع عشان تداري على كذبها ، و أنا مش جبانة عشان استخدم وسيلة الخداع يا ميرا
_ معاكي حق يا فجر ، شابوه ليكي بجد
شاهد عمار الحقائب خارج المنزل عبر النافذة ليردف متسائلا:
_ هتروحي فين دلوقتي يا فجر؟
أطلقت فجر تنهيدة طويلة اخرجت الكثير مما يعتمل يصدرها قبل ان تجيب بشئ من الحزن:
_ النهاردة خلاص أقدر اقول إني هرجع لأهلي من غير خوف ، هرجعلهم مرفوعة الراس
قبل ان تستعد عبراتها للخروج أغمضت عينيها بشدة لئلا تدمعان أمامهما بينما انتشلتها ميرا سريعا من مستنقع الأحزان هذا ، محتوية إياها بين ذراعيها في حنان و قد تقطعت نياط قلبها حزنا عليها ، لحظات فقط كانت كافية لتعود زينة إلى قناع فجر الصامد من جديد حيث تبتعد عن ميرا ثم تقول برقة:
_ شكرا أوي على كل اللي عملتيه معايا يا ميرا ، معروفك ده مش هنساه أبدا و أتمنى ألاقي طريقة أعرف أرد لك بيها الجميل
ربتت ميرا على ساعدها ثم أكملت بحنو:
_ ماتقوليش كدة يا فجر ، إنتي واحدة اتظلمتي و خدتي حقك و انا بس كنت أداة مش أكتر ، فرحتي لما اشوفك واخدة حقك يا قلبي
بادلتها ابتسامة حنونة سعيدة قبل ان تحمل طفلها عن الكرسي ثم تقول مودعة:
_ جه وقت السفر ، مع السلامة
_ مع السلامة
للمرة الأولى تشعر بطول الطريق و بعد الأميال التي تفصلها عن قنا ، للمرة الأولى تشعر بكون الثوان مملة كأنها صارت ساعات ، للمرة الأولى تشعر بجلاء أسرها و انطلاقها محلقة فى سماء الحرية ، بعد طول غياب عاد عبير وطنها يداعب أنفها ، أجل شوارع القاهرة تبدو أجمل و أكثر رقيا و لكن لا يعلو بتاتا على جمال أرضها التي ولدت بها و تنعمت برغد بين أحضانها
مع صدوح آذان العشاء توقفت السيارة أمام بوابة منزل كبير عائلة مشاري ، ثم أخذ السائق بإطلاق الصافرات حتى فتح قاسم الباب كي يطالع آلطارق و وقفت خلفه نجاة التي دب الخوف بقلبها لاعتقادها أن القادم من طرف الشرطة بعد مقتل فرد آخر من عائلة الشهاوي ، فتحت فجر الباب ثم نزلت عن السيارة و بيدها طفلها ، ما ان اغلقت باب السيارة حتى تقدمت منهم حتى صارت أمام الباب مواجهة لقاسم الذي ضيق حدقتيه محاولا التدقيق بها و لكن ظلام الليل لا يساعده بينما تكاد تجن زينة بعد رؤية والدها من جديد بعدما عدت الأمر مستحيلا ، تماسكت عن الانهيار و هي تقول بابتسامة عفوية:
_ ممكن أدخل
تقدمت نجاة حتى صارت خلف عمها تماما لترى فتاة تقف أمام الباب ترتدي سترة بيضاء مع حمالتين سوداوتين فوقها و بنطالا من اللون الأسود تحمل صغيرا بيدها لا يتجاوز السنة ، مما أثار الارتياب بعقل نجاة حيث ظنت أنها مذيعة تليفزيونية قدمت للحديث عن الثأر معهما ، ازدردت ريقها بخوف قبل أن تقول ببعض من القلق:
_ إنتي مين يا هانم؟
اتسعت ابتسامة زينة و هي تلتفت إلى نجاة ثم تعود إلى لهجتها الصعيدية تقول:
_ ماعرفتينيش يا نجاة؟!
اتسعت حدقتا قاسم عن آخرهما صدمة و هو ينظر بتفحص إلى هذه الغريبة التي لم تكن غريبة أبدا ، بل هي زينة فلذة كبده و ابنة صلبه و التي اتضح مؤخرا أنها بريئة من التهم التي وقعت على عاتقها ، بدون مقدمات جذبها بين ذراعيه حاضنا إياها بشوق و لهفة ، و قد افتقدها كثيرا حتى كاد يفقد عقله من غيابها على الرغم من كونها كانت ساقطة بنظره ، إلا أن غريزة أبوته كانت تطغى برعونة على ما يجب فعله ، ابتعد عنها للحظات كي يجذبها إلى الداخل ثم عاد ينظر إليها متأملا إياها من رأسها إلى أخمص قدميها قبل ان يعود إلى احتضانها من جديد ثم أخذ يقبل رأسها و وجنتيها هاتفا بنشيج:
_ يا حبيبتي يا بتي ، اتوحشتك يا جلبي ، اتوحشتك جوي جوي
اجهشت كذلك زينة في البكاء و هي تجيبه بصوت دامع:
_ و اني كمان اتوحشتك يابوي ، و الله وحشتني جوي
نطقت نجاة بأحرف مرتجفة غير مصدقة:
_ ز زينة!
ابتعدت زينة عن والدها ثم التفت بجسدها إلى نجاة التي رمقتها بصدمة قبل ان تأخذها في عناق طويل يشع أمانا و حنانا و كلتاهما انخرطت في بكاء مرير على ما ضاع من الأيام و ما خبأته لهما الأقدار من فراق قارب العامين ، ظلتا على هذا الحال حتى بدأ إياد بالصراخ ، ليقترب منها قاسم ثم يسألها بدهشة:
_ مين الواد ده يا زينة؟
ابتعدت زينة عن نجاة ثم أخذت تهز الصغير كي يسكت قبل ان تجيب بحب:
_ ده ولدي يابوي
سرعان ما انطفأت بهجة والدها كما علا الوجوم ملامح نجاة التي قالت بحزن لم يخل من صوتها:
_ من أشرف؟
هزت زينة رأسها نفسا و هي تقول:
_ لا ، دي حكاية طويلة جوي ، تعالوا جوة احكيهالكم

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قطة في وادي الذئاب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى