روايات

رواية قابل للكتمان الفصل السادس عشر 16 بقلم خديجة السيد

موقع كتابك في سطور

رواية قابل للكتمان الفصل السادس عشر 16 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء السادس عشر

رواية قابل للكتمان البارت السادس عشر

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة السادسة عشر

استيقظ منذر صباحاً وابتسامة واسعة تملأ
وجهه، الليلة الماضية لا يعرف كيف يصفها لكنها كانت رائعة! فأخيراً حدث ما كان يريده ولم يعد هناك مشاكل صحيه او نفسيه يعاني منها.. ليله أمس لم يكن هناك مانع او سد منعه إكمال العلاقه بل شعر بشعور لم يعرف كيف يوصفه من حاله الشغف الذي كان بها، ولم يعد يشعر بعد الآن بأنه رجل غير مكتمل أو اهانات مثل ذلك ياخذها على محمل الجد ويغضب ويحزن بنفس الوقت، فا أقام علاقه كامله مع زوجته وانتهى أمره .
نهض يبحث عن حبيبته التي سيطرت على
كيانه أمس بطريقة غير متوقعة! كانت في المطبخ تقوم بتحضير الفطور وهي تدندن إحدى الأغاني الرومانسية التي تعشقها.. في وضعها لم يختلف عنه كثيراً نالت جزاء صبرها مع زوجها ولم يعد هناك مشاكل تفكر بها و تحمل همها وباتت متأكدة باقي المشاكل ستحل طالما اكبر مشكله انفكت عقدتها لذلك تكاد تطير من الفرحة، لن تبالغ إن قالت أنها قضت أسعد ليلة في حياتها! صحيح البداية كانت مليئة بالمعاناة والأحزان لكن انتهت وبدأت السعاده ترسم عنوان قصتهم.
تحرك نحوها يسير حتى اصطدم بجسدها من الخلف انتفضت بهلع وهي تلتفت إليه،انصدمت وعبثت ملامحها لتهمس له بخجل
= خضتني انت صحيت امتى؟
اقترب من شفتيها يلامس خاصتها هاتف بتيه من فيضان المشاعر التى تغمرها به
= لو كنت اعرف أن الايام شايله لي أجدع سـت في الدنيا.. وعمرها ما حبت حد غيري! كنت حطيت صبر فوق صبري من غير ما ازعل ولا انهار وفضلت مستنيكي.
ابتسمت ضحي بسعادة غامرة ثم تابع كلماته
مبتسماً بحب
= ‏الواحد فينا لما بيعيش لحظة حلوة وتعدي بيتهيأله إنها أجمل حاجه في حياته و عمرها ما هتتعوض بس دي حاجه مش صحيح لأن عندك مثلا اللحظة اللي إحنا فيها دي بعد عشرين سنة هتفكرها وهقول إنها كانت أجمل حاجه في حياتنا.. بس انا متاكد ان اللي جاي هيكون اجمل .
ليكمل وهو يمرر يديه على ذراعها يفركه بحنان
= سعيده يا ضحي معايا.
ابتسمت ابتسامة مشرقة له مديرة رأسها لتطبع قبلة فوق راحة يده التى تحط خدها
= السعاده دي كلمه قليله اوي علي اللي أنا حاسه بيه
همس بكلمات اذابتها عشقا وهو يردد بلوع
= أنا كمان مش مصدق ان الحلم اتحقق و بقيتي ليا سواء فعلياً او على الورق! عارفه يا ضحي كل اللي حصل امبارح وانا معاكي في حضنك أنا حلمت بيه
ابتسمت قائلة بدلال و هى تمرر يدها فوق صدره من خلال فتحة قميصه
= إيه ده؟ انت كنت بتحلم بيا و مقولتليش ؟
تحدث بصوت اجش بينما يده تمر برفق على جانب عنقها مقرباً وجهها منه مما جعل شفتيه تلامس شفتيها
= لان كنت شايف أنه ده حلم مستحيل يتحقق
وإن هقدر اتخطى كل ده واوصل للي انا عاوزه
هزت رأسها متفهمة لعفويته وهي تتساءل باهتمام
= و حلمت بإيه تاني!.
أخفض رأسه طابعاً قبلة حنونة على جبينها قائلاً بعشق
= حلمت أن أنا و انتٍ في مكان لوحدنا و بعيد عن كل الناس وادي الحلم اتحقق و بقينا لوحدنا.. وانا مش عاوز غيرك يا ضحى، انتٍ بقيتي دنيتي وكفايتي من الحياه .
تطلعت نحوه بخجل كبير، فعمق منذر نظراته أكثر نحوها لتصبح هي محاصرة بين وميض عينيه المتقدتين شوقًا لتذوق حبها الدافئ، ليردف بنفس النبرة
= ولا بقيت شايف غير عينك الحلوه ولا سامع غير صوت قلبي و قلبك وهما بيقولوا بحبك .
صمتت للحظة قائلة بخفوت رغم اهتزاز نبرتها
= انا كمان بحبك أوي.. المهم فكرت في كلامي ونويت هتعمل ايه؟
هز رأسه بهدوء ثم قال بهدوء جاد
= ما تقلقيش كل حاجه هتبقى كويسه، هحاول اروح اخد العفش وابيعه ودهبك كمان واشوف أي محل إيجار وأبدا من جديد في المشروع
اهتمت بما يقوله مبتسمة، على موافقته ثم فركت أصابع كفيها معًا وهي تقول بارتباك
= طب كويس دي أخبار كويسه أوي، منذر انت مش ناسي حاجه انت مش هتروح للدكتور عشان تكمل جلسات علاجك بلاش تقطع في النص كده! احسن بعد كده ترجع تنتكس في أي لحظه
تلاشت ابتسامته مرادفا بجدية شديدة وهو يغمز بطرف عينه بمرح
= مالك يا ضحى ما أنا بقيت كويس اهو ولا انتٍ نسيتي اللي حصل امبارح؟
ابتلعت ريقها بخجل وتوتر ملحوظ ولم تستطيع الرد او النظر له فنظراته تصيبها مباشرة في قلبها وتزيد من نبضاته، زفر مطولاً رافعًا رأسه للأعلى ودس يديه في جيبي بنطاله، وأردف قائلاً بهدوء
= انا كويس ما تقلقيش عليا وبعدين لو كنتي ناسيه العلاج غالي جدآ واديكي شايفه حالنا اللي مش عارفين لسه هنمشيه ازاي؟ وانا كويس يبقى ما لهوش لازمه .
شعرت بتوجس طفيف ولم تقتنع بحديثه فهي لم تطلب منه الذهاب الى الطبيب لأجل علاجه من الضعف فقط بل لأجل مرضه النفسيه التي تسبب به عائلته، لكن لا ترغب في افساد هذه اللحظه لذلك فضلت الصمت.
بينما بدأ عقل منذر يعمل و يخطط بعزم وقوة لما ينوي فعله في الفترة القادمة.
❈-❈-❈
كان الوضع في بيت شاهين سيء للغايه على الكل، معاذ تخاصم مع زوجته ولم يتحدث معها حتى الآن وهكذا كان يعاقبها من وجهه نظره والاخري فعلت المثل! وهذه المرة بالذات لن تحاول، فلقد حاولت بما يكفي لأنها تعرف بأن محاولاتها ما هي إلا هدرٌ للطاقة وهدرٌ للأيام وهدرٌ للشعور، الآن مكتفٍ بما تملكه، ولا تملك أثمن من نفسها ولا تظن ولو للحظة بأنها مُطمئنة هنا بل هي قلقٌة و مُتعبة وتدعو الله أن يخلّصها من كل ذلك دون أن تبذل مجهودًا حتى.
وأثناء ذلك كان عتاب مايسة لبسمة مبالغا به في حديثها وأفعالها معها فرغم أنها اعترفت بخطاها بنفسها وعادت بسمة تزورها وتجلس معها إلا أن بسمة تغيرت تمامًا معها، فعندما تحدثها بشيء تتظاهر بعدم الانتباه لها وعندما توجه اوامر معينة لتفعلها كالعاده بالمنزل تتجاهلها تماماً وتخبرها لم تسمعها جيدًا أو أنها نسيت ذلك الأمر.
وهكذا استمر الحال حتى تأكدت حماتها بأنها تفعل ذلك معتمدة حتى لا تساعد في اعمال المنزل ابدأ، وذلك جعلها تغضب أكثر وأكثر منها ألم يكفي بأنها كانت تكذب طول الوقت عليهم؟ لذلك كانت تنتظر اي فرصه قريبه حتى تجعلها تذهب من هنا بلا رجعه.
وحتى يتخلص شاهين من جدلها ونقاشها الحاد يوميه معه أحضر لها مساعده تساعدها في أعمال المنزل أخيراً، لتحل عنه.
أما بسمة فلم تندم على شيء مما فعلته
فعليه هو و أسرته أن يعلمون أن ما تقدمه هي من خدمات في بيته له، هي مقابل احترامه، و أنه عندما لا يحترمها فهي أيضا قادرة على منع كل شيء عنه.
❈-❈-❈
في كافية قريب من منزل آدم، هتف هو بنبرة متحفزة موجهه الى منذر
=كنت متوقع حاجه زي كده هتحصل في اي لحظه، معلش يا منذر صدقني كده أحسن واكيد هيقلب كلامك في دماغه وهيحس انه كان بيغلط معاك.. على العموم لو عاوز نصيحتي فعلا اسمع كلام مراتك واشتغل لوحدك
جلس منذر بأريحية فوق المقعد أمامه و أجاب بجدية بعد تفكير جاد
= انا فعلا فكرت في كده هشوف اقرب وقت واروح اجيب العفش عشان ابيعه، انا تعبت فيه وهو بفلوسي يبقى ليه اسيبها له واذا كان على الشقه فهي باسمه يأخدها مش عاوزها.. انا بس كل مشكلتي واللي خايف منه ان اول ما افتح المشروع هنا منجحش لأني ما اعرفش حد ولا حد يعرفني
ليربت آدم علي كتفه قائلاً بحمية صادقة
= ما تقولش كده انت شاطر وان شاء الله هتحقق نفس النجاح اللي حققته هناك مع ابوك على العموم لو محتاج مني سلفه انا جاهز و صدقني لولا أن مش بحب ادخل في حاجه مش فاهمها كنت دخلت معاك شريك.. هو انت ليه صحيح ما فكرتش تشوف شريك مضمون تدخل معاه! ويكون حتى لي سمعه كويسه في السوق عشان تنجح بسرعه
هز رأسه برفض بسرعة وهو يقول بتوضيح
=لا لا انا مش بحب فكره السلفه ولا القرض ولا حتى شريك بحب اكون مع نفسي أحسن بدل ما اتدين اكتر، على العموم انا عملت ميزانيه تاني و لو فعلا بعت العفش ودهب ضحى هيكفي وزياده وهيكون بس فاضل موضوع الزبائن اللي هعملهم من جديد
أومأ برأسه متفهمة أمره ثم قال متردد بنبرة حانية
= ربنا يوفقك، بقول لك يعني لو عاوزني اروح اتكلم مع ابوك كاني رايح من نفسي واحاول اصلح اللي بينكم و…
تجهم وجه منذر تمامًا وهو يتطلع له بعتاب غاضب ليختنق صوته هاتفآ باحتجاج
= إياك تعمل كده هزعل منك جامد، خلاص انا ولا عاوز اتصالح ولا ما تصالحش، انا مشكلتي اكبر من كده بكتير معاهم وبعد اول ليله بعدت عنهم فيها بقيت متاكد ان انا وجودي جنبهم أكبر ضرر ليا عشان كده خلاص طلعتهم من حياتي.. وعمري ما ارجع لهم تاني .
لم يعجبه آدم حديثه لكنه لم يرد التدخل وبعد فتره رحلوا الاثنين إلي منازلهم، وكان منذر طول الوقت يفكر في حياته القادمه وكيف سيسعى ويجتهد ليبنيها من جديد بدون ألم وحزن، كان يعلم انه سينتهي مما يعانيه بوقت ما، و ذلك بسبب ثقته بربه منذ سنوات و لكن لم يكن بالحسبان انه سيعشق فتاه وستكون السند والدعم له برحلته.
وهو الذي كان يعتقد ان لن تنظر له فتاه بعد ان تزوج غاده وكانت اسوء أيامه معها، ولم يريد تجربه تلك التجربه بسببها إلا أن تغير كل شيء عندما دخلت ضحى حياته، و لكنه لا يريد أن يتذكر اي شئ سوا إنه الآن يمتلك زوجة رائعه ويستمتع بحياة مستقرة معها.
دخل المنزل وهو يبحث عنها بلهفة وشوق فلا يريد غير أن يتمتع بأحضان زوجته ويجرب معها ما افتقده وكان محروم منه، دخل الغرفة ليجدها تخرج وهي تضع البشكير فوق شعرها المبلل من الحمام، إتصدمت من عودته بتفاجئ و قالت مبتسمة باتساع
= اتاخرت كده ليه يا منذر؟ اتعشيت بره ولا اجهز لك تاكل .
= تعالي.!
قالها وهو يفتح ذراعه اليمين لها، فتحركت ناحيته و وقفت بين يديه وفي حضنه، مسح على شعرها برفق، ثم رفع وجهها له و مسح على شفتيها السُفلى بإبهامه ونظر إليها للحظات ليهمس باشتياق حارق
= هو انا جعان فعلا! بس جعان شوق ليكي يا ضحي ولما صدقت بصراحه أن حصل المراد
تابع كلماته وهو يغمز لها بعينه قائلاً بمرح
= الشقه دي شكلها وشها حلو علينا مش كده!
يا ريتنا كنا جينا هنا من زمان وبعدنا
خجلت واخفضت رأسها ليرفع وجهها نحوه
بعشق وينثرها بقبلات متفرقه علي مقدمه رأسها و وجهها هامسا بانتشاء
=لا لا، عاوزك تفضلي جانبي علي طول من هنا ورايح وما تبعديش عني.. مفهوم .
ظلت تنظر لملامحه لأول مرة ونسيت كل
شئ حولها فقط ملامحه، تطلع فيها كانت جميلة وبدون وعي وكأنها متخدره شهقت بذعر عندما انتبهت وهو ينحنى نحوها حاملاً إياها بين ذراعيه مما جعلها تصرخ متفاجأة،
وهمست بارتباك وحرج بينما عقدت ذراعيها حول عنقه حتى لا تسقط
= منذر نزلني عشان متتعبش.. انا تقيله عليك
لم يرد عليها أنما وضعها على السرير واستلقى فوقها، وهمست مجدداً وهي تحرك يدها على ظهره بحنو
= ضهرك وجعك؟
اجابها بينما يحنى رأسه نحوها وابتسامة واسعة ترتسم علي شفتيه
= فداكٍ أي وجع.
في وقت لاحق… وضع قبله على جبينها برفق مشدداً من ذراعيه حولها بينما دفنت هي وجهها بجانب عنقه مغلقة عينيها لتغرق سريعاً بالنوم… بينما ظل هو يحتضنها بقوة اليه متمتعاً بالشعور بانفاسها الدافئة التى تلامس جانب عنقه وهو يشعر بان قد ملك الدنيا و ما بها.
ثم تسائل في عقله، كيف ينام المرء ليلة
تحقيق أحلامه؟
❈-❈-❈
لم تمضِ أيام إلا وجاء منذر بالمبلغ الذي سيساعده على شراء ما يريده لاقامه المشروع بعد أن أخذ أثاث المنزل وبعه كله، بالاضافه الى شبكتها أيضاً، فرحت ضحي كثيراً حين اشتري محل خاص به وبعض المعدات اللازمه وبدا بالعمل بالفعل علي الفور، وهنا لم يتوقف دور زوجته الصالحة!
حيث صنعت صواني الحلويات للجيران حولها لتخبرهم عن متجر زوجها الجديد حتى يزروه و أول طبق حلوى كان من نصيب ديمة التي تعرفت عليها بالفتره الاخيره وشكرتها على ضيافتها لهما في منزل عائلتها و شكرتها الأخري أيضاً علي طبق الحلوى والتهمت نصفه قبل أن تترك البقية لادم، وبدأت ديمة تروج معها وتساعدها عند معارفها والجيران كي يشتروا ما صنعه منذر من أعماله الاحترافية الخاصه بالزجاج، و فرح منذر حين بدأ يتوافد عليه طلبات الزبائن.
وكل من يتعامل معه يحوز علي ثقته فيعود ويتعامل معه مجدداً، فكانت ضحى محقة عندما اخبرته بأنه شخص ناجح وسوف يصنع له إسم وثقه بسرعه هنا، كما فعل في حي السيدة زينب.
كما قامت ضحي أيضًا بإنشاء صفحة على الفيسبوك باسم زوجها لتنشر فيها أعماله و تجلب زبائنًا أكثر وأكثر وتحقق سريعًا شهرة ونجاحًا. في البداية كان الوضع سيئًا ولم تنجح في ذلك وكان عدد المتابعين قليلًا جدًا، لكنها لم تفقد الأمل وقررت صنع إعلان ترويجي لعمله وهنا حدث التحول، حيث عرف الزبائن القدماء عن مكانه الجديد وعادوا للتعامل معه مرة أخرى.
لم يصدق زوجها نجاحه السريع، حيث كان متوقع فشله! مثل ما كانت أسرته تخبره طوال الوقت أنه شخص غير مسؤول وعديم الفائدة ولكنه بدأ يدرك أنهم هم الفاشلون وليس هو. ولم ينكر دور زوجته في نجاحه بل كان يشكرها طوال الوقت.
فكانت تسعى معه في كل خطوة، حتى في أعمال المحل أحيانًا كانت تذهب معه في الصباح وتساعده في تنظيف المحل وترتيبه، وتعود في المساء بالطعام يتناولونه معًا ولكن بعد ذلك، منعها من المساعدة عندما بدأ يستأجر عمالًا لمساعدته في الطلبات الزائدة.
وعندما حصل منذر على أول مبلغ سخي، فرح كثيرًا واشترى لزوجته خاتمًا بدلاً من الذي تم بيعه ثم دفع إيجار المنزل لادم والمحل و أعطى الباقي لضحى لتشتري اللوازم الناقصة للمنزل مثل الطعام والشراب وما إلى ذلك. وما تبقى من المال وضعته جانبًا واستمرت الأمور هكذا لفترة.
شعر منذر أنه عندما أجبر خاطر زوجته، فإن الله سيفتح له أبواب الرزق من حيث لا يتوقع. وبفضل الله وتيسيره، تحسنت الأمور معه بشكل مذهل.
وفي حين كان نجاح منذر يتزايد بشكل كبير وملحوظ بجهوده، وقد بدأ في بناء نجاح آخر له في مكان بعيد عن عائلته.. فإن الأمور تدهورت تماماً على الجانب الآخر مع عائلته كما كان متوقعاً.
وما سهل بناء كل تلك العمليه بالنجاح هو مشروع منذر الجديد الذي وفر الكثير من الجهد والمال بسبب سعيه للبحث عن الافضل و تطوير نفسه بنفسه، وكان ينوي فعل ذلك في وكاله والده لكن سمح له الحظ ان ينال نجاحه بمفرده هذه المره.
❈-❈-❈
دخل آدم إلى غرفة زوجته بعد أن أحضر لها
بعض الطعام والشراب ليرتبهم في أماكنهم صحيحة فوق المنضدة وهو ينتظر بفارغ الصبر أن تستيقظ ديمة من سباتها وعندما تقلبت همست بنعاس
= آدم.
لأول مرة يشعر آدم بأن اسمه جميل جدآ و
رومانسيا أيضا، فعندما سمعه من فم محبوبته لم يستطع البقاء ثانية في مكانه بل أسرع في الجلوس أمام ديمة يمسح على شعرها ويقبلها من ناصيتها لتعطيه ابتسامة بسيطة لكن خلال دقائق نهضت تركض نحو المرحاض وهي تضع يديها على فمها، أسرع آدم خلفها بقلق شديد
= ديمة في إيه؟ مالك يا حبيبتي
دلف خلفها و تقدم جانبها يجلس في المرحاض ويرفع شعرها الى الاعلى بينما هي تتقيئ والدموع تنساب على طول وجنتيها لفرط شعورها في الغثيان، بينما هو يقوم بتدليك على ضهرها يطمنها بالكلام الحنون، تقيت كل ما يوجد في معدتها حتى أصبحت شهقاتها عاليه استقام يحملها واقترب الى المغسله يقوم بغسل وجهها وفمها يتنهد من دموعها يمسحها وهو يقول بحزن عليها
= حقك عليا انا معلش، هتبقي كويسه دلوقتي وهنروح للدكتور تاني نساله على الموضوع اللي عمال يتكرر معاكي ده .
عبست شفتيها وهو مسح بأبهامه عليها و أبتسم لها وقربها الى حضنه ينتشلها بلطف و يخرج من الحمام يحملها بين ذراعه يسير بها حيث غرفتهم مجدداً لتلف هي علي الفوري ذراعيها حوله وقالت بصوت مجهد
= مش كل ما اتعب شويه هتوديني للدكتور يا آدم ما هو هيقول لك نفس الكلام بتاع كل مره ان ده عادي و فتره وهتروح
وضعها على الفراش ليجلس بجانبها ويمسح على خصلات شعرها ثم قال بخفوت
= ما انا مش عاجبني حالك كده ويا ريت بايدي اي حاجه اعملها لك، والتعب عمال يزيد عليكي.. ومش عارف ان ده فعلا الطبيعي ولا انتٍ اللي جسمك ضعيف ومش متحمل
ابتسمت ديمة وهي تقول بصوت هادئ
= لو كل حد فكر كده زيك يبقى محدش هيخلف ويحمل خليك جنبي بس يا ادم مش هنكر ان انا خايفه من الولاده لوحدي بس انت مش هتسيبني انا متاكده
اعتدلت بجلستها تقوم بتطويق عنقه ووضعت رأسها هناك تزفر بأمان، تصرفاته وكلامه معها يزيح خوف كبير عن فكره انها ستولد بمفردها دون اشقائها او أسرتها كلها، يعرف بقلبها الصغير والخوف الذي يعتيلها لا يلومها هي تجرب أشياء لاول مره في عمرها.
ليفكر بأن يذهب الى أشقائها لمره لأجلها ربما يؤثر عليهم، عندما يعرفون بخبر حملها.!
أخذ بيده صنية كبيرة عليها الطعام و وضعها اعلي الفراش ونظر اليها وهي تعترض على تناول الطعام حتى لا تستفرغ مجدداً لكنه حاول إجبارها لأجل صحتها وبعدها تناولت الادويه وذهبت لتأخذ شاور، كانت بعد فتره تقف أمامه وهو يمشط خصلات شعرها
ثم اقترب منها واحاط خصرها و هو يقف خلفها يري انعكاسهم بالمراه ازاح شعرها المبلل الي الجهة اليمني ودني يقبل رقبتها و هي تبتسم، أمسك بمجفف الشعر الكهربائي الخاص بها واخذ يجفف شعرها ثم صفف خصلاتها و رتب غرتها لتلتفت اليه و ترتفع علي اصابع يدها تقبل وجنته مسد علي وجهها ناظراً الي عينها التي تلمع كـ نجمة بالسماء و أبتسم متحدثاً
= تعرفي ان بقيت متحمس أوي للبيبي اللي جاي؟ يا ترى هيكون ولد ولا بنت وهنسميه ايه .
قرصت وجنته بخفه و هي تقول بمرح
= انا اللي هسمي البنت وانا اللي هسمي برده الولد اتفقنا ما تنساش ان انا برده اللي عماله اتعب و مش عارفه اكل بسببه يبقى انا احق باسمه .
ضحك بصوت مرتفع و هو يقربها إليه و نظر
اليها قائلاً بمكر
= يعني مش واخد بالك ان انا برده مساعد في جزء بسيط فيه.. اعطفي عليا شويه وخليني نختار سوا الاسماء حتي
وضعت يدها علي يده حتي تجعله يحاوطها
اكثر و تحدثت قائلة بتفكير مصطنع
= ممم ماشي زي بعضه هخليك انت تسمي البنت بس لما نعمل الأول السونار بعد كام شهر ونشوف هولد ايه.
ضحك بشدة عليها و هو يحرك حاجبيه مشاكساً بها ثم دني يقبل شفتيها و هو يحيط جسدها يضمها اليه نحو الفراش بخفه ثم سحب الغطاء فوقهم مع صوت ضحكتها العالي السعيدة، وفي تلك اللحظه تعالى هاتفه ونظر من بعيد الى الرقم وعندما وجده ابنته رنا؟!.
تجاهلها لاول مره في حياته فكان يعرف جيد سبب اتصالها لانها تحتاج الى النقود وبعد ذلك ستعود وتتجاهل إياه، لكن ربما وجود ديمه والطفله القادم في حياته سيغنيه عنها وعن تحمل أسلوبها الغليظ .
❈-❈-❈
“منذر لم يعد هنا” هذه هي العبارة التي يترددها طوال الوقت شاهين عندما يأتي بعض الزبائن ويسألون عنه، وعندما يضطرون للتعامل معه ينتهي الأمر بشجار عنيف و يخبرونه بأنهم لم يعودوا مرة أخرى بسبب سلوكه العدواني تجاههم، وهذا السلوك كان عكس سلوك منذر تمامًا.
كان منذر يتعامل مع الزبائن بأسلوبه البسيط والمحترم ويجبر خاطر كل من يدخل إلى المكان، وبالإضافة إلى ذلك، الأدوات التي بدأوا يصنعونها بعد رحيله كانت سيئة للغاية، ومن كان يتحمل سلوك شاهين يغادر غاضبًا بسبب سوء البضاعة.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح شاهين غاضبًا بشدة طوال الوقت بسبب أسباب تافهة في المنزل وفي العمل ومع الجميع، وذلك بسبب رحيل منذر وبسبب آخر حديث له معه.
والأمر لم يتوقف عند الزبائن فقط، بل بدأ الموظفون في الوكالة يغادرون بسبب غضب شاهين المفرط وأحيانًا يهينهم بأسلوبه المعتاد، وأيضًا السبب الآخر هو نقص الرواتب والمال، حيث بدأت فسخ التقاعدات مع الجميع تؤثر على سمعة الوكالة وتتسبب في تدهورها التي بناها منذر على مر السنين منذ الصغر.
وبالنهايه لم يعد هناك عمال او زبائن، الا نسبه قليله لا تذكر والمال بدأ يأثر معه بكل شيء حتى على منزله، حقيقة قاسية لا تزال يريد الاعتراف بها هو لا يدري كيف سوف يتعايش مع فقدان منذر، ولا كيف سيكمل العمل الذي بناه منذر أيضاً .
وبدأ يتكبد خسائر بعد رحيله، وكان محقًا عندما أخبره أنه هو السبب في نجاحه وأن جهوده هي فقط ما يميزها، وما زاد من يأسه هو عودة ابنه مرة أخرى عندما فوجئ الجميع بقدومه لأخذ الأثاث دون التحدث مع أحد ثم رحل مرة أخرى! فمن بين الذين شعروا بفقدان وفراق منذر أولاً؟ هو شاهين، ولكن على الرغم من ذلك لم يعترف بخطأه.
❈-❈-❈
كيف يكون النجاح؟ يبدأ من مجرد حلم ثم يحتاج الي قليل من المثابرة والسعي حتي يتجسد الذي كان حلم الي حقيقة في قبضة اليد .
تغير منذر كثيراً عن سابق وقد اكتسب ثقه عاليه بنفسه بعد أن تخطى جزء كبير من معاناته وتعالج من جميع امراضة من وجهة نظره، لذلك أصبح يغامر دون التفكير في الحاضر أو يتردد لحظه، دخل المنزل وهو يردد صائحا بحماس كبير
= ضحي.. ضحي انتٍ فين؟ تعالي يا وش السعد
بينما داخل المرحاض كانت ضحي بالداخل تقف بترقب شديد وهي محدقة في جهاز اختبار الحمل المنزلي الذي اشترته في الصباح لتفعل الإختبار في نهايه كل شهر على أمل ان تصبح حامل! وتتمكن من تحقيق أمنية منذر وهي! لكن سرعان ما تحولت تعبيراتها للعبوس و الحزن بعد أن ظهرت بوضوح وجود علامة شرطية واحدة تنفي وجود ما يشير للحمل.
شعرت بعبء ثقيل يجثو على صدرها وربما يقلب حياتهما من جديد ويقلل من فرحتها، فكل شيء يسير في حياتهما جيد ومنذر تعالج لكن هي الآن التي لديها مشكله!
فهي تنتظر كل شهر بفارغ الصبر لعمل ذلك الإختيار وتكون النتيجه سلبيه، عقلها شاردًا يحلل عبارات حماتها مايسة بتفكير عميق، فماذا سيحدث إن لم تحمل؟ ما الذي سيصيبها إن كان بها عيب ما أو مشكلة أو بسبب عمرها
مثل ما كان يخبرها الجميع العمر الطويل يقلل نسبة الإنجاب؟ تلبك جسدها وشعرت بالرهبة من تخيل الأسوأ، ثم انسابت عبراتها قهرًا على ذلك كما انهارت معنوياتها وبكت بحزن كبير.
لكن بسرعه انتفض جسدها بقوة من قوة نداء زوجها بالخارج يبحث عنها، كفكفت عبراتها بظهر كفيها و تلفتت حولها بخوف، وحاولت لملمة الأشياء المبعثرة قبل أن يعرف ما الذي تفعله، وبسرعه فتحت الباب قائلة بصوت شبه متحشرج
= ازيك يا حبيبي، جيت بدري يعني
من سعادته لم يلاحظ حزنها وضمها بسرعه قائلاً بسعاده
= أنتِ أجمل حاجه حصلت في حياتي… ربنا يخليكي ليا يا ضحي، يا وش السعد انتٍ
ضحكت على لقبها الجديد على مسامعها وأجابت مردفه بعدم فهم
= طب اهدى وفهمني ايه اللي حصل؟
أرخى أحد ذراعيه عنها ليضع يده على طرف ذقنها، رفع وجهها إليه قائلاً بابتسامة سعيدة ولهفه كبيرة
= مش هتصدقي المنشورات اللي انتٍ كنتي بتنزليها على فيسبوك خلت كل اللي كنت بتعامل معاهم زمان يعرفوا مكاني ويجوا يتعاملوا معايا من تاني، خلاص الدنيا هتحلو معانا.. واصلا هم قالوا انهم اتخانقوا مع ابويا وفسخوا كل العقود اللي ما بينهم.. والشغل هيزيد وهشتري عمال اكتر ومش هلاحق عليه
بعد كده
زادت ابتسامته العذبة متلمسًا بشرة وجهها برفق، وعاود ضمها إليه وهو يضيف بنفس الحماس والشغف
= وهنشوفلنا كمان شقه تانيه ملك لينا، كفايه كده على أستاذ آدم ساعدنا بما في الكفايه، و انتٍ هجيبلك ذهب بدل اللي خدته منك ولا الماظ كمان لو عاوزه… اي حاجه نفسنا فيها هنعملها خلاص فاضل لنا تكه بس.
تعالت ضحكتها أكثر هاتفه بفرحه
= ما شاء الله ربنا يبارك لك، قول الله اكبر ما يحسد المال الا اصحابه، عشان تعرف لما قلت لك ان انت هتنجح
أخذ ينهال عليها بالقبلات بسعادة وأخيرا أعادت له الحياه وجهها الجميل، ثم مال نحو وجهها هاتف بمكر
= بالمناسبه السعيدة دي انا عاوز عيل منك! يا ضحي متهيالي دي الأمنية اللي فاضله لينا مش كده.
اتسعت عيناها بتوجس من طلبه، ثم اقترب معمقًا نظراته نحوها، متابع لها بتنهيدة متقدة بأشواق العشق
= ما تتصوري سعادتي هتكون قد ايه لما تيجي تقوليلي انا حامل وتجيبيلي طفل نربي سوا، ونكون عيله صغيره.
كانت تسمعه وهي تتألم بصمت ثم نكست رأسها بإحباط كبير، لقد أرادت إسعاده بتحقيق أمنيته وتبشيره بوجود طفل في رحمها حقا و أكثر منه، لكن مع الأسف لم يأذن المولى بعد، نظر لها باستغراب وهو يتسائل
= مالك يا ضحى هو أنتٍ مش عاوزه أطفال ولا ايه، ما الحال أهو اتظبط معانا الحمد لله
هزت رأسها برفض وبدا صوتها مبحوحًا وهي ترد
= لا طبعاً اكيد نفسي، ان شاء الله ربنا يرزقنا
بالذرية الصالحة
أشار لها برأسه بإيماءة خفيفة قائلاً بهدوء جاد
= ان شاء الله يا حبيبتي.
هزت رأسها بإيماءة مواقفة دون أن تنطق، ثم
اختبأت في أحضانه الدافئة مستشعرة الأمان بقربها الملتصق به، لكنها خشيت أن تكون سعادتها لحظية، أن تتلاشى مع مرور الوقت بسبب تأخر الإنجاب، أخرجت تنهيدة مطولة من صدرها نافضة عن عقلها مؤقتًا تلك الأفكار التي باتت هاجسها الحالي.
❈-❈-❈
في أحد الكافيهات الشهيره، التفتت رانيا برأسها نحو آدم لتجده يطالعها بنظرات هادئة، بينما هي ابتسمت باتساع هي و أختها زينب وهم يظنون بعد ان اخبرهم بأن باتوا الى هنا بأنه سيطلق اختهم الصغيره وقد ندم على
ذلك الإرتباط بفتاه يكبرها كثيراً، هتفت رانيا بثقة عالية
=هاه! نروح نجيبها احنا وهنلاقيها جاهزه بشنطها ولا انت اللي هتجيبها لينا؟ اديني وفرت عليك اهو وفهمت انت اتصلت بينا ليه أكيد زهقت من اللعبه إللي كنت تلعبها انت وهي وحسيت انها ما تنفعكش
جمد أنظاره عليها مرددًا بثبات مريب
= أولا ديمه مش لعبه اسمها مراتي ثانياً انتم فهمتوا غلط انا جايبكم هنا عشان احاول احل اي حاجه عشان ما احسش بالذنب وانكم مقطعين بعض بسببي وبالذات كمان بعد ما عرفت ان ديمه حامل وعلى وش ولاده .
شحب لون وجهها سريعًا، شعرت بحجم الخطر القادم بها، فتيقنت أنها وقعت في مأزق واختها ضاعت! بينما لم تستطيع زينب السيطره على نفسها وقالت بنبره عنيفه حاده
=يعني ايه حامل؟ انت حيوان مستحيل تكون بني آدم يعني كمان مش كفايه هتضيع عمرها معاك وقريب هترجعلنا.. لا كمان هترجعلنا بعيل وهتظلموا معاكم.. انت عاوز ايه مننا بالظبط ما كفايه بقى وسيبها
توجهت أنظاره تلقائيًا نحوها، بالطبع اكتسى وجهه بحمرة رجولية منفعلة، وهدر بصوت جهوري جعلها ترتعد في مكانها
= اتكلمي معايا بأدب وما تفكريش ان انا صعب ارد عليكي واقل منك! بس عامل حساب للعشره اللي كانت بينا زمان وانك اخت مراتي لكن بعد كده هتشوفي وش مش هيعجبك طالما مش قادره تحترميني، وبقولها للمره الألف انا مش هطلق ديمه ولا اتخلى عنها زيكم خصوصاً بعد ما بقت حامل في ابني.
تطلعت رانيا بنظراتها الاحتقارية له، لتقول صارخة بتشنج
= هو انا كان عقلي فين لما جوزتها لك هو انا للدرجه دي كنت مخدوعه فيك؟ اسمعني كويس لو كنت فاكر باللي بتعمله ده قلبنا هترق عليها تبقى غلطان انا خدت وعد على نفسي بيتك ده مش هدخله تاني الا في حاله واحده وانت مطلقها .
بدأت الأنظار تلتفت حولهم لكن لم يهتم احد، وعمق نظراته نحو الإثنين ثم تحدث من بين شفتيه بغيظ ويأس
= ما فيش فايده الظاهر ديمه كان معاها حق لما قالتلي انكم مش بيهمكوا غير نفسكم و بتستغنوا عنها على طول، كنت فاكر لما تعرفوا ان اختكم حامل وما تنفعش تبقى لوحدها في وضع زي ده! قلبكم هتحن لكن الوضع هو هو!
أشار لها آدم بكفه ليمنعها عن الكلام صائحًا بقوة
=ولا كلمة خلاص! اوعدكم دي هتكون اخر مره تشوفوني وديمة اصلا ما تعرفش حاجه عن اللقاء ده وانا كنت كل ما افتح معاها الموضوع ترفض بس عرفت النهارده السبب كويس.. واني لازم اتعامل بعد كده ان ديمة
خلاص ما بقاش ليها اهل
❈-❈-❈
راقبت بسمة من النافذه صغيرها يلهو راكض بالطريق لا يحمل هما لشيء يعانق طفولته بلا خيبات، بينما هي كُتب عليها مبكرًا أن تركض مع الحياة تصارعها لأجل صغير، ربما نحرت طفولته قليلاً إلا أنها لم تتركه وحيد وستكون راضية محتسبة أمرها لله.. وفي تلك اللحظه وجدت والدها قادم متجه نحو البنيه التي تسكن بها وكان وجهه مرهق للغاية، عقدت حاجيبها باستغراب و دخلت حتى تفتح له الباب.
وزع متولي أنظاره حوله بوهن قبل أن يقول متسائلاً بنبرة شبه مختنقة
= منذر فين!.
أعتقد شاهين أنه يريد منذر حتي يعاتبه كعادته، لذا أجاب بنفاذ صبر
= منذر مش هنا يا متولي ولو كنت عاوز تدي كلمتين زي كل مره عشان مش بيسال على إبنه، فالأيام اللي جايه مش هتشوف وشه خالص
ابتلع ريقه بألم طفيف، شاعراً بعدم الارتياح من شعوره بالذنب بالإضافة إلى نظرات الأقارب والجيران حوله التي تحولت للاحتقار، ثم هز رأسه برفض وهو يقول بصوت متعباً
= انا مش عاوز اعاتبه ذي كل مره ولا حاجه انا عاوزه اشكره وابوس أيده كمان لو الامر لزم، و اتاسف له واستسمحوا يسامحني انا وبنتي على كل حاجه وحشه عملناها معاه، يا ريتك تدلني عليه يا شاهين او تبلغوا أن خلاص فهمت متأخر هو كان شايل عني ايه
لوي شاهين ثغره للجانب بابتسامة غير مريحة وهو يرد باقتضاب
= انا مش فاهم حاجه عايز تشكر مين! مش ده اللي كل ما تشوفني تقول لي معاك حق تشد عليه وهو عديم المسؤوليه زي ما بتقول وفاشل ومش فالح في حاجه؟
أخفض رأسه بخزي وحسرة قبل أن يقول بنبرة باكية
= كنت غلطان واستاهل ضرب جزمه كمان، انت خلفت راجل بجد يا شاهين والمفروض تفتخر بتربيته قدام الناس دي كلها ابنك عمل اللي مستحيل اي راجل يعمله؟ ولو كان عمل العكس برده ما كانش حد هيلومه! بس هو فكر فيا وفي كسرتي اللي بشوفها دلوقتي في عيون الناس وانا ماشي في الشوارع! وفهمت متاخر هو كان شايل عني ايه وليه ساكت و مش بيسال على الواد و كان بيستحمل كلام ذي السم برده عشاني.. آه يا ريت يسامحني يا ريت ربنا كان اداني راجل زيه وانا كنت احافظ عليه العمر كله .
حدقت فيه بسمة بنظرات قلقة، وهتفت بحذر
= بابا انت بتعيط ما تفهمني ايه اللي حصل؟
لمعت عيناه تأثرًا، وهو يهتف بنبرة منتحبة
= انا عارف ان انتم ما تعرفوش حاجه بس هتعرفوا في كل الأحوال قريب الناس عامله تتكلم في الموضوع وفي سيره بنتي من ساعه اللي حصل؟ العيل اللي ولدته غاده ما طلعش إبن منذر وهي خانته وهو عارف كده وشاف الواطي وهو بيهرب قدام عينيه! و بدل ما يفضحها ولا يعرف حد حتى انتم، ستر على بنتي ووافق ان الولد يتكتب باسمه.. بس ما فيش حاجه بتفضل مستخبيه ومرات الراجل اللي بنتي عملت معاه علاقه في الحرام جت و فضحتها وقالت على كل حاجه
بدأ يشرح لهما باختصار ما حدث أكثر، بينما اتسعت عينا بسمة بصدمة كبيرة ولم تصدق فعلت أختها الغير أخلاقية وكيف تجرأت علي خيانه زوجها، بينما الأمر كان لدي زوجها معاذ و حماتها وحماها صعب للغاية وهو يحاولون استيعاب كلماته المشينة.
وكأنه في نفس الوقت قد ألقى بقذيفة في وجه مايسة ليفتك بها في الحال، فصرخت شاهقة بلا وعي وهي تلطم على صدرها
=يا نصيبتي! الواد طلع إبن حرام ومش ابن منذر ولا حفيدي؟؟!.
ابتلع متولي ريقه قهراً وهو يتابع حديثه بصوت مختنق
= عرفت ليه بقول لك عاوز ابوس رجله وايده عشان ابنك سترني يا شاهين !. ابنك عمل اللي مستحيل راجل في الدنيا يعمله رغم اللي بنتي عملته معاه بس فكر في كسرتي.. ولما بقيت امشي مطاطي راسي في الشارع ومش قادر ارفعها فهمت هو كان شايل عني ايه وإني كنت مغفل ومش فاهم اللي بيحصل من ورايا وهو كان شايل عني كتير..
وقفت مايسة قبالته غير مصدقة حديثه ولا أفعال غاده وكيف كانت تمثل عليهما دور البراءه وهي بالاصل شيطان على هيئه بشر،
جمدت أنظارها المخيفة على متولي وهي تصيح بطريقة دونية
= يا نهار أسود ومنيل! بقى بنتك الزباله تعمل فينا كده الواطيه ما طمرش فيها كل اللي عملته! وانا اللي كنت عاوزه ارجعها تاني هنا البجحه، لا وبتدخل بيتنا وتطلع وهي شايله العيل وعينيها قويه ومش خايفه من حاجه و قال ايه كل اللي يهمها مصلحه الواد ما يترباش بعيد عن ابوه حسبي الله ونعم الوكيل فيها يا شيخ.. عرفت تلعب علينا كل ده ازاي وتكدب آه يا بنـ….
شعرت بسمة بحرج والدها وقد اشفقت عليه بشدة ولم تستطيع مساعدته، فهي تعرف جيد طريقه حماتها في العتاب! بالإضافة إلى أنهم محقين ففعلت غاده ليست بسيطة، وقد تأكد والدها أن ليس هناك شخص مثل منذر حقا،
طالع متولي شاهين بنظرات ممتنة وهو يقول بحرج شديد
= ابنك راجل بجد يا شاهين واللي ذي ده صعب تلاقي زيه انا مش فاهم اصلا قدر يستحمل كل ده ازاي؟ ولا يوافق أن عيل مش ابنه يتكتب باسمه بس عشان يستر عليا، و فضل مستحمل السنين دي كلها وكاتم في قلبه، عرفت تربي بجد راجل يشيل المسؤوليه واوعى تقول عليه تاني مره فاشل ولا صايع، ربنا يخليهلك ويحميه و يا ريتك تقول له يسامحني ويسامح بنتي كمان لو يقدر.. وهي كمان دلوقتي بتاخد جزاءها من ربنا و العيل مات بسبب إهمالها.. وانا كمان والله هعاقبها عاقب شديد على اللي عملته فيا
تفاجأ الكل بوفاة الطفل، بينما نظرت مايسة له باحتقار، وقالت بحدة ساخط
= فهمت ليه دلوقتي منذر كان بس لما بيسمع اسمها حاله بيتشقلب؟ يبقى كان معاه حق بقى فكل اللي كان بيعملة معاها يا ريته فضحها يا شيخ.. قسما بالله لو كنت اعرف اللي فيها كنت انا اللي فضحتها بنفسي وتحمد ربنا ان العيل مات مش لسه على اسمه كنت كملت لها الفضيحه علني قصاد العالم كله .
مــــرر شاهين أنظاره على متولي وهو يراجع كلماته ثم تحولت نظراته مظلمة إلى وجهه، ما أشعل فتيل حنقه وأوصله لذروته، وسرعان ما جذبه بعنف في قميصه صائحًا بجموح
= انت بتقول إيه يا راجل يا متخلف انت؟ هو مين ده اللي يسامحك وبتطلب منه السماح علي ايه؟ بعد ما عمال تهزق فيه في الراحه وفي الجاي قدام الناس كلها؟ قدام الاهل و القرايب والعمال في الوكاله؟ أنت ما عندكش دم ما عندكش احساس؟ إزاي عقلك صورلك ان ممكن حاجه زي كده يسامح عليها
اتسعت عينا متولي وهو يقول بصوت مرتجف
=وكاله إيه اللي رحتها وهزقت ابنك فيها يا شاهين؟؟ انت بتقول ايه انا عمري ما روحت أصلا الوكاله عندك.. ولا شفت حد من قرايبك وعملت حاجه زي كده قدامه .
شعر بدمائه المغلية تحرق روحه من الداخل، فهتف بانفعال ثائر من نفسه وليس من متولي
= لا عملت، عملت اللي اكتر من كده كمان! قعدته من التعليم رغم انه بيحبه وانت عارف كده كويس! جبرته يشتغل فوق طاقته عشان يتعمل المسؤوليه ومن جبروتك كنت عاوز تشيله كل حاجه! عشان الاخ التاني يجي ياخد الفلوس على الجاهز من غير ما يتعب؟ ويوم ما فكر يتجوز استكثرت عليه يفرح وحرمته وفردت عليه واحده ما تسواش في سوق النسوان حاجه! و عملت ليها قيمه هنا وهي ما تستاهلهاش وخليتها تركب وتدلدل وتتحكم في الواد.. وتقولي ما عملتش؟؟ انت عملت كل حاجه وحشه ممكن حد يتخيلها فيه وعاوز قال ايه يسامحك.
أنصدم معاذ وأسرع يضع يده على قبضتي والده محاولًا انتزاعهما، بينما هز متولي رأسه متفهم أمره لذلك امتص غضبه قبل أن يسيطر عليه هاتفا بجدية
= اهدى يا شاهين انا فهمت انت مالك روح اطلب منه السماح يسامحني ويسامحك، هو قلبه كبير و هيعذرنا وهيعذرك انت اكثر واحد هو انا اللي هعرفك على منذر برده يا ابو منذر.. هو لو ما كانش بيحبك ما كانش يتحمل كل ده منكم .
نظر شاهين إلى نفسه فأدرك حجم حماقته مع إبنه الأكبر، فقد اندفع كالاعمى في تصرفاته معه دون أن يعبأ بالنتائج او التفكير في مشاعره المجروحه، وقد تذكر هنا حديثه عندما اخبره بأنه يتعالج عند طبيب نفساني بسببهم، فهم كانوا اكبر معاناه بالنسبه له.
قطب جبينه ساخراً بألم ليرد بجمود وقد ضاقت نظراته
= يحبنا! الواد اختفى وما نعرفلوش طريق! خلاص راح بعد ما قال كفايه ارحموني و طلع كل اللي جواه، و مش راجع تاني.
هزت رأسها مايسة معترضة وهي تقول بنبرة حزينة
= بس يا شاهين حرام عليك ما تقولش كده لا هيرجع هو ليه غيرنا! احنا قسينا عليه شويه لا كتير بس هو بيحبنا صحيح، ده لما كان بيسمع بس حد مننا تعبان ولا بعافيه شويه يسيب كل اللي في ايديه ويجي يقعد جنبه، وما يطمنش ولا ينزل يشتغل الا لما يتاكد ان احنا بقينا كويسين.. حتى مهما نعمل فيه ونقول؟ كان يفضل تحت رجلينا ويعمل لنا كل اوامرنا
أجابها بسخط واضح في نبرته رغم ثبات تعابيره
= واحنا عملنا ايه في المقابل يا مايسه؟ عشان يسامح ويرجع يبقى تحت رجلينا من تاني.. وجهي نفسك بالحقيقه منذر مش هيرجع يبص في وشنا تاني، وبدل ما احنا اللي نعرف قيمته الغريب جي يعرفنا قد ايه ابننا كان راجل كويس
تنهد متولي مطولاً وشعر أنه يجب أن يرحل الآن، وعندما لاحظت مايسة ذلك ضاقت نظراتها بسخط جلي، وهي تقول بصرامة
= استني يا متولي! انت قلت الناس كلها عرفت فضيحه بنتك الكبيرة وبصراحه كده بنتك الثانيه عامله عامله سوداء هي كمان!
الهانم كانت بتكمل تعليمها من غير ما تقول لجوزها ولا تقول لنا، وكفايه علينا ان احنا فيه وكفايه فضايح.. وربي بقي ولادك الاتنين عدل وشوف انت كنت في الغفله ولا ايه
نظر والد بسمة لها بتوتر شديد، واصطبغ وجهه بحرج شديد وتسأل بتوجس
= قصدك ايه يا ست مايسه ؟..
بدات مايسة مشمئزة من غاده وأبيها وكل تلك العائلة الفاضحة لذلك عقدت ما بين حاجبيها بشدة، وصاحت مزمجرة
=خد الهانم معاك بشنطه هدومها والواد كمان مش همنعها منه بس احنا هنشوفه غصب عنها ومعاذ هيبعتلها ورقه طلقها، و كفايه كده كان نسب يعير.. ومش عاوزين نكرره ولا مع الصغيره ولا مع الكبيره.
احتدت نظرات معاذ بذهول، بل وزاد انعقاد ما بين حاجبيه عقب ما قالته أمه، وبسرعة قال بارتباك
= امي انتٍ بتقولي ايه؟ استني بس هو آآ
التفتت بسمة برأسها نحو حماتها لتنظر لها ببرود زائف ورسمت القوة والثبات وهي تقاطع حديث زوجها وقالت متعمدة استفزازها
= اسمع كلام امك يا معاذ هي معاها حق برده الطلاق هو الحل لينا سواء اللي عملته اختي ولا ما عملتهوش ده اللي كان لازم يحصل من زمان .
نظرت بسمة إلي غرفة المعيشة حولها والمنزل بحنين عارم ستفتقده لاحقاً وكم آلمها أن تشعر نفسها ستكون بعد طلاقها غريبة في مكان احتضنها لسنوات من حياتها، لكنها هزت رأسها بنفي لذلك الشعور وتابعت حديثها قائلة لرد كرامتها وكرامه والدها
=واللي لازم تعرفه كمان ان الجوازه دي كلها على بعضها! تمت بعدم رضايا والله يسامحه ابويا اللي خرجني من التعليم مخصوص عشان يجوزني، قال ايه خايف يموت قبل ما يطمن عليا واديني اهو كنت انا اللي بموت هنا بالبطيء.
احتقنت نظرات معاذ بسبب إهانتها أمام الحاضرين، وغضب من فكرة أنه لا يزال يرغب بها بعد كل تصرفاتها تلك ولا يريد الانفصال عنها، وهي تخبره أمام الجميع أنها تزوجت به بعدم رغبتها، لذلك وافق على الطلاق أيضًا كرد فعل لكرامته بعناده.
وفعلاً تمت إجراءات الطلاق ورحلت بسمة مع والدها، والسبب الرئيسي في ذلك كانت والدته وغادة أختها.
❈-❈-❈
بــعـد مــرور عـده شـهـور.
وقف آدم أمام غرفة العمليات مترقباً خروج زوجته وطفله بخير من الداخل، ورغم حضور منذر وزوجته معة إلا أن علق قلبه وعقله و روحه بالداخل.. مرت عليه الدقائق وكأنها أدهــر من الخوف عليها هي وطفله! ان يحدث لهما شيء سيء فلم يسامح نفسه ابدأ.
وما هي إلا دقائق أخرى حتى خرجت الطبيبة من غرفة العمليات لتطمئن الجميع وعلى ثغرها إبتسامة ودودة وهي تقول
= مبروك المدام ولدت وجابت ولد .
بعد مرور وقت، مسحت ضحي على كف ديمة بأناملها وهي راقده فوق الفراش فكانت مرهقـة من الولاده ثم وضعت بجانبها علبه قطيفه وهي تقول بابتسامة هادئة
= حمد لله على سلامتك يا ديمه جبتي ولد زي القمر يتربى في عزك يا حبيبتي
ابتسمت ديمة بهدوء وسط ألمها وأجابت بصوت واهن
= تسلمي يا حبيبتي عقبالك يا رب، بس ما كانش في داعي كفايه مجيتكم
هزت رأسها ضحي بمعني لا عليها فقد نشأت بينهما صداقة بالفتره السابقه، وعندما علمت بمولدها تركت كل شئ هي و زوجها وجاؤوا يطمئنون عليها، رغم سكنهم البعيد عنهم! لكن لم ينسوا وقفتهم جانبهم .
وفي ذلك الأثناء كان آدم يرد على الجميع بكلمات مقتضبة فعقله وقلبه مشغولان بطفله الرضيع الذي حمله بين يده غير مصدق أنه وصل أخيرا بخير، نبضاته كانت تتسارع مع أنفاسه تلهفاً لثمرة حبه والتي جمعت بينهما بعد وقت طويل من المعاناة والشقاء…
فذلك الملاك الغافل جعله يتذكر كل مشاعر الأبوة من جديد، رغم انه حاول تكرار ومرات يتذكر موقفه مع طفلته رنا عندما كانت طفله رضيعه لكن لم يتذكر ابدأ ولم يعرف السبب؟
ربما بسبب بعدها عنه قد نسى، لكن ذلك الصغير أعاد له الشعور من جديد والذكريات أيضاً.. إنها لحظة لا توصف بالنسبة له إحساس رهيب بالسعادة الغامرة سيطر عليه كلياً.
تململ الرضيع بين ذراعيه، فإرتجف قلبه خوفاً عليه وهو يحمله بين ذراعيه برفق شديد كأنه كنزه الثمين.. بينما حاول منذر أن يحمله قليلاً لكنه رفض، حتي عندما طلبت زوجته رفض أيضاً بسبب خوفه المبالغ فيه على طفله.
صمتت ديمة لحظات وبعد برهــة تلفتت حولها لتدقق النظر فيمن متواجدون معها.. وبالأخص زوجها وهي تقول بنبرة حادة
=ادم في ايه؟ الممرضه من ساعه ما جابت الولد وانت اللي ماسكه ومش عاوز تديه لحد فينا وقلت خايفه عليه عشان هم جايين من بره و مش متعقمين طب انا امه مش هشوفه
أمعن آدم النظر فيه مطولاً قبل أن يمد يده المرتجفة علي وجنتيه برفق شديدة جدآ.. ثم
حاول تبرير تصرفه قائلاً بخوف بائن علي طفله
= انتٍ تعبانه يا حبيبتي ارتاحي براحتك وما تشيليش هم انا هخلي بالي منه، وبعدين ده يا حبيبي صغير اوي ولسه مولود مش هنقعد نشيله من ايد لايد كده ممكن يتجزع مننا واحنا مش واخدين بالنا
تجهمت تعبيراتها بشدة وزفرت بصوت مسموع، وهي تقول بازدراء
= معنى ايه الكلام ده مش هشيل أبني ولا ايه
انت مالك متابت في الولد كده و مش عاوز تديه لحد، مش هناكله علي فكره.. أهدي وبطل خوف علي الفاضي
انحنى على جبين طفله طابعًا قبلة عليه، مرددًا بعبوس شديد
= مالك يا ديمه هو انا اللي هاكله يعني! ابني وعاوز اشيله شويه في حضني عندك مانع!
سلطت أنظارها على زوجها بحنق ثم هتفت بنبرتها المحتدة
= آدم انا عاوزه اشوفه دلوقتي حالا عشان أكله، إيه هتعند وتمنعني في دي كمان ولا إيه.
ضحك منذر من طريقتهم بصمت، بينما نفخ آدم بشدة بغيظ واضطر ان يعطيها الطفل بحذر شديد وهو يهتف بجدية شديدة
= أوف لا يا ستي حاضر طالما عشان خاطره بس خدي بالك منه وبالراحه وانتٍ بتشيلي، مش هيستحمل اي خبطه ده.. اكلي كويسه هاه.
تنهدت ديمة بحرارة وهي تقرب وجهها من طفلها لطبع قبلة اموميه حانية على بشرته الرقيقة مرددة بابتسامة لاهية
=شكلي كده هبتدي أغير منك يا آدم اكلت الجو كله مني وابوك من اول يوم مش عاوز يفرط فيك وخايف عليك مني كاني مرات ابوك؟ مش ابني ولسه والداك وشلتك تسع شهور وتعبت فيك!
ارتفع حاجباه للأعلى باستنكار كبير حينما سماعها تنادي الطفل باسمه، واعترض معلل
= آدم مين؟ اوعي تقولي انك هتسمي الولد آدم.. ديمه انا وافقت انتٍ اللي تسمي الطفل بس مش للدرجه دي يعني؟ مش من قله الأسامي يا حبيبتي
ضمت طفلها بحنان إلي صدرها، وهزت كتفيها في عدم مبالاة وهي ترد ببرود
=لا يا حبيبي عاجبني الاسم وهساميه، بذمتك مش حلو ولا مش عاجبك اسمك؟ والله هيليق عليه.. وهدلعه واقول له ادهمي حبيبي
اتسعت حدقتاه بصدمة وشعر بالحرج بسبب تلقيبها لذلك الإسم في حضور منذر وزوجته،
ليرد هاتفًا من بين أسنانه المضغوطة
= كمان! لا يا حبيبتي كده الهيبه هتروح خالص شوفلك إسم تاني وانا هوافقك على طول بس بلاش آدم ولا ادهومي دي
رفعت وجهها لتحدق في عينيه بنظرات محذرة وهي تقول بإصرار جاد
= في ايه يا آدم المفروض تفرح عشان معنى كده ان انا بحبك وبقدرك لدرجه هسمي اول طفل لينا باسمك زعلان ليه.. الإسم عاجبني يا ابو آدم ومش هغيره
وقف قبالتها معترضًا بشدة وهو يشير بسبابته
هاتفآ بتبرم ساخط
= وانا قلت هتغيريه يا ديمة وما فيش آدم ده خالص.. و شوفي كلام مين اللي هيمشي .
❈-❈-❈
كان الوضع في منزل متولي هادئ وصعب للغايه، غاده ظلت حبيسة بغرفتها بامر من والدها والطعام يدخل لها كالمساجين، و عندما حاولت بسمه التحدث معها فيما فعلته تفاجأت بها ما زالت عدوانيه ولم تتغير بعد، واخبرتها بنبرتها الحقودة
= ما تعمليش فيها ابله النظره انا لولا ان ابوكي كسر التليفون مني والصور اللي فيه راحت كنت عرفته حقيقتك انتٍ كمان، و زمانك قاعده جنبي بتتعاقبي؟!.
حينها حاولت الإبتعاد عنها تماماً لأنها حقا أدركت أنها شخص غير سوي نفسياً، وفي ذلك الاثناء تعالت طرقات باب المنزل وذهب والدها يفتح وحينها تفاجأت بوجود ثلاث سيدات مناظرهم لا تبشر بالخير ابدأ ثم تحرك والدها يفتح باب غرفه أختها أيضاً وأشار للسيدات نحو غاده التي ذهبوا الى الفور يجذبوها بقوه.
حدقت غاده في أوجههم العابسة بتخوف كبير، وعندما فاقت من صدمتها المذعورة هدرت بانفعال
= اوعوا سيبوني انتم مين وعاوزين مني أيه.
فقد تواصل والدهم مع أحد أقربائه وقص لهم باختصار ما فعلته أبنته وأن لم يعد قادر على تربيتها، لذلك لجأ لهم عله يكون سببًا في التوفيق من جديد وإصلاح ذاتها قبل أن يتمادى الأمر أكثر من ذلك، لفت تلك السيدة ذراعيها حول كتف غاده لتجرجرها قسرًا معها إلى بلدها، حاولت أن تتملص منها فلم تهدأ وواصلت تذمرها وصراخها بخوف شديد منها، لتصيح بها بقسوة شديدة
=اكتمي خالص يا بنت، ايه مالكيش كبير ولا إيه؟ لينا حساب في البلد، ما احنا مش هنقبل سمعتنا تتوسخ!
ارتجفت غاده من تهديده العلني، وصرخت مستغيثة ببكاء حارق
= ابوس ايدك يا بابا ما تسيبنيش اروح معاها والله هسمع الكلام و مش هخرج عن طوعك بس ما تخليهاش تاخدني.. اتكلمي يا بسمه عشان خاطري.
ارتجفت بسمة من منظرها واستنجادها لها المفاجئ وحافظت على ثباتها الانفعالي هاتفة
باضطراب كبير
= بابا أعمل حاجه هم هياخدوها يعملوا فيها ايه؟!.
وقف أبيها عاجزًا في مكانه حتى عن تقديم أي مساعدة لها، بالطبع هي جنت على نفسها بتصرفاتها الهوجاء وهي الآن ستحصد تبعات أعمالها، ولم يجد حل آخر غير ذلك حتى يتخلص من أعمالها المخجلة، بينما هتفت تلك المرأة صائحة بنفاذ صبر
= خلاص الأمر نفذ! هناخدها نربيها وهنعمل اللي كان مفروض يعمله ابوكي من زمان، هنستر عليها!.
عقدت بسمة حاجيبها باستغراب وهي لا تفهم حديثها جيد، لكن الأخرى تابعت حديثها بغموض مريب قائلة
= هنجوزها لواحد في البلد عندنا عنده عيلين واعاقه في رجله وعاوز اللي يخدمه وهتكون تحت عينينا أي حركه كده ولا كده هتتحاسب عليها، واحنا حسبنا هناك غير حساب ابوكي.
استشعر التهديد العدواني في نبرتها، فصاحت بهلع وهي توجه أبصارها نحو تلك السيدة
=ابعدي عني يا وليه يا مجنونه انتٍ مين قالك ان انا هسمع كلامك وهتجوز واحد مشلول! والله أموت نفسي فيها لو ده حصل.
اخرستها المرأة بصفعه قوية بشراسة فوق وجنتيها جعلت جسدها عاجزاً عن التحرك، لتقول بجمود مخيف
=هتسمعي كلامي غصب عنك، الظاهر كان معاك حق يا متولي بنتك ناقصه ربايه! قلت لك انا غير ابوكي في العقاب.. اتقي شري أحسن!.
انكمشت غاده على نفسها برعب شديدة منها ولاول مره في حياتها لا تستطيع الاعتراض واستخدام أسلوبها الوقح مع الآخرين، فمن الواضح تلك المرأة لا تتفاهم مُطلقًا، أسلوبها حاد وعنيف، وجهت أمينة نظراتها فوق بسمة وقالت بنبرة حادة
= لو عاوز عريس لبنتك الثانيه قبل ما تطلع من تحت طوعك طالما اتطلقت هي كمان خليها تيجي معانا يا متولي .
زادت كلماتها الغاضبة من رعب بسمة، لتشعر بالخوف الشديد بأن من الممكن يوافق والدها علي حديثها ويضيع مستقبلها هناك، لتقول بذعر
= لأ لأ لأ، بابا عشان خاطري اوعى تعمل كده انا والله العظيم ما عملت حاجه غلط وفهمتك الموضوع كله، ارجوك ما ترمنيش الرميه دي تاني .
نظر متولي إليها مطولاً ثم أشار لها بذراعيه معللاً
= متشكر يا أمينة! هي غاده وبس، بسمه ليها عيل هنا بتربيه جنب اهل طليقها وما ينفعش تمشي، وهي كمان وعدتني انها مش هتعمل حاجه من ورايا تاني.
تنفست الصعداء بقوة، بينما أدركت غاده أنها لن تتركها تفلت منها فصاحت ببكاء وخوف
= خلاص انا اسفه بس سيبيني!. مش عاوزه اتجوز الراجل اللي انتٍ قلتي عليه ده.
لم تمهلها أحد السيدات الفرصة لطلب النجدة أو الاستغاثة مجدداً، وجذبوها بقسوة فعجزت عن إيقاف دفعهم حتى وصلوا بها إلى الأسفل بسيارة خاصة كانت تعج برجال بلدتها الأشداء،
زادت رجفتها وخوفها مما هي مقبلة عليه، ثم وضعت بداخل السيارة بالاجبار وسط مشاهده الجميع لها لكن لم يتدخل أحد بالطبع بعد أن علم حقيقتها الشنيعة! ومن وجهة نظرهم هي تستحق ذلك واكثر، لذا الجميع تركها تواجه مصيرها الغامض الذي ينتظرها هناك.
❈-❈-❈
بالجانب الآخر، كانت ضحي تجلس بجسدها وسط الجميع جاهدت لتبدو تعبيراتها طبيعية باقي الزيارة لكن لاحظ منذر الوجوم الذي حل على قسماتها و رأى ذلك الحزن البائن في نظراتها، نهض بترقب واستأذن بهدوء للرحيل هو و زوجته.
وعند خروجهما التفتت تتحرك بشرود فأجبرها منذر على التوقف متسائلاً بحذر
= مالك يا ضحى اول ما مدام ديمة قالت لك عقبالك وانتٍ وشك قلب في حاجه انا ما اعرفهاش ؟
استدارت نحوه مبتلعة ريقها وهي ترد بابتسامة زائفة
= ايوه يا حبيبي! مش ملاحظه ان احنا اتاخرنا في موضوع الخلفه ايه رايك ننتهز فرصه ان احنا في المستشفى ونكشف
تعجب من تعجلها لتلك المسألة التي لا دخل لهم بها، وهتف معترضة بنبرة شبه مرتفعة
= بس لسه بدري احنا ملحقناش، وبقالنا فتره قصيره متجوزين وانتٍ فاهمه قصدي مش هنحسبها من اول ما كتبنا الكتاب
هزت رأسها برفض وهي تقول بقلق شديد
= مين قال ان احنا لسه بدري تعرف فات كام شهر واحنا سايبين بيت ابوك؟ لا اسمع كلامي وتعالى نكشف وبعدين مش انت فتحت معايا الموضوع ده وانا من قبل كده كل شهر بستنى واعمل اختبار في البيت ومش بيحصل وانا بصراحه خايفه ليكون في عيب !.
قبض على يدها بيده، وحدجها بنظرات حادة و هتف قائلاً بصلابة
= انا لما قلت لك كده ما كانش قصدي ان احنا نستعجل ولا انك تستني كل شهر وتعملي اختبار سيبيها بظروفها، وعيب إيه بس اللي بتفولي على نفسك بيه، انسي يا حبيبتي و ما تفكريش في الموضوع ده تاني .
تقوس فمها للجانب بيأس وأجابته بصوتها المختنق
= غصب عني والله عاوزة أفرحك، طب ايه اللي هيحصل لو كشفنا مش ممكن تكون حاجه بسيطه وتتعالج او يدوني اي علاج يسرع الموضوع ده.
وقف قبالتها مسلطًا أنظاره عليها وهو يسألها باقتضاب
= هو انتٍ مالك حاطه في دماغك الموضوع أوي ليه؟ اللي بيركز في الحاجات دي هيتعب! غير أن لو طاوعتك مثلا وطلع فيا أنا عيب ناويه تسيبيني ولا حاجه
أغمضت عينيها بعدم اقتناع مرددة بصوت خافت بإصرار
= بعد الشر ان شاء الله هتكون كويس وانا كمان! كل الحكايه بقول لك تعالى نكشف ممكن تطلع حاجه بسيطه ويدونا فيتامينات او اي حاجه تعجل الموضوع شويه عشان خاطري طوعني وما ترفضش.
رمقها بنظرات قوية هاتفًا بصلابة
= وبعدين يا ضحي أنا قولت ايه؟ هو انتٍ خلاص وحشك النكد والغم لحياتنا هتدوري على اي حاجه تعملي عليها مشكله.
ابتلعت ريقها وتلألأت العبرات في مقلتيها وهي ترد
= خايفه اوي يا منذر.. آآ أن موضوع سني يكون هو السبب في تأخير الحمل زي ما كانت والدتك دايما بتقول
نظر لها مستنكرًا تفكيرها السطحي، وتحدث يعنيفها بضيق
= أستغفر الله العظيم، ممكن تشيلي الهبل ده من دماغك عشان ما فيش حاجه زي كده و عشان اخلص حاضر يا ستي هعمل لك اللي انتٍ عاوزاه .
حاول منذر رفض طلبها بشده حتى لا يفسد حياتهم الهادئه، لكن مع اصرارها الكبير رضخ لطلبها وانتظر مجئ الطبيب ليخبرهم ما وجد في التحاليل الخاصه بهما، تعمدت ضحي الحفاظ على ابتسامتها اللطيفة وهي تكافح لمنع أفكارها من الظهور علنًا لتكشف ضيقها المكتوم بداخلها، وأنها تقلق من القادم
لكن رفع منذر يده ليداعب طرف ذقنها قائلاً
= صدقني لو في اي عيب عندك عادي! هو انتٍ متوقعه ان انتٍ يعني تقفي معايا في ضيقتي وانا قليل الاصل أوي كده وهسيبك عشان موضوع الخلفة، لو حصل لقدر الله حاجه صدقيني الموضوع ده هننهي من حياتنا ومش هنفكر فيه تاني.. انتٍ عندي اهم من كل حاجه ومن ١٠٠ عيل كمان.
أدمعت عينها تأثراً ثم لفت ذراعيها حوله ليلتصق رأسها بصدره، هامسة بتوجس
= ربنا يخليك ليا ومايبعدنيش عنك!
بعد دقائق دخلت الطبيبه لهما بالتحاليل، ثم اعتدل الاثنين في جلستهم وهم يتطلعون لها باهتمام كبير، لتقول هي بنبرة هادئ
= تمام، تحاليلك كويسه يا أستاذ منذر.
ابتسمت ضحي بسعادة صادقة لسماعها ذلك لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها بخيبة عندما تابعت الطبيبة حديثها قائلة بحذر
= بس للاسف المشكله عندك انتٍ يا مدام ضحى، وهي اللي منعاكي من الخلفه!.
** ** **
_________________
ابتسمت ضحي بسعادة صادقة لسماعها ذلك لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها بخيبة عندما تابعت الطبيبة حديثها قائلة بحذر
= بس للاسف المشكله عندك انتٍ يا مدام ضحى، وهي اللي منعاكي من الخلفه!.
للحظات شعرت ضحي بارتخاء ساقيها و عجزها عن الوقوف من قوة تأثير الصدمة، و
طارت أحلامها الوردية وذهبت في مهب الريح، وتبخرت مخططاتها المستقبلية في ثوانٍ معدودة.
بينما ارتجف منذر من المفاجئ وحافظ على ثباته الانفعالي لأجل زوجتة وهو يهتف بعدم تصديق
= حضرتك متاكده من الكلام ده يا دكتوره؟ ما يمكن في غلط ولا بيتهيالك ولا مش ممكن أصلا العيب فيا أنا عشان انا جت عليا فتره كنت تعبان وانتٍ اتلخبطي ولا حاجه، بتحصل مش كده؟
هزت رأسها بأسف وهي ترد بحذر أكبر
= التحاليل قدامي بتقول ان العيب في مدام ضحى ولو عاوز تعدها عند اي حد ما فيش مشكله، بس اللي واضح قدامي أن المدام عندها مشاكل في الرحم والتبويض فـ..
تعقدت تعبيرات وجه منذر إلى حد ما متسائلاً بجدية
=يا دكتوره الله يرضى عنك انا مش هفهم الكلام ده؟ انا يا ستي اعتبريني واحد جاهل وما كملتش تعليمي اصلا فجيبها لي بوضوح؟ في أمل أن مراتي تخلف ولا لاء ؟
نظرت له الطبيبة قليلاً ثم أجابت بهدوء جاد
= اكيد الأمل موجود طالما في علاج لحالتها هو صحيح الموضوع ممكن ياخد وقت بس أكيد في نتيجه في الآخر، وحتى لو الموضوع ده ما نفعش في عمليات حقن مجهري
قطب منذر جبينه مهتمًا، متسائلاً بارتباك و خوفاً علي مشاعر زوجته التي كانت تستمع حديثهما بصمت غامض ومريب له
=طب نسيبنا من موضوع العلاج اللي مش عارفين هياخد وقت قد إيه؟ خلينا في موضوع عمليات حقن المجهري لو مضمونه وأسرع يبقى نعملها على طول! بالله عليكي خليكي صريحه معانا وقوليلنا الحل الاسهل
هزت رأسها قائلة بعدم اعتراض
= تمام في حاله مدام ضحى عمليات حقن المجهريه فعلا أسهل ليها، وعشان اكون صريحه معاك اكتر الموضوع بيكلف كتير لو هتعملها عند حد مضمون وفي مستشفى كويسه، وغير ممكن الموضوع ما ينجحش من أول مره كمان.. وده حاجه لازم تحطوها في الإعتبار لو مشيتوا في الموضوع ده.
سلط أنظاره على وجه حبيبته قائلاً بنبرة صادقة
= أكيد طبعاً هختار حد مضمون واحسن حاجه لمراتي، شوفي حضرتك الإجراءات ايه وهنعملها أن شاء لله.
تسمرت ضحي في مكانها مستديرة برأسها نحو الإثنين ثم نهضت قائلة بنشيج
= هو انت ماشي معاها في الكلام عادي و نسيت تسالها اهم سؤال؟ الموضوع ده هيتكلف كام دي بتقول لك كمان ممكن ما ينجحش حتى بعد ما نتداين ونجرب! قوم بينا نمشي هي خلاص ما فيهاش فرص وانا عمري ما هكون أم.
لم تنتظر رده وتحركت لترحل بينما ركض الآخر خلفها فاستدار ناحيتها ليقف أمامها قائلاً بعتاب لطيف
= استني بس يا ضحى, ما الموضوع في حل أهو! ما طلعش زي ما انتٍ كنتي فاكره السبب سنك، ايه بس اللي هنخسره لو عملتي العمليه دي مش ممكن تنجح من اول مره
أدمعت عيناي ضحي بشدة وهي تحاول تجاوز ما عرفته من قبل تلك الأوقات العصيبة، لكنها كانت تمر ببطء وبثقل يهلك القلوب قبل العقول، رغمًا عنها أجهشت بالبكاء سريعًا، كورت يدها ضاغطة على أصابعها بقوة وهي تتحدث بأسى
=ما تضحكش على نفسك هتجيب الفلوس منين ده احنا يا دوبك حياتنا بدات تتظبط من كام شهر! هنرجع تاني نبيع اللي ورانا واللي قدامنا؟ ولو سمعت كلامك و الفلوس راحت على الفاضي والعمليه ما نجحتش يبقى كسبنا ايه.
رد عليها بنبرة جادة وهو يرمقها بنظرات حنونه
=ما بلاش تشاؤم! بصي عليا انا كانت حالتي برده كده وكنت بقول لنفسي نفس الكلام انا ما ليش علاج وعمري ما هخف وهفضل كده طول عمري، بس بعد كده ايه اللي حصل؟ و بعدين فين ضحى المتفائله ده انا كل ما كنت اتشام وانزل لسابع ارض تطلعيني بكلامك لسابع سما وكان طول الوقت عندك ثقه فيا وفي ربنا .
ارتجفت شفتاها وهي تقول بنبرة باكية
=ونعم بالله ما قلناش حاجه بس برده نفكر بالعقل، الفلوس كتير أوي اللي مطلوبه وانت مش قدها ومش هوافق ان انت تتدين ده انت ما عملتهاش عشان مشروع عمرك هتعملها عشاني .
جاهدت لتتحرر منه محاولة نزع يده عنها لترحل من المكان لكنها فشلت، امتص سريعًا صدمتها قائلاً بتريث عقلاني
= وما اعملهاش عشانك ليه انتٍ اصلا عندي أغلي من نفسي، ومستعد اعمل اي حاجه عشانك عشان تكوني مبسوطه ومش هعرضك لنستني نتيجه بعد كام سنه، خلينا نمشي في موضوع العمليه الثانيه وهنعملها مره واثنين وثلاثه كمان لحد ما تحملي
زادت حدة الآلام التي تعصف قلبها فقالت بوجع شديد
=يا سلام وهتجيب كل الفلوس دي منين؟ ده انت الاسهل ليك تروح تتجوز واحده غيري..
تصدق فكره؟ مش احسن تسيبك من واحده املها ضعيف في الانجاب وتروح لوحده تانيه صغيره وعندها فرص اكثر .
نظر لها مطولاً بعتاب شديد ليرد عليها بنبرة جادة وهو يرمقها بنظرات عاشقة
=انتٍ بتتكلمي بجد يا ضحى؟ عاوزاني اسيبك من أول مشكله و اروح ادور على غيرك وانا إللي مشكلتي كانت اصعب ما رضيتيش تسيبيني و حاولت معايا واتقبلتيني بكل عيوبي وفضلتي تعافري معايا رغم رفضي في كل خطوه لكن انتٍ ما يئستيش، ولا فكرتي تقولي لنفسك الكلام اللي قلتهلي دلوقتي تروحي تدوري على واحد غيري تتجوزي
رقت ملامح ضحي وهي تدرك أن الحق معه فهي لا تستطيع السيطره على نفسها فتنهدت قبل أن تقول له بصوتٍ مؤلم
= غصب عني رغم ان انا كنت شاكه في كده! بس الصدمه اللي قالتهالي الدكتورة صعبت عليا الموضوع.. انا كل احلامي زمان عن الجواز كانت اني اكون ام زي اي واحده؟ بس لقيت كل أحلامي بتنهار تاني.. ولسه هستنى واعافر والعمر يجري وما نضحكش على نفسي حتى لو في امل طبي مش هنقدر عليه .
احنى رأسه عليها ليطبع قبلة صغيرة على جبينه ثم رد موضحًا بنبرة غير قابلة للتفاوض
= اول حاجه هزعل منك تاني مره لو قلتلي الكلام الخايب بتاعك ده اني اتجوز! عشان دي معناها عندي كبيرة وانك بتتنازلي عني بسهوله، ثاني حاجه ما لكيش دعوه الفلوس هتتجاب منين وسيبي الأمور دي عليا.. وعند ثالث محاوله هنستسلم للأمر الواقع وهنرضى أن إحنا نعيش عمرنا من غير أولاد بس هنكون لينا بعض.. وده عندي كتير يا ضحى وهعافر عشان أوصله .
للحظة تسرب الأمل بصوته الجاد إلى أذنيها فبدا كالترياق لذلك الذي يلتهمها بضراوة، هدأت نسبيًا وانخفضت حدة صوتها وهي تقول بنبرة معترضة
= بس انا مش هقبل انك تدين نفسك ولا تعرض نفسك للخطر عشاني، يا منذر عشان خاطري اوعى تعمل كده .
عمق من نظراته نحوها متحدثاً بهدوء مثير للأعصاب
=يا عبيطه مين قال لك ان انا هعمل كده انا هشتغل عادي وهحاول اجمع الفلوس، وكل ما نوصل للمبلغ المطلوب هتعملي العمليه! وذي ما ربنا يريد، يا ضحى انا كنت قبل ما اعرفك مؤسس حياتي ان انا عمري ما هكون ليا زوجه كويسه ذيك ولا أطفال وبدات اتعامل على الأساس ده وانتٍ اللي اديتيني الأمل اغير كل ده، بعدين لما اتجوزتك وحبيتك! اقوم انا بقي اروح احقق الحلم مع حد تاني.
عمق نظراته العاشقة نحوها فتلاشى تدريجيًا غضبها وحزنها، ثم مال عليها برأسه هامسًا بنبرة ذات مغزى
= ما تجيش! عشان ما فيش ضحى غيرك..
هي ضحى واحده وبس.
❈-❈-❈
بالوقت السابق- قبل أشهر.
عــادت بسمة إلى منزل والدها وأولت والدها الرعاية الكاملة، ولم تبخل عليه بمجهودها رغم إرهاقها، فشعر الأخير بأنه كان مخطئاً في حقها، وأنه تسرع في زواجها وتقارب الإثنين إلى حد ما من جديد عكس سابق.
أخرجت بسمة نفسا مرتجفا فلقد مر الوقت عليها صعب للغاية كلما تذكرت كيف اقتحمت السيدات المنزل واخذوا اختها بالاجبار و زوجوها رغم عنها الى شخص قعيد لتصبح خادمه له والى اولاده ومن يعلم ما الذي يحدث لها هناك أيضاً، منذ ذلك اليوم كلما سمعت الباب يطرق تنفض بذعر خوفاً من ان يسلمها والدها لهما هي الأخرى عقاباً على ما فعلته، وكيف كانت تكمل دراستها بالسر دون علم أحد.
لا تنكر بان أختها أخطأت و تستحق العقاب لكن بنفس الوقت تعطف عليها، وعلى نفسها من ان تذهب لها او تعود الى زوجها من جديد،
فلقد أذاقتها عائلتها بسبب شكهم بها شتى أنواع وأصناف العذاب للحد الذي جعلها تقبل أن تتزوج من معاذ الذي كان جزءً مما تعيشه لينتشلها من جحيم عائلتها! وهكذا صارت بين ليلة وضحاها خادمه الى حماتها ومتزوجة من شاب لا تعرف عنه شيء إلا أنه مستهتر و شغوف برفاقه السوء ومغامرتهم.. وبدأت تعيش في نفس المكان مع عائلته الغريبة و كانت تعيش كالميتة بلا روح، ثم لم تمر أشهر على زواجها منه حتى علمت بأنها تحمل طفل في أحشائها .
ولم تجد غير معاذ الذي اضطرت أن تكمل زواجها منه لتصب عليه وبال سخطها وغضبها وتعتبره مسؤولا عما حدث لها، لذا فهو أيضًا من يقع عليه اللوم في خسارتها للأبد.. وفي خسارتها لشهادتها الجامعية و خسارتها أحلامها وطموحها.. رغم انها حاولت اصلاح جزء بسيط واكمال دراستها لكن بنفس الوقت قطعت كل اتصالاتها مع العالم الخارجي بمن فيهم و صديقاتها الذين استهجنوا زواجها المفاجئ دون سبق دعوات أو علم، خوفاً من احراجها عندما يعلمون بأن زوجها يعتمد على المصروف من والده وهو رجل غير مسؤول.
لتشرد في حديثها مع والدها عندما قصت له باختصار عما كان يحدث لها في بيت شاهين وكيف كانوا يعاملوها، بالاضافه الى معاذ ولما كانت تصر على أن يعمل! بدأ صوتها مقهور ومستاء وهي تشرح كيف كانت تعاني أكثر مما كان يتخيل
= أنا قلتلك كل حاجه حصلتلي هناك واللي خلتني واجبرتني اكذب الكذبه دي على الكل، بس لازم زي ما تغلطوني تغلطوا نفسكم كمان.. بابا انت كنت لما تيجي تزورني عمرك ما بتسالني مالي لا بتسالهم هم انا كويسه معاهم ولا لاء مع ان انا اللي بنتك، لحد ما خليتهم يتمادوا اكتر في الغلط معايا .
ابتلع متولي ريقة بحزن وهو يقول بندم
= هو انا كنت وحش معاكي أوي كده يا بسمه
انا كل اللي كنت خايف منه ان بيتك يتخرب ولا انك تبقي زي اختك قاعده جنبي، بس لازم تكوني عارفه كمان حاجه فكره انك تعملي حاجه من ورا جوزك حرام وانتٍ برده غلطتي
ربت أبيها على كتفها بلطف يضيف قائلاً
= انا مش بقول كده عشان الومك، انتٍ بنتي و بحبك وكنت فاكر نفسي بعمل الصح ليكم بس ما كنتش اعرف والله انك بتتعذبي أوي في كده بيت حماتك
أدمعت عينها بخيبة مرددة بغرابة
= أول مرة تقولي كدة يا بابا اول مرة تبقي في صفي !
شعر بالحزن لأجلها ولأجل تصرفاته معها بالسابق ثم هز رأسه رافض هاتفًا بجدية
= لأن هي دي الحقيقة أنا بحبك يا بنتي و كل حاجه كنت بعملها سواء صح ولا غلط كان هدفي مصلحتك، و لما بتختلفي انتٍ وجوزك باخد صفه علشان المركب تمشي.. ما كنتش عاوز الخراب بس اهو الخراب حل في النهايه
برده مهما عملت.
ازدردت ريقها هاتفة باعتراض
=الصح انك تعمل لبنتك كرامه في بيت جوزها وقدام اهله، عيله معاذ لما كانوا بيشوفك وانت بتقولي كبري دماغك واعملي اللي تقول لك عليه حماتك، كانوا بيتمادوا اكتر وعلى فكره طنط مايسه ما طلبتش منه يطلقني عشان غاده ولا حاجه؟ لا عشان حسيت اني بخرج عن طوعها ومش هساعد بعد كده في البيت وابقى خدامه في رجليها، شفت انت عشان تخلي المركب تمشي كنت مخليني أيه؟ ولا معاذ اللي كنت بعمل المستحيل عشان احاول اخليه في نظري انا وابني راجل يعتمد عليه .
بدأ حديثها مقنعًا بالنسبة له، ليقول مرددًا بحسرة
= ياااه يا بسمة كبرتي بسرعة كده إمتى ؟! بس هيقول إيه؟! الظاهر كده كان العيب فيا مش فيكم
ترددت بسمة للحظة وهي تقول بقلق
= خلاص اللي حصل حصل وانا قلت لك كل حاجه، وعشان مش عاوزه اكدب عليك تاني نفسي تخليني اروح احضر امتحاناتي اللي قربت والمره دي برضاك، صدقني ده اللي هيكون سلاحي عشان اواجه وافهم الدنيا مش الراجل اللي ما لوش لازمه في حياتي .
اقترب منها بصمت بعد فتره يحتضنها، تفاجأت مما فعله متسائلة بتوتر مبالغ
= إيه! بتحضنيني ليه؟!
أومــأ برأسه ولم يصر على رأيه كعادته قائلاً بصوت مرهق
= اوعي يا بنتي تخلي حاجة تقهرك ولا تجبرك تكوني زي أختك في يوم وتخسري دنيتك و اخرتك، انتٍ غيرها وربنا لي حكمة في اللي بيحصل لكل واحد!
فهمت بسمة بأنه لا يريد خسارتها هي الأخرى لذلك سيستسلم لطلبها، أخرجها من تفكيرها المتخبط صوته المردد بجدية
= أنا مش هعاتبك وأقولك ليه ماحكتيش معايا من الأول وأن مهما يحصل ما كانش لازم تكدبي، بس هانصحك تختاري اللي قلبك يرتاحه! وأنا موافق تكملي دراستك.
تطلع بأعين دامعه للفراغ يفكر في أبنته الثانيه وما فعلته، وهو يتضرع للمولى عزوجل أن يتجاوز عنها سيئاتها ويسامحها.
بعدها جلست بسمة تقلب بهاتفها بتركيز، لقد فعلت كما طلب منها والدها وها هي تبحث عن دراستها التي اكملتها من ورا زوجها أو فعل شيء دون الاستئذان منه لكن يبدو أن الأمر أصبح معقداً جدا بالنسبة لها التمعت الدموع بعينيها لتلقي الهاتف بعيداً بضيق من معرفتها بالحقيقه يبدو أنها تساهت عن ذلك الموضوع دون المعرفه والخوص به اكثر وهذا جعلها ترغب بالبكاء فهي لم تكن سوي لأجل كذبها بل لأجل ربها، وظلت تدعي وتتمنى أن يغفر ربها لها هذا الخطأ.
عادت إلى الواقع وهي تتنهد، حيث جمعت أغراضها وذهبت إلى الجامعة وهذه المرة، كان والدها يعلم بذلك وعندما وصلت إلى الجامعة وقابلت صديقتها مروة، كانت ترد عليها بشكل مختصر وتتجاهلها احيانا، ولم تعطِها رقم هاتفها الجديد وأخبرتها أنها تواجه مشاكل لكن لم تخبرها عنها بالتأكيد هذه المرة لكن أخبرتها أنها ستغير مكان إقامتها، كانت تقصد أن تكون قاسية معها حتى تنهي العلاقة بينهما نهائيًا، فقد أقنعت نفسها بأن صديقتها مع شخصيه مثلها سيئه ستجعلها تصبح مثلها وأكثر.
❈-❈-❈
جلست كوثر على المقعد في منزل منذر الجديد، تضم جسد ابنتها التي كانت تبكي بحرقة شديدة لتقول أمها باستعطاف
= يا بنتي كفايه عياط هتوجعي قلبك، هو مش جوزك قال لك ما تخافيش وهيتصرف في الفلوس عشان يعمل لك العمليه اللي بتقولوا عليها دي
كانت رافضة وبشدة لذلك الاقتراح، هي لا تريد دفع مبالغ مالية كبيرة في أمر لا تضمن عواقبه، لذلك عبست بوجهها بيأس مرددة بحزن شديد
=يتصرف في إيه بس يا ماما الفلوس المطلوبه للعمليه كثير، لا و كمان الدكتوره بتقول يا عالم ممكن تنجح وممكن لأ، يعني كمان اذا اتصرف واتدين ممكن في الآخر ما يحملش..
لتختنق صوتها بالعبرات وتبكي وتتمخض بمحرمتها قبل ان تواصل قائله بحسرة
= و بعدين حرام الفلوس اللي هتروح على الفاضي دي انا قلتله يتجوز لو عايز بس مش هقدر استحمل حاجه زي كده وانا على ذمته.. ومش هقدر في نفس الوقت أطلب منه الطلاق
عنفتها أمها بالحديث وحذرتها قائله بلهجة شديدة
= بس بطلي هبل هو انتٍ حتى لو وافقتي على الكلام ده أنا هسيبك على ذمته وفي واحده ثانيه غيرك! عاوزه تتقهري وتتوجع اكتر وأنا أقف اتفرج عليكي؟ ما تقوليش كده
هو لو بيحبك فعلاً هيستحمل لا أما تعملي العمليه وممكن ربنا يرزقك.
مسحت دموعها بيدها بعدم إقتناع وهي تقول
ببؤس
=ده اسمها انانيه مني! ومنذر كان نفسه في أطفال بس مش عاوز يوضح ليا ده تاني عشان خايف على مشاعري فا اقوم انا حرماه من شرع ربنا .
هزت رأسها برفض وردت عليها كوثر بإلحاح
=يا بنت ما تقوليش هبله لو طلعتيها في دماغه ووافق هتندمي بعد كده انا عارفاكٍ حساسه ومش هتستحملي، وهتموتي من القهر ما تسبقيش الأحداث ممكن تيجي من عند ربنا وتتحل! المهم انا كنت جايه عشان حاجه تانيه بس لما عرفت مشكله حملك اتلخمت ونسيت.
نظرت إليها ضحي بعدم فهم، ثم تنهدت كوثر بتنهيدة مطولاً و أجابتها بنبرة ذات مغزى
=الكلام كتير داير في المنطقه، ومش عارفه اقول زي الناس جوزك عمل عمل نبيل ويشكر عليه؟ ولا أعمل ذي الناس التانيه واقول لا مؤاخذه مش راجل عشان يقبل على نفسه حاجه زي كده! وإن يكتب عيل مش ابنه على اسمه وهو عارف أن مراته كانت بتخونه وساكت
اتسعت حدقتيها على الأخير حتى كادتا تخرجان عن محجريهما، وهي تتساءل بتوتر
= انتٍ عرفتي الكلام ده منين؟ وبتقولي كمان اهل المنطقه عارفه! هو ايه اللي حصل في الفتره اللي سيبنا فيها حي السيده زينب.
دققت أمها النظر في وجهها باستنكار وهي تقول بشك
= يبقى شكلك تعرفي! الوليه البجحه مرات الراجل اللي طليقه جوزك عملت معاه علاقه في الحرام جت و فضحتها في المنطقه كلها عشان كانت بترسم على جوزها من تاني، يا لهوي على اللي سمعنا منها البنت اللي اسمها غاده دي طلعت مش سهله لا كمان من جبرتها وقسوتها فضلت تهمل في أبنها لحد ما مات
كتمت ضحي بيدها فمها لتمنع شهقتها المصدومة أثر حديث والدتها ناهيك عن موت الطفل! ثم أزاحت يدها عن فمها وهي تقول بنبرة غير مصدقة
= إبن غاده مات؟!.
❈-❈-❈
كان منذر في عمله شارد الذهن طول الوقت يفكر في شيء واحد فقط كيف سيدبر المال لعمليه ضحى حتى تستطيع الإنجاب، فهو حاول بكل ما في أن يطمنها بينما هو لا يعرف ما الذي سيفعله بالفعل للحصول على ذلك المال لأجلها.
ظل هكذا طول اليوم ولم يختفى ضيقه من ذلك الأمر مع استحواذ حماسه المتقد لنجاح مشروعه الجديد، والمرتقب على كامل تفكيره،
الزم نفسه التفكير بالعمل مجبر حتي يعمل أكثر و يربح أموال أكثر بسرعه، هو بالفعل يرغب ان يكون له طفل واحد فقط حتى لا يعيد مأساته مع والده ويفرق بينهما دون أن يدري، لكن بنفس الوقت لا يريد ذلك الطفل الا من امراه واحده فقط وهي ضحى بكل تأكيد.
لذلك من المستحيل ان ينفصل عنها او يتزوج بغيرها ويحرق قلبها المرهف، بعد أن أصبح للحب عنوانًا يخلد بداخله أسماء عشقهم وانعم معها بأحاسيس لم يختبرها من قبل، حلق معها في عنان السماء مستنشق أكسيد الغرام الذي حفز حواسه بالكامل ليغدو تحت سيطرة العشق العميق، وتعلم معها معنى الحنان و الحب والقوه والصبر التي تجيد فنونها ببراعة هي حقا امرأه رائعه ولم يجد غيرها بحياته، يكفي بأنها تحملت ما لم تستطيع تحمله امرأه غيرها وظلت تسانده و تدعمه حتى استطاع تجاوز الكثير من معاناته الشيقه وبالنهايه فاز بذلك واستطاع كسب المعركة.
وتعالج علي يداها هي قبل الطبيب! فبعد كل ذلك يتركها ويذهب لغيرها بكل جحود من أجل طفل لم يستطع اسعاده، طالما سينجيبه من غيرها.!
جف حلقه من التوتر ثم رفع رأسه للسماء ولجأ إلي ربه متعشمًا به خير أن يساعده في مشكلته، هامس بتوسل
= يا رب دبرها من عندك عشان خاطرها هي حتي، نفسي اساعدها وهي صبرت عشاني كتير .
وفي ذلك الأثناء اقترب منه شخص مرتدي بدله رسميه ليقف أمامه وهو يقول بابتسامة هادئة
= حضرتك أستاذ منذر
لوي ثغره ببسمة عابثة وهو يقول باختصار
= وعليكم السلام ايوه انا منذر خير؟.
جلس دون أستاذن ولا استرخاء ثم مد يده نحوه قائلاً بغموض
= عاوز حضرتك في الشغل! يعني احنا شفنا تصميماتك على النت وعجبتنا جدآ وحاولنا نتواصل معاك على الصفحه بس ما حدش رد بس ما استسلمناش وحاولنا نسال لحد ما عرفنا طريقك
عقد حاجيبة باستغراب ثم رد عليه بعبوس
=مش فاهم حاجه ليه كل اللفه دي يعني، على العموم لو عاوز تتفق على شغل مع الأستاذ إللي قاعد هناك
هز ذلك الشخص رأسه برفض وهو يقول بجدية
=انا عاوز صاحب الشغل نفسه ورحت سالت بره قالوا انت يا أستاذ منذر، انا مش عاوز اتفق على كام قطعه واخدها، انا عاوزك في شغل من نوع تاني، اعرفك بيا الأول اسمي معتز نجيب وبشتغل في شركه يو سي بي ودي لو جربت تبحث عنها هتلاقيها مشهوره جدا و شركه كبيره ومعروفه.. و اتفضل الكارت بتاعي كمان عشان تصدقني وعندك ارقام في تقدر تتصل وتسال عني .
أبعد منذر قبضتي عن العمل، لكن لم يتحرك الأخير قيد أنملة من مكانه، وظل واقف ليردف قائلاً بنفاذ صبر
= معلش لا مؤاخذه هو ممكن حضرتك تلخص في الحوار عشان انا عاوز اكمل شغلي بسرعه ومش فاهم بصراحه المطلوب مني وانت عاوز مني ايه .
أبتسم مجاملاً ثم دنا منه وهو يقول بنبرة متفائلة
= تمام هشرحلك باختصار في البدايه انا شفت شغلك في بيت واحد صديق ليا كان لسه متجوز وعجبني جدآ فكرت انه جايبه من بره لان الأدوات والخامات كانت متينه والشغل مبهر لكن لما سألته اتفاجئت ان بيقول لي الشغل عملته عند واحد مصري بسيط فاتح دكان على قده، وعرفت اسمك منه وحاولت اعمل شير علي النت وفعلا لقيت صفحتك و الشغل اللي انت بتعمله عليها ومن هنا حاولت ابحث عنك واوصل لك .
بدأ عابسًا نوعًا ما وهو يصغي إلى حديث ذلك الرجل بفتور واضح عليه، بينما الآخر مال بجسده للأمام قليلاً ليتابع حديثه الجاد قائلاً
=لاني لما عرضت قطعه على الممولين اللي انا شغال معاهم في الشركه انبهروا زيي لان واحد زيك بخبرتك و بالشغل الرائع ده لازم شغله يتصدر ويطور اكتر سواء هنا ولا بره! مش تفضل في حته الدكانه دي تعمل لناس حواليك
مش مقدرين فنك ولا تطويرك في الشغل
اتسعت عينا وشعر بالإهانة بحديثه ليرد بصلابة مخيفة
=هو انا مش فاهم بصراحه هو انت بتمتحني ولا بتقل ادبك يعني عليا، مالها الدكانه مش عاجبك ليه .
تراجع بحذر عن حديثه وهو يقول باعتذار
=لا اهدى بس انت فهمتني غلط! كلنا ياما بنبدا صغيرين وبعد كده بنكبر وده ان شاء الله اللي هيحصل معاك لو سمعت كلامي! أولا اعتبرني مجرد نقطه وصل هتكون بينك وبين الشركه اللي انا بشتغل فيها، هم بعتوني مخصوص عشان أعرض على حضرتك فكره ان احنا نبقى شركه مع بعض واحنا هنساعدك بالفلوس عشان تطور شغلك وتقدر تعرضه على ناس كبار في السوق .
حك منذر طرف ذقنه وهو يعيد الكلمات بعقله ثم أردف قائلاً بجدية
= اه فهمت لا معلش ما بحبش اكون شريك والدكانه الحقيره دي عجباني وناوي اكمل فيها للأبد فما تضيعش وقتك بقى على الفاضي .
زفر الرجل باستياء لكونه لم ينجح بالأمر، و قال بصوت مزعوج
=استنى بس يا استاذ منذر هو انت زعلت من كلامي انا والله ما اقصد كده، اسمعني بس انا جاي لمصلحتك احنا لما نكون وكلا لشغلك ونديك ادوات اكتر هنقدر نعرض شغلك على ناس تقال وممكن كمان نصدر بره! وكل ده هيكون لمصلحتك وهجيبلك فلوس كثير واسمك يكبر
نظر له بجمود غير عابيء بحديثه ورد ببرود
=يا سيدي انا ولا زعلت ولا حاجه سواء بكلامك او من غير كلامك انا مش عاوز اكون شريك طول عمري واخد على الشغل لوحدي وانا اللي بدي الأوامر مش هيجي بعد كل العمر ده، ناس هي اللي تمشيني على مزاجها وتصرفلي بشغلي
نظر له باهتمام وهو يقول بامتعاض مزعوج مستخدمًا يده في التوضيح
= ومين قال لحضرتك كده طب ما تدينا فرصه وجرب تيجي الشركه وتسمعنا وتفهم وجهه نظرنا، وهات معاك محامي او حد ثقه عشان يفهم كلامنا أكثر إحنا والله نيتنا خير وعاوزين نكبر شغلنا وشغلك واحنا الاتنين نستفاد، وبدل ما كان بيخشلك بالكتير الوفات هيخشلك بالملايين بعد كده!.
انتفض منذر فزعًا على إثر سماعه كلمه ملايين محدقًا فيه بذهول، متسائلاً باندهاش
= ملايين!. هو انت مين بالظبط جي تشتغلني ولا في ايه في دماغك هي بسهوله كده الواحد ممكن يعملهم الملايين دول.
أكد له بثقة وهو يومئ بعينيه ثم عبس بوجهه مرددًا بعتاب لطيف
= ما انت لو تيجي معايا الشركه وتسمع راي الخبره او تفكر تسال علينا هتعرف انت هتتعامل مع مين بالظبط! وان انا بقدملك فرصه عمرك ولو ضيعتها هتخسر كثير وعمرها ما هتتعوض.. انا مش بقول كلام على الفاضي انا عارف كل كلمه بقولها والملايين دي تقدر تدخلها في فتره قصيره لو وافقت اننا نبقى شركه.. وده هيكون قصاد خبرتك في الشغل والمشروع الجديد اللي انت عملته وهنطوره معانا اكتر
تراجع بحذر للخلف قائلاً بدهشة كبيرة
= انت كمان عارف عن المشروع اللي انا عملته
اتسعت ابتسامته بثقة كبيرة ثم هلل متحمسًا بانفعال
= انا اعرف كل حاجه عندك يا منذر في الشغل عشان انا بتكلم بجد مش مجرد كلام، انا اقدر اجيبلك اكبر عقود من ناس ممولين سواء هنا ولا بره وبفلوس كتير، المهم توافق انت وتدينا فرصه حتى مجرد كلام وتسمع لو ما عجبكش العرض خلاص هنسحب بهدوء ولا اكني جيت.
وضع يده على إحدى المقاعد ونظر إلى الأمام بعيون فارغة، وهو يفكر في شيء واحد فقط. إذا كان هذا الشخص يقول الحقيقة فسيتاح له الفرصة للقيام بعملية ضحى في وقت مبكر بأسرع وقت ممكن، وهذا ما يعني الكثير بالنسبة له وهو مستعد لفعل أي شيء من أجلها، فهي تستحق ذلك وهو أقل ما يمكن أن يعطى لها كمكافأة لصبرها الكبير معه. زم فمه قليلاً بتفكير ثم زفر بيأس قائلاً بتردد
= طب خلاص سيبني افكر في الموضوع واسال كمان عنك وعن الشركه دي، ولو طلع الموضوع فعلا جد هوافق اجي معاك واسمع عروضكم؟ بس هجيب بدل المحامي اثنين زي ما قلت اتفقنا.
❈-❈-❈
عادت ديمة إلي منزلها لتكمل فترة النقاهة به، وتماثلت للشفاء بدرجة كبيرة بعد عدة أيام.. ومرت أشهر وهي سعيده بحياتها التي تسير مع زوجها وطفلها الصغير “آدم” والذي وافق على تسميته بذلك الإسم بعد معاناه.
تعالي صوت الصغير فجاه في الغرفه يبكي لتنهض ديمة تذهب له بسرعة، بينما طرق آدم علي باب الغرفة وتقدم منها وهي تبتسم له بلطف وحنو لطالما لاق بها كثيراً، اقترب منها يجلس الي جوارها يقبل قمة رأسها وطفله أيضاً الذي تهدئ قليلاً عندما رآه وهو يتحدث
= عاملة اية يا حبيبتي، و حبيب بابا عامل قلق ليه وبيعيط
ربتت علي صدره و هي تبتسم ابتسامة هادئة
مجيبة بهدوء
= الحمد لله يا حبيبي طمني عليك
شدد من ضمته لها وهو يلاحظ تعبها الشديد من حيث رعايتها للطفل والمنزل ودراستها ليقول مرددًا باقتراح
= ديمة حبيبتي الترم الثاني قرب يبدأ و مش عاوزين زي المره اللي فاتت تجيبي مجموع قليل، كده لا قدر الله ممكن تعيدي السنه.. انا شايف الأفضل تسمعي كلامي ونجيب حد يساعدك .
تنهدت بانزعاج وهي ترد هاتفة بإرهاق
= تاني يا آدم قلت لك ما تقلقش انا هعرف اظبط وقتي بين البيت والدراسه انا بس عشان في الاول محتاجه وقت، عشان اتعود
ما تقلقش عليا ولو احتجت يا سيدي انا بنفسي هاجي اقول لك .
أجاب بهدوء رغم تشنج تعبيراته بعدم رضا
= مش عارف اقول لك ايه دماغك ناشفه، خلينا في المهم.. وحشتيني !!
رفعت جسدها قليلاً وطبعت قبله علي وجنتيه هاتفه بنبرة حنونه
= وانت كمان، عارف انا كنت فاكرة اني حبيت قبل كده
لاحظت تغير ملامح وجهه لتسرع هي بالقول بتوضيح
= بس طلعت معرفتش يعني اية حب غير و انا جنبك يا حبيبي، وده الحب اللي بيفضل معلم جوانا لآخر العمر يارتني كنت شوفتك وعرفتك من زمان
أبتسم من لطافة حديثها و استند برأسه علي
كتفها قائلاً بحب
=انا كمان عايز اقولك على السر اللي في قلبي انتٍ اول حب في حياتي يا ديمة و مش بس اول حب.. انتٍ اول حب و اخر حب و كل الحب بس كنت عْبي و مبقولش بس هقول .. هقول على البنت الحلوة الصغيرة اللي كبرت قصاد عنيا فجأة و فرحت لفرحها و اسودت الدنيا في عيني و في وشي لحرْنها..و ما كنتش شايف حد غيرك يا حبيبتي.
بعد فتره قد نام الصغير ليقضوا وقت مع بعضهم البعض وانتهز آدم الفرصه، يسحب مقعد صغير من جانبه وجلس امام البيانو واضعاً اياها بين احضانه ورأسه علي رقبتها من الخلف ويعزفان معاً! لتضحك كانت سعيدة جداً، طفلة بما تحمله الكلمة من معنى تعزف بحب..
استدارت له وهي شعرها تطاير من شدة الاستدارة بينما النور ينضح من وجهها!
شاحبة أثر التعب والمجهود مع الصغير لكنها فاتنة اقسم بأنه سيحارب الدنيا لاجلها!
استمع الى صوت جرس الباب ونظر لساعة يده فأستقام متحدثاً بتعجب
= مين اللي هيجيلنا في وقت زي ده.
نهضت خلفه متحدثة بقلق
= انا ما طلبتش حاجه من البواب والوقت متاخر فعلا .
عقد حاجيبة باستفهام وذهب يفتح الباب ليتفاجا بابنته وهي تنظر له بحده، هاتفا مصدوم
= رنا .!.
ضاقت ابنته نظراتها نحوه فبدت أكثر حدة عن ذي قبل، وهي تتسائل بلؤم
= كويس والله انك لسه فاكر عندك بنت اسمها رنا مين بقى الهانم دي وبتعمل ايه في بيتي .
ارتبكت ديمة من تلميحاتها الخفية لكن لا تريد ان تتدخل بينه وبين ابنته، وشعرت بتأثير حضورها عليه، لكنه ارتدي سريعًا قناع الجدية قائلاً بصلابة
= دي ديمة مراتي وحاسبي على كلامك وانتٍ بتتكلمي عن مراتي وام أبني! خير اؤمري جايه في وقت متاخر عاوزه إيه.
❈-❈-❈
وضعت مايسة الطعام فوق السفره بإنهاك وبدأ أبنها الصغير ووالده يتناولان، وهي كانت تدلك قدمها من التعب والمجهود الذي بذلت إياه اليوم مفردها دون مساعده احد! خصوصاً بعد رحيل بسمة.. وبعدها الخادمه التي جعلها زوجها ترحل بسبب قله المال، ومن بعدها تولت هي جميع المهمات من حيث الطبخ و التنظيف والذهاب الى السوق و كل شيء بمفردها دون مساعده كما اعتادت.
للحظه شعرت بالبؤس علي حالها ثم نظرت إلي زوجها بتذمر واضح و قالت بغيظ محتقن
= ما ترجع البنت اللي كانت بتساعدني تاني يا شاهين، انا ما بقتش حمل شغل البيت لوحدي
من ساعه ما اللي اسمها آآ بسمه دي كمان مشيت
عند ذكر اسم بسمة نظر معاذ نحوها مطولاً بعتاب خفي، بينما ترك شاهين الطعام بحدة وهو يلوح بذراعيه بتعصب
= حد قال لك ان انا بشتغل في الممنوعات ولا واقع على بنك اجيبلكم فلوس منين؟ انتٍ عارفه كانت بتاخد كام في الشهر وياريته كان عاجب سيادتك اديني مشيتها لك خالص من قله الفلوس..
ابتلعت ريقها بتوتر وضغطت علي شفتيها بضيق شديد، بينما عاد مره أخرى يتناول وأضاف بعدم اكتراث
= وبعدين ما بسمه كانت بتعمل فوق وتحت في البيتين وعمرها ما اشتكت ويوم ما كانت بتحاول بس يتلمح انها تعبت كنتي بتنفجري فيها وتقولي هي دي حاجه دي؟, ده انا ياما كنت بعمل قدك وعشره وحاجه بسيطه اعملي بقى الحاجه البسيطه وانتٍ ساكته، وخلي عندكم دم واحساس انا بجيب القرش بالعافيه وبتعب فيه فمش هروح اضيعه على خدامه وده أصلا شغلك من الأساس وانتٍ ملزمه بي.
وعند تلك الجمله تذكرت بانها كانت دائما تخبر إياها لبسمه عندما تتذمر وتشتكي من أعباء المنزل! تقسم اذا رأتها بسمة في تلك اللحظه ستشعر بالشماته والانتصار عليها، لتضغط على يدها بقهر مكتوم بصمت، بينما لم يستطيع أحد مجادلته لأنهم يعلمون جيد حالته في الفتره الاخيره أصبح شديد الغضب وسريع الإنفعال، ثم وجهه نظره إلي إبنه وقال بجمود جاف
= وانت التاني اعمل حسابك من بكره هتنزل تشتغل معايا العمال كل يوم عمالين يطفشوا ويتامروا عليا، ما هو ما يبقاش عندي راجل شحط كبير ومستني ياخد المصروف مني بدل ما ينزل يساعدني ويشتغل .
وزعت مايسة أنظارها المستنكرة بين الاثنين هاتفة بعدم تصديق
= أنت اتجننت يا شاهين انت عاوز تنزله يشتغل وهو تعبان
لم يظهر أي تأثير واضح عليه، وصاح قائلًا بامتعاض
=هو مين ده اللي تعبان هو انتٍ ما بتشوفيش ولا ما بتحسيش، انا اللي تعبان وهيجرى لي حاجه من القرف اللي بشوفه في الشغل كل يوم مع الناس انا اللي شايل وساكت و كل حاجه فوق دماغي! وانتٍ وابنك مكبرين دماغكم وكل اللي يهمك الفلوس تيجي لكم و تصرفوا هنا وهناك.. وبعدين لو ما كانش عندك أب يصرف عليك كنت هتعمل ايه؟ كنت هتضطر تنزل تشتغل وانت حاطط جزمه قديمه في بقك.. بدل ما تيجي منك يا أبن الـ… وتقول اريح ابويا .
اتسعت عينا معاذ بذهول وصدمه وهو غير مصدق حديث والده وبأنه سيعمل معه حقا،
أضاف شاهين هاتفا بنبرة مهددة
= قصر الكلام الواد ده لو ما نزلش واشتغل معايا في الوكاله مش هياخد مني مليم تاني وبلاش أسمع كلمه انا تعبان ولا مش تعبان عشان انت زي القرد قدامي أهو والدكتور بنفسه زمان ياما كان بيقول لنا ان ما فيش اي خطر عليه ويقدر يعمل ما بداله، بس الغلط علينا واديني بصلحه .
❈-❈-❈
جمعت ضحي بواقي الطعام في المطبخ بعد ان تناولوا، ثم ذهبت الى المرحاض لتغسل يدها وفجأة همهم منذر لها يـدنـي فوقها وكأنه يقيدها وأخذ الصابون من يدها يمد الـرغويه فوق سطح يديه و رمـى الصابونه في الحوض ليحيط كفيها بين خاصته يشاركها رغـوته.. عقدت حاجيبها للاعلي قليلاً بتعجب مما يفعله ثم ابتسمت بخفه على أفعال زوجها المشاكسه
وقاومت تلك الإبتسامة التي تحاول الظهور على محياها، متسائلة
= إيه اللي بتعمله ده مش قادر تستنى لما اطلع و بعد كده تدخل تغسل ايدك
رد عليها بصوت خفيض متغزلاً فيها
= وافوت فرصه أكون جنبك ولازق فيكي كده وفي حضني ما تجيش بقول لك؟ ما تيجي ناخد دش سوا
دفعته بقوة من قبضتيها فتمكنت من تحرير نفسها منه بخجل، وردت بصرامة زائفة
= قليل الأدب، عيب كده! أبعد عشان متهيالي سمعت تليفوني بيرن .
لكنه لم يعدها تخرج هو قبل أخذ قبلة حتى
وإن كانت بريئة وبخفة لم تلاحظها ضحي قبل وجنتيها فتقوس ثغرها الوردي ببسمة خجولة، تحسست وجنتيها أثر قبلته، اتسعت ابتسامتها لكنها سرعان ما أخفتها معاتبة بقلة حيائها، ثم هرب من أمامها .
تنهدت ضحي وخرجت وتوجهت نحو الفراش واستلقت أعلاه ثم ضمت ذراعيها أعلى صدرها وأوصدت عينيها لتشعر بعناق لها مرة أخرى؟ وكان من زوجها ليس غيره الذي أخذ مكاناً بجانبها، ابتسمت ابتسامة مشرقة وهي تشعر به يضع رأسه على كفها، يقبلها بِلُطف تُعامل به الزهور،هتف مرددًا باستفسار
= ما قلتليش ايه رايك في موضوع الشغل اللي قلت لك عليه .
هزت رأسها بعدم معرفة وهي تقول بنبرة ناعمه
= مش عارفه والله يا حبيبي، انا مش بفهم في شغلك أوي بس حسب اللي انت حكيتهلي انها فرصه ما تتعوضش و انت سألت عنهم اكتر من مره وعرفت انهم مش بيكدبوا، بس في نفس الوقت مش عاوزك تضغط على نفسك عشاني وشوف لو مرتاح تمام انما لو مش مرتاح يبقى بلاش.
كان مستمتعًا بقربها فهي أعادت إحياء روحه من جديد، أضافت طعمًا إلى حياته الجافة بعد أن ضنت عليه مسبقًا بقسوتها، فلا ضرر من التريث حتى يصل إلى مبتغاه! لكنه انتبه إلي كلماتها ليرد بنبرة متفائلة
= احنا مش اتفقنا هنحاول ما نتكلمش ولا نفكر في الموضوع ده، دي إرادة ربنا يا حبيبتي و مبتتعاندش، يعني لو ربنا مش رايد مهما نعمل ونجيب فلوس مش هنوصل لنتيجه، أنا أكيد نفسي يبقى عندي حد يكمل اسمي بس الحمد لله، ربنا يبارك فيكي وسبحان الله مبقيتش بفكر في الموضوع زي الأول، من ساعه ما حسبتها كده ان تاخير الخلفه او عدمه لصالحي .
أبعدت عينيها عن مقلتيه التي تبثان لها حبًا غير محدود، وظل على ثغرها بسمة ناعمة تلهب المشاعر أكثر ثم قالت برضا صادق
= عارف انا كمان بقيت راضيه والله بس بخاف عليك يا منذر إحنا عايشين مرة واحدة فمفيش وقت تعمل جدع و تضيع على نفسك حلم الابوه وعمري ما هشوفك قليل الأصل لو عملت كده.
باغتها بتطويقها من كتفيها ليضمها إلى صدره، ورفض إبعادها عنه واردف لها بنبرة صادقة
= كل أنواع الرزق بيجي لكل شخص لوحده إلا الخِلفة ده رزق مرىٖـوط لإتنين، فلو مكتوب لي يبقى عندي إبن هيبقى منك إنت ولو مش مكتوب ليا و سيبتك و إتجوزت حد تاني ممكن مخلفش بس هبقى خسرت البني آدمه اللي بحبها.
ابتسمت ضحي بحب وهي تقول بنبرة متيمة
=انت جميل أوي يا منذر مش عارف هما ازاي ما كانوش شايفين قيمتك.
همس لها بتنهيدة حارة نابعة من أعماق قلبه الذي يهيم عشقًا بها
=انا جميل عشان انتٍ بس معايا.. منذر من غير ضحي ذي الروح اللي مابتتنفس.
تقوست شفتيها مبرزة ابتسامة صغيرة ثم تحدثت قائله بحكمة
= تعرف زمان انا مكنتش مستعجله عالجواز بس الناس اللي كانت بتخطب حواليا دول موترني بيدوني نفس إحساس ان اللجنه كلها خلصت الامتحان قبل نص الوقت ماعدا انا! فما كنتش عارفه بقي انا بطيئة ولا هما حالين غلط ولا ايه الليلة دي!! بس فهمت حكمه ربنا هنا متاخر
تطلع فيها باهتمام ثم أضافت قائلة بهدوء جاد حيث كانت متصالحه مع نفسها
= أنا عمري ماحد اتقادملي بس أنا عرفت السبب ان ربنا مش عاوز يعلقني بحد وخلاص لانه عارف اني بتعلق بالناس بسرعه فعرفت أنه خايف على قلبي، خايف من اني اتوجع انا الوحيده إللي كان لازم أثق وابقي عارفه أن ربنا شايلي الأحسن والافضل منكرش ساعات كنت بزعل لما حد أصغر مني يتجوز بس كان لازم أقول عادي عندي امل ان ربنا هيعوضني
رفعت عينيها نحوه لتنظر إليه بتأمل وقد أشرقت نظراتها بلمعان محبب، وطوقت عنقه بذراعيها قائلة بصوت خفيض
= والاحسن اني كان لازم ما اسمعش كلام الناس عشان لما يجي الحلو اتمسك بي، عشان كده انا هتمسك بيك يا منذر
انحنى عليها ليحصل على قبلة و زادت قبلته تعميقًا وتلاشى معها خوفها نهائيًا، أبتعد عنها ليحدق فيها بنظراته الشغوفة بها، ثم ابتسم قائلاً مداعبًا
=إيه العقل والحكمه اللي نزله عليكي دول، شاطره خليكي كده بقى و الحمد لله انك اتاخرتي عشان تكوني من نصيبي.. و طلعتي احلى نصيب .
❈-❈-❈
=بسمة !..
التفتت بسمة بالخلف لترى معاذ طليقها يهتف باسمها فعندما وجدها تمر بالشارع بذلك الوقت لم يستطيع السيطره على نفسه وذهب لها، لتقف أمامه وحدقت فيه بثبات قبل أن تقول ببرود
=افندم خير!.
عقد حاجيبة باستغراب وهو يتسائل بشك
= انتٍ رايحه فين على الصبح كده لوحدك؟ مش شايفك يعني حتى معاكي ابنك ورايحه توديه المدرسه مثلاً ولا حاجه ونازله بطولك.
نفخت مستاءًه منه لترد هاتفه بحنق
= مع اني ملكش فيه بس هرد عشان اريح فضولك واخلص رايحه الجامعه! وابويا عارف عاوز حاجه بقى .
رد عليها معاذ بتذمر واضح وغيره اشتعلت داخله
=بقيتي تروحي وتيجي براحتك ومش همك حد! الله يرحم زمان كنتي بتعمليها من ورايا قوتي أوي يا بسمه وما بقتيش تخافي
عوجت فمها بحده ناظره له باستخفاف ثم قالت بطريقه مستفزة مقصودة
= إسم الله وانا هخاف من ايه؟ منك مثلا ما كنتش بعملها وانا على ذمتك و لما تطلقني
هخاف منك واعمل لك انت حساب؟لا يا اخويا ولا بخاف ولا بترعش حتي لما بشوفك، انا عيني قويت عشان أبويا خلاص فهم انا عاوزه ايه؟ وما بقاش يمانع.. ولا اكتر ولا أقل.. عن أذنك بقى عشان متاخرش على محاضراتي.
كادت أن ترحل لكنه أسرع إليها يخبرها بأي شئ وهو يهتف بتلعثم
= استني عندك آآ مالك ابننا اعملي حسابك انا هاجي اخده واعدي عليكي بالليل اشوفه
رفعت حاجبيها الي الاعلي غير مصدقة وهي ترد باستهزاء
= مشاويرك كترت أوي على البيت! وكل يوم والتاني تعدي تاخد ابنك، الله يرحم أيام زمان كان ناقص بس ابوس إيدك ورجلك عشان تعبره
تطلع فيها بنظرات تحدي وهو يردف بغيظ محتقن
= هو انتٍ لا عاجبك كده ولا كده؟ ده ابني و غصب عنك هشوفه وقت ما اعوز! ولا عاوزاه هو كمان يخرج عن طوعي.. تبقي بتحلمي مش هسيبلك الواد تربي على مزاجك .
لوت شفتاها باستخفاف ولم ترد عليه بينما أشاح بوجهه يسير بسرعة نحو الأمام وكاد أن يصطدم بشحض يمر بالشارع لكن تفاداه ورحل دون الاعتذار حتى وغادر المكان.
❈-❈-❈
بعد مرور شهر.
بداخل احد الشركات الشهيره، تشكل على ثغر السكرتيره ابتسامة ودودة وهي ترحب به ثم قالت بابتسامة عريضة
= وده كمان يا أستاذ منذر ملف بيشرح كل التفاصيل اللي قلناها واكتر وممكن تدرسها أنت والمحامي براحتك زي اللي فاتوا، احنا اهو اديناك اكتر من شهر تسال براحتك عننا اظن لو نيتنا وحشه كانت اتكشفت .
رفع منذر رأسه الى كل العاملين وكبار الشركه الذي أمامه ثم تنحنح متحدثاً بخشونة طفيفة
= انا قرأت الملفات اللي فاتت انا و المحامي وسالت على شركتكم فعلا سمعتها سابقها، وما حدش قال لي حاجه وحشه عنكم بس انا اللي ماخرني في القبول بصراحه عشان اول مره اخش في موضوع كبير زي كده اكبر مني عشان كده متردد .
رد المدير التنفيذي قائلاً بعدم مبالاة
= تقدر تحط كل الشروط الجزائية اللي انت عاوزها قبل ما نمضي العقود، وتضمن حقك بالطريقه اللي عاوزها ما عندناش مانع.
تشكل تفسير مبدئي في ذهنه عن الموضوع بعد حديثه الجاد، وربط سريعًا أن العقود جاهزه لكن تتوقف علي الامضاء لكن رغم كل ذلك كان متردد بالموافقه، اغتاظ منه صديقه المحامي تبعه كونه مزال متردد بعد كل تلك الضمانات التي تقدمت من الشركه وغير متأثر بحالتهم الماديه التي ستتحسن على الجميع، لذلك مال عليه و همس له من بين شفتيه بغيظ
= جري ايه يا منذر هو انا قلتلك ايه واحنا في الطريق، يعني بعد كل الضمانات اللي قدمها لينا والكلام اللي قلتهلك واحنا في الطريق و برده متردد يا ابني وافق دي فرصه العمر خلي الخير يعم على الكل ومراتك تعمل العمليه .
رفع صاحب الشركه رأسه لينظر في وجه الاثنين وهو يلاحظ همساتهم، ليقول باهتمام
= في حاجه؟!.
استدار المحامي ناحيته مرددًا بحرج وهو يشير بيديه
= احم لا ما فيش حاجه كل خير ان شاء الله بس يعني استاذ منذر عشان يضمن الشغل و مش قصدنا حاجه وحشه بس عشان ده اول تعامل بينا عاوز ياخد الفلوس الاول!.
صمت معتز قليلاً وهو ينظر الى مديره الذي هز رأسه بالموافقه، ليقول مرددًا بعملية
=تمام ما فيش مشكله هنصرف لي شيك بنص مليون جنيه بس يعمل حسابه الشغل هيبتدي من بكره والعقود هتتمضي دلوقتي وكده نكون احنا الاتنين ضمنا .
تجمدت أنظار منذر الجاحظة أثر سماع المبلغ، وتوقف عقله عن المقاومة والتردد وبدأ عقله يستوعب الأمر من جديد، هل بالفعل سيعطيه ذلك المبلغ وسيكون اول دفعه للعمل معهما! ليتحدث مع نفسه قائلاً
= نص مليون أول دفعه! امال بعد كده هيدوني كام؟ هو انا خلاص فعلا داخل على مرحله الملايين ومش واخد بالي ولا ايه.
زفرت بصوت مسموع مستسلم عندما لم يجد أي مانع أو مشكله ما بالأمر، وأصبح شريك بالفعل معهما وبدأت أول خطوه في القادم للتغيير الجذري .
بعد أن تمت الإجراءات واخذ الشيك بالفعل تحرك ليرحل هو والمحامي وكان معتز يخرج معهما أيضا، ليتفاجأ منذر بأنه اصطدم بفتاه ما وهي تتقدم للدخول تجاهه هز رأسه معتذرا وهو يقول بصوت آجش
= لا مؤاخذه يا هانم ما خدتش بالي منك.
نظرت له مطولاً بأعين لامعة وهي تدقق في هيئته بتعجب وهو يرحل من امامها، ثم التفتت إلي معتز و سألته عنه قائله بفضول كبير
= هو مين اللي كان خارج من مكتب بابي ده؟ شكله غريب وأول مره اشوفه في شركتنا.
أشار معتز لها بيده ليرد قائلاً باستفسار
= ده أستاذ منذر وقريب هتشوفيه هنا كتير
اصل ده الشريك الجديد اللي كنت بقول لك عليه، وفرجتك على شغله وعجبك يا مدام رغد.
❈-❈-❈
في البلد لدي إبن عم آدم، أردف حسين بنبرة قاتمة وهو ينظر له بازدراء
=كنت فاكر هتنسانا ومراتك الجديده وابنك هينسوك اهلك، بس والله لسه فيك الخير وبتسال علينا .
شعر آدم بعدم ارتياح وهو يرد هاتفا بتوضيح جاد
=ما تقولش كده يا حسين انتم اهلي، وديمه ما لهاش دعوه بتاخيري، هي مش وحشه زي ما انت فاكر، انا اللي بتأخر عشان أكيد مش هسيبهم لوحدهم وقت طويل وهي ما لهاش
غيري
هز رأسه بعدم مبالاة وأجابه بهدوء واثق
=وحشه ولا حلوه لنفسها انا مالي بيها، على العموم خلاص انت حطيتني قدام الامر الواقع لما خلفت منها! مش هقدر اقول لك سيبها ولا سيب ابنك تربيه عيله لسه مش فاهمه حاجه في الدنيا، بس خليك فاكر كلامي الجوازه دي من البدايه فاشله واللي مخليها تكمل بس عشان خاطر العيل اللي ما بينكم بس هيجيلها وقت واكيد هتزهق ومش بعيد تسيبلك العيل تربي لوحدك أو مين عالم هتاخده معاها ومش هيفتكرك زي بنتك الاولى.
تلاشت ابتسامته تدريجياً و صمت قليلاً وهو ينظر له بأعين مرتبكه بقلق ليفكر في حديثه هل من الممكن ديمة تتركه وتاخذ الطفل! و تكتشف مؤخراً بعد ذلك بأن مشاعرها نحوه كانت مشاعر مراهقه وليس حقيقيه؟ ويعود وحيد من غيرها مجدداً بعد أن اعتاد وتعلق بالطفل! فلأ هذه المره لم يتحمل بعد اشخاص اخرى عنه، ليرد عليه بتلعثم قليل
= ايه لازمته الكلام ده! ده بدل ما تبارك لي و تدعي ان ابني يتربي في عزي بدل ما يبعد عني، ان شاء الله مش هيحصل حاجه ذي كده تاني.. ديمة بتحبني وهي معايا عشان خاطري انا مش عشان خاطر العيل
احتدت نظراته وهتف من بين أسنانه بقسوة
= وانت صدقت عيله صغيره ما تعرفش عن المسؤوليه حاجه ومرهقة لسه وطايشه! انا مش بقول كده عشان اخوفك انا بقول كده عشان اواعيك وما تعملش غلطه زمان تاني، و لا انت بقى مش ناوي تتعلم من اخطائك وكل مره كده تخلف من واحده والعيال تتربى بعيد عنك.. الظاهر كده العيب طلع فيك .
❈-❈-❈
في حي السيده زينب بداخل وكاله شاهين،
أسرع احد العمال في خطاه وهو يدعو الله في نفسه أن ينجيه من شر ذلك المقيت، فهو صحيح لا يضمن ما يمكن أن يحدث له بعد إن ترك ذلك العمل لكن من الجانب الآخر لا يريد خساره كرامته، ليردف قائلاً بحنق
= الأرزاق على الله! هو انت مفكر نفسك اشتريتنا يا عم .
تنهد معاذ بتعب شديد وهو يرى العامل الاخير يذهب من الوكاله بسبب تصرفات والده، وذلك يعني بأن الحمل سيزداد عليه هنا بمفرده!
بينما لم يتوقف لسان شاهين عن وقاحته مع الآخرين ولا كلماته الفجة، وخرج وسط الطريق
ليرد عليه قائلاً بتبرم ساخط
=في 60 داهيه اللي يقعد هنا يمشي على مزاجي انا مش هتيجي على اخر الزمن تمشي كلامك عليا يالا، ده شغلي و فلوسي وانا اللي همشيهم على مزاجي.. وحتى لو لوحدي في الدكان برده مش هخلي حد يتحكم فيا
كان الجميع حوله يراقب ما يحدث بأعين مصدومة وهم مستغربين من احواله التي تبدلت في الفترات الاخيره، ليضرب أحدهم كف علي كف قائلاً
= لا حول ولا قوه الا بالله الراجل اتجنن من ساعه ما ابنه الكبير مشي وسابه وما بقاش في حد طايقه، وكل ما يجيب عمال جديده ما يكملوش أسبوع ويمشوا
تقلص معاذ المسافة بينه وبين والده إلى خطوة واحدة وزاد هو من نقصها بميله علي والده برأسه هامس بضيق
= يابا خلاص فرجت الناس علينا وبعدين ما انت السبب لازم يعني تعلي صوتك وتشتم، الراجل لسه بيدي وياخذ معاك في الكلام مش هيجرى حاجه لو سمعت وجهه نظره وبعد كده
كلامك هو اللي يمشي.
رد عليه بشراسة وهو يستدير نحوه يرمقه بنظرات خطيرة
=نعم انت كمان هتعمل عليا بتفهم! ده انت بالك اقل من سنه ماسك الشغل وكل يوم بتخسروا وما كسبتنيش جنيه غير العربيه اللي جبتها لك وكل يوم والثاني تبوظ فيها حاجه وادفع يابا! هتعمل عليا راجل يا ابن الكلب و بتفهم احسن مني طب اشرب الصنعه الاول وبعد كده يبقيلك كلمه .
اصطبغ وجــة معاذ بحمرة غاضبة من كلمات والده المهينة والمسيئة إليه.. لم تكن المره الأولي فمنذ أن بدأ العمل معه! وهو لا يتحمل ذلك الوضع حقا جديده عليه ولا يستطيع الصمود والتحمل مثل أخيه الآخر ولا يستطيع تحمل إهانته أكثر من هذا أمام الجميع، ليقول مرددًا بحرج شديد
=هو انت هتسيبه وتمسك فيا قلت لك ما بحبش الاسلوب ده، مش كل ما اكلمك تشتم فيا الناس عماله تبص علينا ما ينفعش كده انا مش عيل صغير قدامك .
رمقه بنظرات احتقارية فهدر فيه بعصبية وهو يشير بيده
= ولما انت مش عيل صغير يا فاشل يا عديم المسؤوليه، ليه مش عارف تتعلم الشغل يا اخره صبري، ما بتكملش طلعتين وتقعد تشتكي و تمثل وتمسك قلبك آمال لو كنت شغال شغل منذر كله وتفضل واقف طول النهار على رجلك! كنت عملت إيه.؟
لوي ثغره للجانب باستخفاف ودني أكثر منه مواصل حديثه الهجومي الكلامي العنيف بنبرة عدائية عكس سابق
= انت بالذات ملكش حق تعترض، كنت بتفضل قاعد والفلوس توصل لك على الجاهز ويا دوبك بتصرف فيها وترجع تطلب غيرها، وفر تلك كل حاجه من غير تعب ولا مجهود! ويوم ما احتاجك تقولي ما تكلمنيش بالاسلوب ده ومش هعمل ومش قادر!
بدأت الناس تتجمع أكثر ويتهامسان وينظران الى معاذ، الذي خجل أكثر وكاد أن يبكي من شعوره بالاهانه، ليرد بحرج أكبر
= يا أبويا ما يصحش كده و…
استشاط شاهين اكثر منه وتأجج بداخله شحنة الغاضبة التي كانت طول الوقت يفرغها على منذر دون التفكير في مشاعره هو الآخر،
والآن أصبح يفرغها في معاذ طفله المدلل الذي لا يتحمل ذلك لكن لم يهتم ولا يفكر بذلك، وصاح بانفعال
= بلا ابويا بلا زفت اتحرك من قدامي و شوف الشغل اللي جوه يا فاشل يا عديم المسؤوليه يا صايع، الكلمه اللي اقولها هنا في الوكاله تمشي حتى لو على مين؟
بدأ يردد نفس الكلمات التي كان يخبر منذر بها،
ثم تابع بوعيد مخيف محدجًا إياه بنظرات عدائية مقلقة
= ولو مش عاجبك غور وروح اشتغل عند حد تاني بس إياك تيجي تطلب مني جنيه واحد.. الفلوس اللي ما تتعبش فيها مش هتاخدها من هنا ورايح .
نظر معاذ له مدهوش من حديثه الأكثر اهانه على الإطلاق، هو يطعنه علنًا أمام الجميع دون مبالاة بالتفكير في مشاعره وبوقاحة شرسة!
وتعجب أكثر لجحود قلبه إليه وقد رآه وجهًا أخرًا كشف إليه منه مؤخرا، ولم يعرف هل يذهب لكن من أين سيحصل على المال الذي اعتاد عليه؟ لكن من ناحيه اخرى فكر هل كان منذر يتحمل كل ذلك، كيف؟!.
❈-❈-❈
رفعت ديمة العصي البلاستيكيه أمام وجهها وهي تراقب العلامتين بأعين مذهوله غير مصدقة حالها، أخذت دقائق تستوعب ثم تنهدت بقله حيله وخرجت بتعب من المرحاض لتتوجه إلى الصالون لتبتسم وهي تري زوجها يداعب طفلهما بحب وقد بدأ يتركه ويلتقط إياه بيديه في جو مرح، تحمحمت بصوت مسموع لتهتف بتردد
= آدم انا كنت عاوزه اقول لك حاجه مش عارفه هتفرحك ولا تزعلك
حرك رأسه بمعني تتحدث وهو يرمقها بنظراته المتيمة بها، مرادف باهتمام
= قولي يا حبيبتي خير .
لمعت عيناها بارهاق قائلة بصوت مختنق
=آدم انا لسه عامله اختبار الحمل عشان كنت شاكه ان انا حامل والاختبار طلع للأسف إيجابي!
تقدم آدم منها بهدوء بينما هي أخفضت رأسها زافرة بصوت مسموع وهي تفكر في تعبها في الحمل والولاده والتربيه من جديد بالإضافة إلى طفل آخر، وتابعت حديثها قائلة بارتباك وآسف
= مش عارفه ازاي ده حصل مع اني كنت باخد البرشام في ميعاده وانت اللي كنت بتديهلي الفتره الاخيره بنفسك، ما بتردش ليه اكيد متضايق عشان آدم لسه ما كملش سنه و لخمتك بطفل تاني مش كده .
نظر لها مطولاً وهو يرد بابتسامة عريضة
=هشش اوعي تقولي كده تاني مره انا ساكت بحاول استوعب كلامك الحلو! انتٍ عبيطه يا ديمه بقى انا ازعل عشان انتٍ هتجيبيلي طفل تاني وعيلتنا هتكبر.. وانا كنت محروم من كل ده.. ما تقلقيش هنحاول ندبرها سوا وانا مش هسيبك.
تنهدت ديمة بارتياح وهي تري رده فعل زوجها الجيدة لكن عقدت حاجيبها باستغراب فرده فعله كانت طبيعيه للغاية ولم يتفاجا بخبر حملها وكأنه كان يعرف ومنتظر ان تقول له ذلك، هزت رأسها برفض فبالتأكيد كان يشك مثلها وليس اكثر فمن أين سيعرف مثلاً.
آفاقت من شرودها عندما لف ذراعه حول خصرها مضيفًا بصوت آجش
= الف مبروك يا حبيبتي يتربوا في عزنا، بس اعملي حسابك المره الجايه انا اللي هسمي الطفل مش انتٍ..هاه .
❈-❈-❈
بعد عده شهور، بداخل أحد العماير الواسعه في منزل جديد حيث قام منذر بعد استقرار الأمور بعمله بشراء مبنى كامل مكون من عده شقق فاخرة، وقام بكتابة نصف المبنى باسم ضحي رغم اعتراضها و عدم موافقتها الا انه كتب نصفها لها فقد اخذ على نفسه عهداً بان كل شيء يرزقه الله به سيفعل ذلك الشيء ويكتب النصف باسمها.
ولم يعد يعرف شيء عن أسرته ولم يحاول ولا يريد، فهو يحمد الله كل يوم على استقرار أموره! وبالنسبه لطلقته غاده فبعد موت الطفل قد انغلق الموضوع تماماً بينهما حتى ينسوا، بينما وضع عمليه ضحى فهم في انتظار النتيجه للمره الثالثه هل ستكون بالايجاب ام بالسلبي !؟
مثل كل مره لكن لم ييأس منذر من الأمل في الله وكان يحاول يبث ذلك الأمل أيضاً في زوجته رغم حزنها الشديد على فشل العمليه في المرتين السابقين. وبالنهايه قرروا عند المحاوله الثالثه سيغلق ذلك الموضوع تماماً بينهما ولم يفتح مجدداً وسيكتفوا بحياتهم هكذا.
ولم يقف الأمر الى هنا فقط حيث عانت أيضاً ضحى من فقدان والدها المفاجئ والذي توفي إثر مرض خبيث، كانت حينها صدمه كبيره للجميع وغير متوقعة لكنها حدثت مع الأسف وقد مات.
كان منذر يجلس في غرفته الواسعه بمفرده وهو يضع النقود بداخل الحقيبه قبل ان يذهب ويضعها في البنك كالعاده.. فلا يصدق بأنه بهذه المهله البسيطه قد جمع ذلك المال كله، تنفس بعمق و هو يحمد الله بداخله فقد بدأت حياته تستقر حيث أصبح عمله أكثر نجاحاً من قبل.. و زوجته الجميلة معه.. لذلك هو حقا يشعر بالاكتفاء والرضا أن يقضي حياته هكذا بدون اطفال ومع ضحى فقط.
وفي ذلك الأثناء اقتحمت ضحى الغرفه وهي تصيح باسمه بصوت مرتفع والدموع تنساب من عينيها، انتفض أعلي الأريكة علي الفور ثم اقترب نحوها بذعر وممرراً يده بحنان فوق خدها قائلاً بقلق
= في ايه ؟ انتٍ كويسة يا ضحي.. رد عليا فهميني مالك بتصوتي ليه حد من أهلك
جريله حاجه .
هزت رأسها ودموعها تزداد ثم هتفت بصوتٍ خافت واهن وبحدقتين مهتزتين
= أنا حامل يا منذر أخيراً.
اتسعت عينين منذر بصدمة فور سماعه كلماتها تلك، ليشعر بضربات قلبه تتقافز بصدره بجنون قبل أن يشدد ذراعيه من حولها وبتلهف ضمها وتخلى عن صبره وهو يظهر سعادته الكبيرة ولسانه لم يتوقف عن ذكر الله وشكره للحظه.
** ** **

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى