رواية قصة حنين الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم صباح عبدالله
رواية قصة حنين البارت الثاني والثلاثون
رواية قصة حنين الجزء الثاني والثلاثون
رواية قصة حنين الحلقة الثانية والثلاثون
“في منزل عائلة عاصي”
تقف حنين تحدق في عاصي، الذي لم ينظر إليها ولو للحظة ليتأكد من حالها بعد ما قال. وقد توقفت دموعها أخيرًا لتمنح جفون عينيها قسطًا من الراحة من شدة حرارة هذه الدموع القاسية، لكن توقف نبض قلبها أيضًا من أهوال ما سمعت أذنيها. كانت تعلم أن هذا اليوم سيأتي، لكن لم تتوقع أنه سوف يأتي بهذه السرعة. هدوء مرعب يسيطر على الجميع، لغة العيون هي التي تتحدث: نظرات سعيدة على ما يحدث، ونظرات تتألم مما يحدث، ونظرات جاهلة لا تفهم ولا تستوعب شيئًا مما يحدث. يقطع هذا الهدوء صوت نوران التي قالت باستهزاء:
_”والله عجيبة الدنيا دي، بتخلي أقذر البشر يحلموا ويتأملوا أنهم هيكون ملوك، بس في لحظة واحدة يصحوا يلاقوا نفسهم في الشارع زي ما جم.”_
أردفت نوال قائلة وهي تلوي شفتيها على جانب واحد:
_”القذارة مهما تنضفت، بيبقى اسمها قذارة يا حبيبتي.”_
نظرت حنين إلى الأرض خجلًا مما تسمع أذنيها. كانت تعلم أن هذه الأمثال موجهة إليها. نزفت عيناها الدموع مرة أخرى، ولم تشعر بها كأنها اعتادت على حرارتها على خديها. وضعت يدها على فمها تكتم صوت شهيقها، أرادت الركض والهروب من أمام الجميع، لكن أوقفتها تلك اليد التي قبضت على معصمها. نظرت بذهول إلى صاحب اليد، ولم يكن سوى عاصي الذي قال:
_”أيوه، معاكِ حق يا أمي، القذارة مهما تنظفت، بيبقى اسمها قذارة.”_
ثم نظر أخيرًا إلى تلك التي نظرت إلى الأرض تبكي في صمت، ولم تقدر أن تدافع عن نفسها حتى ولو بنظرة عين، وأكمل حديثه قائلاً:
_”لكن ما فيش أقذر من قلوب البشر اللي بيضحكوا ويشمتوا في مصايب غيرهم. واللي أقذر منهم هو الإنسان اللي بيتظاهر بالحنين وهو في الحقيقة ما عندوش قلب يحس، أو كان عنده، لكنه قتله وقتل ضميره بيده.”_
شعرت نوال أن هذه الكلمات موجهة إليها، تفوهت قائلة باستنكار:
_”قصدك إيه يا عاصي يا ابني؟”_
أجاب عاصي وهو يهز إصبعه السبابة قائلًا باعتراض على آخر كلمة تفوهت بها نوال:
_”لا يا أمي، أنا مش ابنك. لو كنت ابنك بجد ما كنتِش قدرتِ تجرحيني وتجرحي كرامتي بالشكل ده.”_
تفوهت نوال قائلة، وظهرت علامات الحزن والاستفهام على ملامحها المتجعدة، وغرقت عيناها الخضراوان بالدموع:
_”إيه اللي انت بتقوله ده يا عاصي يا ابني؟ إمتى أنا جرحتك ولا فرقت بينك وبين أخوك قاظم؟”_
أجاب عاصي قائلًا بصوت أشبه بالصراخ، وقد ذبلت جفون عينيه وأبرقت عيناه بالدموع:
_”أنتِ مش بس جرحتيني يا أمي، أنتِ قتلتيني وقتلتي قلبي وروحي لما اتهمتيني في شرفي.”_
ثم قال بصوت هادئ وهو ينظر إلى حنين التي تبكي وتستمع إلى كل شيء في صمت…
_”أنتِ نسيتي يا أمي إن حنين بقت شرفي، أنتِ نسيتي إنها مرات عاصي دلوقت، واللي يجرحها يجرحني، واللي يزعلها يزعلني. أنا معاكِ إنها ممكن تكون غلطت في حاجة، بس أنا متأكد زي ما أنا شايفك دلوقت إنها مستحيل تغلط بقصد. بس خلاص يا أمي، أنا هريحك من اللي انتي مش قادرة تستحمليه وهريحك من كلام الناس، وهُنضف بيتك من القذارة.”_
يكمل حديثه وقد تسللت دموعه على خده دون إذن منه، وفي لمح البصر يرفع يده ليمسح دموعه ويقول بجمود:
_”بس أكبر حاجة هريحك منها هي أنا يا أمي. خلاص كفاية عليكي كلام الناس اللي بتسمعيه، والقرف اللي انتي استحملتيه، ووعدك يا أمي مش هرجع أزعجك ولا أقرفك مرة تانية.”_
تضع نوال يديها على أذنيها قائلةً بصراخ وهي تبكي بشدة:
_”بس بس بس بقى، أحب على إيدك، إيه اللي أنت بتقوله ده يا عاصي؟ معقولة أم تزهق وتقرف من ابنها يا بني!”_
أجاب عاصي قائلاً وهو يقبض على معصم تلك التي تقف بجواره لا تفهم شيئًا ولا تستطيع استيعاب ما ينوي فعله:
_”للأسف يا أمي أنا مش ابنك، أنا ابن جوزك، والدليل على كده هو المعاملة اللي بتعامليها مع مراتي. أنا عارف إن اللي حصلها مش سهل، بس في الآخر هي مالهاش ذنب في حاجة.”_
قال هذا وذهب وهو يسحب حنين من معصم يديها خلفه تحت أنظار الحقد والحسد من تلك العقربة وتلك الحمقاء نوال التي تبكي.
أخذ عاصي حنين ودخل بها إلى غرفتهما، وبعد أن دخل وأغلق الباب خلفه، ذهب باتجاه خزانة الملابس وأخرج حقيبة ووضع فيها ملابسه وملابس زوجته. بينما تقف حنين بالقرب من الباب تحدق في عاصي مثل الحمقاء لا تفهم شيئًا، تفوهت قائلةً بتساؤل ولم تتحرك من مكانها:
_”أنت ليه عملت كده؟”_
نظر لها عاصي وهو يعقد حاجبيه باستغراب من هذا السؤال الأحمق وتفوه قائلاً بهدوء عكس ما بداخله:
_”هو إيه اللي ليه عملت كده؟ وعلى فكرة، أنا مش بعمل كل ده علشانك إنتي، أنا بعمل كده عشاني أنا وعشان كرامتي اللي انجرحت بسببك. للأسف، اسمك بقى مربوط باسمي، واللي ها يسيء لكِ ها يسيء لي أنا كمان.”_
أجابت حنين ببكاء قائلة:
_”أنا مش غصباك يا عاصي إن اسمي يفضل على اسمك. تقدر تخلص نفسك من الرابط ده لو عاوز.”_
أجاب عاصي بصراخ وهو يغلق الحقيبة بغضب:
_”عاوزني أعمل إيه، أطلقك يعني؟”_
أجابت حنين ببكاء:
_”أيوه يا عاصي، طلقني وريحني وريح نفسك من كل العذاب ده.”_
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**في غرفة نبيل..**
تدخل نوال إلى الغرفة لتجد نبيل مستلقيًا على الفراش. رفعت يديها إلى وجهها لتمسح آثار بكائها، ثم تقدمت نحو الفراش وجلست على أطرافه وتفوهت قائلة:
_”عاصي قرر يسيب البيت يا أبو عاصي.”_
لم يجيب نبيل، ولم تنظر هي له، وأكملت حديثها ببكاء قائلة:
_”بقى أنا يا خويا كنت مرات أب مش أم لعاصي؟ والله ربنا وحده يعلم إني عمري في يوم فرقت بين عاصي وقاظم ابني، ده أنا بحبه أكتر من ابني اللي جبته من بطني. بس كل ده بسبب الحرباية مراته، منها الله بقى.”_
هنا نظرت إلى نبيل قائلة:
_”خير؟ مالك يا نبيل مش بترد عليا ليه؟”_
ثم صرخت بفزع عندما رأت نبيل ناظرًا إلى سقف الغرفة والدماء تتساقط من فمه، ويظهر أنه فارق الحياة:
_”يا لهوي! نبيل! الحقني يا عاصي!”_
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**في منزل الشباب**
في غرفة رياض، يستلقي رياض على الفراش ويجلس بجواره كلا من علي ومحمد. يقف كلا من زياد الذي يسند ظهره على خزانة الملابس وعماد الذي يجلس على كرسي صغير. يتناقشون في شيء، وتفوه رياض بدهشة قائلاً:
_”يعني إيه حنين بتكون أختي التوأم؟”_
أجاب علي وهو يحدق في محمد:
_”أيوه يا رياض، حنين بتكون أختك. إحنا عرفنا إنها أختك من يوم الحادث، بس كنا مستنيين الفرصة المناسبة ونقول لك على كل حاجة.”_
أجاب رياض بحزن قائلاً:
_”وأنا بأي عين هاقول لها إنتي أختي وأنا أخوكي اللي شوه سمعتك عشان شوية ورق؟”_
أجاب زياد قائلاً وهو ينظر إلى محمد بضيق:
_”بصراحة أنتم الاتنين أو*سخ من بعض. واحد أوهام الناس والتاني أثبت أن الأوهام حقيقة.”_
نظر محمد بخجل إلى زياد وقال بحزن:
_”ما تظلمنيش يا زياد، أنا ذات نفسي لحد دلوقت مش عارف ولا فاهم إيه اللي حصل.”_
أردف رياض متسائلاً قائلاً:
_”مش فاهم قصدكم إيه؟ هو إيه اللي حصل؟”_
حدق الجميع في بعضهم ولم يجيب أحد. نظر إليهم رياض بقلق من نظراتهم إلى بعضهم وقال بصوت عالٍ:
_”هو في إيه يا جدعان؟ ما حد يفهمني إيه اللي حصل؟ قصدكم إيه بالكلام اللي أنتم بتقولوه ده؟ مش فاهم! حنين مالها؟ ولا أنت يا محمد عملت إيه؟ عاوز أعرف!”_
نظر علي إلى محمد ثم نظر إلى رياض وقال:
_”أنت عارف إن حنين اتجوزت عاصي، بس هي…”_
ثم صمت ونظر إلى محمد ولم يستطع أن يكمل ما كان سيقوله. تفوه رياض قائلاً بصراخ:
_”بس هي إيه؟ خلص!”_
أجاب عماد دون مقدمة:
الكاتبة/ صباح عبدالله فتحي
_”بس هي حامل دلوقتي من الأستاذ محمد.”_
ياتارة نبيل مات؟ وعاصي هيطلق حنين ولا ايه اللي هيحصل؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قصة حنين)