رواية قصة حنين الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم صباح عبدالله
رواية قصة حنين البارت الحادي والثلاثون
رواية قصة حنين الجزء الحادي والثلاثون
رواية قصة حنين الحلقة الحادية والثلاثون
بعد ثلاثة أيام من كل هذه المشاكل والعقبات، خرج رياض من المستشفى، وكل يوم يتحسن حاله أكثر من السابق. خرج نبيل أيضًا، لكن حالته تسوء يومًا بعد يوم. ما زال كل من عاصي وحنين يحاولان الاقتراب من بعضهما. يحاول عاصي قدر المستطاع أن يتجاهل فكرة أن حبيبته حامل من غيره، ويحاول أن يقنع نفسه بأنها ليست مذنبة فيما حدث. أقنع عقله بأن الحق كله على محمد، ويجهز نفسه للانتقام منه. أما حنين، فتحاول أن تتأقلم مع كل ما يحدث لها، وتحاول أن تصلح العلاقة بينها وبين زوجها وعائلته أيضًا، لكن لا أحد يعطيها فرصة، حتى عاصي. ورغم أنه قبل كل شيء، فإنه دائمًا يتعامل معها ببرود ويتجاهلها في أدق تفاصيل حياته.
ما زالت سلوى تخطط لفعل شيء مفاجئ من أجل تدمير علاقة عاصي وحنين، بينما تفعل نوران المستحيل لجعل الجميع يكرهون حنين، وقد نجحت في جعل نوال تكرهها بشدة وتوجه لها كلمات جارحة دومًا، ويشجعها على ذلك صمت عاصي الذي يسمع ويرى كل شيء دون أن يتكلم.
تشرق شمس الصباح لتعلن عن بداية يوم جديد. الساعة 6 صباحًا يوم الأحد، تقف حنين أمام المرآة تحضر نفسها للذهاب إلى الجامعة بعد غياب أسبوعين أو أكثر. يفتح عاصي عيناه لتقع على تلك الجوهرة التي تقف أمامه تلف حجابها. يتأملها للحظات دون أن تلاحظه، وقد لاحظ أنها تحضر نفسها للذهاب إلى مكان ما. أردف قائلاً بصوت نعسان وهو يفرك في عيناه آثار النوم:
_حنين، بتجهزي ورايحة فين كده؟ الساعة لسه 6.
قال هذا وهو يحدق في الساعة المعلقة على الحائط. تلتفت هي بفزع من مصدر الصوت الذي أتى أثناء غفلتها، ثم قالت بارتياح بعد أن رأت من المتكلم، بينما نظرت إلى المرآة مرة ثانية تعدل حجابها:
_أنت ناسي يا عاصي؟ مش احنا اتفقنا امبارح إني هنزل الجامعة النهاردة، وأنت وافقت ولا نسيت؟
ينهض عاصي من على الفراش، ويقول ببرود:
_لا مش ناسي حاجة، بس قبل ما تنزلي، شوفي ماما نوال هتعوز منك حاجة.
أجابت هي بحزن من هذا البرود وهذه الأحكام التي أرهقتها وأرهقت قلبها، ومع ذلك ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها؛ أو هي التي لا تجرؤ على قول شيء بعد ما حدث معها:
_حاضر يا عاصي، بس كنت عاوزة أخد إذنك وأروح أطمن على رياض أخويا بعد الجامعة.
نظر إليها نظرات حارقة جعلتها ترتبك بشدة، ونظرت بخجل إلى الأسفل وهي تفرك في يديها، وتراجعت عما قالت، حتى قبل أن تستمع إلى ما سوف يقول لها:
_خلاص يا عاصي، لو مش موافق، مش هاروح.
نظر إليها ببرود وتجاهل الرد عليها، مما جعلها تشعر بأنها شيء رخيص لا يقدر بثمن ولا تستحق أن يكلف نفسه ويجيب على ما تقول. قتل كرامتها بهذه النظرات وهذه المعاملة المؤلمة. تساقطت دموع الخذلان على خديها دون إذن منها، فرفعت يديها ومسحتها سريعًا قبل أن يراها أحد، ثم ذهبت نحو الخزانة وأخرجت ملابس زوجها: قميص باللون الأبيض مع سروال أسود، ووضعتهم على أطراف الفراش، ووضعت بجوارهم منديل أبيض وساعة يد على الرف بجوار الفراش. ثم خرجت من الغرفة متجهة إلى الأسفل. توقفت قليلاً تنظر يمينًا ويسارًا تحدق في جميع الاتجاهات، لم تجد أحدًا، فقالت متحدثة إلى نفسها:
_باين كده لسه ما فيش حد صاحي.
ثم توجهت نحو المطبخ، لا تجد الخادمة فتحية تحضر الفطور. أردفت قائلة وهي ترسم ابتسامتها التي اعتاد عليها الجميع:
_صباح الخير يا طنط فتحية، بتعملي إيه يا قمر كده؟
تلتفت إليها فتحية بابتسامة صافية وترد قائلة:
_صباحك هنا وسعادة يا بنتي، بعمل الفطار يا حبيبتي زي ما انتي شايفة.
ثم تصمت للحظات بعد أن لاحظت عينيها الحمراء وملامح وجهها العابسة، فتسأل بتساؤل:
_خير، مالك يا بنتي؟ الأستاذ عاصي مزعلك في حاجة؟
نظرت إليها حنين للحظات في صمت، تحاول أن لا تبكي وتجمع نفسها قبل أن تقول وهي تضع يديها على جفون عينيها لتتأكد من عدم وجود أي آثار للدموع:
_لا، مفيش يا طنط، متشغليش بالك.
تفهمت فتحية من هذا الرد أنها لا تريد أن تبوح بما بداخلها أو تفتح سر حياتها الزوجية لأي أحد، فتقول وهي تغير مجرى الحوار:
_يا رب دايمًا بخير وسعادة يا بنتي، بس قولي لي، إيه القمر ده على الصبح؟ هتروحي مشوار ولا حاجة؟
أجابت حنين بابتسامة رقيقة:
_أيوة، هنزل الجامعة بتاعتي إن شاء الله. كفاية غياب بقى.
وهنا أتى صوت أحدهم من الخلف قائلاً بحزم:
_جامعة إيه اللي حضرتك عاوزة تروحيها يا هانم؟
يلتفت كل من حنين وفتحية إلى مصدر الصوت، فلم يجدوا غير نوال التي كانت تنظر إلى حنين بغضب شديد. تفوهت حنين قائلة بخجل وهي تفرك في يديها وتحدق إلى فتحية التي تقف بجوارها:
_الجامعة بتاعتي يا ماما، انتي نسيتي إني لسه بدرس؟
تجيب نوال بحزم أكثر:
_لا، مش ناسية حاجة. بس تنسي الموضوع ده نهائيًا لأن مفيش روحان الجامعة، وأنتِ بالذات. احنا مش ناقصين فضائح أكتر من اللي أنتِ عملتيها.
وهنا بكت حنين بشدة وتذكرت أن الجميع قد عرف بأمر حملها، والجميع أصبح يكرهها ويظن بها السوء ويلومها على هذا وهي ليس لها ذنب في شيء. تفوهت قائلة من بين شهيق بكائها وصوتها المخنوق:
_بس أنا ذنبي إيه عشان أدمّر حياتي ومستقبلي على حاجة أنا أصلاً مش عارفة حصلت إزاي؟
ترد نوال بصوت أشبه بالصراخ:
_هي كلمة واحدة قلتها، مفيش روحان الجامعة يعني مفيش روحان! وأنتِ أصلاً تحمدي ربنا إننا لسه مستحملينك ومستحملين القرف اللي أنتِ فيه ده. واحمدي ربنا ألف مرة إن ابني لسه سايبك على ذمته، ولو كان واحد غيره كان رماك في الشارع من زمان وما دورش على واحدة رخيصة عديمة الشرف زيك.
بكت حنين بشدة وأصبح صوت بكائها عالياً يحزن كل من رأى دموعها تنهمر بهذه الطريقة. تفوهت قائلة بصوت مكاد لا يظهر من شدة البكاء:
_والله حرام عليكم، أنا تعبت… تعبت قوي. أنا ماليش ذنب في كل اللي حصل. حرام عليكم، ليه بتعملوا فيَّ كده؟ أنا عمري والله ما أذيت حد ولا اتمنيت الشر لأي إنسان. ليه الكل بيجرحني ويجي عليَّ بالشكل ده؟
تجيب نوال بغضب وصوت عالٍ:
_احنا اللي تعبنا وزهقنا وقرفنا منك ومن القرف اللي انت فيه ده! يا شيخة روحي، داهية تاخدك. فضحتينا وبقت سيرتنا على كل لسان. منك لله يا شيخة.
رفعت حنين يديها على فمها تحاول كتم صوت شهيقها، لكن فجأة وقعت عيناها على من يقال عنه زوجها يقف خلف الجدران، يستمع إلى كل شيء يحدث في صمت، كما لو كان شيء من اثاثات المنزل لا يدري بما يجري حوله. نظر هو إليها باستنكار وخجل، بينما كانت تحدق هي فيه بحزن وخذلان، وعينيها تملؤها خيبة أمل وكسر في خاطرها. كيف له أن يرى كل هذا ولا يدافع عنها ولو بحرف واحد؟ وضعت يديها على عينيها وبدأت في البكاء بصوت عالٍ، بينما كانت الخادمة فتحية تبكي أيضاً، غير قادرة على فعل شيء من أجل تلك المسكينة سوى مواساتها بالكلمات الطيبة.
نظرت إليها نوال بطرف عين قائلة بحزم، ولم تعطف على تلك المسكينة أو ترحم قلبها:
_لو خلصتي المسرحية بتاعتك دي على الصبح، تقومي تغيري هدومك وتشوفي وراك إيه تعملي.
ثم ذهبت بعد أن مزقت قلبها الصغير، واقتنع حنين أنها وحيدة وستظل كذلك طوال حياتها، ولن تعتمد أو تأمل أن يدافع عنها أحد بعد الآن. بالفعل، ذهبت واستبدلت ملابسها بملابس المنزل، ثم هبطت مرة أخرى لترى ما عليها من أعمال المنزل. نظرت إلى نفسها كأنها خادمة، والخادم لن يكون في مقام السيد مهما حدث. حضرت الفطور وأعدت الطاولة مع الخدم كما لو كانت واحدة منهم، ولم تكتفِ من البكاء ولو للحظة واحدة.
بعد نصف ساعة من العمل، خرج جميع سكان المنزل من أجل تناول الفطور، بينما اختفى عاصي ولا أحد يعلم إلى أين ذهب. خرجت نوران من غرفتها في أجمل صورة، ترتدي فستاناً قصيراً يصل إلى ركبتها بلون الكشمير، وكانت تضع مكياجاً زائداً وترتدي حذاءً طويلاً بنفس لون الفستان. نظرت إلى حنين بكبرياء وابتسامة ساخرة عندما رأتها تقف مع الخدم تعد طاولة الإفطار. ذهبت وجلس على كرسي أمام حنين، وضعت قدم على قدم وبدأت تهز قدمها وهي تنظر إلى حنين وتبتسم بغرور. تفوهت قائلة بسخرية:
_حطي لي الفطار بسرعة يا بنت، أنا مستعجلة عندي محاضرة مهمة النهارده ولازم أوصل في الميعاد.
تذهب فتحية لوضع الفطور لها، لكن يوقفها صوت نوران قائلة:
_ارجعي مكانك، مش بقول لكِ هي اللي هتحط لي الفطار بنفسها
تنظر حنين إلى نوال كما لو كانت تطلب منها العفو عن هذا الموقف، لكن خاب أملها عندما قالت نوال بحزم:
_إيه، ما سمعتيش نوران قالت إيه؟ حطي لها الفطار وخلصي عشان ما تتأخرش على جامعتها.
بكت حنين في صمت، بينما ابتسمت نوران بغيط، وذهبت حنين لتضع لها الفطور. أثناء وضع حنين للطعام، تعمدت نوران إسقاط ملعقة عند قدميها، ثم نظرت إلى حنين قائلة:
_إيه، اتعميتي؟ وطي هاتي الملعقة، ولا مستنية إني أنا اللي أوطي أجيبها؟
نظرت حنين بيأس، فقد يأست حقاً من كل شيء. أصبحت كآلة متحركة تفعل فقط ما يُطلب منها. انحنت لتلتقط الملعقة من تحت قدمي تلك العقربة، وفجأة جاء صوت عاصي من باب المنزل قائلاً بصوت عالٍ:
_استني عندك يا حنين.
نظر الجميع إلى مصدر الصوت، ورأوا عاصي يتقدم نحو نوران، وانحنى ليرفع الملعقة عن الأرض. وقفت نوران على قدميها قبل أن يصل عاصي إلى الملعقة. تفوه عاصي قائلاً تحت أنظار الدهشة من الجميع:
_اطلعي يا حنين، جهزي شنطة هدومك. خلاص، ما بقاش لكِ قعدة في البيت ده.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قصة حنين)