روايات

رواية قابل للكتمان الفصل السادس 6 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل السادس 6 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء السادس

رواية قابل للكتمان البارت السادس

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة السادسة

كانت بسمة تجلس فوق الفراش تسحب الهواء الطلق الي رئتيها تجدد أنشطة خلايا جسدها، كتمت شهقتها وهي تنظر الي الحزن والحسرة العظيمة التي بدأت في حياتها، تقلصت معدتها و انسابت دموعها أكثر من القهر الذي بدأت تشعر به بسبب أفعال زوجها.. ويلي ضعفها
تجاه الآخرين!.
الأمر بدأ يقلق قليلاً فمنذ أن وجهها والدها بحقيقه الأمر وأنها لم تستطيع الدراسه والعوده الى الجامعه برغبتهم! هي حاولت فتح الموضوع حتى لا تفعل شيء في السر!. لكن تصرفاتهم تدعيها لفعل ذلك واكثر مع الأسف.. رغم أنها لا تعرف ما تفعله اذا كان صحيح أم خطأ.. أن تخفي أمر كذلك عن زوجها دون علمه.
هي تشعر بالخوف والقلق من أن يراها ويذهب ليخبرهم! فالأمر حينها لم يكن لصالحها ابدا.
لذلك يجب ان تتخلص من هذا الأمر بسرعه!
لكن كيف وإهمال زوجها لها هو من يدفعها الى ذلك؟ بالاضافه الى عدم اهتمامه ومسؤوليته! وشخصيته التي تنحدر في نظرها ولا يشعرها بأفعاله بأن رجل حقا، لذلك هي تحاول معه وتدفعه للتغيير باستمرار .
عادت للواقع وهي تنظر نحو زوجها بيأس الذي دلف للغرفة متردد كان يبدو كالطفل صغير يريد انهاء الخصام بينهما ليحصل على حلوى مكافاه.. انتفضت من مجلسها علي الفور وهي تعيد ترتيب خصلات شعرها المجعد بأصابع يدها.
= معاذ!.
همست والدموع تخيق مقلتيها لترمش بعينيها
لتفلت دمعتان ثقيلتان على وجنتيها و يتشوش امام نظراتها بوجهه الحنون ولكن جاء صوته خشنا، دافئا متأوها
= روحه!.
اقترب منها بخطوات سريعة ومسح دموعها وهو يجذبها لتغرق بتجويف عنقه لتفلت من بين شفتيها تنهيدة حارة فتستسلم لعذوبة
لا تدري لما شعرت بانها تحتاج ان تترمي باحضانه بالفعل رغم أنه السبب في حزنها و غضبها، لا تعلم هل هذا الشعور بسبب مأساتها
هى السبب أم أنة الحب؟؟ لكن لالا هي لا تحبه لم تعترف له بذلك أبداً ولم تفكر بينها وبين نفسها حتى، فمن المستحيل أن يكون كذلك فهو بعيد كل البعد عن ما ترغب به من صفاته السيئه.. لكن ماذا إذن.
قبل رأسها بحنان ثم أبعدها وهو يهمس ببحة المشاعر المتدافعة نحوها غصبًا عن تفكيره المتمنع
= طب ليه قلبنها نكد على نفسنا كده، ما ممكن تبطلي تفتحي الموضوع ده وهنرتاح احنا الاثنين
حركت رأسها نافية وهي تجيبه بيأس وإحباط
= يا معاذ صدقني انا دائماً بعمل كده معاك عشان عاوزه مصلحتك وعاوزاك احسن حد في نظري، يعني يرضيك ابنك ولا الناس يقولوا عليك كلام مش كويس عشان ما بتشتغلش ولا بتعتمد على مصروف والده
هتف معاذ معترضًا بانزعاج
= وهو ليه الناس تشغل نفسها بيا أصلا؟ أنا عمري ما ضايقت حد بالعكس دايمًا في حالي، وما بحاولش أزعج حد وآ…
مطت فمها بضيق ثم سرعان ما قالت بلهفة
= طب بلاش الناس ابنك وانا، مش كفايه بالنسبه لك عشان تضحي وتيجي على نفسك شويه وتعمل حاجه كويسه لينا
صمت للحظة بغموض ثم أخفض نبرته هاتفاً بتوتر
= طب خلاص سيبيني أفكر في الموضوع .
خفق قلبها في سعادة، استدارت ناظرة إليه وتساؤلات حائرة تنطلق من نظراتها قبل لسانها
هاتفه بعدم تصديق
= إيه ده؟ ده بجد طب امتى وازاي، وهتبدا من امتى.. وهتنزل شغل الوكاله مع والدك ولا شغل تاني
هز رأسه نافيًا وقال بجدية
= بسمة حبيبتي.. أهدي كده، لسه الدنيا قدامنا طويلة وانا وعدتك افكر.
تساءلت زوجته بحيرة واضحة عليها
= ما أنا مش مرتاحة من اللي بيحصل ده و كلامك ما طمنيش أوي اوعى تكون بتاخدني على قد عقلي يا معاذ.. ولا في حاجة حصلت وإنت مش عايزني أعرف؟ ما هو فجاه كده أخيراً اقتنعت .
هز رأسه بالإيجاب وهو يرد بهدوء جاد
= مش إنتٍ بتثقي فيا.
منحته نظرة سريعة من عينيها قبل أن تشتت نظراتها عنه لتحدق في الأمام مجددًا هاتفه
= باين.. المفروض .
فرك معاذ ذقنه هاتفًا بنبرة شبه مقتنعة
= لا ما فيش حاجه اسمها المفروض يا حبيبتي
إسمها المفروض بثق فيك ايوه .
كان رجاءً منه أمرًا، فاضطرت أن تكبت فضولها مؤقتًا، علها تحصل في النهاية على الأجوبة المشبعة لفضولها المتنامي بداخلها وتحقق ما تتمناه بالفعل، تنهدت بقوه وهي تقول باستسلام
= ماشي هسكت واثق فيك وانا لو غاليه عندك فعلا المفروض تعمل اللي يريحني انا وابنك .
هتف بعبوسٍ زائف تشكل على وجهه
= غاليه عندي هو انتٍ لسه بتسالي.. ده كفاية إني عرفت الحب الحقيقي على إيديكي.
شعرت بالفخر أثر كلماته، ثم صمت للحظات قبل أن يهتف متردد وكأنه قد تذكر شيئًا ما
= ياسو.. هو انتٍ مش بتحبيني زي ما بحبك أصلك عمرك في حياتك ما قلتها لي .
حركت رأسها بتؤدةٍ لتنظر عن كثب لعينيه المحاصرتين لها، هاتفه بصوت مرتبك
= هاه.. آه أكيد مش جوزي وأبو أبني الوحيد
أومــأ برأسه يسألها بجدية
= طب يلا قولي
تحركت رأسه قليلا ليدس أنفه بعنقها بينما يشدد من ذراعه حول خصرها فاتسعت عيناها بتوتر شديد، ثم رفعت أنظارها الحائره إليه وتساءلت في اهتمام
= أقول إيه؟
أومــأ برأسه بإصرار قائلًا بتأكيد
= مش هتقوليلي بأحبك؟
تفرس معاذ في وجهها محاولًا تخمين ما تفكر فيه، خاصة بعد أن طال صمتها وهي لا تعرف حقا الإجابة لكن فكرت أن تقولها حتى ولو بالكذب حتى لا يتراجع عن فكره العمل، لاحت ابتسامتها على ثغرها على استحياء هاتفه
= بحبك يا معاذ .
أبتسم بمحبة وهو يطبع قبلة صغيرة علي وجنتيها ثم همس باشتياق
= وحشتيني على فكره أوي.. على طول بعيده عني ولما تقربي بتنكدي
عقدت حاجبيها بضيق وهي تردف باندفاع
= وانا ببقى نكديه كده من نفسي ما تشوف الأسباب هو مين اللي بيضايقني مش انت اللي ما بترضاش تسمع الكلام وتريحني وتنزل تشتغل من الأول وتساعدني في شغل البيت
مط فمه للجانب منزعج ليقول بهدوء رزين
= ياسو حبيبتي، انا مش بقول لك وحشتيني عشان تقلبيها نكد وخناق تاني.. أنا زهقت بقي من الجو ده وعدتك ان انا هفكر .
أغمضت عينيها للحظات تتحكم في أعصابها بصعوبة ثم فتحتها وهي تردف بفتور
= أوف حاضر أسفه.
سلط معاذ أنظاره علي ملابسها الشبه قصيره التي ترتديها ليشعر بالضيق نوعاً ما لكنه إخفاء، ثم ازدرد ريقه وهو يجيبها بتلعثم
= طب آآ مش هتقومي تغيري اللبس ده .
رفعت رأسها نحوه متفرسة في وجهه بنظرات غريبة وهي تعلق بغيظ
= الله، وبعدهالك يا معاذ نفسي افهمك بالذات في الموضوع ده.. مالها العبايه اللي انا لابساها
أبعد أنظاره النافره عنها حتي لا تلاحظ، ثم هتف بصوت متقطع
= قصيره أوي وانتٍ عارفه انا مش بحب كده..
شوفيلك حاجه طويله شويه .
صمتت بسمة لبرهة لتفكر مليًا فيما قاله، ثم أردفت متسائلة بجرأة باستنكار
= هتفرق! ما انا بعد كده في الحالتين اللي انا لابسه مش بيفضل عليا .
تحدث بنفس النبرة الصارمة المعتادة لديه دون نقاش
= آه بتفرق!. عشان اللي انتٍ لابسه بتكشفي تحت الغطاء ومش بشوف جسـ آآ.. انتٍ نازله رغي ليه ما تسمعي الكلام وخلاص ولا انتٍ غاويه نكد وخناق تاني .
صمتت للحظة واحدة بقله حيلة ولم تريد أن تنتهي تلك اللحظه بتلك الطريقه، لانها تعرفه جيد مثل الأطفال يغضب ويعند بسرعه، لذلك تحركت وفعلت ما يريد ليتجاوب سريعًا برغبةٍ ظاهرة عليه معها وشعرت بيده الحنون تداعب تقسيمات جسدها ضاغطة على ثناياه قليلاً،
ليتعمقوا سوا في تأجيج لهيب الحب بين أجسادهما المتلاحمة.
وكل ذلك حدث كالعادة دون أن تظهر أمامه بوضوح ظاهر لعينه، بل أجسادهم تتعرى تحت الغطاء! يمكن بالعادة يحدث ذلك بين بعض المتزوجون! لكن ليس طبيعي أن يمنعها حتى تظهر أمامه باي شكل من الأشكال هكذا .
❈-❈-❈
بداخل أحد المساجد، اعتدل في جلسته بعد أن سجد للمرة الأخيرة ليشرع فيما تبقى من صلاته قبل أن يفرغ منها تمامًا، ثم ارتخى قليلًا وهو يعاود ثني ساقيه أسفله و عندما التفت جانبا شعر بارتياح كبير حينما لمحه بجواره و أبتسم قائلاً
= حرما يا استاذ ادم ربنا يتقبل منك.
تنهد آدم بعمق وهو يمسك بمسبحته يحركها ببطء شديد متمتمًا بأدعية من الذكر، ثم هز رأسه بثبات مجيب
= اللهم آمين ربنا يتقبل منا جميعاً، أخبارك إيه يا منذر
عقد ما بين حاجبيه مرددًا بهدوء جاد
= الحمد لله عايش، بقيلي فتره مش بشوفك في المنطقه هنا، ده انا قلت نسيتنا .
توقف آدم عن تحريك حبات مسبحته، وأشار له بسبابته قائلاً بود
= ما اقدرش طبعا ده انتم أهل منطقتي، وما ليش غيركم بس الفتره اللي فاتت كنت مشغول جدا حتي ابن عمي دخل المستشفى واضطريت أسافر الصعيد وافضل جنبه لحد ما اطمن عليه .
نظر له بارتباك ملحوظ، فسأله مستفهمًا
= الف سلامه عليه وبقى كويس دلوقتي .
أومــأ بهدوء برأسه هاتفًا بصوت خفيض
= تمام الحمد لله، اخبارك أنت ايه واخبار شغلك
آمـــال منذر برأسه للأمام، وهمس بغموض حذر
= عادي زي كل يوم ما فيش جديد إلا.. بس موضوع إني خطبت من فتره وكان نفسي تحضر خطوبتي بس ما لقيتكش وما كنتش بترد على تليفونك.
بدا الاهتمام على تعابير وجه آدم عقب جملته الأخيرة تلك، فأبتسم بشده وأجابه بتريث خافت
= بجد الف مبروك معلش تتعوض في الفرح ان شاء الله، بس على الله ما تعملش الفرح في نفس التوقيت اللي هكتب في كتابي اصل انا كمان نويت اتجوز قريب .
اتسعت حدقتي باندهاش كبير وهو يردد بسعادة
= بجد الف مبروك، أخيراً بس خير ما عملت ان شاء الله يكون فاتحه خير عليك .
صمت لبرهة ثم أخفض نبرته قائلاً بصوت حذر للغاية
= أخبار الحاج شاهين ايه؟ لسه زي ما هو معاك
تعقدت تعابير وجه منذر نوعًا ما متساءلًا بجمود ساخراً
= إيه اللي هيغيره يعني هيصحى فجاه يلاقي نفسه ضميره وجعه وندم! عادي هو اتعود يعملني كده وانا كمان اتعودت على طريقته كده متهيالي أصلا لو غيرها هحس أن في حاجه غلط .
تنهد بحزن عليه الآخر ثم أشـار له بسبابته بأمل مرددًا بنبرة عقلانية
= ان شاء الله ربنا هيعوضك خير، على صبرك ده و بكره تقول أدم قال .
تنفس منذر بإنهاك وهو يقول بصوت هامس بضعف
= مش باين!.
❈-❈-❈
وصلت غاده إلى منزل أختها التي تسكن فيه مع زوجها، محاوله تصليح الأمور بينهما حتى تعرف معلومات أكثر عند زواج طليقها منذر من غيرها!. تنهدت الأخري بيأس وهي تقول بصوت خفيض
= خير مش سبتلك البيت ومشيت جايه ورايا ليه تاني؟ لسه ما خلصتيش كلامك السم والدبش اللي بتقوليه
رفعت غادة رأسها نحوها بغيظ مكتوم وهتفت بصوت متشنج
= ما خلاص يا بسمه انا عارفه ان انا محققه ليكي واديني جيتلك لحد عندك، بس انتٍ برده ما تنكريش انك غلطانه حاجه زي كده كان لازم اعرفها من باب المعرفه حتي! مش اعرف بالصدفه.. يعني انا دلوقتي لو عاوزه اتجوز مش اكيد هقول لهم واديهم خبر يبقى انا كمان لازم ابقى عندي خبر .
نظرت بسمة نحوها بضيق، بينما حافظت الأخري على جمود تعابيرها واضافت موضحة بتعمد مقصود
= وحتى لو اتطلقنا غصب عني وعنهم في عيل ما بينا ولا أنا غلطانه في دي كمان.
نظرت لها بسمة بحنق ثم أردفت بنبرة مزعوجة موضحة أمرها
= يا بنتي انتٍ هبله عاوزاني اروح اقول لك حاجه زي كده، عشان لما يعرفوا انك عارفه اول واحده هتيجي في دماغهم انا وهيقولوا عليا دي بتطلع اسرار البيت ويا عالم بتقول لها ايه تاني عننا من ورانا.. انا كان اخر واحده لازم تعرفي مني الموضوع ده يا غاده عشان انا اللي هضر مش انتٍ .
كان الأمر مقنع بالمرة لكن مع ذلك لم تقتنع، وهتفت بصوتها المحتد
= تمام واديني عرفت من بره زي ما انتٍ كنتي عاوزه، و جايز فعلا معاكي حق! بس على كده هو عرفها منين يعني فجاه كده صحي الصبح لاقي نفسه عاوز يخطبها.. اتعرف عليها فين اصل انا اكثر واحده عارفه منذر ده قفل أوي وعمره ما يروح يكلمها مش جايز هي اللي بتلعب عليه
ردت عليها أختها بسمة غير مهتمة
= تلعب عليه ما تلعبش حاجه ما تخصنيش ولا تخصك انتٍ كمان، انا مش فاهمه مهتمه أوي بالموضوع ده ليه مع ان اللي يشوفك دلوقتي ما يشوفكيش زمان ما كانش فارق معاكي خالص ولما كنت باجى انصحك تقوليلي مش ده الراجل اللي يفرق معايا وازعل عليه.. ولما هو مش فارق معاكي بتدوري عليه ليه دلوقتي؟.
ضاقت نظراتها وأصبحت أكثر قسوة وهي تقول بنزق
= هو انا هفضل كل شويه افكرك ان في بينا عيل ولازم اعرف كل حاجه كبيره وصغيره عنه واذا كان انتٍ ما تخصكيش يخصني أنا بقى، البنت دي لو بتلعب عليه هتخسره اللي وراه واللي قدامه وابني مش هيلاقي بعد كده اللي يصرف عليه مش كفايه رامي الواد ومش بيسال فيه
ألحت الأخري عليها بفضول كبير، فغرت فمها بنفاذ صبر هاتفه بامتعاض
= هتلعب عليه في ايه يا غاده من كتر اللي معاه يا اختي، وبعدين انا ما اعرفش حاجه عنها غير أنها بتشتغل مدرسه في مدرسة لغات
ومن عيله على قد حالها بس كويسين وابوها على المعاش وامها ربه منزل وليها بنتين اخوات متجوزين
شعرت بالغيرة والحقد اثر كلماتها عنها، ثم
تساءلت بنبرة مضطربة وهي تحاول ضبط انفعالاتها
= بتشتغل كمان ومدرسه! هي عندها كام سنه على كده.. وهو أكبر منها بكتير صح! ومش بعيد تكون مطلقه واتجوزت اكثر من مره .
لوت شفتيها بتهكم هاتفه بشماتة
= لا وانتٍ الصادقه العكس هي اللي اكبر منه وبسبع سنين..العروسه عندها 35 سنه وانسه كمان ما سبقش ليها الجواز قبل كده.
أتسعت عينيها بقوه بعدم تصديق وكأنها بكلماتها العفوية تزيد من لهيب غضبها الفائر، و سرعان ما هتفت مستنكرة بسخط وهي تلطم على صدرها
= نعم أكبر منه! بسبع سنين .
❈-❈-❈
في المساء أنتهي منذر من عمله ليعود إلي منزله، مر بالأول على منزل أسرته ليجد الجميع خلد للنوم، أبتسم ساخراً بألم داخله فاذا كان مكانه معاذ لكانت والدته ظلت مستيقظه حتى تطمئن عليه انه عاد بخير و سلام وتناول طعامه!. لكن هو الوضع عنده مختلف تماماً.. لأنه ليس الأبن الأصغر أو مريض .
صعد إلي منزله و وجد نفسه وحيد كالعاده دون ونيس أو شاعراً باهتمام احدهم به، هوي فوق الفراش يضغط بيده على رأسه حتى يتوقف عن تلك الأفكار التي دوماً تأتي له ولم تذهب إلا لتضعف نفسيته أكثر وأكثر باكتئاب حاد.. آفاق فجاه من ذكرياته علي صوت رنه هاتفه برساله عبر الواتساب عقد حاجبيه باستغراب عندما وجد المرسلة ضحي!.
فتح الهاتف ليجدها ترسل له (لسه صاحي) أبتسم رغم عنه وأجاب (لسه راجع من الشغل اصلا، تحبي اتصل بيكي دلوقتي ولا هتنامي!)
نظرت ضحي حولها بتردد فاليوم الجمعه و عائلتها مستيقظه كلها ولم تنام! ووالدتها عندما تراها مستيقظه و تتحدث معه تغضب بشده عليها وتجبرها أن تغلق الهاتف، سلطت انظارها على والدتها لتجدها منغمسه مع التلفاز دون اهتمام فيما حولها… نهضت بهدوء وعندما دخلت لغرفتها اغلقت الباب جيداً و أرسلت له (تمام أتصل) وحتى لا يسمعها احد وضعت الغطاء فوق رأسها واخذت تتحدث معه بصوت هامس
= ازيك اخبارك ايه، هو انت العادي بترجع من الشغل كده متاخر
عقد حاجبيه باستغراب وهو يقول
= هو انتٍ صوتك واطي كده ليه انا مش سامع حاجه.
حانت منها نظرة خاطفة إلي الباب لتتأكد بان الجميع بالخارج لم يلاحظون غيابها، ثم عادت تحت البطانيه وهي تهمس بتردد
= أصل انا بكلمك من تحت البطانيه
أخذ يضحك بصوت عالٍ قليل وتسائل بتعجب
= وده ليه بردانه للدرجه دي يعني
تنحنحت بحرج، وضغطت على شفتيها هاتفه بخجل
= لا بس مش عاوزه حد يسمعني اصل النهارده الجمعه زي ما انت عارف وهم بيسهروا لحد بالليل النهارده .
حرك رأسه بالإيجاب وهو يقول باستفسار عن قصد
= ممم طب فيها ايه لو سمعوكي هيتضايقوا يعني هو احنا مش مخطوبين برده والمفروض نتكلم براحتنا .
إبتلعت ريقها مجيبة إياه بإرتباك خفيف
= مش كده! هم عارفين ان احنا بنتكلم، بس هيتضايقوا لو عرفوا ان احنا بنتكلم لحد بالليل وبالذات ماما يعني بصراحه .
هز رأسه بتفهم وهو يغلق الغطاء فوقه جيد قائلاً بإيجاز
= تمام فهمت، طب خدي بالك أحسن تكتمي نفسك بالبطانيه جامد عليكي
حمحمت بحرج وهي ترد قائله
= حاضر ما تقلقش .
اعتدل فوق الفراش وسند ظهره للخلف وهو يقول باقتراح بهدوء جاد
= طب هو انتٍ ليه ما تقولهمش انك بتتكلمي مع حد من صحابك، احسن ما انتٍ خانقه نفسك كده
أجابت ضحي موضحة الأمر بشرح
= عشان اكتر صحابي متجوزين واكيد مش بيسهروا لحد دلوقتي، وبعدين انا ماليش صحاب غير نرمين وانا متاكده انها مش بتسهر
بسبب مشغولياتها مع اولادها وجوزها .. و بعدين هو انا صوتي واطي للدرجه دي مش سامعني خالص .
انخفض صوته فجاه وهو يقول بصوت هادئ
= لا سامعك خلاص، المهم انتٍ سامعاني
انفرجت شفتاها قائلة بتعجب كبير
= هو صوتك وطي اوي كده ليه زيي .
أبتسم منذر باتساع وهو يقول بعبث مازحاً
= ابدا قلت اعيش معاكي الاجواء ودخلت انا كمان تحت البطانيه عشان ما يكونش حد احسن من حد .
كركرت ضاحكة علي فعلته وكلماته بمرح وهي تقول بصوت هامس
= هو انت كمان اللي عندك لسه صاحيين لحد دلوقتي
رد عليها منذر مقتضبًا
= لا انا كده كده أصلا بايت في شقتي لوحدي وهم بيناموا بدري او في الحالتين مش هيستنوني اصلا، حتى لو عاوزين يسهروا .
تطلعت أمامها بنظرات حائرة فقد بدأ حديثه غامضًا بالنسبة لها، فتساءلت بفضول
= وهم مش هيستنوك ليه حتى لو صاحيين مش فاهمه قصدك! امال مين بيستناك عشان يحطلك تأكل قبل ما تنام ويطمنوا انك رجعت بخير .
تنهد بألم ثم هز رأسه برفض موضحًا بثبات
= أبدا، يعني انا متعود اعمل لنفسي و اوقات بتحطلي أكل في شقتي وانا بسخن واكل او اصلا ساعات باكل في الوكاله واشتري اكل من بره عادي.
تنهدت بعدم رضا وهي تردف بتحذير
= بس اكل بره مضر لما تاكله كثير وتعود نفسك عليه، اكيد معدتك بتتعب أوقات مش كده.
رد عليها منذر مبتسمًا ابتسامة باهتة
= عادي بقى المضطر ما انا ما عنديش حل غير كده.. و بابا بيروح بدري عشان مش بيقدر يسهر كتير وانا بسهر كتير في الوكاله وهم أكيد مش هيستنوني الوقت ده كله
عقدت حاجبيها هامسة له بنبرة دافئة
= انا فاهمه قصدك، بس انت أكيد بتبدل انت واخوك ذي نبطشيات كده ولا انتم مقسمين الشغل بينكم ازاي .
لوي ثغره للجانب باستخفاف من سؤالها فهي لا تعرف بالطبع كيف تسير الأمور في تلك العيله، وكيف كل المسؤوليات والأمور الصغيرة حتي عليه وحده! وليتهما يشعرون بذلك و يقدرون، ثم أجاب بتهكم
= لا معاذ هو كمان بيروح بدري ينام وياكل رز مع الملايكه، متجوز بقى وما ينفعش يسهر .
هتفت ضحي متساءلة باندهاش عجيب لتخرجه من شروده السريع المؤلم
= يعني إيه متجوز و ما ينفعش يسهر، معني كده أنت شايل كل الشغل لوحدك.. طالما والدك بيروح بدري وكمان اخوك .
تحدث بامتعاض محاولًا تمرير تلك الذكريات المزعجة عن باله
= عادي اتعودت علي كده وهم كمان.. وبعدين حتى لو هو بيسهر اكيد بيروح يلاقي اللي ياخد باله منه ويحضر له الاكل الدور والباقي بقي عليا أنا .
ترددت لوهلة في إيجاد طريقة ملائمة لحل تلك المشكله، لذا أجابته بحيرة طفيفة فاركة طرف ذقنها
= على فكره لو ما عندكش مانع يعني انا ممكن اعمل نصيبك في الاكل اللي بطبخه هنا انا وماما وابعتلك .
تقوس فمه للجانب قائلًا بسخرية
= ايوه عشان والدتك تقتلك وتقتلني، هي اصلا لحد دلوقتي مش قادره تقتنع ان احنا اتخطبنا .. بلاش عشان ما يحصلش مشاكل بينكم بسببي
فكرت للحظات ثم تحدثت باقتراح حينما لاحظت اعتراضة بسبب والدتها
= طب ما انا ممكن ما اقولهاش وعلى فكره انا كده كده اصلا انا اللي بطبخ و مش بتاخر في شغلي زي ما انت فاكر حتى بالذات بعد ما وقفت الدروس .
زم فمه قائلاً بإصرار معترض
= ما تتعبيش نفسك يا ضحي انا بعرف ادبر نفسي في النهاية، زي ما قلت لك اتعودت على كده.. وبعدين انتٍ مستعجله على ايه بكره بعد الجواز هعتمد عليكي يا ستي ولا تضايقي.. ولا انتٍ مش ناويه تستنيني زيهم بعد الشغل
ازدردت ريقها بحرج كبير، فقالت بحماس
= لا طبعا هستناك وكمان هاكل معاكي، و حكايه اكل بره دي هتنساها خالص بعد الجواز لان انا بعد كده اللي هبعتلك الاكل لحد الوكاله ما انا خلاص بقى هقعد من الشغل وهكون فاضيه ليك .
لوي فمه للجانب بعدم إقتناع فلم يشعر بالاهتمام دوماً في حياته من أسرته أو حتى طلقته بالسابق، ليقول بصوت محبط
= بجد يا ضحى هتعملي كده، وهيكون عندك استعداد انك تستنيني لحد دلوقتي متأخر وتهتمي بيا .
أومـــأت برأسها قائلة بصدق
= أكيد المفروض ده واجبي اصلا..
ثم سألته بجدية حينما لاحظت صمته
= لو عاوز تقفل وتروح تاكل اتفضل انت في اول المكالمه قلتلي انك لسه واصل من الشغل واكيد ما لحقتش تاكل.
تنفس منذر الصعداء بثقل بارهاق، وهتف بلا تفكير
= لا عادي مش جعان ومكسل بصراحه من تعب الشغل، ما هو انا ساعات كده برده بكبر دماغي اقوم اسخن ولا اقوم اعمل لنفسي حاجه سريعه.. غير أني اوقات بزهق من حكايه أكل لوحدي مش بيبقى ليا نفس .
قطبت ضحي جبينها متمتمة بقلق
= طب ما هو كده غلط انك ما تتعشاش شكلك بتجهد نفسك جامد ومهمل في صحتك.
ردد منذر بيأس ظاهر على نبرته زافرًا بصوت مسموع
= ايه خايفه عليا .
هتفت متساءلة بدون تفكير
= و ليه ما خافش عليك مش خطيبي وقريب هتكون جوزي!. اوعدك بعد الجواز الأمور دي كلها هتتغير وما فيش اكل بره ولا هتنام من غير عشا ولا هتاكل لوحدك.. حتى لو هستناك لحد الفجر.
تجمدت تعابير وجه بصوره مؤلمه، وجاهد ليبدو طبيعي في نبرته وهو يرد بحسرة شديدة
= عارفه كل الحاجات البسيطه اللي انتٍ قلتيها دي كانت أبسط امنيات نفسي فيها، انا بقيلي فتره طويله أصلا ماشي علي النظام ده لدرجه ان انا نسيت في حاجه اسمها عيله بتاكل سوا .
ردت عليه بخفوت هاديء مانعة إياه من الشعور بالحرج
= معلش حاول تستحمل الفتره دي والنظام كله هيتغير ان شاء الله، احكيلي بقى عملت ايه في يومك النهارده
ضغط منذر على شفتيه هاتفًا بعدم فهم
= مش فاهم احكيلك ايه، عادي يعني بشتغل وبنظم طلبات للناس واتفق.. هوجع دماغك بحاجات هايفه مش هتهمك في حاجه .
رسمت ضحي ابتسامة خفيفة على ثغرها، ثم هتفت برقة
= مين قال لك انها مش هماني بالعكس انا عاوزه اسمعك حتى لو حاجه هايفه هتكون بالنسبه لي مهمه، احكيلي من اول ما بتصحى لحد ما بتقفل حتى لو حاجه صغيره انا مستعدة اسمعها ومش هزهق .
تهللت أساريره بعفوية، ورمش بجفنيه هاتفاً بحماس مريب
= عارفه ان دي كمان من ضمن امنياتي البسيطه ان حد يسمعني .
شعرت بالعطف والحزن لأجله، وتحدثت قائله بنبرة مواسية
= تمام انا سامعاك قول .
لم يعلم كم مضى من الوقت وهو يتحدث
معها، وكأنه أخيرا وجد من يستمع إليه دون ملل! حتى كل فتره في وسط المكالمه يسألها اذا كانت شعرت بالضيق أو النعاس وتريد أن تغلق.. لكنها كان دوماً تجاوبه! (تحدث ولم تتوقف أنا صامته لأجل الاستماع إليك) .
❈-❈-❈
باليوم التالي، استغلت بسمه انشغال الجميع بالمنزل وخرجت دون أن يشعر بها شخص حتى تذهب إلى الجامعه لتحضر أي محاضرات فائته، فغيابها أصبح كثيراً هذه الأيام بسبب أستعين حماتها بها طول الوقت بسبب العزيمه التي تحضر لها، لضحي خطيبه شقيق زوجها و أسرتها أيضاً.
بالإضافة الى أن معاذ أصبح يتودد إليها من جديد ورافض تركها بمفردها و الخروج مع أصدقائه كالسابق، بعد أن تصالحه ووعدها بأنه سيفكر في أمر العمل..والأمر ذلك أزاح عبء كبير من على قلبها وجعلها تشعر بالارتياح عن ذي قبل! فلا تصدق أخيرا معاذ سيعمل ويكون مسؤول وشخص لديه طموح يسعى الى لقمه العيش لينفق على منزلهما، و لم ينتظر المصروف من والده مثل كل مره.. وهي لا تريد أكثر من ذلك!.
صحيح مزال مهمل بالمنزل وغير مهتم بابنه ولا يرغب بمساعدتها ومشاركتها في أمور أعمال البيت، لكن هي تؤمن بأن كل شيء يأتي بالتدريج حتماً، لذلك ستنتظر أن ينصلح فالأهم أنها وصلت إلى مبتغاها في الأخير، حتى وإن كانت شروط ذلك الاتفاق لم تتحقق كليًا، وبدت سعيدة جداً بتحقيق أملها في زوجها حلالها.. و ما يسعدها أكثر أن شعورها بالذنب قل فاذا كان صادق في أمر العمل ستكون صريحه معه وتخبره أنها كانت تكمل دراستها بالسر!! و ستتحمل منه العواقب و بالتأكيد لم يعود مجدداً إلي سابقاً طالما بدأ يتغير هكذا حدثت نفسها .
لكن ماذا إذا كان معاذ يكذب عليها بأمر العمل! هل ستعود وتكذب عليه مجدداً ؟؟!. تتمنى ان يكون صادقاً فهي لا تريد ان تخفي عنه شيء وتشعر بالذنب والضيق أثر ذلك، وأنها إمرأة غير صالحة لأنها كاذبه.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين.
كان منذر في عمله كالعاده داخل الوكالة منذ الصباح الباكر، بينما على الطرف الآخر اختبأت غادة بالزاوية، وسلطت أنظارها عليه رغم غيظها المحتقن من أمر ارتباطه لكنها لم تستسلم، واكتفت بالمراقبة من على بعد قليلا حتى جاءت الفرصه لها وهو بمفرده.
أرادت أن تثير أعصابه نحوها وتحفزها للتفكير فيه حتى لو كان الأمر مجازفة كبيرة، لذلك
تحركت متأنقة بثيابها الفاضحة لتحرك فيه حمية عندما يراها هكذا ويشعر بالحاجه لها، بالطبع هي وسيلة رخيصة منها لكنها واثقة من نجاحها معه وحدث ما توقعته اختفت بسمته المتسعة من على ثغره عندما لمحها الآخر أمامه ثم رمقها بنظرات احتقارية وقال بوجوم
= استغفر الله العظيم يا رب مش هنخلص.. افندم .
حافظت على ثباتها أمامه وتمايلت بجسدها مستندة بمرفقها على جانب المحل هاتفة بدلال
= ايه مالك مش هتسلم عليا، ده حتى السلام لله .
مرر أنظاره المتقدة سريعًا بغضب مكتوم على ثيابها الضيقة التي كانت تبرز منحنيات جسدها بطريقة فجة مهلكة للأعصاب، لكنه لم يعلق على ذلك و اكتفي قائلاً بجمود
= اخلصي عاوزه ايه.
جزت علي أسنانها بغيظ شديد وهي تتسائل بحقد
= اشمعنى هي؟
عقد حاجبيه باستغراب وهو يقول بجدية
= هي مين؟ بتتكلمي على ايه .
هزت رأسها بعنف صارخة به بشراسة من بين أسنانها المضغوطة بقوة
= بطل استعباط انت فاهم كويس انا اقصد ايه، انا وانت فاهمين اللي فيها كويس واتفقنا ننفصل وكل واحد يكتم على سره بس لما تتجوز دلوقتي الهانم بتاعتك و تكتشف اللي فيها؟ فانا برده هتكشف معاك
زادت نظراته نفورًا من أسلوبها المبتذل معه صائحًا باستنكار مزدري
= آه قولي كده كالعاده بتدور على مصلحتك، طب لخصي في حوارك وشوفي رايحه تعملي ايه وانا لو كانت نيته افضحك كنت فضحتك من زمان .
لم تبدو مقتنعة بكلامه في مسألة عدم فضحها، فهتفت بنبرة تشبه فحيح الأفعى
= ما أنا مش هستنى لما تحصل، انا مش عارفه عقلك كان فين لما فكرت تتجوز تاني! ولا مفكره الهانم اللي جايه دي هتكتم عليك و مش هتقول سرك لحد مع الوقت، راجع نفسك كويس يا منذر وسيب البنت دي .
ارتفع حاجبي مصدوم وهو يهتف من بين شفتيه بعصبية واضحة
= انتٍ اتهبلتي، انا مش هسيب حد ومش انتٍ اللي هتيجي تقوليلي اعمل ايه وما اعملش ايه.. واتفضلي غوري من وشي بدل ما اللي انتٍ خايفه منه يحصل وتبقى عليا وعلى اعدائي بقى .
ظهر الحقد في نظراتها الشيطانية، وقالت بنبرة تشبه السخرية و التهكم
= الله، ده انت بتهددني من دلوقتي طب والله العظيم يا منذر لو ما سبت البنت دي وبعدت عن فكره الجواز لاكون انا اللي فاضحاك واللي يحصل يحصل بقى ما انا مش هغرق لوحدي .
هدر فيها بصوت متشنج وعيناها تطلقان شررًا نحوها
= هاتي اخرك، الشويتين دول تقدري تضحكي بيهم على أي حد إلا أنا! انا بقيت عارفك كويس وعارف عينتك للأسف.. وسبق وقلتها انتٍ اللي هتدفعي الثمن غالي أوي لو الموضوع ده اتعرف مش انا
نظرت له بحدة وهي تجيبه بانفعال
=استقويت أوي يا منذر كل ده عشان هتتجوز طبعا ما الشبهات هتبعد عنك وانا اللي هلبس هو أنت عامل للبنت دي إيه عشان ضامن نفسك أوي كده انها مش هتفتح بقها؟؟
صاحت كركرة ضحكتها الشامتة وهي تضيف
عليه بثقة جادة
= ولا مفكر لما تملى عينها بالذهب والهدايا هتسكت لا يا بابا ما هي في النهايه ست وليها متطلبات، ومع الوقت هتعمل نفس اللي انا عملته وزياده ده اذا كانت اصلا ما عملتش وانت مش عارف اللي فيها.. ويعيني في الاخر طول عمرك هتفضل تشيل شيله مش شيلتك وحاطط جزمه في بقك ومش قادر تتكلم
امتعض وجهه بشدة، و جذبها من يدها بقوة لدرجه غرز أظافره في قبضتها وهو يصيح بها بسباب قاسٍ
= اتكلمي عدل وبلاش طريقة الـ** هو انتٍ ايه فاكره كل الناس زيك ومن عينتك المقرفه .
ارتفع حاجباها للأعلى من سبابه الحاد لكنها لم تكترث به ولا بالمها من ضغطه على ذراعيها، فخطتها لابد أن تكتمل، لذا تجاهلت كلماته النابية المسيئة لها قائلة بإصرار
= فكر في كلامي كويس يا منذر! بدل ما انت هتفضل تورط نفسك كده مع كل واحده شويه ولو على الجواز أوي كده هتموت عليه عشان كلام الناس اللي كتير حواليك.. انا مستعدة ارجعلك، بس طبعاً بشروطي المره دي .
برزت أسنانه الصفراء من خلف ابتسامته العابثة وهو يرد دون تردد بثقة
= عارفه انا لو خيروني بين نار جحيم الدنيا وعيشتك، من غير تفكير هختار الجحيم ولا أعيش معاكي ثانيه واحده من تاني.. اطلعي بره و إياكي تيجي هنا تاني .
احترقت أعصابها وهي تستمع حديثه بفارغ الصبر تلك الجذوة التي أشعلت الحرب داخلها وجعلتها تحتد بضراوة مهلكة، نظر لها باحتقار وهو يضيف بازدراء مهين
= اياكي تفكري للحظه واحده ان انا اشتقت لقذارتك بتاعه زمان، طب بصي حتي علي نفسك ده شكل واحده محترمه تبقى مراتي، ده انا لما صدقت خلصت من قرفك هعيده تاني؟.
شهقت مصدومة من إهانته الجارحة لها، ومن أسلوبه العنيف في التعامل معها فكان قاصداً ذلك حتى تبتعد عنه ويتخلص من عبئها، تطلع فيها باحتقار وهي ظلت على وضعها المشدوه لثوانٍ محاولة استيعاب الأمر ثم هتفت بغل
= ماشي يا منذر بس خليك فاكر كويس انا جيتلك لحد عندك وانت اللي مش راضي استلم بقى .
وقبل أن يرد مجدداً لاحظ تلك الواقفه علي بعد وهي تركز عينيها على يده التي كانت على ذراعها بضيق وشهقت ضحي مصدومة من فعلته، ذهل منذر من وجودها وهو لا يعرف منذ متي وهي هنا وهل استمعت الى حديثهم أم لأ؟
عكس غادة التي شعرت بحماس عجيب بعد أن رأتها تلك وهم يتشاجران سويًا، تشكل على ثغرها ابتسامة شرسة تعكس نواياها الخبيثة وهي تقول في نفسها
= والله وجتلك على الطبطاب يا غادة، أحسن حاجة أضرب على الحديد وهو سخن!
ابتلع ريقه بتوجس كبير وهو يردد باهتمام
= ضحي اتفضلي، واقفه عندك ليه تعالي .
نظرت إلى ملامح غادة التي كانت تنظر اليها بغيرة وغيظ، وتلك المره لم تستطيع ان تمنع فضولها لتعرف وجودها المتكرر امامها
= هي مين دي .
ضغطت على شفتيها مرددة بابتسامة عريضة بانتصار
= مراته السابقه يا حبيبتي، وأم إبنه.. هو ما قالكيش ولا ايه
تمتمت بحنق واضح وقد اصطبغت أعينها بحمرة غيرة
= لا اكيد طبعا عارفه بس خير بتعملي إيه هنا، في وقت ذي ده .
سلطت أنظارها الحادة عليها لترمقها بنظرات دونية وهي تقول ببرود مستفز
= نعم! انا اكتر واحده يحق لي ابقى موجوده هنا ليل ونهار؟ والمفروض تعملي حسابك ان انتٍ هتشوفيني كتير وطول الوقت.. إلا بقى لو مش عاجبك الوضع ما حدش يا حبيبتي قال لك تتجوزي واحد كان متجوز قبل كده وعنده عيل.. الوضع صعب برده عليكي فبدري كده فكري في الموضوع واخلعي بكرامتك احسن.
إهانة قوية تلقتها ضحي وكتمتها في نفسها، لكن اتسعت عيناها هامسة بدهشة
= نعم اخلع!.
اشتد وجهها بقسوه، فعجزت عن الصمود وهي ترد بحده كبير
= إيه يا حبيبتي هتعملي فيها جايه من الزمالك ما كلنا في حته واحده ما تعيشي عيشه اهلك.. ولا عشان بتعلمي في مدرسه لغات يعني هترسمي نفسك عليا ما كلنا ولاد تسعه .
بدأت ضحي أكثر اشمئزازًا منها، متقززًا من أسلوبها الرخيص في التحدث لتقول بعبوس نافر
= انتٍ مجنونه يا ست انتٍ إيه الطريقه السوقيه اللي بتكلميني بيها دي.. ما تتكلمي عدل وباحترام هو انا عملت لك حاجه انا بستفسر منك عادي .
شعرت الأخرى بانها قاصده اهانتها لذلك اقتربت منها وأرادت أن تفتك بها، أن تنبش بلحمها كي تمزقها إربًا، لتصيح بشراسة
= أنا سوقيه يا بنـ..
تدخل منذر بسرعة و رد هو عليها محذرًا بعدائية ومهددًا بصفعها بكفه
= غــادة! لحد هنا واكتمي واياكي تغلطي فيها
ولا تفكري تجيبي سيرتها على لسانك!
صفعة قوية تلقتها غاده في قلبها لتظل متسمرة في مكانها مصدومة مما سمعته وكيف يدافع عنها ضدها، هتفت بسرعه بتحدي
= ولله بقيت كمان حامي للهانم طب بالراحه على نفسك يا اخويا و ماتنساش أنا أبقى أم ابنك
أبتسم داخله بسخرية لاذعه من وقحتها فهي الوحيده التي تعلم جيد بأن هذا الطفل ليس إبنه، أردف بإبتسامة مستفزة وهو يرمقها بنظرات احتقارية
= على الورق وبس، ده أخرك! واعملي حسابك اذا فكرتي بس مجرد تفكير انك تهنيها تاني ولا تاذيها انا اللي هتصدر وهزعلك أوي.. عشان دي جزمتها القديمة برقبة 100 من أمثالك! وما تحاوليش تسوي نفسك بيها.
أحست ضحي بالفخر لكونه يدافع عنها بتلك الشراسة والقوه معيدًا لها كرامتها قبل أن تتطاول أكثر عليها وتسيء لها، فلم تتوقع ذلك بالمره بالأخص امام ام طفله فعندما رأيته قريب منها قد ظنت أنه ربما حن إليها لكن تلك المشاحنه التي صدرت امامها تاكدت بالمره بان لا يوجد بينهما شيء بالذات منه، أما غاده كانت تحترق في مكانها من مدحه لأخرى، وخاصة هي وامامها…
لاحظت ضحي نظرات التحدي والغضب بينهما وخافت من تطور الأمور خاصة بعض الناس والعمال داخل الوكاله، بدأ يراقب الوضع بنظرات متوترة، لذا تدخلت بحرص شديد
= منذر خلاص عشان خاطري انا الناس ابتدت تبص علينا بلاش مشاكل.. وهي برده أم ابنك .
احتقنت الدماء بداخلها، شعرت بفوران محتد يشتعل بداخلها، فهدرت منفعلة
= يا حنينه لا فيكي الخير، وفري يا اختك نصيحتك لنفسك انا اعرف ازاي ادافع عن نفسي واحفظ كرامتي واوقف كل واحد عند حده مش مستنيه حامي .
تلك المرة لم تتحمل ضحي الإهانة، فردت بجدية قاصدها استفزازها واشعال غيرتها التي كانت واضحه وقد تفهمت أمرها أخيرًا لما كل هذا الغضب والعصبية تصدر منها
= انتٍ بجد مش طبيعيه ما تهدي شويه على نفسك عماله تتخانقي و تزعقي ليه كل ده، ما حدش مانعك تيجي هنا بس بالاصول! انتٍ طليقته دلوقتي ومفيش اي رابط ما بينكم غير إبنك.. وانتٍ لو فعلا محترمه وبتفهمي في الأدب كويس هتعرفي انك مفروض ما تجيش لحد في وقت زي ده لوحدك وقدام الناس كلها.. ده أنا اللي اسمي خطيبته باجي في مواعيد محدده مش اي وقت ويكون حد معانا
فغرت الأخري شفتيها مغتاظة من إساءتها ثم
تأبطت سريعًا ضحي في ذراع منذر ليتفاجيء هو من فعلتها ولم يعترض بالطبع، ثم نظرت لها متحديًا وهي ترد بنبرة حادة
= بس لو كنتي متعوده تعملي كده زمان فالوضع دلوقتي اتغير و ياريت تفهمي ده بقى!
عشان هو دلوقتي بقى خطيبي وقريب هيكون جوزي .
تنهد منذر بارتياح ليقول بصوته القائل بجفاء
= ما فيش فايده منها، ريحي نفسك يا ضحى اللي زي دي بتحب تتهزق كثير أصلها
صمتت غاده محاولة استيعاب ذلك الكم الهائل من الإهانات الموجهة لشخصها اليوم من الجميع، ونظرت لها بأعين نارية من تطاولها بالحديث معها وقبل أن تواصل غضبها بالحديث كالعاده، دفعها منذر من كتفها بنفاذ صبر هادرًا فيها بصوت جهوري غاضب
= يا ريت تحفظي كلامها كويس وتسمعيه، و يلا خدي بعضك وامشي من هنا بقي لو لسه مش عاوزه تتهزي اكتر، الأشكال اللي زيك مايشرفناش نتكلم معاها.
ضغطت على شفتيها بحقد كبير من الإثنين ثم
اندفعت للخارج مبرطمة بكلمات مزعوجة، لكن لم ينتبه منذر لها، بينما ضغطت ضحي على شفتيها عندما شعرت أنه يضغط على يديها برفق إبتلعت ريقها بصمت رغم تحرجها منه إلا أنها حافظت على ثباتها حتى تنصرف تلك البغيضة من أمامهما، وما إن ابتعدت حتى سحبت يدها مرددة بحرج
= أسفه لو رديت عليها بس انا حسيت ان الخناقه هتكبر، وانت هتتهور عليها .
كان مزال مزعوجًا من طليقته، فرد بعدم مبالاة
= ولا تفرق معايا في 60 داهيه، بس هو انتٍ كنتي جايه ليه صحيح .
لم تفهم مقصده جيد لكنها نظرت إليه بضيق، ليقول بسرعه موضحاً باعتذار
= مش قصدي طبعاً ده مكانك ومطرحك تيجي زي ما انتٍ عاوزه، بس انتٍ اول مره تجيلي الورشه عشان كده استغرب و قلقت لا هتكون في حاجه حصلت.
تذكرت أمرها لتقول مرددة بتنهيدة حارة
= لا اطمن الموضوع مش مقلق ولا حاجه، انا بعتلك رساله أن انا جايه بس انت ما ردتش و كان لازم اجي عشان اخد رايك في حاجه كده! أصل والدتك اتصلت بماما الصبح عشان تعزمنا عندكم كلنا يعني بس ماما بعد ما قفلت معاها قالت انها مش هتروح، رغم ان سمعتها بتقول لها جايين.. بس قاصده بصراحة وقلت لا والدتك تزعل لما تلاقيهاش معانا .
داعب خصلات رأسه بيده مرددًا بغرابة
= انا مش عارف ليه والدتك كرهاني أوي كده رغم أن ما عملتلهاش حاجه .
هزت رأسها برفض قائلة بصوت محرج
= لا والله مش لدرجه انها بتكرهك بس هي متضايقه من حكاية السن اللي بينا ومش طايقه الجوازه كلها ونفسها تحصل حاجه وما تكملش.
هز رأسه معترضًا وتحدث قائلاً بتلقائية
= بعد الشر، ليه كل ده الموضوع يعني مش مستاهل! انا مش عارف ليه كل الأمور متعقده معانا بسبب حكايه السن ده.. كاننا اول ناس هنعمل كده.. بس تمام سيبك من حكايه والدتك دي ممكن تقولي تعبت ولا اي حاجه وقتها، وصدقيني أمي مش هتدقق يعني طالما انتٍ هتيجي كفاية .
أحبت رده فعله وهي تظن بانه اصبح متمسك بها لشخصها، لتطلع فيه بابتسامة لطيفة فكل مره واخرى تشعر بالانجذاب له بسبب تصرفاته الرائعة والمفاجأة بنفس الوقت، ثم تذكرت تصرفات طليقته الفظة لتقول بنفور واضح عليها
= هي إيه طلقتك دي صحيح، كنت مستحملها ازاي واتجوزتها ليه لما انت مش طايقها كده .
أغمض منذر عينيه قبل أن يعلق بصوت ميؤوس منه
= دي عملي الأسود في الدنيا .
❈-❈-❈
في منزل آدم كان يجلس مع رانيا شقيقه ديمه يتحدثون حول عده اتفاقات تخص الزواج الزائف! وتفاجأ آدم أنها ستبلغ أسرتها بزواجه من أختها بعد عقد القران! وذلك الأمر لم يعجبه بالتأكيد فربما تحدث مشاكل بعد! بسبب أخبرهم بتلك الطريقه المهينه بالنسبه لهما بعد زواجهما، أخفض بصره نحوها بعدم رضا وهمس لها بلؤم
= انا مش معاكي بصراحه يا مدام رانيا في انك ما تقوليش لعيلتك على أني هتجوز أختك غير بعد كتب الكتاب لو عرفوا حاجه زي كده اكيد هيزعلوا و الموضوع هيكبر ليه
مانمشيش كل حاجه بالأصول.. واروح اطلبها منهم .
خفق قلبها بتوتر كبير وتحفزت حواسها بالكامل بعد سماعها لإسم أسرتها، لترد عليه
بنبرة مضطربة وهي تحاول ضبط انفعالاتها
= عشان انت لو رحت هتسمع كلام مش هتحب تسمعه انا مش عاوز اعرضك لموقف وحش وانت كل نيتك تساعدني صدقني انا عارفاهم كويس، وبعدين ما تزعلش مني يعني اي واحد هيروح يتقدم لواحده والفرق بينهم كبير زي اللي بينك وبين اختي اكيد هيرفضوا
عاودت النظر إلى آدم لتضيف برجاء ملحوظ
= ومع ناس زي اعمامي مش هيرفضوا وبس.. عشان كده الحل اننا نمشي كل حاجه وبعد كده يعرفوا براحتهم ويعملوا اللي يعملوا بقي ساعتها مش هتفرق معايا المهم ان انا أستر علي اختي
أشار لها بيده بحذر هاتفاً بجدية
= انا فاهمك كويس بس مش عاوز اعمل بيني وبينهم عداوه من البدايه مش ممكن نكون اصدقاء وبينا ود أو احترم بعد كده.
أبتسمت ساخره بقهر داخلها ثم أجابته بصوت مرتجف وهي تضغط على يدها
= ود أو احترم مع مين يا استاذ آدم؟ مع
عيلتي اللي انا اعرفها كويس ومعاشرهم لا معلش ما انت صحيح ما تعرفهمش كويس.. انا بحاول احميك والله منهم وهم لو كويسين زي ما انت بتقول ما كناش وصلنا لكده!
عقد ما بين حاجبيه متسائلاً باهتمام
= معلش في الكلمه يا مدام رانيا بس هم للدرجه دي وحشين معاكم.
ترقرقت العبرات في مقلتي رانيا، فشخصت أبصارها له فالأمر بالأخص لديها صعب جداً فهم لم يسئون المعامله معها فقط بل عمها الأصغر تحرش بها وهي طفله صغيره! ولذلك السبب لم ترغب بأن تسكن شقيقتها معهم حتى لا تتأذى مثلها، لكن القدر كان اقوى منها وتاذت أختها أيضاً من خارج العائله، لكن بالتأكيد لم تكشف عن ذلك له…هتفت بصوت حزين للغاية
= كل اللي اقدر اقولهلك انهم ما كانوش بيسالوا فينا خالص و بابا عايش وبعد ما مات شفناهم بس مش عشان يعزوا ويسندونا !! لأ عشان يشاركونا في الورث عشان احنا طبعا بنات وهم ليهم نصيب.. ورمونه كلمتين كده خلوا بالكم من نفسكم انتم بنات ومش عاوزين نسمع عنكم حاجه وحشه عشان اي حاجه كده ولا كده هنتلط معاكم..
رفعت يدها تسمح دموعها بحرج منه، ثم أضافت قائله بصوت باهت بحسرة
= بدل ما يقعدوا ويشوفونا محتاجين ايه، و هي مره يتيمه عمي جي يزورنا وبالصدفه كان جاي في شغل كمان ولما عرف ان اختي بتقعد لوحدها في الشقه قوم الدنيا وما قعدهاش عشان بس خايف على سمعته هو! واقترح أنها تيجي تسكن معاهم..
شعر آدم بوجود خطب ما بها، وتفرس في تعابيرها المتحولة للارتعاد والذعر بصمت وهو يسمعها تتابع حديثها بتحشرج مؤلم
= اختي طبعا خافت و رفضت لانها ما تعرفهمش وانا كمان بصراحه خفت ازاي هامن ليها مع ناس زي دول كل اللي بنا مجرد ورث خدوه ما شفناش وشهم.. ولما ابتدينا نرفض ونتخانق واختي من غضبها واجهته بالحقيقه وان هو واخواته انانيين ومش بيفكروا غير في مصلحتهم مد أيده عليها وضربها.. وبعد كده سبنا وهو غضبان وما سالش فينا، تفتكر بقى ناس زي دول هيرحبوا بيك دول مش بعيد يقولوا ان انت طمعان فينا عشان خايفين على باقي الفلوس .
شعر بالضيق نوعاً ما أثر سماعه ما تعرضت إليه ديمة منهما من تعنيف لكن لم يعلق على ذلك الامر، واضطر أن يصمت قسرًا احترامًا لشخصها فكظم غضبه في نفسه لكن نظراته عكست ما بداخله، و رد عليها آدم بإنصياع تام
= خلاص انتٍ أدري بمصلحتك و اعملي اللي انتٍ عاوزه هم برده اهلك وانتٍ ادرى بيهم وبلاش نعمل مشاكل علي رايك.. المهم احنا هنعمل حفله هنا صغيره في بيتي كأنها خطوبه عشان ندي فكره للناس ان احنا اتخطبنا.. وبعد كده نكتب الكتاب .
نظرت رانيا له براحة وهي تقول بامتنان صادق
= تمام اللي تشوفه، انا مش عارفه بصراحه اقول لحضرتك إيه على كل اللي بتعمله معانا .
حاول آدم أن يبدو صلباً أمامها وهو يفكر في أمر ما، فأردف قائلاً بجمود زائف
= هو انا ليه مش ملاحظ ان اختك ديمه موجوده ولا بتيجي حتى تسلم عليا لما بيجي هنا؟ اوعي تكون رافضه الموضوع وانتٍ غصبتيها .
ارتفع حاجباها بقلق، وهتفت بتوجس
= لا هو مش بالظبط هي بصراحه يعني مكسوفه من حضرتك ومن الوضع الغريب عليها، لكن كل حاجه بتم برضاها ما تقلقش اكيد مش هغصبها.. انت ما تعرفش ديمة دي بالنسبه لنا ايه او انا بالذات. انا ربيتها على ايدي دي بنتي مش اختي!.
لم يبدو مقتنع بالمرة لكنه تغاضى عن ذلك الامر، قائلاً باقتضاب
= ربنا يخليكوا لبعض وما يحرمكوش من بعض.
سمع صوت زفيرها وهي تقول بإحباط طفيف
= يا رب وترجع زي الاول تضحك وتنور الدنيا، قلبي وجعني عليها أوي وانا شايفاها كده مستقبلها بيضيع.. كانها حته مني فعلا مش اختي مش قادره اشوفها كده ولا حتى قادره اعاقبها! رغم انها غلطت أوي المره دي، بس في نفس الوقت صعبانه عليا ممكن ده اللي مخليني مش قادرة اعمل اي حاجه غير ان انا اساعدها انها تتخلص من المصيبه اللي حطت نفسها فيها
تفهم موقفها، ومع ذلك حاول تهوين الأمر عليها فبرر لها هاتفاً بصوت عميق
= انتٍ عملتي الصح على فكره، فكره بقى انك تضربيها ولا تحبسيها ولا تقتلوها حتى عشان تخلصوا من الفضيحه زي ما بعض الناس بتعمل في الموقف اللي زي دي مش بتحل حاجه بل بالعكس! الأمور بتتعقد اكتر و الفضيحه بتكبر.. ومحدش فينا معصوم من الغلط، المهم بس بعد ما تصلح غلطتها ما تحاولش تعيدها تاني وتلاقي انها فرصه بقى طالما بتلاقي إللي يلم وراها .
تحدثت رانيا بسرعه بجدية شديدة
= لا من الناحيه دي اطمن! حالتها النفسيه زي الزفت اصلا بسبب كده انها ندمانه جدا و احساس الذنب مموتها وطول الوقت تحلف وتتاسف انها مش هتعمل كده تاني وده اللي مخليني فعلا عاوزه اخلق ليها فرصه جديده
هز رأسه بصلابة جامدة دون أن تتبدل تعبيرات وجهه المشدودة قائلاً
= ربنا يقدم اللي فيه الخير، وانا برده بعد ما الجواز يتم هحاول معاها من الناحيه دي انها لازم تتمسك بالفرصه دي وتصلح من نفسها .
ابتسمت وسط حزنها الشديد بأمل وهي تقول
بعدم تصديق
= بجد حل كويس جدا ويا ريت فعلا تكون انت من ناحيه واحنا من ناحيه ونحاول نصلح اللي فات، والله هي محترمه ومش زي ما حضرتك واخد عنها فكره وحشه.. هي بس استسلمت في وقت ضعف بس دفعت الثمن .
لم يكن بحاجة إلى تفسير تعابيرها المتوترة فهي تحاول ان تصل له بان شقيقتها ستحافظ على اسمه الذي ستحمله قريباً، حتى لو كان هذا الزواج مجرد اتفاق لا اكثر فيجب ان تحترم ذاته،هتف بصرامة غير قابلة للنقاش
= مش محتاجه تبرري، انا فاهم كويس ان كلنا معرضين للغلط ده.. وانا ياما شفت في حياتي اللي اكتر من كده، بس المفروض ما تتكسفش من الغلط اللي نتكسف منه فعلا ان احنا نتباهى بالغلط ونتمدى فيه! وهو ده اللي خلاني فعلا انا كمان نفسي اساعد اختك لأني ما شفتهاش ولا بتتباها بالغلط ولا بتتمدي.. بالعكس وقفت اول ما لقيت الدنيا اتعكت معاها وحست بالذنب بسرعه .
تنهدت بحرارة، وتعلقت أنظارها بإعجب باخلاقه فهو خالف كل توقعاتها ويجبرها يومًا بعد يوما على أن تحترمه رغم عنها بسبب أفعاله معهما! ردت بتضرع متنهدا بقوة
= ديمه مشكلتها انها لقيت نفسها لوحدها في وقت هي محتاجه لايد تطبطب عليها وحضن يحتويها، وغير أنها اتحرمت من باباها ومامتها من وهي صغيره ومننا كمان دلوقتي بسبب حياتنا اللي انشغلنا فيها.. عشان كده اول ما لقت اي فرصه قدامها حتى لو من واحد زي ده حقير استغلها ما فكرتش في اي حاجه غير انها لقت اللي محتاجاه.. فبجد هكون شاكره ليك جدآ لو انت كنت الايد دي إللي تطبطب عليها وتكون ليها الأب اللي اتحرمت منه فعلا .
صمت آدم وهو يفكر في كلامها، ليشعر بانتفاضة كبيرة في روحه بعد الحديث معها عن ذلك! ولعل ربه أراد أن يعوض غياب ابنته في حياته، فأرسل له ديمة هدية لتكون تعويضه عما فقده، حتى يمارس عليها طقوس الأبوة التي حرم منها. على الرغم من أن لديه ابنته، إلا أنها تكرهه ولا تريده في حياتها. لذلك شعر بالرغبة في تلبية طلبها على الفور. يكفيه أنه لم يكن وحيداً بعد. اليوم!
❈-❈-❈
عاد منذر من عمله وكالعاده مر بالأول على أسرته ليطمئن عليهم فرغم ما يفعله معه إلا أنه يحاول أن يبر عائلته! وكانت بسمه وطفلها ومعاذ أيضا بالصالة يجلسون مع والدته، رحب منذر بالجميع ومن ضمنهم زوجه أخيه بهدوء بينما نهض مالك وهو يطالع عمه هاتفاً له بحماس
= عمي منذر.. جبتلي الحاجه الحلوه اللي طلبتها منك الصبح .
هز رأسه مبتسماً ليضحك الأخر بطفولة وهو يهرول باتجاه عمه الذي حمله فتعلق بعنقه واحتضنه منذر متمتم
= هو انا أقدر أنسي .. حبيب عمه برده .
أخرج الحلوه من جيبه ثم ابتعد عنه ليرى وجهه وهو يأخذها منه ثم طبع قبله مرحه علي وجنتيه بينما الآخر بادله ابتسامة بشوشة…
بللت بسمة شفتيها بلسانها وهي تراقب المشهد أمامها بتعابير متجهمة بشدّة تعلن عن نيران على وشك الاندلاع داخلها.. فعلي الجانب الآخر يجلس معاذ مشغول بالتحدث مع اصدقائه عبر الهاتف تطبيق الواتساب!. فما يغضبها زوجها لا يهتم بولده بمقدار ما يهتم أخيه بإبنه… وذلك يجعل أبنها يتعلق أكثر وأكثر بمنذر ..!!!
أبتسمت بسخرية علي ذلك الوضع فا منذر يحب التودد إلي مالك طفلها طول الوقت و يهتم به و يجلب له ما يريد، لكن لا يفعل ذلك مطلقاً مع طفلاً الذي من لحمه و دمه..!!! و معاذ زوجها متجاهلا مسئولية طفله بالكامل حيث معتمد عليها مثل ما تربه وترعرع بمنزل والده! حقا ستجن من تصرفات تلك العائله.
أخفض منذر الطفل أرضاً قبل أن يستاذن للصعود إلى منزله ليقضي باقي يومه وحيدا!. وذهب مالك الى الشرفه لياكل الحلوى التي اخذها من عمه بفرحه، وفي ذلك الأثناء نهض معاذ وهو يقول
= انا هنزل شويه نص ساعه كده وجاي.. هقف تحت مع أصحابي .
وقفت بسمة من مكانها تقول لزوجها محاوله إصلاح العلاقه بينها وبين طفله
= معاذ استنى هطلع بسرعه أجهز مالك عشان يروح معاك
نظر لها باستنكار وهتف بتجهم
= ما تشبتيش ابنك فيا انا مش هاخد حد معايا
هيفضل يتشقى وهيغلبني تحت وانا مش بقدر عليه .
أتسعت عيناها ثم قالت مستنكرة
= شقي وهيغلبك؟! هو ابنك بتسمع لي صوت في البيت عشان يتشاقي في الشارع.. ما تقلقش مش هيعمل دوشه ولا حاجه وبعدين بقيله كتير قاعد في البيت أكيد زهق خده شويه يفك عن نفسه معاك.
تمتم لها وهو يغادر المنزل متجاهلا إياها
= انا مش فاضيلك وهتاخر على صحابي تحت، يبقى خلي منذر في مره ياخده.. هو بيحبه و هيعرف يتصرف معاه .
قبضت علي يدها غاضبة وهي تشاهد رحيله، ثم همست بغل بعد أن رحل
= منك لله يا أبن مايسة النميسه .
** ** **** ** **
بـعـد مـرور أسـبـوع.
في منزل معاذ، اندهشت بسمة من عوده زوجها مبكرة هذه الأيام لكنها علمت على الفور السبب عندما طلب منها أن تترك ما تفعله و تظل معه فهو يشتاق لها! جلست فوق الفراش جانبه وسعدت بتقربهم فذلك بالتاكيد سيزيد الرابط بينهما وسيسرع في تنفيذ اوامرها واهمها عمله، رغم أنه لم ينطق بشيء يدل على ذلك وانه سوف ينفذ وعده لها لكنها صمتت حتى لا يعاند وقابلت تجاهل معاذ بالصمت مثله.. وبعد فترة انتبهت لانتظام تنفسه يدل على استغراقه في النوم بينما يميل رأسه للجانب..
وجدت نفسها على الفور تبتسم ببراءة وتقترب منه لتسمح لرأسه بالاتكاء على كتفها.. وبدت مستمتعة وهي تجذب ذراعه وتضعها حول خصرها بحذر حتى لا يستيقظ، ثم قامت بتدليك ذراعه كي تمده ببعض الدفء وقد شعرت باحتياجه لها، وبالفعل تسلل الشعور بالدفيء إليه وعبير عطرها يغزو أنفه دافعا عقله للاسترخاء فروحه كانت تئن شوقًا في قربها، وقلبها رغم تمرده يتوق له، ونفسها تشعر بالخواء والفراغ.. كأن كل جزء بجسدها يتآمر عليها محتاجا له إلا عقلها يصدها عن التقرب منه فلم يدعها تتذق النوم مثله.. تحركت رأسه قليلا ليدس أنفه بعنقها بينما يشدد من ذراعه حول خصرها فاتسعت عيناها هامسة
= معاذ! انت صاحي فكرتك نمت .
طالعها بنظرات أكثر عمقًا وهمس بصوت خافت للغاية بشغف
= كملي اللي كنتي بتعمليه وقفتي ليه
عقدت حاجبيها باستغراب قليلا لتجد نفسها قد شردت وتوقفت عن تدليك كتفه وجسده،
لاحت ابتسامتها على ثغرها على استحياء وكفيها تستمران بتدليك ذراعه قبل أن تدسُّ كفه البارد في دفء يديها الغضتين..
لوي ثغره بابتسامة خفيفة بحب من تصرفاتها له والتي ملأته شوقًا ورغبة فيها، وحدثها باشتياق
= انا فرحان ان احنا اتصالحنا وبطلنا كل شويه خناق، كويس أني سمعت كلام منذر لما قال لي صالح مراتك وما تخليهاش تنام وأنتم زعلانين من بعض!
تلاشت ابتسامتها فجاه بجمود وهي تنظر إليه مطولاً ثم هزت رأسها وهي تردف بنبرة متوترة
= بقول لك ايه يا معاذ هو انت عملت ايه في موضوع الشغل دورت ولا قررت تشتغل في وكاله والدك
تأفف بضيق و غضب منها و تتمتم بصوت خافت
= وبعدين بقى يا بسمه لسه بقول لك فرحان ان احنا اتصالحنا بتفتحي الموضوع ليه تاني، هو انتٍ صعب عليكي تعيشي من غير نكد
أثـــار الموضوع شكوكها بصورة مبالغة،
فهمست بتوجس كبير
= عشان انت وعدتني لو كنت ناسي أنك هتفكر في الموضوع ومن ساعتها وانت ولا جيت قلتلي انك لقيت شغل ولا انك فكرت تشتغل مع باباك حتي، معاذ اوعي تكون بتضحك عليا.. انت وعدتني ها.
ازداد تجهم وجهه بغضب بارد مشيحا بنظره عنها، ثم قال بوجوم
= يا ستي هو انا قلت لك رجعت في كلامي ولا حاجه، كل ما في الموضوع ان انا بدور و بفكر زي ما قلتلك، و وقت ما الاقي اكيد هاجي اقول لك.. بس ما تقعديش كل شويه بقى تزني
أومـــأت برأسها بالإيجاب وهي ترد بشرود
= خلاص ما تزعلش انا بسال بس لا تكون نسيت، ماشي و اوعدك اني هسكت لحد ما أشوف اخرتها معاك ايه .
هز رأسه بعدم مبالاة ليعود يقترب منها و يمسك بكفها وقام بتقبيل راحة كفها
= اهو كده نرجع بقى نحب في بعض تاني
قالها غامزا لها بطرف عينه بخبث وسرعان ما ألتقط شفتيها و عانقها بقوة، وخلال ثواني تحولت القبلات إلي همسات و نظرات و لمسات.. ثم أنتهت بإتحاد جسديهما في تناغم كان في البدايه من طرف واحد… حتي أصبح برغبة من الطرفين و استسلمت كعادتها له بقله حيلة !.
❈-❈-❈
في اليوم التالي، بناءً على طلب رانيا الخاص تم عمل حفل صغير في منزل والدها ليتم كتب الكتاب هنا أو زفافهما وبعدها سترحل معه لتسكن في منزله، ولم تخبر أحدا من عائلتها كما اتفقت مع آدم سابقآ وقد عزمت أشخاص كثيراً من المنطقه وكانت تقصد ذلك حتى ينتشر الخبر سريعاً بالحي هنا بان شقيقتها تزوجت من السيد آدم .
سابقة انشغلت مع أختها الصغرى في شراء ما ينقصها من احتياجات ولوازم العرس الزائف لكن أصرت ان كل شيء يسير كأنه حقيقه حتى لا يشك أحد بالامر، سعدت الأخيرة بتجاوب ديمة أختها مع مستجدات الأمور بصورة طيبة مطمئنة أراحت قلبها كثيرًا، و عمدت إلى تسخير جهدها بالكامل من أجلها هي فقط علها تعوضها عن غيابها عنها بالسابق.
أفرغت زينب على الفراش ما قاموا بشرائه من ثياب جديدة لترتبها في حقيبة السفر فسوف تنتقل ديمة بالتأكيد بعد الزفاف الى منزل ادم،
بينما كانت ديمة تجلس بالخلف بصمت تتابع كل ما يحدث حولها بروح خاويه دون التعليق او الإعتراض! لقد استسلمت للامر تماماً و على يقين بأن هذا خطأها من البدايه ويجب أن تتنازل حتى تصلح الأمر ولا تتضرر اشقائها بسببها، شردت أمامها وهي تري اختها الواسطه ترتب الحقائب لتلاحظ حقيبه اخرى خاصة بوالدتها الراحلة متذكرة كيف كانت رانيا تسعى لشراء كل شيء يلزمها شهور و سنوات ليوما كذلك حتى تسلمها الى عريسها بنفسها وكيف كانت تحلم بذلك اليوم بلهفة، هبطت دموعها رغماً عنها بحزن وندم فهي لم تضيع أحلامها فقط بل اضاعت أحلام أخواتها الآخرين مثلها فبالتأكيد حال اختها لم يختلف عنها، فهي تعلم جيد بأن هذا الزفاف غير حقيقي وهي لم تعد عروس حقا بسبب ثقتها الزائد بشخص لا يستحق .
❈-❈-❈
بداخل حي السيدة زينب المزدحم، حيث تجد كل ما لذ و طاب، و هنا لدي بائع الدجاج تقف بسمة بعدما طلبت منها حماتها أن تنتظر هنا حتى ينتهي البائع من طلبهم الموصى منهم، و هي ذهبت حتي تشتري باقي المستلزمات و تأتي إليها وعندما انتهى البائع من تنظيف و تقطيع الدجاج تناولت منه وذهبت بعد ان شكرته.
وفي الجهة المقابلة لها كانت تقوم مايسة بتعبئة ثمرات الطماطم فتقدمت منها بسمه فأخبرتها حماتها علي الفور بصوت مهتم
= اوعي الراجل يكون ما نظفش الفراخ حلو من الريش ولا نسي يحطلك الكبد والقوانص زي المره اللي فاتت انتٍ عارفه معاذ بيحبهم قد ايه .
تجهمت قسماتها وهي ترد بنفاذ صبر فتعلم جيد اهتمامها الممل بادق التفاصيل الخاصه بابنها معاذ
= ما تخافيش يا حماتي نبهت عليه 10 مرات وانتٍ لا تعطيني جنبه عشان اراقبه وشفتهم بعيني وهو بيحطهم .
ارتفع حاجبيها للأعلى، وهي ترد بإعتراض
= ما هم البياعين كده لازم تفضلي فوق دماغهم لحد ما يخلصوا الحاجه اتعلمي يا اختي بدل النقوره والكلام الكتير.. وبدل ما انتٍ واقفه تتفرجي عليا نقي من جنبي 2 كيلو بتنجان خلينا نلحق نروح عشان نخلص العزومه دي .
ألتفتت الأخري علي مضض لتنظر نحو ما تشير إليها حماتها وبدأت تلتقي حبات الباذنجان في طبق، بينما أضرمت نيران الغضب بداخل مايسة وهي تضيف بإندفاع
= لولا عمك فضل يزن عليا وقال لي لازم نعزم الناس والاصول وكده ما كنت عزمتهم ولا دخلتهم بيتي انا اصلا مش راضيه على الجوازه دي من أولها لاخرها وبكره تقولي حماتي قالت مش هتكمل على خير ولو ما سابوش بعض دلوقتي هيطلقوا بعد شهر واحد من الجواز
ارتفع حاجبي بسمة للأعلى، وأجابتها بضجر
= ليه يا حماتي بس الفال الوحش ده لو مش عاجبك اهلها ممكن تكون البنت كويسه وادينا بكره هنعاشرها ونشوف
علقت مايسة بغيرة و حقد لم تستطع إخفائهما
لاهتمام أبنها الكبير بضحي
= في حاجات يا اختي مش لازم تقعدي مع البني ادم عشان تعرفيها في ناس من نظره كده بتبان.. والبنت دي من ساعه ما شفتها كده مش مريحني وتقيلي على قلبي
عقبت بسمة بإبتسامة شماته بها وهي تراها منزعجة هكذا
= بس عاجبه ابنك منذر وداخله دماغه و متمسك بيها ومش راضي يسيبها .
ردت عليها بغيظ مبدية انزعاجها
=ما ده اللي قهرني خايب مش عارف مصلحته فين! بكره يندم عشان ماسمعش كلامنا على راي شاهين عاوز يعند معانا وخلاص البنت ولا في دماغه أصلا فيها ايه زياده يعني عن غيرها عشان يصمم أوي كده عليها اشحال اكبر منه وساكتين
ثم أضافت قائله بابتسامة عريضة وهي تتنهد براحه
= ما فيش إلا معاذ إللي مريح قلبي، طيب وابن حلال طول عمره و ما بيقوليش على حاجه لا
لوت بسمة شفتيها جانباً بتهكم و إمتعاض، و قالت بسخرية
= معاذ طيب والله انتٍ اللي طيبه يا حماتي.. خدي يا عم انت كمان اوزن اثنين كيلو بتنجان خلينا نمشي
رمقتها حماتها من أسفل لأعلي و قالت لها بإقتضاب
=ومالك بتقوليها بتريقه كده ليه هو انتٍ كنتي تطولي تتجوزي واحد زي معاذ بادبه واخلاقه بصي حواليكي شوفي شباب الأيام دي قدامك عامله ازاي ده ما شاء الله عليه السيجاره حتى عمره ما جربها من وهو صغير وحتى لما كبر، ولو شاور بصباعه الصغير بس البنات هتيجي تترمي تحت رجله.. بس انتٍ اللي بطلي شويه نكد ليل ونهار وحرصي عليه مش هتلاقي زيه
اعوجت بسمة فاهها يمينا وشمالا فهي تعرف أن حماتها لا تحب أحد ينتقد أبنها معاذ بالأخص! أشاحت بيدها و قالت بتهكم
= لا ما شاء الله فعلا واخده نورت الحته انتٍ هتقوليلي
رمقتها بحدة قد يكون قارب للغضب، تدرك سخريتها الواضحة نحوه طفلها معاذ والاكثر محبه الى قلبها، لذلك هتفت علي مضض قائلة
= رغم انك بتقوليها بتريقه بس اه فعلا ابني ما فيش زيه، ده انتٍ معاكي كنز ومش عارفه قيمة
جزت علي أسنانها بغضب مكتوم قبل أن تصيح بنبرة مغتاظة في البائع الذي أمامها
= يا عم أحمد الله يكرمك اوزن الباذنجان اللي قدامك.. خلينا نمشي ورانا عزومه عاوزين نحضرها .
❈-❈-❈
في منزل مديحة خاله رنا إبنه آدم، كانت تجلس بجانب خالتها تسرد لها كيف نفذت مخططاتها كلها الفتره السابقه و طلبت من والدها النقود بينما الأخري لم تكن لتفوت فرصة مثل تلك لتظهر حقدها وغلها تجاه آدم قائله
= جدعه وعاوزكٍ كل يوم والثاني تطلبي منه الضعف وإياه يعترض انتٍ بنته و غصب عنه لازم يدفع.
اومات برأسها بالايجاب دون نقاش أو اعتراضاً مثل ما تعودت، ثم تساءلت بلهفه
= هو ابراهيم فين !.
هزت مديحة رأسها بعدم مبالاة ثم هتفت بمكر
= هيكون فين يعني تلاقي قاعد جوه في الاوضه، ايه لحق يوحشك خشي يا اختي هتلاقيه انتٍ مش غريبه برده ده ابن خالتك
وفي حكم خطيبك
تهللت اساريرها بفرحه وهي تنهض وطرقت باب غرفته عده مرات وهي تقول بصوت خجول
= ابراهيم انت قافل الباب ليه انا رنا .
تنهدت رنا بعنف وحزن عندما لم يجيب عليها، لتنهض خالتها بسرعة وطرقت علي الباب هاتفه بغضب مكتوم
= افتح يا ابراهيم الباب بنت خالتك عاوزه تقعد معاك شويه اطلع وبطل نشفيه دماغ، مش لازم كل مره اقعد اتحايل عليك عشان تطلع
فتحت الباب ولم تنتظر رده، لتجده يجلس فوق الفراش بعدم اهتمام ويعبث في هاتفه ثم نفخ بضيق شديد عندما رآه والدته تغلق الباب خلفها حتى لا تسمعها إبنه أختها المرحومه! بالخارج ولكزته أمه من كتفه قائلة بحدة وقد قست نظراتها على الأخير
= ما تقوم ياض وتسمع الكلام، يا عبيط لسه راجعه من عند ابوها يعني معاها قرشين حلوين اضحك عليها زي كل مره وخدهم منها اكنك بتحوشهم عشان لما تتجوزوا… هقعد افهم فيك لحد امتى كل بعقلها حلاوه وهي هبله بتصدق علي طول وحاول كمان تخدها في صفك زيي.
نفخ أبنها مجددًا بضجر من ثرثرتها الزائدة فهو لا يحب تلك الفتاه المدلله ولا يطقها بالمره لكن يجب أن يسير على ذلك النحو رغبه من والدته، عبس وجهه بحدة قائلاً
= خلاص بطلي زن ثواني وطالع.. انا مش عارف بنت أختك دي طلعتلنا من انهي داهيه دي كمان .
تطلعت فيه بحذر شديد ثم خرجت لها تبتسم باتساع وقالت بنبره ثقه
= بيلبس وطالع يا حبيبتي، اسمعي كلامي انتٍ بس وانا اجوزهلك قريب.. هو لي غيرك! .
❈-❈-❈
في المساء تجمع كلا من شاهين و زوجته واولاده بازواجهم ومن ضمنهم ضحي بالطبع الزوجه المستقبليه، و والدها فوزي حول مائدة الطعام المستديرة، كان الجميع يأكل بهدوء بينما تجرع منذر القليل من الماء وهو ينظر إلي خطيبته الصامته في صحنها و التي لم تتناول منه ملعقة واحدة بسبب استحياها ولم تشعر أيضاً بالراحه نوعاً ما من ذلك التجمع الغريب عليها فلم تتعود بعد، بينما سألها الآخر باهتمام
= ضحي ، مابتاكليش ليه؟
أنتبهت إلي سؤاله، و قبل أن تجيب وجدت حماتها ترمقها بنظرة حاده وكأنها تخبرها بأنها كشفت كذبتها حين تساءلت مره اخرى هاتفه باهتمام زائف
=هي والدتك على كده عندها ايه يا ضحى بالضبط عشان يمنعها من مجيه العزومه، تعبانه يعني أوي كده .
ترددت ضحي بحذر في الحديث معها حتي لا تسير أغوارا بالشك أكثر، وأجابت بهدوء بالغ
= اه يا طنط تعبانه يعني ايه اللي هيخليها ما تجيش لو تعبها بسيط
تحركت زواية فمها جانباً ببسمة ساخرة ثم
قطبت حاجبيها بإستفهام زائف قائلة بإصرار
= طب ما انتٍ ما قلتليش عندها ايه بالظبط اصل ناويه ان شاء الله اروح اشوفها واحتمال النهارده كمان وانتٍ راجعه.. واجب برده اطمن عليها
نظرت ضحي بصمت إلي والدها الذي توتر مثلها وشتم زوجته في سره فهي السبب بذلك حيث وضعتهم في موقف صعب للغايه بالاضافه أنه لا يريد الكذب، وحاول معها كثير هو وابنته يقنعها بالقدوم لكنها أصرت بالرفض! فتح والدها ثغره للتحدث بالحقيقه لكن قاطعه فجاه صوت منذر وهو يقول بجدية
= عندها برد شديد يا أمي واكيد مش هينفع تزوريها عشان ما تتعديش بعدين ان شاء الله يبقى نروح نشوفها كلنا، كملي اكلك يا ضحى
هزت راسها له بالإيجاب بامتنان وهو أبتسم بهدوء نحوها، بينما زجرته والدته بنظرة نارية لكنه تجاهل إياها وأكمل طعامه بهدوء، أخفضت مايسه رأسها نحو زوجها هامسه بغيظ
= شايف إبنك وعمايله بيدافع عنها من اولها هي البنت دي ايه ماسكه عليه زله عشان يطاطلها كده، طب ايه رايك انه كذاب وهم كمان كذابين وهي اللي مش عاوزه تيجي بالعند فينا بتتنك علينا من اولها بنت الـ..
رمقها من طرف عينيه بسخط وعقب علي كلماتها بحذر
= وبعدها لك يا مايسه تيجي ما تجيش ما لناش دعوه بيها ما تكبري دماغك بقى منهم كلهم.. كل واحد وظروفه وهي حره
رمقتها مايسه من بعيد بإزدراء وهي تقول بنبرة حادة
= امها اللي بدات مش أنا، لما ماتجيش عزومتي وهي سليمه معناها كتير عندي والعزومه كده كده هتترد عندهم في يوم وساعتها هعمل زيها واقول مش رايحه و مش هكذب هقولها في وشها ما ليش مزاج أروح!.
بعد ساعة صدي أذان المغرب ليستاذن فوزي للصلاة بالخارج في الجامع واصطحابه شاهين وابنه منذر يؤدي فريضه الله معه، اما بالنسبه الى معاذ قد أقام صلاته في المنزل بكسل و بعدها أخرج هاتفه يلهي نفسه باحد تطبيقات الألعاب الإلكترونية كالعاده .
❈-❈-❈
بدأت الساعات تمر عليها بسرعه حتى انتهى بها المطاف عروسًا تستعد لليلة زفافها، كانت ديمة متوترة بشكل كبير رغم اعتيادها على حضور افراح الزفاف، لكن تلك المرة مختلفة فهي العروس! وليس اي زفاف فهذا الزفاف لأجل اخفاء الفضيحة التي ربما تحدث بأي لحظة، أطالت النظر نحوه نفسها بالمرأة ظهر الثوب واضحًا أمام أعينها كان بسيطًا في تصميمه لكنه أنيقًا وكلاسيكيًا في مظهره… مطرز صدره بالفصوص اللامعة ذات الحجم الصغير والموضوعة على قماش الدانتيل ومع نقوشاتها الوردية أكثر بروزًا، وعند الخصر يضيق الثوب ثم يتسع بطبقات عريضة مموجة أعطتها حجمًا محببًا، فكان ذلك من اختيار أشقائها لكن مع كل ذلك لم تشعر بالسعادة والارتياح لما يحدث حولها.. فكل ما يشغل تفكيرها ذلك الشخص الغريب الذي ستجتمع معه تحت سقف واحد بعد ساعات! وكيف سيعاملها يا ترى ؟.
ظلت تفكر كثيراً بذلك الأمر حتي أنها لم تشعر باختها زينب وهي تلج إلى داخل الغرفة لتتفقد حالتها، اقتربت منها وهتفت بتسائل
= انتٍ كويسه يا ديمه.
نكست ديمة رأسها حرجًا وأخرجت تنهيدة عميقة من صدرها رافضة الحديث، لكنها هزت رأسها بالإيجاب بصمت وذهبت لتجلس فوق الفراش وهي شارده الذهن.
لكن أختها لم تتركها اقتربت منها و وضعت يدها على كتفها وأدارتها نحوها متابعة باهتمام قلق
= في حاجة حصلت؟ حد ضايقك؟
انزعجت من تضييق الحصار عليها فهبت واقفة من مكانها وبدأت في فرك أصابعها بتوتر كبير، وهي تبتلع ريقها متوجسة وأجابت بصوتها المتحشرج
= أنا مخنوقة يا زينب، مخنوقة ومش قادرة خلاص! عارفه انها غلطتي من الاول ومش عاوزه تتاذوا بسببي عشان كده وافقت على كل حاجه تحصل مع انها ضد رغبتي، بس مش قادره استوعب اللي بيحصل بره اني اتجوز بالطريقه دي.. لواحد ما اعرفوش واكبر مني وكنت بعتبره في مقام اخويا ولا والدي كمان وفجاه يبقى جوزي .
قطبت جبينها هاتفه باهتمام
= طب اهدي وما تقلقيش هو مش يعتبر جواز بالمعنى، رانيا اتفقت على كل حاجه معاه وهو وافق! انتٍ هتكوني عنده ذي الضيفه لمجرد كام شهر وبعد كده هترجعي تاني وهنقول اي حجه انك اتطلقتي بعدها
تنهدت ديمة بقوة من المأزق التي وجدت نفسها به بسبب أفعالها السيئة فخلال وقت قصير ستكون زوجه رجل لا تعرف عنه شيء غير انه صديق مقرب للعائله وساعدهم كثيرا، لكنها تضايقت حقا من ثقه أسرتها الكبيرة بذلك الشخص المدعو آدم، هزت رأسها بأسف وهي ترد بنبرة محبطة
= هو انتم جايبين الثقه الكبيره دي فيه ازاي ومنين، واثقين أوي انه مش هياذيني لمجرد ان كان بابا بيحبه وبيعتبره زي ابنه وياما كنا بنشوفه في بيتنا وفي اكثر المواقف الصعبه كان اول واحد في العيله بيلجا لي وحتى بعد ما مات برده ساعدنا، بس برده كل ده مش كفايه عشان تبعوني لي كده بسهوله .
هزت رأسها برفض بقوة مرددة بعتاب
= ما حدش باعك وما تقوليش الكلمه دي تاني يا ديمه، يا حبيبتي احنا كنا مضطرين وهو الوحيد اللي كان قدامنا .. آآ ويعني عمرنا ما شفنا منه حاجه وحشه وكمان هو الوحيد اللي عارف الموضوع عشان كده رانيا فكرت في اول واحد وجه في بالها بدل ما لسه هنحكي لحد ثاني وتطلب منه مساعده ويا عالم هيساعدنا ولا ..
مسحت زينب على ظهرها بحنو وهي تتابع
= اطمني يا حبيبتي ان شاء الله هيكون كويس وعمر ما هياذيكي، ولو حصل لا قدر الله اكيد احنا برده مش هنسيبك.. وان شاء الله مش هياذيكي ولا عمره هيعمل حاجه تضرك .
أبتسمت ساخراً بألم وتحشرجت أنفاسها وهي تقول بعتاب رقيق
= بجد واثقين فيه! طب ما تنسوش ان انا بسبب الثقه الزياده دي برده بقيت في اللي انا فيه ده.. هو انتم ضامنين اصلا ان فعلا هيطلقني وهيوفي بوعده معاكم!.
كادت أن تتحدث وترد لتطمنها نفسياً من القادم لكنها قطمت عبارتها مجبرة حينما بدأت تفكر هي الأخرى في حديثها فجأة، فارتفع حاجباها للأعلى باندهاش كبير فحقا لم يفكروا في نتيجه العواقب إذا لم يكن آدم ذلك شخص مسالم كما يظنون ولم يضر اختهم مثل ذلك الحقير السابق، وماذا أن لم يحقق وعوده؟ بالتأكيد حينها سيدخلون في دوامه اخرى، و بدأت تدريجياً تشعر بالقلق والخوف على أختها منه وانهم اعطوه ثقه زائده لا يستحقها بالوقت الحالي.
❈-❈-❈
حاول منذر قدر المستطاع أن لا يتاخر بالخارج كثيراً في المسجد حتى لا تنفرد والدته بضحي وتزعجها بكلماتها الفظه فهو يعلم جيد بانها ما زالت غير راضيه على تلك الزيجة، بينما لاحقًا وضعت بسمة الكثير من البسبوسه والكنافه في طبق و قدمته الى ضحي وهي تنظر إليها بهدوء مرددًة
= اتفضلي دوقي الحلويات دي عمايل ايدي هتعجبك أوي.. مدي إيدك ما تتكسفيش ولا تكسفي ايدي يا عروسه .
أبتسمت له ابتسامة خفيفة وهي تقول
= متشكره جدا تسلم ايدك بس انا بصراحه ما ليش تقل على الحلويات بس هاكل عشان خاطرك حته صغيره .
أخذت منها الطبق بالفعل، وأومــأت الأخري برأسها بالإيجاب وهي ترد
= بالهناء والشفاء، تعالى يا مالك خد نصيبك من الحلو
ركض ذلك الطفل الصغير بحماس الى والدته وكانت تراقبه الأخري التي علقت قائله بحنان
= امور اوي ربنا يخليه لك
رمقتها بسمة بنظرات هادئة متمتمة بصوت شبه هامس
= تسلمي عقبال ما نشيل عوضك قريب .
أبتسمت بخجل ولم ترد لكن ازاد نبضات قلبها حماس وسعادة وهي تتخيل ذلك اليوم بأن يكون لها طفل يخصها وحدها، اعتدلت بسمة في جلستها وسحبت الوسادة تضعها خلف ظهرها ثم سألتها بإهتمام وفضول
= على كده يا ضحى ناويه تكملي شغل بعد الجواز.. انا سمعت يعني ان انتٍ ما شاء الله مدرسه وشغاله كمان في مدرسه خاصه.. مش اي كلام خساره حاجه زي كده تسيبيها، أكيد تعبتي عقبال ما وصلت لها
وقبل أن تتحدث دخلت مايسة إليهم وقد استمعت الى حديثها، تصلبت قسمات وجهها بانزعاج كبير واحتدت نظراتها صائحًة بصوت آجش منفعل
= بذمتك ده سؤال مش عايزه كلام طبعاً ما عندناش ستات بتشتغل الست تقعد والراجل هو اللي يصرف عليها مش يقعد في البيت يستناها أما ترجع من الشغل ..
عبست بسمة بوجهها بعدم رضا فهي دائما تكره تفكيرهم المنحدر والطريقة الذي ينظرون بها إلي المراه، فهي بالأساس تراهم السبب في توقفها عن دراستها التي تكملها الآن في السر.. نظرت إلي ضحي شزرًا وهي تضيف بلهجة ساخره
= ولا انتٍ عندك رأي تاني يا عروسه، و عاوزه أبني يقعد في البيت يستناكٍ وانتٍ بتلفي على البيوت تدي دروس للناس وتدخلي شققهم .
انعقد ما بين حاجب ضحي بإندهاش مريب من طريقتها معها، وضغطت على شفتيها بقوة وهي ترد بصوت مختنق
= آآ منذر اتكلم معايا في الموضوع ده واتفقنا فعلا ان أنا هقعد وبالنسبه للدروس انا وقفتها
بعد خطوبتي باسبوع ومع ذلك ما كنتش بروح لاي حد غير وانا عارفه كويس .
أجابت بامتعاض ظاهر على وجهها
= طب والله فيه الخير، اهو عمل حاجه عدله اخيرا في حياته.
مره ثانيه اندهشت من طريقه حديثها على أبنها لتفهم بان هذه المراه لديها مشكله مع الجميع وليس ذاتها فقط، لم يعجب بسمة رده فعل ضحي المستسلمه فمن الواضح بانها فعلت ذلك مجبرة لذلك ردت علي حماتها بحذر
= بس مش كده برده يا حماتي! الزمن ده بقى الشغل فيه اهم من التعليم هو اللي بيسند و بالذات للست.. اديكي بتشوفي في الاخر الرجاله بيروحوا يتجوزوا غيرهم ويرموهم بعد زمن طويل عشان عارفين انهم ما لهمش غيرهم.
لوت مايسة شفتيها بسخرية هاتفه بصوت جاد
= ستات خايبه! ومش عارفه ازاي تملأ عين جوزها ولا تحاوط عليه، مش الشغل يا اختي هو اللي هيخليه ما يعرفش غيرك ولا يتجوز ولا يرميكٍ ويبقى ندل معاكي استنصحي انتٍ وحوطي عليه وبطلي كل شويه تنكدي عليه 24 ساعه وهو ما يشوفش غيرك .
جزت علي أسنانها بغيظ مكتوم ثم صمتت للحظة قبل أن تتحدث مبتسمة بتهكم
=تصدقي معاكي حق يا حماتي برده المفروض الست تقعد والراجل هو اللي يشتغل فعلا طول عمرنا بنشوف كده حوالينا، عشان كده الواحد لما يبقى يشوف رجاله مش بتشتغل وطول اليوم قاعده في البيت، المفروض ما يتقالش عليهم الـ… ولا ايه رايك يا ضحى
ردت عليها حماتها بنبرة جادة تحمل الإزعاج بسرعه حتي لا تتجادل معها الأخرى ويقولون أشياء لا ترغب بسماعها عن ابنها
=خلاص.. خلاص قفلي على السيره دي بقى .
أبتسمت بسمة نحوها قليلاً باستخفاف من رده فعل حماتها المتوقعة ثم اشاحت بوجهها نحو
معاذ الجالس بعيد مسلط انظاره الى هاتفه الذي بيده ولم يستمع الى حديثهما بالمره او يهتم، وفي تلك اللحظة دخل منذر بمفرده المنزل قائلاً
= السلام عليكم.
رد الجميع عليه، وبعدها تساءلت ضحي بغرابة
= امال بابا فين هو روح وسابني ولا ايه
هز رأسه بنفي وهو يقول بهدوء
= لا ده لسه في الجامع، قال هيفضل قاعد يستنى العشاء يإذن وبعد كده هيروح البيت وانا قلتله هروحك انتٍ.. ما تقلقيش.
تساءلت أمه عن زوجها باستفسار
= امال ابوك فين في الجامع هو كمان ولا ايه .
أشار بيده لها متحدثا وهو يتحرك قاصد الجلوس جانب ضحي
=جاله تليفون وقال لي روح انت وانا هروح على الوكاله .
نهضت بسمة بعيد متابعتها حماتها، وظلت الأخري صامتة انتاب منذر القلق من صمت ضحي، فقال متسائلاً بتوجس
= مالك في حاجه مضايقاكٍ!. كنت سايبك بتضحكي مكشره ليه دلوقتي؟ هي أمي قالت لك حاجه ضايقتك .
هزت رأسها برفض تنفي ظنه رغم أنه حدث قائلة باقتضاب عابس
= لا خالص انا كويسه مفيش حاجه، ممكن بس عشان مش متعوده على الناس هنا والجو
مسح منذر على طرف أصابعها برفق الموضوع فوق الاريكه جانبه هاتفاً بجدية لطيفة
= مع الوقت هتتعودي وهتاخدي عليهم هم كويسين ولله.. بس ممكن في بعض الاحيان ليهم طريقه كده صعبه شويه بس لما تقربي منهم هتفهميهم أكثر
فرك مقدمة رأسه مازحًا مضيفًا
= مش هياكلوكٍ يعني ما تخافيش اوي كده منهم
أبتسمت له رغم عنها ابتسامة خفيفة، وفي ذلك الوقت تفاجأ الجميع بطرقات قوي فوق باب المنزل اقتربت مايسة بسرعه تفتح بقلق شديد لتجد زوجها عاد بوجه قاتم، وقبل ان تتساءل عن السبب، دفع الآخر زوجته من أمامه بذراعه ليصبح في الداخل مرادفا بصراخ عنيف
= هو فين البيه إبنك.. فين البيه إللي بيضحك عليا وبينصب عليا وبيستغفلني.. فين منذر
هتفت زوجته مشدوهه وقد ارتفع حاجبها للأعلى بإستنكار جلي
= ما براحه مالك بتزعق كده ليه؟ يا شاهين ايه اللي حصل لكل ده، هو الولد عمل لك ايه
هب منذر واقفًا من مكانه شاخصًا أبصاره علي والده بتعجب، وهو يتساءل
= في ايه يا حج مالك في حاجه حصلت .
اقترب منه وزم شفتيه مرددًا بسخط قاسي
= وكمان ليك عين تسأل يا واطي يا نصاب مفكرني مش هعرف ولا مسيرك في يوم هتتكشف لعبتك، بقى انا بعد العمر ده كله تضحك عليا هي دي اخرتها بعد ما علمتك الصنعه وشايلتك كل حاجه في الوكاله واعتمدت عليك تنصب علي ابوك وتسرق ماله .
اتسعت ضحي حدقتاها إلى حد كبير عقب جملته المتعمدة تلك، ولم تختلف الصدمه عن الجميع شيئا! ارتسمت سريعًا علامات الانزعاج على وجه منذر من اتهامه الشانيه امام الجميع وخطيبته بالاخص وازدرد ريقه مرددًا بعدم فهم
= نصب ايه وسرقه ايه ما توضح كلامك عشان افهم انت بتتكلم على ايه
اقترب معاذ هو وزوجته وهو يتسائل باهتمام
= مالك يابا هو في ايه، بتزعق كده ليه؟ هو ايه اللي حصل
رد والده عليه بقسوة وهو يلوح بذراعه في الهواء بانفعال
= تعالي اشهد وشوف اخوك الكبير المحترم بيعمل ايه بعد العمر ده كله طلع بيسرقني بينصب عليا ويسرق مال ابوه، ده انا لسه عارف النهارده امال على كده الموضوع ده شغال معاك من امتى وبتعمله… اتاريها مفتوحه معاك والفلوس نازله زي الرز وداخل بقلب جامد تقول انا اللي هشيل جوازي كله مش عاوز حد يساعدني وجايب ذهب معدي ال 200 ألف .. كان لازم افهمها من الأول أن الحكايه فيها أن وحاجه زي كده لازم تطلع منك يا واطي يا زباله انا اللي استاهل وثقت فيك من الاول وعمري ما كنت بعد وراك ولا اشوف خدت كام ولا حطيت كام
زفـــر منذر من كلمات والده النابية، وأدار رأسه للناحية الأخرى بإحراج فظيع من إهانته التي لم يتوقف عنها الاخر حتى في حضور الاغراب، إبتلع معاذ ريقه بتوجس وهتف قائلاً
= يا حج وضح كلامك في ايه بدل ما انت عمال تقول عليه حرامي ونصاب ممكن يكون في سوء تفاهم إيه اللي خلاك تقول كده عليه فجاه، منذر مستحيل يعمل كده وطول عمره شايل الوكاله لوحده وهو اللي بيطور فيها ودخل لنا فلوس زيادة لما شالها وانت في مره قلت بنفسك يبقى ازاي هينصب علينا .
تجهمت تعابير وجه شاهين إلى حد كبير، و صــاح نافيًا
= انا كنت فاكر كده زيك قبل ما اعرف اللي فيها، بعد ما صلينا في الجامع أنا و البيه إللي بيصلي ويا ريته بيعمل بصلاته، جالي اتصال من حد من العمال اللي بيشتروا مننا وطلبوا بالاسم بس انا قلت بلاش يروح هو عشان الجماعه اللي مستنينه في البيت وقلت اروح انا بداله واشيل الشغل.. ولما رحت هناك كان في زبون عاوز بضاعه زي كل مره عادي و مشيت معاه لحد الآخر لحد ما جينا نحاسب لقيته بيديني بزياده المره دي، استغربت وبحسبه غلط لكن لما رجعتله الفلوس الزياده..
رمقه بنظرات دونية، وهو يضيف عليه بغلظة
= لقيته بيقول لي زياده ايه يا حاج ما ده إللي المفروض بدفعه كل مره من الشهر الجديد لمنذر ابنك، وكل العمال اللي بيشتروا منكم بيدفعوا نفس اللي انا بدفعه.. من ساعه ما إبنك زود علينا السعر المره دي.. ولما رجعت الحسابات من اول الشهر ده لقيت أن ما فيش فلوس زياده دخلت الخزنه بالعكس الفلوس هي هي بتاعه كل شهر وما زادتش جنيه واحد قولوا لي انتم بقى ده يبقى اسمه ايه؟؟؟ نصب وسرقه ولا لأ.. ابن الكلب الواطي الفاشل عديم المسؤوليه بيسرق ابوه بعد العمر ده كله اللي لولايه كان زمانه قاعد على القهاوي مش لاقي شغل .
شهقت مايسة مدهوشة وهي تتسائل بشك
= الكلام ده صح يا منذر ما ترد يا ابني انت فعلا بتسرق ابوك، يا ابني ليه ده انت كل اللي بتعوزه بيديهلك ومرتبك بتاخده وزياده كمان، اخرتها تسرقه اخص عليك .
انفرج ثغر معاذ بصدمة أكبر وتساءل بحده وتناسى هو الاخر وجود خطيبته وبدا يعاتبه مثلهم كأنه متهم بالفعل
= يعني ايه يا منذر انت فعلا بتسرقنا و المفروض انا اخد اكتر من نصيبي اللي بتقبضهلي اخر الشهر كل مره!.
شحب وجـــه ضحي عقب تصرفات الجميع الهمجية تلك نحو منذر وتفاجئت من ردة الفعل المبالغة منهما دون إنتظار أسبابه، أما هي و بسمة صمتوا منتظرين دوافع منذر، ثم رمقه أبيه بنظرات باردة قبل أن يتحدث بصوت متعصب يحمل الإهانة
= هيرد يقول لك ايه ما انا خلاص كشفت لعبه الزباله ويا عالم لولا عرفت النهارده كان هيفضل مستغفلنا لحد امتى.. مش لاقي حاجه يقولها أكيد بس والله العظيم ما هعديلك العمله دي على خير
اشتدت أعصاب منذر حتى بلغت ذروتها، وبات يحترق من داخله وهو يجيب بصعوبة
= لا يا حاج انا مستنيكم تخلصوا كلامكم بعد ما كل واحد فيكم صدر الحكم خلاص واللي عنده كلمه يقولها، ما خلاص بقى ما انتم لما بتصدقوا تصطادوا غلطه ليا.. انت لسه من شويه قايل بالسانك ان الراجل قال لك الكلام ده من اول الشهر اللي احنا فيه ده والسعر اتغير إنما قبل كده كان هو نفسه السعر القديم واللي انت اكيد طالما شكيت فيا سالته كان بياخد في القديم كام وعرفت ان انا ما كنتش باخد جنيه زياده وقتها واحطه في جيبي
فهم أبيه ما الذي يرمي إليه ونظر له بجفاء، هاتفاً بإهانة لاذعة
= فعلا سألت على القديم وطلع نفس اللي كنت باخده منك وما فيش حاجه نقصه منه، و بطل لف ودوران انا بتكلم دلوقتي على الشهر ده يا حرامي يا نصاب .
لم يتحمل منذر المزيد من عباراتهما اللاذعة المسيئة إلى شخصه، فصرخ بهم بانفعال كبير
= انا مش حرامي ولا نصاب، انا لما غيرت السعر بتاع الشهر ده اكثريه العمال اللي اشتروا مننا ما كانوش موافقين على التغيير فجاه او ما كانوش عاملين حسابهم، وأنا قلت لهم انا مش هغير السعر الجديد ولا باخد الفلوس احطها في جيبي لكن انا لازم ازود عشان الحاجات اللي بشتغل بيها زادت سعرها زي ما كل حاجه بتزيد ومن هنا لهنا وافقوا في الاخر بس قوليلي على شرط واحد ان تستنى علينا باقي الفلوس وهنحاسبك زي ما بنحاسبك كل شهر دلوقتي، انما الزياده هنجيبها لك على دفعات وانا عشان اعرفهم كويس وافقت على معظمهم انما الباقي رفضوا يشتروا مني لحد ما يشوفوا هيدبروا الزياده ازاي.. وانا قلت لهم تحت امركم و براحتكم، و بالنسبه لباقي الناس كنت باخد منهم الفلوس فعلا دفعات كل أسبوع .
نظر له بجمود مطولاً وهو يحدجه بنظرات مهينة وأجاب بفتور
= المفروض انا اصدق بقى صح، طب لو كلامك صح الفلوس اللي كانوا بيبعتها لك على دفاعات كل اسبوع زي ما انت قلت ما كنتش بتديها لي ليه .
أغمض منذر عينيه بقوة محاولة تمالك نفسه فلقد شعر بأنه يريد البكاء فلم يعد يتحمل تلك اللحظة بالأخص عنفهم وتجبرهم على ضعفه و بطشهم الذي طال مداه أمام زوجته المستقبلية لكن لم يتفاجأ فهذا طباعهم كالعاده وبالاخص والده الذي كان دائما يحرجه أمام طلقته السابقه ويكسر عينه أمامها لذلك جعلها تتطاول عليه اكثر بالسابق! والان الامر يتكرر!.
ابتلع ريقه فمن جديد يشعر بمرارة الإهانة والذل، دون أن يجنى على نفسه بذلك، ولا يستحق من التوبيخات والمهانة أضعافًا مضاعفة منهما ابدأ، حاول بقدر المستطاع ان يكتم دموعه دون الهبوط فاذا هبطت يعلم جيداً سينال اهانه جديده من والده الذي سيلقبه بالفتاه لان البكاء من نصيب الفتيات فقط، اكتست عيناه بحزن كبير وهو يهمس باستياء محبط من بين شفتيه العابستين
= افتح موبايلك وشوف الرسائل اللي بتجيلك وانت على طول بتطنشها عشان بتقول انها مش مهمه وكلها خدمات، هتلاقي من ضمنهم رساله جاتلك امبارح متحول لك فيها الفلوس على حسابك اللي في البنك.. اظن انا بقى لو نصاب مش هبعتهملك ولا ايه يا معاذ يا اللي كنت شاكك ان انا بقبضك وباخد نص المرتب في جيبي .
عقد حاجبيه بشك وبدأ ينظر حوله مطولاً ثم أخرج هاتفه بالفعل واعطاء الى ابنه معاذ كونه اكثر خبره منه في تلك الأمور وخلال دقائق نظر معاذ إلي والده بتوتر واردف بصوت محرج بشده
= آآ موجوده فعلا والمبلغ متحول لك من امبارح
استشعر شاهين أخيراً بأنه اندفاع كالأهوج نحوه ابنه دون ذنب ولا مبررات ادي به إلى مشكلة ما، خاصة أن طريقته الموحية كانت تؤكد شكوكه وبالاخير ظلمه، لذلك عاد يقول
بارتباك كبير
= حتى لو كده المفروض حاجه زي كده كنت قلتلي، وبعدين بطل خيابه هو انت ضامن منين الناس دي هتبعتلك الفلوس من غير ما تاخد عليهم واصلات امانه.. في ناس منهم بنشتغل معاهم اول مره و لما يسرقوك ويمشوا انا هستفاد ايه حد قال لك ان انا فاتحها سبيل .
أجابه باقتضاب وهو يغمض عينيه بيأس جلي
= ومين قال لك ان انا مش ضامن فلوسي منهم هو انا اول مره اشتغل في حاجه زي كده ويبقيلنا فلوس عند ناس، الموضوع ده حصل كتير بس انت تلاقيك ما كنتش بتاخد بالك لسبب واحد انا اللي كنت دايما بشيل الفلوس الناقصه وابعتهم لك من معايا وبعد كده بتصرف معاهم مني ليهم، لكن المره دي عشان جوازي وفرحي! الفلوس مقصره معايا وما قدرتش ادفعهم من معايا ذي كل مره وبعد كده بتحاسب انا والعمال .
والي هنا ضغط شاهين على شفتيه غير قادر على الرد بشفافية عليه، فهو مخطئاً بكل المقاييس وتجاوز حدود المقبول بكثير، و وضع إبنه أمام الجميع في موقف محرج بدون داعٍ، برر موقفه بحذر محاولة استجماع كلماته بحرج
= آآ انا كنت فاكر الـ..
قاطعه منذر بصرامة غليظة وهو يشير بيده أمام وجهه
= وصلات الامانه اهي عشان تتاكد ان انا فعلا امين على حاجتك ومش فاتحلك الوكاله سبيل وأن بحفظلك على مالك لاحسن تكون مش مصدق كمان دي، اتصرف انت معاهم وهات فلوسك الباقيه بمعرفتك زي ما انت عاوز.. عن اذنكم .
ظلت ضحي مسلطة أنظارها المشفقه عليه، ثم أولاهم ظهره وسار بخطوات متعجلة نحو باب المنزل. تابعته بعينيها وهي ترغب في اللحاق له حتى تخفف عنه لكنها لم تستطيع مع الأسف! صفق منذر الباب بعنف بعد أن خرج من المنزل، فاهتزت جدارنه من قوة الصوت.
رفع شاهين عيناه جانب وانفرجت شفتاه للأسفل معلنة عن دهشة عظيمة، فلقد تفاجئ بضحي أمامه فهو لم يراها من شده غضبه! ومعنى ذلك انها قد شاهدت كل ما حدث و ردة فعله المبالغة، حمحم قائلاً بنبرة متلعثمة
= احم انت لسه هنا يا ضحى يا بنتي؟!.
فغرت ضحي شفتيها هاتفة باستنكار مزعوج
= شكراً يا عمي علي العزومه بس انا همشي دلوقتي عن اذنكم، كده كده بابا هيطلع من الجامع على البيت على طول وما لوش لازمه حد يوصلني كمان، البيت مش بعيد عن اذنكم .
راقبت مايسة خروج ضحي، وخطت نحوه زوجها وهي تقول بعتاب
= عاجبك كده لازم تعمل اللي عملته ده و تفضحنا قصاد البنت دي! مش بعيد دلوقتي تروح تقول لأهلها عن اللي حصل، كنت سالت ابنك الاول بدل ما انت داخل عمال تزعق وتتهمه وتقول عليه نصاب وحرامي
نفخت بسمة بضيق شديد منهما فكل ما تفكر به حماتها وتخشى حدوثه ان يصل الحديث لعائله ضحى ولم تفكر في ظلم إبنها وكسر خاطره بتلك الطريقه المهينه وكيف اتهموه أمام خطيبته! فكيف أصبحت تنظر إليه الآن وهل شكت مثلهم بالامر، ليقول معاذ أيضاً بنبرة عتاب حاده
= أمي معاها حق انت ما سالتش انت اتهمت على طول وخليتنا نمشي وراك! مع انك ما شفتش منه حاجه وحشه قبل كده عشان على طول اول ما تسمع حاجه زي كده عنه ما تسالوش الأول وتستنى تسمع رده .
رد عليهم بحدة وقد أظلمت نظراته نحوهم
= يا سلام بقيت انا الوحش دلوقتي واللي غلطان انا اصلا ما اعرفش انها كانت لسه هنا ونسيتها اصلا، وبعدين ما انتوا كمان صدقتوا زيي على طول.. كنت اعمل ايه اتجننت ليكون الواد كل ده بيستغفلني.. غير كل حاجه كانت قدامي بتقول انه نصب عليا ما جاش في دماغي بقي رساله بنك ولا انه كان هو اللي بيدفع من جيبه الناقص.
أشارت بسمة بكفها تدخل في الحوار وهي توضح بتجهم عنيف
= متهيالي بدل ما انتم عمالين تحاسبوا عمي عشان ما استناش يسال الاول تحاسبوا نفسكم انتم كمان عشان انتم ما شفتوش نفسكم اول ما عمي قال إنه حرامي ونصاب غضبتوا على طول عليه وكل واحد جري يفكر في مصلحته والفلوس اللي كان بياخدها كل ده ناقصه ومفكرين ليكم فلوس زياده.. واحرجته قدام خطيبته.
نظرت حماتها لها بعصبية واضحة وقبل أن تتحدث، هزت بسمة رأسها بإيماءة واضحة وهي تضيف مستنكرة
= من غير ما تزعقي فيا يا حماتي وتقوليلي ما تدخليش نفسك في اللي ما لكيش فيه انا واخده ابني وطالعه و انتم احرار، بس يعني ما جتش عليا ما انتوا خلاص فضحته قدام الغرب جت عليا.
❈-❈-❈
في منزل والد رانيا بالخارج، تلفت آدم حوله متأملاً ذلك المكان الواسع بنظرات شمولية، ليجد بأن جميع الترتيبات منظمه ولا يوجد شيء يحتاج أن يبذل من مزيد للعمل، لكن لاحظ نظرات بعض الناس له بطريقه غير مريحة! ليفهم الأمر سريعاً دون تفكير كبير فتلك النظرات توحي الى صدمتهم الكبيره بأنه هو عريس لعروسه صغيره في العمر والفارق بينهما يعد ثامناً عشر عاما، لا ينكر بأن الأمر حقا مدهش الى بعضهم البعض و محرج له أيضاً! فبالتاكيد البعض الآخر ينظر اليه الى أنه رجل عجوز استغل فتاه صغيره بعمر أبنته تقريباً، لكن حاول تجاهل كل ذلك دون التفكير به كثيراً او يشغله حتى فهو الوحيد الذي يعرف حقيقه الأمر جيد ولما هو سيتزوجها؟ فهو يقدم خدمه كبيره لهم ويستحق المكافاه عليها، ومتأكد أن ربه سيكافئه عليها يوماً.. بسبب نيته الحسنه وليس كما يظنون هما الآن.
لذلك حاول تجاهل و نسيان نظراتهما التي تشعره بالاستحقار من نفسه وبسبب سوا ظنهم به! لكن كل ذلك لا يعني حقا، هو سيظل في نظر نفسه ذلك المدرس الفضيل والذي مازال يحافظ على قيامه واخلاقه ولم يتجاوزها يوماً واستغل فتاه صغيره بريئه للزواج ليحطم أملها بل على العكس تماماً فهو بسبب تلك الزيجه! سيعطيها فرصه جديده بالحياه بعد ارتكابها خطيئه لا تغفر من طرف البشر….. ألصق جسده بالنافذة الزجاجية الداكنة بالمنزل ثم اشرأب عنقه للأعلى محاولاً انشغاله برؤية الجميع بالخارج دون اهتمام حتي أخيرا خرجت العروسه .
عند خروج ديمة من غرفتها وهي تحمل طرف فستانها حتى لا تتعثر، أصابها الأمر بالريبة عندما تفاجأت بحشاد الناس حولها، فظنت أنه سيكون حفلاً بسيطًا في المضيفة لكنها تفاجات بان أختها قد دعت اهل المنطقة كلها، وهنا تفهمت سبب حضور الجميع حتى يشهدون على زواجها الآن حتي حين تنفصل بعد فتره !.
رفعت ديمة رأسها نحوه ببطء رغم أنها قد رأت ملامحه كثيراً لكن تلك المره غير فسيصبح زوجها بعد دقائق من الآن! للحظة شردت في لمحات سريعة من ذكريات جمعتهما سوى فلم تجد، غير عندما كانت وهي طفله صغيره تراه يتردد على منزلهم كثيراً ويظل يتحدث مع والدها في عده أمور حول العمل والدراسه، كون والدها وقتها كان المعلم الخاص به و المشرف بعد ذلك على رسالته قبل ان يصبح معيد في احد الجامعات بالوقت الحالي، حتى أنها تتذكر عندما كان يقابلها بالصدفه يعطيها قطعه حلوى ويبتسم اليها بطيبه وهي تشكره ببراءه قائلة (شكراً يا اونكل آدم) فحتما علاقتهم كانت من المستحيل أن تنتهي الى ذلك المطف الآن وتصبح زوجته.. الأمر حقا أحيانا يصيبها الى الشعور بالاشمئزاز .
فكيف شخص كانت تعتبره لسنوات طويله في مقام والدها أو شقيقها الأكبر !!. فجاه يصبح زوجها.
انتبهت فجاه هي والجميع إلى صوت المأذون الجهوري الذي صدح بالمنزل لتنخفض الأصوات العالية تدريجيًا، وبدأ في اجراءات الزواج وكان وكيلها أحد ازواج أشقائها.. اصطحبتها اختها لتجلس بعيد وتراقب الوضع!. لكنها أيقنت أنها غير مستعدة كليًا إلى تلك الخطوة الحاسمة في حياتها، لكن ما باليد حيله ولم تستطيع الإعتراض
على الجانب الآخر وزع آدم أنظاره عليها بين الحين والأخر وهو يردد خلف المأذون بحذر، ليلاحظ صمتها المرتبك وتهربها من نظراته فتوترت تعبيراتها قليلاً فراقب ما تفعله بهدوء مزعوجًا، فأعتقد في نفسه أنها مكروهة على تلك الزيجة رغم استشعاره العكس او أختها أخبرته بموافقتها السابقه، لذلك الامر لا يستدعي كل ذلك القلق والتوتر منها.. حمحم بخشونة وحاول عدم التفكير فيها مؤقتًا.
استغرق الأمر عدة دقائق حتى انتهى من التردد خلف المأذون، وفعل زوج شقيقها ذلك الامر أيضًا وسرعان ما أعلن الشيخ بانتهاء عقد الزواج ليعلنهم زوج وزوجه أمام الجميع قبل ختم كلماته الشهيره .
أطلقت رانيا زغرودة مدوية معبرة عن فرحتها لكن ليس بسبب عقد القرآن لكن بسبب ضمان ستره أختها بعد زواجها، فأخيرًا ستستطيع التنفس الآن براحه بعد ما حُرمت منها بسبب خوفها الشديد كل يوم أن ينكشف سر أختها للآخرين قبل أن تتزوج، لكن الامر انتهي الآن بمجرد عقد القرآن، نظرت زينب نحو أختها بعدم ارتياح بعد سماعها لأصوات الزغاريد المتعاقبة لتقف إلى جوارها متأملة أختها الصغيرة وهي تقف جانب عريسها الذي يكبرها بسنوات كثيره! بينما ظلت ديمة من الداخل خائفة منه وتحترق كمدًا بنيرانها حتى غص صدرها بالبكاء المرير، ولم تخفِ عبراتها المنهمرة بغزارة التي أعتقد البعض بأنها حزينه بسبب فراق أخواتها عنها، فقلبها قد انفطر على عمرها الذي ضاع بقهر مؤلم.. بسبب زواجها من رجلاً غريب عنها ويكبرها بثامن عشر عاماً .
❈-❈-❈
بـعـد مـرور سـاعـتيـن.
بعد انتهاء الفرح ورحيل المعازيم والعرسان ايضا، ظلت زينب أكثر إنزعاجاً وتخوفاً عن ذي قبل بسبب تخيلها لبطش آدم وما يمكن أن يفعله مع أختها الآن بعد أن سارت معه الى منزله وحدهما، ندمت نوعاً ما على تهورها وأنها وافقت على اقتراح شقيقتها الكبيره، و أحست أنها تسرعت في تلك الخطوة ابتلعت ريقها بقلق و بشرود مذعور .
جلست رانيا جانبها، وفركت طرف ذقنها مرددة بحيرة
= مالك يا زينب ساكته من ساعه ما الفرح خلص ليه.. ايه لحقت توحشك .
عبست بوجهها بدرجة ملحوظة سائله إياها بقلق بالغ
= رانيا هو انتٍ مش شايفه ان احنا استعجلنا على جواز اختك من الراجل ده واحنا مش واثقين فيه كفاية، ايش ضمنك ان ممكن ما يضروهاش زي الثاني.. ولا حتي يضحك عليكي وما يطلقهاش زي ما وعدك ؟.
وضعت يدها فوق فمها بسرعه بتوجس، ثم أخفضت نبرتها خوفه من ازواجهم واولادهم الذين بالداخل يسمعون حديثهما قائلة بحذر شديد
= بس وطي صوتك انتٍ ناسيه اللي جوه احسن يسمعونا احنا اما صدقنا سترنا على اختك وانتٍ تيجي تقلقينا انتٍ شايفه ان ده وقت مناسب للكلام ده بعد ما خلاص اختك اتجوزت وراحت معاه بيته! انا مش فاهمه ايه لازمة الكلام ده اصلا واللي خلاكي تفكري فيه دلوقتي ما انتٍ كنتي موافقه زيي .
هزت الأخري رأسها بندم، فردت عليها بتلعثم
= فعلا كنت موافقه ولما صدقت كمان من خوفي على أختك وخوفي أن إحنا نتفضح معاها ونتطلق، بس للاسف حسيت متاخر أن انا فكرت في نفسي بس وما فكرتش ان ممكن اختك تنضر احنا ادينا الراجل ده ثقه زياده أوي انا بصراحه مش مرتاحه له ولا مرتاحه للموضوع كله.
اغتاظت رانيا منها ومن حديثها الذي جعلها تشعر بالتوجس والقلق نوعاً ما، فردت عليها بحدة
= هو إحنا شفنا منه حاجه وحشه عشان تقولي مش واثقه فيه، الراجل ساعدنا من غير ما يطلب مننا حاجه قصاد خدمته و ما استناش حتى لما نطلبها منه وبعدين ما احنا اللي عارضين عليه ان يتجوز اختك عشان يستر عليها .
ضيقت ما بين حاجبيها و تضايقت من حديثها الهادئ، وهتفت مستنكرة ثقتها الكبيرة به
= وهو وافق على طول مش يقلق، هو انتٍ ناسيه فرق العمر اللي بينهم؟ مش ممكن يتمم الجواز ويضحك علينا احنا ازاي ما فكرناش في كل ده .
أسندت رانيا رأسها أعلي يدها متنهدة بإرهاق وهي تقول باهتمام قليل
= هو انتٍ غاويه تقلقيني وخلاص يا زينب، اهدي وبلاش الأفكار دي أولا الراجل ما وافقش على طول بالعكس خد وقته وفكر وعلى فكره سبب موافقته عشان هو شاف في ديمه انها ذي بنته! اللي اتحرم منها زمان ولا انتٍ ناسيه الموضوع بتاع بنته اللي اتربت بعيد عنه مع خالتها وياما كان بيحاول يرجعها وهي مش عاوزه ترجعله بسبب خالتها اللي سيطرت عليها، صدقيني هو بيعتبر ديمة زي بنته وده اللي حسيته من كلامه لما قعدت معاه .
تعقدت تعبيرات وجهها بانزعاج، فسألتها بقلق
= مش ممكن يكون بيضحك عليكي واحنا مخدوعين فيه، انا عاوزه اتصل بديمه دلوقتي نطمن عليها أحسن يكون عمل فيها حاجه
اتسعت عيناها وأراحت جسدها للجانب بسرعه تمنعها من الاتصال عليها بذلك الوقت، وحذرتها بنظرات ضائقة
= اقفلي التليفون ده وبطلي هبل كده الراجل هيشك ان احنا مش واثقين فيه وهتنيلي الدنيا اكثر ده احنا اللي دخلناه في الموضوع من الأول وطلبنا منه المساعده ويتجوزها.
هزت زينب راسها بعدم إقتناع وكادت أن تتحدث مجدداً لكنها قاطعتها، وهتفت الأخري بصوت مختنق للغاية
= اسكتي خالص يا زينب بدل ما تخلي اللي جوه يسمعوكي بقى احنا الحمد لله سترنا على اختك وانتٍ تيجي تفضحيها دلوقتي! حرام عليكي بقي كفايه قلق و ان شاء الله هنعدي عليها بكره قبل ما نمشي ونطمن.. وبعدين احنا المره دي وعدناها ان احنا حتى بعد ما تتجوز هنفضل نتواصل معاها ومش هنغلط غلطتنا بتاعه زمان ولو حسينا في اي وقت ان في حاجه اكيد هنتدخل.. لكن مش بالطريقه دي!
** ** **

يتبع…

لقراْة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى