روايات

رواية قابل للكتمان الفصل السابع 7 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل السابع 7 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء السابع

رواية قابل للكتمان البارت السابع

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة السابعة

أغلق آدم باب المنزل متنهداً براحة بعد أن أنتهي ذلك الحفل السخيف أخيراً وتخلص من نظرات المعازيم الفضوليه، خلع ربطة عنقه وسترته وألقاه جانبًا بضيق، بينما هي جرجرت ساقيها نحو مقعد في الزاوية بهدوء زائف التفت بأعينه نحوها وطالعها بنظرات أكثر عمقًا.
تعالت دقات قلبها حتى باتت أكثر عنفًا بل قد
انقبض إلى حد كبير خوفًا مما من الممكن يفعله بها الآن وهم بمفردهم، حاولت اشغال نفسها رافعة أطراف ثوبها الطويل كي لا تتعثر به، لتجلس فوق أحد المقاعد أمامه ثم تلفتت برأسها تجوب بأنظارها كل ما تقع عليه عينيها فكان المنزل رائع بحق!. لكن كل ذلك لا يهم بالتاكيد امام عمرها الذي سوف يضيع معه.
شعرت ديمة بنظراته المختلسة نحوها، و تحاشت قدر الإمكان عدم التحديق فيه ولو مصادفة رغم الآن يجمعهم منزل واحد، لكن رغمًا عنها بحثت عيناها عن عينيه لتختطف نظرة عابرة منه لتجده مزال ينظر لها، ابتسم بهدوء وهي أخفضت رأسها بحرج .
فالأمر صعوبة عليها حقا، فتنهدت بصوت مسموع ففي النهاية يجب ان تتحدث وتقول عما بداخلها لتعرف نواياه، وقالت بانزعاج واضح
= اونكل آدم أنا كنت آآ ….
أستشعر وجود خطب ما به، خاصة أنها صمتت بتوتر شديد فجاءه وعندما حاولت التحدث مجدداً قاطعها قائلاً بهدوء
= قبل ما تتكلمي ممكن أقولك حاجة!
تجمدت تعابيرها وهي ترد بريبة
= هاه، اتفضل.
جلس على طرف الأريكة جوارها ورسم تعابير جادة على ملامحه وهو يقول بعتاب
= هو اول حاجه مش عارف ليه الخوف والقلق ده كله مني يا ديمة رغم أنك ما شفتيش مني حاجه وحشه وانا وعدت اختك اني مش هاذيكي، بس انا ملاحظ ده من ساعه الفرح وانتٍ على الحاله دي؟
أحمر وجهها كونها كانت واضحه أمامه إلي تلك الدرجة الملحوظه، لكن صمتت عندما تفاجأت به يقترب ويجلس جانبها واكمل حديث قائلاً بجدية
= انا فاهم كل اللي مريتي بيه وعارفه ان انتٍ برده مهما كانت القرابه اللي كانت بينا زمان وكنا بنشوف بعض كتير فبالنهايه برده هفضل غريب عنك، لأن لا أنا ولا انتٍ كنا متوقعين ان احنا ممكن نتجوز بس اهو حصل ولازم نحاول نتقبل الواقع!. بس من غير الخوف و القلق اللي انتٍ فيه ده لان كده هتصعبي الامور عليا وعليكي اكثر
عجزت عن الرد عليه، فهي لا تستطيع تفسير تصرفاتها المندفعة فدومًا تكون متخبطة في قراراتها حينما تكون على المحك وتتسرع في حكمها دون تريث عندما تجد نفسها في خانة اليك. أطرقت رأسها حياءً منه ونظرت له مطولًا دون أن تجيبه.
تفرس وجهها باهتمام، ثم زفــر بصوت مسموع هاتفاً بعمق
= بصي يا ديمة واسمعيني كويس عشان احنا لازم نكسر الحجز إللي بينا عشان نعرف نتعامل المده اللي هنقضيها مع بعض مؤقتا و بعد كده كل واحد يروح لحاله، اولا انا عاوزك تعامليني زي ما كنتي بتعامليني زمان ما فيش حاجه هتتغير انا هفضل ابصلك على أنك اختي الصغيره زي ما كنت بشوفك زمان وكنت بعتبرك انتٍ ورانيا وزينب! وكان دايما والدك الله يرحمه يقول لي كده انا ما خلفتش ولد لكن بعتبرك اخو بناتي.. وانا بقيت اعتبر نفسي فعلا اخوكم عشان كده لما شفتكوا عاوزين مساعده ما ترددتش ولا لحظه .
ابتلعت ديمة ريقها بتوتر، ثم مدت يدها لتمسح على ساقها مرددة بخفوت حزين خائفة
= يعني انت فعلا هتطلقني بعد مده ومش آآ هتلمسني زي ما وعدت اختي
فهم آدم سريعًا ما تقصده بكلماتها، فأجابها بهدوء حذر
= اكيد يا ديمة انا كلمتي واحده غير أن ما ينفعش اضيع مستقبلك اكتر من كده، وعمري ما كنت هفكر اتجوز واحده اصغر مني بالعمر ده كله واخليها مراتي واضيع مستقبلها جنبي وفرق السن بينا كبير كده.. وده السبب اللي خلاني استحمل نظرات الناس فوق وهم بيبصوا لي على أني راجل بيدور على مصلحته ويستغل عيله صغيره ويضيع عمره اللي فاضله ويتمتع بيها.
أتسعت عينيها بعدم تصديق، و ردت عليه بتلهف
= بجد!.
هز رأسه مبتسماً بهدوء، شعرت براحه كبيرة من ذلك الأمر الذي كانت تخشاه، لكن شردت بحديثه فبالفعل لاحظت نظرات بعض الناس له الغير مريحه، لتعلم بأنه هو الآخر قد تنازل عن بعض الأشياء مقابل تلك الزيجة، ثم علقت ديمة بخجل لطيف مبررة الأمر
= بس انت مش كبير أوي يعني حسب ما فاكره، انت ما كملتش 40 لسه.. و اذا كان على الناس أبله رانيا هي إللي أصرت تعزمهم
أتسعت ابتسامته أكثر اتساعاً أثر كلماتها، لتشعر هي بالخجل أكثر بسبب عفويتها! ثم
رد عليها الآخر بتنهيدة مطولة
= فاهم بس مش فارقين معايا طالما انا عارف حدودي ونيتي كانت ايه من الجوازه دي، انا كل اللي عاوزه اوصلهلك انك ما تخافيش و هتفضلي هنا معززه مكرمه واللي ما رضاهوش على بنتي اللي مطلعه عيني ولحد دلوقتي مش عايزه تعتبرني والدها ما رضاهوش على غيري ولا على بنات الناس يا ديمة .
ضغطت على شفتيها بقوة، وهي تردد بصوت مرتبك
= هو حضرتك يا اونكل آآ اقصد يا ..
صمتت كونها لا تعرف بماذا تنادي بعد الآن! فالوضع أصبح مختلفه عن سابقا؟ كونها كانت معتادة أن تنادي منذ الصغر بذلك اللقب بسبب فارق العمر بينهما الكبير! الثامنة عشر…..!!!!! لكن الآن ماذا ستقول بعد؟
حافظ على ثبات نبرته وهو يتساءل بترقب
= قولي اللي انتٍ عاوزاه يا ديمه قلت لك كل حاجه هتفضل زي ما هي، عاوزه تقوليلي اونكل.. أو عمه براحتك بس بلاش قدام الأغراب عشان ما يشكوش في الموضوع لان احنا برده لازم نبقى قدامهم زي اي اتنين متجوزين عادي.. كنت عاوزه تسالي على ايه ما تخافيش قولي لسه مش واثقه فيا ان انا مش هلمسك ولا هاجي جنبك وهطلقك بعد شهور زي ما اتفقت مع اخواتك .
هزت رأسها برفض، وأجابته بتوجس قليل
= لا مش كده، بس هو حضرتك مش بتشوف بنتك خالص.. انا على فكره فاكراها لما كنا بنلعب واحنا صغيرين مع بعض بس لما كبرت بطلت اشوفها خالص .
حرك رأسه نافيًا وهو يوضح بفتور
= لا طبعا بشوفها مش كثير بس وقت ما هي تحب وتكون عاوزه حاجه مني، بتتصل بيا وتعملها حجه وبعد كده تطلب اللي هي عاوزاه وانا بصراحه فاهم ومكبر دماغي، وهي دي مقابلاتنا من ساعه ما استسلمت للامر الواقع وبطلت ارفع قضايا واخسرها.
ابتلعت ريقها مجيبة إياه بإرتباك خفيف
= هي تعرف ان احنا اتجوزنا .
هتف بنبرة مزعوجة وقد ارتفع حاجباه للأعلى
= لا وما اعتقدش هيفرق معاها في حاجه هي اصلا عمرها ما سالت عني عايش حياتي من غيرها ازاي ولا ايه اللي اتغير فيها، وما قلتش برده لحد من قرايبي في العيله عملت زي اختك قلت بدل ما اسمع كلمتين وما حدش هيفهمني وانا اكيد مش هعرف اقول لهم الأسباب الحقيقيه، هسيبهم يعرفوا بعد الجواز .
أخرجت تنهيدة قوية من صدرها محملة بالكثير من الأحزان وهي تقول بصوت شبه مختنق
= هو انا عملت لك مشاكل بسب جوازنا انا آسفه، بس لو الموضوع كبير كده ما رفضتش ليه من البدايه.. انا عارفه انها مشكلتي لوحدي اصلا وانا اللي مفروض اتحملها وادفع تمن غلطتي.
أدمعت عيناها بشدة عندما أضافت قائلة بقهر عاجز
= ده أنا بحمد ربنا إني فعلًا يتيمة! مش عارفه موقف بابا وماما كان هيكون ايه من اللي انا عملته في نفسي وفي اخواتي، انا مش بس اذيت نفسي انا اذيت الكل
أزعجه بكائها المقلق، فهتف باهتمام وهو يربت على كتفها برفق مرددا محاولة بث الثقة إليها مرة أخــرى لكنها لم تعترض على ذلك
= وبعدين يا ديمه بلاش الكلام ده خلاص أهدي، هم اكيد مش مبسوطين من اللي عملتيه بس أكيد برده مش مرتاحين وهم شايفين كده بتعذبي نفسك .
بدأت تتعالى شهقاتها تدريجيًا فدفنت وجهها بين راحتي يدها، وواصلت تعنيف نفسها بحدة
= ما تحاولش يا اونكل، أنا السبب في كل حاجة .. ايوه، أنا السبب!
اكفهر وجه آدم قليلًا، و رد بتأفف
= طب كفايه عياط خلاص، انتٍ غلطتي و معترفه بده ودي نقطه كويسه وبتصلحي كمان اغلاطك وبتتعلمي أهو منها كمان .
مسحت دموعها بضعف وهي تقول بانكسار
= و بابا وماما .
لم ينظر لها آدم وهو يجيبها بإيجاز
= ادعيلهم بالرحمة والمغفرة، هم زمانهم مرتاحين عشانك!
قطبت جبينها ناظرًه نحوه بلهفة وهي تتسائل بإحباط طفيف
= تفتكر يا اونكل؟
أخـــذ آدم نفسًا عميقًا حبسه للحظة في صدره، ثم لفظه ببطء وهو يقول
= طبعًا، طالما ندمانه فعلا وهتصلحي من نفسك عشانك و عشانهم، ديمة عاوزك تكوني فاهمه كويس ان الفرصه مش بتيجي غير مره واحده عشان نتصلح فبلاش تضيعيها من ايدك عشان احتمال مش هتجيلك تاني، وغيرك بيتمنى ربعها .
هزت رأسها بالإيجاب متفهمة إلي ماذا يلمح، ثم ردت عليه بعدم اقتناع وهي تشير بعينيها المجهدتين
= شكراً، بس انا هعمل لك مشاكل مع عائلتك .
ضغط آدم على شفتيه هاتفًا بامتعاض
= ولا مشاكل ولا حاجه يا ديمه كل الحكايه كل واحد هيدخل نفسه في اللي ما لوش فيه و يعمل فيها حكيم وهيخاف على سمعه العيله كاني عملت حاجه كبيره بس انا هكبر دماغي منهم هو ده الحل وبعد كده هم كمان هيزهقوا، وبعدين انا مش صغير وعارف بعمل ايه كويس و مش مستني حد يكون واصي عليا سيبك انتٍ من مواضيع العيله اللي مش بتخلص، بس انتٍ كنتي بتسالي على بنتي ليه معتقده يعني انها لسه فاكراكي وممكن تكونوا أصحاب زي زمان ما اعتقدش اذا كان هي ناسيه ابوها .
هتفت مرددة باضطراب قليل وقد توترت نظراتها
= هي العلاقه بينكم صعبه أوي كده، انا لما كنت بسال بابا قبل ما يموت كان يقول لي ان انت بتحبها أوي ومستعد تعمل كل حاجه عشانها فهي إزاي ما حستش بحبك ليها كل ده وسابت خالتها تأثر عليها للدرجه دي .
أبتسم باستخفاف مرير ثم هز رأسه بإيماءة خفيفة قائلاً بتوضيح جاد
= لما كانت معايا كانت لسه صغيره أوي يا ديمه بتاع خمس ست سنين، وبعد كده خالتها اخذتها عشان هي اللي وصيه عليها طبعا مش حبا فيها حسيت انها بتنتقم مني فيها واحده واحده ابتدأت تسيطر على دماغها وتكرها فيا
قعدت معاها برده سنين طويله عقبال ما حاولت ارفع قضايا وكلها فشلت والرؤيه طبعا اللي كانت ساعه كل شهر ولا شهرين مش هتخليني أحاول أصلح اللي كانت بتعمله فيها، كانت عندها مساحه كبيره عني وعرفت فعلا تكرهها فيا وتفهمها ان انا اللي مش عاوزها.. لحد ما لقيت نفسي بتعامل مع نسخه مصغره منها و حولتها..
عاتبت ديمة نفسها قليلًا لتسرعها في ذلك السؤال، فاعتذرت قائله بندم ملحوظ
= انا اسفه فكرتك باللي حصل زمان وقد ايه كنت بتعاني من موضوع القضايا ده .
ارتخت تعابير آدم إلى حد ما، وتحدث قائلًا بجدية وهو يشير بيده بعدم مبالاة جامده
= انا مش بنسى اصلا عشان افتكر، بقول لك إيه كفايه كلام عن الموضوع ده أنا ياما حاولت كتير وضيعت عمري وفي الاخر ما وصلتش لحاجه الكلام مش هيفيد، بصي إللي هناك دي هتكون اوضتك هي المفروض يعني كانت اوضه بنتي بس هي بقالها سنين طويله مقفوله ومحدش بينام فيها وانا كنت بروقها كل فتره على اعتقاد يعني ان هتيجي في يوم وترجع تبات زي زمان عندي بس كانت بترفض، ممكن تعتبرها من النهارده اوضتك وانا الاوضه اللي قصادها دي و لو احتجتي حاجه في اي وقت خبطي عليا وما تتكسفيش .
أسبلت عينيها نحوه ضاغطة على شفتيها بخجل ولم تتحرك من مكانها، ليقول باستغراب
= مالك واقفه ساكته ليه! عايزه تسألي على حاجه تاني قولي ما تتكسفيش؟
استمعت إلى ما يردده كله باهتمام كبير، فقالت مبتسمة بامتنان حرج
= أنا عاوزة أشكرك على اللي عملته النهاردة
وعاوزه كمان اتاسفلك على المشاكل اللي لسه هعملها لك مع العيله لما يعرفوا موضوع جوازنا، وآسفه كمان على الطريقه الوحشه اللي فكرت فيها بيك وشكيت أنك .. ممكن ترجع في كلامك وتخلي بوعودك مع اخواتي
رد عليها أدم بعبوس زائف محاولًا كسب المزيد من الوقت بينهما لتطمئن اليه
= ولا يهمك انا مقدر اللي انتٍ فيه، بس اظن دلوقتي ما عندكيش حجه تفكري فيا بطريقه وحشه بعد ما فهمتك اللي هيحصل مع وضعنا الجديد.. يلا ادخلي غيري هدومك وبعد كده اطلعي عشان ناكل ومش عاوز اعتراض، اكيد ما عرفتيش زيي تاكلي فوق من الناس والمعازيم
ارتخت تعابير ديمة براحه إلى حد ما، بعد أن تحدثت معه عن مخاوفها و أوضح وظهر بين الاثنين أن هناك رابط مشترك وهو:- الألم !!. فكلتاهما يعاصر ويعيش تجارب لا علاقة لها بالأخر، لذلك من المجحف المقارنة بينهما وتوقع نفس النتائج.
و رغم أنه وعدها بأنه سيوفي بكل وعودة ولم يلمسها لكنها باتت تشعر بالقلق وعدم الثقة نحوه، وذلك نتيجة ثقتها الزائد بالماضي بشخص لا يستحق….. وبعد الانتهاء من تناول الطعام دخل الى غرفته واغلق الباب خلفه وتركها بمفردها!
حدقت أمامها في الفراغ بنظرات ضائقة متسائلة نفسها بقلق كبير
= هو ممكن ما عمليش حاجه دلوقتي و مستني اخواتي يمشوا عشان يستفرد بيا براحته، لأ لأ الراجل وعدك يا ديمه وشكله مش بيكدب بلاش خوف بقى.
هزت رأسها بيأس وحاولت طرد الافكار السيئه عنها ودخلت إلي غرفه أبنته لتجد الحقائب التي جهزتها زينب لها كما هي ولم يلمسها أحد، لتفتحها وتاخذ بيجامه لترتديها وبعدها زحفت الى الفراش لتشعر والآن فقط فَقَدت أيَّ قدرة على التواصل وغرقت بنوم عميق بعد أسابيع سابقة كان فيها نومها مهزوز….
❈-❈-❈
يقول أحدهم:- أن العديد من المشاعر لا تموت أبدا! بل هي مخزنة في لا وعي الانسان تبقى مدفونة هناك الى ان يأتي ذلك اليوم الذي تخرج فيه بطرق تعبيرية مغايرة تماماً لطريقة القاء الشعور في اولى مراحله و احتكاكه بالمشهد بصفة سريعة و عفوية، حيث ان المشاعر المكبوتة تصبح أبشع مع طول المدة .
من الممكن ان المشاعر المكبوتة لدى عون الاستخبارات قادته لكي يكون انتقامه ابشع بكثير بالنسبة لشخصه، و نتسائل بعدها على لسان الضحية ” هل انتقمت من الشيطان” أو بالاحرى أصبح الشيطان نفسه؟ لان الانتقام يقتل صاحبه لاحقا.
ولكن تبقى نظرية فريدة في بشاعة المشاعر المكبوتة عندما نبدأ في التقدم في الطريق الذي سنرحل به نحو منعطف حياتنا الابدي..
نبدأ بالسكون ثم الإنهيار ثم البكاء…ثم النحيب..ثم لا تدري كيف سيعيش شخص ما لسنين اخرى في حين انه تاه بالفعل في نهاية الطريق.
في اليوم التالي، عند منذر كان يجلس داخل الوكاله يعمل بصمت وهدوء مريب بينما ما زال قلبه مشبع بالحزن وقد اختفت أي رغبة له بالسعادة… بسبب المواقف التي وضعته أسرته بليله أمس ناهيك عن انه حدث ذلك أمام خطيبته!. وذلك ما يؤلم إياه أكثر أنها رأته في موقف ضعيف مثل ذلك؟ وكيف اتهمته أسرته بالسرقه والنصب
أحيانا يشعر بأن عائلته تكرهه بشده وتتفنن وتبدع في الأم واحراجه أمام الآخرين! دخل والده إلي الوكاله نظر له بتردد قبل ان يلقي السلام عليه لكن لم يرد الآخر! فهكذا يكون حاله عندما يحدث اصطدام بينه وبين أسرته ياخذ جانب ولم يتحدث إليهم.. ورغم وضوح حاله وتغيره لم يعلق احدهم ويهتم ليتساءل عن أمره .. بل على العكس تماما تحرك والده إلي الداخل دون اهتمام .
و أحياناً يظل مكث حبيس بالغرفة رافض الخروج منها إلا في أضيق الأحوال. يفضل أن يعتزلهن جميعًا ويكتفي بأن يكون جليس نفسه ووحدته فلا حاجة به لسماع ما يزعجه من فظة الكلمات من والده الذي لم يتوقف عن مضايقته للحظة، ولا لعتاب لطيشه في لحظة أوشك على الإنهيار فيها، كأنه ليس مسموح له للتحدث عما يؤلمه منهم .. او ربما هو السبب من البدايه لانه يصمت! لكن هو لما من البدايه يصمت لان لا احد منهم يهتم له و يعرف ما الذي يشعر به منذ سنوات طويله
وفي ذلك الوقت، ورد إليه اتصالًا هاتفيًا من ضحي لكن لم يجيب مجدداً فهو لا يعرف كيف سيواجهها بعد ما حدث، لكن تفاجئ بوصول رساله على هاتفه من غاده طليقته نفخ بحنق ظاهر وهو يفتح الرساله ليجد صوره وسرعان ما ظهرت بانها تخص ضحى وهي تقف مع رجل آخر وسط الشارع، أظلمت نظراته للغاية واتصل عليها واجابت على الفور كأنها كانت تنتظر هذا الاتصال.
أبتسم بثقة ليؤكد لها بعدم اكتراثه قائلاً
= إيه الهبل اللي انتٍ بعتاه ده؟ هو انتٍ مفكره لما تبعتيلي صوره زي كده هصدق! الصوره دي اكيد مش حقيقيه وانتٍ لعبه فيها عند حد والحاجات دي كثره الأيام دي
ابتسمت بشماته وهي تتحدث بخبث
= لا الصوره مش فوتوشوب حقيقيه وتقدر تتأكد بنفسك عند اي حد، خطيبتك المصونه شفتها وانا ماشيه وهي واقفه مع الراجل ده واقفين بيتكلموا وبيضحكوا لبعض في نص الشارع من غير احترام! وانا لما سألت بسمه هي ليها أخوات رجالة قالتلي لأ؟ وما اعتقدش كمان ممكن يكون قريبها وحتى لو قريبها اكيد انت كنت هتكون عارفه لكن معنى كلامك وانت بتشكك في الصوره انك ما شفتوش قبل كده.
قست نظراته مما يسمعه فهو رغم الفتره القصيرة التي تعرف فيها على ضحى لكن كان يثق بها وعلى يقين كبير بانها غير غاده تماما،
استطردت حديثها بمكر واضح بعد أن وجدته صامت
= سكت ليه الصدمه صعبه صح! تصدق انا كمان صعبت عليا بقى تسيبني انا عشان واحده زي دي وكنت عمال تقول فيها كل العبر اهي طلعت ما تفرقش حاجه عني، مش عارفه ليه حظك ونصيبك وحش كده يا منذر كل لما تختار واحده تطلع بتضحك عليك وبتعرف غيرك وتقرطسك.. أصل شكلك كده مش بتملأ عينهم
غرز منذر ظافر يده بقبضته من الغضب، و صاح بصوته الخشن
= احترمي نفسك ولمي لسانك يا زباله، انتٍ بس اللي على طول فاكره كل الناس زيك واطيه.
أغاظتها كلماته، وشعرت بالحقد تجاه لترد بتهكم ساخط مقصود
= انت لسه هتدافع عنها بعد الصوره اللي بعتها لك وهي واقفه تضحك مع واحد غريب في الشارع، ماشي براحتك يا منذر انا الحق عليا قلت الحقك بدل ما تخدع فيها وفضيحتك تبقى بجلاجل! بس شكلك كده خلاص ما بقاش فارق معاك واتعودت ان الست اللي تتجوزها ولا تخطبها تكون ماشيه مع راجل غيرك عادي عارف اللي زيك بيقولوا عليه ايه يا منذر…
أنهى معها المكالمة، وألقى بهاتفه على سطح المكتب بعصبية. تحرك من مكانه ليدور حول مكتبه واضعًا يديه على رأسه ضاغطًا عليها بقوة قبل أن يعود يجلس للخلف.
تسمر في مكانه غير مكترث بما آلم به، بينما بقي في مكانه جالس على طرف المقعد شارد في عالم أخر.. بذلك المشهد الذي رآه عبر الصوره التي ارسلتها له طليقته السابقه للتو، وهي تقف تبتسم مع رجل آخر أمامها؟؟
ربما الأمر يكون بسيط ولا يستحق ذلك الشك لكن مع شخصيه مثل منذر وما رآه في حياته! جعله يشك في اقرب الناس اليه؟ وهنا كانت تلعب غاده على الاوتار لانها تعرف ذلك جيد .
لكن رغم نفيه لأكثر من مرة عدم وجود أي رابط يجمع ضحي وذلك الرجل الذي معها بالصور بالتاكيد، إلا أن أزعجه ما رآه و تكراره في مخيلته وكأنه عقاب خاص بها لتعذيبه هو الآخر!.
طفى حزن كئيب على ملامح منذر فأطلق تنهيدة عميقة، وهو شارد الذهن بحديث غاده فكلما حاول فتح صفحه جديده مع الحياه و نسيان الماضي وارتبط بفتاه صالحه عكس ما رآه سابق، يأتي شيء ويدمر احلامه من جديد
فكر مليًا فيما رأته عيناه وهو يحك ذقنه، ثم أغمض عيناه بانكسار هاتفاً حديثه الموجع في نفسه بقسوة
= معقول تكوني كل ده بتستغفليني انتٍ كمان يا ضحى؟ لأ أنا مش هستنى لما تقرطسني هي كمان صحيح وتعرف غيري! ما انا مش موعود كل واحده اتجوزها تطلع كده، لأ أنا لازم أتأكد باي طريقه ان ضحى شريفه وما تعرفش غيري ومحدش لمسها .
حاول ترك مشاحناته جانبًا الآن وفكر بتعقل في أمر تلك الصوره إذا كانت صحيحه بالفعل وضحى على علاقه بشاب آخر، ربما يكون هذا أول دربه الصحيح معها ليكتشف بتأنٍ ما تخفية ضحي من أسرار له.
ظل هكذا لعدة دقائق يحاول اقناع نفسه أن صمته عما رآه يعني رضاؤه التام والامر مقدما سيتجاوز مثل ما حدث مع غاده، واحضرت عاشقها في منزله بكل جرأة! لذلك يجب أن يفكر بسرعه في حل حتى يتأكد من سمعته وشرف ضحى، حدق في سقفية الغرفة مخرجًا زفيرًا عميقًا من صدره، وحدث نفسه مجدداً
بحسم حازم
= ما فيش غير الحل ده فعلا، هو صعب شويه و ممكن ترفض بس انا لازم أصر عشان اتاكد انها بنت بنوت، ومستحيل تخوني ذي غيرها.
❈-❈-❈
في نفس التوقيت، ضرب معاذ بقبضة يده على الطاولة الزجاجية لاعنًا حظه العثر الذي انعكس مجدداً على حياته الزوجية، وعادت زوجته الى تلك الاسطوانه مره اخرى وهو أمر العمل!.
حدج معاذ زوجته بنظرات مغتاظة من طريقتها في فرض أمورها عليه كما يعتقد، و يئس من اقنعها بالتفكير بتلك الطريقه وتحرك أمامها وهو يقول بسخط
= يوووه وبعدين يا بسمه هو انتٍ كل ما تشوفي وشي هتفتحي معايا نفس الموضوع، يا ريتني ما اتسحبت من لساني ووعدتك يا شيخه ان انا هدور على شغل .
ســارت خلفه بضجر، وهتفت بفتور
= ايه عاوز ترجع في كلامك دلوقتي؟؟ طب خليك فاكر كويس يا معاذ ان الراجل بيتربط من لسانه والكلمه طالما طلعت من بقه لازم ينفذها وانت قلت هتشتغل يبقى لازم تعمل بكلامك
توتر الأخر قليلاً ثم هتف قائلاً بضيق شديد
= انا ما قلتش هشتغل انا قلت هفكر بس! يعني تفرق، وبعدين مين قال لك ان انا هرجع في كلامي انا بس عاوز وقت لحد ما الاقي شغل قدامي كويس
احتدت نظراتها، ثم زفرت بحنق قائله بسخرية
= والشغل ده هيجيلك وانت قاعد ولا لما تروح تتعب وتدور عليه، انا مش عارفه امتى هتتحرك من مكانك وتبطل الكسل اللي انت فيه ده الحاجه لازم تسعي عشانها، والشغل ده هو اللي هيخليك راجل محترم ومسؤول
حذرها زوجها قائلًا بغلظة
= ما تحاسبي على كلامك يا بسمه هو انا يعني مش راجل ولا محترم! دلوقتي ولا إيه؟
تمنت لو تستطيع ان تفصح عما بداخلها وبأن صورته أصبحت تهتز في عيناها و بدأت تندرج إلي مستوي سيئة للغاية بسبب تفكيره المنحدر ذلك، إبتلعت ريقها بتوتر ثم ردت عليه بحذر
= مش قصدي بس نفسي تفهم ان الشغل ده مهم جدآ في حياتك وحياتنا وحياه إبنك، وهو اللي هيخليك تتعلم حاجات كثير وتشيلي المسؤوليه مش لما تعتمد على امك وابوك طول حياتك وتستنى المصروف منهم من غير مقابل هو ده اللي هيخليك تتعلم حاجه.. يا معاذ الانسان من غير سعي وتعب في الحياه دي ما اسمهاش دنيا ولا هتعرف قيمه الحاجه اللي هتكسبها.. جرب كده بس مره واحده تشتغل وتشتري حاجه من مالك الخاص هتحس بشعور تانيه خالص وهتعرف قيمه الحاجه اللي اشتريتها .
هز رأسه بعدم إقتناع وهو يقول بجمود مستفز
= انا مش فاهم كل يوم وجعي دماغي بالموضوع ده ليه، ما فلوس ابويا تعتبر فلوسي بالظبط وفي الاخر هتروحلي انا !!. بعد عمر طويل يعني .
لوت شفتيها بامتعاض قائله بإحباط طفيف
= والله ما حدش عارف مين اللي هيورث التاني، وبعدين ضامن أوي انهم بعد عمر طويل هيسيبه اللي يكفيك ويكفينا طب بلاش الفلوس اللي هيسيبها لك صدقني مش هتكمل معاك شهرين وهتروح او أقل كمان لانك ما تعبتش فيها ومش عارف قيمتها عشان تحافظ عليها، وبعد ما تخلص ولا هتعرف تشتغل وتروح وتيجي لانك ما تعلمتش من البدايه.. صدقني انا خايفه على مصلحتك وطاوعني لو مره واحده في حياتك وانزل اشتغل حتى لو مش محتاج دلوقتي و بص لقدام .
زم فمه هاتفًا بحدة وهو يشير بكفه بانزعاج
= رجعتي لنفس الحور والنكد والقرف تاني بتاعك، يا بسمة ارحميني من اسطوانة كل يوم
زفرت بسمة بضيق شديد وهي تقول بيأس من إقناعه
= هو انا لما اكون عاوزه مصلحه جوزي ومش عاجبني حاله ابقى نكديه، هو انت بجد عاجبك أوي نظره الناس ليك وهم شايفينك كده مستني كل شهر تاخد المصروف من امك وابوك وهم اللي بيصرفوا على البيت! طب بلاش عاجبك حالك كده وانت ما عندكش اي احلام بتسعى ليها غير اللعب على التليفون والخروج مع أصحابك ومش عارف تشيل مسؤوليه البيت ولا إبنك.. اخوك كلها كام شهر وهيتجوز يا معاذ وبعد كده لما مراته تيجي وهتشوفك قاعد كتير كده من غير شغله ولا مشغله مش هتقول عنك غير حاجه واحده .
صــاح بها بنفاذ صبر
= هتقول عليا ايه ان شاء الله وبعدين هي مالها بيا أصلا .
رفعت بسمة كف يدها أمام جبينها لتؤدي حركة مستنكرة وهي تهتف ساخطة
= لا مالها ونص يا حبيبي لانها هتكون واحده من العيله بعد كده وهتسكن معانا في نفس البيت، و مش محتاجه تسال مع الوقت هتشوف كل حاجه بعينيها ومش بعيد تقول للناس الأغراب وعارف هتكون شايفاك ايه وهتقول لهم إيه؟؟؟.. أنك راجل نطع!.
تجهمت تعابير وجه معاذ إلى حد كبير، وهو يصيح بانفعال كبير
= وبعدها لك يا بسمه ما تحترمي نفسك و تخلي بالك من كلامك .
عقدت بسمة ما بين حاجبيها مبدية تهكمها للأمر وهي تقول عن عمد
= مالك اتحمقت اوي كده ليه عليا انا بقول لك اللي هتشوفه وهتقوله للناس، عشان كده انا عماله احاول معاك ما تشوفكش بالنظره دي ولا هي ولا غيرها..
أومـــأت برأسها إيجابًا وهي تضيف ببرود متعمدة استثارته
= مع أنها بصراحه هتكون معاها حق لان انت ما لكش مسمى تاني غير كده! الراجل اللي بيفضل قاعد في البيت وفي عيله مسؤوله منه، ومستني حد تاني يصرف عليه غير نفسه يبقي… نطع!.
ازداد اقتضابه من إجابتها ووجد نفسه يتحرك نحوه باب المنزل ليخرج صافقا الباب خلفه بغضب…
❈-❈-❈
لاحقاً، أستيقظت ضحي كالعادة علي صياح والدها و توبيخه لزوجته وهذة المرة بسبب المصاريف التي لم تكفي متطلبات البيت من مأكل و أشياء كثيرة.
حاولت تجاهل الأمر ولم تهتم لهم، ثم عادت تحاول الاتصال علي منذر فهي منذ راحلها ليلة أمس تريد تطمئن عليه وتخفف عنه ما حدث، لكن بدت محاولاتها بالفشل فلم يجب على اتصالاتها مطلقاً! لكن مع ذلك لم تيأس فهي تعلم جيد بأنه في وضع محرج ويحتاج للجلوس بمفرده و بنفس الوقت يحتاج الي شخص للتحدث معه و يكون علي محمل ثقة به.
أطلقت الأخري تنهيدة لا تعلم إذا حتي رأته بماذا تواسيه أو تخفف عنه، تدرك مدي قسوة الموقف عليه حتى هي نفسها الان لا تصدق ما حدث دون آنذاك، وكيف يتهموا عائلته بهذا الإتهام!. لذلك رفضت التدخل أو مساعدته في نفس الموقف ذاته لأنه أمر عائلي.. وبالتاكيد هم ندموا على ما فعلوه وتاسفوا له.
لكن لا تعلم بأن كلما كبر زادت قسوة و طغيان اهله عليه، وفوق كل هذا لديهم أسوأ الخصال وهو التفرق في المعامله بين الاخين .
أغلقت هاتفها عندما لم يرد هذه المره أيضاً وقد علمت اليوم صفه في منذر جديدة لم تكن تعرفها بعد! منذر رجل كتوم ولا يتحدث كثيراً لذلك، ستصمت وتنتظر أن يأتي هو و يخبرها من نفسه أفضل .
تحركت خطوه وعلقت حقيبة يدها على كتفها لتستعد للذهاب لعملها، هبطت الدرج مشغولة البال في حال منذر، لم تنتبه لشخصه الذي كان يصعد في نفس الوقت الدرجات ليقابلها،
حدق فيها متعجبًا شرودها الذي جعلها لا تلاحظه معتقدة أنه شخص غريب لكن هو ظن ربما مشغوله بالتفكير بالشخص الذي ارسلت طليقته صورتها معه، سد عليها الطريق متسائلاً بعتاب
= على فين العزمه، و للدرجادي مش شيفاني!
انتفضت في مكانها مصدومة من رؤيته أمامها، واحمر وجهها بحمرة كبيرة متحرجة من نظراته المعاتبة لها، ثم ردت مدافعة تبرر موقفها
= هو أنت، والله ما شفتك معلش كنت سرحانه شويه… هو انت كنت جايلي؟
ارتفع حاجباه للأعلى هامسًا بجمود ظاهر
= ايوه، بس شايفك نازله خير.
استغربت طريقته وخشيت أن يكون غاضب لأنها أحرجته بعدم انتباهها له، فقالت بتوتر
= ابدا رايحه الشغل، اصل ما عنديش مواد الصبح فقلت اروح متاخر النهارده.. على فكره انا اتصلت بيك كثير بس ما ردتش و…
أمسك بيدها لتتوقف عن الكلام محدقة فيه بخجل، ثم طالعها بنظرات غامضة مرددًا
= هو انتٍ ممكن تغيبي من الشغل النهارده!.
وتاجي معايا .
❈-❈-❈
بداخل احد المقاهي بحي السيده زينب، كان معاذ يجلس مع احد اصدقاء السوء نظر له رفيقه متساءلًا باهتمام
= وهتعمل ايه دلوقتي؟ هتشتغل فعلا
أجابه معاذ بقلة حيلة
= مش عارف، بس زهقت من زنها وانا ما ليش في حكايه الشغل دي ومش عاوزه اشتغل مع ابويا ولا منذر جربت الموضوع مره زمان متعب ومقرف ومش جاي على هوايا
تجهمت قسمات وجه الاخر بالكامل، ورد بامتعاض و بوقاحة
= والله مراتك دي وش فقر حد يلاقي حد بيصرف عليه الأيام دي ومش مخليه محتاج حاجه ويتامر! وتصمم تنزل تشتغل ما ترنها علقه محترمه كده وخلاص وهي هتخاف و مش هتفتح بقها تاني.
حدق فيه بذهول، وسرعان ما هز رأسه بنفي وهو يقول بصرامة قوية
= اضرب مين انت التاني لا طبعا انت فاكر ان حتى لو عملت كده هتسكت مستحيل، بسمه مش من النوع اللي يضرب ويسكت وبعدين افرد ابويا ولا امي سمعوا ووقفوا في صفها كسبت انا ايه دلوقتي.. وبعدين انا عاوزه اي حل إلا اضربها مش هقدر أنا برده بحبها
لوي ثغره بابتسامة تهكمية وهو يرد بسخرية
= يا حنين ما انت طول ما انت مسلم كده هتفضل تلقح بالكلام عليك في الراحه وفي الجايه .. وبعدين انا بقول لك يعني اضربها ضرب خفيف كده عشان تخاف
عقد صديقة الثاني مابين حاجبيه قائلًا بعتاب
= ما تسكت أنت الثاني و تبطل تشعلله على مراته احسن الموضوع يقلب بجد، اسمع مني الخلاصه يا معاذ شوفلك اي شغلانه كده بسيطه وهي برده بصراحه معاها حق ابوك وامك مش هيعيشوا لك طول العمر شوفلك حتى كده شغلانه ثلاث ساعات في اليوم .
فرك معاذ وجهه بضيق، وأرجع ظهره للخلف مجيبًا عليه بسخط ظاهر في نبرته ونظراته
= مش كده، وبعدين انا اتسحبت من لساني ولازم اشوف اي شغلانه تكون كده خفيفه ومش متعبه
لمعت عيناي رفيقه الأولي ببريق طامع وهو يقول مقترحًا
= طب إيه رأيك تشتغل معايا في التهريب؟
شغلانه فلوسها كتير
شهق بذعر متلفتًا حوله قائلًا بتوجس
= تهريب إيه الله يخرب بيتك انت عاوز توديني في داهيه لا يا عم ما ليش في الحرام وبعدين ابويا و أمي لو عارفوا حاجه زي كده يروحوا فيها بالذات امي
لوى ثغره مبررًا تراجعه عن اقتراحه بالعمل معه بتلك النوعية من العمليات الغير قانونية
= خلاص يا عم الحق عليا كنت عاوز اخدم انت حر .
تجرع صديقة الاخر رشفة كبيرة من كوب الشاي الذي أوشك على الانتهاء، هاتفاً بجدية
= سيبك منه يا معاذ انا عندي الحل السوبر ماركت اللي اخر الشارع لسه فاتح جديد وشفته معلق ورقه انه عاوز عمال تعالى نروح له دلوقتي ونشوف لسه عاوز ناس ولا اكتفي
أثارت جملته الأخيرة اهتمامه، فسأله بفضول
= والشغل ده عباره عن ايه؟ انا مش عاوز حاجه متعبه ولا هشيل ولا احط انا أخري اقعد على مكاتب واراقب اللي حواليا .
اتسعت صديقة عيناه بدهشة هاتفاً مستنكراً
= وده شغل ايه ان شاء الله اللي هيكون على مكاتب ومن غير تعب كمان، قوم معايا يا معاذ الله يكرمك نسال الراجل نشوف ايه الاماكن اللي فاضيه عنده ولسه ملقاش ليها موظف وانت وحظك.
اغتاظ من رد صديقة، فهتف بإصرار أشد
= لا انا مش هتحرك من مكاني غير لما أعرف نوع الشغل، انا مش عاوز شغل في مجهود كتير وتعب وكل شويه رايح جاي وده يقل أدبه عليا ويناديني اعمله الـ…
لوي الآخر ثغره للجانب ساخراً منه، بنبرة ممتعضة
= في ايه، حيلك حيلك هو في شغل من غير تعب ومجهود! جري ايه يا معاذ هو انت صحيح علي راي مراتك عاوز كل حاجه تجيلك على الجهاز وانت قاعد من غير تعب.. ما تتعب شويه في ايه وبعد كده هتتعود زينا !. دول يا اخي حتي اللي بيسرقوا بيتعبوا في الحاجه
فرك رفيقه الاخر طرف ذقنه بضحك وتجشأ قائلًا
= بصراحه عنده حق ما قلت لك سيبك من الشغل ده وتعالى اشتغل معايا في التهريب فلوسه كتير .
هز رأسه مؤكداً رفض ما طلبه منه رفيقة، و نفخ بحنق وهو يشير بيده مرددًا بتبرم
= ما قلت لك مش عاوز انا مش هعمل حاجه حرام والسكه دي اخرها وحشه، طب آآ تعالى أنت التاني نروح نشوف السوبر ماركت اللي فاتح جديد ممكن يمسكني الحسابات واقعد على المكتب، بس أهم حاجة من غير تعب .
❈-❈-❈
ترددت ضحي في قبول طلب منذر لتغيبها عن العمل اليوم والذهاب معه، لكنها في النهاية هزت رأسها كعلامة للموافقة، فبالتاكيد لم تستطيع الرفض او الإعتراض فهو جاء بنفسه لها حتى تسانده.. بعد وقت قصير كانوا بأحد المطاعم وطلب فطار لهم وكان منذر صامت طول الوقت حاولت أن تتحدث وهي راسمة على ثغرها ابتسامة هادئة تسأله
= منذر أنت كويس؟
هز رأسه بإيماءة صغيرة، ثم أشــار لها بنظرة مختلفة لكن جعلت الدماء تفر من عروقها
= تعرفي دي اول مره تقولي اسمي.. واول مره كمان حد يسألني اذا كنت كويس ولا لاء .
شعرت بالخجل و ابتلعت ريقها قائلة بارتباك
= بجد مش فاكره اذا كنت ما قلتهوش قبل كده ولا لاء، بس انت ممكن تحكيلي مالك وانا هسمعك! ما فيش داعي تشيل هم من النهارده ان هتكون لوحدك ولا حد مهتم لامرك .
مسح يديه في المنشفة الموضوعة أمامه وهو يقول بجمود عابس
= ما اعرفش المفروض اجاوب اقول ايه بس حاسس ان انا مش كويس، وفي نفس الوقت مش عاوزه اتكلم عن اللي حصل امبارح .
ابتسمت ضحي بتفهم هاتفة بنعومة
= انا كمان مش عاوزه افتح موضوع يضايقك بس عاوزه اقول لك كلمتين من غير ما ادخل في تفاصيل، كان عندي زمان مدرسه بحبها أوي وكانت بتقول لنا دايماً إن الحياه مش بتمشي علي وتيره واحد وزي مافيها الحلو فيها الوحش، وتأكدوا كل حاجه بتضايقوا منها هيجيلها وقت وتنتهي طالما عندكم النيه فعلا انكم تتخلصوا منها .
ترك صوتها ينساب إلى داخل خلايا عقله وهي تتابع حديثها بتمهل واهتمام
= تعرف كنت دايما بسال نفسي هو الراجل ما بيتكلمش ويشتكي ليه لما يكون مضايقة زينا؟ مش واثق يعني ولا ايه
عبس وجهه سريعًا من سؤالها المباغت، ورد بنبرة حزينة
= علشان اتربينا والناس بيقلولنا الراجل مبيشتكيش ومبيخافش و مبيعيطش و الكلام ده.. اتربينا وعرفنا وحفظنا أن الرجاله مبتتكلمش ولا بتشتكي
زفرت ضحي بامتعاض كبير وعدم تقبل ذلك الأمر، قائلة علها تقنعه أن يثق بها
= بس ده مش صح وبحسه ظلم! ما هو الراجل برده عنده مشاعر زي البنات سوا غضب.. أو فرح و اكيد بيجيله اوقات ويبقى نفسه يتكلم
تتنحنح بخفوت هامس وهو يردد مرتبك بحسرة
= صح، بس انا عايز افهمك انه مش ذنبه بس المشكلة هنا انه بيحاول انه ينسق ما بين كل حاجه لو هو بيشتغل فشغله مالي راسه و لو مثلا في حاجة ما بينا كبير ده برده…عمتا لو هو عنده ظروف شديده او مواضيع واكله رأسه، الافضل ان الست تخليها جنبه ولو هو حد سوي هيفتكر وقفتها جمبه وهيقف جنبها مهما كان الموقف
أبد ابتسامة باهته على شفتيه رغم التعب ليقول متابع حديثه
= بصي يا ضحي احنا دائما بتبقى دماغنا في حاجات كتيره جدا لدرجة ان احنا ما بيبقاش عندنا طريقه نتواصل بيها او نطلع اللي في راسنا او حتى نفكر في حد تاني.
تنهدت ترجوه بدلالٍ ناعم
= طب هو مش ممكن انت تغير النظام اللي اتربيت عليه ده وتحكيلي لما تكون حاجه مضايقاك؟ جرب ولو ما ارتحتش بلاش!. بس الموضوع ده زي ما هيفرق معاك هيفرق معايا في علاقتنا برده وان احنا هنقرب كتير لبعض لما نخبيش عن بعض حاجه
تنهد بعمق وقد شعر بالرهبة تجتاحه من الحنان المغلف لكلماتها، أحس برجفته الخفيفة، و بتوتر نظراته لذلك هز رأسه بسرعه من ثاثرها عليه.. وعاد ينظر لها مطولًا بنظرات غير مقروءه قبل أن يجيبها بامتعاض
= قوليلي يا ضحى هو انتٍ ما لكيش قرايب شباب.. يعني ولاد عم ولاد خاله كده وكانوا بيزروكي الفتره دي.
عقدت ضحي ما بين حاجبيها مبدية اهتمامها بحديث منذر المثير، وتساءلت قائلة
= اشمعنا يعني .
وضع كفه على الكف الأخــر محدقًا أمامه باهتمام ،ثم تمتم بضجر
= مجرد فضول المفروض يعني اعرف كل حاجه عنك وبعدين انا ما لاحظتش يعني يوم الخطوبه في شباب قرايبكم ولا ما كانوش معزومين
نظرت نحوه في عدم اقتناع لكنها، هتفت بنبرة عادية
= لا أنا ما ليش ولاد عم بابا كان وحيد او يعني كان لي اخوات بس الله يرحمهم توفوا من قبل ما يتجوزوا ويكونه أسره.. وبالنسبه لماما ليها اخت بس مش بتخلف مع الاسف بس هي اتبنت اطفال وبتعملهم ذي ولادها بالظبط
تسائل بسرعه بلهفة وأمل
= عمرهم قد ايه ولادها.
أجابت إياه قائله بتوضيح جاد
= لا هم بنات وكانوا موجودين في خطوبتنا على فكره، وبالنسبه لاعمارهم 15 و 16 سنه لسه بيدرسوا يعني .
عبس وجه بخيبة أمل ولم يريد إظهار معرفته بما بضمره يخفية فتعمد رفع نبرة صوته ليحذرها قاصدًا مره أخيراً لعلها تصارحه بالحقيقه
= يعني ما لكيش قريب شباب زوروكي او اتقابلتي معاهم صدفه الفتره دي .
هزت رأسها برفض بعدم فهم أمره، لكنه صمت مطولاً بنظرات غامضة وهتف بصوت غريب مُقلق
= كنتي بتقولي من شويه ان الحياه زي ما فيها الوحش فيها الحلوه، بس بحس دايما ان انا شفت الوحش وبس حتى لو عندي نيه فعلا اتخلص منه.. اصل الكلام سهل انما الفعل صعب بالذات لما تتحطي في الموقف نفسه
عارفه انا ممكن اكون اكثر شخص بسكت على الأذى لدرجه بقيت بحس اللي حواليا بيستمتع وهو بياذوني.. بس ده إللي هحاول فعلا اتخلص منه الفتره دي ولازم اعمل كده.
نظرت إليه في دهشة كبيرة، وهتفت بقلق من حديثه
= منذر هو انت كويس بجد .
لم يرد بل شرد الذهن فما سوف يقترحه عليها الآن ويخشى من رده فعلها، فهو لديه مخططات من أجل حياتهم القادمه ويريد هذه المره ان يبداها بثقه ويفعل ما لم يفعله سابقاً، ولكن يحيد عنها في الوقت الحالي ولن يدع أي شيء يعكر صفوه. لذا فكر بذلك!.
ضاقت نظراته حتى تحولت للإظلام التام، ثم هتف بغموض مريب
= هو انتٍ سمعتي صحيح عن التحاليل اللي بيعملوها قبل الجواز طلعت جديده كده، يعني عشان يتاكدوا من موضوع الخلفه وأن … وإن البنت اللي هيتجوزها دي فعلا شريفه ومحدش لمسها زي ما هي مفهمها .
عقدت ما بين حاجبيها باستغراب مرددة بعدم فهم
= انت بتقول ايه انا مش فاهمه حاجه منك .
تعقدت تعبيرات وجهه وضاقت أكثر حتى باتت حادة للغاية وهو يقول بصرامة
= ايه رايك تعملي التحاليل دي يا ضحى بس مش تحاليل الخلفه! أصل كده كده مش فارق معايا الموضوع ده وفي الاخر هو نصيب.. انما التحليل التاني اعتقد انه مهم خصوصا قبل ما نبدأ علاقتنا اتاكد منه .
ظلت متسمرة في مكانها عدة لحظات محاولة استيعاب كلماته الغربية تلك، ثم نظرت إليه بعدم تصديق وهي تقول بنبرة مصدومه
= هو انت حابب تهزر وتستخف في دمك ولا بتتكلم جد، هو انت فاهم تقصد إيه بكلامك ده
هز رأسه دون اكتراث وتمتم غير مصدق اندفاعة هو نفسه معها لكن ما باليد حيله
= لا بتكلم جد وفاهم انا بقول ايه، انا قلت لك هسمع بحكمتك او حكمه المدرسه بتاعتك واحاول اتخلص من الوحش اللي فيا و ماخليش حد يضحك عليا تاني.. عشان كده عاوزك تعملي تحليل كشف عذرية.
عاودت محاوله تصديق العبارة الأخيرة منه، هاتفة بسخط
= لا ده انت اتجننت رسمي، إيه التخلف اللي انت بتقوله ده وهي في تحاليل كده اصلا طلعت جديده ولا انت اللي بتالف من دماغك عشان عاوز كده .
ارتفع حاجباه للأعلى باستنكار وهو يهتف كأن الأمر بسيط لهذه الدرجة
= طب هو ايه المانع في كده طالما انتٍ متاكده من نفسك وأن محدش لمسك وانتٍ مش بتضحكي عليا.. يبقى ليه ما تعملهاش وترفضي، الموضوع بسيط يعني.
شهقت مدهوشة من وقحته لها، وحلت تشابك ساعديها متمتمة بازدراء
= هو انا حقيقي مش قادره اصدق اللي بسمعه انت بجد بتطلب مني حاجه زي كده يا منذر.. بتشك فيا ان انا مش انسه وعاوز تتاكد بإني اعمل تحليل عذريه في مستشفى! هو ده اللي هيريحك وياكدلك ان انا شريفه وما حدش لمسني ومش كدابه.. انا مش قادره استوعب اصلا ان انت بنفسك بتطلب مني حاجه زي كده
جز علي أسنانه بعنف شديد أثر عقده القديمة ثم أردف بنبرة مغلولة
= وليه مش مستوعبه حاجه زي كده بالذات مني؟ أكمن يعني ابان غلبان وضعيف الشخصيه ذي ما بكون باين لاي حد بالصفات دي! لا يا ضحي انتم اللي دايما بتفكروا سكوتي ضعف بس انا اللي بكون لسه باقي عليكم وبقول دول اهلي و بلاش ااذيهم زي ما هم بياذوني .. انما سهل جدا اخليكوا تحسوا باللي بحسه بسببكم .
ضغطت على شفتيها بقوة وتحول وجهها المشرق الى قهر و حسره وهي لا تفهم بعض حديثه الغامض ثم صاحت معترضة بشراسة وهي تنظر له شزرًا
= انت بتقول ايه هو انا اذيتك في إيه اصلا ولا هم عملوا معاك إيه، فوق يا منذر احنا ما كملناش شهر على علاقتنا وانت جاي تقول لي ان انت شاكك فيا وعاوز تتأكد ان انا فعلا محدش لمسني ولا لاء انت مستوعب الاهانه اللي انت بتحسسها لي بطريقه كلامك دي معايا.. انا مش فاهمه اصلا بتطلب مني طلب ذي ده ليه وعلى أي أساس؟ إيه اللي شفته مني شككك فيا كده فجاه
قوس فمه للجانب بتهكم، ورد بنبرة محتقنة
= مش لازم اكون شفت حاجه ومش هستنى لما أشوف وبعدين مين قال لك ان انا بشك فيكي! متهيالي لو شاكك فيكي المفروض اسيبك على طول لكن انا لسه عاوزك وباقي عليكي بس كل اللي محتاجه وزياده تأكيد مش اكتر! انا مش فاهم اصلا انتٍ رافضه ليه طالما متاكده كده من نفسك .
أغاظها عدم إدراكه لحجم الكارثه الذي يتحدث عنها بمنتهى الهدوء والبساطه هكذا، فهدرت بتشنج مستنكره تفكيره الضيق
= بجد مش عارف رافضه طلب زي كده ليه! ممكن لانك بتهني مثلا ما تركز في كلامك شويه
إبتلع ريقه بتوجس هاتفاً بتمهل مطمئن
= أنا آسف لو ده اللي وصل لك بس انا مش قصدي اهينك خالص بالعكس انا بعمل كده عشان مصلحتك ومصلحتي وده هيفيدني لقدام وده برده اللي هيخليني اكمل معاكي للاخر وانا مطمئن..
تدلى فكها للأسفل في استنكارٍ، وهتفت معترضة
= هو ايه اللي بتعمله في مصلحتي وبعدين انا اللي اعرفه أن حاجه زي كده العريس بيعرفها يوم الدخله مش يطلب من العروسه تعمل كشف في المستشفى.. انا اسفه بس ده إسمه
هبل وتخلف .
هز رأسه بإيماءة بسيطة وهو يرد باقتضاب
= أنا مش فاهم بس انتٍ رافضه ليه، قلت لك انا مش شاكك فيك ولا عاوز اهينك.. وبعدين مين قال لك ان العريس لازم يتاكد يوم الدخله وبس لا بالعكس ده اللي المفروض يحصل اصلا ان اي راجل يتاكد من قبل ما يتجوز من حاجه زي كده، يعني افرضي مثلا ناس غيرنا اتجوزوا وبعد كده العريس اكتشف بعد الدخله انها مش انسه الوضع هيكون إيه ساعتها مش هيكون اتدبس فيها ومش بعيد يقولوا كلام وحش وما يصدقوش اصلا .. انا كل اللي طالبه منك تأكيد مش اكتر .
هزت رأسها نافية وبدأت غير مقتنعة بإجابته المريبة تلك، لترد وهي تقول بصوت مختنق للغاية
= ولو قلت لك ان انا رافضه ومش موافقه على الهبل ده؟!
احنى منذر رأسه عليها ليصبح أكثر قربًا، فاستشعرت قوة تهديده الحاسم حينما هتف بصرامة نافذة غير قابلة للنقاش مُطلقًا
= كده هضطر اقول لك انا اسف و كل واحد منا في طريق! مع اني مش عاوز، عشان كده هسيبك تفكري كويس .
انفرجت شفتاها للأسفل بذهول وشعرت كأنه يتعمد إيلامها أكثر بإصراره ذلك لتقول باحتقار
= آه ده انت كل ما تطلب مني طلب بقى هتساومني أنك تسيبني ولا ايه؟ في الاول لمحت كده لما طلبت مني اسيب الشغل وانا وافقت فانت بتستخدم نفس الاسلوب عشان تلوي دراعي مش كده.
قطب جبينه ناظرًا نحوها بثبات وهو يقول
= ضحي عشان خاطري وافقي وما تلويش دراعي انتٍ عشان انا مش عاوزه اسيبك فعلا، انتٍ الوحيده اللي بحس مش عاوز اخسرك رغم ان احنا نعرف بعض من مده قصيره بس نفسي قبل ما اديكي الثقه الكبيره دي اتاكد من كل حاجه جوايا بتحسسني بقلق من اللي جاي
انت مش عارفه انا بجد مريت بايه في حياتي ولا شفت ايه عشان اطلب منك طلب زي ده، انا اول مره اطلب من بنت ما تسيبنيش وكانت انتٍ يا ضحى .
اصطبغ وجــه ضحي بتلك الحمرة الغاضبة بعد سماعها لإساءتها المهينة لشخصها بسبب طلبه،
جاهدت لتضبط أعصابها قدر المستطاع معه رغم فظاظته و وقاحه حديثه، فهي لا تزال ساذجة لا تعي أبدًا مخاطره ما زجت بنفسها به
بينما توترت من صراحة انفصاله عنها المهددة لها، حافظت على ثباتها الزائف أمامه رغم كل ذلك .
فرك منذ وجهه بضيق، ثم نظر مباشرة لها قائلًا بصرامة شديدة وهو يشير بسبابته إليها
= مش انتٍ عاوزه تعرفي كل حاجه عني؟؟ و لسه قايله كده بنفسك وانك مستعده تسمعيني ومش هتسيبيني وكل حاجه اتعودت عليها زمان هتتغير معاكي، وان ده هيفيد علاقتنا لما نثق في بعض طب انا هديكي الثقه دي على اي اساس غير لما اتاكد من كل حاجه جوايا خايف منها!.
حاولت ضحي أن تجلي حنجرتها وخرج صوتها خافتا ضعيفا وهي تقول بيأس من تفكيره الغريب
= الثقه بنديها لبعض من المواقف اللي بتظهر في حياتنا ولما بنسيبش بعض في أصعب الاوقات مش بالطريقه اللي انتٍ عاوز تعملها
ضاقت نظراته أكثر وهو يرد بنبرة غير مريحة بالمرة
= يبقي كل واحد تفكيره يختلف عن التاني، كل واحد لي متطلبات في الحياه غير التاني، عشان انا مش هثق فيكي الا بالطريقه دي.. و ارجوكي ما تقوليش لا عشان انا قلت لك مش عاوز اخسرك وما تضطرينيش اسيبك.. صدقيني الموضوع بسيط ايه يعني تروحي لمستشفى معايا وتعملي كشف عذرية والموضوع هيفضل سر ما بينا وأكيد من غير ما حد يعرف.. بس ده هيفرق كتير معايا صدقيني و طوعيني يا ضحى .
استدارت ضحي برأسها ببطء ناحية ونظرت له مطولًا دون أن تنبس بكلمة مانعة نفسها من الحديث، لكنها شردت في إذا تركها بالفعل و عادت من جديد كما كانت! هل ستتحمل ضغط المجتمع.. ومشاحنات أسرتها كل يوم على اتفه الأسباب.. و نظرات الشماته من أخواتها و الأصدقاء والاقارب بعد أن تفسخ خطوبتها و تصبح من جديد عانس في نظر نفسها.. هل لديها طاقه لتحمل كل ذلك بعد أن انتصرت عليه في يوم من الأيام بسبب خطوبتها من منذر! ذلك العريس اللقطه كما يخبرها البعض وبانها محظوظه به، الإختيار حقا صعب؟ هل ستوافق على طلبه الغريب والمسيء إليها او تعود الى حياتها البائسة من جديد. انزعج منذر من صمتها المفاجيء وقال بنبرة غليظة
= قلتي ايه موافقه.. ولا عاوزه وقت تفكري بس مش هديكي اكتر من يومين عشان مستعجل .
** ** **
_________________
منذ الصباح الباكر تركت بسمة طفلها عند حماتها ولم تهتم الى أسئلتها وفضولها الى أين ستذهب، لكنها اخبرتها باختصار قبل ذهابها بأنها ستمر على شقيقتها! لكنها في الحقيقه كانت تكذب وذهبت الى جمعتها، حتى تجمع المحاضرات الفائته كالعاده .
ثم عادت بسرعه حتى لا تسير الشكوك نحوها، وأخذت طفلها من عند حماتها أولا وبعدها بدأت في تحضير الطعام والترتيبات اللازمه بالمنزل بمفردها مثل كل مرة!. وبعد عده ساعات كانت منغمسه فيه غسل الصحون بالمطبخ وهي شارده في حالها وحال زوجها بدون فائدة! فهي لا تريد ان تستمر الحياه هكذا وهي تكذب وتخفي أشياء كثيره عنهما.. لكن هم من يجبروها على فعل ذلك؟ وكلما حاولت أن تفتح معهم موضوع الجامعه تتفاجأ برده فعلهما الصعبه .
وفي ذلك الأثناء وهي شاردة دخلت حماتها المنزل بالمفتاح دون أن تطرق علي الباب و تستاذن لتدخل تبحث عنها بالمطبخ، قفزت بسمة بذعر بخضه عندما رأتها فجاه بدون أي مقدمات أمامها؟؟ انكمش قلبها وهي تقول بصوت لاهث
= بسم الله الرحمن الرحيم، طنط مايسة
لوت شفتاها ساخره من رده فعلها المبالغة فيها ثم علقت بصوت متعجباً
= آه يا أختي طنط مايسة امال هيكون مين هو انتٍ يا بنت كل ما تشوفيني في وشك هتشهقي كده.. ما إبنك معلي التلفزيون و قاعد بيتفرج على الكرتون بره.. مش لوحدك يعني! ايه لازمه الخضه دي بقى .
جاهدت بصعوبة أن تتحكم بأعصابها كي لا تثور عليها وتندم هاتفه بغضب مكتوم
= يا طنط ارحميني قلتلك بدل المره عشره نفسي مره واحده تخبطي على الباب حتى و بعد كده تخشي لكن نبهيني مش فجاه الاقيكٍ في وشي كده وتخضيني.. هيجيلي سكته قلبيه في مره حرام عليكي
عقدت حاجبيها متهكمة لتقول متبرمة
= ربنا كريم وقادر على كل حاجه، ودي اعمار مش بايدي
ظهر العجب على وجهها وهي تقول باقتضاب
=هو انتٍ بتفولي عليا يا طنط بدل ما تقولي لي بعد الشر .. هي بقت كده تمام!
عبس وجهها وسألتها بحدة
=ما انتٍ عملتيها قبل كده ورميتيلي كلمتين وقلتلي انتٍ وجوزك مش عايشين العمر كله لابنك كنت زعلت؟ المهم هتنسيني اللي طالعه عشانه؟ فين الكنبه اللي عاوزه تتغير وباظ القماش بتاعها خالص، معاذ كان قال لي عليها من أسبوع وانا قلت لابوه وقال لي لما يبقى معاه هيديني ونعملها.. وهاتي كمان معاكي بالمره حاجه نقيس بيها عشان بعد كده أتصل بالراجل واتفق معاه
بسمة بحماس وهي تقول قبل أن تقترب مهرولة
= بجد! طب كويس أحسن منظرها يقرف و مكسوفه منها لحد يشوفها كده وهو بيزورنا ولا حاجه.. حالا هجيبلك اللي طلبتيه
بعد مرور ربع ساعة انتهوا من القياس ذهبت بسمه تحضر لها قهوتها وعندما عادت، تفاجأت بحماتها وهي تقول لها باختصار
= خلاص اتفقت مع الراجل علي التلفون على كل حاجه و خلال اسبوع هتكون عندكم واحسن من القديمه كمان .
تغضن جبينها وهي تتقدم منها سائلة بدهشة
= اتفقتي معاه فين؟ انا سبتك خمس دقائق ودخلت اعمل لك القهوه اللي طلبتيها.. وكمان كنت لسه هقول لك على المواصفات اللي انا عاوزاها عشان ناويه اغير اللون القديم واجيب لون ثاني أحسن و موضه الأيام دي هو انتٍ ليه استعجلتي يا حماتي
هتفت بها بحسم بنظرات حادة
= هو انا هجيبلك اي حاجه برده ولا انتٍ تفهمي في الحاجات دي، ما تقلقيش انا اتفقت لك على احسن حاجه عنده واخترتلك كمان لون حلو أحمر كده وشكله فرايحي
انعقد حاجبيها ولم تستطع منع نفسها من أن يظهر الضيق والاستياء وهي تقول
= أحمر!! بس انا مش عاجبني اللون ده ما كنتش عاوزاه.. انا كنت مرتبه في دماغي من وقت ما باظت وانا قايل لمعاذ المره الجايه هنختار لون كشميري عشان عاجبني.. ده أنا خمس دقائق بس دخلت اعمل لك قهوه كنت استنيتيني وانتٍ بتتفقي مع الراجل
ظلت تنظر لها للحظات طويلة حتى أدركت عما تتحدث عنه، فقالت بضيق
= كشميري إيه وقرف ايه دي الوان فاتحه هتبوظ معاكي مع اول إستعمال بس.. بس انتٍ تفهمي إيه في الحاجات دي، انا خلاص اتفقت مع الراجل على كل حاجه واتفقت كمان على العربون اللي هدفعه وانا بستلم منه..
اتسعت عينا بسمة بصدمة! ثم ابعدت الأخري تواصل العينين واضافت بنبرة ذات مغزى
= ما هو ساعه الاستلام يا حبيبتي اللي هياخد الحاجه اللي معاه الفلوس واللي بيدفع عشان كده بيشتري على مزاجه واللي يعجبه.. وانا عاجبني لون الكنبه يكون أحمر .
تأملتها بسمة بغير وضوح وكانت تلوح في عينيها آثار الغبن والقهر والغضب.. من نفسها ومن معاذ.. ومنها أيضا.. فطال الألم ثنايا قلبها وهي تسمع ما تنطقه ولأول مرة تجد نفسها عاجزه بالفعل حقا ولا تستطيع الاعتراض او الرفض! فكيف لم تفكر بنقطه مثل تلك؟ الأمر الناهي ومن المتحكمون بذلك المنزل باكمله؟؟ الذين ينفقون عليه وليس الذين يسكنون بداخله.
تشتت نظر بسمة بحرج بالغ وقالت متفهمة
= آه العربون اللي انتٍ هتدفعي من جيبك أو من تعب وشقي جوزك تمام فهمت.. و انا مالي صحيح هو انا اللي هدفع ولا جوزي هتكلم باي عين؟ .
❈-❈-❈
قد حان موعد تناول الفطار وكالعاده جهز آدم كل شيء بنفسه لكن هذه المره ضاعف الطعام أكثر لأجل وجود شخص جديد معه في المنزل سيشاركه أخيراً الطعام ولم يعد يتناول بعد الآن بمفرده.
بينما ديمة كانت ما زالت نائمه حتى الآن ففي الأيام السابقة كان النوم يهرب منها بسبب تفكيرها في حياتها مع آدم كيف ستكون وماذا سيفعل معها، لكن ليله أمس طمنها نوعا ما بأنه لم يؤذيها لذلك وضعت راسها فوق الوساده ولم تشعر بنفسها ولم تستيقظ إلا عندما ربت بقوة على كتفها مرارا هامس بحنو
= ديمة يلا كفايه نوم واصحي
أفــاقت من غفوتها المؤقتة شاعره بتلك اليد التي تجتاح جسدها، بدت الرؤية مزعجة بالنسبة لها فاضطرت أن تغمض جفنيها لأكثر من مرة وتفتحهما حتى تعتاد على الإضاءة حركت رأسها للجانب لتجد آدم محدقًا فيها بحنان، شهقت مذعورة وهي تنهض من فوق الفراش بخضه! هتف قائلاً بسرعه وحذر
= اهدي ما تخافيش ده انا، معلش بس فضلت كتير انده عليكي وانتٍ ما ردتيش فاضطريت ادخل! يلا قومي أنا جهزت الفطار بره
رحل بهدوء لكنه كان مزعوجًا من خوفها الذي ما زال يحتل قلبها ضده ورغم ان قد طمنها ليله أمس بأنه لم ياذيها لكنها من الواضح لم تثق به.
بعد دقائق، خرجت ديمة من غرفتها فتفاجأت بكم الأطباق الشهية التي تم تجهيزها خصيصًا لها، عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة بدهشة
= ماشاء الله! لازمته ايه التعب ده كله، هو الاكل ده انتّ اللي عامله
هز رأسه بعدم اكتراث قائلاً وهو يشير بيده لتجلس أمامه تشاركه الفطور
= ايوه انا اللي عامله، مالك متفاجاه كده ليه مش مصدقه هكون جايبه جاهز يعني؟ انا عشت سنين طويله لوحدي اكيد مش هقضيها كل السنين دي اكل من بره اتعلمت مع الوقت واتعودت كمان علي الطبخ.. وبعدين ده فطار بسيط هبهرك اكتر وقت الغداء .
أجابته بصوت خافت مشيرة بعينيها الحزينة
= انا برده قعدت كذا سنه لوحدي بس مع ذلك ما تعلمتش اعمل اكل لوحدي خالص وكل محاولاتي كانت فاشله وما عرفتش اتعلم لوحدي، رغم أن رانيا كتير كانت بتقول لي انها هتعلمني بدل ما اجيب كل شويه اكل من بره بس ما كانتش فاضيه وانشغلت مع حياتها
لوي ثغره للجانب قائلًا باقتضاب
= معلش مشاغل الدنيا والحياه برده صعبه و ساعات بتلهينا كلنا من غير ما ناخد بالنا ان احنا بنقصر مع غيرنا .
استرسل متسائلاً بحذر كنوع من التمهيد لما يريد البوح به
= قوليلي بقي أخبارك ايه؟ عرفتي تنامي كويس امبارح ولا لسه مش متعوده
اقتربت وجلست أمامه وهي تقول بنبرة عادية
= كنت تعبانه أوي وما نمتش كويس الأيام اللي فاتت عشان كده حطيت دماغي نمت على طول.
هز آدم رأسه متفهمًا وهو يرد بجدية هادئة
= طب كويس، عاوزك تفتحي الشنط وترتبي حاجتك في الدولاب وخلاص اعتبري الاوضه بتاعتك من دلوقتي.. ما قلتليش بقى صحيح عجبتك الشقه انتٍ ما دخلتهاش قبل كده عمرك صح
بدأ آدم في وضع مربى التوت فوق الدست وبعد ذلك قدمها لها حتى لا تشعر بالحرج وتتناول براحه دون إزعاج، لكن هي لاحظت ذلك وقد أحبت هذا الإهتمام البسيط منه والذي افتقدته أيضا، ثم لمحت إله بيانو في زوايا الصالون و قد استغربت ذلك وارادت ان تسأله عنه، هل هو ديكور أم يجد استخدامه لكنها تراجعت عن ذلك بسرعه من الخجل، وهتفت بانبهار
= شكلها تحفة، بصراحة ذوقك يجنن
أومــأ لها بعينيه وهو يقول بهمس جاد
= شكراً، هو انتٍ ما عندكيش مواعيد في الجامعه النهارده
أطرقت رأسها في حرج وهي تردد بحذر
= لا ما انا بقيلي فتره طويله مش بروح من ساعه اللي حصل
انزعج قسمات وجه آدم هاتفاً بعتاب
= طب ده كلام! خلاص بقى احنا قلنا نبدا صفحه جديده يعني ننسى اللي فات مش نقصر.. عايزك من بكره تبداي تروحي بلاش النهارده عشان صاحيه متاخر وكمان اكيد لسه تعبانه، لكن من بكره عاوز التزام
همست بنبرة شبه متلعثمة وقد اعتلت الحمرة وجهها
= مش عارفه اذا كنت هلحق ولا لأ ، اصل انا داخله في اكتر من شهرين ما بروحش خالص
حرك رأسه كتشجيع لها قائلاً بإصرار
= معلش شوفي المحاضرات اللي فاتتك و حاولي من اول وجديد، لو بداتي تذاكري كويس وتعوضي اللي فات هتحاولي ان شاء الله تلحقي.
بقي وجهها خاليًا من أي تعبيرات مزعوجة
أو اعتراضا، مجرد ابتسامة خفيفة ظهرت وهي تقول بتردد مع الإيماء برأسها
= حاضر اوعدك هحاول، بس مش هتبقى شكلها بايخ يعني ان انا انزل من تاني يوم جواز
هز رأسه بعدم مبالاة وهتف قائلاً بهدوء جاد
= ايه يعني ما تهتميش انا كمان اصلا هنزل من اول النهارده عشان عندي شغل مهم ما عرفتش ااجله ولا ده هيضايقك .
هزت رأسها برفض أو عدم اهتمام للأمر، و بعدها تنهد آدم بعمق وهو يقول
= ماشي انا فطرت خلاص كملي انتٍ أكلك وانا هروح ألبس عشان الحق شغلي في الجامعه، آه صح كنت هنسى خدي الفلوس دي عشان لو احتجتي حاجه .
ضغطت على شفتيها بقوة بحرج متفاجئه، لكنها هتفت باعتراض
= شكرًا يا اونكل آدم، بس معلش اعذرني انا مش هقدر أقبل الـ …..
قاطعها صائحا بعتاب عابس
= أعذرك ايه بس مش عاوزه اعتراض.. ديمة انتٍ دلوقتي بقيتي مراتي حتى لو جوازنا مؤقت وبشكل معين فده ما يمنعش ان انتٍ برده بقيتي مسؤوله مني..
ابتسمت ديمة له بتوتر مبررة
= متشكره، بس انا لو عاوزه حاجه هطلب من اخواتي زي ما متعوده، غير ان انا معايا فيزا بصرف منها من حسابي في البنك او يعني الورث بتاع بابا وماما .
امتعض وجهه على الأخير المتجهم نحوها، فرد بجمود
= طب هعتبر نفسي ما سمعتش الكلمتين دول عشان ما نزعلش من بعض من اولها، وفلوس امك وابوك او اخواتك ما ليش علاقه بيها.. ولو عاوزتي حاجه بعد كده تعالي اطلبيها مني أنا مش من اخواتك.. تمام!.
خفق قلبها بقوة رغمًا عنها لكلماته معها و التي توحى الى اهتمامه بها منذ اللحظه القادمه…
و إن رجلاً بحق! لمحت ديمة وجهه المتجهم أثر رفضها، فاضطرت أن تستسلم الى الأمر وتأخذ الأموال قبل أن تهز رأسها مبدية امتنانها الكبير نحوه .
❈-❈-❈
لاحقاً، أمام أحد المستشفيات خرجت ضحى تسير بخطوات سريعة والدموع تنهمر من عينيها بقهر مكتوم! و منذر خلفها شبه يركض يحاول اللحاق بها وهو يهتف باسمها لكنها تجاهلته تماماً.
فلقد فعلت ما يريد للتو! ذهبت معه الى احد الأطباء ليتأكد من عفتها وأنها لم يلمسها أحد قبل زواجهم، لتشعر بالإهانة الشديده بعدها وهي تشتم داخلها وتلعن وتسب المجتمع و الناس والأصدقاء وكل من كان له يد في الضغط عليها لتتقبل تلك الأوضاع الغير مرغوبة، وتوافق على ذلك الوضع.. لأجل أن تتزوج وتتخلص من لقب عانس .
فمع الأسف رضخت للامر وهي لا تفهم حتى الآن ما الذي فعلته حتى يشك بها بتلك الطريقه، بينما هو رغم اعتراضها عليه إلا أنها اضطرت أن ترضخ مجبرة لرغبته، لكن هذا لم يمنعه عن التفكير في شيء أخر ولم تذهب كل تلك الشكوك إلا عندما تاكد من طهارتها وأنها بكر، فقبل قليل كان يقف بالخارج منتظر الطبيبه تخرج وتخبره أنها مازالت آنسة و بالفعل قد حدث! فكـادت دقات قلبه تصم أذنيه من فرط الارتباك والتوتر وهو يخشي أن تكون ضحي مثلها مثل طلقته السابقه .
لكنه تنفس بصوت مسموع براحه كبيره ماسحًا حبات العرق الغزيرة من على جبينه.. شاعراً أنه أحسن الإختيار هذه المره بالفعل، و هنا لم يشعر بنفسه إلا وهو يهب واقفًا بتلهف كبير ولوي ثغر للجانب مُشكلًا ابتسامة عريضة ولمعت نظراته ببريق الفرحا.
وكانت ضحي تقف بالخلف وهي تراقب كل انفعالاته! وعندما شعر بالسعاده بعد أن اخبرته الطبيبه بالأمر تجهمت قسمات وجهها إلى حد كبير فمعني ذلك كان يشك في امرها دون ان تفعل له شيء يوحي الى ذلك؟ حقا لم تفهم أمره هذا ولما يفكر بتلك الطريقه بها .
اندفع فجاه مباشرة في اتجاهها ليضع قبضتيه على ذراعيها هاتفاً بتلهف وهو يضغط عليهما
= استني يا ضحى مش سامعني عمال انده عليكي
تقطعت أنفاسها وهي تردد بصوتها الممزق من البكاء بحسرة متأملة إياه بخيبة أمل
= عاوز مني ايه تاني؟ مش عملت لك اللي انت عاوزه واتاكدت ان انا مش بكدب، ابعد عني وما لكش دعوه بيا بقى
جاهد الآخر ليمتص غضبها، هو مدرك لعدم تقبلها لذلك الأمر حتماً لكن من وجهة نظره لم يكن لديه أي بديل سوى القبول به
=طب اهدي وكفايه عياط الناس عماله تتفرج علينا، تعالي نقعد في اي مكان تكوني هديتي شويه
صـاحت بنبرة غاضبة حتى بات صوتها الهادر ملفت للأنظار
= مش هاجي معاك في حته ولا هروح سيبني في حالي بقى، عشان انا مش طايقاك ولا طايقه نفسي ومش عارفه ازاي طاوعتك و عملت اللي انت عاوزه.. بس انا اللي استاهل كل حاجه عمال اوافقك عليها واقول لك ماشي وكل ده عشان إيه، يا شيخ ملعون ابوه الجواز على الناس على اليوم اللي عرفتك فيه
رد بصوت خفيض يشوبه الارتباك
= طب حقك عليا واهدي انا آسف، عارف ان انا زودتها المره دي معاكي حق بس ما تزعليش مني خلاص
لم تتمكن ضحي من السيطرة على ارتجافتها المتواصلة من فكرة تعرضها لموقف مهين كذلك أن تذهب بنفسها مع زوجها المستقبلي لتفعل كشف عذريه لعدم ثقته بها موقف صعب حقا عليها، بكت رغمًا عنها متنهدة بشهقات خفيفة مكتومة ثم واصلت صراخها المتشنج قائله بعتاب عنيف
= منذر تعرف تمشي من قدامي عشان انا حقيقي حاسه ان انا هعمل حاجه في نفسي وفيك لو فضلت تعتذر وتتعامل كان الموضوع عادي .
أشفق منذر عليها بشدة وشعر بالذنب والندم بسبب طلبه المتهور ذلك! ثم هز رأسه معترض وهو يبرر لها
= انا مش بتعامل مع الموضوع عادي ومش هسيبك لوحدك وانتٍ بالحاله دي! وبعدين خلاص مش اللي حصل حصل فهدي بقى وبطلي عياط واحنا ولاد النهارده
صرخت فيه ضحي بحدة مستنكرة قسوته
= آه طبعاً بتقول لي الكلام ده بعد ما اتاكدت أن ما حدش لمسني، انا نفسي اعرف بجد ايه اللي انا عملته عشان يخليك تشك فيا في حاجه زي كده.. شفت مني ايه يا منذر عشان تشك في اخلاقي!.
رد عليها منذر بجدية وهو مسلط أنظاره المزعوجة عليها
= ما شفتش حاجه انتٍ عندي و بالنسبه لي من النهارده.. لا من أول عرفتك كمان اكثر بنت جميله و محترمه وما فيش في أخلاقها ومش هلاقي زيك لو خسرتك في يوم، بس هو العيب فيا انا حقك عليا .
ربما الحديث لمس قلبها حقا لكن كانت في وضع لا يسمح لذلك، هتفت فيه متسائلة بنفاذ صبر وقد بدأت كمن يقف على حمم متقدة
= يعني ايه العيب فيك مش فاهمه حاجه، هو انت ليه على طول كلامك غامض وتصرفاتك غريبه ما تخليك واضح وصريح معايا انت كمان، مخبي عليا ايه ولا في ايه بالظبط
رد عليها بإصرار صــارم ومريب وقد ضاقت نظراته للغاية
= كل حاجه هتعرفيها في وقتها صدقيني، و الله العظيم عمري ما كانت في نيتي اؤذيكي ولا اجرحك زي دلوقتي… ولا حتى نفسي اظلمك معايا! انا عارف ان ده اوحش شعور ممكن تحسي بي و انا جربته قبل كده عشان كده مش هقبله على غيري.. مش مهم تفهمي دلوقتي خليكي مكمله معايا للآخر وانتٍ هتفهمي كل حاجه بعد الجواز
نظرت إليه نظرة غاضبة للغاية، فتجمدت نظراتها على نقطة ما بالفراغ، وقبل أن يعبث شيطان رأسها أكثر بأفكار سيئة أخرجها منذر من شرودها هاتفاً باسمها وهو يفرقع بإصبعيه أمام وجهها، لترد هاتفه بسخرية بعبث
= مش بقول لك غامض انا مش فاهمه منك حاجه وانت مش صريح علي فكره، ايه المانع أنك تقول لي دلوقتي ايه اللي مخبي عليا ولا مبرر لتصرفاتك دي؟ ليه طول الوقت كل ما أسألك عن حاجه تقول لي بعد الجواز هتعرفي ليه مش دلوقتي إيه اللي هيتغير بعد الجواز من دلوقتي .
سلط منذر أنظاره المرهقة عليها ليقول بغموض أكثر
= بالعكس يا ضحى انا اكتر واحد صريح ممكن تقابليه في حياتك، مش بعرف اكدب ولا اللوع زي غيري يعني كان ممكن اقول لك اي حاجه واخترع قصص بس انا مش عاوز كده.. و الأفضل ان كل حاجه تكون واضحه بعد ما نتجوز أو انتٍ كده كده كل حاجه هتكون واضحه قدامك لوحدها
ردت عليه بنبرة محبطة وهي تنظر لها شزرًا
= رجعنا تاني لكلامك اللي مش مفهوم، ايه تكونش لسه مش واثق فيا اكتر من كده
أخذ نفسًا عميقًا، وزفره على مهل وهو يقول باعتراض حذر
= لا خالص الموضوع ما لوش علاقه بالثقه، و حتى لو ده السبب صدقيني العيب مش فيكي زي ما قلت لك، انا اللي كل الظروف المحيطه حواليا هي اللي خلتني مجبور ان انا ما اثقش في حد بسهوله.. و..
قاطعته متسائلة بجمود قاسي
= وياتري من ضمن الناس اللي خلوك ما تثقش في اللي حواليك كانت الهانم طليقتك القديمه
رد عليها منذر بحذر
= اشمعنا هي بالذات اللي قلتي عليها
هزت رأسها بطريقة تهكمية فابتلعت ريقها مرددة بابتسامة باهتة
= اه صح ما انا ما قلتلكش ما اعرفش هي جابت نمرتي منين بس لقيتها بتبعتلي صوره وانا واقفه مع والد طفل كنت بديله دروس و كان بيحاول يتحايل عليا ارجع تاني ادي لابنه دروس اكمني يعني كنت بستنى عليه في المصاريف وما كنتش بغليها، بس انا حاولت اشرحله وضعي وان انا خلاص قريب هتجوز وجوزي رافض الموضوع ده وهو تفهم في النهايه وشكرني وابتسملي بامتنان قبل ما يمشي، وهي استغلت الوضع ده وصورتني مش عارفه إزاي وبعتتلي الصوره وهديتني ان انا لو ما بعدتش عنك وسبتك هتبعتلك الصوره وتقول لك أن اعرف الراجل ده وعلي علاقه بيه!؟. بس انا ما هديتهاش اهتمام لان كلامها مش صح قلت لها اعملي اللي انتٍ عاوزاه .
نظرت له وهي تضيف بنفور
= فيعني واحده بالاخلاق والشر ده والكره الفظيع اللي انت بتكرهه ليها كل ما تشوفها ولا تجيب سيرتها قلت اكيد ان انت ما كنتش على وفاق خالص معاها وأن هي ما كانتش سهله
أطلق منذر لفظًا مسيئة من بين شفتيه بغيظ يلعن غاده واليوم الذي تزوجها بصوت خفيض معبرًا عن سخطه الكبير من فروغ صبرة من أفعالها، رمشت بجفنيها بعبوس لكنها لم تعقب عليه.. بينما زاد ضيق نظرات منذر لتصبح أكثر خطورة بعد تلك الكلمات وقد بدأ يفهم لعبه تلك الحقيره التي ادخلت الشك داخله، وهتف من بين أسنانه بعصبية عدائية
= انا في حياتي ما شفتش انسانه زباله زيها، الله يسامحه ابويا هو اللي دبسني فيها ومش قادر يصدق كمان انها بالشر ده لحد دلوقتي.. انا مش عارف أصلا اقول لك ايه ولا اللي كنت بشوفه معاها من قرفها، ده انا كل يوم بصحى بحمد ربنا انها ما عدتش في حياتي.. ويا ريتها اكتفت باللي عملته فيا زمان راجعه دلوقتي برده تدمر حياتي.. بس انا مش هسمحلها وما فيش حاجه هتفرقنا غصبا عن عينيها هنتجوز
دنا منها متابعًا بتنهيد، ونظر لها مطولًا بنظرات حانية ثم رسم على شفتيه ابتسامة خفيفة وهو يقول بهدوء رقيق
= حقك عليا يا ضحى انا اسف بجد انا اللي كنت غبي وخليت شكوك ملهاش اي لازمه تسيطر على عقلي واجبرك تعملي حاجه زي كده.. بس اوعدك خلاص من النهارده مش هسمح لاي حاجه تخليني أشك فيك ولا تفرقنا
جمدت هي من تعابير وجهها، وأشارت بكفها نحوه قائلة بوقاحة متعمدة إنهاء الحوار معه
= انا عاوزه اروح ممكن تبعد من قدامي .
وجد ان الحديث في تلك اللحظه لم يفيد لذلك وافق على طلبها، وهي بصعوبه شديده وافقت ان يوصلها لمنزلها وصعدت في الخلف عدل هو من وضعية المرآة ليطالع من خلالها وجهها الحزين بأسف.. وحاول بكل الطرق ان يفتح معها الحديث مجدداً ويعتذر لكنها لم ترد، و ظل يشتم نفسه على غبائه وان سمح لخبيثه مثل غادة تقتحم حياته مره ثانيه و تدمرها.. لكن ليكن صريح مع نفسه ليست السبب الوحيد الذي جعله يشك في أمر ضحى ويطلب منها هذا الطلب!!. بعد فتره كان قد وصل بها أمام مدخل البناية وحينما أوقف سيارته فتحت الباب وهبطت على ساقيها سريعًا منه لتهرب منه قبل أن يحاصرها مجدداً.
سلط منذر أنظاره للأعلى محدقًا في الشرفة العلوية قاصد منزلها لعلها تخرج ويطمئن بانها وصلت بخير مثل ما كانت تفعل كل ليلة يوصلها بنفسه، لكن مر وقت طويل دون فائدة، تحرك خطوه للامام مخرجًا من صدره تنهيدة حار قبل أن يرحل .
❈-❈-❈
نهض آدم بالفعل حتى يرتدي ملابسه ويذهب الى العمل، بينما بالخارج نقلت ديمه أطباق الفطور الي داخل المطبخ وبدأت تغسل الصحون وبعدها صارت بطريقها الى غرفتها لكن تفاجأت بجرس الباب يرن! ترددت في البدايه تفتح لكن بالنهايه حسمت أمرها و ذهبت هي تفتح فبالتاكيد هو بالداخل لم ينتهي من تغيير ملابسه.
لتجد اشقائها الاثنين امام الباب! أبتسمت باتساع وقد رحبت بهم بشدة باشتياق، وبعد وقت خرج آدم وسلم عليهم واستاذن للرحيل حتى يتركهم يتحدثون براحه أكثر… ظلت رانيا تتحدث عن عده مواضيع كثيره و اطمأنت عليها، بينما قد لاحظت ديمة سكون زينب المريب، فتعجبت من أمرها وتساءلت
= مالك يا زينب؟ في حاجة حصلت؟
نظرت إليها باهتمام تراقب تعيبر وجهها، هاتفًة بعبوس
= لأ، عادي!
عقدت حاجبيها بتعجب متسائلة بعدم اقتناع
= أصل شكلك متاخد كده و ساكته
هزت رأسها بعدم مبالاة ثم قالت متسائلة بفضول كبير
= سيبك مني وطمنيني عليكي هو إللي إسمه ادم ده عمل لك حاجه؟ يعني ايه اللي حصل امبارح اول ما دخلتي من الباب اوعي يكون لمسك ولا…
قاطعتها رانيا بحده وهي ترمقها بنظراتها المغتاظة
= في ايه يا زينب ايه الاسئله دي ما احنا اول ما دخلنا سألتها قدامك وقالت لي انها كويسه يعني اكيد لو حصلت حاجه كده ولا كده غير اللي اتفقنا معاه عليه، كانت قالت لنا على طول وبعدين من الشكل الحاجات دي بتبين و هي قدامك قاعده مرتاحه عكس ما كانت امبارح عماله تعيط يبقى بالعقل كده ايه اللي هيكون حصل.
سلطت زينب أنظارها عليها وصاحت بصرامة
= جري إيه يا رانيا مالك طلعتي فيا كده ليه؟ الحق عليا بطمن على اختك.. وبعدين مش شرط لو نيته فيها حاجه وحشه هيعملها من اول يوم وهو عارفه و متاكد ان احنا هنيجي نزورها النهارده قبل ما نمشي ونروح بيوتنا
نفخت رانيا بضيق ويأس، ثم ردت عليها بغيظ
= ما فيش فايده فيكي.
تنفست ديمة بصوت مسموع ثم رسمت
ابتسامة علي شفتها زائفة تخفي الخوف و التوتر مثلها وأكثر فهي ما زالت لم تؤمن له لكن حاولت ان تطمئن نفسها وتطمئن أشقائها أيضاً نظرت لهم بأعين متوهجة وهي تشرح ما حدث معها ليلة أمس و الذي كان عكس توقعتها
= خلاص اهدي يا زينب انا كويسه ما تقلقيش انا فاهمه قصدك وانا كمان كنت خايفه أوي امبارح من اللي ممكن يعمله فيا ويخلف الوعد اللي وعدهلك يا ابله رانيا، بس انا اتفاجئت بيه انه بيتعامل معايا عادي و باحترام وكمان سابلي اوضه بنته أنام فيها وقال لي رتبي حاجتك عشان دي من النهارده هتكون اوضتك.. واكدلي مره ثانيه انه مش هيخلف وعده واللي هيحصل اللي هو أتفق عليه معاكم.. حتى كمان قبل ما يمشي لسه فاتح معايا موضوع الجامعه أن انا لازم ارجع تاني وادرس طالما قلت هفتح صفحه جديده وندمانه على اللي حصل .
هزت زينب رأسها بإيماءاتها المزعوجة دون تعقب، بينما ابتسمت رانيا براحه كبيرة بانها أحسنت الإختيار وهي تقول بحذر
= طب الحمد لله ربنا يسعدك ويهديكي، وما نعملش حاجه غلط تاني مره.. صحيح احنا عرفنا نلم الموضوع المره دي لكن مش عارفين اللي جاي ايه فاسمعي كلامه فعلا واستغلي الفرصه دي صح .
هزت ديمة رأسها بالإيجاب علي الفور وهي تقول دون تفكير
= من غير ما تقولي يا ابله رانيا انا خلاص اتعلمت الدرس وعمري ما هغلط الغلطه دي تاني .
رفعت رانيا يديها على وجه أختها الصغيرة ومسحت عليه برفق وهي تجيبها بعاطفة ظاهرة في نبرتها
= طب احنا لازم نمشي، نشوف وشك على خير لو في اي حاجه حصلت ولا احتجتينا اتصلي بينا على طول..ربنا ييسرلك الأمور!
شعرت ديمة في تلك اللحظة بالخوف و الرهبة وتمنت لو ان يظلوا إخواتها معها أكثر، فهي تخشى ان يكون آدم منتظر رحيل أخواتها من هنا، حتى يفعل ما يحلو لها بعدها دون قيود! فمازالت لم تثق به بالتأكيد بالإضافة إلي ما حدث معها جعلها لم تعد تثق بأحد.
هزت رأسها بإبتسامة خفيفة زائفة وحاولت طرد تلك الأفكار السيئة وقبل أن ترد عليها صمتت بسبب إحاطة زينب لها وضمتها لصدرها بحنو زائد عن المعهود خوفاً من تركها بمفردها مع ذلك الرجل الغريب عنهن.. ثم ابتعدت عنها و وضعت يدها على كتفها هاتفه باهتمام كبير
= مع السلامة، لو عوزتي حاجة انتٍ عارفة رقمي تتصلي بينا على طول .
ردت عليها ديمة بود
= في رعاية الله، ربنا معاكو ويسلم طريقكم
❈-❈-❈
علمت بسمة من زوجها تفاصيل ذلك العمل في السوبر ماركت، اتسعت عيناها بذهول وسعادة كبيرة ولم تصدق فأخيرًا سيعمل زوجها مثل ما كانت تتمنى ان تراه مثل باقي الرجال رجل بحق ولديه طموح وسوف يتحمل المسؤوليه مع الوقت بالتأكيد.
حركت بسمة عينيها نحوه لتحدق فيه بعدم تصديق هاتفه بصدمة
= بالله عليك بتتكلم جد يا معاذ ولا بتضحك عليا بجد لقيت شغل وهتشتغل من بكره
هتف بها معاذ بفتور وهو يجلس باسترخاء على المقعد في منزلها الخاص بهم
= يعني هضحك عليكي، ما قلت لك ايوه لقيت شغل عشان بس تعرفي ان انا قد وعدي و لما بوعد بنفذ.. وتبطلي كل شويه في الرايحه و في الجايه تسمعيني كلمتين ما لهمش لازمه
اديني هشتغل عشان ما يبقاش ليكي حجه
هزت رأسها برفض عده مرات وهي تقول بسعادة
= لا والله طالما كلامك صح مش هتكلم ولا هفتح بقي من هنا ورايح، بالعكس انا هشجعك وافرح بيك اوي وانا شايفك كل يوم نازل الصبح قصاد ابنك و أنت رايح تشتغل.. ياااه أخيراً يا معاذ
اقتربت ناحيته، وسألته بجدية وهي تضيف قائله
= بس انت روحت شوفت السوبر ماركت ده؟
هو هنا في المنطقه كبير ولا صغير وصاحبه اسمه ايه
رد عليها معاذ بابتسامة ساخرة
= وهي دي تفوتني! اكيد رحت شفته مش بعيد يعني من هنا.. مش بطـــال لسه فاتح جديد وصاحبه بيدور على عمال و واحد صاحبي هو اللي دلني عليه
هزت رأسها بإيماءات متتالية وهي تردد بحماس كبير
= ربنا يبارك له، عاوزك بس تكون بالك طويل وانت مع الوقت هتعود على كل حاجه.. هو انت صحيح هتشتغل ايه في السوبر ماركت ده
حك رأسه بعدم تذكر لكنه هتف بعدم مبالاة
= مش فاكر كان اسمها ايه… بس المفروض يعني همسك ورقه وقلم وهعد البضايع و اسجلها في دفتر ده إللي الراجل قالهلي لما جيت اتفقت معاه وقلت له هاجيلك من بكره
وضعت يدها على منتصف خاصرتها، وسألته بعبوس مشيرة بعينيها
= طب وما اشتغلتش النهارده ليه طالما لسه فاتح وشغال.. في ساعتها كانت احسن
فرك معاذ طرف ذقنه بغيظ شديد ثم ارجع ظهره للخلف قليلاً بإرهاق زائف قبل أن يردف بانزعاج
= وبعدها لك بقى يا بسمه انتٍ فضلتي تزني على دماغي وانا عملتلك اللي انتٍ عاوزاه مش هتفرق معاكي النهارده من بكره بقى وبعدين انا عاوز اريح النهارده تعبت من اللف.. هو انتٍ مفكره لقيت الشغل ده كده في ثانيه وهي في حاجه بتيجي بالساهل برده على رايك
شعرت أنه يسخر منها لكنها تجاهلت ذلك بتعمد، وتقدمت ناحيه وهي غير مصدقة أنه أخيراً رضخ لطلبها حتى الآن وهتفت قائلة بصوت ملهوف
= ماشي معاك حق المهم انك اشتغلت، بالراحة كده عليا واحكيلي بالظبط على إللي حصل من تاني.. عشان انا لحد دلوقتي مش مصدقه أن أنت أخيراً هتشتغل يا معاذ
❈-❈-❈
كان الوضع هادئًا بمنزل ضحي منذ أن عادت من الخارج وهي حبيسه بغرفتها وحزينه على ما فعلته بنفسها، هي أخطأت بالفعل لأنها استسلمت الى رغبه منذر وذهبت معه الى احد الأطباء ليكشف عليها ويتاكد من عذريتها، و المزعج في الأمر أنها لم تفعل اي شيء يجعله يشك بها! والأمر المتاح الآن الى عقلها و الواقعي هي ان تتركه وتبتعد عنه بسبب أفعاله الغامضه معها، لكنها ترفض حتى البوح بذلك لنفسها.
في البدايه ظنت أن الأمر سهل بسبب إصراره ومسومته على ان يتركها اذا رفضت؟ وشردت بنفسها تعود مجدداً تصارع أفكار المجتمع و الناس! لذلك حاولت تقبل الأمر بأنه أمر عادي لأنها تثق بنفسها لكنها بعد أن أنهت الأمر شعرت بالإهانة حقا وندمت على الموافقة.
أخرجها من تفكيرها صوت قرع الجرس بالخارج لكنها لم تهتم للأمر، فنهضت والدتها بتثاقل من مكانها متوجهة نحوه الباب لتفتح هي.!
بعد دقائق دخلت كوثر غرفه أبنتها وجلست على طرف الفراش واضعة يدها على كتفها لتهزها برفق وهي تقول بصوت خفيض
= ضحي، اصحي يا اختي، خطيبك منذر بره و عاوز يشوفك
كانت تمثل أنها قد غفت من أثر الإرهاق و التعب، لكنها اتسعت عيناها بصورة أكبر لتستعيد هي وعيها عندما سمعت إسم منذر وأنه جاء إلي هنا خلفها أيضاً! ثم أغمضت جفنيها هاتفة بفتور
= اعتذريله، أنا تعبانة وعاوزه انام!
عقدت حاجبيها بتعجب ثم حركت أمها رأسها قائلة بتهكم
= وده من امتى ان شاء الله ده انتٍ اول ما تعرفي انه جاي بتقعدي بالساعه قدام المرايه عشان تتزوقيله! هو انتم متخانقين ولا ايه؟ مش قلت لك من البدايه الواد ده مش هينفعك إيه اللي حصل ما بينكم قوليلي
هزت رأسها بانزعاج من كلماتها فهي ليس لديها رغبه في اسئلتها تلك ولا كشف ما فعله منذر لها فبالتاكيد ستحاسبها بشده على فعلتها المتهوره تلك وستحملها الخطأ كله، لذا توسلتها قائلة برجاء ملحوظ
= وبعدين يا ماما ولا اتخانقنا ولا حاجه.. قلت لك تعبانه وعاوزه انام اطلعي اعتذريله .
لم تتقبل كوثر رفضها المبرر وعادت تتسائل باهتمام وفضول أكثر
= على ماما الكلام ده برده قومي يا اختي شوفي عاوز ايه.. عشان قبل ما ادخل اصحيكي قال لي قوليلها ان انا مش ماشي غير لما اشوفها، ولو عاوزاني فعلا اطلع امشيه قوليلي عمل إيه الاول
لم تكن لديها أي رغبة للنهوض أو الخروج له، لكن إصرار والدتها لمعرفه ما الذي حدث بينهما جعلها تنهض علي مضض حتى لا تثير شكوكها نحوهما، فسحبت حجاب رأسها ووضعته حولها، ثم اتجهت للصالون له وذهبت أمها لتحضر له واجب الضيافه .
كان بالخارج وضع منذر مشابه لها نوعًا ما وهو يشعر بالإشفاق على حالها ويشعر بالضيق من نفسه لذلك أراد أن يطمئن عليها لكن خشي من رفضها مجدداً مثل الصباح لكن حسم أمره وجاء لها طالب السماح، هو اخطاء بكل المقاييس ويعترف بذلك لكن الأمر كان خارج عن ارادته وعن سيطرته، فما حدث معه بالسابق ليس سهل عليه تقبله مجدداً في الحاضر أيضًا .. ولا يريد تكرار الوضع .
كان أمر حدوثه صعب حقا، لكن أيضا كان مهم للغايه بالنسبه له حتى يتاكد من شيء ما داخله، ليرتاح في المستقبل معها………..!!!!!
طرقت ضحي على الباب أولًا قبل أن تقول بنبرة جامده مقصودة
= السلام عليكم
التفت برأسه نحوها فور سماعه لصوتها
لم يستطع منع نفسه من النظر إلى وجهها ليتأكد من خلوه أي ألم أو شحوب تدل على انها ما زالت مجروحه من فعلته أو كانت تبكي مجدداً بسببه؟ تحرجت ضحي من نظراته المتفرسة بها صحيح لم تكن تلك المره الاولى التي ينظر اليها لكن تلك المره كانت غير ولا تعرف سر ذلك الاهتمام، لكن سريعًا ما ارتسمت على تعابير وجهها الاقتضاب وهي تتسائل
= خير جاي بالليل ليه كده و عاوز ايه؟
ارتبك منذر لوهلة، ثم تنفس بعمق قائلاً برفق
= ما جاليش قلب اسيبك من غير ما اتاكد انك اتصفيتي من ناحية ومش زعلانه مني وأنك بقيتي كويسة، عارف ان انا اذيتك النهارده جامد عشان كده ما جاليش قلب اسيبك تنامي زعلانه
توترت من حديثه الناعم ذلك، وهزت رأسها نافية وهي تجيبه بارتباك
= لا رايح ضميرك خلاص انا مش زعلانه لان انا السبب برده في اللي حصل عشان وفقتك على الهبل ده، و رخصت نفسـ..
قاطعها منذر بسرعه وهو يقترب منها ليضع قبضتيه على ذراعيها بتلهف هاتفاً بصوت منفعل
= بس يا ضحى ما تكمليش قلت لك انتٍ مش كده ولا انا شكيت فيكي وما تجيبيش كمان الغلط عليكي، عشان انا اللي غلطان وما كانش ينفع اعرضك لحاجه زي كده النهارده خالص.. أنا آسف.
استجمعت كل قوتها لتتحرر منه، ثم قالت بهدوء زائف وهي تتراجع للخلف
= حصل خير، دي.. دي غلطتي من الأول!
نفخ بضيق شديد قائلاً بضجر
= برده هتقوليلي غلطتي! انا اللي غلطت يا ضحى مش انتٍ كان لازم احميكي من اي حد حتى من نفسي؟ طالما قررت ارتبط بيكي و قريب هتكوني مراتي، فما كانش ينفع من اول محطه اسيب عقلي يحركني للغلط واذيكي كده.. حتى كمان ما احترمتش البيت اللي دخلته وطلبتك منه ولا الأهل .. عشان كده انا غلطان بكل المقاييس وما فيش مبرر للحصل
التفتت برأسها خلفها بقلق ثم عادت تنظر إليه بجمود مرددة باقتضاب
= تعالى نقعد طب ونبعد عن الباب عشان محدش يسمع كلامنا، وكمان بابا شويه و هيخلص الصلاه وهيجي و أكيد هيتفاجئ بوجودك في وقت زي ده، ما كانش لي لازمه تيجي وكنا اتكلمنا بكره أو في اي وقت
هز رأسه بالإيجاب وتحرك معها باستسلام ليجلس فبالتاكيد لا يرغب بأن يحدث مشاكل ويعرف أسرتها بذلك الوضع فسوف تتازم الامور أكثر ضد ما يريد، حرك عينيه نحوها ليقول موضحاً
= اشوفك ونتكلم أمتي و انتٍ سبتيني و مشيتي ورفضتي تسامحيني وحتي تليفونك مش راضيه تردي عليا وبعدين قلت ما ينفعش من اول خناقه بينا تنامي وانتٍ زعلانه لازم نتصافى !.
زافرًا بصوت مختنق وهو يضيف بإصرار
= طب برده مش عايزه تردي عليا وتقول لي انك مسامحاني! للدرجه دي اللي عملته صعب
تأثرت لثاني مرة بنبرته المتوسلة لها، أكد لها حدسها نظراته المستعطفة لقلبها لكي ترفق به وتعطيه فرصة أخيرة، خشيت من افتضاح أمرها فعمدت إلى تجميد ملامحها، وردت بضيق و حزن
= انت شايف ايه؟ كل ما افتكر بتضايق منك ومن نفسي أوي وعمال اشوف اللي انا عملته غلط يوصل لك لكده مش لاقيه.. هونت عليك تعمل فيا كده؟!!!
جمد أنظاره عليها مؤكدًا حديثه بإصرار صـارم
= قلت لك انا غلطان و ما فيش مبرر للي عملته حقك عليا اوعدك الغلطه دي مش هتتكرر تاني، وطبعاً ما هنتيش عليا لا إلا ما كنتش جيت النهارده وصالحتك وصممت منامش غير واحنا متصالحين
بقيت أنظاره عليها وكذلك ظلت أنظار ضحي تراقبه بصمت، هي لم تنعم مطلقًا بنظرات كتلك رقيقة وناعمة ولم تحظَ بفرصة مثل تلك لتشعر بتلك المشاعر تجاه شخص ما، فقط البؤس والوحده حتى في أبسط الأشياء.
نفضت عن عقلها ذلك التفكير المرهق، ورسمت على ملامح وجهها تعابيره جامدة. فقبل أن تشرع في أي شيء عليها أن تتأكد أولًا مما يؤرقها.. وأنه لم يفعل فعل مثل ذلك مره آخري.
دقق منذر النظر فيها أكثر، ثم تحرك للامام مرددًا باهتمام
= طب بصي انا جايبلك ايه، دي هديه بسيطه يا رب تعجبك
مد منذر يده أمامها بعلبة متوسطه الحجم فأخفضت نظراتها نحوه متسائلة بعدم فهم
= ايه ده؟
افتتح العلبه ليخرج منها قطه صغيره بيضاء اللون، شكلها رائع وجميل بحق! أتسعت عيناها بذهول ناولها لها متابعًا بلطف
= ما عرفتش اجيبلك ايه هديه يخرجك من المود اللي انا السبب فيه، ويعني كنت اسمع زمان ان البنات بتحب القطط أوي فما لقيتش غير ان انا اجيبلك قطه.. يا رب تعجبك
خطفت قلبها البريئة ملامحها الصغيرة لتأخذها بحضنها بحنان و داعبت إياها بإبهامها بحركة ثابتة ابتسمت بحب على إثرها، وعاد تورد بشرتها من جديد وتبدلت سريعًا ملامحها للحماسة والسعادة، ولمعت عيناها ببريق مشرق هاتفة
= شكلها جميل أوي.. وصغيره كمان أوي! هو انا كان نفسي وانا صغيره اربيهم بس عمري ما اخذت الخطوه دي.. بس يعني ما لقيتش تصالحني غير بقطه.
تنهد بحرارة ثم أردف قائلاً بابتسامة باهتة
= طب اعمل ايه ولا أقولك ايه بس؟ ما أنا احترت معاكي ومش عارف أخشلك من أي سكة.. عاجبك شحتفتي دي؟
شردت بنظراته المتأملة لخلخاتها فلقد شعرت بصدقه وبيقينه بحفاظه على وعده هذه المره الذي لن يحنثه أبدًا، لكن أيضا استغربت من نفسها فقبل قليل كانت تفكر في الإنفصال عنه بسبب طباعه الغامضه، لكن لم يطاوعها لسانها ان تخبره بها.. فلم تتخيل للحظة أن تتأثر به هكذا، أن يحرك فيها شيئًا وبقوة، إستمرت في مداعبة القطه وكانت الهراء مستمتعة بذلك
ثم ابتسمت مستسلمة وهي تحرك رأسها
= لا هي عجبتني فعلا مش هنكر! شكلها جميل أوي
أبتسم بهدوء وراحه كبيرة من رده فعلها، لكن كان مندهش من اهتمامه لها الغير ضرورية فهو لم يستطيع النوم إلا عندما يتأكد من أنها لم تعد غاضبة منه، و خشي أن يكون حدث ما لم يرغب فيه مطلقاً.
حاول أن يبرر لنفسه ربما ذلك ضمن مخططاته القادمه فلا يهم كل ذلك الآن، فهو قد اقترب خطوة منها، حتى وإن كانت مؤقتة لكنها حتمًا السبيل إليها، ثم أردف قائلاً
= طب كويس انها عجبتك، خفت تكوني ما بتحبيش القطط وتضايقي من الهديه..
ابتسمت ضحي قائلة بسعادة
= بس يا رب انت اللي ما تضايقش منها بعد كده، لاني من هنا ورايح هيكون في ضيف ثالث معانا عشان انا مش ناويه استغنى عنها بعد كده خالص وشكلي هتعلق بيها.. حتى بعد الجواز .
أومأ نافيا ثم تشدق ببساطة يناغشها متلذذا بحمرة خديها
= طب ما تخلينا نربيها سوا عشان نتعلق بيها احنا الاتنين وما نستغناش عنها.
نظرت إليه بعدم فهم، ثم صمت لثوانٍ لتُشحن الأجواء أكثر، ثم تابع بجدية تامة دون أن يطرف له جفن
= ضحى ايه رايك لو عملنا فرحنا آخر الشهر بعد أسبوعين!.
اتسعت عيناها مرددة بصدمة
= نتجوز بعد اسبوعين ازاي؟ بس آآ الاتفاق مع بابا ما كانش كده
نهض واقفًا ليجلس جانبها على طرف الأريكة موجهًا حديثه لها بجدية
= ايوه الإتفاق ده حصل بناء عن احنا لسه نتعرف على بعض وكمان اكون خلصت التجهيزات، لكن خلاص بقى ما بقاش لي لازمه و ما بقاش فاضل ليا غير حاجات بسيطه في الشقه وتخلص ..
لم ترمش بعينيها من أثر الصدمة وشردت في نظراته المتأملة باهتمام كبير نحوها، واضاف قائلاً موضحاً بنفاذ صبر
= وكلها أسبوع بالكتير ومش هيكون ناقص غيرك.. ولو لسه مش واثقه فيا مستعد أقدم ضمانات عشان تطمني!
رمشت ضحي بعينيها مرددة بحرج
= ضمانات اية! لا أكيد مش قصدي كده بس مستغربه ان كل حاجه بتحصل كده بسرعه
أبتسم بهدوء وهو يتحدث بنبرة ذات مغزى و يشير نحوها باهتمام
= ولا بسرعه ولا حاجه هو احنا لازم يعني نقعد سنه ولا خمس شهور، نتعرف على بعض واحنا في بيت واحد مش كده هيكون احسن؟ بس القرار في الأول وفي الأخر راجع ليكي، فلو وافقتي يبقى على بركة الله! وهستنى والدك يرجع من الصلاه وافاتحه في الموضوع وانا متاكد أن هيقول لي ما عنديش مانع بس شوف موافقه ضحى اهم
بقيت شفتاها مطبقتين لا تنبس بأي كلمة شارده بالحديث أو ربما تكون مترددة من القبول والمجازفة وهي ما زالت لا تعرف كل طباعه ولا طباع أهله، فهي ستسكن في بيت عيله وفي بيت مليء بالكثير من الأفراد، فلن تحظى بخصوصيتها كغيرها من الفتيات خاصة أنها عروس جديد ولم يسبق لها الزواج،
عكسه فهو لقد حظي بالزواج مسبقاً ويعرف كل تلك التفاصيل جيد.
احنى نفسه قليلاً نحوها ليضع أنامله على طرف ذقنها لتنظر إليه بتوتر وهو يقول بثبات
= انا مش عاوزك تخافي طول ما انتٍ هتوفري ليا راحتي وسعادتي! هسعدك إضعاف ما تسعديني لو خايفة حد يتعرضلك هناك فصدقيني هما مش كده، انتٍ هتكوني معايا؟ و عمري ما هسمح بحاجه تاذيكي… و مش هاسيبك للحظة!
أقترب برأسه نحو التي كانت تطالعه بنظرات خجلة متسائلاً بتوجس كبير من رفضها
= قولتي ايه يا ضحي؟
صمتت للحظات ثم فركت ضحي أصابعها بارتباك كبير، تفكر في الأمر رغم لم تكن تلك المره الأولى التي يفتحها بذلك الموضوع وبانه يرغب في التعجل في الزواج بها، لكنها مازالت تشعر بالرهبة والقلق مثل أي عروس! صحيح أنها كانت تريد بشده ان تصبح عروس مثل باقي الفتيات وتحظى بتلك التجربه إلا أن تنفيذ الأمر على أرض الواقع أصعب بكثير!!.
أما بخصوص أمر طلبه للتاكد من عذريتها! فقد حدث وانتهى الموضوع والتحدث به لم يفيد بشيء، واذا كانت نيته سيئة فبالتأكيد لكان لم يصر على الزواج بها حتى الآن.
تصارعت الأفكار في رأسها وتخبطت قرارتها، مازالت تخشى من تلك الإقدام عليها. نظرت إليه بطرف عينها فطـال صمتها زاد قلقه، أوشك صبره على النفاذ من سكوتها المريب المقلق. ثم سحبت نفسًا عميقًا لتضبط انفعالاتها وتحدثت أخيراً وهي تهز برأسها مرددًة بنبرة مترددة
= أنا آآ .. موافقة؟!!!
❈-❈-❈
في اليوم التالي، لم تستطيع بسمه النوم في تلك الليله من السعادة وهي لا تصدق بان معاذ سوف يعمل أخيرا بحق! أمانيها ستتحقق. ولم تشعر بعد اليوم بأنها زوجه تعيسة او محرجه من اي تجمع عائلي يحدث ويسألها أحد عن عمل زوجها.. وبالطبع كانت تكذب عليهم بانه يعمل فيه الدكان مع والده وأخيه لكن الأمر بعد الآن سيتغير حسمه.
جهزت الفطور من الصباح الباكر حتى يتناول زوجها قبل ذهابه الى العمل، لكن فعلت جهد كبير حتى يستيقظ فلم يكن معتاد على العمل او الاستيقاظ في الصباح من قبل! لكن الاخرى لم تيأس وظلت فوقه حتى استيقظ أخيراً باستسلام… حتى الأمر لم يختلف عن إبنه عندما علم بامر عمله و شاهده لمره وحيدة يستيقظ مبكراً عكس الفترات الماضية .
تساءل مالك أمه باستغراب كبير
= ماما هو بابا رايح فين الصبح بدري
أبتسمت بسمة بفخر وهي تقول بحماس
=رايح الشغل يا حبيبي .
نظر معاذ بطرف عينه إليهم بنعاس وشعر بالغيظ الشديد من سعادتهم التي لا يفهم سببها فهل كل ذلك بسبب العمل! فهو لم يكن لديه مثلهم شغف أبدا لتلك الأمور منذ استيقاظه.. لكن كان مجبر علي إكمال الأمر طالما بدأ .
رحل معاذ علي مضض الي الخارج وهو يشعر بعدم رغبة في ذلك كونه غير معتاد على ذلك حتى أنه فكر في آخر لحظه أن يترجع عما يفعله! لكن يعلم لم تصمت بسمه وسوف تثور عليه فسعادتها كانت واضحه للغايه ولم تخفى عليه سببها، لذلك تحرك بكسل إلي عمله بأول يوم.
بعد عده ساعات، كانت بسمة في منزل حماتها تطبخ هذه المره بحماس ولم تتذمر على أعمال الطبخ والمنزل كعادتها! حتى حماتها كانت مستغربه ذلك التغير وتساءلت عن سبب سعادتها.. لكن الأخري كانت حريصه للغاية ان لا تخبرها لانها تعلم جيد عدم رغبتها في عمل معاذ بسبب خوفها الزائد دون مبرر .
و على الجانب الأخر في الاعلي، بدأ منذر بالفعل في التجهيزات اللازمه بعد موافقة أهل ضحي…. ورغم اعتراض الجميع من تعجله في تلك الخطوة تحديدًا لكن فرحته الواضحة عليه جعلت المعظم يتقبل الأمر.. أو ربما وافقوا مجبرين مثل سابق! لكن كالعاده لم يهتم اليهم كثيراً وواصل ما يفعله باهتمام ونشاط لإنجاز ماهو مطلوب في أقل وقت ممكن.
صدي صوت طرقات فوق باب المنزل فجاه، فتحركت مايسة في خطاها لتفتح الباب قبل ان تضع الحجاب فوق رأسها لتتفاجئ بابنها معاذ يسند جسده فوق شخص بجانبه غريب بتعب واضح عليه.. شهقت مذعورة وهي تصيح بخوف شديد
= أبني.. مالك يا حبيبي ايه اللي حصل؟
أسرع الرجل الذي معه وهو يقول بجدية
= أهدي يا حجه ما تقلقيش اصابه بسيطه بس في رجله.. من الشغل بتحصل عادي
نظرت بسرعه إلي قدمه الملفوفه برعب بالغ من أصابه طفلها الصغير، وصرخت الأم بهلع وهي تردد بصياح محتد
= نعم بتقول إيه؟, شغل ايه؟ هو انت كنت فين بالظبط واللي حصل لرجلك
خرجت بسمه علي الصوت لتجد زوجها بتلك الحالة، اتجهت صوبهما بسرعه خاصة حينما رأت رجلًا غريبًا يسند زوجها فلم يكن الأمر بحاجة إلى فطنة أو ذكاء خارق لتخمين السبب.. وأنه أصاب عندما رأت قدمه ملفوفه بالشاشه الأبيض واقتربت وهي تقول بقلق
= هو في ايه.. مالك يا معاذ .
رد عليهم الرجل قائلاً مجدداً محاوله الاطمئنان
= يا جماعه اهدوا الاصابه بسيطه احنا اول ما حصلت روحنا على المستشفى على طول والدكتور عمل له اشاعه علي رجله وقال انها مجرد كتمه بسيطه ما فيش حتى شرخ ولا كسر الحمد لله.. هو بس اللي اتغاشم شويه
وشد علب السمنه جامد من على الرف و وقعت علي رجله
لم تهتم مايسة بحديث ذلك الرجل أن ابنها بخير وحاولت ان تسنده ليتحرك ويجلس على الأريكة براحه ثم انحنت لتنزع حذائه الآخر وهي تقول باهتمام وخوف شديد
= تعالي يا حبيبي اقعد هنا وارتاح.. انا مش فاهمه حاجه شغل إيه اللي بيتكلم عليه و رحته ده، ازاي تعمل حاجه زي كده من ورانا؟ يا نهار ابيض ليكون حصل لقلبك حاجه لازم نروح المستشفى دلوقتي ونكشف عليك ثاني
سمعت صوتاً قائلاً بثقل
= ما تقلقيش يا أمي انا كويس.. وهبقى افهمك كل حاجه بعدين.
أشــــار الرجل بإصبعه نحوه وهو يتحدث موضحاً بجدية
= هو واحنا في الطريق للمستشفى قال ان عنده القلب فعلا واحنا قلنا للدكتور الكلام ده وهو قال انه كويس الاصابه في رجله و بسيطه خالص ما فيش داعي للقلق.. ده احنا في الشغل ياما بنتخبط وبنلفها ونكمل شغل عادي هو بس اللي عضه الظاهر طري ده لما وقع قعد يصوت ويتوجع وكلنا اتخضينا و طلع حاجه بسيطة في الاخر
اغتاظت مايسة من استخفاف ذلك الشخص من قدرات أبنها، ونظرت إليه بضيق شديد و حاولت أن تتمالك نفسها من استخفافه نحو طفلها، ولكن رغم ذلك ردت عليه ممتنة
= طب يا اخويا تشكر تعبناك معانا.. اتفضل أقعد و خد واجب الضيافه بتاعك
هز رأسه برفض ثم أجاب بصوت متحشرج من أثر التدخين وهو يشير بيده
= لا تشكري يا حجه انا عندي شغل كتير في المحل بالاذن والف سلامه عليك يا معاذ … بس نصيحه تعالى بكره على طول احسن صاحب الشغل يجيب غيرك والشغل يروح عليك
صاحت هادره باعتراض وهي ترمقه بنظرات شبه غاضبة
= لا تشكر خليه يجيب غيره و بدل الواحد عشره لو عاوز كمان، ابني مش محتاج شغل دكان ابوه موجود الحمد لله
عقد الرجل حاجبيه باستغراب كبير وهو ينظر له، أكد معاذ على حديث أمه قائلاً بحزم
= أمي معاها حق أنا فعلا مش ناوي اجي تاني وابقي قول الكلام ده لصاحب المحل.. اهي مره ومش هتعود
كانت بسمة في طريقها إليه لتضع خلف منه الوساده، لكنها تسمرت مكانها باستنكار واضح واتسعت مقلتاها بصدمة كبيرة حينما أبلغ صديقة عدم رغبته في العمل مجدداً الذي لم يبدأ حتي.
بعد فتره رحل ذلك الرجل، وهو مستغرب من كلماتها لكن لم يتدخل ولم يجادلهم في الأمر.. بينما نظرت مايسة إلي بسمه بضيق شديد شعرت بأنها السبب في أمر عمل ابنها الذي ادى الى إصابتة.. عبس وجهها بحدة وهي تعتاب ابنها قائله
= قولي يا حبيبي في حاجه بتوجعك.. تحب اجيبلك دكتور تاني.. هو انت اخذت الدواء بتاعك ولا لأ صحيح اوعي تكون نسيت بسبب الشغل ده
تنهد بعمق وهو يقول بصوت هادئ
= لا ياما خدته الصبح ما تقلقيش انا كويس
مسحت علي وجهه بحنان وهي تقول بقلق بالغ
= كده توجع قلبي عليكي يا حبيبي وتروح تشتغل من ورايا، افرض كان جريلك حاجه دلوقتي كان ايه اللي هيحصل لي هعيش ازاي من غيرك.. ليه يا حبيبي كده هو انا ليا غيرك
أمسك يدها وهو يقبلها قبل أن يردف بانزعاج
= بعد الشر عليكي يا حبيبتي، أهدي ما انا كويس قدامك أهو جت بسيطه
رمقته بسمة التي تقف متهجمه الملامح بصمت لتنظر مايسة نحوها بنظرات جافة قبل أن تستدير إلي طفلها مجدداً، وهي تقول بغضب شديد
= هو انا لسه هستنى تحصل لك حاجه كبيره وبعدين شغل ايه ده كمان هو احنا مخلينك محتاج حاجه؟ مين اللي شار عليك الشوره المهببه دي وطلعها في دماغ.. اسمعني كويس انا ما عنديش استعداد اخسرك من هنا ورايح تنسى حكايه الشغل دي ولو عاوز فلوس اوي كده ومحتاج قول لابوك وهو يزودك، انما تنزل تشتغل وتتعب نفسك لأ .. سامعني ولا لأ؟
هز رأسه بالإيجاب دون اعتراض، ثم عادت تمسح على وجهه وشعره بحنان واقتربت تقبل
وجنته بحب شديد وابتعدت هاتفه بإبتسامة عريضة
= هقوم يا حبيبي اعمل لك الاكل اللي انت بتحبه، اكيد زمانك جعان من المجهود اللي عملته النهارده في الزفت الشغل ده.. خلي بالك من صحتك يا حبيبي عشان خاطري ده انا ما ليش غيرك .
بينما علي بعد لم يلاحظ أحد ذلك الواقف منذ قليل وقد استمع الى ذلك الحوار بينهما…
ارتعش جسد منذر وأصاب بالاستياء الكبير أثر تلك الكلمات الموجعه من أمه، ثم أبتسم بألم ساخراً فلم يكذب حين قال انهم يتعمدون جرحه بشده بأبشع الطرق….. شعر بهبوط حاد في معنوياته المرتفعة أثر سعادته التي كان يشعر بها بسبب تجهيزاته لفرحه القريب للتو، و بألم قاتل يجتاح قلبه حتى كاد يفتك به فكلمات والدته كلها ترن داخل اذنه! واهتمامها الشديد به وخوفها الكبير وكأنها ليس لديها أبناء غيره.
فلم الكذب ليكن صريح مع نفسه هو لم يشعر بحياته بأنهم عائلته بحق! فكيف ومتى وهم طول العمر لا يمارسون مهمتهم نحوه ويشعره بالاهتمام والحب مثل ما يفعلون مع معاذ… لم يشعر أبدا بأنه جزء من تلك الأسرة؟ لم يشعر بان تلك المراه وذلك الرجل عائلته بحق… رغم انه يفعل الكثير ليحصل على لو جزء بسيط من ذلك الإهتمام أيضاً مثل معاذ.. لكن لم يحدث أبدا، بل فقط يمارسون الضغط الشديد عليه من كل النواحي وكأنه غريب عنهم و ليس إبنهم… وهم ليست عائلته… يشعر أحيانا أنهم قد نسوا بالأساس انه إبنهم ويحتاج الى الحضن الدافئ وتلك الكلمات الطيبة والدعم .
شرد في كلماته أمه مجدداً وهي تحادث أبنها
ان يبقى سالم لأجلها وهي ليست لها غيره بالحياه… مؤلم حقا تلك القسوة النابعه منهم.. والمؤلم أكثر بانهم من المفترض عائلته..
زادت حدة الألم واشتدت قسوته، فعجز عن الصمود، ترنح جسده للخلف قليلاً وانسابت من طرف عينه عبرة خائنة تحمل الكثير من أحزانة قبل أن يندفع للخارج يعود كما كان وحيد!. دون يد تعاونه على تجاوز تلك الالام .
** ** **

يتبع…

لقراْة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى