روايات

رواية قابل للكتمان الفصل الخامس 5 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل الخامس 5 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء الخامس

رواية قابل للكتمان البارت الخامس

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة الخامسة

بعد مرور عدة أيـام، وأصل منذر عدة زيارات إلي منزل ضحي بعد أن اتفق على تحديد موعد محدد لقراءة الفاتحة، وبعدها بدأت تتم الاتفاقات الاتية من شراء الأجهزة والعفش و الاثاث والمفروشات وهكذا فمنذر اقترح بإصرار بانه سيجلب كل شيء بالمنزل وهي ستأتي بملابسها الخاصة فقط! وقد تم الاتفاق أيضا علي موعد لتنزل معه هي و والدتها لانتقاء خاتم الخطبة أو الشبكة، من أكبر محل بالمنطقة بالسيدة زينب.. فكان يرغب بكل شيء يسير باسرع وقت ممكن.
بينما ضحي كادت أن ترقص طربًا من السعادة التي تشعر بها، فاخيرا تعيش اللحظات التي كانت تتمناها بفارغ الصبر مثل اي فتاه كانت تشاهدها بأعين مليئة بالحسرة و خيبة الأمل بأنها لم تعيش تلك اللحظات أبدا من حياتها، لكنها بين ليلة وضحاها وجدت الحياه بدأت تضحك لها وتقيم الأفراح والليالي الملاح، وها هي اليوم في متجر الذهب لتختار شبكتها بنفسها!.
حدقت بشرود كبير في تلك الأشكال المختلفة للخواتم، ليقع بصرها على خاتم نال إعجابها الشديد وعندما طلبته من الصايغ لترتديه كان ثقيل الحجم أكثر مما توقعت وتفاجات من سعره أنه باهظ الثمن! ظلت لحظات تتطلع له وهو بين اصابعها ثم خلعته وارجعته الى الصايغ مره ثانيه.. استغرب منذر فعلتها لأنه لاحظ إعجابها بذلك الخاتم، لكنه ظلت صامت!
بينما تنوعت نظراتها ما بين الإعجاب و التردد فلقد أرادت شيئًا محددًا، وأصرت على البحث عنه. أخرجها من حيرتها صوت منذر متساءلًا باهتمام
= ها عجبتك حاجة محددة؟
ضغطت ضحي على شفتيها بحرج قائلة بتردد
= يعني.. أنا في دماغي حاجة تكون خفيفة كده، ومش فيها شغل كتير!
عقد ما بين حاجبيه متسائلاً باستغراب
= و ده ليه؟
نظرت له بجدية وهي تقول بتلقائية
= عشان ما يغلاش عليك وما تعبكش في المصاريف!
انتصب في وقفته، وحدق فيها بنظرات شبه صارمة مرددًا
= ومين قال لك ان انا عاوزك تشتري حاجه خفيفه وما تتعبنيش في المصاريف نقي اللي انتٍ عاوزاه يا ضحى وما لكيش دعوه بالفلوس
قطبت جبينها معللة سبب رفضها
= بس كده كتير كفايه الشقه اللي انت اصريت تفرشها كلها من غير ما بابا يشاركك في حاجه…. المفروض الاجهزه والمطبخ وبعض الترتيبات تكون علينا أصلا، انا اخواتي اتجوزوا كده و بابا كان بيساعدهم
سحب منذر نفسًا عميقًا، ثم زفره على مهل قبل أن يقول بصوت جاد
= انا ما ليش دعوه بغيري؛ ومتجادليش كتير هي كلمة ومش عاوز اعتراض، إنتٍ هتتخطبي لمنذر شاهين مش أي حد بالمنطقة، يعني لازم تكون حاجة من قيمتي وقيمتك!
حاولت الاعتراض مجدداً لكنه رفع يده في وجهها باقتضاب بصمت واستدار برأسه ناحية صاحب محل الصاغة موجهًا حديثه له
= شوفلنا أحسن حاجة عندك! ومن فضلك هات الخاتم اللي لبسته في الأول ورجعته تاني .
نظرت ضحي إليه بإعجاب حيث كانت تشعر أنها بحلم جميل حقا ولا تريد الاستيقاظ منه، كيف يكون كريم ورائع ذلك الرجل بهذا الشكل! لقد اكتشفت جزءًا رائع من صفاته الحسنى جزءًا لا يعرف إلا الحنان و الكرم.. باتت تشك بأنه لا يعرف للقسوة والجحود عنوان بحياته أصلا.
لكن علي الجانب الآخر كان العكس كان حزين للغاية بأنه حقا بارع في ارتداء قناع البراءة وخدع به من هم على سجيته، فهو أراد أن يعوضها بتلك الطريقه على ما سوف تكتشفه لاحقاً..لذلك تمكن من إقناعها بيحيلوا الخبيثة.. لكن رغم كل ذلك لم يكن راضي لكن مضطر !.
وفي ذلك الأثناء على الجانب الآخر، راقبتهم كوثر والدتها من بعيد بصمت، وسلطت أنظارها عليهم فهي لم تتدخل من البداية رغم غيظها المحتقن من استكمال تلك الزيجة لذلك اكتفت بالمراقبة من على بعد.. لكن شعرت بالارتياح والاعجاب من حديثه وإصراره علي شراء افضل شيء لأبنتها! لكن عندما تتذكر فارق العمر بينهما تشعر بالضيق من تلك الزيجة وترغب بتخريب كل شيء حتى لا يكمل، لكن فرحه ابنتها هي التي تمنعها دائماً .
❈-❈-❈
في نهاية الأسبوع اليوم تم تحديد الخطبة و الزواج كان في نهايه السنه لكن منذر لم يعجبه ذلك فكان يرغب ان يبكرا الموعد عن ذلك، لكن وافق مضطر حتى تسير الأمور بهدوء و يجعلها تثق فيه اكثر هي وأسرتها وبعد ذلك سيحاول معهم ان يقدمون موعد الزفاف .
في منزل شاهين، تأنق منذر على غير عادته فبدا وسيمًا للغاية بثيابه تلك فلقد أرادها أن تنبهر بهيئته ويلفت أنظارها نحوه لتنجذب به أكثر و اكثر، وأن يشعرها بأهمية أبسط الأمور من منظوره حتى لو كانت في الملبس فقط.. وبدأت باقي العائله تجهز نفسها للذهاب الى الخطبه ماعدا والدته مايسة التي صاحت بحده وهي تهز رأسها رافضة الذهاب مع ابنها البكري الخطبه
= مش رايحة! يعني مش رايحة
حك منذر رأسه بغضب مكتوم من إصرار والدته علي عدم راحلها معهم مثل كل مره! حتي للتقدم رسميًا لخطبة تلك الفتاة تحديدًا.. والآن ايضا ترفض الذهاب و بدأ يبذل مجهودًا كبيرًا في إقناعها، لكنها كانت متشبثة برأيها رافضة الإنصات إليه تنهد بتعب، لكنه لم ييأس فرسم على ثغره ابتسامة راضية قائلا
= وبعدين يا أمي يعني كله هيجي ماعدا انتٍ، مش كفايه ما جيتيش معايا قراءه الفاتحه و بابا بس اللي راحه هو ومعاذ
اشاحت وجهها للطرف الآخر بخيبة أمل و
ردت عليه بعبوس
= مش انت اللي عمال تمشي امورك من غير راينا كمل بقى للاخر، وكفاية أبوك وأخوك يروحوا معاك لكن انا مش هروح عشان مش موافقه على البنت دي وانت عارف كده كويس
مسح علي فره شعره بعصبية وهو يردد بهدوء ممتعض
= وأنا مش هروح من غير ما تكوني راضية وموافقة! عشان انا يهمني رايك مش زي ما انتٍ فاكره مش مهتم، وبعدين انا مش فاهم انتٍ رافضه ليه .
نظرت إليه بانزعاج هاتفه بجدية
= يا بني أنا نفسي أفرح بيك وأشوف عيالك بيتنططوا حواليا وانا اللي ارابيهم مش يتربوا بعيد عني ذي ابنك الوحيد! بس مش من دي! شوفلك اي حد الا البنت دي.. وتكون من سنك .
لوي ثغره للجانب بامتعاض ورد بجمود ظاهر
= تاني ياما! ما احنا اتكلمنا في موضوع السن ده وقلت لك مش فارق معايا واهم حاجه اخلاقها وبعدين انا اللي هتجوز انتٍ ليه مش عاوزه تقتنعي ان ده اختياري .
نظرت له بحدة وهي تقول بنبرة منفعلة
= عشان أنا بأدور على مصلحتك، وصدقني مش هتكمل مع البنت دي وبكره تقول امي قالت! يا ابني في حاجات بتبقى باينه من غير ما نستنى النتيجه في الآخر.. ما تقول حاجه يا شاهين عاجبك ابنك يتجوز واحده اكبر منه بسبع سنين، ما انت كنت رافض ذيي إيه اللي جد وخلاك توافق
سحب شاهين نفسًا عميقًا، ثم زفره على مهل قبل أن يقول
= مايسه فضيها سيره واسمعي كلام ابنك وقومي البسي مش عاوزين الناس تقعد تسال وتتكلم عن سبب غيابك كل مره، وبعدين اهو قالها لك اختياره يعني هو اللي هيشيل النتيجه في الاخر لوحده .. عشان ما يجيش بعد كده يقول لي انت اللي غصبتني وانت اللي عملت انا شلت ايدي منه خالص هو حر
نظر منذر لأبيه ساخراً بألم فهو يعرف بانه غير رأيه خوفا من أن يكون مازال يفكر في بسمة وليس يدعمه في رغبته كما يظهر، فهو اكثر شخص يعرف جيد نواياه نحوه دائما لا يريد ما يريده! واحيانا يشعر بانه يقصد ان يختار عكس ما يريد حتى يعكر صفو.
نظرت إليه زوجتة بأعين نارية، فمطت فمها قائلة بضجر
= بس انا بقى ما شلتش ايدي ومش عاجبني يتجوز واحده اكبر منه.. يا أبني ما تفتح عينك وتشوف بتعمل ايه في نفسك والتدبيسه اللي هتدبيسها لنفسك دي هتكبر وتعجز وانت هتكون لسه شباب!.
هز أبنها الكبير رأسه بيأس من تكرار الحديث دون فائدة وأردف بإحباط
= ما تبطلي الافكار دي ياما، محدش عارف مين فينا هيعيش بكره ولا هيكون قادر يروح ويجي.. مش ممكن لا قدر الله يوعدني بمرض بجيب اجلي ولا اعرف اعجز ولا اكون شباب حتي، هو حد عارف مصيره هيحصل ايه بكره
شهقت مذعورة وردت عليه قائلة بتبرم
= بعد الشر! انت بتدعي على نفسك عشانها ان شاء الله اللي يكرهوك.. انا مش فاهمه البنت دي عامله لك ايه عشان مصمم عليها هي بالذات تكون سحرتلك ولا عملتلك عمل، مش بعيد ما هي كسرت ال 30 و قالت اي عريس والسلام .
أبتسم معاذ الذي كان يجلس بجانب زوجته و
قاطعها مداعبًا
= هي وصلت لاعمال كمان ياما، بس مش جايز سرها يبقى باتع معاه .
احتقنت عيناي مايسه بشدة، واكتسى وجهها بحمرة مغتاظة هاتفه
= انت بتهزر أنت التاني، بدل ما تعقل اخوك على المصيبه اللي عاوز يوقع نفسه فيها!
سلطت بسمة إنظارها علي حماتها بشماتة خفية وهي تراها تشعر بالغيظ والغضب من تلك الكنه القادمه على منزلها ولا تعرف نواياها حتى الآن، الا انها لا ترغب بوجودها بسبب فارق السن بينها وبين أبنها! لكن بسمه ما زالت تتذكر معاملتها المتسلطه لها وكيف لم تساعدها على تغيير أبنها للافضل لذلك شعرت بالشماته والفرحة لأجل اغضبها، صحيح هي ايضا لا تعرف تلك القادمه هل ستكون معها او ضدها لكن ما يعكر صفو حماتها يشعرها بالسعادة.
تنهد معاذ تنهيدة طويلة ثم قال بنفاذ صبر
= امال عاوزانا نقول لك ايه ياما ما انتٍ اللي منشفه دماغك على ولا حاجه وخلاص كل حاجه اتفقوا عليها والنهارده خطوبته يعني مش هينفع يلغي حاجه وعلى راي ابويا لو في حاجه كده ولا كده اكتشفناها بعدين هو اللي هيشيل .
أشــار لها شاهين بيده بضيق قائلاً بصرامة
= ما خلاص بقى يا مايسة متحبكيهاش، ابنك بقيله ساعه عمال يقنع فيكي وانتٍ اللي نازل عليكي مش رايحه، واللي بتعمليه مش هيفيد بحاجه احنا خلاص اتفقنا والناس مستنيانا.. اقول لك على حاجه خليكي ونبقى نقول تعبتي فجاه ذي المره اللي فاتت مش ناقصين تاخير .
اقترب منذر منها ولف ذراعه حول كتفيها، وانحنى ليقبلها من أعلى رأسها قائلًا بحنان صادق
= بس انا مش هروح من غيرك برضه الفرحة مش هتكمل إلا وأنتٍ موجوده! ده انتٍ الخير والبركة!
نفخت بضيق شديد زائف وحاولت أن تتماسك برأيها لكن الآخر لم يتوقف عن إلحاحه عليها حتى استسلمت في الأخير، وضغطت على شفتيها بتردد قائلة بتبرم
= ماشي، أما نشوف أخرتها ايه معاكم!
❈-❈-❈
اتجهت ناحية خزانة الملابس بخطوات شبه متحمسة لتأخذ إحدى ثيابها الجديدة والتي كانت لديها هنا أكثر من سنتين دون أن تمسها فكانت تحتفظ بها على أمل أن تأتي تلك المناسبة وها هي قد أتت… دققت النظر فيما تملك بحماس كبير ورغم محدودية الاختيارات إلا أنها أصرت أن ترتدي أفضل ما لديها اليوم فكان ثوبًا رقيقًا من اللون الأخضر مصنوع من قماش الساتان..
مرت نصف ساعة بعد ارتداء الفستان وجلست مكانها بصمت، تشعر بدقات قلبها تتلاحق من توترها الواضح وجف حلقها لأكثر من مرة، ارتوت من المياه المسنودة على الكومود.
بينما وضعت صديقتها نرمين اللمسة الأخيرة على حجاب رأسها الذي فضلت أن يكون من اللون الأخضر ليتلاءم مع ثوبها، وعندما انتهت استدارت ضحي برأسها نحو المرآة لتطالع وجهها الذي تحول للإشراق بفضل جهود صديقتها، رمشت بعينيها غير مصدقة أنها نفسها، فهي لم تضع من قبل مثل تلك الكمية من مساحيق التجميل، بل على الأرجح لم تضع إلا أحمر الشفاه وفي المناسبات الهامة فقط.
في أسفل البناية ترجل العريس من سيارته وهو في قمة أناقته، وقد راقبت ضحي الوضع من الشرفة بأعين ملهوفه كادت تفترسه نظراتها بين الجميع وبالأخص منذر! وتخيلت للحظات أن لو كان الآن الزفاف وليس الخطبه لكانت عروس تتأبط في ذراعيه و تسير وسط الجيران بخيلاء مرفوعة الرأس لأنها ستتزوج لسيد رجال المنطقة كما أصبح في نظرها…. يالله التخيل لوحده اشعرها أنها محلقة في عنان السماء، لكن لا بأس ستنتظر شهور أكثر حتي تنال مرادها بالاخير وتحقق رغبتها حتى ولو كانت مؤقتة، لكنها ستنالها.
صافح فوزي الاسره كلها بترحاب كبير براحتي يده وهو يبادلهم ابتسامة سعيدة قبل أن ينطق بتهذيب معتاد في تلك النوعية من المواقف
= أهلا وسهلا نورتونا.. اتفضلوا يا جماعه جوه
في الداخل، كانت ضحي بحاله غير جيدة من التوتر عقدت نرمين حاجبيها بتعجب متسائلة بضحك
= ليه كل التوتر ده؟ ده النهارده خطوبه مش جواز يعني!
صمتت مبتسمة ولم تستطيع الرد، فماذا ستقول لها وهي كانت تتخيل تلك اللحظه في مخيلتها لانها احبطت ان تحدث بالفعل! فماذا سيكون رده فعلها الان وهي تعيشها على الواقع .
اكتسى وجهها بحمرة حرج وهي تضغط على شفتها السفلى قائلة بتردد وقلق
= بقول لك ايه يا نرمين كنت عاوزه اقول لك حاجه، عاوزاكي طول ما انا قاعده جنبه على الكوشه بره تخلي عينك عليا وتشوفي اذا كان باين أوي كده أن اكبر منه ولا لاء .
ردت عليها صديقتها بامتعاض واضح
= لما انتٍ مقلقه من الموضوع ومش عاجبك كده وافقتي ليه قلت لك هتتعبي وبلاش .
تنفست بعدم ارتياح كاتمة بصعوبة داخلها من الحرج الذي ربما تشعر به بالخارج أمام الجميع، نظرت إليها بضجر وعادت تقول بتوجس
=وبعدين يا نرمين اسمعي الكلام خلي عينك عليا طول الوقت زي ما قلت لك، ابقي تعالي قوليلي باين اوي ان في فرق سن بينا ولا لاء.. ولا اقول لك بلاش تقوليلي دلوقتي ابقى قولي لي بعدين بكره.. بلاش تنكدي عليا في يوم زي ده بحلم بيه من زمان .
عوده الى الخارج مجدداً، نظر فوزي الي منذر فتلك الأيام الفائته بدأ أن ينجذب لشخصه لاحترامه الشديد في التعامل معه، ثم هتف بنبرة مرحبة للغاية وهو يشير بيده
= يا أهلًا وسهلًا بالغاليين، شرفتونا! اتفضل يا ابني جوه معاهم أنت ما بقتش غريب خلاص وبقيت صاحب بيت.
تطلع منذر ناحيته مرددًا بابتسامة صغيرة
= حاضر يا عمي!
اقتربت مايسة من كوثر لتحتضنها بسعادة زائفة، والاخري ابتسمت لها مجاملة وهي تقول باقتضاب
= نورتيني يا ست مايسه، والله احنا زارنا النبي النهاردة!
ابتعدت عنها ورمقتها الأخيرة بنظرات شبه ضائقة وأجابت هاتفه بجمود
= تسلمي!
بعد ذلك استقبلهم والد ضحي في غرفة الصالون مبدي سعادته الغامرة بقدومهم قبل ان يستاذن ليخرج يرحب بباقي الأشخاص! و بامتعاض مزعوج جلست مايسه إلى الداخل فمطت فمها بانزعاج مرادفة بعدم رضا
= بذمتك عاجبك إيه في الناس دول، ولا اللي هتموت عليها دي فيها ايه زياده عن غيرها .
اعتدل منذر في جلسته فوق المقعد بضيق شديد منها، وقال بعبث
= ما خلاص بقى يا أمي احنا جينا الخطوبه خلاص قفلي على السيره دي، ولا كنتي عاوزاني زي ابويا ارجع لغاده بنكدها وقرفها اللي كنت بشوفه معاها .
فهمت أمه إلى ماذا يرمي ابنها، إلى زيجته السابقة التي انعكست بالسلب عليه، رمقته بنظرات مشتعلة وتمتمت بغضب مكتوم
= بلاش أنت السيرة الفقر دي بقي، و انسى البنت دي خالص و اللي شفته معاها.. انا ما بطيقش سيرتها زيك!
هز منذر رأسه بحسره وهمس بصوت خافت
= يا ريتني كنت اقدر انسى كنت نسيت حاجات كتير.
❈-❈-❈
علي جانب آخر كانت بسمه تجلس بجانب زوجها معاذ وفوق قدمها يجلس طفلها مالك، كانت صامتة بتجهم واضح على تعابيرها المتصلبة، ارتفع حاجبي معاذ للأعلى حينما رأها هكذا وسريعًا ما حل الوجوم الممزوج بالسخط على نظراته وهتف بتوبيخ
= ما تفردي وشك اللي قلباه من ساعه ما نزلنا ده، هتعملي لي فيها زعلانه ومقموصه اشحال انتٍ اللي منكده عليا مش انا
نظرت له شزرًا قبل أن تنفرج شفتيها هاتفه بتهكم
= منكده عليك في ايه ان شاء الله؟ اكونش بخرج واروح بمزاجي وما بقولكش بروح فين وكل ما تقول لي حاجه بكبر دماغي وما بعملهاش.
رد عليها معاذ بصوت حاد
= اهو ابتدينا وصله النكد تاني وتلاقيح الكلام، وبعدها لك يا بسمه هو احنا كل يوم في وجع القلب ده! ما انتٍ من ساعه ما اتجوزتيني يا بنت الناس وانتٍ عارفه إني كده ايه اللي جد بقى
رمقته بسمة باحتقار ثم تحدثت قائلة بحنان إلي طفلها بهدوء زائف
= مالك روح يا حبيبي العب مع الاولاد اللي هناك دول وما تبعدش عن المنطقه هنا عشان ما تعرفهاش كويس.
هز مالك رأسه بحماس ونهض إليهن، في حين وجهت حديثها لزوجها هاتفة بتشنج
= عاوز بقى تعرف ايه اللي جد؟ اللي جد واتغير ان انا خلاص زهقت وطهقت و ما بقتش قادره استحمل واللي زاد وغطى بقى واللي ما كنتش عامله حسابه ومش عارفه ازاي كنت ناسياه ان ابنك ابتدى يكبر ويفهم اللي فيها وواحده واحده هيبقى زيك .
تطلع بوجهها المتجهم بحده وقال بسخط
= زيي ازاي ما تحاسبي على كلامك انتٍ الثانيه، وانا مالي يعني بمشي مشي بطال ولا حاجه .
تعقد وجه بسمة وأردفت قائلة بانزعاج
= يا ريتك بتمشي مشي بطال على الاقل يبقى في امل منك او على الاقل اهلك يحاسبوك، انما هم وانت مكبرين دماغكم مش عارفين قيمه الغلط اللي بتعملوا.. انا ما عنديش استعداد ان ابنك لما يكبر يستنى اللي يصرف عليه هو ومراته ولا يكون هو كمان جدو هيصرف عليه ما يلا ماهي شوطه في العيله كلها .
نفخ بضيق شديد وحاول أن يتمالك أعصابه هاتفاً بصوت منفعل
= أنا بقول أحسن خلينا مركزين مع منذر النهاردة، ده يومه!
تنهدت الأخري بقله حيله بتجاهل وتابعت قائلة بامتعاض
= اللي مجنني انكم كلكم كوم! و منذر اخوك حاجه تاني بس ارجع واقول عشان ابوك من الاول أخذته علي الشغل ومخليه شايل الحمل كله عشان كده متعلم المسؤوليه، انت ليه بقى مش طالع زيه .
زم فمه رامقة زوجته بنظرات حادة، ثم قال بانزعاج شديد
= هو انتٍ عاوزه ايه في يومك عماله تحربي بقيلك كام يوم على ايه مش اللي انتٍ عاوزاه بيجيلك لحد عندك وزياده ناقصك ايه عشان كل يوم تعمليلي الهوليله والقرف بتاعك ده
ردت عليه بسمة بتبرم ملوحة بيدها
= ادي اللي فالح فيه كل ما ازنقك في الكلام تقول لي اللي انتٍ عاوزاه بيجيلك لا يا حبيبي ناقصني كثير واهمهم ناقصني ان يبقي جوزي والراجل اللي بتحمى فيه يبقى هو مصدر الامان بتاعي ويعتمد عليه وده هيحصل ازاي لما تبقى راجل كده مالو هدومك وتنزل تشتغل .
نظر لها باندهاش عجيب كأنها قالت شئ غريب لكنه لم يشعر بالرغبه في ذلك فطول حياته لم يعمل وقد اعتاد على ذلك، أبتسم بتهكم قبل أن يقول بوعيد شرس
= اشتغل مره واحده! طب لمي ليلتك بدل ما اهزقك قدام الناس واتكلمي معايا عدل في واحده محترمه تتكلم مع جوزها كده اصلا.. انتٍ بقيلك كام يوم سايقه عليا العوج وعماله تكلميني بطريقه مش كويسه وانا صبري ابتدا ينفذ .
تغنجت بجسدها واضعة يدها على منتصف خصرها ببرود، ثم قالت بأسلوب فظة
= مش ممكن لساني بقى مسحوب الكام يوم دول عشان مش شايفه جوزي وراجلي هو اللي بيصرف عليا من جيبه! اكسر عيني بقى وانزلي اشتغل بالعند فيا عشان ما يبقاليش حجه ولساني يسبقني بكلام ما يصحش اقوله
استشاطت نظراته، وشعر بغلي الدماء في عروقه ولم يعرف كيف يجيب عليها لذلك فضل الهروب أفضل حل، نهض قبل أن يتحدث بعبوس
= انا هقوم من وشك أحسن طالما مش عايزه تسكتي .
تنفست بعمق وهي تراه أولها ظهره متجهاً نحو والدته كعادته. حتى تطيب خاطره وهو يشتكي لها، لوت شفتيها بسخرية هاتفه بنبرة مغلولة
= ادي اللي فالح فيه، عمال تهرب كل ما ازنوقك في الكلام!
❈-❈-❈
وفي ذلك الأثناء خرجت نرمين وهي تفتح الباب على مصراعيه سامحة إلي العروسة بالولوج للخارج، ظلت مكانها بحرج كبير وهي تشعر أكثر الأنظار حولها مسوبه نحوها، هزت صديقتها رأسها وهي تردف بنبرة مشجعة
= تعالي يا عروستنا!
وضعت أمها يدها على ظهرها لتدفعها نحو الداخل وقالت بهدوء
= قربي يا بنتي، سلمي على عمك الحاج شاهين والست مراته مايسة!
أطرقت رأسها في خجل وهي تتجه نحو الأب أولًا، ثم مدت يدها لمصافحته، وتحركت بحذر نحو مايسة لترحب بها بترحيب حاره فبادلتها حماتها المستقبليه نظرات أسفة وشبه حزينة لقوع الاختيار عليها لتكون عروس ابنها فكانت تتمنى أن تكون العروس شابة أو على الأقل في نفس عمر أبنها وليس تكبره لكن خاب رجاؤها، وفي نهاية المطاف القرار الأخير بيد ابنها البكري.
وبعدها اقتربت منها بسمة وعرفتها عليها
لكن بقي وجهها خاليًا من أي تعبيرات واضحة مزعوجة أو فرحه، مجرد ابتسامة خفيفة و بعدها زوجها جاء يبارك أيضا.
بينما ظلت أنظار منذر معلقة عليها مترقبًا أول ظهورها و تحركها بين لحظة وأخرى هنا و هناك، وعندما وجدت ضحي أن لم يبقى غيره لتسلم عليه ازدردت ريقها لأكثر من مرة وهي تقدم خطوة وتؤخر الأخرى، لم تشعر بمثل هذا الاضطراب المنفعل من قبل.
راقبها الآخر ومع كل خطوة تخطوها بقربه حيث خفق بشدة حينما رأها تطل كالبدر في تمامه عليه، لكن ذلك جعله يشعر بالحسرة وليس بفرحة!. فكانت أنفاسها تتسارع و حماسها يزداد بينما هو أنفاسه تضيق بشدة بخيبة أمل وقهر غامض!!.
عندما توقفت أمامه أخيرًا أسبل عينيه نحوها قائلًا بهدوء
= ازيك اخبارك ايه.. مبروك .!
فركت ضحي أصابعها بارتباك كبير،ثم همست بنبرة شبه متلعثمة وقد اعتلت الحمرة وجهها
= كويسه! الله يبارك فيك.
تنفس الصعداء وتطلع إلي حوله باحث عن والدها وعندما رآه تنحنح بخشونة ليلفت انتباهه
= مش نلبس الشبكة ولا ايه يا عمي.
أيده والدها قائلاً بابتسامة هادئة
= ماشي كلامك يا منذر.
كادت دقات قلبها تصم أذنيها من فرط الارتباك والتوتر.. وعدم التصديق لما يحدث حولها هل حقا سترتدي خاتم الخطبه مثلها مثل الفتيات؟ هل بدأت أحلامها تتحقق علي أرض الواقع حقا! تطلعت حولها لعلها تتأكد أنه حقيقية بالفعل..كانت معظم الأوجه فرحة، أو على الأغلب راضية بتلك الخطبة، إلا وجه مايسة و كوثر تحولوا للإظلام، ونظراتهم للقتامة مما يحدث .
لمعت ضحي عيناها أثر تحقيق أحلامها، و سحبت نفسًا عميقًا لتضبط انفعالاتها قبل أن تبكي بلا تبرير. دعمتها نرمين في جلوسها أعلي الأريكة و رحلت بعيد تجلس واستقر الجميع في مجلسه أيضا، وبدأت لحظات إتمام تبادل ارتداء الخواتم! بينما تحرك منذر من مكانه، ومد يده ليتناول العلبة الصغيرة الحمراء التي تحوي خاتم الخطبة من والدته، ثم دنا من عروسته وتنحت كوثر جانبًا بامتعاض مفسحة له المجال ليجلس على مقربة منها ووقفت على الجانب تتابعهما بضيق واضحة.
أخرج الخاتم الخاص بها من العلبة، تجمدت عيناه عليها مطولاً بنظرات غامضة مرددًا
= هاتي ايدك يا عروسة!
رمشت بعينيها بحرج ومدت يدها المرتجفة نحوه، وزادت رجفتها وهو يتلمس كفها محاولًا وضعه في إصبعها وسرعان ما سحبت يدها للخلف وتحاشت النظر نحوه تمامًا.
فلقد تفاجأت من قربه الشديد منها فجاه، وشعرت بخفقان شديد في قلبها أثر اقترابه ذلك و همس مدهوشًا
= طب وانا؟ هو انتٍ نسيتيني ولا ايه مش هتلبسيني دبلتي .
ضغطت على شفتيها بقوة بخجل من تصرفها الأحمق، وأجابته قائلة بحياء
= آآه آسفة معلش.
هز رأسه ببساطة قائلًا بابتسامة لطيفة
= ولا يهمك، اتفضلي.
توردت وجنتاها كليًا عندما أبتسم فابتسمت رغمًا عنها هي الأخري ثم تناولت منه خاتمه بإصبعين مرتعشين جاهدت لوضعه في إصبعه الغليظ حتي أنها تركت الخاتم في نصف أصابعه من الارتجاف والخجل ليكمل هو الأمر بكل هدوء و داخله معجب بحيائها الواضح!.
وفي تلك اللحظة أطلقت نرمين وبسمة زغاريد متعاقبة كتعبير رمزي عن فرحتهم بتلك الأجواء السعيدة، رفعت ضحي أنظارها نحو خاتمها لترمقه بسعادة غير مصدقة أنها حظت به أخيرا مثل غيرها، أبتسم منذر وعاد يخرج من العلبة القطيفة باقي المشغولات الذهبية ما يخطف الألباب ويذهب العقول وبدأ يلبسها باقي الذهب .
ظهرت حينها الفرحة في نظرات ضحي.. و تنفس منذر بارتياح لقد تحقق مبتغاه، وظفر بجولة واحده ضده عائلته.
بينما علي الجانب الآخر شهقت مايسة شهقة مكتومة وهي ترى بريق ذلك الذهب الذي تتخطى قيمته الألوف بكثير، حدقت في أبنها بنظرات معاتبة وتمنت لو تستطيع تعاتبة علي ذلك التصرف المبالغ فيه فهي تراها لا تستحق كل ذلك.. ولا تعرف لماذا متمسك بها بذلك الشكل و يفعل كل ذلك لأجلها! فهو كان يفعل كل ذلك عله يسعدها بطريقة أو بأخرى لأنه يعلم أنه لا يستطيع فعل أكثر من ذلك.. لكن هل يا تري سوف يغنيها الذهب عن ذلك الأمر!!.
❈-❈-❈
بعد مرور وقت….
راقبت بسمة من بعيد اندماج منذر مع خطيبته العفوي بنظرات حالمة فرغم تعرفهم القليل الا انها رأت تقربهم إلي بعضهم البعض بشدة وهم يتسامرون بشيء ما كانهم يعرفون بعض من زمن؟ صحيح هي لا تسمع ماذا يقولون لكن نظرات العروسة الخجوله توحي عما يتحدثون فهكذا تكون البدايات، تمنى لو فقط أبدت تشعر بتلك الإحساس مع طرفها الآخر قبل أو بعد ارتباطهما سويًا لكنها أصبحت زوجه وأم دون الشعور بتلك المراحل فكل شيء حدث بسرعه، ولم تظفر بحياتها معه كحبيبة، تشعر حياتها معه عبارة عن كاب نال ابن و أمًا حنونًا ترعاه بلا تكلف أو ضغينة.
لكن معاذ كعادته يرى كل ذلك مسؤوليه منها وليس تفعل شيء تستحق الشكر او التقدير عليه! فحتى أن كانت تسمع كلمه واحده مقابل ما تفعله او مساعده بسيطه منه ستغنيها عن أشياء كثيره! لكنها محرومه من سماع الكلمات الطيبة والمساعده والشعور بالأمان والمشاركه بالمسؤوليه، تعلم ان أمر الطلاق صعب في حالتها فهي ترى شقيقتها غادة بعد طلاقها كيف تعاني في منزل والدها، لذلك متاكده بان الحل ليس الطلاق وذلك ما يصبرها على العيشه مع زوجها حتى الآن.. فلم تستطع حتى تكمل تعليمها على الأقل بمنزل والدها التي متاكده من رده فعله الصعبه أكثر من زوجها نفسه !.
زوجها! ابتسمت ساخره بقهر فأين هو زوجها بحياتها فدائما يتركها تخرج وتذهب دون الإهتمام لامرها لذلك قدمت الي الجامعه مجدداً وبدأت تذهب وتذاكر وهو لم يشعر بذلك مطلقاً، هي متاكده بانها ليس من اولوياته ولا هي ولا طفلها؟ ليتها حتى تراه مشغول بالعمل لكانت صمتت وسندته أيضاً! لكنها تعلم ما في الامر جيد! هو مشغول بالهي علي الاجهزه الالكترونيه والتنزه مع اصدقائه بالخارج.
عادت تنظر إلى منذر و ضحي مجدداً، و تفرست في وجهه بنظرات دقيقة لا تنكر بأنه شخصيه غامضه دائما امامها لا تعرف نواياه او دوافعه لما يفعله ويصدر منه؟ لكنه شخص مسؤول جداً عن نفسه ويحب العمل وتطوير نفسه لدرجة أنه أسس اسماً وسمعة كبيرة في المنطقة! غير أنه شخص مهذب ومحترم، و زوج صالح جداً يساعد شريكة حياته، وليس لدي أي اعتراض على ذلك ولا يرى فعل ذلك ضعف إلي رجولته بأساً، كما رأت ذلك بنفسها عندما كان على صلة بأختها. بالإضافة إلى أنها طوال سنوات حياتها لم تري منه شيئاً نكره
أو خطأ إلا شيئاً واحداً؟ طفله الذي لا يهتم به على الإطلاق! وما يجعلها تشعر بالغرابة أكثر هو أنه يعامل ابنها مالك بحب وحنان، وأبناء الآخرين أيضًا. ولكن عندما يتعلق الأمر بطفله يتجاهله؟ فماذا فعلت غادة ليصل به إلى تلك المرحلة؟ لكن لكي تكون صادقة مع نفسها، مهما فعلت الأم يجب على الأب أن يتدخل ويكون في حياة أبنائه، حتى لو انفصلوا عن بعضهم البعض.
لكن هذا لا يمنعها من الإعجاب بشخصيته التي كانت عكس زوجها تماما، فكل شيء ما تتمناه في شريك حياتها تراه هنا أمامها، لكن هذا ليس من حقها! وذهب تجوالها دون وعي يعود إلى الماضي، فهل إذا هو الذي تقدم لخطبتها قبل معاذ أم العكس؟ هي التي تزوجته، وأختها تزوجت معاذ. من المؤكد أنها ستعيش الآن في راحة بال. ففي لحظه من اللحظات تتذكرها جيدًا أنه كان معجبا بها بالماضي.. وكانت نظراته واضحة لكن مع الأسف لم يتقدم إليها بلا أخيه.
فهل من الممكن أنه كان سيتقدم لها، لكن سبقه أخيه؟!.
انتبهت الى نفسها فجاه فكيف وصل بها التفكير الى هنا والى أفكارها السيئه وشيطانها الذي استسلمت إليه دون وعي بلحظة ضعف! فمهما كان؟ لا يجب أن تفكر برجل غير زوجها حتى في أفكارها فهذا عيب ولا يصح ! و تصرف غير أخلاقي.. مسحت علي وجهها بضعف وتوتر وحاولت أبعاد صورة منذر عن عقلها فلا يصح ذلك هو أصبح له حياه وهي أيضاً .
رفعت عينيها للإمام تبحث عن زوجها لتجده يجلس بجانب بعيد ويمسك هاتفه مايل بيده ويضغط على الشاشه بحماس كبير لتفهم بأنه يلعب بالتاكيد ولم يهتم الى حديثها أبدا، هزت راسها بيأس و إحباط منه فلو كان شخص آخر و قالت ما قالته له للتو لكان أثر الكلام فيه بالسلب وشعر بالحرج! وانها طعنت كبريائه وكرامته وتحرك يبحث عن عمل اي شيء حتى يثبت لها نظريتها العكسيه! وليس جالس بالزوايا يلعب دون مبالاة !.
** ** **
رفعت عينيها للإمام تبحث عن زوجها لتجده يجلس بجانب بعيد ويمسك هاتفه مايل بيده ويضغط على الشاشه بحماس كبير لتفهم بأنه يلعب بالتاكيد ولم يهتم الى حديثها أبدا، هزت راسها بيأس و إحباط منه فلو كان شخص آخر و قالت ما قالته له للتو لكان أثر الكلام فيه بالسلب وشعر بالحرج! وانها طعنت كبريائه وكرامته وتحرك يبحث عن عمل اي شيء حتى يثبت لها نظريتها العكسيه! وليس جالس بالزوايا يلعب دون مبالاة !.
❈-❈-❈
استغل منذر الفرصة للتودد إلى ضحي حتى تتعلق وتثق به بسرعه، ليعجل من أمر الزواج فاقترب منها بدرجة كبيرة حتى أوشك ذراعه على ملامسة ذراعها. شعرت ضحي بالحرج من جرأته، فنظرت له بقوة فابتسم لها بهدوء وتحدث قائلاً موضحاً
= مبروك يا ضحى .
أجابته مبتسمة بصعوبة وهي تعض على شفتها السفلى
= الله يبارك فيك، هو انت زودت الذهب اللي اشتريناه سواء؟ انا حاسه انه زاد عن المره اللي فاتت وفي حاجات ما اخترتهاش .
هز رأسه بهدوء بالإيجاب، لتحدق فيه بعدم تصديق و انعقد ما بين حاجبيها بدرجة كبيرة، فسألته بغرابة
= طب ليه عملت كده ده كتير أوي.. وما لوش لزوم، انا اصلا مش متعوده على لبسه
أومــأ لها بعينيه ببساطة وتحدث بهمس جاد
= عادي بكره تتعودي!.
ضمت شفتها بعدم رضا وقبل أن تحرك شفتيها لتعترض، حدق فيها بنظرات ضائقة وهتف بصرامة جادة
= خلاص بقي يا ضحي النبي قبل الهدية، وهدايا المخطوبين والعريس للعروسة، مش بتترد مهما حصل! تمام.
تطلعت فيه الأخري بنظرات معاتبة، وردت عليه بعبوس قليل
= متهيالك لما بيسيبوا بعض ويحصل مشاكل الطبيعي انها تترد من تاني بالذات لو العروسه هي اللي هتسيب .
ضاقت نظراته نحوها حتى كادت تخترقها وهو يقول بجدية
= بس احنا مش هنسيب بعض مهما حصل! انتٍ خلاص بقيتي على اسمي وليا من ساعه ما لبستي دبلتي.. ما هي الدبله في عرف عيلتنا ذي الجواز بالضبط، الأصول أصول يا ضحي.
صمتت بارتباك وهي تسمع كلماته و نظراته العميقة تلك التي تغلغل إلى خلايا عقلها رويدًا رويدًا فتشبع بها، باتت لحظات تؤجج من حماسها الشغوف إلى التطلع إليه، وترقبت بتوتر النظر له، ثم هز كتفيه يضيف معترضًا بعبوس زائف
= وبعدين ما كنتش اعرف انك بايعه كده من اولها وبتفولي علينا نسيب بعض
هزت رأسها بسرعه هامسة بخجل
= لا والله مش قصدي انا بتكلم في العموم يعني.. هو بس الدهب.. ده كتير و…
رد عليها بلا تردد وقاطعها بصرامة
= مافيش حاجة تغلى عليكي، المهم إنك مبسوطة و ده كفاية عندي!
خجلت أكثر من عبارته تلك فأخفضت نظراتها متحرجة منه، فرك مؤخرة عنقه بتوتر طفيف، ثم مال عليها برأسه هامسًا
= بقول لك ايه هو انا لو طلبت من والدك ان احنا نخرج دلوقتي هيوافق؟
ارتفع حاجباها للأعلى في تعجب واضحة، و قالت بصوت خافت
= نخرج ليه وهنروح فين؟.
❈-❈-❈
مررت اخوات ضحي الاثنين أنظارهم الحادة على أوجه الجالسين حولهم مبديين نفورهم من كل شيء، وبالأخص تجاه عريس ضحي حيث أصابهم الصدمة والحقد وهم يشاهدون المشغولات الذهبية التي اشتراها لها، حدقت أحدهم أمامها بنظرات حقودة متمتمة من بين شفتيها بصوت خفيض
= شايفه اللي انا شايفاه بنت اللذينه جايبلها دهب من اكبر محل جواهركي في المنطقه، صبرت لحد ما نالت بصحيح.. كَلتها والعة بنت الإيه!
هزت رأسها الأخري مرددة بإحباط
= لا واحنا اللي كنا عمالين نغيظ فيها بجوازاتنا كاننا خدنا احسن رجاله في العالم! ده احنا ما جالناش ربع اللي معاها.. ده انا سمعت كمان من ابوكي ان العريس هيشيل كل لوازم البيت لوحده وهي يا دوبك هتيجي بشنطه هدومها.
زفرت بصوت مسموع، تجيب عليها بخيبة أمل
= حسره علينا، فضل عريس الغفله اللي انا اتجوزته يثبت فيا بالكلام، وفي الأخر مش بأشوف غير الهم والغم! ويا ريته عاجب كان بيجيب لي اقل حاجه وبسكت وأرضي عشان امشي الجوازه.. واقول أي حاجه والسلامه المهم اني هتجوز زي البنات وابقي عروسه!
صمتت للحظات وهي تراقب سعادة أختها مع خطيبها وكيف الأخر كان مهتم بها إلي ذلك الحد؟ فمن كان يتوقع بان ضحى ستنال كل ذلك بالاخير بعد كل هذا الانتظار والسنوات التي مرت! والجميع حولها يعاقبها على شيء ليس بيديها ويعايرها بعدم الزواج حتى الآن؟ و بالنهايه هم أنفسهم يجلسون ويشاهدون باعين حاقده وغيره ما يحدث .
نظرت إلى جانبها نحوه أختها مجدداً بضيق وهي تردف بعدم رضا
= تفتكري لو كنا صبرنا زيها كده كانت هتجيلنا رجاله احسن زي منذر ده عريس أختك و يقدرنا، احنا اصلا ما فيش حد من اللي اتجوزناهم كان عاجبنا بس كنا خايفين نصيبنا يطلع زي ضحى وغيرها ونفضل كده والعمر يكبر من غير جواز! بس على النظام ده كاتنه خيبه
ردت أختها عليها بتهكم
= وانتٍ جايه تقولي الكلمتين دول بعد ما كل واحده منا اتجوزت وخلفت بدل العيل ثلاثه،
ارضي بنصيبك احسن وربنا هيراضيكي!
وضعت يدها على فخذها ضاربة إياه عدة مرات بخفة من الغيظ والحسرة وهي تقول بنبرة ناقمة
= مافيش حاجة بتتغير، هنفضل زي ما أحنا.. صحيح أصبر تنول!. ويا ريتنا صبرنا زي اختك ضحى .
❈-❈-❈
مالت مايسة نحو زوجها ونظراتها تنطق بالغضب والحنق وهي تهمس بصوت منخفض
= انتٍ ازاي سبت إبنك يجيب الذهب ده كله ليها؟ ما احنا عارفين اللي فيها وانها اخرتها مش هيكملوا! كل ده هتاخده في عبها من شقاكم .
لوي فمه للجانب الآخر بتهكم، قائلاً بتذمر
= ومين قالك أن دفعت مليم في الهبل ده؟ دي كلها فلوس ابنك هو لو كان طلب مني كنت هوافق وانا اصلا رافض بس مضطره اوفق على الهبل ده واسايره!
لوت فاهها معترضة، ثم أردفت بغضب و امتعاض بصوتها المتهدج
= وليه أن شاء الله مضطرين ماسكه علينا ذله هي واهلها ولا إيه اشحال كسره الثلاثين و ساكتين واكبر من الواد بسبع سنين، لو كنت فضلت زيي مصمم على الرفض كان منذر هيرجع في كلامه لكن مش عارفه انت جبت ورا على طول ليه ووافقت
رفع رأسه للإمام بجمود رغم توتره الداخلي ثم قال ببرود وبملامح هادئة
= وانتٍ ما شفتيش ابنك لما عرف بموافقتها قعد يرمي بالكلام ازاي انه لسه فاكر موضوع بسمة ان هو اللي طلبها الاول وانا جوزتها لمعاذ! خفت ليكون لسه بيفكر فيها وبيحبها وعينه منها والبت قصاده 24 ساعه في بيت واحد والشيطان شاطر! وبعدين احنا في الأساس كنا عايزين نجوزه بسبب الموضوع ده يبقى نوافق على اي واحده والسلام تشغله بقى عنها .
كتفت ذراعيها تقول بلهجة يلفها الإصرار
= بس برده البنت دي مش داخله دماغي! و حرام الذهب ده كله حتى لو ما دفعتش فيه حاجه ده شقي إبنك وتعبه يضيعه كده في غمضت عين الاهبل.. انا مش عارفه ليه عمال يعند و مصمم يتجوز البنت دي بالذات
ضرب كفاً بالأخر وهو يرد بسخط متهكم
= امال هتعملي ايه لما تعرفي ان كمان البيه إبنك عرفت بالصدفه انه رفض ابو العروسه يشارك في حاجه وهو اللي هيتحمل كله.. العفش والاجهزه وهي يا دوبك هتيجي بشنطه هدومها .. خدي مني الناهيه ابنك عمال يعند معانا وخلاص! بس في الآخر لما يجيلي ويقول لي تعالى الحقني يابا من التدبيسه اللي دبسها لنفسه دي ولا هعبره ويشيل بقى نتيجه اختياره على رايه .
اتسعت عيناها بذهول و زاد بركان غضبها الهائج داخلها أثر حديثه أكثر، فردت عليه بصوت محتد
= يا نهار ابيض كمان هو اللي هيشتري كل حاجه في الشقه لوحده! هو الواد ده ماسكين عليه ذله ولا في ايه بالظبط مش من حلاوتها يعني نقول متمسك بيها ووقع لجمالها عاديه زيها زي غيرها واكبر منه كمان .
رمقها شاهين بنظرات حادة، هاتفاً بحنق كبير
= خلاص بقى يا مايسه وطي صوتك احنا قاعدين في بيتهم لاحد يسمعنا من اهلها يروح يقول لهم ويعمل مشكله، عشان تريحي نفسك تقبلي البنت دي انها بقت واحده من العيله من النهارده خلاص وجايز تطلع كويسه فعلا ما حدش عارف .
رمقت ضحي من بعيد بنظرات حاقدة مشتعلة، وتمتمت بغض
= ما هي حتى لو كويسه بعمايل ابنك دي هيطمعها فيه اكتر .
تنهد زوجها بضيق شديد وهتف قائلاً بحذر
= ما قلت لك خلاص بقى اقفلي على السيره دي مش ناقصين مشاكل خلي الليلة دي تعدي على خير، بدل ما حد يسمعك ويحصل مش كويس!
اعوجت مايسة فمها يمينا وشمالا بعدم رضا وهمست بصوت مغتاظ
= طيب يا أخويا.. خلاص سكت أهو!
علي جانب آخر مال منذر علي حماه محاولة إقناعه بالخروج مع خطيبته للتنزه قليلاً سوا لكنه رفض في البداية لكن أصر الآخر حتي استسلم للأمر.
❈-❈-❈
بعد ساعة….
ترجلت ضحي من سيارة منذر الخاصة على مقربة من مطعم، فرفعت عينيها عفويًا نحو المكان فكان رائع حقا، رمشت بجفنيها لتنظر إليه ليبتسم قائلاً بهدوء
= يلا بينا ادخلي .
هزت رأسها واستدارت بظهرها للداخل وهو كان خلفها أشار لها لتجلس علي أحد المقاعد وهو امامها، ارتسم على ثغره ابتسامة عريضة هاتفاً باهتمام
= تحبي تشربي إيه ولا اقولك أحسن نأكل احنا ما عرفناش ناكل من المعازيم والناس حوالينا .
هزت راسها برفض قائلة بصوت محرج
= لا كفايه أي عصير انا مش جعانه بصراحه
أومأ برأسه دون ان يضغط عليها وطلب من النادل اثنين من العصير الطازج، رفع رأسه ليحدق بعمق في عينيها قائلاً بثبات جاد
= ضحي أنا كنت عاوز اقولك كلمتين.. أنا عارف إن الوقت مش سعيفنا نتعرف على بعض أكثر و كل حاجة جت بسرعه، بس كوضع مؤقت أنا الايام الجايه هحاول افضي نفسي عشانك….
صمت متعمدًا ليثير انتباهها أكثر، ثم أكمل بتأنٍ
= وعشاني! عشان كمان ما تحسيش باي فرق انك اقل من اي واحده غيرك، هو بس مش هبقى موجود طول الوقت حسب شغلي لان والدي معتمد عليا في كل حاجه وانا كمان زمان كنت على طول وقتي كله للشغل.. بس
دلوقتي اكيد الوضع هيتغير .
ارتعش جسدها من كلماته الحنونه، فأغمضت جفنيها بحرج كبير
= بس أنا…
رد مقاطعًا بصوت رخيم ومفاجئ
= أنا لو عليا نفسي نتجوز النهارده قبل بكره بصراحة!
تعقدت ملامح وجهها من طلبه المفاجئ بهذه السرعة وحدقت فيه بنظرات جامدة مشدوهة بما تفوه به، لاحظ التغيرات الطارئة عليها، فطمئنها مضيفًا بهدوء
= عارف ان الموضوع ده مش هيحصل غير لما تطمني مني انتٍ وأهلك، وانا والله العظيم ما في نيتي اي حاجه وحشه.. ولا حتى عاوز ااذيكي.. وحتي لو آآ .
ارتعش صوته وصمت بقله حيلة وندم عندما فكر فما يخطط له، فعقدت حاجبيها بتعجب فنهج صدره أكثر هاتفًا بنبرة صادقة
= حتى لو حصلت حاجه زي كده غصب عني قدام هتعرفي أن نيتي مش كده وانتٍ لما تعرفيني اكثر هتفهميني، وهتعرفي اني حتى لو اذيت حد بتوجع اضعاف ما وجعته.. لاني ما بكرهش في حياتي قد الظلم! هو انتٍ ساكته ليه انا قلت حاجه ضايقتك .
أخفضت أعينها بعيدًا عن نظراته المتخللة لها مرددة بارتباك
= لا مش كده! بس آآ مستغربه تمسكك بيا رغم أنك لسه تعرفني من مده بسيطة، يعني حتي ما فيش حاجه مميزه فيا ده انا كمان اكبر منك، هو انت بجد مفكر كويس في الموضوع ده.. يعني ما تحاول تفكر تاني ممكن قدام بعد كده تندم على الاستعجال ده .
هز رأسه نافياً قائلاً بنبرة مزعوجة
= لا مش عاوز أفكر تاني لان اكيد خدت القرار، أنا مبسوط معاكي!
أصرت عليه أكثر، ثم رفعت عينيها في وجهه قائلة باعتراض
= يعني انت موافق على أنك تتجوز وتكمل حياتك كلها مع واحده أكبر منك … عادي
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يرد بحذر متعمدًا اختيار كلماته
= أكيد يعني، ايه هيكون حد غصبني عليكي مثلا، أنا فعلاً بأعمل ده وأنا مقتنع!
رفعت وجهها في عينيه المحدقتين بها قائلة بخفوت خجل
= ربنا يقدم اللي فيه الخير، ويبعد عننا أي شر!
ظلت أنظاره مثبتة على وجهها، فابتسم لها يجيب بتنهيدة
= احلى دعوه ربنا فعلا يبعد عننا اي شر. ربنا يقدرني وأسعدك!
زاد توترها عندما طال الصمت قليلاً بينهما بعد ذلك، فردت عليه بصوت لطيف
= اليوم كان طويل ومتعب
هز منذر رأسه متفهمًا وهو يرد
= ايوه، بس حلو!
تنهدت ضحي هامسة بقلق طفيف بدا على قسماتها، من عتاب والدها كونها لم تتاخر هكذا خارج المنزل قط
= فعلا معاك حق، مش كفايه كده نروح بقى اتاخرت، وبابا قال لنا ما تطولوش!.
❈-❈-❈
بعد مرور وقت بداخل سيارة منذر الخاصة به كانت جالسة ضحي بجواره متحرجة من الأمر برمته من كونها بمفردها مع رجل لكن ذلك الرجل الآن خطيبها، حسنا لا بأس الأمر جديد عليها ستتعود مع الايام القادمة، أوقف السيارة جانب قرب المنطقه منتظر حتى تمر السيارات التي امامه أولا وبعدها يصعد وفي ذلك الوقت
لمحتهما مصادفة طليقته السابقة وهي تتجه إلى منزلها، فرأت زوجها مع فتاه لا تعرفها سويًا؟ اشتعلت علي الفور بها نيران الغيرة و الغضب و كأن منذر ملكيه خاصه بها فقط حتى وإن انفصل عنها لا يصح ان يكون مع غيرها.. عمدت تغيير مسارها إلى طريقهم
واقتربت من السيارة وهي تضرب علي سقف السيارة بقوة! انتفض الاثنين بخضة و تفاجأ منذر من حضورها المتهورة بتلك الطريقه و نظراتها الغاضبة، كزت على أسنانها صارخة
= اطلعلي هنا حالا.
استاء من طريقتها وتعجبت ضحي بشدة من أسلوبها، فاندفع الآخر يخرج كالثور الهائج إليها، ونظرت غاده إلي ضحي شزرًا هاتفة بسخط
= الله الله! ده القوالب نامت والإنصاص قامت!
مين الحلوه اللي معاك دي ومتسيغه بالدهب ده كله!
نظرت له من طرف عينها تضيف بتبرم بتهكم
= إيه لما مالقيتش نفسك نافع في الجواز! قلت الف على الستات الغنيه واخذ شقاهم و فلوسهم .. طب عيب عليك ده انت راجل من عيله كبيره ما تقبلش الغلط وغير ابنك اللي رميه !
ضيقت عينيها أكثر لتصبح أكثر شراسة وهي تضيف بنبرة غيظ
= ولا هي الحلوه ما قلتلهاش انك كنت متجوز ومخلف!
جذبها بعيداً بالقوة، و وقف قبالتها يطالعها بنظرات مشتعلة على الأخير وهو يرد بتشنج
= عنـدك! كلمة زيادة وهاقص لسانك! احترمي نفسك والزمي حدودك.. واللي معايا دي تبقى خطيبتي وخطبتنا كمان كانت الليله وتقدري تتاكدي بنفسك رغم اني ما لكيش فيه أصلا.
انتفضت في مكانها وهي تسأله بذهول
= نعم يا اخويا خطيبتك ده ازاي وفين؟ انت اتجننت يعني ايه تتجوز غيري
حرك هو جسده نحو تلك البغيضة خطوه هادرًا بشراسة قاسية
= انتٍ مالك!! وبعدين هو انتٍ فقدتٍ الذاكره انتٍ مش مراتي وانا طلقتك وخلصت من قرفك من زمان يعني ما لكيش حاجه عندي .
تراجعت غادة خطوة للخلف مصدومة من ردة فعله، وتساءلت بتوجس
= يعني ايه طب وانا!.
رمقها بنظرات احتقارية وهمس بازدراء
= نعم ياختي؟ وأنا مالي بيكي ما تغوري تتجوزي ولا تشوفي الزباله اللي رماكي انتٍ وابنه لحد دلوقتي ومش عاوز يعترف بيه.
خشيت غادة أن يضيع منها فيعقد الأمور أكثر معها وربما أيضاً مع الوقت يكشف المستور فلم تتوقع مطلقاً بأنه بوقت سيرتبط بفتاه غيرها، فانقبض قلبها بدقات عنيفة واندفعت بلا تردد هاتفه بتهديد بصوت خفيض
= طب كويس انك فتحت الموضوع ده ولسه فاكر هتتجوز بقى ازاي يا سبع الرجال! ولما العروسه الجديده تكتشف اللي فيها فكرت هتعمل ايه؟ طب انا سترت عليك وطلعت كويسه مفكر كل الناس زيي هتكتم على سرك تبقى غلطان.
نظر منذر إليها باشمئزاز منفر، فرد معنف إياها بنبرة محتدة
= هي تبقى مصيبه فعلا لو كل الناس زيك، ما لكيش فيه وخليكي في نفسك
استشعرت الإهانة من كلماته، لذلك ردت بعناد
= وانا مش هسيبها تاخد مكاني، انت في يوم من الأيام كنت جوزي ولا نسيت؟
استشاطت نظراته من تلك المقيتة غليظة القلب، وهتف بحدة طفيفة
= انتٍ مش اشتريتيني ما تغوري من وشي هو انا كنت ناقصك .. ده ايه المصايب اللي بتتحدف عليا دي .
راقبت ضحي من السياره ما يحدث بتوجس كبير رافضة التدخل في هذه المسألة، فلم تفهم الأمر جيد رغم أنها بدأت أن تدقق وتفهم بأن هذه المراه طلقته ولكن لماذا غاضبه هكذا؟ التفت حتي يرحل لكنها أسرعت له مجدداً ترمقه بنظرات حقودة متمتمة من بين شفتيها بصوت مغلول
= استنى هنا، هو كل الذهب ده انت شاريهلها
ما كنتش بتديني ربعه يعني زمان، مالك فاكك كيسك اوي على البحري كده مع العروسه الجديده.. ويا ترى جبت ايه تاني للغندوره.
رمقها بنظرات مزعوجة وتحدث بإشمئزاز وسخرية
= اه انتٍ عامله كل الهلاله دي كلها عشان الفلوس! ما هو اكيد مش حب فيا عشان اللي زيك مش بتعرف تحب! خايفه احسن الفلوس اللي كانت بتوصل لك من المصالح اللي كنتي بتعمليها على ابويا تخف .
توترت قليلاً من تصريحة فضغطت على شفتيها مرددة بتشنج
= أنا بس خايفة على فلوسك اللي هتضيع على الفاضي اصل كده كده الجوزي دي مش هتكمل، وساعتها مش هتعرف تاخد اللي عمال تصرفه عليها دلوقتي! وهيطلع نقبك على شونه لانك مش هتلاقي اللي يستحملك غيري.. وبكره تقول غاده قالت وهتلف تلف وهترجع لي يا منذر.. على الاقل انا الوحيده اللي هتمحي عنك الشبهات
كاد أن يرفع منذر كفه عاليًا في الهواء بصفعها لكنه تمالك نفسه وهو يقول بانفعال هائج
= اخفي من وشي يا غادة أحسنلك، لأني قسمًا عظمًا لو اتسابت عليكي ما هخلي فيكي حتة سليمة، يالا غوري!
تراجعت خطوه للخلف بقلق قليل منه، و فضلت الرحيل مؤقتاً فأدارت جسدها مهرولة بقدميها لتختفي من أمامه قبل أن يتهور عليها وينفذ تهديده بها.
راقبت ضحي صعود منذر الى السياره مره اخرى ونظرت له مستنكرة انفلات أعصابه بتلك الطريقه صحيح لم تفهم حديثهم او لم تسمع شيء حيث كانوا يتحدثون بمسافة و هي ظلت داخل السياره بقله حيلة.. لكن نظراتهم و طريقة الحديث بينهما كانت واضحه بانهم يتشاجران! بعد فتره وصل أسفل منزلها عبس سريعًا، وحل الوجوم على تعبيرات وجهه قائلاً بتذمر
= ما كنتش عاوز الليله تقفل على كده بس معلش، يلا اطلعي عشان ما تتاخريش تصبحي على خير .
تفرست في وجهها بنظرات دقيقة بتردد تكتم فضولها لمعرفة أمره مع تلك المرأة، قبل أن تهز رأسها بالإيجاب باستسلام وتصعد فالوقت تاخر بالفعل!
وصلت منزلها لتجد أمها تجلس في غرفه المعيشه نائمه وكانت من الواضح بانها تنتظرها تحركت مسرعة قبل أن يكتشف إحداهما أمر عودتها متأخرة، و هرولت إلى غرفتها موصدة الباب خلفها، رمت الحقيبه أرضا بعشوائيه و نفسها فوق الفراش وهي تتنهد بعمق وابتسامه سعيده تحتل وجهها ثم رفعت يدها أمام وجهها تتطلع الى خاتمها بنظرات متحمسة وبدأت تضحك بعدم تصديق
= انا اتخطبت بجد!! اتخطبت أخيرا .
حدقت في الفراغ أمامها بنظرات حالمة متمتمة من بين شفتيها بصوت خفيض
= اتخطبت وبقيت اخرج واتاخر زي كل البنات المرتبطين!
نهج صدرها أكثر بعد جملتها تلك وهي غير مصدقة ما حدث، وبدأت تشعر بأن الادريالين يرتفع داخلها من السعاده والحماس! وباتت متاكده أيضا بان تلك الليله لم يزورها النوم مطلقاً من شده الفرحة… وضعت يدها على وجهها تشعر بسخونتة من الخجل والحرج التي بدأت تتعرض له اليوم معه وكأنها عادت صبيه مراهقة!. ظلت تضحك بشده بسعادة وهي غير مصدقه بأن الحياه بدأت تفتح أبواب السعاده لها أخيرا بعد طول إنتظار طويلاً .
❈-❈-❈
في منزل أهل ديمة، اتسعت حدقتي عيناها بصدمه كبيرة بعدما اخبرتها شقيقتها باقتراحها علي السيد آدم قبل أسابيع، تسمرت في مكانها تستوعب الأمر ثم حانت منها نظرة لها وهي تقول غير مصدقة
= حرام عليكي يا ابله رانيا دي عامله تعمليها فيا راحه تعرضي على واحد يتجوز اختك عشان يستر عليها ده انا بقيت في نص هدومي قدامه لما عرف اللي فيها وشاف الحيوان ده بيعتدي عليا .
صمتت للحظة شاعره بالحرج الشديد منه ومن فعلت أختها بذلك الاقتراح، لتغمض عيناها بألم حاد واعترضت تضيف بتوتر
= وما لقيتيش غير ده! كان صديق مقرب للعيله زمان وقريب من باباكي وكان بيعتبره زي ابنه او اخوه الصغير.. يتجوزني طب ازاي.. ازاي .
رمقتها أختها بنظرات نارية مجيبه إياها بقسوة
= وانتٍ فاكره كنت فرحانه أوي وانا بعرض عليه العرض ده بس مش لاقي حد غيره انتٍ حطيتينا في مصيبه سوداء، ده انتٍ خليتيني افكر أن اعمل لك عمليه عشان نستر عليكي بس رجعت وقلت اكيد الجيران اللي هنا سمعوا وممكن حد يكون شافنا في المستشفى كمان ولو سأل هيعرف علي طول.. ما لقيتش قدامي غير الحل ده أن لازم حد يتجوزك ويكون عارف اللي فيها وما فيش غيره كان من اول الموضوع معانا وساعدنا .
حدقت فيها الأخري بوجه خالٍ من التعابير،
وأصرت على رفضها قائلة بثبات
= ساعدنا بانه يوقفلنا محامي زي ما عمل مش انه يتجوزني، ده الفرق بيني وبين بنته يجي ثلاث سنين ولا اربعه ازاي فكرتي فيها، انا عارفه ان انا غلط غلطة كبيرة و صعبه بس بلاش ترخصيني بالطريقه دي حرام عليكي انا والله كل يوم بموت من الذنب .. وعارفه ان الموضوع ده لو اتعرف انتوا كمان هتضيعوا معايا بس مش بايدي حاجه اعملها .
استدارت ناحيتها رانيا هاتفه بجدية صلبة
= وانا كمان مش بايدي حاجه اعملها يا ست ديمه، لو فعلا ندمانه زي ما بتقولي وعاوزه تساعدينا وتساعدي نفسك يبقى تسمعي كلامي وانتٍ ساكته عشان الحل الجواز.. ولو صعبان عليكي عشان هو أكبر منك في السن فانا اتفقت معاه ان الجواز هيكون على ورق وبس لو وافق! وبعد فتره هيطلقك.
نظرت إليها بقلة حيلة، واضافت بإحباط من بين شفتيها بصوت خفيض
= بس شكله كده خلاص فكر ورفض بقيله اسبوعين مش بيرد عليا، هو كان املي الوحيد مش عارفه ممكن اخلي مين تاني يتجوزك ويساعدني في المصيبه دي .
ابتلعت مرارة الإهانة بقهر عاجزا، وكسى الحزن وجهها ثم انتبهت إلي كلماتها وضاقت نظراتها نحوها وهي ترد بحدة خفيفة
= احسن انها جت منه وريحي نفسك انا ولا هتجوز غيره ولا هو حتي لو كان وافق.. انا كرهت الجواز على الرجاله من اللي شفته من الزفت ده وكويس ان انا خلصت منه.
حدقت فيها بنظرات يأس و ردت عليها بتهكم
= انتٍ مش فاهمه حاجه ومش مقدره حجم المصيبه اللي هنبقى فيها لو اعمامك عرفوا، واذا كنتي دلوقتي رافضه الجواز بكره لما تكبري كله هيتكلم عليكي اكتر ويشك سبب عدم جوازك لحد دلوقتي .
إبتلعت ريقها متوجسة فكانت محقًا في هذا؟ لترفع ديمة عفويًا يدها نحو وجنتيها لتتحسسها متذكرة تلك الصفعة العنيفة التي تلقتها من أحدهم بوقت ما! عندما رفضت الرحيل معهم بعد وفاه عائلتها حتى لا تظل وحيده هنا ووقتها حدثت مشاحنه بينهما قويه، وحينها أيضا حذرها عمها اذا حدث شيء سيئة لها بسبب مكثها بمفردها لم يصمت! لكن مع ذلك هتفت معترضًة بانزعاج
= يبقي أكيد في حل تاني غير الجواز و خصوصا من.. آآ اونكل آدم .
** ** **

منذ الصباح الباكر، استيقظت ضحى وأعدت نفسها باهتمام علي غير العاده، للذهاب إلى عملها في المدرسة، وبمجرد أن وضعت قدميها على أرضية المدرسة! شعرت بالحماس و الرغبة في القيام بكل شيء اليوم بروح سعيدة.. و ما جعلها تطير فرحاً أكثر وهي تتجول في المدرسة فرحاً كان الجميع يهنئونها بمناسبة خطوبتها أمس.

ضحكت بخفة عندما رأت المعلمين والعمال يتجمعون لتهنئتها فقبل ذلك كانت تأتي وتهنئ الآخرين، وكان هناك من يجعلها تشعر منه بالشماتة والغيظ من نظراتهم لأنها لم تتزوج بعد! لكن الوضع مختلف تماماً الآن، وهي الآن ارتبطت مثلهما، وليس بأي رجل! بل رجل حقيقي حيث لم يمنعها من شيء وأعطاها ما أرادت وحلمت به..

فلم تحلم بأن الليلة الماضية تمر هكذا، تخرج كباقي الفتيات مع شريك حياتها والجلوس معه في أحد المطاعم. صحيح أنها في النهاية لم تمر بخير بالنسبة للآخر بسبب وصول تلك المرأة، لكن الأمر لم يكن مهما ولم تدع أي شيء يزعج سلامها. فلقد وعدها بالمزيد من الأشياء الكثيره سيفعلها مما يجعلها سعيدة، فماذا تريد أكثر من ذلك؟

❈-❈-❈

كانت تجلس رانيا بداخل المطبخ وهي تقلب ما في الطنجره على نار هادئه، كانت شارده نوعاً ما فيما يحدث بالأيام السابقه في حياتها التي انقلبت رأسا على عقب بين ليلة وضحاها نظرت حولها إلي المنزل التي تربت وترعرعت به فلو كانت أسرتها ما زالت على قيد الحياه بعد؟ فكانت الاوضاع صارت اصعب من ذلك! أو ربما لم تكن ديمة حدث لها ما حدث بسبب الوحده التي جعلتها ضعيفه وذليله الى شخص حقير استغلها .

لكن الجيد في الأمر أنهم تخلصوا منه، فقد سُجن إلى الأبد! وللأسف لم تحل المشكلة برمتها، فأختها الصغيرة لا تزال هنا وستعاني بسبب هذه العلاقة! والتي لم تخرج منها صحياً ولا نفسياً ولا أخلاقياً! جيدة بإضافة إلى الكارثة الكبرى، وهي عذريتها التي فقدتها على يد شخص حقير مثله، فهي تعلم أنه خطأها و عليها أن تتحمله بمفردها، فهي التي أضاعت نفسها عن طيب خاطر! لكنها ستظل ابنتها، و ليست أختها فقط التي ربتها علي يديها. لذلك، من المستحيل أن تتركها تواجه الفيضان بمفردها وهي واقفة تراقبها! فإذا تركتها مرة أخرى لتواجه الأمر دون تدخل، فإنها بالتأكيد ستخسر أكثر من ذلك.

إنها لا تزال صغيرة ولا تفهم كل شيء في الحياة. صحيح أنها بالتأكيد بدأت تتعلم عندما أخطأت، لكن الخطأ تلو الخطأ يصنع فرقًا حقًا، طالما أن النتيجة ليست جيدة لها! مسحت وجهها بتعب شديد ويأس، غير قادرة على إيجاد حلول لجميع المشاكل التي وقعت على رأسها دون أي مقدمات مسبقة.

أو ترضي جميع الأطراف! ولم تعد تعرف عند طلبها المساعده من السيد آدم هل أخطأت كما قالت لها ديمة أم لا؟ ولكن ماذا كانت ستفعل؟ فكان الزواج هو الحل من وجهة نظرها الأفضل وعندما فكرت لم تجد غيره من بين الأشخاص المناسبين! صديق للعائلة منذ زمن طويل.. كان والدها المرحوم يعتبره مثل ابنه، كما ساعدهم كثيراً بحياتهم السابقه.. والآن هو يرد الجميل أضعاف فلا تنكر ذلك أبدا، لكن أرادت ان يساعدها مره أخرى بزواجه من شقيقتها لمده فتره وبعدها يطلقها.. فتكون مطلقه أفضل بكثير .

لكن في الحالتين الآخر من الواضح رفض الإقتراح وبطريقه مهينة لها فلم يكلف نفسه ويتصل يخبرها بالرفض بل تجاهلها بالمره، ربما اختها كانت محقه ليتها لم ترخصها الى تلك الدرجه! لكن ماذا كانت تفعل هي ارادت مصلحتها تصرفت بعفوية يمكن؟ لكنها في النهايه أم وتريد الجيد لها، فالاوضاع كلما تمر عليها يوم تتازم الأمور أكثر! هي تعرف جيد القادم ليس سهل أبدا، وإذا انكشف المستور ستكون نهايه أختها حتماً.

أفاقت من شرودها علي صوت رن هاتفها
استدارت على عقبيها لتتوجه نحو الطاولة و أمسكت به وسرعان ما اتسعت عيناها بذهول وضغطت علي الزر بتوجس وهتفت بنبرة خافتة

= الو ازيك يا أستاذ آدم .

جاء صوته الهادئ يهتف قائلاً بخشونة

= ازيك يا مدام رانيا عامله ايه معلش ما كنتش برد على اتصالاتك الفتره اللي فاتت لان ابن عمي تعب فجاه ودخل المستشفى واضطريت اسافر من غير ما ابلغ حد بعتذر .

تنهدت بخيبة أمل كبيرة وظنت أنها ربما حجه للهروب من اقترحها الغبي، لذلك أجابت بهدوء زائف

= لا ولا يهمك المهم يكون بخير .

تحدث آدم مبتسماً براحه

= لا الحمد لله بقى أحسن عن الأول، المهم انا كنت محتاجه اقابلك ضروري عشان نكمل موضوعنا

إبتلعت ريقها بتوتر وهي تقول بحرج

= اقصد حضرتك موضوع ديمة! ما لوش داعي نتقابل وانا فهمت ان حضرتك رفضت وحقك انا مش زعلانه طبعا.. في النهايه برده انا بطلب منك حاجه صعبه ودي مشكلتي لوحدي و المفروض احلها ومشكور جدا على كل اللي عملته معانا.. انا بس كان عشمي فيك كبير بس برده انت مش ملزم تعمل كده .

ضاقت نظراته وهو يستمع الى حديثها وتفهم الأمر، ليقول بجدية

= شكلك متضايقه جدا مني وفكرتيني بقول اي كلام على موضوع تجاهل اتصالاتك انا فعلا ابن عمي تعب فجاه و دخل المستشفى وهو ما لوش غيري عشان كده كان لازم اسافر له بسرعه واكون جنبه في ظرف زي ده وجنب اسرته، اما بالنسبه لموضوع اختك فانا طول الفتره اللي فاتت بفكر فيه كويس و …

صمت لحظة ثم أضاف بنبرة ذات مغزى

= وتمام موافق ان انا اتجوز اختك ديمة لفترة وبعد كده اطلقها .

اتسعت حدقتا عينيها بصدمة و سرعان ما تحولت الي فرحة عارمة وهي تردف غير مصدقة

= نعم! حضرتك متاكد من قرارك .

تنهيدة خرجت من شفتي و رد برزانة

= ايوه يا مدام رانيا متاكد حاولت وانا بفكر احط بنتي مكان ديمة اختك هم صحيح الفرق بينهم قليل وبنتي اصغر! بس هي برده في وضع حساس ومحدش فينا معصوم عن الغلط ومتاكد كمان ان ربنا عارف نيتي طالما خير هيردلي العمل ده ويحفظ بنتي، لما حاولت كمان افكر بوجهه نظرك لقيت فعلا ان انتٍ معاكي حق وان هو ده الحل انها لازم تتجوز حد وتكون مطلقه افضل من وضعها دلوقتي على الاقل بعد كده لما الموضوع يتعرف محدش لي حاجه عندها..

أبتسمت رانيا براحه كبيرة وكأنه قد ازاح هم كبير من على صدرها، ثم سمعت صوته يتابع قائلاً بجدية أكثر

= شوفي تحبي امتى تبداي بالاجراءات وانا معاكي.

❈-❈-❈

تفاجأت بسمة بزياره والدها “متولي” حتى يعطيها نصيبها من مخزون الماكولات الشهرية
فهذه عاده لديهم، وهو من توليها بعد وفاه والدتها رغم تعبه الشديد وكبره في العمر جاء ليراها ويطمئن عليها وعلى حفيده الآخر!
بينما تضايقت بسمه من زيارته بذلك الوقت، فكانت تجهز حالها للذهاب الى الجامعه لحضور أي محاضرة فاتتها بسبب انشغالها
لكن بحضور والدها ستاجلها اليوم أيضاً .

و بالطبع لم تخلى الجلسه من عتاب والدها الى حماتها على عدم زياره منذر إلي ابنه الوحيد من طليقته غاده! وعندما شعرت مايسة بالضيق من ثرثرة الممله دون فائده؟ ارادت أن ترد الصدي وتشتكي من بسمه وأفعالها معها هي أيضاً.

عقد والدها حاجبيه متسائلاً عما فعلته أبنته، و الأخرى بدأت تخبره عما فعلته وتطلب منه التصرف معها.. بينما كظمت بسمة غيظها و ظلت صامتة فهو سلاحها الوحيد أمام تجبر وتسلط حماتها عندما تكون أمام والدها بالأخص، والذي يكون دائما ضدها خوفاً من أن تنفصل هي الأخرى مثل شقيقتها فلم يعد يتحمل عبء بناته الاثنين معآ .

فمايسة هي إمراه لا مثيل في عنجهيتها، تحب أن تلقي الأوامر على كل من حولها بلا أي رفق ولا يستطيع أحد مجابهتها.. من أولادها أو زوجها وبالتأكيد من ازواج اولادها أيضا…وبعد الانتهاء من بولي الشكوى ضدها، أخذها أبيها علي جانب، ونظر إلي أبنته الواقفة بحنق قبل أن يقول بنبرة عصبية تعلن عن سخطه

= ما بتسمعيش كلام حماتك ليه؟ ايه يعني معاها مفتاح شقتك وبتطلع تطمن على ابنها ليكون مريض ولا حاجه يا بنت ما تبقيش هبله دي بتعمل كده لمصلحتك افردي تعب في مره وما لحقتهوش ساعتها هيحاسبوكي انتٍ

كلام والدها زاد منها امتعاضها وغضبها، فقالت بنزق

= لا ما تخافش هو الحمد لله كويس وبقي زي الفل وانا بعرف كويس اخلي بالي من جوزي،
و بعدين انا كنت بكبر دماغي زيك واقول وماله بتطلع تطمن على ابنها لا يتعب

زفرت أنفاسها ثم أضافت بجفاء وهي ترفع ذقنها

= لكن بعد كده الامور زادت وكل حجه والتانيه بلاقيها في وشي والاكاده انها مش بتخبط حتى وتستاذن لا فاجأه بلاقيها في وشي.. الله ده كده بقي موروستان اي حد يدخل بيتي.. هو انا مش ليا خصوصيه برده و المفروض تحترمها ده أنا بطلب حاجه من حقي يا ناس.

انزعج أبيها من كلماتها، فعقب متولي عاقدًا حاجبيه بتوبيخ

= ايه يا بنت انتٍ بتسمعي لمين ولا مين بيلعب في دماغك ما الحاجات دي من زمان بتحصل وعادي الناس عايشه ومكبره دماغها، عدى ايامك معاهم وما توقفيش على الواحده ومش عاوزه تاني مره تشتكي منك.. عشان يا ويلك لو لقيتك انتٍ كمان جايلي زي اختك بشنطه هدومك ومعاكي ابنك. انا مش بجوزكم عشان بعد كده كل واحده منكم تجيلي بعيلها وتشيلني همها والله امك لما ماتت ارتاحت وانا اللي شايل الهم .

تنهدت ببؤس وتهدلت كتفيها فقالت مستهجنة

= ما هو أنت السبب يابا برده، الله يسامحك بقى كان همك تجوزنا وما فكرتش في اللي جوزتهلنا كويسين ولا لأ، كان كل اللي فارق معاكم تلحقوا تجوزونا قبل ما ربنا يفتكركم و احنا اللي شيلنا الليله وبندفع الثمن

وفي ذلك الأثناء تعالي فجاه صوت مايسة من الداخل، وقالت بصوتٍ متسلط

= نسيت كمان اقول لك يا حاج متولي مش عارفه والله هتلاقيها منين ولا منين بس الهانم بنتك من كام يوم فتحت مع معاذ موضوع انها عاوزه تكمل تعليمها قال وتسيب ابنها كده وانه خلاص كبر ومش محتاجها .

أتسعت عيناه بذهول وهو يقول مستنكراً

= انتٍ لسه في السيره الهبله ده، وانك كنتي عاوزه تكملي تعليمك بدل الجواز… بلا خيبه هيعمل لك إيه التعليم وقرفه وانتٍ بنت، هو صحيح يا بنت اللي سمعته من حماتك ده انتٍ عاوزه ترجعي تكملي تعليمك بعد ما اتجوزتني وخلفتي !.

نظرت إلى حماتها من علي بعد بغيظ، ثم قالت بنبرة حاولت جاهدة أن تخرج ثابتة

= انا مش بطلب حاجه عيب ولا حرام وما تنساش ان انت غصبتني على الجوازه دي و انت متاكد أن رافضاها وحتى كمان طلعتني من الجامعه، انت ليه حاطط في دماغك ان التعليم والشغل بس للرجاله والبنات لا اشمعنا ..

رفرفت عينا أبيها صامتا لوهلة كمن يستجمع سيطرته على نفسه ثم قال بجدية

= لأن في الاخر اسمه رجل.. يعني لي مطلق الحرية في اللي يعمله.. و محدش هيحاسبه في المجتمع يوما عليها.. انما اذا كنتي بنت ولا ست متجوزه؟ المجتمع بقيس تصرفاتك كلها بمدى حفظك لنفسك والتزامك .

طالعته بسمة بشفاه منفرجة ونظرات مشدوهة هل يمازحها أم أصابه الجنون! ثم علقت ساخراً

= والتعليم بقى او اذا كنت اتخرجت واشتغلت هو اللي هيقلل مني ويخليني واحده مش محافظه على نفسي !.

أخذ نفس عميق بتعب ويأس منها، ثم نظر إليها بصرامة هادر

=آخر الكلام مش كل ما اجي هنا هسمع شكوي وفي الاخر الاقيكٍ جايه بشنطه هدومك زي اختك، ما تفتكريش حتى لو ده حصل اللي انتٍ عاوزاه تعمليه هيحصل! عندك اختك اساليها كل تصرف بقي محسوب عليها عشان بقيت مطلقه وانتٍ هتكوني زيها لو فضلتي مصممه على اللي في دماغك.. كلامي مفهوم ولا لاء.

ظلت متجمدة الحواس لا الجسد من كم الظلم الذي خرج من فم والدها لها… ثم ظهر وجهها شاحب.. عينيها محتقنتين.. والدموع متجمدة بها.. يديها ترتجفان.. وقلبها متسارع الخفقات.. أسدلت جفونها للحظات تحاول استيعاب ما سمعته طوال حديثه.. والذي مضمونه بأنها ليست بالنسبة له وإلي أسره زوجها و المجتمع. إلا دميمه في نظرهم يحركونها كما يشاءون وعليها الطاعه.!!!

ليس وكأنها تجهل هذه الحقيقة، وأنها بالنسبة لهم كذلك من البداية عندما فرت بها والدها لكن تضل حقيقه الكلام المسموم؟ سماعه صراحة أمره مُرًا كالعلقم..

شعرت بسمة بنفسها يضيق حتى أخذت نفسا عميقا بقله حيلة، قبل أن ترد بصوتٍ مشبع بالقهر

= حاضر يا ابويا خلاص فهمت ووصلتلي أن أنت، بايعني ومش فارقه معاك.

❈-❈-❈

عوده الى مدرسة ضحي كانت تشعر بالملل وهي تعمل على غير العاده اليوم، وكل فتره والاخرى تنظر الى هاتفها كأنها بانتظار اتصاله
أليس من المفترض أن يتصل بها ويتحدثون مثل المخطوبين؟ ربما مازال لم يستيقظ بعد! لكن هو اخبارها بانه يعمل منذ الصباح الباكر
إذن هذا هو سبب عدم اتصاله حتى الآن؟

لكنها بدت متلهفة أكثر على رؤيته، لا تعرف هل بدأت تشتاق إليه سريعاً أو ربما متلهفه لشعورها بالاحداث التي كانت محرومه منها وحدثت أخيرا، فكرت أن تتصل به هي؟ لكن تراجعت بسرعه عن الفكره حتى لا تبدو إليه (مدلوقه) .

تنهدت بضيق شديد ثم امسكت هاتفها و أتصلت بصديقتها نرمين! التي اجابت على الفور وبداوا يتحدثون عن أجواء ليلة أمس وفي نصف الحديث تساءلت ضحي بتردد

= بقول لك ايه يا نرمين فاكره اللي انا قلتهلك امبارح! لما قلت لك عاوزه عينك تفضل عليا وانا جنب منذر.. كان باين أوي ان انا اكبر منه.

جاء صوتها هاتفه بملل

= تاني يا ضحي!.

هتفت الأخري بإصرار وقلق

= عشان خاطري بقى يا نرمين جاوبيني وريحيني .

تنهدت نرمين بقله حيلة وهي تردف بنبرة حزينة نوعاً ما

= الصراحه انا مش عارفه اقول لك إيه؟ بس بصراحه يعني.. طالما مصممه على كده

إبتلعت ريقها متوجسة وهي تسأل بقلق

= إيه! هو كان باين للدرجه دي ان انا اكبر منه

أبتسمت عليها بيأس وهي تقول بحب

= لا يا هبله ولا باين ولا حاجه، انتٍ مش باين عليكي اصلا أن انتٍ معديه ال 30 صدقيني يا ضحى وانا مش بكذب عليكي ولا بجاملك، كنتي أحلي واحده امبارح و زي القمر وما فيش اي حاجه باينه خالص من اللي انتٍ بتفكري فيها .

تهللت أساريرها بعدم تصديق، وتنفست الصعداء هاتفة بحماس

= بجد، الحمد لله.

بعد مرور وقت تفاجأت باتصال منذر عليها أخيرا، أبتسمت بسعادة وهي تقول بسرعه

= طب اقفلي دلوقتي، يا نرمين عشان منذر بيتصل .

❈-❈-❈

بعد مرور ساعات أتصلت غاده علي أختها تأتي إليها علي الفور، بداخل غرفة غاده بمنزل والدها وقفت مقابل شقيقتها، ثم أخرجت صرخة عنيفة من صدرها بصوتها الهادر هاتفة بتسائل

= انتٍ ازاي ما تقوليش أن منذر خطب واعرف حاجه زي كده بالصدفه

حانت منها التفاتة سريعة على وجه أختها المتشنج، فرأت عبوسًا واضحًا عليه، ثم ردت بنبرةٍ عادية

= عشان متهيالي انها حاجه ما تخصكيش يا غاده ده طليقك وحاجه متوقعه يعني انه مصيره يتجوز ويشوف حياته وانتٍ كمان ربنا يهديكٍ ويبعتلك واحد ابن حلال .

هتفت معللة أسباب تهورها المتعصب من الأمر، لكنها رفضت الإصغاء لها، فأكثر ما قهرها هو زواج منذر

= ومين قال لك انها ما تخصنيش!! لا تخصني ونص حاجه زي كده كان لازم اعرف انا اول واحده مش اشوفه بالصدفه معاها .

تنهدت بضيق شديد وهي تقول بنفاذ صبر

= طب اديكي عرفتي هتعملي ايه؟ ما تفوقي شويه يا غاده هو حلي دلوقتي في عينيك لما راح لغيرك.. ولا تكونيش فاكره انه عشان خلاص اتجوزك قبل كده مكتوب عليه يفضل طول حياته ما يروحش لوحده غيرك ويشوف حياته

قبضت على يدها بأناملها مرددة بحنق مغلول وهي تحدجها بنظراتها العدائية

=هو انتٍ معايا ولا معاه المفروض انا اختك تكوني معايا، وبعدين ما تخليش مخك يروح لبعيد المفروض حتى لو طلقني عشان العيل اللي بينا اعرف كل تحركاته مش جايز اللي جايه دي تكرهه فيا وفي ابني وتخليه يبعد عننا خالص ولا يسال فينا .

لوت شفتيها بسخرية هاتفة باستخفاف

= وهو بيسال اصلا فيكي دلوقتي ولا في الواد احنا هنضحك على بعض يا غاده ده انتٍ وصلتي الراجل لدرجه انه كاره يسمع اسمك وحتى ابنه ولا عمري شفته في حياته بيسال عنه ولا بيجي يشوفه زي الناس .

نظرت لها بملامح قاسية، وهي تهتف بغيظ

= هو كل حاجه جايبينها فيا انا السبب وهو إيه ملاك بجناحات والله انتم مخدوعين فيه بكره لما تعرفوا اللي فيها هتعرفوا انا كنت مستحمله ايه وساكته وهتعذروني ساعتها.

اغتاظت بسمة من أسلوبها الهجومي الغير مبرر عليها، فدافعت صائحة

= ما كلنا شايلين فوق دماغنا وساكتين! مش لوحدك بس عشان انتٍ اختي لازم اكون صريحه معاكي انتٍ اللي ضيعتي من ايدك يا غاده، وكنت بشوف بعيني محدش بيحكيلي وياما كنت بحذرك بلاش تخسري واحد زي منذر عمرك ما هتلاقي راجل زيه مراعي وحنين وعارف يشيل المسؤوليه صح.

لوحت الأخري بذراعها في الهواء هاتفه بتهكم

= وايه كمان يا ست بسمة؟ يلا كملي وعرفيني صفات جوزي كانت ايه اصلك شكلك مركزه معاه اكثر ما مركزه مع جوزك، مش ملاحظه كل ما تيجي سيرته بقيتي تشكري فيه بزيادة أوي خلاص يا اختي عرفنا ان جوزك زي قلته في البيت بس خلي بالك من عينك اللي عماله تروح كل شويه عليه وفي النهايه برده ما يصحش عشان ده يبقى اخو جوزك

اتسعت حدقتاها إلى حد كبير عقب كلماتها تلك، ضغطت بسمة على شفتيها غير قادرة على الرد بشفافية عليها فأختها تجاوزت حدود المقبول بكثير و وضعتها في موقف محرج حقا أمام نفسها، لتحدتها بعصبية مدافعة عن نفسها

= تصدقي انك واطيه وما عندكيش دم هو ده اللي فهمتيه من كلامي وانا عاوزه اعرفك قيمه جوزك اللي ضيعتيه من ايدك.. بس انا استاهل أن جيتلك اول ما طلبتيني .

كركرت غادة ضاحكة بطريقة مستفزة لتتوقف فجأة عن الضحك هاتفة باستنكار ساخط

= مش مستنيه يا اختي حد يعرفني قيمته خليك انتٍ بس في جوزك، مفكراني مش فاهماكي من الأول وان انتٍ حاطه عينك عليا وحقده عليا اكمن يعني ما يجيش ربعه حاجه في جوزك اللي زي قلته ولا بيعمل حاجه.

نظرت لها بسمة بازدراء متمتمة

= احترمي نفسك واتلمي يا غاده انا مش خاينه عشان اعمل كده لمجرد حتى تفكير بيني وبين نفسي، حتى لو جوزي في كل العبر
المفروض والصح ما بصش على غيره عشان انا مش خاينه وعمري ما هكون خاينه.. و كلامك ده عمري ما هنساه .. انا ماشيه ياريت ما تطلبنيش تاني طالما هتسممي بدني بكلامك المستفز ده .

نظرت لها شزرًا قبل أن تقول بوضاعة

= مع السلامه يا اختي ما هي كلمه الحق بقت الأيام دي بتزعل .

خرجت من الغرفة بعيدًا عنها بكل غضب منها فاندفعت غادة خلفها صافقة الباب بعنف لتستند بظهرها عليه واضعه يدها فوق فمها بتوجس و بتحسر أكبر من فكرة زواج منذر بغيرها ترعبها من كشف المستور؟ لذلك فقدت أعصابها كليًا، وشعرت أنها فلتت زمام الأمور من يديها ولم يعد باستطاعتها السيطرة على حالها، ثم تحولت للشراسة والهياج وهي تقول بتفكير

= اعمل ايه دلوقتي ازاي اصلا هيتجوز!! عادي كده مش خايف من الفضيحه ولا تكون العروسه الجديده عارفه اللي فيها لأ لأ مستحيل هي في واحده هتوافق على حاجه زي كده؟؟

صمتت للحظة واحدة بقلق شديد من القادم فحتى ان لم تكشف خطيئتها فيجب ان تمنع هذه الزيجه من حدوثها، منذر بالنسبه لها سيظل الكنز الثمين الذي لا تستطيع التفريط به لذلك يجيب أن تجد حل سريعاً، هزت رأسها بشرود وهي تضيف بعزيمة وإصرار

= المهم لازم أمنع الجوازه دي بأي شكل! منذر لو مش هيبقى ليا يبقى مش هيبقى لغيري.. لو اتجوز كل حاجه هتتكشف مع الوقت.. وهو لو اتفضح انا كمان هتفضح معاه، يبقى ما فيش جواز … هو ده الحل .

❈-❈-❈
مر منذر علي ضحي وذهبوا الى احد المطاعم
وكانت تجلس أمامه وهي تتابع التلفت حولها بنظرات متحمسة وهو سلط أنظاره على وجهها حيث كانت تختلس النظرات إليه بحياء مكشوف عليها كل فترة وحين فلا تصدق حتى الآن ما اصبحت تعيشة، فأليس من حقها الآن النظر إليه بعد أن صار خطيبها؟ آفاقوا من شرودهم علي النادل ليضع امامهم الطلبات ثم همس هو مبتسماً

= شكراً .

رحل الرجل بهدوء، بينما نظر منذر لها مطولاً بنظرات غامضة ثم تابع قائلًا بجدية

= هو انا ليه لما اتصلت بيكي كان تليفونك مشغول كنتي بتكلمي مين على الصبح كده

قطبت جبينها متعجبة من سؤال والذي بدأ أنه غير مريح إلى حد ما خاصة من طريقة نطقه لها، فأجابت باهتمام

= صاحبتي نرمين عادي يعني كنا بنتكلم على اجواء الخطوبه وكده .. وكمان متعودين نكلم بعض الصبح وهي بتبقى صاحيه عشان بتجهز ولادها للمدرسه وانا عشان الشغل .

حك مؤخرة رأسه متسائلاً باستفسار

= ممم هو انتٍ رحتي الشغل النهارده ونزلتي لوحدك ولا في حد بيوصلك .

ارتفع حاجباها قليلاً وتحدثت عفوياً

= لا ما حدش بيوصلني كان في الاول بابا قبل ما يطلع معاش وبعد كده بقيت أنا بروح لوحدي وبعدين يعني المدرسه مش بعيده هم مواصلتين بس بركبهم وخلاص.

تساءل منذر بضيق مزعوج

= هو انتٍ بتحبي شغلك اوي كده يا ضحى ولا بتشتغلي بس عشان تضيعي وقت .

ظلت محدقة فيه لحظة ثم أجابت بحماس مفاجيء

= بصراحه الإثنين! في الاول كنت بحبه أوي ومتحمسه لي بعد كده يعني بتعود وبزهق.. من الروتين واللي بعمله كل يوم هو هو نفسه! الصبح من المدرسه للبيت استريح شويه وبعد كده تبدأ وصلت الدروس .

هز رأسه متفهم ثم أجابها بامتعاض

= و الدورس دي بتديها في بيتك ولا بتروحي للناس بنفسك.

أردفت ضحي قائلة بنبرة غير مهتمة

= لا مش في بيتي اكيد بابا وماما مش هيستحملوا دوشه العيال بس انا مش بروح لاي حد إلا لو عارفاه كويس واهلي كمان واثقين فيه .

زفر بانزعاج كبير شاعرًا بالضجر من فكرة عملها وذهبها هنا وهناك في المنازل حتي لو بصفه العمل، هتف قائلاً بصرامة شديدة

= وانتٍ بقى شايفه ان الموضوع ده هيبقى عادي بعد الجواز اعتقد انا كمان مش هستحمل زي اهلك كده… دوشه العيال في بيتي ولا هستحمل في نفس الوقت ان مراتي تروح بيوت ناس تدي دروس .. يعني متهيا لي الافضل الموضوع ده لازم يقف

فهمت سبب انزعاجه لكن مع ذلك أجابت قائله بكل هدوء مبتسمة

= تمام ما عنديش مانع اوقفها انا اصلا مش بدي دروس كثير ده هم ثلاثه كده اعرفهم هم اللي بروح لهم واثنين منهم في نفس البيت معايا يعني مش بروح بعيد.. بس انا فاهمه قصدك و فعلا مش هعرف اوفق بين شغل المدرسه والدروس بعد الجواز .

صمت للحظة ليلتقط أنفاسه ببطء ثم تحدث بتوضيح بجدية

= بس انا مش بتكلم على الدروس وبس انا بتكلم على شغل المدرسه كمان يا ضحى، بصراحه انا مش حابب مراتي تشتغل وانا اقدر طالما قادر اصرف على بيتي يبقى ما لوش لازمه شغلك.. غير ان حتى مستحيل اوافق انك تصرفي حاجه من فلوسك في البيت .

قطبت ما بين حاجبيها مرددة باندهاش

= انت قصدك انك عاوزني ما اشتغلش خالص طول حياتي .

هز رأسه علي الفور بجدية و أجابها بثبات

= بالظبط كده يا ضحى، انتٍ لسه قايله من شويه انك بتزهقي من روتين شغلك ومش حابه فعادي لو قعدتي بعد الجواز.. بس انا بصراحه مش من الناس اللي بتشغل ستاتها، انا عاوز الاهتمام كله يبقى ليا، وبحب جو البيت وان كل حاجه تكون مترتبه في مكانها و بمواعيدها واروح واجي الاقي مراتي فيه.. و كمان شغلي بيبتدي من الصبح يعني عاوز اصحى الاقيكٍ قدامي مجهزه و مرتبه ليا كل حاجه .

كانت مندهشة من تصريحه بأن تترك العمل صحيح لم تكن من نوعيه النساء التي تفضل العمل لكن لم تتوقع طلبه بهذه السرعه، لم تعرف بماذ تجيب لكن خفق قلبها بتوتر رهيب من مجرد التفكير في ذلك الأمر من منظور آخر أن ربما يتركها لذلك السبب! شعرت بجفاف حلقها فمدت يدها لترتشف من كوب العصير الذي أمامها، فأضاف بجدية وبقصد

= ساكته ليه هو انتٍ مش عاجبك كلامي ولا ايه، مش عاوزه تقعدي من الشغل يا ضحي بعد الجواز؟ ما هو انا بصراحه مش هقبل حاجه زي كده .

زادت مخاوفها أكثر بسبب كلماته من احتمالية خسارة كل شيء من جديد بسبب عملها وهي لا تريد بالتأكيد ذلك بعد أن ارتبطت أخيرا، فهتفت بقلق كبير

= هاه لا خالص موافقه انا بس سرحت شويه .

تنهد بعمق بارتياح كبير ثم ابتعد للخلف قليلاً هاتفاً بصوت هادئ

= طب الحمد لله، ما تضايقيش بس من الوضع الجديد كل حاجه هتتعودي عليها بعد كده.. وصدقيني انتٍ بعد كده مش هيبقى عندك اصلا وقت تفكري في شغل ولا مش شغل الجواز بيشغل برده.. واذا كان على الفلوس اللي بتاخديها من الشغل انا ممكن ادفعها لك لو الموضوع ده يعني هيضايقك ومفكره انك ممكن تحتاجي حاجه وانا اقول لك لا .

ردت باقتضاب وهي ترمش بعينيها

= لا خالص الموضوع مش موضوع فلوس! هو بس تعود بس على رايك اكيد هتعود بعد الجواز على قعده البيت برده .

شعر منذر بضيقها فاقترب منها محاولة تشتيت ذهنها وشرح وجهه نظره، تفاجأت ضحي بيده تلامس طرف ذقنها برفق لترفع وجهها نحوه حدقت فيه مدهوشة من تلك الحركة المباغتة، لتعلق قائلة بتلعثم وهي تتراجع للخلف

= إيه؟.

حاول رسم ابتسامة هادئة ثم أردف قائلاً بلهجة ناعمة

= إحنا مش هنكون موجودين طول الوقت في البيت برده يا ضحى اكيد هنخرج ونتفسح زي اي اثنين، انا مش عاوز اكبت حريتك ولا حاجه واي حاجه انتٍ عاوزاها تعالي اطلبيها مني!

بدأت تصغي إلي حديثه ثم أضاف قائلاً بهدوء وهو يرمقها بنظراته الحنونة

= وصدقيني لما اقتنع انها مش هتضرك هوافق عليها على طول .. تمام!.

أخفضت رأسها متجنبة النظر إليه وقد شعرت بسخونة طفيفة في وجنتيها، اتسعت ابتسامته من ثاثرة عليها فتشكل على ثغرها ابتسامة راضية هاتفه

= تمام!.

كان سعيدًا بظهور بوادر طيبة في علاقتهما الغير معلومة النواه كلها، وأنها وافقت علي طلبة دون أثر عناد واعتراض منها كي لا تفسد تلك الزيجة وهو لا يريد ذلك بالتأكيد، لكن أحب خضوعها بسرعه فهي عكس طليقته غادة التي كانت دائما تعترض بشدة علي كل شيء بالإضافة إلى تصرفاتها الفظه، هز رأسه بنفور محاوله صرف ذهنه عن تلك البغيضة التي يتمنى دائما أن يفقد الذاكره وينسى كل لياليه السيئة معها.

بعد مرور أسبوعين.

في المساء، جلست نسمة بإسترخاء على المقعد بغرفه المعيشه وقامت بتشغيل التلفاز وهي شارده الذهن بكل ما مر عليها، بينما كان معاذ جالس بعيد قليلاً عنها يلهو بأحد الألعاب المحفوظة علي هاتفه كعادته! وفجاه أغلقت الاضواء والتلفاز و راوتر النت! عقد حاجبيه باستغراب وهو ينهض بضيق هاتفاً باستفسار

= ايه ده! في ايه؟ ايه اللي حصل؟

مطت شفتها السفلى قائلة باهتمام

= عادي تلاقي النور قطع زي كل مره! مش عارفه امتي هنخلص من الهم ده

نهضت بسمة وفتحت باب الشرفة ناظرة إلي أسفل بذهـول عندما أخفضت بصرها نحو تلك الأنوار المضيئه بوضوح بالشوارع، ثم دخلت له متساءلة باستنكار واضح

= النور شغال بره عادي! ده قاطع عندنا بس.. معاذ هو انت شحنت كارت الكهرباء اللي قلت لك عليه من يومين .

وضع معاذ يده على رأسه هاتفاً بتفكير

= هاه لا نسيت.. هو كده قطع عشان كارت الكهرباء خلص .. يا خساره كنت واقف على مرحله مهمه في اللعبه .

رمقته بنظرات مزعوجة للغاية، و تمتمت من بين شفتيها بصوت هادئ لكنه يعكس الكثير عن نيرانها المتأججة بداخلها

= كنت واقفه على ايه سمعني كده تاني؟ معاذ هو انت بتستعبط ولا غاوي توجع قلبي معاك وتعصبني! ازاي تنسى تشحن كارت الكهرباء اللي قلت لك عليه وانت نازل من يومين ده انا ما قلت لكش حاجه صعبه يعني عشان تنساها وتطنش .

لم يلتفت نحوها، بل تحرك للجانب قليلاً قائلاً بعدم اكترث بها

= يوووه جري إيه يا بسمة هو انتٍ بتدور على اي حاجه عشان تعملي منها خناقة.. كارت ونسيت اشحنه ايه اللي حصل لكل ده .

نظرت له شزراً وهي ترد بسخط ساخراً

=معلش تعالى على نفسك واستحملني، من كتر الفضاء والهدوء اللي انا عايشه فيه بقيت أدور على اي حاجه عشان اتخانق واعمل جو واشغل نفسي ملل بقى تعمل ايه ؟.

رفع أحد حاجباه بغرابة منها و أجابها بجمود

= هو انتٍ بتهزري .

صاحت هادره وهي ترمقه بنظرات احتقارية

= امال عاوزني اعمل ايه انا خلاص جبت اخري منك يعني مكبر دماغك من البيت وقلت ماشي حتى الحاجات اللي بقول لك عليها وانت نازل اعملها لي برده بتطنشني، مش حاجه صعبه يعني كارت هتشحنه ما لو كنت واحد من صحابك واتصل بيك ان شاء الله حتى الفجر وقال لك تعالى نسهر ونخرج هتجري عليه انما مسؤوليه بيتك.. ما تعرفش
ونسيت .

تطلع بوجهها بنفاذ صبر ورد عليها معاذ بحنق

= ما خلصنا يا بسمه هو انتٍ فعلا مش لاقيه حاجه تتخانقي عليها كل ده عشان نسيت اشحن كارت الكهرباء الدنيا اتهدت خلاص! ايه ما بتنسيش انتٍ كمان حاجه.. ما هو مش معقول كل يوم خناق! كبري دماغك شويه مش حتي كمان على حاجات هيفاء وصغيره هنتخانق عليها .

نظرت له مغتاظة من ردوده الساذجة كونه لا يشعر باحتياجها وما تريده، ولم تعرف لما فجاه شعرت برغبة بالبكاء فبكت محدثة بقهر وهي تنظر له بأعين مغلولة

= انا مش عامله كل وجع القلب ده عشان شحن الكهرباء انا عامله كل ده عشان خلاص تعبت وزهقت منك، مهما بتكلم ومهما بقول كانك مش سامعني! انا بقيت حاسه ان انا عايشه في البيت ده لوحدي من كتر ما انا بحتاجك ومش بلاقيك.. من كتر ما انا بطلب وما بتنفذه.. ومن كتر ما بحتاج افضفض ومش بلاقيك برده .

تراجع معاذ مبتعداً عنها خطوة محاولاً استيعاب الموقف الذي لا يستحق كل ذلك الغضب منها! لكن لا يعرف بان ذلك الغضب نتيجه مخزون كتمان داخلها، بينما انتفض على صوتها الهادر فيه، ثم نظرت هي مباشرة في عينيه تضيف قائلة بصوتها المنتحب

= ما تحس بقى شويه بيا يا أخي! انا مراتك على فكره وانت متجوز ومخلف دي الحاجه اللي مش قادر تشوفها لحد دلوقتي ولا تنتبه ليها، انا بحس انك لسه عايش حياه العزوبيه ومش واخد بالك من المسؤوليات اللي بقت حواليك.. بس صحيح تاخد بالك ازاي طالما بتلاقي اللي يشيل مكانك .. خلي بالك انا لحد دلوقتي صابره ومستحمله وبطلب مش عارفه بعد كده ايه اللي ممكن يحصل لي من كتر القرف اللي انا عايشه فيه ده، وكل يوم بشتكي وما فيش حاجه بتتغير .

ورمقته بنظرات حادة وهي تسمح دموعها بعنف شديد وصرخت بقهر

= يا اخي كان يوم إسود يوم ما اتجوزتني وحبتني، ده إذا حبتني فعلا زي ما بتقول .

ضرب كفاً بالأخر بدهشة متابعاً رحيلها من أمامه هكذا، وهو لا يعرف ما الذي اوصلها الى تلك الحاله الغريبه دون مبررات.. لكن ليت أن ياخذ كلامها على محمل الجد لمره واحده .

❈-❈-❈

خلال تلك الأسابيع، حاول منذر قدر المستطاع أن يتقرب من ضحى وعائلتها وبالفعل بدأ أن يكسب ود والدها لكن والدتها كان الأمر صعب لديه! فما زالت غير مرحبه بفكره زواج ابنتها من رجل يصغرها، وكان الوضع لدى عائلته نفس الحال لكن لم يعد يهتم الى كل ذلك.. كل ما يهمة في الأمر هي ضحي! فإذا شعرت بالأمان والاطمئنان تجاهه بالتاكيد ضمن موافقه والدتها في الحاضر.

لكن حقا كان مستعجل على الزواج ولا يريد ان ينتظر سنه مثل ما اتفقوا بالسابق، لذلك حاول طوال تلك الفتره ان يكسب قلب ضحى ويجعلها تتقرب منه وتثق فيه! وذلك لم يحدث
إلا عندما تشعر بالأمان تجاهة، لكن حاول قدر المستطاع ان يجعلها تشعر ذلك الشعور خلال الهدايا التي دائما يحضرها اليها والتنزه الى أماكن كثيره طوال الوقت والاتصالات التي تستمر حتى منتصف الليل يتحدثون عن أي شيء بها، لكن يرغب ان يكون جزء من حياتها وهي كذلك .

وفي المنزل، سمعت كوثر صوتًا ذكوريًا يأتي من الخارج، فسحبت حجاب رأسها ووضعته حولها، ثم اتجهت للصالة لترى الضيف المتواجد بمنزلهن ومثل ما توقعت منذر الذي كل يوم والآخر يأتي هنا وذلك يزعجها بالتأكيد! رغم انها ترى سعاده ابنتها واهتمام الآخر بها المتواصل لكن ما زالت غير راضيه عن الفكره بأكملها.. وبنفس الوقت ليس بيديها شيء تفعله فابنتها كل يوم والآخر تتعلق به بشده وترفض الإستماع لها.

جلس منذر جانب حماه و بدأ أن ياخذ ترحيبه كالعاده، ويتحدثون عن عده أمور غير مهمه مثل لعبه كره القدم وأمور الحياه بالخارج و الأحداث التي تحدث بالوقت الحالي، لكن تلك الاحاديث كانت نوعاً ما تقربه منه.. فا فوزي لم يرى منه إلا كل خير لذلك بدأ أن يفتح له قلبه ويحبه ويعتبره بمثانه إبنه الذي لم ينجبه.. على الطرف الاخر كانت ضحى سعيده بذلك الاندماج.. فتعلقها بمنذر أصبح نوعاً ما خطر عليها فتالمها فكره أن ينسحب من حياتها و يصبح كل ذلك سراب وتعود وحيده من جديد .

بعد فتره نهض فوزي واستاذن من منذر بأن يذهب ليؤدي فرض الله و ظلت ضحي معه و شعرت بالخجل من نظراته التي تحولت عليها، ثم لوي منذر ثغره للجانب ليبتسم نحوها، و تحدث بصوت جاد

= رايحه بكره الشغل في نفس ميعادك عادي! عشان اعدي عليكي اوصلك .

ضغطت ضحي على شفتيها قائلة بتردد

= انا مش عارفه ايه حكايه التوصيل اللي طلعتلي فيها دي هو انا هتخطف يعني ولا صغيره ما انا بقيلي سنين بروح واجي براحتي ما لوش لزوم يعني تتعب نفسك كل يوم توصلني وتجيبني .

نظرت له بعبوس، لكنة أصر قائلًا

= انا غرضي ما اتعبكيش في المواصلات طالما معايا عربيتي، وبعدين انتٍ برده بتنزلي الشغل بدري أوي فما ينفعش تروحي في وقت زي ده لوحدك

حاولت بث الاطمئنان داخلة وهي ترد عليه بابتسامة خفيفة

= بلاقي ناس كتير برده بتروح شغلها بنفس الوقت في الشوارع، فما تخافش

أبتسم بتكلف وهو يرد بدبلوماسية معتادة
وبإصرار جاد

= برده مش هيجري حاجه الإحتياط واجب! وانتٍ مش بتتعبيني ولا حاجه كده ..كده متعود اصحى بدري، وانا قلت لك قبل كده الأصول أصول

اكتفت بالابتسام، وعاودت التحديق بعيد عنه وهي تشعر بالسعاده من اهتمامه الكبير لها، فاستدار برأسه ناحية ضحي متابعًا التحدث وهو يعمق نظراته إليها محاولة التأثير عليها بسلاحه الخاص الذي يجيد استخدامه

=وبعدين برده ما ينفعش اسيب عروستي لوحدها كده تروح وتيجي! ما يصحش ولا ايه.

توردت وجنتي ضحي بشدة من تلك الكلمات
فخجلت وهي تجيب بابتسامة عذبة

= خلاص اللي تشوفه ويريحك!.

للحظة تنفس بعمق ثم رفع رأسه نحوها، وجمد أنظاره على وجهها قائلاً بثبات

= بجد عاوزه اللي اشوفه ويريحني .

ابتسمت له أكثر وهي تبادله نظرات دافئة، فقالت مؤكدة

= أكيد يعني!.

تطلع بوجهها بغموض، ورد متسائلا بنبرة مرتابة

= طب لو قلت لك ان انا مش عاوز جوازنا يكون بعد سنه زي ما والدتك اقترحت قبل كده هيبقى عندك مانع .

أخفضت نبرتها على الأخير وهي تجيبه بغرابة

= امال عاوز بعد قد ايه .

مط فمه للجانب الآخر بقله حيلة وهو يقول بنبرة عميقة

= انا لو عليا عاوز النهارده قبل بكره! بس والدك ووالدتك معترضين على السرعه عشان يعني بنتعرف على بعض لسه و مش واثقين فيا.

خجلت كثيرًا من تلميحه الصريح بتعجيل أمر الزواج ونكست رأسها بحياء من مجرد التفكير في أمر كهذا معتقده بانه يريد الإسراع ليجتمعوا سوا بمنزل وأحد تفهمت موقفه جيد، لكن مع ذلك أجابت باعتراض واضح

= لا الحكايه مش كده بس احنا ما كملناش شهر على خطوبتنا حتى والعادي يعني ان الفتره دي بتطول على حسب ما العريس بيخلص تجهيز الشقه والعروسه كمان تكون خلصت حاجاتها .

أسبل عيناه نحوها باهتمام و بصوت ملهوف همس

= اذا كان على كده فالشقه ممكن تخلص في أقل من شهر كمان، فانا بقول طالما كل حاجه جاهزه يبقى ليه نستنى كثير .. الا لو انتٍ بقى اللي مش عاوزه .

انتابتها أحدثت ارتباكًا إليها، فردت بنبرة مضطربة

= لو مش عاوزه هتخطبلك ليه بس بصراحه موضوع السرعه ده بيقلقني و انا شايفه ان الامور بتمشي بالراحه واحده واحده على مهلها أحسن.. وممكن مع الوقت نقدم الموضوع شويه بس مش لدرجه ان دلوقتي يعني واحنا لسه بقيلنا كام اسبوع مخطوبين
وبعدين صدقني اللي حوالينا هيرفضوا الفكره

تعقدت تعبيرات وجهه بضيق حينما رفضت تعجل الزواج بحيرة واضحة عليها، فرد باقتضاب عابس

= انتٍ شايفه كده يعني؟ اننا نستنى، أنا بس غرضي كان خير والله! ومش عاوز فكره ان احنا رايحين جايين مع بعض كده تكثر.. و انتٍ عارفه الناس على طول بتدخل نفسها في اللي ما لهاش فيه .

ارتكبت أكثر من عتابه اللطيف، وتعللت قائلة بتوتر

= معاك حق بس هم في الحالتين هيتكلموا حتى لو قدمنا جوازنا.. لان مش كل الناس بتفكر زيك!

رد عليها بامتعاض مخرج تنهيدة ثقيلة من صدره

=جايز، إن شاء الله نظبط الأمور كلها، ونتجمع في بيت واحد قريب!

أومـــأت برأسها بالإيجاب وهي تبتسم بخجل شديد أثر كلماته وهو مط فمه بجمود صامت، وفي تلك اللحظة اقتحمت والدتها خلوتهم دون مقدمات وهي تنظر له بالأخص بأعين مليئة بالغضب ثم كزت على أسنانها بغيظ وهي تقول بقله زوق

= الساعه بقت تسعه، هو انتٍ نسيتي انك وراكي شغل الصبح ولا ايه يا ضحى، يلا يا حبيبتي عشان تنامي بدري وما تقوميش بالعافيه من على السرير .

نظرت إلي والدتها بحرج ولا إراديا همست بصوت شبه مختنق

= ايه يا ماما الكلام اللي بتقوليه ده ما تقلقيش شويه وهدخل انام مش هتعبك في صحياني اتفضلي انتٍ .

هزت رأسها ببرود مبرطمة بكلمات ساخطة من بين شفتيها بقصد

= مالك هو انا قلت حاجه غلط انا كان غرضي خير خايفه عليكم انتم الاثنين، ولا انت كمان مش وراك شغل بدري يا منذر!. ولا مش هتيجي تاخدها الصبح زي ما كل يوم بتعمل

نظرت ضحي نحوها بغيظ لتصمت قليلاً، بينما
نهض منذر متنحنحًا ثم هتف بصوت خشن

= لا يا طنط معاكي حق انا همشي بقى تصبحوا على خير.. نتقابل بكره يا ضحى سلام

هزت رأسها باعتراض و ردت عليه بعبوس

= ما لسه بدري بابا دلوقتي هيصلي و..

قاطعها قائلاً بإصرار وهو يعتدل في وقفته

= ما لوش لزومة يا ضحى خلاص انا همشي عشان اعرف اجي بدري الصبح فايق، يلا سلام

❈-❈-❈

هبط منذر من عند ضحي يسير بخطوات بسيطة وهو شاردة، وتحرك تجاه منزله ليتفاجا بصوت ينده عليه من الخلف يعرفه قائلاً بصوت أجش

= منذر!

التفت خلفه وتفاجأ باخيه يجلس على مقعد القهوه في ذلك الوقت، لوي منذر ثغره مرددًا

= معاذ بتعمل ايه هنا لحد دلوقتي .

لوح معاذ بذراعه ليجلس جانبه قائلاً بضيق

= عادي يعني زهقت من قعده البيت قلت اقعد شويه على القهوه بدل من النكد إللي بقى طول ليل ونهار في البيت .

استشعر الآخر من نبرته وجود خطب ما به فقال بصوت مبتسماً

= ممم شكلك كده متخانق انت وبسمة.. وانا ما ليش مزاج بصراحه اسمعلك و مزاجي رايق كده ولسه نازل من عند اهل خطيبتي .

عقد حاجبيه باستغراب وهو يقول بغرابة

=هو انت كنت لحد دلوقتي عندهم و كل ما اسال عليك برده الاقيك عندهم، تكون أجرت اوضه عندهم وما نعرفش اللي يشوفك كده يعني ما يعرفش انك ولا كنت طايق الجواز ولا سيرته و انا وابوك اللي كنا بنقعد نتحايل عليك .

لم يرمش بعينيه بل شرد في نظراته فهمس بابتسامة باهتة

= عادي يعني اصلي لما حسبتها لقيت نفسي ان هاقضي باقي عمري كله لوحدي فعلى ايه اشوف لي احسن ونس وسند في الحياه

نظر له باستغراب كبير، ثم تسائل بقصد

= لوحدك ليه ما أنت عندك ابنك ربنا يخليه لك .

تنهد منذر بعدم ارتياح عندما يفتح اي شخص معه ذلك الموضوع، ويراه من وجهه نظره شخص جاحد! لذلك غير الموضوع هاتفاً

= هو انت كنت مالك متخانق انت وبسمة ليه.. شكل الموضوع كده كبير

أشار بيده للأعلى مبرر سبب تواجده هنا، وهو
يهز رأسه قائلاً بتجهم شرس

= أبدا بقيلها كام يوم طالعه لي وماسكه لي في إني لازم أنزل أشتغل! عشان ابقى شخص مسؤول وابني ما يعملش زيي لما يكبر.. لا و كمان عاوزاني اساعد في شغل البيت، بقيت نكديه أوي وعلي طول خناق وتتلكك على اي حاجه عشان تعمل حوار وتفتح نفس الموضوع

هز رأسه متفهمًا وهو يجيب محذرًا

=طب ما هي معاها حق، انت المفروض تفرح انها اصلا تفكيرها كده مش بتعتمد عاوز فلوس وخلاص ومش مهم مصدرها فين.. لا عاوزه الشخص اللي معاها يكون مسؤول وراجل .

نفخ الآخر بضيق شديد هاتفاً بازدراء

= انت كمان هتعمل زيها يا منذر هو انا يعني كده مش راجل!! الشغل والمرمطه هي اللي هتخليني راجل في نظركم .

اندهش من تفكيره قائلاً بتهكم يحمل السخرية والاستهزاء

= ايوه وهو ده اللي اتربينا عليه من واحنا صغيرين وطلعنا لقيناه، بص حتى حواليك هتلاقي كل واحد عنده أسره الراجل هو اللي بيكون مسؤول عن دخل المصروف انما بقى لو الست هي اللي بتصرف و الراجل اللي قاعد بتبقى يعني حاجه لا مؤاخذه الـ آآ ولا بلاش اقول لك اسمها ايه .

لوي ثغره للجانب وهو يرد بصوت مغتاظ

= هو انت يعني شفتني قلتلها روحي اشتغلي وتعالي اصرفي عليا، وبعدين مين قال لك ان انا مش بشتغل اصلا حتى اسال ابوك .. امال المرتب اللي باخده كل شهر ده زيك على اي أساس .

استنكر كلماته الأخيرة، فعاتبه قائلاً بصوت رخيم

= يا معاذ مش عليا إذا كان ما دخلتش على مراتك هتدخل على اخوك اللي قاعد في الوكاله 24 ساعه وعارف كل حاجه بتروح فين وجايه منين، ده حوار ابوك عمله زمان بس عمري ما صدقته .

إبتلع ريقه بتوتر كبير وقبل أن يتحدث رفع منذر يده أمام وجهه ليقطم عبارته مضطرًا وهو يضيف بجمود جاد

= اسمعني كويس انا اخوك الكبير وخايف على مصلحتك، الست لازم تشوف الراجل قدامها و بالذات لو جوزها هو اللي مسؤول عن كل حاجه وراجل بجد يعتمد عليه ولازم يفضل عالي في نظرها مش العكس! و مراتك بتتكلم في نقطه كمان مهمه إبنك لما يكبر فعلا هيعمل زيك وهيعتمد ان حد يصرف عليه زيك مش هو اللي يشتغل.. او حتى لو ما عملش زيك هتبقى في نظره حاجه مش كويسة، الشغل بيعلم حاجات كتيره يا معاذ وهو فعلا اللي بيعلمك الالتزامات والمسؤوليه وهيعلمك حاجات كتير مع الوقت وبعدين هي دي سنه الحياه طالما بقيت راجل وكبرت لازم تشتغل و بالذات لو عندك بيت واسره .

هز رأسه بتردد وهو يقول بارتباك كبير

= بس انا وضعي غيرك يا منذر وانت عارف كويس حكايه مرضي دي واني مش بقدر اشتغل كثير

ضغط على يده بغضب مكتوم عندما تذكر وضع مرضه والذي بسببه قد دفع وتنازل الكثير من حياته، ليقول بصوت حزين مستاء

= ما خلصنا بقى من الاسطوانه بتاعه زمان دي! وضعك زمان فعلا كان صعب وامك وابوك هم السبب لانهم فضلوا لحد دلوقتي يعاملكوا على الأساس ده وعودوك على كده بس دلوقتي الوضع اتغير وانت الحمد لله صحتك اتغيرت عن زمان كتير وتقدر تروح وتيجي، و بعدين ما ياما ناس زيك بتبقى مريضه اكتر منك بس بيضغطوا على نفسهم عشان عارفين ان ده شيء اساسي في الحياة ولازم يكملوا حياتهم ويشتغلوا.. غير مش كل الناس عندها مقدوره زيك حد يصرفها عليهم، يا سيدي حتى جرب من باب التجربه ممكن تحب الموضوع بعد كده .

هز رأسه بعدم إقتناع وهو يقول بضيق

= ما بحبش حكايه الوكاله وشغل ابوك، انا جربت فعلا وما ليش فيه ومش برتاح ولا حابب الموضوع .

عقد حاجبيه متنهدا وهو يقول بتفكير

= خلاص محلوله شوفلك شغل تاني مش لازم الوكاله.

صمت للحظة لكن سرعان ما انزعاج، فهتف على مضض

= شغل تاني ايوه عشان اتبهدل واتمرمط ويعمل عليا صاحب الشغل ريس

استغرب من طريقته المحبطة وعدم شغفة للعمل، ليحاول فهم ما يدور في رأسه عندما تسائل باستنكار قوي

= هو انت الشغل بالنسبه لك عباره عن ايه يا معاذ؟ تحط رجل على رجل وتقعد تتفرج و آخر الشهر تقبض زي ما ابوك عودك ! لو هي دي فكرتك عن الشغل واللي اتعودت عليها تبقى غلطان.. لازم تتعب وتجتهد في الحاجه اللي بتشتغلها عشان تتعلم وتبقى مسؤول .

لمحه منذر وهو يرمقه بنظراته المغتاظة، لينظر له باحتقان وقال بنفاذ صبر

= منذر بقول لك ايه انا مش هخلص من بسمه فوق تطلعلي انت، غير الموضوع احسن عشان زهقت، صدقني هي ولا في دماغها شغل ولا حاجه هي غاويه تنكد عليا وخلاص.. ولو ما اتلمتش وبطلت تفتح الموضوع ده كل شويه هوريها الوش الثاني .

حك طرف ذقنه بخشونة وهو يتسائل رغم معرفته بالإجابة مسبقاً

= هو انت بتحبها ولا لاء يا معاذ .

زفر معاذ بإرهاق مرجعًا رأسه للخلف وهو يجلس محدثًا بقله حيلة بتبرم

= بتنيل بحبها امال اتجوزتها ليه؟ بس هي لو تبطل نكد شويه امورنا هتتعدل زي الاول

سلط منذر أنظاره على وجه قائلاً بفتور

= طب كويس طالما بتحبها كده اعمل لها اللي هي عاوزه وجرب! اطلع صالح مراتك يا معاذ وبلاش تناموا شايلين من بعض.. وصدقني معنى انها بتكلمك في الموضوع ده انها بتحبك برده وعاوزه مصلحتك و عاوزه تشوف الراجل اللي معاها احسن حاجه في نظرها .

لوي فمه للجانب منزعج ليقول ساخراً

= طب يا عم المحلل طالما انت حلو كده، عاوز الصالح لكل الناس مش ناوي تشوف ابنك اللي رميه على راي أبوك، ولا هتفضل كده حتى بعد الجواز.. انت هتتحاسب عليه على فكره و حماك كل ما يشوفني ولا يشوف ابوك يفضل يعاتبنا بالكلام .

لم يلتفت نحو اخية وبقي عيناه علي الفراغ فقط وهو يجيب بهدوء عجيب

= ومين قال لك أني مش بشوفه.. هو انا لازم لما اعمل حاجه اقول لكم، سيبك من حماك ده اللي نايم في العسل على طول ولا دريان بحاجه .

لوي معاذ ثغره للجانب ليبتسم مستخفًا من حديثه، ثم رد عليه وهو يغمز بطرف عينه يمازحة

= بتشوفه آه، ده زي موضوع شغلي صح؟

نظر منذر له عده ثواني ثم قهقه ضاحكًا من طريقته، و اعتدل في وقفته قابضًا على رسغه ليسحبه خلفه وهو يقول

= طب يلا نروح يا ظريف .

❈-❈-❈

فتحت رانيا باب غرفة أختها الصغيرة بهدوء وهي تراها تجلس على السرير وتضم ركبتيها لصدرها ونظراتها شاردة غارقة بعيدا عن كل ما حولها.. دلفت للداخل تقترب منها وخلفها أختها زينب و لم تلاحظ الصغيرة دخولهم للغرفة ولم تشعر بخطواتهم حتي، ثم تحدثت أحدهم تتساءل بخفوت

= سرحانه في ايه يا ديمه اكيد في نفس الموضوع صح؟ واللي شغلنا كلنا زيك وبقينا حاسين أن حياتنا كلنا واقفه بسببه .

أغمضت ديمة جفنيها بضعف هاتفة بفتور

= انا اسفه حقكم عليا، حتى لو عاوزين كمان تسيبوني تاني وتروحوا كل واحده لبيتها اعملوا كده مش هعترض، انتم بقيلكم كتير معايا وما فيش حل والموضوع كمان ما لوش حل

رفعت زينب كفها للأعلى لتشير نحوها وهي تجيبها بتوجس

= اجوزنا بداوا يسالوا على تاخيرنا و ان احنا بقينا نقعد هنا ليه كتير؟ وابتدوا كمان يشكوا ان في حاجه مخبينها بس احنا مستحيل نقول عشان اكيد رد فعلهم متوقع وممكن كمان الامر يوصل بيهم أن واحده مننا تطلق بسبب كده .

تشنجت تعابير وجهها للغاية، وهي تقول بنبرة متوترة

= وانتم مالكم يحاسبكوا على حاجه زي كده ليه؟ انا السبب وأنا اللي عملت كده مش انتم، خلاص ما فيش ولا واحده منكم تقول حاجه زي كده انا مش هستحمل بيوتكم تتخرب بسببي .

ابتلعت رانيا ريقها بقلق بالغ مرددة بابتسامة باهتة

= ما فيش حاجه بتفضل متخبيه طول الوقت يا ديمة ممكن بالصدفه يعرفوا من اي حد او مننا، واحنا مش هنقدر نرجع حياتنا زي الاول ونسيبك لوحدك تاني، و كمان معترفين ان احنا غلطنا لما سبناكي لوحدك ولما ما حتوتكيش لما جيتيلي تعترفي لي بحبك كان ممكن وقتها اسال عنه واعرف انه مش كويس و بيضحك عليكي.. بس للاسف ما عملتش كده بس مش هغلط غلطتي تاني .

عقدت ما بين حاجبيها باستغراب، وبدت تائهة نسبيًا من أسلوبهم العجيب وهي تردد

= انا مش فاهمه هو انتم عاوزين تقولوا حاجه

نظروا الاختين الى بعض بتردد، ثم ازدردت زينب ريقها قائلة بتوتر بادٍ على ملامحها كليًا

= بصراحه يا ديمه ادم اتصل باختك رانيا و قال لها انه موافق على العرض بتاعها ان هو يتجوزك لمده وبعد كده يطلقك، انا كنت رافضه الموضوع زيك والله بالظبط أصل ازاي تتجوزيه الفرق بينكم كبير وما ينفعكيش اصلا ده انتٍ بتقوليله يا اونكل !. بس بعد كده رانيا فهمتني الموضوع انه مجرد جواز على الورق لمده بسيطه وبعد كده كل واحد يروح لحاله عشان يعني تبقى مطلقه أحسن من حالك ده .

شهقت مدهوشة وتسارعت دقات قلب ديمة عقب تلك الجملة المنذرة بالخطر، ولم تتمكن من السيطرة على ارتجافتها و اختنق صوتها
مردده

= انتم بتهزروا صح! وبعدين انتٍ قلتيلي مش بطل يرد عليكي وشكله رفض اللي خلاه يرجع يوافق!.

أسرعت تقول الأخت الكبرى بتبرير بلهفه

= لا ما احنا طلعنا ظالمينه هو ما رفضش ولا حاجه هو كان بيفكر وكمان في الوقت ابن عمه تعب وسافر له الصعيد، ديمه عشان خاطري وافقي انا عارفه ان الموضوع صعب عليكي بس صدقيني انا مش هثق في حد غيره ولو كنت شاكه بنسبه بسيطة في الموضوع وانه ممكن ما يحافظ عليكي ولا يضرك ما كنتش اقترحت الاقتراح ده من الاول.. انتٍ لازم توافقي يا ديمه لو مش عشانك يبقى عشانا .

بكت رغمًا عنها متنهدة بشهقات خفيفة مكتومة وهي تنظر إليهم بشدة وعجز! لم تتقبل رانيا رفضها المبرر، فهي تخشى من ردة فعل أهلها بالبلد و زوجها أيضا إن سمع خبر كذلك عن أختها، فربما الوضع يصل الى طلاقها وحرمانها من أطفالها هي وأختها الأخري، بالاضافه الى ما سوف يصيب صغيرتها لذا توسلتها قائلة برجاء ملحوظ

= بلاش تبصلنا كده احنا مش انانيين لو كنا كده كنا سبناكي، لو كنا وحشين برده كنت رحت قلت لعمامك وقلت لها إللي حصل و اتصرفوا أنتم عشان انا خلاص شلت ايدي من اختي بعد ما فضحتنا.. لكن انا لحد دلوقتي معاكي وبسندك وهفضل برده سندك يا ديمه عشان انا ما ليش غيرك ولا انتٍ كمان ليكي غيرنا..

نظرت إليهم بيأس ثم وضعت أناملها على صدغها لتمسح تلك العبرات التي تبللها ومع ذلك استمرت في بكائها المنكسر.. وهي تردف
بحزن

= انا والله مستعدة اعمل اي حاجه عشانكم و ما قلتش ان انتم انانيين وانا عارفه ان انا اكثر واحده غلطانه في الموضوع حتى لو بعدتوا عني، لكن انا للاسف فوقت متاخر واتعلمت كمان الدرس وعمري ما هعمل اي حاجه غلط تاني.. بس بلاش عشان خاطري تجوزوني لواحد اكبر مني عشان يستر عليا مش هستحمل اعيش معاه ولا ابصله وافضل طول الوقت حاسه ان انا .. آآ رخيصه بسبب الطريقه اللي اتجوزني بيها .

أخذتها إلي احضانها ضمتها بحنان وقالت مردده بصرامة

= بس يا حبيبتي ما تقوليش على نفسك كده وانا متاكده ان انتٍ ندمانه وعمرك ما هتعملي العمله دي تاني، بس لازم نصلحها الاول.. صدقيني آدم كويس مش وحش زي ما انتٍ فاكره، هو ساعدنا من غير ما نطلب ووقف جنبنا ولولا ان احنا سمعنا كلامه ما كناش خلصنا من الحيوان ده! هو عاوز يرد الجميل اللي بابا كان بيعمله معاه زمان.. وعمره ما هيبصلك بنظره وحشه زي ما انتٍ فاكره .

أزعجها رانيا للغاية شحوبها المقلق لذلك أضافت بجدية

= طب عارفه يا حبيبتي هو قال لي ايه واللي خلاه يوافق! قال لي عشان حسيت ان ديمة زي بنتي ولازم اساعدها عشان ربنا يردها لي في بنتي هي كمان.. انا متاكده انه هيحافظ عليكي وهتفضلي معززه مكرمه في بيته.. وهيعاملك زي بنته بالظبط .

حركت زينب رأسها بعدة إيماءات متتالية وهي تقول بثقة

= احنا مش عارفين آدم من يومين يا ديمة احنا عارفينه من زمان وياما كان بيدخل بيتنا لما بابا كان عايش وعمرنا ما شفنا حاجه وحشه منه، انا كمان واثقه فيه ان عمره ما هيذيكي بس وافقي عشان خاطري عشان ده الحل الوحيد.. ومش هتحسي بالوقت! هي مجرد فتره بسيطه وبعد كده هيطلقك.. بس لازم نعمل كده قدام الناس .

أصرت ديمة على اعتراضها مرددة

= ايوة بس..

وضعت رانيا يدها على وجنتها ماسحة إياها برفق تقاطعها وهي تقول برجاء

= لازم نعمل كده ونعرف كل الناس انك اتجوزتي مش مهم بقى لمين وليه؟ على الاقل بعد كده لو حد عرف محدش لي عندنا حاجه.. انا اخترت ادم بالذات لانه اهله معظمهم متوفين يعني ما فيش حد ممكن يجرحك بكلمه منهم.. وهو كمان كبير كفايه وعارف بيعمل ايه .

ابتلعت ريقها المرير وهي تمرر أنظارها على أوجه أخواتها، هي بالفعل أخطأت ويجب ان تتحمل الوضع الصعب، فهي لا تريد الخراب لهم يكفي ما حدث لها وما زالت تدفع الثمن أضعاف! لذلك استسلمت ديمة لإلحاح أخواتها المتواصل مرددة بإيجاز باهت

= طيب.. اعملوا اللي انتم عاوزينه .

** ** **

يتبع…

لقراْة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى