روايات

رواية قابل للكتمان الفصل العاشر 10 بقلم خديجة السيد

موقع كتابك في سطور

رواية قابل للكتمان الفصل العاشر 10 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء العاشر

رواية قابل للكتمان البارت العاشر

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة العاشرة

فغرت ضحي شفتيها مشدوهة، ولوهلة شعرت أن أمر الطبيب ربما يكون نجاة مؤقتة له من ذلك الموقف المتأزم.. فتحركت تجاه وهي تهتف غير مصدقة
= انت ازاي تعمل كده يا منذر انا اعتقدت انك كشفت وجربت تاخد علاج كمان! مش مجرد حكمت على نفسك انك ملكش دواء وعمرك ما هتتعالج وخلاص أسست نفسك تعيش حياتك بالشكل ده من غير ما تجرب
تأملت بغير وضوح كيف تلوح في عينيه آثار الغبن والقهر والغضب من نفسه التي يحملها فوق طاقتها طوال الوقت..فطال الألم ثنايا قلبها عليه وهي تسمع ما ينطق بانفعال ولأول مرة
= اجرب ايه هو انتٍ مستوعبه عقلك بيقول ايه؟ انا كل اللي يهمني في الموضوع ده اهلي ما يعرفوش وبالذات ابويا! وبعدين مين قال لك أن اللي زي ليهم علاج انا اللي زيي هيموت ويعيش كده! امال هم ليه اول ما يعرفوا هيفضلوا يعايروني ويلوموني كأن الموضوع بايدي عشان عارفين و متاكدين ان انا ما ليش علاج
حاولت أن تضبط أعصابها من عناده الأحمق و رفضه التام فسحبت نفسًا عميقًا، ثم زفرته على مهل وهي تقول بتجهم
= يا منذر غلط تفكر بالطريقه دي، وكل حاجه ليها علاج دلوقتي والموضوع اتطور عن زمان
والمفروض أصلا كنت كشفت من زمان جايز الموضوع يكون بسيط ومش مستاهل كل اللي انت عامله في نفسك ده.. انا الفترة اللي قعدتها معاك لاحظت الموضوع ده بالذات مؤثر على نفسيتك بشكل كبير وغير انك خايف طول الوقت والدك يعرف ويانبك كأن الموضوع فعلا بايدك انت.. بس هو فعلا بايدك لحد ما تروح تكشف
انحنى يمسكها من اگتافها يهزها بعنف وزمجر قائلاً بغضب شديد
=اسمعيني كويس عشان مش عاوز افتح الموضوع ده كتير مروح عند دكاتره مش هروح! ما هو انا مش كل اللي عامله ده عشان ما حدش يعرف وفي الآخر اروح افضح نفسي
انا ما ليش علاج وهفضل كده وحتى لو سمعت كلامك ورحت مش هينوبني غير ان الدكتور هيضحك عليا وهيفضل يديني في ادويه ملهاش لازمه ويديني امل على الفاضي
ارضي زي ما انا رضيت يا ضحى عشان ده الواقع
توجست خيفة من غضبه الصريح لكنها حافظت على ابتسامتها الباهتة وهي تردف بنبرة عقلانية متريثة
=لا مش ده الواقع خالص، الواقع بيقول ان انت تروح تكشف وتعمل اللي عليك ولو ما فيش امل والدكتور بنفسك قال لك كده ولا انت حتي لاحظت ان حالتك ميؤوس منها خلاص مش هفتحك الموضوع! لكن ما يبقاش قدامك امل حتى لو بسيط وانت مش راضي… يا منذر هو انت مش عاوز تتغير ما فكرتش لحظه واحده انك ممكن تكون شخص عادي واحسن كمان من كل إللي حواليك ومع الوقت تتعالج
هوى على المقعد يفتح زر قميصه عندما أحس بعدم قدرته على التنفس، كأن لا يوجد اكسجين بالغرفة ثم ضحك بسخرية مريرة علي حديثها كأنها قالت شيء يدعي للسخريه
لكنها مع ذلك التزمت الثبات ولم تغضب و تعاتبه! لأنها تقدر جيد ما به خصوصاً ذلك الموضوع، فعندما تري مآسي الآخرين و إنكسارهم.. إياكَ أن تبتسم، تأدًَب في حَضرةُ الجرح.
نهض من مكانه،و أظلمت نظراته بازدراء و ارتفعت صيحاته حتى زلزلت المكان يعنفها غاضبًا
= بطلي تتكلمي بالطريقه دي كأن الموضوع سهل كده عشان انتٍ في حاجات كتير لسه ما تعرفهاش.. ما هو صحيح اللي ايده في الميه مش زي اللي ايده في النار
تنفست ضحي الصعداء ثم هتفت بجدية
= طب تعالي نتكلم في اللي أنت ساكت عنه، وانا لسه ما اعرفوش ومش فاهمه حاجه على رأي كلامك؟ تعالي نفتح الجرح علشان نقفله على نضافة.
كور قبضة يده ضاغطًا على أصابعه بقوة وهو
يرد عليها بفتور
= ايه فجاه دلوقتي بس لاحظتي انك مراتي بجد وهتعملي فيها عاوزه تساعديني ما انتٍ طول الفتره إللي فاتت مش طايقاني.. ولا فاكراني مش واخد بالي أن كل اللي بتعمليه و مساعدتك ليا من باب الشفقه لما شفتي اهلي بيعاملوني ازاي؟ والدليل انك لحد دلوقتي بتكلميني عادي بس رافضه اوضه واحده تجمعنا! وانا لسه بنام في اوضه الاطفال من اول يوم جوازنا لحد اليوم.. انا فاهم كويس نظارتك ليا عامله ازاي؟ زي غاده بالظبط قرفانه مني و شايفاني مش راجل وعاوزاني اروح للدكتور عشان ممكن اتعدل شويه في نظرك بما انك خلاص اتدبستي فيا..
تشكلت علامات الانزعاج على وجهها، لقد خاب ظنها تماماً من عدم موافقته وحديثه لكن مع ذلك حاولت التحدث لكنه قاطعها قائلاً بنبرة منكسرة
= اجيبها لك من الآخر يا ضحى انا واحد قلبه مات! والموضوع حتى مش موضوع أن مش قادر المسك وبس انا واحد عندي مشاكل وعقد كثير مش بتتحل وما لهاش علاج بسبب اهلي ولو هتمشيها دكاتره وكده.. يبقى هنمشي في الموضوع ده كتير لان انا ما ليش علاج او حتى لو ليا كل ما تعالجي حاجه هتطلعلي عقده ثانيه، نصيبك بقى تقعي مع واحد ضعيف الشخصيه و مليان كلاكيع ما لهاش أول من آخر
ألمها رؤيته يفعل هذا، فقد شاهدت جزءا من شراسه والده معه، وهي أصبحت تعلم جيد خوف منذر الأول والأخير من معرفة والده حتى لا يسمع كلمات تجرحه كعادته. أمعنت النظر في ملامحه الجادة، وهي تهمس بصعوبة
= مفيش جرح الزمن مش بيداويه يا منذر كل حاجه صعبة فاكر نفسك مش هتقدر تعديها هتلاقي نفسك عديتها وكملت مع الوقت، أي ألم كنت فاكر إنه مش هيخف هتلاقيه مع الوقت مختفي ومالوش أثر، كل حاجه بتخسرها وبتبقى فاكر إنك مش هتلاقي زيها تاني هتلاقي جايلك الأحسن منها .. الزمن كفيل يشفي أي جرح، ويعوّض مكانه..
ثم تجهمت قسمات وجهها أكثر عندما تذكرت وجه المقارنه بينها وبين تلك المزعومة غاده، واضافت قائله بصوت حانق
= وانا مش بقول لك كده عشان الكلام الاهبل اللي انت قلتهلي عشان عاوزاك تتعالج عشان مصلحتي وأن شايفاك مش راجل وقرفانه منك ونفس نظريه طليقتك القديمه اللي انت بتقارني بيها.. بس مش هنكر أن فعلا عايزاك تتغير ونفسي فعلا تتعالج بس ده عشانك وعشاني، اي اثنين متجوزين المفروض يخافوا على بعض ولما يبقي واحد منهم محتاج مساعده يقف جنبه وانا بعمل كده عشان ده واجبي! ولا انت لما تجيلك فرصه وتشوفني محتاجه مساعده هتطنشني يا منذر
ظل منذر صامت لبرهة معيد تفكيره فيما قالته، لكن مشاعره القديمة بفقدان الأمل لا تزال هي المحرك الأساسي له، أغمض عيناه رافض تصديق ما سمعه منها، وصرخ فجــأة بعصبية
= ما بلاش طقم الزوجه الصالحه والحنيه اللي نزلت عليكي مره واحده دي مش هتاكل معايا
انا عارف ومتاكد ان انا هعيش حياتي كده حتى لو هتفضلي معايا في بيت واحد هفضل لوحدي منبوذ من الكل! ومش راجل وضعيف الشخصيه على راي اهلي
حل الوجوم على تعابيرها وهي ترد قائله بإنزعاج
= انا ما ليش دعوه بغيري وبطل تسمع لهم وتبقى واثق أن كلامهم صح! هو انت عمرك في حياتك حسبتها ان العيب فيهم هم مش فيك وان هم اللي ضعافه مش أنت وعندهم عقد وكلاكيع بيطلعوها عليك طول الوقت.. مش جايز الغلط فيهم هم مش فيك !. هم مش ملايكه يا منذر يبقى ليه مؤمن أوي بكلامهم
ومصدقه .
هتف فيها منذر بصوت متصلب وهو يرمقها بتلك النظرات المقهورة نفسها
= بقيلي اكتر من عشرين سنه بسمعلهم جايه دلوقتي تقوليلي ان ممكن العيب يكون فيهم؟ بعد كل حاجه وحشه عملوها معايا.. فينهم يسمعوكي مش بعيد كانوا خلوني طلقتك في نفس الساعه اللي فكرتي تنتقديهم ولا تقولي عليهم حاجه غلط اصل هم ماشيين بقى بمبدا انهم ينتقدوا كل كبيره وصغيره فيا انما حد يفكر ينتقدهم مستحيل.. وبعدين هو انتٍ بتتكلمي على جيران بشوفهم فين وفين صدفه! دول أهلي ؟!. فاهمه يعني إيه ؟
دفعته من كتفه بقوة قائلة بتحدٍ
= افهم من كلامك ان الاهل عمرهم ما يغلطوا ولا بيجرحوا اولادهم
ارتجفت شفتا وازدادت وتيرة أنفاسه بينما تشق صدره بألم عند هذه الذكرى هاتفا بقهر كبير
= ومين قال الاهل مبيكسروش.. اومال مين اول ناس بتعاير !!
صمتت لحظة ثم ابتلعت ريقها وهي تتساءل
بحده
= امال انت ليه حاطط نفسك في خانه ان لازم افضل مطاطي ومستسلم ليهم على فكره لو مفكر اللي انت بتعمله ده من طاعه الوالدين تبقى غلطان عشان هم كمان هيتحاسبوا على اللي بيعملوه فيك.. الانسان لازم يكون كويس لنفسه قبل ما يختار شريك حياته والتغيير لازم يكون لنفسك مش عشان حد بتحبه!
خفق قلبه بعنف بحسرة ثم ابتلع ريقه مرددًا بصوت حزين للغاية
= حد بحبه أو يحبني هو انا في حد بيحبني!
انا كل اللي حواليا وقابلتهم بيبقى هدافهم حاجه واحده بس يدمروني
هزت رأسها متفهمة حديثه ثم أجابت بإصرار
=الإنسان الذكي مابيقفش ويقدر يحول لحظة تعاسة في حياته للحظة فرح وسرور هديك مثل.. لو إحنا فضلنا حاطين إيدينا على خدنا والدموع في عينينا طول حياتنا.. هتقدر ترجع الزمن وتغير معامله اهلك ليك؟ طبعا ماكانش هيحصل، يلا ابدأ من جديد ايه مش حاسس ان جي الوقت خلاص انك تقول لمره واحده لأ وترفض النرجسيه اللي بيعاملك بيها طول الوقت وانهم صح .. ابدأ من دلوقتي حياة جديدة ان شاء الله حتى بعيد عنهم
كلماتها كانت كحد السيف، أغلبها صائب.. فهو قد رأى الجانب الأخر من حقيقة عائلته!
بدت نبرته أكثر خشونة وهو يتسائل بنبرة
غير مفهومة
= ابعد عنهم ازاي مش فاهم انتٍ عاوزاني امشي من هنا يعني
هتفت ضحي قائلة باعتراض
= انا ما قلتش تسيبهم اكيد لكن ما تسمعلهمش في الحاجات الوحشه ولا تديهم اهتمام و مارس حياتك بشكل عادي، لكن بنفس الوقت غير من نفسك.. يعني أي مكان في الحلو وفي الوحش، لو ركزت مع الوحش الحلو هيتنسي ولو ركزت مع الحلو الوحش هيتنسي، فوق وبطل تشجع غيرك اللي ما بيصدق يطلع كل الوحش إللي فيه عليك بانتقاده.
كاد أن يتحدث لكنها قاطعته قائلة بجفاء
= على فكره انت مش الوحيد اللي كده وكلنا بنعاني و طبعا كل واحد بيختلف عن الثاني.. بس في حياة كل حد مننا فيه حد عمله عقدة ومش قادر ينساها سوا بقي حصلت لنا واحنا صغيرين ولا كبار و من حقنا نزعل! كل حد فينا عنده عقدة بسبب شخص معين في حياته
حتي أنا اكيد في حد عملي عقدة في حياتي؟
زي لما كانوا بيضغطوا عليا كلهم عشان اتجوز كنت بحس فعلا الموضوع بايدي وانا فيا حاجه غلط بس مش عارفه اعمل ايه ولا اصلح من نفسي إزاي؟
تنهدت بقله حيله وهي تتذكر تلك الفترة الصعبة عليها التي جعلتها تستسلم إلي أي رجل دون التفكير بشكل كبير في العواقب و كان هدفها الأساسي هو الزواج للتخلص من المجتمع والاهل! تابعت حديثها قائلة بشرود
= بس عارف لما اتجوزتك عرفت ان العيب كان فيهم هم مش فيا.. هم طبعهم كده ناس حشريين ووحشين اتربوا على الطريقه دي ما يرعوش مشاعر غيرهم ولا يفكروا في كل كلمه بيقولوها ممكن تجرح اللي قدامهم قد ايه؟ وانا تجاهلت كل ده وبصيت اني فعلا كلامهم صح وانا غلط، وما فكرتش كمان أن ممكن يكون عندهم عقد وان أكيد في حد وهم صغيرين كان بيتنمر عليهم بالطريقة دي عشان كده شايفينها شيء عادي وانا كمان اعمل زي ما كان بيتعمل فيا وانتقم! مع اني مش انا اللي ظلمتهم ولا عملت لهم العقده دي بس هم طبعهم كده مش بيتشطروا غير على الضعيف.. وما لقوش اللي يوعيهم ويقول لهم ان ده غلط
تهدل كتفيه للأسفل قائلًا بنبرة غير مبالية زائفة
= طب كويس واضح من كلامك أن عالجتك من العقده بتاعك مع الناس اللي بيتدخلوا في حياتك.. بس انا غيرك يا ضحى في كل حاجه انا مش شخص واحد اذاني ودمرني و اللي عملي جرح في حياتي؟! مش هعرف اتخلص منهم لانهم بكل بساطه اهلي! لسه في تعويرة سايبة علامة في حياتي، بتفضل مهما مرت السنين و ما فيش مراهم تقدر تعالج التعويره دي؟
نفخت مستاءًه من عناده الأحمق ثم هتفت من بين شفتيها بجدية
= الحياة كلها مراهم يا منذر.. بس انت اللي مش واخد بالك حواليك.. العمر و السنين و الشغل والحياه الاسريه.. كل دول بينسوا
انتفض في مكانه عندما انتهت من الحديث، ثم هدر فيها بصوت متشنج
= اديكٍ قلتيها بينسوا انما مش بيعالجوا!
هزت رأسها برفض وهتفت بصوتها المبحوح
= لا ممكن ينسوا، وممكن بعد كده لما تفتكر الحاجه دي ما تتوجعش ذي دلوقتي! بس تبتسم ابتسامه بسيطه وتقول يااه كانت أيام ربنا ما يعيدها وانا اتعلجت دلوقتي منها.. بيقولوا دايما كل الجروح الى زوال و الى نهاية
قست نظرات منذر ثم رد بغل يحمل الصرامة
= غلطانه عشان فيه حاجات الزمن مش بينسيها خالص.. الزمن ممكن يعوض.. ممكن بيغلوش ممكن بيلهي.. لكن فيه جروح ما بتتنسيش أبداً، بس انتٍ ما بيقاش قدامك غير اني اتجاهل عشان اقدر اعيش بس مش هنسى.. وده اللي انتٍ بتحاولي توصله لي دلوقتي
شعرت أنها تصارع الأمواج العاتية بوهن كبير، دون فائدة معه لذلك تساءلت بيأس
= منذر هو انت بتصعبها عليك ليه؟ كلامك صح تمام، مش كل حاجه نقدر ننساها بس ممكن تلاقي حاجات تعوضك وزي ما قلت لك هتتجاهلها بعد كده لما تفتكر بس مش هتتوجع.. أنت ما اخترتش الوضع يكون كده، لكن ممكن تغيره للاحسن… وانا فاهمه كويس ان الموضوع هيكون صعب بس المحاوله في حد ذاتها كويسه والنهايه هتكون لصالحك اكيد
بس بلاش التشاؤم اللي انت فيه ده.
جذب انتباهه شيء ما، فدقق النظر في جفنيها اللذين كانا يتحركان بسرعه وهي تقف أمامه ثابته وقد ظهر و رأى عبراتها تنساب ببطء لتبلل وجنتيها، زاد تعجبه فهل تبكي على حالها أم حاله! لذا لم يعقب علي ذلك…. لان الاحتمال الأكبر أنها تبكي على حياتها التي ضاعت بجانب رجل ضائع أيضا .!
حاول أن يبرر لها رفضه لذهابه إلي الطبيب قائلًا بوجه خالٍ من التعابير
= عشان قلت لك ده الواقع اللي انا عايشه اكتر من عشرين سنه فشيء طبيعي اتعود بقى، حتى على وجعي.. وانتٍ كمان مع الوقت هتتعودي عشان انا كمان خدت شوية وقت علي ما استوعبت.. عارفه انا علاجي مش أني اتجاهل لأ .. انا علاجي ذاكرتي تتمسح
شعر أن روحه ستخرج من جوفه لمجرد يعيش تلك التجربة المفزعة من جديد وبأيد مرتجفة حركها علي وجهه ليمسح أثر دموعه التي تشعره بالإهانة دوماً لأن نشأ وتربى في بيئة تعتبر بكاء الرجل من علامات قله الرجلة وكأن الرجال ليس لها مشاعر أيضاً.
مسح على جبينه برفق وهو يتنهد بعمق، لم يكن ليتحمل فاجعة أخرى تصيبه يكفيه ما لاقي من مآسي متعاقبة في فترة زمنية طويلة منذ طفولته لذلك الأمر صعب حله، جلس على المقعد الملاصق للفراش، ظل منذر محدقًا في عينيها دون أن يطرف له جفن، ثم تابع محذرًا بجمود
= آه ولله نفسي امسح من ذاكرتي كام سنه علي كام موقف حصلي علي كام بني ادم دخل حياتي انا عايز امسح لخبطه كتير حصلت في حياتي.. وطبعا ده مستحيل يحصل زي ما انتٍ قلتي ما اقدرش ارجع الزمن! اعتبريني بقى شخص ما ميئوس منه
بالفعل لم تجد ضحي أمامها إلا شخص ميئوس منه، لا زال حتى الآن يرتعش قلبه كلما تذكر كل لحظة ألم أو ظلم مر عليه! ولا زال يتذكر كل لحظة تعالي نحيبه وبكائه بمفرده بسبب كلماتهم المسمومه والتفريق في المعامله بينه وبين أخيه حتي في أبسط الأمور.. ورغم علمه أن مسألة التفريق ليس السبب الوحيد لبكائه وعقدته التي لم يتخطها إلا أن لا يأبى التحدث بأكثر من هذا ويكتم داخله.. و اهله لا يساعده بل دائما هم السبب في جفائه .
وبالنهاية كان هو المجرم المستعمر الظالم في قصتها وهي المظلومة؟ الا أن كلاهما أتضح ضحية!
❈-❈-❈
عبرت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل و الثانية لم يغمض لها جفن لعين لم تشعر سوا بالخواء الدفين فأستقامت وتوجهت نحو الخارج وبالتحديد تجاه البيانو والذي كان المفتاح علي حافته العليا فأبتسمت حيث علمت بأنه تركه لها! فعندما كانت تأتي بالمرات السابقه تراه مغلق لكن الآن أصبحت تجده مفتوح!
نظرت ديمة حولها مترددة ثم جلست على المقعد المخصص فتحت البيانو و وضعت إصبعها على مفتاح واحد فأصدرت صوتاً مضطرباً هلعت منه كونها كانت شاردة وهي تتذكر مقطوعته! فكانت تريد ان تعزف عليه لكنها لا تجد وتشعر بالخجل ان تطلب منه هذا رغم الأمر بسيط .
استقامت وتوجهت لغرفتها اغلقت الباب خلفها وقفت متكأة بظهرها معتقده أنه سيخرج مثل المره السابقه ويعزف! لكن مرت ثواني و دقائق، و نصف ساعة، لاشئ لا يوجد صوت عزف؟ تساءلت هل جاء الليل نام اليوم لكن لم يبدأ العزف حتى الآن ؟
عادت إلي الفراش تنام بقله حيله ويأس، أصبحت الساعة الثانية ونص بعد منتصف الليل كانت تتقلب في فراشها يستصعب عليها النوم بينما لا صوت عزف يعطر مسامعها متغلغلا لروحها ! لم تتحمل كان الأرق يقتلها و يذبح احلامها، استقامت بهدوء مفرط وضعت قدمها ببطئ على الارضية الخشبية، وصلت للباب وضعت يدها على المقبض تنفست باختناق نافعة زفيرها باضطراب وفتحته اخيراً ! تحركت بخطى بطيئ ناظرة لنهاية الرواق حيث البيانيو مفتوح مكانه ولم يلمسه أحد.
وقفت في الردهة اليسرى! تساءلت عن ذلك
لما هو غير متواجد؟ لم لا احد يعزف تلك
المقطوعة؟ انها تشعر وكأن شيئاً بتر منها وتفتقده.
مرت دقائق ولم تشعر بعدها بقدميها إلا و تتوجهان نحو غرفته وضعت يدها على المقبض ترددت كثيراً بفتحه لكنها فتحته بسبب صوت يأمرها من الداخل وجعلها تتجرأ وتفعلها فدخلت فوراً مغلقة الباب خلفها بعد ان تأكدت أنه بالفعل ليس موجود في المنزل! اتأكت على الباب تنفست بأضطراب وتقدمت مشت خطواتها بهدوء مفعم بالتوتر والقلق كان الجو هادئاً بارداً مظلماً لا يدخل الغرفة سوا ضوء القمر! من الخارج نظرت بالارجاء سرير مرتب و فارغ، خزانته مفتوحة ويسقط
منها عدة قمصان بصورة عشوائية وكأنه كان
محتاراً بما يود ارتدائه! رائحة الغليون المعطر
المخلوط مع دخان السجائر يملئ الغرفة .
تحول بصرها نحو تلك الطاولة خاصته فتوجهت نحوها فوجدت عشرات الأوراق الخاصه بالعمل وبها بعض الملاحظات وكتب كثيره أيضا متخلفة فمن الواضح بانه شخص يحب القراءه بشده.. نظرت للمرأة المعلقة على الجدار ففهمت انه يصفف خصلاته هناك، نظرت لدولاب ثيابه الأخر فوجدته مفتوحاً توجهت إليه ففتحته كله لترى عدة بدلات..
فأبتعدت فورا همت بالخروج لكن لفت نظرها عده صور معلقه على الحائط بجانب الزوايا وكلها صور تجمعه مع طفله صغيره لتعلم على الفور بأنها ابنته رنا، لكن لا يوجد له صوره معها وهي بعمرها الحالي.. شعرت بالعطف تجاهه فبالتاكيد ليس هناك صور تجمعهم بسبب ابتعادها عنه.
لكن مع ذلك ما زال يحتفظ بكل شيء يخصها مثل غرفتها وصورها وكأن منتظر باي لحظه عودتها وسوف يغفر لها كل شيء بلحظة، ياله من بريئ وهذا العالم غير ملائم له ! تتمنى لو تعرفت عليه بظروف اخرى! أو بزمن آخر.. لا تعرف لما بالأخص ذكرت تغير الزمن ربما حتى تتغير اعمارهم أيضاً.. وهذا غريب بانها تمنت شيء كذلك فماذا سيفيد اذا تقابلت معه بذلك الزمن أو زمن آخر! أليس بالنسبه لها هو صديق او أخ كبير يساعدها لمجرد فتره وستنتهي وستعود إلى وحدتها في منزلها القديم .
حديثها ذلك كان سهماً حزيناً انغرس بروحها يعلن بؤس مصابها، كأنها لا ترغب بالرحيل وتعود الى حياتها القديمه فاخواتها منشغلون في حياتهما دائماً وانقطعت الإتصالات مثل سابقآ! وأصبحت مقتنعه بأنهم سيظلون هكذا طول الحياه وطول الوقت.
وهي لم تعاتبهم بعد.. فربما هذه سنه الحياه وانشغلهم ذلك يكون رغم عنهم بالفعل! لكن بنفس الوقت تعبت من الوحده وتخاف أن تعود إليها وتخطا مجدداً ولم تستطيع السيطره على نفسها وعلي ذلك شعور….. صحيح هي لا تكون أمامه طول الوقت وتكون بغرفتها لمده طويله لكن بالنهايه تشعر بوجود شخص معها بنفس المنزل بالاضافه الى حديثه واهتمامه الذي كان دعم قوي الى خطوات تغيرها للأفضل.
وللحقيقة هي تشعر بأمان وراحة واحتواء دافئ يجعلانها ترغب في كثير من الأحيان أن تشكو وتفرغ بعض ما مرت به في الماضي واليوم خاصة قبل ما سبق زواجهما وكيف تخلت أخواتها عنها ببساطة وقرارهم في التضحية بها لإنقاذ شرف العائلة وخوفا ان يحدث لها شيء سيء في منازل ازواجهم لذلك فكروا ان يتركوها بمفردها وينسوها..
فأحيانا يسألها آدم اذا كان اخواتها على اتصال بها وفي الحقيقه كانت تجاوب بنعم لكنها كانت تكذب، لأنها قررت أن تصرف نظر عن ذلك وعدم التحدث بشكل سيء عنهما أمامه مهما حدث سيظلون إخوتها.. بل أن تمتدحهم وتمتدح علاقتها معهم حتى يبقى ينظر آدم لهم باحترام وتقدير..
وهي مع الاسف صدقت واستحسنت اخواتها هذه المره بانهم لم يعودوا كالسابق يتجاهلوها، لكن حاولت ان تجد المبرر ولا تندم! فمن الظلم ان نحصل علي الندم مقابل خير فعلناه.. بل تحصل علي شعور سيء عندما تعاقب علي حسن ظنك.. وهي استحسنت ظنها في ذلك الشاب الذي وثقت به واخواتها؟ والجميع خذلها بالاخير.
خطوة خرقاء جعلتها تندم علي فعلها، أظلمت حياتها بقوة وهي لا تصدق تلك الخطوة الحمقاء التي ارتكبتها بدون تفكير منها.. لكن حاولت ان تسمع نصيحه آدم ولا تفكر بالماضي وتندم .. لان الندم لا يفيد بشئ.
فآدم أصبح لديه مكانة مميزة لديها حتي وإن لم تكن تحبه كحبيب…هي تحترمه وتقدره وتحبه كشقيق أو صديقها من وقف بجوارها في محنتها.. فكان الفترة الماضية أقرب إليها من اي شخص..وعلمت أن لن يأذيها أحد طالما هو موجود…
هنا صدح وسواس إبليس في عقلها بشئ ما و
ظهر الحزن علي وجهها الجميل وهي تفكر في تصرفات أشقائها، في البداية خافوا ان تعيش معهم بحجه لا تتعرض لأذى وكانت تلك فكره احد اقاربهم وبسبب ذلك الحادث القديم الذي تعرضت له شقيقتها الكبيره، عندما تحرش عمها بها وهي طفله صغيره ومن بعدها انقطع الإتصال بينهما وبين العائله تماماً ولم يروهم الا بعد موت الوالد..
وبعد ذلك حدث مع حدث وأخطأت ولم يجدوا حل الا يضعونها عند آدم وتتزوجه!
لماذا حقا طول الوقت؟ أما يتركوها عند الأغراب أما بمفردها وكأنهم لا يريدون ان تكون بجانبهم لأنهم لا يستطيعون تحمل مسؤوليتها أو لا يريدون ذلك.. فليس هناك حلول إلا تلك؟؟ حاولت ان لا تفكر بتلك الطريقه حتى لا تشعر بالكره تجاههم ربما لم يقصدوا ذلك .. لكن المعنى واضح!.
مشت خطواتها بهدوء لترحل الا انها عادت مجدداً عندما لاحظت صوره آخري فوق الطاوله وكانت لسيدة وآدم يقف جانبها مبتسماً، خمنت بالتأكيد أنها زوجته الراحله.. انزعجت ملامحها دون مبرر بضيق شديد و حاولت مقاومة ذلك الشئ المرير الذي ينمو داخلها تجاه آدم رغم انها تقنع نفسها ان ذلك الشئ النامي هو الفضول تجاه! لأنه يحسن لها و يساعدها لذلك تفكر به كثيراً وتهتم لأمره
وأحياناً تفتقده بشدة .
بعد أن انتهت من البحث لارضاء فضولها وضعت يدها على الرفوف، فكان آدم ذلك واضح أنه عاشق الكتب والقراءة، لفت نظرها شيء مثل الزجاج يلمع لتبعد الكتب لانها كانت متدارية لتجد صور آخري له مع زوجته! لكن هذه الصوره كانوا مقتربين بطريقه حميمية وذلك زاد غضبها الداخلي و نفخت بضيق أكثر وتمنت لو أن ينكسر ذلك البرواز وتتحطم صورتها وقد كان تحققت امنيتها بالفعل!
عندما جاءت تضع الكتاب الى مكانه لا تعرف كيف اصطدم الكتاب بالبرواز ليسقط أرضا وتحطم وتناثر على الأرض حولها وهي انتفضت بصدمة كـ من لدغته حية وشهقت بقوة بخوف غير مصدقة ما حدث؟ صحيح كانت امنيتها لكنها لم تتوقع حدوثها بهذه السرعه.. أو لم تكن تريد حدوثها من الأساس مجرد أفكار جاءت في لحظه غضب بعقلها، فماذا ستفعل الان ؟؟.
ظلت تنظر إلي البرواز المكسور بصدمة ولم تستطيع التنفس هبطت على الأرض وحاولت
لم قطع الزجاج وهي تشعر بالرعب و تفكر في رده فعله، ومن كثره التوتر والقلق انجرحت يديها وهي تلم الزجاج، أغمضت عينيها وهي تتألم بصمت لكن لم تهتم واكملت لم قطع الزجاج.
توقعت إذا عاد الآن من الخارج سيغضب بشده
عليها بسبب اقتحامها لخصوصيته والتفتيش في غرفته والعبث في أشياء تخصه وحده و بالنهايه كسرت صوره زوجته المتوفيه فكل ذلك أسباب كافيه تجعله يطردها من هنا و ليس يغضب فقط !. ظلت تشتم نفسها بسرها غير مهتمة بالمها والدماء التي بدأت تنزف من يديها.. فكل ما تفكر به الان غضبه الشديد
وفي ذلك الأثناء وجدت باب الغرفه يفتح وادم يدلف منه عقد حاجيبة باستغراب كبير، من وجودها هنا بغرفته وسرعان ما لاحظ ما حدث، نظر إلي الأرض ثم نظر إليها وإتصدم هاتفا
= إيه ده!
نهضت ديمة من مكانها وقد شحب وجهها من الخوف ومن نبرة صوته شعرت أن الصوره لم تكن مجرد ذكريات وانكسرت بل هي اكبر من ذلك و غالية لديه، امسكت يدها المجروحة وهي تقول بخوف
= آآ انا اسفه .
وهنا بدأت تدمع عينها بسبب شعورها بالخطا والذنب وامسكت يدها التي تنزف تضغط عليها بقوه غير عابئه بالمها، بالاضافه الى ارتعاش جسدها كأنها قد قتلت شخص، نظر آدم لديمة بغضب وهو يقول بحده
= ايه اللي انتٍ عاملاه ده؟ ازاي سايبه ايدك عماله تنزف كده وقاعدة مكانك !
ارتعشت شفتها من الندم وهي تهتف باعتذار
= والله مقصدتش انا ما اعرفش وقع مني ازاي لحد دلوقتي.. انا عارفه ان انا غلطانه ما كانش ينفع افتش في حاجه ما تخصنيش.. أسفه بجد
اقترب منها ليقف امامها وخصلات شعرها كانت تلتصق في وجهها بسبب العرق والدموع وبرغم ذلك قال بصوت دافئ
= بس يا ديمه صوره ايه دلوقتي عادي ممكن نجيب برواز غيره ونحطها فيه، بس في حد عاقل يمسك إزاز مكسور بإيده ؟ وكمان سايبه ايدك تنزف والدم يتلوث ؟
كانت مازالت تنتفض وتبكي كأنه بكلماته تلك يزيدها إحساس بالذنب أكثر، بينما هو لم يجد غير أن يسحب يدها المرتعشة بسبب خوفها منه ! وهمس بكلمه (أهدي) وهو يرتجف محركاً كف يده على خديها والذي لم يتحمل ذلك الضخم بدوره فأقترب من فكها ومسح دمعتها من الاسفل وصولاً لخدها حتى لامس بيده الساخنة نهاية فمها الصغير دون قصد!
فتحت عينها بصدمة بينما هبط بجثته ليصل
طولها الشبيه بطول الدمى ثم ضمها ويده على
رأسها مسد خصلاتها المحمرة بهدوء بينما
هي ذابت بين یدیه، لم تكن تستطيع أشاحت نظرها بعيد أو الإبتعاد صعب عليها ذلك حقاً !
فهي لم تصدق انه لم يغضب عليها مثل ما كانت تظن بل احتضنها لتهدا، وبدا يخبرها بصوت حنون ويعاتبها على إهمال نفسها.. أبعدها بهدوء و قال بنفس نبرة الصوت
= تعالي نعالج الجرح ونشوف موضوع الصورة ده بعدين.. ودخولك هنا
ابتلعت ريقها بحرج وهي تقول بارتباك
= مش مهم هعمله انا في اوضتي، انا كنت هنا عشان بنظف الاوضه وفكرتك موجود! وبعد كده كنت بتفرج على الصور و غصب عني سرحت وما اعرفش وقعت ازاي
تنهد بقله حيله من خوفها البالغ، فلم ينكر بانه شخص لا يحب ان يقترب احد من اشيائه الخاصه لكن عندما راها مرعبه أمامه بتلك الحاله لم يستطيع ان يعاتبها! ثم همس بهدوء حذر
= خلاص يا ديمه سيبك من حكايه الصوره دلوقتي و مش هخرجك الا لما اعالجك أنا وبعدين متخافيش كده إنتٍ معملتيش جريمة
تستحق كل الرعب ده
نظرت له بتألم وهي غير مستوعبه حديثه ولا تصرفاته الحنونه كيف هذا الشخص هكذا ؟ هي شخصياً اذا اقترب شخص ما من اشيائها وكان شيء غالي عليها، ستغضب وقتها بشده
ولم تعرف حينها ماذا ستقول! لكن هو كان هادئ لكن هدوء حنون… دخل المرحاض ثم احضر قطن وشاش
طلب منها ان تقترب اقتربت في بطء وقفت
بعيداً عنه طلب ان تقترب اكثر فاكثر، نفذت
طلبه كان ينظر لها نظرات لم تراها في عيونه
من قبل استمر يطلب منها ان تقترب، حتى
اصبحت امامه مباشراً.. امسك يديها كانت
بارده جدآ وعلق بعتاب لطيف
= ايدك متلجه جدآ كده ليه حتى الجو النهارده مش برد أوي، اهدي يا ديمة شويه ولا ايدك متلجه كده عشان على طول بتسقعي ؟ مش مهم تعالي انظفلك الجرح
اجلسها ثم امسك يديها الصغيرتان واخذ ينفخ
عليهما حتى تشعر بالدفء ثم اقترب منها اكثر
شعرت بجسدها يلامس جسده أرادت ان تبتعد
لكن شعورها المنجرف منعها كعادته وبعدها أردف قائلاً مازحاً
= هو انتٍ كنتي بتذاكري ومستعجله لدرجه ما سحبتيش القلم اللي في شعرك
قالها و رفع كف يده ساحباً القلم من شعرها فتعصف الرياح داخلها من فعلته و قربه الجريئ منه ومنها! وبعدها اجلسها وبدأ أن يعقم الجرح وبسرعة نهضت لتهرب من أمامه أكثر
= شكراً عن اذنك هروح انام الوقت اتاخر
قالتها واستقامت مستعجلة كانت تسير بسرعة هرباً منه، وعندما دخلت الى غرفتها سحبت الغطاء وهمت بترتيبه بسرعة جنونية غاضبة! ليس منه… بل من نفسها ومن هذا الشعور الغريب داخلها تجاهه ! تجاه آدم الذي كان غريب عنها بالبدايه لكن مع مرور الوقت اصبح ليس غريب لديها .
بينما لدي آدم كان يقف أمام المرآة ينشف شعره بعد أن أنتهي من الاستحمام ونظر في المرأة وهو يتذكر ما حدث من قبل! فكان سيدخل إلي غرفته يضع الهاتف ويخرج إلي المطبخ يتناول اي شئ يسد جوعه.
لكن عندما رآها هنا، لوهلة نسي جوعه الهام الضائع وانتبه بأنها كانت في غرفته.. تبحث في أغراضه و خصوصياته، تنهد وقال بصوت مسموع هامس
=أنا مفيش حاجة بتخليني أحس إني هادي
حتى لو الدنيا اتقلبت إلا قدامها.. بس انا اكيد كده عشان الحاله اللي هي فيها وهي ضيفه عندي برده ما يصحش! بس برده لازم أخذ حذري شويه
انتبه الى كلماته الأخيرة وابتسم باستنكار ساخراً وهو يقول مجدداً
= اخلي بالي من ايه دي قد بنتي! يعني ولا أنا ولا هي هنفكر بحاجة ذي كده؟ هه مستحيل يحصل طبعاً.. وانا هتعامل عادي بعد كده معاها من غير التفكير بحاجة ذي كده.. تلاقيها أصلا بتعد الأيام علشان تمشي من هنا بسرعه وتشوف حياتها مع واحد اصغر مني يهتم بيها.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين.
دلفت بسمة لغرفة نومها بعد ان نام طفلها مالك ثم أغلقت الباب خلفها بينما وتيرة أنفاسها تتصاعد في تزايد، عليها أن لا تيأس من محاولات تغير زوجها عديم الفائده بالنسبه لها والى ابنها.. مهما تفعل سيظل معاذ أناني وغير مهتم باحتياجاتها أو مشاعرها.. أو حتى رغباتها كأنثى! لطالما كانت تظهر أي استعداد لتلبية ما تريد وقد كان مرات صراحته بذلك بطريقه مباشره لكن لم تجد منه غير لا يلتفت سوى لاهتماماته واحتياجاته هو فقط..
بل هو غير مهتم بقول أي إطراء بطفله أو لها بما تحب أن تسمع من كلام يزيد من ثقتها بنفسها ويشعرها بأنوثتها.. ويشعرها بالامان وأنها بالفعل تعيش مع رجل بحق ويعرف كيف يتحمل المسؤوليه بينما هو لا يحترمها ولا يراها أساسا..
لذا عليها من الآن وصاعدا فقط أن تهتم بسعادتها الشخصية وملذاتها كما يفعل هو.. و مهما يكلف الأمر ستضع كرامتها جانب وتفكر في كيفيه الوصول الى ما تريد! وهي الان ترغب ان تخرج مع زوجها وطفلها وتلها بالخارج كاسره جميله مثل ما هو يفعل مع أصدقاء.. لكن هو لا يريد التنزه معها وهي لم تيأس و ستحاول تفعل ما تفعله اي أنثى مع زوجها حتى يلين ويلبي طلباتها بكل سهولة، ومعاذ بالنهايه رجل وبالتأكيد سيستسلم لها.
عاد زوجها من الخارج ودلف غرفته قاصداً أخذ حماما حارا أولا و يندس بفراشه فهو يشعر بالألم والدوار الذي شعر به يكتنف تلافيف رأسه.. وقف بجانب التسريحه يضع هاتفه بالشاحن لتظهر بتلك اللحظه خلفه تعقد يديها خلف ظهرها وهي تراقبه بعناية ثم سألت بنعومة
= جيت بدري يعني قلت هتتاخر اكتر من كده بره مع اصحابك؟ ايه السهره ما عجبتكش
أبعد جاكت القميص عنه وبدأ أن يفتح الازرار ببطء وهو يجيبها بملل
= لا عادي بس انا اللي زهقت وحسيت بتعب في ظهري قلت اروح انام احسـ..
توقف لثوانٍ عما يقوم به ليلاحظ أنها ترتدي ثوب عاري يعلوه مأزر مفتوح، قامت بفك حزامه تاركه إياه فوق جسدها بشكل عشوائي لكن كان واضحه! لاحظ أيضا كيف تتأمل جذعه بتدقيق جريء وقح بالنسبه له.. و خصوصاً عندما اقتربت وبدأت ان تفتح الازرار هي بدلا منه، فكانت تقصد إغرائه و ترويضه عن نفسه كما تسعي كلما أنفردت به يستسلم الى طلباتها
= تحب اعمل لك مساچ لظهرك؟!.
قالتها بدلال ناعم بعد أن أبعدت ملابسه عنه، و قد تلونت نظراته بالاشمئزاز بعينه وهو يسحب يرتدي أي منامة حطت في يده بينما يقول باعتراض منفر
= لا شكراً !.
لم تعطي رفضه اهتمام و أصرت وحاولت بقوة أن تحرره من قميص المنامة الآخر وهي تلح بالقول
= تؤ شكلك تعبان اقلع قميصك وسلمني نفسك وصدقني هتحس براحه مش هتحس بيها عمرك إلا معايا .
بتر كلماتها وهو ينتفض ويثور بها بغضب بينما كان يبعد يديها اللتان كانتا تمسكان بقميصه بغية نزعه عنه
= بسمة وبعدين ما بحبش كده! ابعدي ايدك عني .. و ما تلمسنيش؟!.
توسعت عيناها برهبة يشوبه الذهول والضيق لكنها أخذت العهد على نفسها لم تستسلم! حتى يستسلم هو أولا، جاهد بصعوبة أن يتحكم بأعصابه كي لا يثور عليها بغضب أكبر لن تتحمله، بينما همست له بحفوت
= انا ما كانتش قصدي حاجه كنت عاوزك تستريح عشان حسيت انك محتاج كده
اكتفى أنه رشقها بنظرة مضطرمة بنار ضيقه مما فعلته وهو يهتف بحده
= انا مش محتاج حاجه.. بس انتٍ اللي محتاجه تعقلي شويه يا بسمة
حاولت بسمة ألا تظهر ضيقها وهي تقول باستنكار عاقدة الحاجبين
= اعقل؟! كل ده عشان عاوزه راحت جوزي
رفعت كفيها تمسح علي وجهها ثم أضافت بصوتاً مليء بالرجاء
= معاذ ايه رايك نخرج بكرة نسهر سوا ومالك معانا.. وقبل ما تقول لا عشان مش بتتبسط و مالك بيفضل يعمل دوشه صدقني هو كبر عن اخر مره خرج معاك وهيسمع كلامنا على طول
اتسعت عيناه من طلبها وقال لها بغيظ وكأن فعل هذه الأمور صعبة عليه أو تجرح رجولته وشرقيته
= طب بذمتك انتٍ شيفاني فاضي للكلام الفاضي ده؟ بسمه حلي عن دماغي مش وصلت النكد بتاعتك هتبدا دلوقتي!
أجابت بسخرية ممزوجة بالحسرة وهي ترفع حاجبيها
= و هو انا لما اترجاك نقعد مع بعض يوم زي اي اسره، يبقى ده بالنسبة لك كلام فاضي ؟!
وبعدين هو انت وراك ايه يعني ما انت ولا شغله ولا مشغله
ضغط علي شفتيه بنفاذ صبر وهتف بتهكم
= طب عايزاني اخرجك انتٍ وابنك نعمل ايه ولا نروح فين؟ نروح نلعب مثلا مع الحيوانات!
تغضن وجه بسمة بشيء من الضيق قائله
= مش لازم نروح جنينه الحيوانات اي مكان انت تحبه، بس ممكن تتكلم معايا تحسسني ان موجود وتحسس كمان ابنك نفس الاحساس.. وتديله لو ربع الوقت اللي بتديه لاصحابك و لعبك على التليفون.. انا محتجالك يا معاذ، فاهم يعني ايه لما الست تقول لجوزها انها محتجاله ؟!
انزعج بشدة منها ثم تتمتم بازدراء ساخط
= بسمه هو انتٍ امتى هتسمعي الكلمه من اول مره؟ انا راجع مصدع ومش ناقص موال كل يوم اللي بتفتحيه، وصدقيني لو ما بطلتيش الموشح بتاع كل يوم ده هحرمك من
الـ..
قاطعته بسمة تسأله ببراءة ساخرة
= هتحرمني مره واحده ويا ترى هتحرمني من ايه؟ يا زوجي المصون
صمت بحيرة سكنت وجهه متلعثما وهو يفكر بماذا سيحرمها حقا لكي يجعلها تخاف و تصمت، رفع يده يحك مؤخرة عنقه ببلاهةٍ لا يعرف ما يكمل به من تهديده ووعيده لكن أردف ببعض الكلمات الغير مفهومة، فأكملت عنه زوجته بطريقه تهكميه مقهورة
= ما تكمل هتحرمني من ايه بتعملهلي؟ تكونش بتسفرني كل يوم لبلد شكل؟ ولا كل يوم داخل عليا بهديه بتفرحني بيها انك لسه فاكرني وباجي على بالك؟ ولا مفاجاتك اللي كل يوم بتعملها لي وتساعدني في شغل البيت والاكل؟ يا ريت توضح بالظبط هتحرمني من ايه عشان اعرف ازعل عليه بجد؟!.
رفع حاجيبة بذهول من تهكمها ليقول بعصبية
= هو انتٍ بتتريقي طب لعلمك بقى انا بعمل لك حاجات كثير من اللي انتٍ قلتيها واكتر بس انتٍ اللي مش بتقدري ! ولا هو لازم اعمل لك شغل البيت عشان اكون في نظرك راجل ما فيش زيي
تطلعت له بحزن خالص وهي تخبره هاتفة بسخط
= انت هتقول لي طبعا يا حبيبي هو انت في زيك، لدرجه مش عارفه اودي جمالك فين ولا اردها لك ازاي.. الظاهر كان معاك حق لما قلت لي لازم اعقل! حاضر يا معاذ هعقل و هبطل اشحت الاهتمام منك .
تطلع فيها بنظرات حانقة فعندما تتحدث بتلك اللهجة يشعر بانها كومه من الكابه التي لا تنتهي، ابتعد عنها يتجه لخزانة الملابس ليخرج منشفة وملابسه وذهب يستحم…
في حين هي تنهدت ببؤس وهي تتقدم نحو الفراش تفكر بالوضع هل تأزم ام هناك فرصه لتصر على طلبها .
❈-❈-❈
علي الجانب الآخر استيقظت ديمة بنشاط على غير العاده، ذهبت إلى الحمام تغتسل ولكي لا تتأخر علي صلاتها كعادتها التي بدأت أن تنتظم فيها بكل صباح أدت فرضها بالاول.. ثم وقفت ونظرت إلى غرفتها، لا بأس بها مريحة بعض الشيء بها نافذة زجاجية تطل على شجرة عملاقة تحط عليها مجموعة من الطيور، وهي بدت في كل صباح تفتح النافذة لتضع لهم صحنا من الماء و صحنا آخر من الحبوب أو بعضا من البقوليات فتأتي حينها الطيور وتتجه نحو النافذة كي تنال مرادها .
و آدم عندما علم بذلك أبتسم لها ابتسامة بشوشة واخبارها ان تستمر بذلك لتحسين نفسيته ومن جهه أخرى تكتسب حسنات جاريه.. واخبارها مع الوقت ستعرف قيمتها عند هؤلاء الطيور التي لم تعرفها طوال هذه السنين عند البشر …. !
لان الحيوانات والطيور لا تنسى من احسن اليهم! وبالفعل تذكرت بيوم بالمساء جهزت لهم الصحون و وضعتها خارج النافذة حتى لا تتاخر على جمعتها بالصباح… وعادت عند الظهيرة إلى البيت وما إن وصلت لمدخل المنزل بعد ذلك دخلت غرفتها ونزعت معطفها همت بفتح النافذة لتتفاجا بالصحون كما هي لم ينقص منها شيء.. نظرت أمامها إلى الشجرة رأيتهم جالسين ينظرون إليها وما أن فتحت النافذة حتى جاؤوا مسرعين ليأكلوا و يشربوا… عندها فقط فهمت مقوله آدم.
خرجت بعد ذلك إلي الخارج فوجدت آدم بالمطبخ يعد الفطور تقدمت بخطوات هادئه وقفت امامه، شابكت يديها مع بعض في حين رفع عينه إليها وابتسم متفوه مازحاً
= اهلاً بأجمل نساء الدنيا.. صباح الخير
قالها وهو يقدم لها قطعه من التوست المغمسه بمربه التوت كعادته وأخذتها منه وهي داخلها سعيدة بذلك الإهتمام منه حتى لو كان بسيط.
عضت شفتيها خجلاً تعكف انفها وهي تتائثب وراح هو يتابع حركتها الطفولية ليقول بمداعبة
= الأطفال دايما هم إللي يقوموا من النوم وهم كوسلا بشكل كبيره.. ايه ما كفكيش نوم لحد دلوقتي
قهقهت لكلماته فَتخيل وجهها المحمر خَجلاً مجدداً دون النظر لها،ثم أردفت بصوتها الناعم
= صباح النور أخبارك إيه!؟..
إبتسم مُلقياً نظرة خاطفة عليها وهو يخفق البيض مُجيباً بنبرة مُتلاعِبة
= بقى عندي جارَة فاتنة تتوقعي حالي هيكون ايه!؟.. كويس جدآ أكيد.
إستمع لصمتها المميت الَّذِي تَبعَتهُ بأعين
مُستنكرة مزاجه الجيد على غير العاده اليوم لتقول بتسائل بفضول
= شكل مزاجك رايق أوي النهارده في حاجه حصلت.
هز رأسه برضا وأجاب قائلاً بهدوء زائف
= رنا بنتي اتصلت بيا عاوزه تشوفني انا فاهم انها عاوزه أكيد حاجه بس بقيلي فتره ما شفتهاش .. و وحشتني أوي .
انزعجت ملامحها عند ذكر إسم أبنته لا تعرف لما؟ لكن تحفزت هامسة بحماس منطفأ لتغير الموضوع
= هو انت مش وعدتني هتعلمني الطبخ يبقى بتعمل انت ليه الفطار النهارده
نظر آدم إليها مبتسماً وهو يرد موضحاً
= هو الفطار في طبخ يا ديمة؟ خليكي على الغداء ونبقى نعمل كتفه بالبطاطس وهنبدع إحنا الاتنين ولو عايزه تساعديني دلوقتي تعالي اعملي أي مشروب نشربه على الفطار.
أومأت برأسها بتفكير وهي تردف بحماس
= تمام هعمل هوت شوكليت .. بحبه أوي و بعمله حلو هعمل لك معايا.. انا فاكره ان انا اشتريته من مده بس ما عملتوش هدور عليه واعمله حالا
كاد أن يخبرها بأنه لا يتناول السكريات بكثره لكن لم يرغب فيه احبطها ولم يجد مانع بان يتناوله لمره كل حين وآخر منها! تحركت بالفعل ديمة وبدأت تساعده بنشاط حتى انتهت من صنعه وقدمته له وهي تنتظر رأيه بفضول وحماس.
وبأبتسامة إرتشف القليل من المشروب الساخن لترى أثار إعجابه على عيناه المتلذذة و إبتسامته التي إتسعت ليبتسم ثغرُها بسعادة إحتضن الكوب بين كفاه وخاطبها بنبرة هائمة
= جميل زيك تسلم ايدك .
قهقهت باستحياء وأعقبت بخجل
= كنت فاكره هتقول طعمه مش حلو! ومقرف كمان.. اصل انا برده مش ليا أوي في عمل المشروبات
حرك رأسه نافياً ذلك مُجيباً بنبرة ساكنة ولاتزال الإبتسامة تُشع على ملامحه
= عيب عليكِ!.. اللي بتصنعي بايدك وتتعبي فيه عمره ما هيكون مقرف أبداً.. كل حاجه بتعمليها حلوه .
أخفضَت رأسُها خَجِلهُ تَعُض شفتها السفلى
لتتحلى بالقليل من الشجاعة أمامه، رفعت
عينيها لتواجهه ولسرى في عيناها شيء غريب تحدق به بطريقة غريبة تجعل من قلبها يُرفرف.. فقد أحبت طريقه التحاور معه و التحدث اليوم على غير العاده بكثير وهو يمدح كل شيء تفعله.. ويبالغ في المدح أيضاً..
وتمنت لو يظل هكذا طول الوقت معها مزاجه جيد يشعرها بالاهتمام.. ويمدح كل شيء تفعله.. لكن في نفس الوقت لا تريد أن يرى ابنته كل يوم.. فاحيانا تظن بانه سيشبعها من حنانه كله ولم تجد القليل تتمتع به منه.. حقا حالتها وتفكيرها تجاهه أصبح خطر عليها.!!!
❈-❈-❈
بعد مرور وقت خرج معاذ من المرحاض وعاد غرفته ليجدها مظلمة! أطبق جفنيه وهو يشعر بشيء من الخمول ثم تحرك إلي الفراش
يبحث عن زوجته جواره فقد سمع همهمات قبل أن يشعر بجسد دافئ يلتصق به، همهم بوهن والظلام لا زال يعم المكان
= بسمة لو بردانه قومي هاتي غطا تاني، بس ابعدي شويه.. وبعدين انتٍ مضلمه الدنيا كده ليه؟
لم يجد منها استجابة أو حديث إنما شعر
بلمسات جـ.ـريئة ومثيرة! اتسعت عينا بذهول وصدمه و تسارعت نبضات قلبه وسط الظلام هذا ثم همس من بين شفتيه بصوت مخنوق
= بسمة انتٍ بتعملي ايه؟ وما بترديش ليه ؟
جاء صوتها هامسة بشغف وإثارة وهي تلتصق به أكثر وأكثر لعله يستجيب جسده الملقى جانبها بخضوع
= ولا حاجه، قلت لك شكلك تعبان تعالي اريحك.. والنور مطفي أهو زي ما انت بتحب
ابتلع ريقه برهبة متسائلاً بتشتت وإحساس مريب من غرابة ما تفعله به
= آآ بس انا قلت لك لا مش عاوز ؟!.
لم تعطيه فرصه للاعتراض وبدأت عاطفتهم العنيف حين أمسكت أول ما طالته يدها لتغطي جسدهم ولم تجد منه إلا بمحاولة لا تُذكر بينما هي شددت على ضمه رافضة تمامًا أن تفلته.. وذلك كان جيد جداً لها.. تنهد معاذ بحرارة وبؤس وهو يلعن نفسه على استجابته لما تفعله معه ولم يستطيع الاعتراض هذه المره الوحيده في حياته امامها..
بعد مرور فترة، أراحت رأسها على صدره الذي اتخذته وسادة.. وهو كان صامت بجمود كبير ثم رفع كفيه يمسح وجهه وهو يفكر ببطء و تدريجي تنبه عقله الغائب وهو ينظر حوله رغم الظلام الحالك الذي يعم الغرفة.. كيف منظره أمامها الآن لو توصلت بأنه أحب و تجاوب مع كل ما فعلته وقد شعر بها امرأة جريئة حرة و مسيطرة على كل نبضة وحركة تخرج منه!
مثلها مثل فتيات الليل بالضبط يكونون هم الجريئين في تلك العلاقه و المسيطرين.. انما في العلاقه الزوجيه يكون بالطبع الرجل فقط هو من يبدأ وينهي .
فكيف طاوعها وفعل ذلك ليشعر بتلك الأحاسيس المقززه الذي كان بصعوبه بالغه يسيطر عليها حتى لا تعود اليه مجدداً ويتذكزها.. والاصعب يعيشها مع زوجته..
همس منقطع الأنفاس
= اول مره تعملي كده وانتٍ اللي تبداي؟ .. كنتي مختلفه عن كل مره نكون مع بعض!.
عقدت حاجبيها شاعره أنه لم يعجبه ما حدث لكن لم تسمح هذه المرة أن تهتز! بل ظلت مكانها مرتمية على ذراعيه أنفاسها الساخنة تلفحه ثم همست بدلال
= المهم نكون مبسوطين وانا بعمل اللي بعمله ده عشان أسعدك ومستعد اعمل اكتر عشان ترضى.
إنه حرفيا لا يكاد يصدق قدرتها على الكلام والحديث والدلال معه كزوجان طبيعيان كأنها لم تفعل شيء قبل قليل.. ولا يستوعب كيف يمكنها بعد التقارب الذي حدث بينهما إلي ذلك الحد أن ترغب في تكراره بل والإلحاح عليه بكل وقاحة وانعدام حياء وخجل فطري في أي أنثى أمام رجل.. حتى لو كان زوجها..
لكن لا يستطيع إنكار شعوره قبل قليل معها أنه حلق بالنعيم بهمساتها ولمساتها، إلا أنه بعد الانتهاء حل شعور آخر اجتاح خلاياه رويدا رويدا شعور لا يظهر إلا الصد والتباعد والنفور.
تسرب بعروقه وتوقفت استجابة جسده من قربها بعدما تلاشت لذة النشوة، فنفض ذراعيها عنه على الفور هادرا باشمئزاز
= هو انتٍ كمان عاوزه تكرري القرف ده تاني
تراجعت بصدمة وهي تضيء المصباح الخافت
ثم رفعت حاجبيها تتمتم بهدوء
= هو فين القرف في اللي احنا عملناه مع بعض؟ هو انت شايفني يا معاذ بنعمل اللي نعمله واحنا مش متجوزين لا سمح الله.. أنا مرأتك علي فأكره.. والمفروض لو عاوزه اكتر من كده اطلب عادي منك طالما في الحدود اللي ربنا سامح لنا فيها مع بعض
كأن حديثها يضرب فيه وترا حساسا لذا هاج يرمقها بنظرات احتقارية وهو يردف باستنكار نافر
= بس ايه القرف اللي انتٍ بتقوليه ده انتٍ اتجننتي؟ هو في واحده محترمه تطلب من جوزها الموضوع ده اصلا المعروف الراجل هو اللي بيبتدي مش الست! ولو عملت كده تبقى ما عندهاش كرامه ومش محترمه وبترخص نفسها.
اتسعت حدقتيها كما تبدل لون بشرتها للحمرة المزعوجة، وانكمشت في جلستها رهبةً منه، في حين زمجر فيها بعصبية وهو يضيف باعتراض
= انتٍ مراتي مش واحده رخيصه عامله زي السلعة اللي بتحاول تزود نفسها وتقلل في عين الراجل اللي قصدها.. لا وكمان عاوزه تطلبي مني اكتر من كده بكل فجر!.
اتسعت عينا بسمة بذهول وقد صدمتها ملامح الخيبة والاتهام التي علت ملامحه ثم قالت بعتاب وبطيء فهم
= هو ايه الغلط في اللي انا قلته؟ هو انا بقول لك هعمل كده مع حد تاني انا هعمل كده معاك بس اكيد! مع جوزي عشان أسعده ويسعدني.. والحاجة دي لازم تحصل بين الاتنين زي ما هم عاوزين عادي عشان يبقوا سعداء..هو انت فاهم كويس انت بتقول ايه
التهبت وجنتيه غيظا مما قالته وتشنج فكه، هاتفا بسخط و اشمئزاز
= اخرصي! و بطلي هبل هو انتٍ كمان هتشرحيلي اللي بيحصل بينا و نتكلم فيه عادي وتطلبي مني بتفاصيل عاوزه ايه؟؟ و بعدين ما تعملهاش حجتك عايزه تسعديني انا ما طلبتش منك حاجه زي كده.. و لو كانت دي نيتك فعلا في كذا طريقه ممكن تعمليها بعيد عن انك ترخصي نفسك في نظري ذي فتيات الليل .. مش مراتي أم ابني!!
كانت عيني زوجته تتسع تدريجيا بصدمة، وهتفت بغضب مكتوم
= لا انت مش طبيعي! وانا اللي استاهل بحاول اشوف جوزي عاوز ايه واعمله عشان اراضي! بدل ما يجي يتهمني أني زوجه مهمله لي ويبص بره.. كانت حجتك النور وطفيته مش فاهمه فيكي إيه تاني
توتر وجهه لكنه التزمت الثبات ودفعها أكثر بشيء من النفور قائلاً بحنق دون مبرر
= عشان ما بتسمعيش كلامي من أول مره وانا قلت لك تعبان اصلا ما كانش لازم تعملي اللي عملتيه ده.. والمفروض تستني مش انتٍ اللي تبداي بحاجه زي كده
أغمضت عينيها بغيظ شديد تحاول التحكم في أعصابها بسبب استفزازه بالحديث فحقا لم تقابل شخص مثله بالحياه! ينتقد دائما تصرفاتها بكل شيء حتى إذا حاولت اسعاده، ثم هتفت بازدراء
= معاذ اعمل حسابك بكره انا وابنك هنخرج، ومش عاوزه حجج فارغة، تصبح على خير
نظر لها بشيء من العدوانية فيما ينهض من رقاده، قائلاً بصوت خطير
= يعني انتٍ عملتي اللي عملتيه ده عشان عاوزه حاجه مني؟ عشان تعرفي ان انا معايا حق والمواضيع ما تتاخدش ده قصاد ده! مش بقول لك عامله زي الستات اللي مش كويسه؟ ما هم ما بيعملوش كده إلا عشان محتاجين فلوس من الغبي اللي بيضحكوا عليه بس انتٍ يا هبله مراتي.. وعشان اريحك من القرف ده هخرجك فعلا بكره واخلص من زنك بس اياكي تعملي القرف ده تاني
لم تجد بسمة ما تفعله إلا أن تغلق الانوار وتنام
دون المجادله مع الشخص محدود الفهم مثل زوجها الغبي! الذي يشبها بفتيات الليل لانها صارحت بمتطلباتها أو لأنها بادرت في بدء العلاقه الزوجيه أولا..
بينما هو تحرك للخارج ليذهب الى المرحاض يستحم مجدداً وكأنه يريد محي أثرها.. ولمستها له.
شعرت لوهلة بالقرف من نفسها لكن لن تلوم روحها على ما فعلته قبل قليل وهو الذي عبر أمامها بما فعلته ببرود وقسوة.. طعنها كانثى لكن حصلت على ما تريد ويكفي ذلك ولم تهتم بالباقي وهكذا ستكون حياتها القادمه معه.
فقد كان عليها الصمت حتي لا يزيد شجارهما وبالأخير يمنعها من الخروج معه.. بعد أن وافق بعد معاناه.
❈-❈-❈
بمنتصف الليل، وقف آدم يتطلع في المرآة التي بغرفه المعيشه وهو يعدل بتدلته بعناية فائقة واهتمام كبير و ابتسامه كبيرة تعلو ثغرة بفرحه وحماس، تنهدت ديمة بضيق وهي تقف بالخلف وهتفت متسائلة بتوتر
= اونكل آدم هو انت هتتاخر كثير مع بنتك بره؟
صمت لحظه طويلة وظهر الإحباط علي وجهه ثم التفت اليها وهو يقول بيأس
= ما بنقعدش اكتر من ربع ساعة مع بعض يا ديمه بس ما تقلقيش مش هتاخر ولا حاجه، بس عندي مشوار تاني مع منذر بقيلي كتير ما شفتوش من يوم فرحه وعاوز اروح اشوفه
لاحظت ديمه ملامحه المتالمة بصمت وندمت على سؤالها حيث شعرت بالانانية بما تفكر فيه
منذ أن علمت بأنه سيذهب ليقابل ابنته! زياره تحدث كل شهر أو شهرين او اكثر ويتمناها و ينتظرها بشده بفارغ الصبر، حقا يجب ان تتمنى له السعاده ولا تفسد فرحته، حمحمت تغير الموضوع وهي ترد بابتسامة طفيفة
= مش منذر ده اللي رحنا فرحه من حوالي شهر تقريباً، هو صاحبك اوي كده مع اني يعني مش قصدي حاجه بس فرق السن بينكم كبير وقليل يعني لما اتنين الفرق بينهم يكون كبير ويكونوا اصحاب كده عشان افكارهم بتكون مختلفه في حاجات كتير.. بس ربنا يخليكوا لبعض.
أومأ آدم مخفضا بصره إلي الفراغ ولم يرد إنما ذهب ذهن إلي الماضي عندما كان في بدايه عمله مدرس بسيط ومنذر وأخيه كانوا في نفس المدرسه التي يعمل بها! فدايما كان شاهين يوصي على طفله معاذ لأنه مريض.. و كان طوال الوقت يرى معاناه منذر أمامه و التفريق بين الاخوه .
وفي يوم ما كان آدم يسير الى عمله ولاحظ
بأن منذر يقف بالخارج ولم يدخل الى المدرسه
وكأنه كان ينتظره، وقعت عيناه عليه فارتبك منذر من رؤيته المزعجة. ثم ذهب آدم إليه وهو يتسائل باستفسار
‏= منذر انت واقف كده ليه؟
قال منذر له معقبا برجاء على كلامه
= مستنيك من بدري عشان تدخلني المدرسة
ضيق آدم عينيه يغمغم بجدية
= أدخلك إزاي من غير والدك ما أنت عارف أن عندك استدعاء ولي أمر… ما تخافش و روح قل لهم انت ما غلطتش في حاجه و السبب كان اخوك اصلا وهو اللي اتخانق مع الولد وانت جيت تبعده ضربك وضربته والمدرس شافك انت ..واخوك جري
أخفض رأسه متخاذل وتزايدت وتيرة أنفاسه المرتعشة من بين شفتيه وهو يقول بحرج
= يا مستر آدم أنا أهلي معندهمش وقت يجوا معايا، غير حتى لو الكل هنا قالوا أني ما عملتش حاجه برده هتعاقب عشان اخويا كان بيتخانق وأنا ما عرفتش امنعه.
توسعت عيناه ثم هتف له بخفوت يشوبه الذهول
= يعني ايه معندهمش وقت ؟
ابتلع ريقه برهبة وجف قلبه فجأة وقد كان هذه أول مرة يشهد حزنه الآخر، يهمس له بقهر
= مش فاضيين ليا عندهم معاذ مشغولين معاه، أنا قلت لهم إن عندي استدعاء ولي أمر علي فكره قالولي وقت ما يفضوا هيجوا وأنا أكيد مش هفضل مرمي هنا قدام المدرسة لحد ما يفضوا مش عاوز اضيع عليا دروس انا بحب المدرسه ونفسي اكمل .
عقد حاجبيه باهتمام قائلا بهدوء
= طب وهما عارفين إن ده ممكن يعرضك للفصل؟ وان فعلا ممكن تفوتك دروس مهم لأنني داخلين علي فتره امتحانات
بصوت خافت أجابه منذر بينما يحاول التحكّم بنبرته الباكية
= هما دايمًا مبيهتموش بأي حاجة تخصني أنا بالذات ولا مدرستي، عارف يا مستر لو كان مكاني معاذ كان زمانهم جم في نفس اليوم! حضرتك عمرك شفت أهلي في أي مناسبة في المدرسة ليا؟
شيء تألم في قلب آدم وهو يشعر بالحزن الخالص المشع من عين منذر الصغيرتين ثم أضاف قائلاً منقطع الأنفاس
= أنا مبحبش أي مناسبة أو مسابقة في المدرسة عشان ببقى لوحدي من غيرهم.. انما معاذ بيكونوا حريصين يحضروا كل مناسبته عشان نفسيته ما تتعبش وقلبه يتأثر.. ودايما لما بقول لهم اي حاجه عليا يقولوا مشغولين ويكون الاولويه دايما لمعاذ
ازداد التواء حاجبيه وحاول تبريره موقف الاهل امام الطفل وهو يقول له مفكراً باختصار
= يا حبيبي ده أكيد عْصـب عنهم وهم ما يقصدوش كده بس انت عارف اخوك محتاج رعايه اكثر وأن ينتبهوا لي طول الوقت
ادمعت عيناه بتأثر وحافظ على ابتسامته الباهتة وهو يتحدث بنبرة ثقيلة واهنة
= مانا بقول لنفسي كده برده، بس بكتشف إنهم بيبقوا فاضيين بس مش مهتمين.. يعني مثلا لو طلبت منهم حاجه يطلعوا لي بعشرين حجه انما لما بيطلب معاذ حاجه بيسيبوا كل حاجه وراهم وقدامهم ويعملوها لي.. عشان كده بقول لحضرتك انهم بيبقى فاضيين بس مش مهتمين!؟.
عجز حينها آدم عن الرد عليه من قوة تأثير الصدمة عليه ومن معامله اهله له التي اوصلته الى ذلك، وحاول حينها آدم ان يجعلهم ينتهبه الى الطفل الآخر خوفا من ان تتهور حالته ويهتموا به مثل ما يفعلون مع معاذ! وليس يعاملوا وكأنه لم يكن من الأساس..
لكن مع الأسف لم ياخذ احد منهم حديثه على محمل الجد واعتقدوا ان منذر يفعل ذلك كنوع من التمرد حتى يفعلوا له ما يريد، ولم يهتم أحد به، ولم يعبأ اهله بإحساس الغيرة و الحسرة بداخله من اهتمامهم بالاخ الاخر..
بل الأسوأ أنهم لم يشعروا بوجوده..
ولأن شاهين مع الوقت بدأ ان يرتب بان منذر يتحمل المسؤوليه كونه صحته جيده عن معاذ، وسيطرت بعدها الحسرة والاحساس بالظلم اكثر واكثر علي منذر طول الوقت.
** ** **
_________________
بالمساء بالخارج حركت الرياح الناعمة الأزهار و الأعشاب وتمايلت أغصان الأشجار، أخرجت رأسها من النافذة لترفع ضحي عينيها للسماء التي بدأت تمطر بغزارة لكنها لم تأبه و بقيت واقفة مكانها تسمح للأمطار بالهطول عليها.. لربما عليها أن تستقبل الحزن في حياتها كما تستقبل المطر وتجعله يغسلها من الداخل..
حتى أخيراً سمحت للدمع أن ينطلق من عينيها رقراقًا لعله يداوي بعضا من أوجاع قلبها وهي تشعر بالترنح والتيه والتشوش فلا تصدق ما آلت الأمور عليها بالفتره السابقة.. حتى كما حاولت حل الأمور لتجد العائق أمامها! فالامر حقا صعب تقبله او حله.
أغمضت ضحي عينيها اللتان تفيضان حزنًا ثم استدارت تمضي نحو الفراش لتخلد للنوم قبل أن يعييها الحزن والألم القابعين داخلها، بقيت لساعات على فراشها تتقلب فيما دموعها تنهمر في الظلام وجوانحها تضج من فرط الذنب والندم؟ كونها متاكده بأنه يوجد بالغرفه التي بجانبها شخص يعاني ويحتاج الى مساعدتها وهي ترفض! او ربما حاولت الاقتراح من وجهه نظرها كيف تساعده لكنه رفض.
لكنها حتى الآن ليست متأكدة أنها تريد الرحيل
هي ليست مهتمة جدًّا بطلب الانفصال منه و يكفيها الاراده لإنجاح هذا الزواج.. فاذا وجدت الحل وكيف ستثير أمورها بالتأكيد ستعطي فرصه ثانيه دون التفكير بالأمر! لكن مجرد امل وحيد تحتاجه؟ لكنه يخشى فعل اي أمر حتى لا ينكشف سره ومن جهه أخرى يخاف أن تجبر يوماً على الرحيل عنه أو أذية قلبه الذي لن يتحمل منها أمرًا كهذا!
إذن هل تستطيع بعد كل هذا أن تتنازل و ترتضي أنصاف مشاعر وردود أفعال لغيرة محتملة.. وهل أخطأت بالثورة التي قامت بها بعد معرفتها بالامر من البدايه و هجرانها إياه ليلا وجفائها معه نهارا! وانفصالهم كلا منهم بغرفه بعيد عن الاخر.. هو لا يظهر أي لين بأنه قد يبوح لها بأسرار ماضيه وحقيقة مشاعره وما ينتويه مستقبلا! لكن متاكده اذا أعطته الاشاره فقط سيتغير في غصن ثواني فهو يحتاج الى تلك الفرصه والدعم فقط ليشعر بوجود أحد جانبه.
أطلقت نفسا مرتجفا مستمره بالتفكير، الآن لا خيار لها إلا أن تعود كما السابق مع أسرتها و تتقبل كلام الآخرين.. ومن جهه اخرى لا تثق به 100% خاصة وأن له سوابق في الغدر و الخداع معها!
شعرت ضحي برغبة مضنية في النهوض من تلقاء نفسها والاندساس بجانبه على السرير بدون أي مقدمات كأنه لم يحدث شيء بينهما وتعيش لحظه واحده كأنهم زوجين طبيعيين.. فهو يتمنى ذلك بشده! وسوف يرحب.
هزت رأسها نافية بعنف سيكون من المهين لها أن تعود من تلقاء نفسها له وهي التي بدأت الأمر برمته وطلبت منه النوم في غرفه بعيد عنها وهو موافق دون إعتراض!.
مرت دقائق أخرى قبل أن تزيح الغطاء من فوقها وتعتدل جالسة تحسم الصراع المحتدم في داخلها وهي كلها رهبة.. ازدردت ريقها قبل أن تهمس ببؤس
= خليكي صريحه مع نفسك يا ضحى اهلك مش هيستقبلوكي زي الاول وانتٍ مطلقه ده إذا وافقوا على الطلاق اصلا! والله اعلم حتى لو قلت لهم اللي فيها هيقوليلي اطلبي الانفصال ولا اكمل؟ فخليها تيجي مني وافكر انا عايزه ايه!!.
تقطع قلبها على حالها فقد تمادت في إذلال نفسها والنيل من كرامتها بسبب المجتمع الظالم وتلك العادات والتقاليد التي جعلتها مقيده وليس امرأة حره، في زمن صعب المنال
فما كان منها إلا أن ملأت رئتيها بالهواء وزفرته في محاولة يائسة للسيطرة على مشاعرها وانفعالاتها البائسة..
لتفكر بجدية مجدداً لما لا تحاول حتى لو لمره واحده ان تقترب من منذر وتساعده للتغير؟ صحيح خدعها مره واحده لأجل مصلحته، لكن هو ليس شخص سيء جداً لهذه الدرجة و لديها يقين إذا استمع لنصيحتها فسيكون أفضل الأشخاص وكل تلك الأمور سوف تحل.. لكنه يحتاج إلى دعم وعزيمة فلما تبخل عليه ولا تعطيهم له وتنتظر النتيجه بالاخير وتفوز بها.
واذا أدت الى خساره فادحة يمكنها وقتها طلب الإنفصال بصدر رحب دونه الشعور بالذنب لانها قد قدمت كل ما لديها وحاولت معه.. حتى عندما تتذكر تلك الأيام بعد! تشعر بالسكينه وليس الندم على عدم محاولتها !!.
❈-❈-❈
في اليوم التالي، ظل الطفل مالك ينظر إلى والدته ببلاهة محاولة استيعاب ما قالته توًا، من اقتراحها الغير متوقع! عندما طلبت منه ان يرتدي ثيابه حتى يذهبون مع والده الى فسحه للخارج كلاهما مثل ما كان يريد و يتمنى.. سأل والدته عده مرات لا يستوعبها بعد
= بجد يا ماما هنخرج مع بابا ولا بتضحكي عليا .
هبطت علي ركبتها ثم حانت بوجهها بأمومة
قائله بحنان
= لا يا حبيبي طبعا مش بضحك عليك اتفقت مع بابا امبارح اننا هنخرج كلنا زي ما انت عاوز وهتتصور الصور اللي انت كنت عاوزها كمان معاه عشان تفرجها لاصحابك.. هاه مبسوط
ظل الطفل ثواني غير مصدق ثم صاح منفجر الأسارير
= مبسوط جدآ طبعا شكراً يا ماما هييييه.. هروح ألبس بسرعه قبل ما ترجعوا في كلامكم
سعدت بسمة بشدة باصطحاب معاذ لهم و تخصيص وقت لهما خاصة أخيراً، فلعل ذلك يعزز شيء من ثقة أبنها بنفسه فهو خجول ولا يندمج بسهولة مع الأطفال الآخرين.. كونه انطوائي ودائما يرى كل الاطفال حاولوا مقتربين من والدهم إلا هو، رغم أنه حي يرزق
و على ما يبدو أن اهتمامها وحده لا يصلح شيء و وجود الأب سيكون عامل جيد تلك الأيام القادمه ليعوضه.. فهي تتمنى بشده ان تعطي طفلها كل ما حرمت منه بحياتها وهي طفله صغيره .
انتهي طفلها بسرعه من ارتداء ملابسه وجلس ينتظر والده بحماس كبير، وهي كانت انتهت أيضاً.
تطلعت في الساعه لتجد باقي ربع ساعه فقط على المعاد المحدد بينهما ولم يأتي بعد، فقد أخبرها أنه سيذهب ليشتري شيء ويأتي بسرعه لكنه لم يأتي حتى الآن، هل من الممكن كان يخدعها بعد ان وعدها!!.
انكمش قلب بسمة لما فكرت به، فاذا حدث ذلك ستصيبها خيبه كبيره هي وطفلها! بعد ان تجهزوا في انتظاره، رغم يقينها أنه لا يفعلها بالتأكيد وسوف يأتي بعد قليل.. ولكن مجرد التفكير بذلك وأنه في كل مرة يثبت لها بانه شخص ليس يعتمد عليه يجعلها تضيق اكثر واكثر وتفقد الأمل في تغيره
نفضت بسمة عنها تلك الخواطر السلبية التي تنهش طاقتها وروحها بمجرد أن تفكر بأن لا يأتي زوجها ويصطحبهم للتنزه مثل ما وعدها أمس، ثم ادعت القوه والثبات وهي تقول لنفسها
= أكيد شويه وهيجي بلاش قلق على الفاضي يا بسمة، هو في كل العبر بس اكيد مش هيقدر يعمل فيا انا وابنه كده.
❈-❈-❈
انتظرت ضحي الصباح بفارغ الصبر كأنها ستبدأ حياتها من جديد كزوجه طبيعيه حتى لو كانت تحت التجربة! فبالنهايه اذا حاولت الانفصال حالياً لم تستطيع فلما لا تستغل هذه الفرصه وتجرب حظها معه؟ تحركت بنشاط لتغتسل فقد لديها الأمور الكثيره لتفعلها فمنذر ليس الشخص الذي سيتغير في أيام بسرعه وستبذل معه مجهود كبير! وتعطيه كل الحق فما بنوه أسرته في سنوات طويله لم تستطيع هدمه في أيام.
علي الجانب الآخر استيقظ منذر مبكراً حتى لا يتاخر على عمله، وسارعت الأخري تجلب منضدة صغيرة تضعها أمامه قبل أن تضع الصينية فوقها هاتفه بحماس وهي تمسك يديه وتضع العيش
= عملتلك الفطار! وشاي بلبن مش لبن بس عشان أخذت بالي انك مش بتحبه ولا ليك في القهوه.. قل لي صحيح قبل ما انسى هو انت بتحب الفاصوليا .
صوب نظراته إليها بدهشة يغمغم
= نعم! مش فاهم في ايه؟
عادت تسأله مهتمة وهي محدقة به بثبات
= بقول لك بتحب الفاصوليا ولا ما لكش فيها واعمل حاجه ثانيه على الغداء اصل انا لما سألتهم تحت لقيت بعضهم يعني مش عارف بتحب تاكل إيه وعشان كده قلت اسالك انت أحسن.
ظهرت الصدمه والحيرة عليه فدفعته ليأكل قائلة برجاء رقيق
= رد عليا وانت بتفطر عشان تلحق تاكل و والدك ما يتصلش بيك يستعجلك وتسيب الاكل وتنزل
عقد حاجبيه باستغراب قائلاً موضحاً
= استني بس ما هو انا مش متعود افطر ما كنتيش تعبتي نفسك .
صدح صوتها مجدداً تجذب يده للتذوق وهي تقول بلهفة
= ما انت هتتعود من اول النهارده هو انت نسيت كلامنا وقت الخطوبه ولا ايه قلت لك ما فيش اكل من بره، من بعد ما نتجوز يلا قول اللي نفسك فيه.. وما تقلقش انا هتصرف وابعته مع اي حد على الوكاله بتاعتك وهستناك على العشاء .
ضاقت عينيه يحاول يستوعب الامر وسبب تغيرها الغريب هذا ثم قوس حاجبيه مجيبا إياها بنزق
= مالك يا ضحى في ايه هو انتٍ عاوزه حاجه
أومأت له تقول وهي تحافظ على ابتسامتها الرقيقة
= عايزك تدوق الأكل وتقول لي رايك
لم يجد غير الاستسلام، وبمجرد أن تناول أول لقمة كانت مترقبة تسأله بإلحاح
= عجبك؟؟ و الملح مظبوط في الفول
زفر بضيق قبل أن يقول بغرابة منها
= كل حاجه كويسه شكرا.
هزت رأسها مبتسمة وهي تشبك أناملها بحماس قائله
= طب كويس يلا قول لي بقى ايه الاكل اللي انت بتحبه والمشروبات كمان وهحاول اعملها.. وما تنساش كمان تقول لي على التوابل يعني بتحب الشطه والملح زياده ولا قليل في الاكل
كان ينظر لها بملامح مبهمة وهو يراها تتحدث عن الملح ونكهات الطعام بشيء من الشجن، فأرخى نظراته يبتسم لأول مرة منذ زواجهما أو منذ فترة طويلة من الأساس تلك الابتسامة الرجولية النادرة التي تحلي محياه الوسيم! فقد اشعرته بذلك الشعور الذي كان يحارب و يتمناه للحظه واحده يشعر كأنه إنسان طبيعي بحق ويمارس حياته الروتينية التي كل شخص يعيشها بملل فكانت اقصى امنياته هو.. ابتلع ريقه وهو يقول
= اي حاجه مش هتفرق ما عدا يعني السمك وانتٍ عرفتي ان انا عندي حساسيه منه انا اصلا اي حاجه ممكن باكلها في الطبيعي و بحكم أن كنت باكل اكل من بره فما كنتش بعرف اتامر وأقول بحب ايه و ما احبش
ايه.
ابتسمت ابتسامة مشرقة وهي تقول له بدلال
= طب كويس دي لعبتي بقى، يعني كل حاجه هتاكلها معايا هتكون اول مره تجربها وكلها اسبوع وهتدمن اكلي
ضاقت نظرات منذر للغاية، واكفهر وجهه و
اتسعت عيناه ببريق رافض ثم أردف بجمود
= هو انا متشكر لكل تعبك واهتمامك وكل حاجه، بس يعني اسف ان انا بحبطك عشان لو بتعملي كده عشان تخليني اوافق اروح للدكتور فصدقيني هتكوني بتعملي كل ده على الفاضي.. عشان انا مش باجي بالطريقه دي يا ضحى
زمّت شفتيها بإحباط ويأس من حيلتها من عدم مجاراته في الحديث معها ثم قالت عابسة
=انا ما قلتش كده وقلت لك مش عاوزه حاجه ومش عارفه للمره الكم هقولها لك انا مش زي غيري! مش كل حاجه بعملها مستنيه منك مقابل
هز منذر رأسه بعدم مبالاة وعاد يأكل من أمامه دون أن يعطيها أي انتباه أو يتحدث معها،
فشعرت بأن هذا الذي أمامها هو أكثر رجل غامض قابلته بحياتها.. لا يمكن الوصول إليه ولا التكهن به بسهولة ينظر لكل شيء نظرة إحباط بدون أمل وكأن لا شيء في العالم يمكن أن يثير دهشته، انتظرته أن ينهي طعامه
بينما هي كانت تلاعب قطها، وحاولت لم يبدو عليها بأنها مهتمة لما قاله أو يفعله وهذا ما لاحظة وهذا ما كانت تريده الّا تسمعه أو حتى تتحدث معه كي يفهم تماماً بأن من أمامه ليس أي أحد بَل شَخصاً سيهتم بكل تفاصيله…ثم وجدت نفسها تتقدم لتجلس على المقعد المجاور لَه، وقالت متنهدة بحرج
= بعد ما تمشي هنقل حاجتك في الاوضه بتاعتي اللي جوه! قصدي اللي هتكون اوضتنا بعد كده
استشاطت نظراته نحوها بعد جملتها تلك. لكنه ضبط انفعالاته فاعتقد انها فعلت ذلك كنوع من العطف لأنه فاتحها بذلك الموضوع قبل ايام، رمش منذر بعينيه ليقول ببرود لها
= ما فيش داعي يا ضحى يعني ما فيش حاجه هتتغير سواء بنام هناك او هنا الوضع هو هو ولا ايه؟
تنهدت ببؤس وبسمة مريرة ترتسم على وجهها وهي تقول برجاء
= ممكن ما نفتحش الموضوع ده وبعدين انت هتنام معايا في اوضه واحده عشان ده مكانك الطبيعي مش انت برده جوزي وطبيعي تنام جنب مراتك..
أوشك على فتح شفتيه ليقول شيء ما، لكنها وضعت سبابتها على فمه في حركة جريئة ومفاجئة منها مكملة بتحذير
= يا ريت تنسي أي خلافات حصلت بينا، و تبص لمصلحتك الأول! خدي وقتك وفكر كويس! اذا كانت دي حياتنا اللي هنعيشها مع بعض يبقى نعيشها زي ما احنا عاوزين وبلاش كابه وحزن ملوش داعي ولا هيغير حاجه
فغر منذر شفتيه لا يصدق قربها ولا حديثها وارتجفت شفتيه بين يديها جعلتها تشعر بالخجل، تابعها بأنظار مترقبة حتى ابعدت يدها عن فمه قليلًا، وعاودت ضحي التحديق في منذر لتطالعه تلك المرة بنظرات مختلفة عن ذي قبل، بنظرات تحمل الاهتمام وكذلك الخوف والاطمئنان.. بالإضافة ظهرت تلك اللمحة الحزينة التي تكسو تعابيره فتوخز صدرها أكثر تجاهه.
ظل الآخر ليمعن في تفاصيلها، في تعبيرات وجهها الساكنة. رغم كل شيء فهي لا تزال متماسكة، صلبة تقاوم معه، ليرد عليها بجفاء
= وانا فاهم انتٍ عاوزه تعملي ايه وحتى لو نيتك كويسه برده ده مش هيفيد بحاجه، الكلام كويس بس الحلول عمرها ما كانت بالكلام يا ضحي
هزت رأسها برفض لترد عليه بهدوء جاد
=لا مش صح و الا مكانتش الكلمه الطيبه بقت صدقه في ديننا، و مكانش تم السماح دينيا بالكذب الا في حالة طيب الكلام من الزوج لزوجته و العكس و حالة الإصلاح بين المتخاصمين كمان، حق الزوجه تسمع طيب الكلام، مفيش حاجه اسمها الأفعال و كفاية. ما كلنا بنعمل واجباتنا ناحية بعض لما بنكون بنتقي ربنا في بعض! لكن ممكن نكون بنعملها واجب عشان فعلا نتقي ربنا.
ثم أضافت ضحي أيضا بجدية قائله
= و الست برده حقها تعرف الي جوه قلب زوجها ايه! وهو حاسس ناحيتها ايه و ان اي فعل محترم بيعمله، فده بيعمله عشان بيحبها مش عشان بس هو راجل محترم و في رجاله برده عاطفيين و بيبقوا محتاجين يسمعوا كلام حلو، صحيح هم مش كتير بس في رجاله كده. و حقهم برده لكن المعروف ان كل إنسان بيفرق معاهم جدا الكلام و بيغيرهم ١٨٠ درجه و بيرفعهم سابع سما و اصلا الرجاله قبل الجواز بيوقعوا الستات في حبهم بالكلام المعسول عشان عارفين كده و بعد الجواز بييجي الصمت. الكلام جزء لا يتجزأ من تأكيد المحبه عند المرأه و تجديدها
كان يسمعها غير مصدق وساوره الشك من تبدل طريقتها الباردة الفاترة وشبه متعجرفة، تكاد تخلو من أي ودية إلى أخرى مهتمة؟ ثم تحدث قائلاً باستهجان
= انتٍ عاوزه ايه يا ضحى مني بالظبط؟ وبلاش تقولي لي مش مستنيه مقابل منك عشان كلامك بيقول غير كده حتى افعالك
تحفزت قليلا بتوجس وهي تراه يحدجها بجمود مريب بينما قالت بهدوء محاوله تشتيت ذهنه
= بتخاف من ايه يا منذر ؟!.
استغرب سؤالها وخرج صوته مرتعشا وهو يهتف بها والحسرة والقهر في داخله يتفاقم
=من الوحدة، زي ما كنت بتكلم وعمال اقولك اني كنت مضـايق من اهلي في كذا وفي كذا، فأخاف في يوم ابقى كبير وهما مش حواليا واقول انا ليه كنت مضايق منهم اصلا، اللي هو ازاي هما مش موجودين معايا، مش الوحدة بس لا ده اني افقد حد بحبه مقدرش عليها مقدرش وخايف من ده جدآ
اهتزت حدقتي ضحي من كلامه دون أن تنحسر ملامحها وهي متأثرة ثم قالت بابتسامة باهتة
= حتى رغم كل اللي بيعملوا معاك في حياتك اختفائهم منها هيكون بالنسبه لك خوف ووجع
أشاح وجهه بعيد بنفور رغم ارتجاف عضلات جسده التي لا يزال واقع قليلا تحت تأثيرها الفاتن الآسر
= تصوري آه!. رغم اني اصلا وجودهم في حياتي محسسني بالوحده بس وحده عن وحده هتفرق اكيد
أسبلت عينيها نحوه وهي تجيب بنبرة هادئة لا تعكر صفوها شيء
= انت حياتك مش سوداء و وحشه أوي على فكره في حاجات برده حلوه ورزق مستنيك ممكن نبص عليه، ومش كل الرزق فلوس و عيال! الرزق في حاجات تانية زي الصحة، وراحة البال والسيرة الطيبة، والستر والرضا!
شعر بشعور سيء وحرقة من الخيبات
المرتبة جنباً إلى جنب، ثم قال ساخراً بألم
= مش قلت لك الكلام سهل! انا واحد قلبه مات يا ضحى…
صمت شاعراً بغصه في حلقه، ثم وضعت كفُها على كفه وبهمس متردد خاطبته
= اديني فرصة اكون سبب رجوعه.
اندهش من كلماتها الأخيرة، وهمس غير مصدق تطور الأمور معهم
=إيه؟
لم تتراجع عن كلماتها فقد حسمت أمرها بذلك الموضوع، لم تتخلى عنه ستحاول حتى لو مجرد فرصه واحده تساعده.
نظر لها وهو يشعر بأنه رجل تائه في هذا الأمر
يشعر انه تائه وضائع أيضاً، لكن لم يكذب الآن لقد عاد قلبه ينبض للحياة والفضل يرجع لها
حتى لو بنسبه قليله لا تذكر.. فهذا بالنسبه له يسمي إنجاز.
لم يستطيع منذر تفسير ماهي المشاعر التي هاجمته مِن كلماتها تلك لكنه هَلعَ مِن فكرة فقدانها.. و فرح نحو كلماتها و اعترافها بانها ستظل معه حتى وان قالتها بطريقه غير مباشره.
❈-❈-❈
في إحدى مقاهي المدينة حيث يمكن لزائريه التمتع بنكهة القهوة المميزة وبساطتها مع أجواء مريحة وهادئة.. كان يجلس معاذ مع اصدقائه يلهي معهم قليلاً باللعبه البلاي ستيشن مستمتع بالاجواء وكان اليوم يفوز على غير العاده وحظه جيد .
انتفض معاذ من فوق المقعد صائحا بحماس
= ألعب، عشان تعرفوا يا شويه قش ترهنوني وتقولوا ما بقيتش زي زمان يجي منك.. ده انا حظي نار النهارده
أردف صديقة قائلًا ببرود مستفز
= ما خلاص يا عم ما جتش يعني من مره ولا مرتين جت معاك كده بالحظ
مـد يده ليضعها على كتفه كنوع من الاستفزاز، ثم رد عليه بثقة جادة متعمدًا رمقه بنظرات استخفاف
= حظ! ده مجهود مش هتعرف تلعب زيه حاجه كده متعرفوش غير الناس الكبار و الحرفين في اللعب بس.. العب العب عشان ده آخر جيم وبعد كده هقوم
أجاب الآخر عليه بسخط متعمدًا الاستهزاء منه
=ايه خايف! ما تكمل عشان نشوف هتكمل معاك لحد الاخر ولا هو حظ بأول جيم وخلاص
رد معاذ عليه من بين أسنانه بنبرة عدوانية
= طب ما تقولش كلام انت مش قده انا اصلا كنت جاي اشتري شويه حاجات وماشي وبعد كده قابلتكم بالصدفه و انت فضلت تتحايل عليا العب جيم، لكن اكتر من كده لازم امشي مش ناقص بسمة تعمل لي صداع بعد ما وعدتها هخرجها هي وابنها النهارده
رد عليه الآخر بإصرار عنيد وهو يتهكم منه
= ما حبكتش يعني النهارده فوت وبعد كده
وديها يوم تاني.. ولا تكونش خايف من المدام
أوي كده
نظر له بقلق وهو يجيب بنبرة غير مريحة مُطلقًا
=انت عاوز بسمه تعلقني في الحاره عندنا ولا تقطعني في أكياس دي بقيلها اكثر من اربع سنين بتتحايل عليا نخرج كلنا ويوم ما اوافق واعشمها اقول لها لا وما جيش.. دي زمانها عشمت الواد هو كمان ولابسين وقاعدين مستنيين
قبض معاذ على أزرار الدرع بأصابعه الغليظة بحسرة، وهو يضيف بضيق
= مع أن حظي النهارده نار على غير العاده ومش قادر ونفسي اكمل بس هقول ايه حكم القوي والحاجات دي بتيجي مره ولا مرتين بالصدفه
تشكل على ثغر صديقة ابتسامة مراوغة ثم تحدث هاتفًا بنبرة خبيثة
= يا سيدي ما هي في الحالتين هتنكد عليك ومش لازم تقول لها اعمل اكن التليفون فصل منك ولا طلع حرامي عليك سرقه وانت اتلخمت معاه ولا يا سيدي واحد فينا تعب و انت كنت لازم تكون جنبه ونسيت تقول لها ..
في 100 حجه يعني ممكن تقولها لها وتعدي عليها وثاني يوم على طول ابقى وديها وهي هتنسى
صمت معاذ محدجًا إياه بنظرات مقلقة قبل أن يردف بتردد
= يا عم ما تكبرهاش في دماغي بقى انا بتلكك أصلا، اصلك مش عارف بسمه لما بتتفتح مش بتخلص وهتقعد تطلعلي القديم والجديد
قنبله نكد مش بتخلص
نظر صديقة له مبتسمًا بسخافة، وهو يعلق بمكر عابث
= انت هتقول لنا ما احنا عارفين كويس النكد بتاعهم على العموم انت حر، خلينا احنا نكمل بقى لعب ممكن الحظ بتاعنا يعلى زيك.. العب مش قلتلك اديني كسبت شكله كده كان حظ وراح لحاله
أشعل حنقه نحوه أكثر بطريقته في استعراض قوته الزائفة، فبادله نظرات نارية بتحدي وهو يردف بحقد
= هو انت مسكت في الكلمه انا بكسب بمجهودي مش حظوظ وعشان اثبتلك كلامي هلعبك جيم واحد ثاني.. بس هو واحد ما فيش غيره وبعد كده سيبوني اروح ومحدش يمسك فيا، فاهمين .
❈-❈-❈
لاحقًا، وصل منذر إلى الوكاله مؤكدًا على العاملين بطلبات اليوم، فقد أراد أن يسير كل شيء على نظام جيد حتى تظل سمعتهم جيده بالسوق! وبالطبع لم يدخر وسعه هو أيضاً في صنع وترتيب المواد اللازمة.
خرج منذر قليل إلي الخارج وكان في ذلك الأثناء يمر السيد متولي حماه السابق! تفاجأ به ومع ذلك أبتسم منذر قائلاً بود
= السلام عليكم ازيك يا حج متولي أخبارك إيه.
أظلمت نظرات متولي واشتدت قتامته حينما رأى غريمه يقف قبالته ليطالعه بطريقة مقززة حيث أغاظه تعامل الآخر معه كأنه لم يفعل شيء يخجل منه كونه لا يسأل عن طفله ابدأ! أطلق سبابه النابي باحتقار، ثم صاح قائلًا بجفاء
= أهلا بنسايب الهم والندامة! الناس بقى ما عندهاش دم! قله أدب بصحيح
تلاشت ابتسامته وهو يراقب رحيل الآخر ثم
هز رأسه بيأس بعد أن ألتفت ليعود إلى الوكاله
مره اخرى.
لكن توقف عندما سماع هتاف باسمه من الخلف ليلتفت فوجد صبي من عمال الوكاله لدي يعطي عمود طعام وهو يخبره أنه من طرف زوجته، تفاجأ رغم أنها أخبرته بذلك قبل ان يذهب للعمل في الصباح لكن لم يتوقع بانها كانت تتحدث بجدية.
تجمدت عيناه علي عمود الطعام بيده محاولًا سبر أغوار عقل ضحي! أصبحت دومًا تفاجئه بتهورها بقرارات عجيبة تصدمه ولا يفهم ما تريد بالضبط؟ قبل مده كانت تتشاجر معه وغاضبة منه بشده أم الآن تهتم به.
ما الذي تنوي فعله بالضبط او تخطط لاجله لا يعرف حقا، رغم أنه سيكون الجزء الأكثر مكسب من ذلك التغير المفاجئ لكن بنفس الوقت يشعر بالقلق من القادم فلم يعد العمر يتسع لمزيداً من الأشخاص الخطأ
دلف للداخل وهو يراقب جيدًا الطعام وهو يخرجه من العمود وجاهد ليسيطر على مشاعره الحماسية حينما تتلألأت حدقتيه بنظرات مشرقة، فلم يصدق بأنه حقا يعيش تلك اللحظات التي كان يتمناها وفقد الامل أن يعيش هذه الأمور بحوذت شخص ما يهتم به.
وكان أحلامه أيضا حول تلك الأمور مختلفة كليًا، فقد تمني أن يعيش حياه زوجيه عادية ويكون جالسًا بزهو في منزله ومن حوله تجلس زوجته واطفاله والكل ينفذ شروطه بطاعه وثقة دون أن يشعر بضعف شخصيته، لكن تبددت أوهامه ولمعت عيناه تأثرًا، فليس كل ما يتمنى المرء يحدث مع الأسف.. لكن يكفي بأنه يعيش ولو جزء صغير من تلك الأحلام الآن ولا يحلم باكثر من ذلك.
❈-❈-❈
أعـادت ديمة وضع البرواز على سطح مكتبه الكتب بعد أن اصلحته بنفسها لتكفر عن خطأها الفادح، بينما هو كان يجلس في الخلف أسند آدم بجسده علي مقعد مكتبه ليحدق في صورة زوجته السابقة ثم رفع عيناه لينظر إليها عن كثب وهي طالعته النظرات بوجه بريء و متاسفة عما بدر منها.
سحب مقعده بيده و نهض! ثم تقدم ليقف أمـام ذلك البرواز الزجاجية بجسده الشامخ وهيبته التي لا تليق إلا بـه ثم عقد ذراعيه أمام صدره، خفق قلب ديمة بقوة و سـألته بتلهف وهي تطالعه بنظرات محذرة
= عجبك البرواز ولا تحب اغيره؟ ويا ترى هيشفع غلطتي وسامحتني ولا لاء.
نظر لها بهدوء ثم أشعل سيجارته ليدخنها مرددا بجدية
= ما حصلش حاجه أصلا عشان ازعل منك يا ديمه بس جميل تسلم إيدك، وما كانش في داعي حتى تتعبي نفسك انا كنت هصلحه بعد يومين
تنهدت في إرتيـاح لان لم يكن غاضب منها، ثم هزت رأسها نافية مجيبة إياه بخفوت
= دي غلطتي وانا اللي كان لازم اتكلف بيها، المهم ما تزعلش مني خصوصا يعني انا عارفه الصوره دي اكيد هتكون مهمه عندك قد ايه وربنا يرحمها
شعرت بالانزعاج عند آخر كلماتها، وأدارت رأسها في إتجاه آدم ورمقته بنظرات مطولة متأملة فيه ملامح وجهه المرتخية و إبتسـامته البسيطة، ثم ابتسمت له إبتسامة باهتة وهي تضيف وســألته بتثاقل
= هو انتم اتجوزته عن حب؟!.
عقد حاجيبة باستغراب من سؤالها لكنه أجاب مرددا باختصار
= لا كان جواز صالونات.
هتفت ديمة بحماس وهي تشير بيدها بلا وعي
= بجد! قصدي يعني وقت الغداء قرب مش هتعلمني بقى زي ما اتفقنا .
ضغط على شفتيه ليقول بهدوء جاد
= تمام وانا لسه عند وعدي وهنعمل النهارده
مكرونه نجرسكو كمان.. عينيك لمعت كده ليه وانا بقولها شكلك بتحبيها
هزت رأسها بشغف وهتفت بنبرة ناعمة
= الصراحه آه ومتحمسه أكلها من ايدك بالذات! أصل حضرتك بتعمل أكل جميل أوي خصوصا الكفته بالبطاطس اللي عملتها المره اللي فاتت، كانت روعه .
هز رأسه مبتسماً وهو يرمقها بنظرات ممتنة ثم دنا آدم منها واحنى رأسه يقدم لها قطعه من الشوكولاتة الموجوده فوق مكتبه، أخفضت رأسها تجاه يده الممدوده بابتسامة طفيفة خجوله ثم رفعت أناملها و أخذتها منه حقا تحب تلك الأمور والاهتمامات الصغيره منه بشغف فظيع كونها تفتقد إياها في حياتها السابقه، جابت بعينيها بنظرات خاطفة نحو ذلك الواقف أمامها بإعجاب كبير خفي.
❈-❈-❈
بعد منتصف الليل، أغمضت بسمة عينيها وقلبها يتمزق من فرط ألمها بينما قد يئست من محاولات الاتصال على زوجها دون فائدة وعلى الجانب الآخر نام طفلها بعد معاناه طويله من البكاء بحرقة وهي لا تصدق ما فعله زوجها بها، لكن هي الغبيه التي صدقته وهي تعرف جيد بأنها تتعامل مع طفل وليس رجل مسؤول عن كلمته.
بعد دقائق لاحظت دخول معاذ أخيرا وهو متردد وكان ينظر هنا وهناك بتوجس وتفاجا بها ما زالت مستيقظه! ابتلع ريقه برهبة وهو يتقدم نحوها وداخله يعلم جيد بأن هذا اليوم لم يمر مرور الكرام ابدأ .. هتف بهدوء زائف
= ياسو! حبيبتي انتٍ لسه صاحيه ما نمتيش ليه؟ بصي انا عارفه ان انتٍ متضايقه وحقك بس اسمعيني الاول اصل ما تعرفيش انا حصل لي ايه واللي حصل ده غصب عني هو انا برده هكون قاصد ما اجيلكيش انتٍ وابنك وانا عارف ان انتم مستنيني
نظرت إليه نظرات غير مقروءه لكن الآخر أدرك أن موجة الغضب التي تجتاحها خرجت عن نطاق سيطرتها حين انتفضت واقفة تثور عليه بسخط
= لا تصدق ظلـمتك فعلاً كانت رايحه من بالي حكاية انك هتكون عارف ان احنا محتاجين ليك ومش هتيجي، قولي يا معاذ هو انت بجد شايف نفسك اب ولا زوج حتي
هتف معاذ بها باستنكار
= ايوه طبعا شايف نفسي اب واب كويس كمان.. ومعنديش حاجه اهم منك ومن ابننا
علي ذكر سيرة ابنهم وقد طفح الكيل بها
فانفجرت تسدد له كم من التهم والتي كانت
تتغاضي عنها وبصوتها العالي قالت له بانفعال
= والله؟! هو انت فاكر لما تيجي اخر اليوم تطبطب ولا تلعب كده خلاص انت بقيت اب مثالي؟ طب تعالي بقى بتكون فين موجود وقت ما يتعب ولا يحتاج ياكل ويغير ولا عنده مذاكره؟ ولما يطلبوا ولي امره في المدرسه عشان مشكله حصلت انا اللي بروح مش انت.. وطبعا مش محتاجه اتكلم على المصاريف! ده انت حتى ما بتطبطبش ولا بتلعب مجرد خمس دقائق معاه وتمشي زي بقيت الابهات اللي مفكره نفسها بتقضي واجبها وتريح ضميرها وخلاص.. عايز تقول علي نفسك اب فعلا يبقي تعالي شيل مهو اصلوا مش بالكلام
ضربت الأرض بقدمها بقوة وهي تضيف به تفرغ كل حنقها الذي تشع به تجاهه
= وجاي بكل ثقة تقول ابننا؟ ابننا اللي مبتشوفوش غير وهو نائم ابننا اللي بتحضر عيد ميلاده بالعافية! ده لو تعب أنا إللي بجري بيه انا وامك و لو احتاج لبس أخرج بيه برضه.
طب قولي بذمتك انت تعرف مدرسة ابنك فين؟ انت متعرفش عن ابنك حاجة خالص.
رمشت بعينيها بحزن على طفلها وهي تتابع بنبرة متشحة بالمرارة والقهر
= ده ربنا وحده اللي عالم انا سكت ابنك ازاي بالعافيه بعد ما كان قاعد متعشم ومستنيك وما فيش حاجه نقذتني الا انه تعب ونام لوحده، ويا حبيبي كل ما ادخل ابص عليه الاقيه بيعيط حتى وهو نايم! وانا كل اللي نازل عليا.. ما تخافش يا حبيبي ابوك وعدنا وطالما قال الكلمه هينفذها رغم ان انا ما شفتش منك حاجه تدل على كده بس اهو بعشم نفسي أنا وابنك وخلاص..
رفع عيناه بعيداً رغم توتره الداخلي ثم قال بارتباك وبملامح هادئة
= طب خلاص مش لازم المواشح بتاع كل يوم انا حصل ظرف غصب عني بجد عشان كده ما جيتش، وما تتضايقش كده انتٍ وابنك بكره ان شاء الله هوديكم.. واذا كان على ابنك اول ما يعرف ان هوديه بكره هينسى كل حاجه وانا هعرف اصالحه
غامت عينا بسمة بحقد عليه وهي تقترب منه تقول بغل من بين أسنانها
= طب تنكر ان انت كنت قاعد مع اصحابك وطنشتني وما ردتش على تليفوناتي قاصد
هو انت فاكرني هبله ولا مش فاهماك عيب يا معاذ ده انت عشره اسوء خمس سنين في حياتي بدفع ثمنهم
فغر شفتيه لا يصدق اخر كلماتها وهي تنعي سنوات زواجهم بالتعاسه! اهتزت حدقتي معاذ أثر كلامها وهو يشعر أنها تبالغ بالامر قليلاً فهو لم يقصد كل ذلك أبدا وكان بالفعل سيأتي لولا مر الوقت دون أن ينتبه له، و بالنهايه شعر بالضيق من نفسه مثلها واكثر عندما وجد الوقت مر بسرعه دون أن يشعر به، وقد وعد نفسه وهو قادم بأنه سيخرجهم غداً وقد أعتقد عندما يخبرهم بذلك سينتهي الموقف.
نظرت له زوجته نظره عدم رضا قبل ان تلتفت وترحل وهي تشعر بعدم الفائده منه بأي شئ ولم يمكنه ان يتغير ابدأ ومهماً فعلت يعدها الى نقطه الصفر من جديد.
❈-❈-❈
في البناية القاطنة بها ديمة، صف عمها السيارة بجوار المدخل ثم ترجل منها ولج إلى الداخل صاعداً على الدرج فهو أحياناً يأتي إلى هنا بسبب عمله وقد وجدها فرصه مناسبه ليرى أبناء أخوه المتوفي رغم المشاكل التي بينهما فلم يكلفه أمر السؤال عنها شئ.. خصوصاً أنه يعرف أن الأخت الصغيره تقيم بمفردها و عندما صعد ظل يطرق الباب عده مرات ولم تجيب أعتقد أنها ربما تكون قد ذهبت إلي جامعتها الآن و خاب أماله بعد أن دق الباب لمرات عديدة دون جدوى.
انحنى برأسه على الباب ليستمع إلى الصوت القادم من الداخل لكن لا شيء فقط صمت رهيب تتخلله حركة الهواء اعتدل في وقفته، وتلفت حوله بحيرة، ثم هز كتفه بعدم مبالاة فقد فعل ما عليه التفت ليهبط السلالم مجدداً
ليعود إلى البلد وعندما وصل الى الدور الأسفل
تفاجيء بخروج إبنه أخو من ذلك المنزل.. و تجمدت أنظاره عليها يستوعب ما رآه !
رمقها بعينه بقسوة مهددة بعد أن ظن أنها على علاقة بذلك الرجل الغريب الذي يسكن هنا فهو يعلم جيد أن من يقيم هنا رجلا يجلس بمفرده وهو بالأساس يشك في تلك العائله دون مبررات، ضاقت نظراته للغاية وتحول وجهه للإحتقان، و دون مقدمات صفعها بقوة أعلي وجنتيها!
قفز قلب ديمة في قدميها هلعاً حينما رأته أمامها يضربها وهتفت بلا وعي
=عمي كامل!
زاد تجهم تعابيرها المنزعجة، وتمتم من بين شفتيه بسخط
= يا فاجره كنت متاكد أنك دايره على حل شعرك لوحدك هنا، بتعملي إيه في بيت راجل عايش لوحده يا بنت الـ**
جفل جسدها بإرتعاشة قوية وتراجعت للخلف خوفاً من بعد أن أصابها سوء، ارتجفت شفتاها وهي ترد بخوف
= عمي كامل! ما تفهمش غلط انا كنت عند جوزي
رفع عينيه نحوها وحدجها بنظرات نارية مميتة صارخ بها بقسوة شديدة اللهجة
= كمان يا واطيه اتجوزتي من ورانا ده انتٍ عيارك فلت علي الآخر! عشان كده ما كنتيش عاوزه تيجي تقعدي معانا عشان تبقي لوحدك وتعملي اللي على مزاجك.
❈-❈-❈
طلبت مايسة نزول كلا من ضحى وبسمة ازواج أبناءها حتى يساعدوها في تجهيز الطعام مثل كل يوم، وهذه المره كانت بسمه الأكثر ارتياح قليلاً فقد جاءت كنه تساعدها و تخفف عنها الاحمال.. رغم اغتاظها من أسلوب حماتها المستفز في التصرف بوقاحة معاهم وعدم احترام خصوصية أحد منهما ابدأ وتعلم جيد بأن تكون حجتها يصنعون الطعام هنا لأجل تناول الجميع مع بعضهما البعض لكنها تجدها حجه حتى يفعلون لها باقي أعمال المنزل.
وبالطبع لم تصمت مايسة عن طلبها بأمر ترتيب المنزل وتجهيزه لاستقبال الأب والابناء ليكون نظيفه ومرتب، ورغم الجهد الذي كانت تبذل إياه ضحي لكن لم تعترض او ترفض و فعلت كل شئ عكس بسمة التي اكتفت بفعل الطعام من بعيد و تحججت بباقي الأعمال عن فعلها.
بعد لحظات كانت تقف ضحى تساعد بسمه في تحضير الطعام وهذه المره كانت تصنع الطعام المحبب الى منذر مخصوص مثل المره السابقه! تطلعت أمامها بشرود وهي تفكر في أمور علاقتها مع زوجها وكيف ستسير الامور مع الأيام القادمه حتى تقنعه بالذهاب الى الطبيب والتخلي عن الأفكار العقيده، بينما بنفس الوقت لا تريد فرض نفسها عليه.
تنهدت مرهقة من كثرة التفكير، فاستندت برأسها على مرفقها مغمضة جفنيها للحظات.
حتى أتاها صوت بسمة قائله بعطف
= تعبتي مش كده ما انتٍ طول ما بتقولي حاضر ونعم على كل حاجه هتسوق فيها
احنا مش مضطرين نعمل كده ولا نخدمها يا ضحي و كفايه علينا بيوتنا.. ده غير ان احنا مش ملزمين لكده أصلا
هبت من مقعدها واقفة لتلتفت نحوها، ثم ارتسم على ثغرها ابتسامة رضا وهي تقول
= لا انا الحمدلله كويس، معلش ربنا يقوينا و هي برده ست كبيره اكيد مش هتعمل كل ده لوحدها، غير أن عاجبني أوي حكايه ان كلنا ناكل مع بعض عشان نحافظ على ترابط الأسرة
ارتفع حاجباها للأعلى وهي ترد باندهاش كبير
= باين عليكي طيبه وغلبانه يا ضحى والكلام ده ما بيمشيش معانا في الدنيا دي ولا في البيت ده بالذات! على العموم انتٍ حره انا قلت انصحك.. بس جدعه انك بتهتمي بمنذر اصل ده يعيني على طول كده ذي إللي مركون على الرف ومحدش بيهتم بيه.
رمشت بعينيها بحرج بعد أن وقفت أمامها ثم سألتها باهتمام
= هو انا لاحظت ده أكيد بس اللي مش فاهماه؟ ليه بيعملوا معاه كده هو مش برده ابنهم المفروض يهتموا بي ويخافوا عليه.. انا لو لقيت بيعملوا كده مع جوزك كمان هقول ماشي ده طبعهم.. انما هم مش بيعملوا كده إلا مع منذر وكمان بحس انهم قاصدين كل حاجه وحشه بيعملوها مع منذر
مطت بسمة فمها للجانب هاتفه
= بكره تتعودي علي الحوارات دي وهتلاقي منها كتير هنا، انما هم ليه كده ما اعرف لهمش سبب محدد.. خليكي انتٍ بس جنب جوزك ممكن ربنا بعتك لي نجده ومنذر طيب و غلبان وانا لسه قايله ليكٍ الصفات دي ما تنفعش في البيت ده
ابتسمت مستسلمة وهي تحرك رأسها بالايجاب بينما أخفضت بسمة نظراتها نحوها وابتسمت لها قائله بتردد
= بقول لك ايه يا ضحى هو انا ممكن اطلب منك طلب ويكون سر ما بينا؟ هو انتٍ ينفع تخلي عندك مالك شويه لحد ما اروح مشوار واجي ولو حد سالك عليا قولي لهم انها راحت تشوف ابوها
هزت رأسها علي الفور بالموافقه ثم ربتت على ظهرها هاتفة بلطف
= تمام ما فيش مشكله حتى عادي لو منذر جي بدري مش بيتضايق منه خالص، وانا اخذت بالي انه طيب وبيحب الاطفال أوي خصوصاً مالك.. بس هو انتٍ لو قلت لهم انك رايحه تزوري والدك هيرفضوا ولا حاجه
كادت أن تعترض على ذلك وتخبرها أن منذر لا يفعل ذلك مع ابنه الحقيقي لكن تراجعت، ثم حركت رأسها بالنفي قائلة بضجر
=لا مش حكايه حد يرفض بس بيضايقوا ان انا كل شويه راحه جايه عندهم، وبيتضايقوا اكتر ان بسيب الولد هنا وما حدش بيهتم بيه ! عشان كده هو بيفضل يزن انه عاوزني فهمتك معاه بقي تحاولي تشغليه
ثم لوت شفتاها وهي تتابع قائلة بسخرية
= احسن طنط مايسه بتبقى طايقة نفسها بالعافيه و مش طايقه دوشه عيال جنبها.. إلا معاذ طبعا لو ربنا سخطه ورجع طفل تاني هيبقى على قلبها زي العسل
حدقت ضحي بغرابة في وجهها، لم تعرف لماذا تتحدث عنها هكذا فقد كانت مدهشة بما يحدث حولها لأول مرة، ثم هتفت بجدية
= هو انا ليه ملاحظه انتوا الاتنين بتحبوا بعض أوي بزياده! هو انا فاهماكي يا بسمه و اكيد انتٍ شلتي اكتر مني لوحدك عشان انتٍ اقدم.. و اكيد لو حاولتي تشتكي مش هيكون في صفك
جمدت الأخري أنظارها عليها بعدم اقتناع، و تابعت ضحي قائلة بتوضيح جاد
= بس هو عامة مفيش راجل ممكن يطلع مامته غلطانه ولو طلعها غلطانه قدامك هتنهز كرامته وكرامه اهله فنستحمل بعض شويه عدي مش كل حاجه تستاهل، قولي حاضر نعم واللي بيضايقك ما ترديش عليه الطناش والتجاهل نص نجاح الجواز
تبدلت سريعًا ملامح بسمة للابتسامات بتعجب وهي ترد قائله بلوم
= الله، طلعتي قروبه أهو وانا اللي فكرتك طيبه بس مين يسمع بقى هو انا إللي معيشني هنا لحد دلوقتي غير أني باخدهم على قد عقلهم قصر الكلام أروح أنا بقي الحق مشواري قبل ما حد ياخد باله سلام.
❈-❈-❈
بعد مرور ساعات، ذهبت بسمه إلي الجامعه كالعادة في السر وتلك المره تركت طفلها مع ضحي التي رحبت بشده ولم تمانع فلم تنكر بأنها من الواضح شخصية جيدة وسوف تساعدها مع الوقت كثيرا، وفي ذلك الأثناء أقترب منها نفس الشخص الذي جاء مؤخراً يستعين منها الكشكول لينقل المحاضرات الفائته منه! والذي أيضاً قد أعجب بشخصها، أبتسم باتساع وهو يقول
= ازيك يا آنسه بسمه اخبارك ايه.
رفعت عيناها لتنظر إليه بثبات، ثم ردت عليه بهدوء
= تمام الحمد لله .
تحرك بؤبؤيه نحو وجـهها فرأها تتحرك خطوه تستعد للرحيل متوترة نوعا ما، عقد حاجبيه باستغراب وهو يقول بسرعه
= ثانيه واحده بس، انتٍ مستعجله علي ايه؟ أنا كنت عاوز منك الكشكول بتاعك عشان أنقل المحاضره اللي فاتت
فكرت أن تعطي الدفتر له! لكنها تراجعت سريعًا عما كانت تنوي التفكير فيه حتى لا يجدها بعد ذلك حجه وكل يوم يطلبه منها وهي لا تريد صنع أي صداقه هنا، وهتفت بتلعثم
= لا ما انا ما جيتش برده، المره اللي فاتت ذيك شوف حد غيري هتلاقي كتير عن إذن حضرتك عشان بس مستعجله .
أكملت خطـاها في اتجاه بعيد عنه والذي بدأ مصدوم لرؤيتها تتجاهله هكذا دون مبرر.
فكانت تكذب عليه! رغم أن المحاضرات معها ولقد حضرت الأسبوع الفائت لكن رغم ذلك رغبت بان تقطع أي اتصال بينهما حتى وإن كان في حدود الزماله، فهي تؤمن بان تلك الأمور تبدأ على ذلك النحو وبعد ذلك تتطور الى محور الخطر، وهي لا تريد ذلك بالتأكيد..
❈-❈-❈
وسط تلك الظلمة الحالكة بالمنزل إلا أنها لم تخشَ البقاء بمفردها حتى لو كان رفيقها في تلك الظلمات الزواحف التي تهابها وسط أحزانها ودموعها، فتح آدم باب المنزل ودفعه بإنهاك ليتمكن من الولوج، سار بخطى حذر بين عفش المنزل الموجود بالزاوية على الأرضية ليصل إلى الإنارة ليرى ديمة جالسة فوق الأريكة بهدوء، أتاها صوته الخشن قائلاً بجدية
= ازيك يا ديمة عامله ايه، اتغديتي ولا لسه
نهضت هي بخوف ولم يلاحظ وجهها المتورم ولا دموعها، ثم أجابته بصوت مرتجف
= هاه لا ما ليش نفس انا هدخل انام احسن تصبح على خير .
نظر آدم إليها بصدمة وإلي وجهها، وعندما لاحظت ذلك أخفضت رأسها بسرعه ليتقدم وامسك وجهها بيده ورفعه تجاه وقال بنبرة غضب غريبة ارعبتها هي شخصياً
= استني هنا مين اللي عمل فيكي كده !!!
ابتلعت غصة عالقة في حلقها ولم تجيب لكنها بكت في صمت وهي تتذكر إهانات عمها اللاذعة لها، وقبل أن ترد عليه هدر بعصبية قاسية
= ديمة انطقي بقول لك مين اللي عمل فيكي كده هو حد جالك ولا انتٍ خرجتي ولا ايه اللي حصل بالضبط
بأصابع مرتجفة أبعدت يده ببطء وتنفست بعمق لتضبط أنفاسها وكفكفت عبراتها بيدها قبل أن ترد بصوت مختنق
= عمي كامل جالي هنا وشافني وانا خارجه من الشقه بتاعتك وضربني عشان ما كانش يعرف ان احنا متجوزين، ولما قلت له ما تصدقنيش بالأول وقعد يقول عليا كلام وحش لحد ما بالعافيه دخلت وجبتله قسيمه الجواز وساعتها زعقلي جامد عشان معرفناهوش حاجه زي كده ومشي وسابني .
نظر آدم لها بوعيد شرس، ثم هتف قائلاً بصراخ حاد
= أياً كان مين اللي عمل كدة أنا هطلع عين اللي جابوه، كان لازم طالما عرف الحقيقه يستناني ولا يتاسفلك على القرف اللي عمله مش اول ما يشوفك يضربك على طول وكمان في بيتي!.
ابتلعت ريقها ثم توسلته قائلة بصوت متقطع
= اونكل آدم ربنا يخليك خلاص وأنا يومين و وشي هيروق وهبقى بخير، وبعدين هو برده معذور كان يعرف منين بس أن احنا اتجوزنا صحيح، الله يسامحها ابله رانيا هي اللي ما رضيتش تقوله
ضيق نظراته نحوها، ورد عليها بغلظة غير مكترث بعنادها
= انتٍ بتقولي ايه! انتٍ حد ضاربك وعاوزة تسكتي؟ هو انتٍ فاكره الموضوع لحد هنا خلص ده مش بعيد يعملها ثالث ورابع طالما سكتنا، الكلام ده لو ما كنتيش على ذمتي و مش لاقيه اللي يجيبلك حقك.. واخواتك على كده اتصلتي بيها وعرفتيهم اللي حصل ولا لسه
لانت ورقت نظرات ديمة وكادت أن تمطر دموعها بضعف أكثر فرده فعل آدم تجاهها و ما واجهته قبل قليل كانت أجمل شيء مر عليها في تلك اللحظات القاسيه من كل ما مرت به..
تاه صوتها وهي تكتم شهقاتها لكنها قالت بنبرة مجروحة
= مالوش لازمة أنا هكون كويسة، واذا كان على الإتصال باخواتي مش هيفرق بحاجه هم كده كده داخلين على اكتر من شهر وما حدش اتصل! ومعنى كده ان انا ما بقتش فارقه معاهم ولا مع اهلي كلهم.
أزاحت عبراتها العالقة بأهدابها واختنق صوتها أكثر وتعالت شهقاتها المهزومة معلنة عن إنهيارها الوشيك.. بينما كور قبضة يده ضاغطاً على أصابع يده بقوة أزعجه حديثها البائس بضعف خاصة أنها مرت قبل ذلك بحالة من الإنتكاسة النفسية تلك، وما جعله يشعر بالضيق أكثر انفصال اخواتها عنها للمره الثانيه وهي كانت تخبره سابقاً بان العلاقه بينهما جيده، لذلك حسم أمره بذلك الموضوع، و تابعها بنظرات ثابتة دون أن تطرف عيناه ورد عليها بصوته المتصلب الذي يحمل القوة
= الكلام ده لما تكوني لسه عايشة لوحدك! انما انتٍ فارقه معايا كتير يا ديمة وحقك هجيبهلك
النهارده قبل بكره.
إحساسها بالضياع تناقص نوعاً ما فقد وجدت ملاذاً لها يخصها هي فقط لذا لم تتردد في الإستماع والخضوع له! فهو ملجأها الحالي.
❈-❈-❈
ظلت ضحي مستيقظه في انتظار منذر فقد تأخر اليوم بالعمل ورغم أنه اخبارها بذلك التأخير لكنها لم تنام حتي تطمئن عليه ويعود بخير سالم، ومن جهه اخرى تريد ان تري رده فعله بعد ان نقلت كل مستلزماته الى غرفتها ليقيموا في غرفه واحده!
استمعت الي صوت خطوات بالقرب من باب
الغرفة لتسرع الي الطرف الآخر من الفراش
تتسطح وتلقي عليها الغطاء، دلف منذر الي الداخل و اغلق الباب خلفه و نظر اليها و هي تتسطح توالي اليه ظهرها، اقترب من الفراش و جلس علي طرفه الاخر والقي نظراته نحوها و هو يجد شعرها متناثراً علي الوسادة
أبتسم وهو ينظر اليها قليلاً قبل ان يقف ليبدل ملابسه بالمرحاض فتحت عينها حين استمعت الي صوت باب المرحاض مررت يدها علي وجهها و قد تلفت اعصابها و حاولت ان تنام قبل ان يخرج و بالفعل أغمضت عينيها و حاولت النوم ولكنها لم تغفو حتي عاد منذر.
اقترب يتسطح علي الفراش الي جوارها مقرباً
نفسها منها و لكنه شعر بها تبتعد قليلاً علم انها
مستيقظة لـ يضع يده خلف رأسه و نظر الي
الاعلي قائلاً
= ولما انتٍ خايفه أوي كده نقلتي الحاجه هنا ليه، مش هاكلك متتحركيش بدل ما تقعي
تجمد جسدها دون حركة حين كشفها و انها
لازالت مستيقظة التفتت اليه برأسها و هي
ترد بتوتر
= لا عادي مش خايفه انا بس مش متعوده انام جنب حد، تحب اقوم احطلك تاكل.
هز رأسه برفض لكن لاحظ هو إرتباكها الشديد منه، وظل معلقًا أبصاره عليها على الرغم من ابتعاده لكنه لم يتمكن من النوم علي الفور وهو يأبى سلطان النوم أن يرحمه من عذابه و يمنحه بعض الراحة فقط بعض الراحة ايطلب المستحيل نعم مؤكداً يطلب المستحيل فلا
راحة له.
التفت بوجهه جانب ليجدها ترمقه بنظرات متوسله دعوه صريحه منها أن يغوص معها بين تلك الأمواج التي تسكنه ويتركها تساعده!
بسط يده وامسك بيدها وسحبها يقربها عليه.. اصطدمت بجسده أرادت أن تتحدث لم تجد صوتها لقد هرب منها للتو وتخلي عنها.. مازال يستشعر توترها المتخاذل فى قربه.. دنى منها أكثر يشم عبيرها الآخاذ.. يدغدغ اوصالها بانفاسه الحارقه التى تضرب عنقها بلا رحمه.. ارتجفت بين يديه.. وبدون مقدمات فعل اكثر شيء كان محروم منه و وجده بين يدها! وهو الحنان والاحتواء.
احتضنها بقوة شديدة، بينما تجمدت بين يديه ثم هتف منذر قائلاً بصوت هاديء
= تحبي أبعد؟
صمتت بتفكير ثم بدون حديث لفت ذراعها حول خصره واستندت بالأخرى على صدره لكنها تحاشت النظر إلى وجهه وحدقت أمامها بحياء بائن، فيكفيها ذلك الموقف المحرج الذي علقت به لتنظر هي إليه مخجله لا تصدق أنها تحضن زوجها بكل إرادتها التامة….!!!!
** ** **

يتبع…

لقراْة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى