روايات

رواية قابل للكتمان الفصل الخامس عشر 15 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل الخامس عشر 15 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء الخامس عشر

رواية قابل للكتمان البارت الخامس عشر

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة الخامسة عشر

بعد مرور أسبوعين.
انتبه شاهين إلي حال إبنه الصغير وهو يجلس بالوكاله صامت وملامحه باهته غير مدرك لأفعاله العابثة فكان يشغل تفكيره تغير زوجته الذي لا يعرف أسبابه حتى الآن فكل يوم يمر يزداد تغيرها وعدم اهتمامها لامره، فأنهي والده صلاته على الفور و نهض بجسده ليتجه نحوه متسائلاً باهتمام
= مالك قالب وشك كده ليه وقاعدلي ما رحتش مع اصحابك ليه اتفسحت ده احنا في اعياد حتى
التفت معاذ نحوه ليحدجه بنظرات ضيق قبل أن يرد بسخرية طفيفة
= عادي يعني ما ليش مزاج! خليني قاعد بدل ما اروح اسهر معاهم واعمل لك مشكله زي المره اللي فاتت وتزعقلي
استدار أباه للخلف واضعاً يده على كتفه قبل أن ينطق بحدة
= قصدك على المراه اللي كنت هتودي نفسك في داهيه بسبب عربيه اخوك اللي خدتها منه؟ ما تبقاش غشيم الحاجه اللي ما لكش فيها ما تحاولش غير لما تتعلم عليها الاول
ضغط معاذ علي شفتيه وهو يقول باستخفاف
= وانا هتعلم عليها فين يعني ما يكونش عندي عربيه ومش واخد بالي؟ منذر من ساعتها حلف ما يديني عربيته تاني وانت نفس الحكايه مش بترضى، وانا الوحيد اللي مش عندي عربيه وسطيكو وكل اصحابي عندهم و بيروحوا بيتفسحوا بيها ويجوا جت عليا يعني!
رد عليه شاهين بجدية وهو يبتسم له
= ما جتش عليك ولا حاجه طب يا سيدي ما تلويش بوزك كده هجيبلك العربيه اللي عاوزها .
نهض معاذ بسرعه وهو محدق فيه وأجابه بحماس مفاجيء
= بجد يابا هتعمل كده فعلا ولا بتضحك عليا
أبتسم شاهين بهدوء ثم رد عليه بثقة
= هو انا عمري قلت لك حاجه وطلعت باخدك على قد عقلك، اديني كده اسبوع ولا حاجه وهجيبلك عربيه! بس مش هتركبها الا لما تتعلم السواقه الاول فاهمني
هز رأسه بفرحه وقد نسي أمر زوجتة وأخرج هاتفه وهو يضغط على الازرار بسرعه ثم وضعه أمام وجه أبيه قائلاً بحماس
= الا فهمك طبعا بص كده معايا ايه رايك في دي.. طالعه جديده وكله بيتكلم عليها وسعرها مكتوب تحت اهو
تحولت نظراته للإستنكار والذهول حينما قراء سعرها ليقول بتهكم ساخراً
= هو ده سعرها ده انا فكرت رقم العربيه؟ دي غاليه اوي انا كنت هجيبلك حاجه في الحنين
توسل معاذ قائلاً برجاء كبير
= ولا غاليه ولا حاجه يا حج ما كل الموضه كده، وبعدين ما انت عربيتك انت ومنذر مش اي كلام برده عاوز تجيبلي واحده مستعمله يعني ولا ايه؟ ولا يرضيك يكون انا الوحيد اللي فيكم معايا عربيه رخيصة وماركه وحشه
نظر له قليلاً بتفكير ثم التفت برأسه لينظر إلي خزانه الوكاله وهو يتذكر المال الذي بحوزتها، ثم رد عليه الحاج شاهين بصوت آمر
= طب خلاص! قفل على الموضوع وسيبني أفكر .
❈-❈-❈
بدت غاده مزعوجة للغاية وهي تنتظر اتصال هاتفي من مروان التي وصلت له من يافطه المحل الخاص به لكنه لم يرد عليها الا مره واحده واخبارها ان تنتظر وقت وسيفعل ما تريد قريباً ويكتب الطفل باسمه، وهي صدقته وانتظرت لكنه لم يهاتفها حتى الآن.. بالاضافه الى عائله شاهين نفس الأمر لم يمر شخص منهما كما اخبروها ليطلبوها لمنذر من جديد كما توقعت وخططت للأمر.
وضعت يدها تحت وجنتيها وهي تفكر بالأمر
وبامتعاضٍ بادٍ على وجهها أردفت بصرامة حاده
=فات اسبوعين يعني ومحدش منهم جي زي ما قالوا ولا اتصل! معقول يكونوا كلموا ورفض
قطبت جبينها معللة بتهكم ساخط
= لأ لأ لأ هو انا مش عارفاهم وعارفه بيعاملوا منذر ازاي من امتى وهو لي رايي ولا بيرفض ليهم حاجه، هو يقدر ده مش بعيد ابوه يمد ايده عليه ويهزقه زي ما بيعمل كل مره .
فمطت فمها قائلة بضجر وهو تهز رأسها برفض
=اكيد في حاجه معطلاهم! وقريب هيجيبه غصب عنه ويجي يتجوزني ومعاه الماذون كمان، المشكله بس لو البنت بسمه ترد عليا وتفهمني لكن مستفزه وما بترضاش تتكلم، اشحال ماسكه عليها ذله.. ماشي يا بسمه الظاهر انتٍ كمان عاوزه قرصه ودن عشان تعرفي ان انا مش بهدد ولا بهوش.
وفي تلك اللحظة تعالي صوت بكاء طفلها بشدة وهو يتألم، غص صدرها بغيظها الحقود، فكورت قبضتها وهي تضع يدها علي أذنيها وصاحت بقسوة بشعة
= يوووه كل يوم زن وعياط وتعب وادوخ على الدكاتره بيك، يا اخي بقي ارحمني انا هلاقيها منك ولا من منذر ولا من ابوك الحيله اللي مش بيرد عليا هو كمان ولا راضي يعترف بيك بس قريب هروحله تاني ومش هسكت غير لما يعمل اللي انا عاوزاه.. عشان اكون في الامان.
همست له بحقد مسلطة أنظارها على أبنها بجمود
= انا طالعه بره عيط مع نفسك بقي و ابقى شوف مين هيعبرك انا عارفه ايه الهم اللي انا فيه ده.. يكشي ربنا يريحني منك او ياخذني .
قالتها غاده بجحود وكانت تنفس نارًا من أذنيها وهي ترحل للخارج ثم أغلقت الباب خلفها تاركه إياه يبكي بحرقة دون إهتمام، فوالدها ليس هنا وكان بالخارج.
❈-❈-❈
مرت عده أيام عادت فيهم علاقه آدم وديمة لطبيعتها واصبح يتعامل معها بحريه من جديد دون التفكير بالعواقب ومن القادم، وفي ليله من الليالي رغم الشتاء والمنزل البارد الذي هُما بِه لم يشعر سوى بالدفئ وحسب، ولم يخلوا الليل من تلك الأحاديث القصيرة حتى خلدا للنوم ليلتها وكل ما يحتَل تفكيرهما هو مالذي سيحدث في حياتهم القادمة ومالذي ينتظرهما…
بعد مرور وقت فتح عينه ونظر إلي تلك التي تمدد جسدها على السرير و مستغرقة في نومها لكنه تفاجئ بها هي الاخرى تفتح عينيها و تستيقظ اشتعلت وجنتيها بخجل ونظرت الي بعيد في حين راقبها هو بهدوء وتساءلت بحرج
= انت اللي غيرتلي هدومي زي المره اللي فاتت
طال صمته لتلتفت اليه مرة اخري ناظرة بتساؤل ليهز رأسه بالايجاب مما جعلها
تقول بإحراج أكبر
= آآ.. اونكل آدم !.
تطلعت لعينه السودا الحاده، الهاله الهادئه و السكون حوله كان يلفت النظر دائما و كأنه أتى من مكان بعيد وصعب، تنبهت حواسها حين اردف قائلاً بحزم
= متقوليش اونكل آدم تاني، مش حابب احس إن في مسافة بيني وبينك تحت أي وضع ، عارفة أول يوم اعترفتي فيه وانا مش قادر أبطل تفكير فيكي وأتخيلك قدامي حتى لو أنتٍ معايا تحت سقف واحد ما بيبطليش تيجي على بالي وتوحشيني، اول ما افكر فيكي كان بيجيلي نغز في قلبي، ولما أول مرة حضنتك جالي نفس الاحساس؟ معرفش عملت كده ليه بس حسيت براحة كنت عاوز أحس إنك بين إيديا
اعتدلت ديمة وكادت أن تنهض من الاحراج
لكنه منعها ونظر بعيون تايهه لتبتسم بخفه، و أبتسم هو علي بسمتها وتنهد براحه لتجاوزها حاله الحزن التي اصابتها سابقة بسببه ثم هوي يطبع قبله شغوفه فوق وجنتيها لتتورد فوراً وتخفض رأسها بخجل ليبتسم هو بإستمتاع قبل ان يقول
= تعرفي دي أول مرة أنام فيها على سرير غير
سريري!
سألته بأعين حالمه وهي بداخل احضانه بسكون تام
= وايه مبسوط ولا ؟!
إحتواها أكثر إلى صدره كان يحاول تدفئتها قدر المستطاع بينما أجابها بسرعه وصدق جالي ظهر في عينيه قبل نبره صوته
= بقيت مدرك أن أي مكاناً ما يحتونيش مجرد مساحة فارغة ما لهاش فايدة ذي المتشرد اللي ملهوش وطن ولا أهل.. إلا لما احضنك بعرف ان انا بنتمي ليكي
كان يتابع السعاده الباديه في عينيها بإبتسامة رضا، اتسعت حين قالت بصوت متحشرج وعيون ممتنه
= كنت متاكده انك هتحبيني زي ما بحبك،و هتصحي في يوم من الصبح وتكتشف إنك بتبادلني نفس الشعور بس كنت بتهرب
ادني وجهه منها حتي لامست شفتيه اذنها وهبطت انفاسه الحاره فوق عنقها قائلاً بهمس عاطفي متمهل
= ياريت يكون عندي ثقة في نفسي زيك كده يا ديمة! بس للاسف انا وضعي اصعب منك حتى لو فعلا اعترفت، هو أنتٍ اصلا إيه اللى مخليكٍ متأكدة بالشكل ده زي ما أكون أنا شخصيًا قولتلك إني.. إني بحبك
رفع انماله يتحسس وجنتيها برقه وهي لازالت بداخل احضانه يتفحص تعبيرات وجهها وسرعان ما عرف سر هذا التغيير حين قالت
بنبرة عميقة
= الحاجات اللي ذي دي الواحد مابيقولهاش بلسانه قد مابيقولها بعينيه
اخفض رأسه بجانب رأسها وهمس بأذنها بصوته الغليظ الحنون
= عاوزه تفهميني ان عينيا قالت لك حاجه زي كده ؟ وانتٍ فهمتيني اكتر من نفسي حتى.
اخذت نفسها براحه وكأنه ازاح كتله من الصخر من فوق صدرها فكانت نظراته مطمأنه لها وكافيه ان تستعيد ولو القليل من ثقتها بنفسها وهي تردد
= كفاية إنها مبتلمعش إلا ليا انا بس ، كفاية إن وشك مبتنوروش الابتسامة إلا معايا بس.
كان ذراعيه يحاوطها فنظر لها ثم قائلاً بصوت رخيم
= ديمة انا بحسك من النوع اللى لما بيحب بيتعلق أوى أو بيتدلق؟ يعني بتجذفي بمشاعرك وعواطفك من غير ما تكوني متاكده بنسبه 100% من اللي قدامك هيباتلك نفس الشعور ولا لاء
ابتسمت هي لكلماته التي نجحت بالفعل في بث الراحه بداخل قلبها فأمائت له رأسها بهدوء ثم قالت
= أنا إكتشفت حاجة، أنا لما أكون مع حد لازم أكون بحبه يعني ما أقدرش آجى على نفسى عشان أحبه، لأ لازم أكون أنا من البداية بحبه
يعنى فيه علاقات الواحد ممكن يكون لسه بيتعرف على حد و مش عارف هو بيحبه ولا لأ و اللى هو ممكن يحبه بعدين، لأ أنا لو هبقى من الناس اللى ممكن أحبه بعدين دى يبقى مش هحبه خالص
ابتسم لها بحنو ثم همس امام عينها مازح
=عارفه دى إسمها ايه في مجتمعنا، بتتدلقى مره واحده
اتسعت ابتسامتها بتلقائية بسعادة لا متناهية تغمر روحها المتهالكة تود لو كان بالامكان اعادة الزمن مرة اخري و ان تمحي كل ما مرت به تبدأ حياتها بلقاءه وتنتهي بحبه، ثم ضحكت قائلة
= آه أنا شكلي أتدلقت فعلا أنا الفكره إنى بحب الحب نفسه فا بقول اللي جوايا على طول، عشان كده لازم اللى بحبه يكون مشاعري باينه قدامة مش هتدارى.. و أصلا أدارى ليه، وهو هيبان كده كده
تساءل آدم بنبرة مهتمة
= طب وما بتفكريش في الناس.. في المجتمع ونفسك و برستيجك وكده؟
اخذت نفس عميق فقد اغراها حديثه واحضانه المنعشه ثم ألتفتت وهي تجيب عليه بإحباط
= لأ أنا بحس إن الحب مفيهوش الكلام ده لو هو بيحبنى و أنا بحبه ده أحسن شكل من أشكال الحب، إن الإتنين يحبه بعض مش حب من طرف واحد ولا من تالت لأ يبقى الإتنين بيحبو بعض، ده الحب بالنسبالى و تبقى علاقة سوية و جميلة، بس أنا عامة لما بحب حد بقوله.. وانت اكتر واحد عارف ده كويس
ابتسمت عيناه قبل وجهه بحنو، وكادت نظره الاحباط ان تختفي فأبتسم هو براحه بتأكيد
ثم ضمها إليه بعاطغه حتي التصقت بصدره ثم مد انماله اسفل ذقنها ورفع وجهها إليه برقه حتي تقابلت اعينهم فرأي بريق لمعت الحب بهم، لتتابع حديثها قائلة بهمس
= اللي يحب الحب ذات نفسه بيتعب، بس انا بحاول اعيش لحظه السعاده كلها من غير تفكير في المجهول ونفسي تبقي ذيي
تلمس بيده وجهها برفق شديد وتركت صوته ينساب إلى داخل خلايا عقلها وهو يقول بتمهل
= الانسان اصلا حتى و هو في أسعد لحظاته بيحس بالتعاسة جواه
كانت اجابته خرقاء بالنسبه لها ولم تستوعبها في بادئ الامر حيث نظرت له ببلاهه وهتفت به بعدم فهم
= و ده ليه؟!
هز آدم كتفيه وهو يقول بواقعية
= خايف من المجهول، من بكرة من اللحظة اللي جاية لتحرمه من السعادة اللي هو فيها عشان كده دايما لازم الانسان يمني نفسه بالأمل في بكرة
صمتت لحظة بتفكير وهي تقول بصوت جاد
= طب لو نفترض ما عندوش الأمل ده ؟!
شعرت به يقترب بل أكثر من المعتاد حتي تحدث بجدية وهو يمسك بخصلة من خصلاتها يستشعر نعومة ملمسها
= يبقي لازم يخلقه.. يحاول يبص على بكرة من أجمل زاوية فيه، الانسان من غير امل زي اللي عايش يتيم من غير اهل! وما لوش هدف محدد بالحياة
كان حديثه منمق ومنطقي فحاله الخوف و عدم الثقه بالنفس والاحباط متعلقه بالتطور النفسي لدي الإنسان، و الاختلال في توازنها بينتج عنه عدم الثقه بالنفس والقلق والخوف من مواجهه الاخرين وقد يؤدي للشعور بالأحباط والاكتئاب، لذلك الانسان الذي يتعرض لمعاناه كبيره مهما كان سعيد يكون خائف من المستقبل، هزت رأسها متفهمة حديثه وهي ترد
= هي وجهه نظر قاسيه شوي لكنها للأسف واقعية .
تثائبت بعد فتره بنعاس ودفنت رأسها بين ثنايا عنقه وشعرت بشفتيه فوق رأسها يقبل شعرها بنعومه فأبتسمت برضا قبل ان تترك نفسها تتذوق من طعم النوم المريح الهادئ
❈-❈-❈
وضع منذر يده علي الطرابزين وهو يصعد الدرج بحماس وتنوعت نظراته ما بين اللهفه والقلق! فقبل قليل كان في عياده الطبيب الخاص به وقد أخبره بعد اليوم يستطيع ممارسه العلاقه الزوجيه مع زوجته بشكل كامل فمن المحتمل ان ينجح هذه المره! طار من الفرحه وشعر بالحماس وهو يخبر ضحي عبر الهاتف بأنه قادم اليها واخبرها باختصار
عن تعليمات الطبيب الجديده ورغم خجلها أخبرته بأنها ستتجهز لها وتنتظره.
كان طوال الطريق وحتى الآن يفكر في ما إذا كان سينجح الأمر معه حقًا أم سيذهب كل ما فعله هباءً! يشعر بأن هذه هي الفرصة الأخيرة له، وليس لديه رغبة أو حماس للانتظار و تجربة الفشل مرة أخرى وسيصيبه الإحباط بالتأكيد لذا، يتمنى من الله أن يوفقه في أمره. لم يكن يرغب في شيء محدد سوى إسعاد زوجته، تمامًا كما تحاول هي أن تسعده وقبل أن يصعد إلى الطابق العلوي من منزله، أخرجه من حماسه صوت والده وهو يقول بصوت خشن
= منذر تعالي عشان عاوزك في موضوع.
تردد منذر للذهاب له حتى لا يحبطه بحديثه كعادته ويعود الى نقطه الصفر بعد ما توصل اليه، فلا ينقصه والده بالاخص في يوم مثل ذلك، لذا قال باعتراض
= معلش يا حاج خليها مره ثانيه عشان مستعجل بس .
هدر شاهين به قائلًا بعصبية مغتاظة
= هو إيه اللي مستعجل هو انا بقول لك تعالى نروح مشوار هنتكلم كلمتين جوه في الشقه وبعد كده روح زي ما انت عاوز.. يلا اتحرك وتعالى عاوزك في موضوع مهم .
تنهد بضيق شديد وتحرك معه للداخل باستسلام وبعد فتره أخبره ماذا يريد منه، اشتعلت نظرات منذر بسخط قائلا بانفعال ملحوظ
=نعم عاوزني ارجع مين على ذمتي؟ غاده انا هعتبر نفسي ما سمعتش حاجه والهبل اللي هي عملته ده والليله اللي دخلت عليكم دي عمرها ما هتدخل عليا عشان انا فاهمها كويس دي واحده مش سهله
ظل شاهين يضرب بكفه على فخذه بعصبية وهو يردد بنبرة مغلولة
= ما تحترم نفسك يلا وكبرني مره واحده في حياتك، مش صعبان عليك ابنك اللي مرمي ده وما فرقش معاك الكلام اللي انا قلتهلك من شويه.. وانها ممكن تتجوز واحد ما يكونش أمين على ابنك
نفذ صبره من طريقته المزعجة في فرض نفسه علي حياته دون أن يفهم شيئا، فصــاح
بنبرة جامدة تحمل الصرامة والشدة
= والله ده يوم المنى انها تتجوز وارتاح منها و يا ريت تعزمني وانا هاجي على نفسي وارقص لها من الفرحه! بقول لك ايه يا حاج ريح نفسك عشان انا مش هرجعلها وقريب أوي انت وهي والكل هيعرف حقيقتها.. بس انا مستني الوقت المناسب، الظاهر فعلا انها ما تستاهلش اللي انا كنت بعمله عشانها زمان، سبحان الله من كام يوم كنت خايف اعمل لها فضيحه عشان سمعتها وابوها وهي من ناحيه ثانيه بتلعب عليكم يبقى تستلم بقى وعدها مني من اللي جي ومن النهارده هتشوف معامله مني تاني خالص .
استشاطت نظرات شاهين من أسلوبه المستفز، لينظر إليه باحتقار أكثر لتؤجج غضبه يقول بازدراء مهين
= تصدق انك ما عندكش دم وهتفضل غبي وعديم المسؤوليه طول عمرك! وفاشل وما لكش نافعه انت جايب الجبروت ده منين نفسي افهم ما فيش خالص احساس ولا صعبان عليك ابنك ولا انا ولا أمك، غاوي بس تتعبنا وخلاص! بكره هتندم على اللي انت بتعمله ده وهتعرف ان انا معايا حق بس هيكون بعد فوات الأوان
نظر منذر له بغيظ وتجهم عندما واصل استهزائه الساخط نحوه كعادته وتلك النقطه غير صالحه لحالته! لذلك فضل الانسحاب ورحل، وعندما رآه والده يرحل لوح له بيده بانفعال مضيف بنبرة مكفهرة
= وكمان ماشي وسايبني من غير ما ترد عليا غبي وحمار طول عمرك ايه الجديد يلا يا فاشل روح وسيب ابوك وسيب ابنك غيره يربي ويتشرد في الشوارع.. تربيه زباله ما انا ما عرفتش اربيك صحيح .
❈-❈-❈
طالعها معاذ وهي تدلف من باب الشقه تحمل بعض أكياس الطعام والخضار والفاكهه التي ذهبت واحضرتهم مع حماتها كالعاده لأن هي من تنفق عليهم! وبالطبع لم يكلف نفسه ان يترك ما بيده وياخذ منها الأكياس، وضعتهم على الطاوله وبدات أن تفرغ المحتويات في مكانها بضيق شديد فاصبحت لا تتحكم في نفسها وتثور على اي شيء بسبب توليها مسؤوليه منزل حماتها من جديد بمفردها فمنذر منع زوجته بشده الطرق ان تعود و تساعد أمه مرة أخرى تمنت ان يفعل زوجها هذا ايضا لانها لم تكن مسؤوليتها بيوم ويكفي عليها مسؤوليته هو وابنه والمنزل.. لكنها تعلم جيد من المستحيل ان يفعل ذلك.
وضعت وجبة الطعام فوق الطاوله الصغيره التي كانت يوماً تضم أفراد العائله بدفئ، أمام طفلها ومعاذ الذي شرع في تناول الطعام بنهم يتلذذ مذاق الأكل.. حتي انتبه اخيراً علي ملامح بسمة الشارده تُمضغ طعامها بمراره قبل أن تقول
= منذر لما صدق أمه اتلككت لضحي وقعدها في البيت، وحرم عليها ما تساعدش امك تاني وانا رجعت شلت القرف كله فوق دماغي من جديد.. غير البيت ده اللي بشيله برده فوق دماغي لوحدي وانت برده ما بتساعدش .
تعلقت عيني معاذ بها بتوتر زافراً أنفاسه بثقل وهو يقول ببعض الشفقه
= ربنا يقويكٍ.. خفي انتٍ بس خرجاتك اللي كترت على قله فايده و كل شويه عند ابوكي واختك وانتٍ توفري تعبك .
استنكرت عبارته وهي ترمقه بكره ثم صاحت بحده
= هو ده اللي ربنا قدرك عليه بدل ما تعمل زي اخوك ومره واحده في حياتك تكون زيه و تقعدني انا كمان وتفهم امك ان ده مش مسؤوليتي.. انا برده عندي صحه زيها وبتعب
ما انتم مش اشتريتوني.
لم يدع لها قراراً الا الصمت، تعلقت نظرات بسمة نحو معاذ التي رمقته ببغض لتطرق عيناها حزناً فعائلة شاهين لا تراها الا صفحة سوداء بحياتها، وهتفت وهي تغادر
= حتى صعبان عليه الوقت اللي بفك فيه عن نفسي ده ايه الهم ده يا رب.
غامت حدقتي معاذ وقد هز رأسه بقلة حيلة
فهل يكذب على نفسه إن قال بأنه يراها بعيناه تتحمل فوق طاقتها من اعمال اذا كان هنا أو بمنزل والدته أيضا، بالإضافة أنه كان يتعجب من سعادتها في كل مرة يراها تعود من عند عائلتها؟
وربما هذا هو ما كان يجعله أحيانًا يتمادى بتجبر ويمنعها من زيارتهم، فلا يستوعب كيف تعود كل مرة مفعمة بالحياة.. وعندما يجبرها على الجلوس بالمنزل تصبح كئيبه وكانها تبدو أكبر سنا بعشرات السنوات.
بدأ يقلب بالطعام بلا شهيه وخطف نظره الى طفله الذي بجانبه ليراه يمسك هاتف والدته ويحاول فتحه، ليقول مرددًا بضيق
= إيه أنت كمان خلاص هننسى المذاكره و المدرسه ونمسك في التليفون سيبه من ايدك، انا كل ما اشوفك الاقيك قاعد ومش بتذاكر
اتسعت عينا الطفل بذهول وهو يقول
= مدرسه ايه! انا خلصت امتحانات بقيلي شهرين واخذت الاجازه، عشان كده ماسك تليفون ماما بلعب عليه ذي كل مره بس مش راضي يفتح بالرمز القديم
أحمر وجه معاذ بحرج لأنه لا يعرف شيئًا عن طفله أبدًا، ثم حاول تغيير الحديث ووضع يده على كتفه ليحضنه، لينظر مالك إليه بدهشة أكبر جعله يخجل من نفسه أكثر، فلقد تفاجأ بفعل والده الذي لا يفعله معه أبدًا، ليعلم بأنه حقًا مقصر معه مثلما كانت تخبره زوجته دوماً.
لكن ما كان يشغله أكثر من أي شيء آخر هاتف زوجته الذي كان يحمله ابنه بيده من متى و هي تضع رمز سري له، وكان يتساءل عما إذا كانت تخفي شيئًا لا ترغب في أن يراه.
❈-❈-❈
عقـــد آدم رابطة عنقه ومشط شعره بالفرشـاة ثم نشر عطره على قميصه، وإلتفت برأســه ناحية ديمة التي كانت تقف على أعتاب الباب وهي بملابس انيقة مثله، فقد انتهت من سنه دراستها و اتفقوا يذهبون للتنزه للخارج، ليكافئها على نجاحها ويعوضها عن طريقته السيئة معها بالفتره السابقه.
اتفقوا على اختيار مكان يناسب ذوق كل منهما، واختار آدم في البداية أن يذهبوا إلى عرض الأوبرا وصلوا إلى هناك فعلًا، ثم سحب آدم يدها ووضعهما بين كفيه الضخمتين وبدأ في فرك يدها بين يديه لتدفئتها عندما لاحظ برودتها، ثم هتف قائلاً
= تعالي نقعد قبل ما العرض يبدا.
قالها فأستدارت وجلست ليجلس بجانبها واضعاً يده خلفها فتتكأ عليها ويبدأ العرض،
مر الوقت كان بداية العروض موسيقى هادئه
اوبرا تتحدث عن عهد قصص الحب وكيف نشأت، ثم بدات العروض الباقيه ومن ضمنهم العزف على البيانو و الفنون حيث كان عرضاً حزيناً معبراً…
لكن الغريب في ذلك أن ديمة لم تعتاد على تلك الأجواء أبدًا وشعرت بالملل من اللحظة الأولى ولكن حاولت عدم إظهار ذلك حتى لا يحزن آدم ويبدأ يشعر بأنهما غير مناسبين لبعضهما ويعود كما كانا متردد في استكمال علاقتهما، لكنها حقًا كانت مندهشة من نفسها لأنها أحبت العزف في المنزل والاستماع إليه وهو يعزف، لكن عندما حضرت العروض لم تستمتع أبدًا ولم تنجذب إلى هوايته مثله.
لاحظت بان يراقبها بشدة وينظر لها باهتمام، عقدت حاجيبها باستغراب وهي تسأله
= هو انت بتبص فين؟.
خفق قلب آدم بقــوة وهو يطالعها بنظرات عاشقة ليرد قائلاً بصراحة
= ليكي!.
ردت عليه بصوت خافت وهي تتحاشي النظر له من الاحراج
= بس العرض قدامك .
اقترب وهو يهمس بأذنها بغزل صريح
= بس انتٍ أجمل! عارفه انك بتملكي اجمل عيون شفتها في حياتي
هزت رأسها برفض وهي خجوله بشدة و متفاجاه من كلماته المعسوله، ثم نظر مطولاً في عيناها بهيام وهو يتابع حديثه
= ديمة انا ما بقيتش عارفه ابص لحاجه تانيه غيرك من ساعه ما شفتك
لم تستطيع الخروج مِن سكرة كلماته فتَسلّلت
أناملها الباردة لِتَعبث بلحيته بحركه لا اراديه تفعلها مع الشخص الذي تحبه! وهو كان يعلم ذلك، لذا كان يراقب تصرفاتها مسلوب العقل.. كانت تسبح في ملكوت آخر بدون هموم وكأنها ولدت للتو! وبعد فتره سمعت صوته الدافئ يخترق ملوكتها بنبرته الحانيه التي باتت متيمه بها
= ديمة انا أحبك أوي، انتٍ كنتي حبل نَجاتي من ماساه حياتي
توقفت يديها تَعبث بذقنه وحينما سمعت كلماته توقفت ونظرت له بصدمة كبيرة من اعترافه وكانت سعيدة بذلك وحينما أدركت بأنها عليها أن تتحدث جاهدت لتخرج كلماتها سليمة ولكنها خرجت مُشوشة كذهنها
= مش عارفه اقول لك ايه؟ بس مبسوطه
ابتسم لها بحنو مطمئناً اياها ثم همس امام عينها بعاطفه
= مش لازم تقولي حاجه، بس انا كل كلمه قصدتها النهارده انا بحبك فعلا
انتهي العرض أخيراً واضاءه الصاله لينهض الجميع للرحيل، تفاجأ آدم برجل عجوز يعرفه كان يأتي هنا ويتردد على المكان كثيراً مثله واصبحت بينهما صداقه بسيطه وعندما رآه ذهب يسلم عليه وهو يقول بهدوء جاد
= ازيك يا ادم عامل إيه؟ عمال اشبه عليك من بعيد بقيلك كتير مش بتيجي ولا بشوفك بتحضر زي زمان.. بس اتبسطت ان انا شفتك النهارده هي الاموره دي بنتك رنا اللي قلتلي عليها قبل كده
تفاجأ من السؤال، على الرغم من أنها ليست المرة الأول الذي يعتقد شخص أن ديمة هي ابنته، ولكنه لا يعرف لماذا تضايق من الأمر بشدة ولم يعجبه هذه الأمر أن يحدث وامامها بالأخص!
ربما لأن علاقتهما أصبحت مكشوفة الآن، على عكس السابق حيث كان من المتوقع في أي لحظة أن تبتعد وترحل، لذا لم يهتم بالأمر في ذلك الوقت. انحنت شفتاه في ابتسامة مريرة جعلته يبدو حزينًا وهو يرد ببطء
= لا مش هي، عند اذنك
سحبها وخرجوا إلي الخارج وتطلعت ديمة لعينيه بهدوء وثبات مصطنع وهتفت بنبره حاولت جعلها قدر المستطاع هادئة
= ولو مش عاوزه نروح المشوار الثاني ونروح يلا بينا.
هز رأسه برفض ثم اردف بصرامة حاده
= ليه يعني كان في حاجه حصلت يلا نروح
صاله الالعاب اللي كنتي عاوزاه تروحيها.
فعلاً أخذها إلى ما تريده وحاول تجاهل الأمر على الرغم من أنه لم يستطع إخفاء ضيقة من ذلك الموقف الذي حدث وأفسد خلوتهما معًا. كان يقف بعيدًا ويراقب أجواء الشباب حوله في تلك الصالة وكان كل منهم يلعب مع شريكه بنفس عمره! وهو جانب ديمة قد يبدو ظاهرًا أمامهم كشقيقها الكبير أو والدها، لذلك كان يقف بعيدًا عنها قليلا وتركها تستمتع و لكنه لم يستطع كأنه لم يفكر في كل ذلك من البداية بأنه سيحدث قبل أن يستسلم لمشاعره.
تنفس بانفعال ظاهر واقترب من ديمة وهي تلعب لعبة البنج بونج وحاول أن يندمج معها في جوها.. أو جو حياتها المناسب الى عمرها! وكأنه يريد أن يثبت لنفسه أنه لا يزال شابًا صغيرًا مثلهما ولم يفوته أي شيء ويستطيع تجربة ما يفعلونه ولا يوجد مشكلة بذلك.
بالإضافة إلى ذلك، يرغب في أن يوضح لها أن العمر ليس عائقًا للاستمتاع بأجواء تناسبها.
سعدت ديمة كثيرًا لأنه شاركها في اللعب و بدأت تستمتع أكثر بينما الآخر، على الرغم من شعوره بالارهاق، ضغط على نفسه ليستمر بإصرار ولم يظهر تعبة خوفه من أن تلاحظ ديمة وتندم على اختيارها للعيش مع رجل يكبرها بسنوات عديدة ويتعب من أقل الأشياء.
وكانت وجهة نظر ديمة تقريبًا مشابهة لوجهة نظره عندما أجبرت نفسها علي التظاهر بالاستمتاع بأجواء عرض الأوبرا، حتى لا يشعر الآخر بالقلق من علاقتهم وتوقع فشلها ولكن الاثنين لا يعلمان أنه من الطبيعي عدم امتلاكهما نفس الهوايات، والاختلاف في العلاقة أمر طبيعي بغض النظر عن الاختلافات و الأعمار.. لكن خوفهم من الفشل جعلهم لا ينتبهون الى ذلك .
❈-❈-❈
صعد منذر إلى المنزل ولم يسعى للضغط على زوجته ويخبرها بطلب والده حتى لا يفسد ليلته الأولي معها، وقف في مكانه بالردهة ونظراتها تتابع حركته وهي تتجه نحوه لتقول بتعجب
= مالك انت كويس؟.
رسم ابتسامة بسيطة ثم أخبرها بهذا النوع من الهدوء الذي يسبق العاصفة
= اه يعني هكون مالي ما تقلقيش أنا كويس
لم تقتنع لكن لم تضغط عليه للخروج منه بمعلومة مفيدة، توضح له التغيير المقلق الذي انتابه، فقبل قليل عندما اتصل عليها ليخبرها تعليمات الطبيب كان يتحدث معها بحماس غير طبيعي عكس الآن!
هزت رأسها وطال سكونها لترتسم إبتسامة هادئة خجوله، تصنمت مكانها عندما وجدته يقترب منها بخطوات هادئه كالذئب الذي يقترب من فرسته الشارده…. وكان مع كل خطوه يخطوها تضرب على وتر إيقاع نبضاتها التائهه فى عشقه، حرب الأعصاب والنظرات المتبادله أسقطتها أرضا قدميها أصبحت كالهلام… من تلك المشاعر التي تحوطهم ونظراته المتراقبه لكل شبر بها .
تلاشى تنفسها وضاقت عليها حيطان الغرفه.. قربه المهلك امتص الأكسجين وسحب الهواء المحيط بها.. ليرفع راسه عنها قليلا وبذراعه الحره أخذت انامله تسير على طول ذراعها ليهدم زعزة ثباتها المزيف.. لمعت عينيه بعاطفه بعدما رأى رفرفة أهدابها تحاول الفرار من مرمى سهام مقلتيه، ثم مال عليها واقترب برأسه وعيونه مسلطه على مكياجها وملابسها المثيره
= شكلك جميل أوي! بس برده ملامحك من غير المكياج بتبقى حاجه ثانيه واحلي.
ختم كلامه و هو يمسح وجهها برقة شديدة حيث كان يتفرس ملامح وجهها الجميلة قبل أن يحاوط وجهها بيديه ثم تحدث مجدداً بصوت أجش مشبع بالرغبة
= جاهزه!.
إبتسمت بخجل و هي تدفن وجهها بصدره و دقات قلبها المتسارعة خير دليل على كمية المشاعر المختلطة التي تسيطر على عقلها و قلبها… خطف أول قبلة مع فارس أحلامها الغائب الذي أمضت سنين حياتها و هي غارقة في المستحيل حتى جاء ذلك اليوم الذي عاد فيه لينتشلها من حياتها البائسة و يعوضها عن كل لحظة حزن و ألم عاشتها بعيداً عنه…
بينما كتمت أنفاسها عندما شعرت بشفتيه الرطبتين تلتصقان بشفتيها لتأخذهما في قبلة طويلة متلهفة جعلتها تحلق حرفيا فوق السحاب…غاب الزمان و المكان من حولهما وهما يغتنمان هذه اللحظات المسروقة التي جعلتهما ينسيان واقعهما الأليم، لم يكن حالها أفضل منه بوجهها المحمر كحبة فروالة ناضجة و شفتيها يحثانه على العودة و أخذ في قبلة أطول و أعمق…
اغلق عينيه ليشعر بلمساتها الحانية على وجهه تتغلغل داخل روحه لتداوي ندوب قلبه التي سببتها قسوة أسرته لسنوات.
مر بهم الوقت في لقاء متيم وكل شيء كان يسير طبيعي حتى فجاه تأ وقد إنطفأ كل شيء، وقد مات الشغف وطاب الخاطر و خمدت شعلة الحياة..
تجمد جسده لفشله الذي لا يعرف عدده من كثره تجمد الوقت كذلك، لا يعرف السبب هذه المره كل شيء كان يسير طبيعي! حقا والده كان محق هو شخص فاشل وضعيف وليس منه فائده.
شعر ببرودة تسري بكامل أطرافه وأنفاسُه
أثقل منها، فاعتدل هارب من النظر لذلك
الجسد، وعينيها وقد إبتلت عينه بدموع يأس وتعب من المقاومه دون فائدة، ليصرخ بصوت حزين للغاية بيأس
= ازاي ده يحصل الدكتور طمني وانا مشيت على التعليمات كلها ليه برده بوصل لنفس النتيجه .
شعرت بدقات قلبها تتسابق بقوة من حالته تلك ولم تريد الانخراط معه بل رسمت الثبات والتمسك وهي تلف الروب حول جسدها بأحكام وقالت بصوت هادئ
= منذر خلاص اهدى ما حصلش حاجه طبيعي على فكره واكيد لو جربت تتصل على الدكتور وتقول له اللي حصل هيقول لك انك مش لازم تنجح من اول مره بعد العلاج، وبعدين انت لسه مستمر في العلاج اصلا
نظر لها بسخرية مريرة ولم يقتنع بكلامها و أردف قائلًا بنبرة جامدة
= بس بقى بطلي حجج فارغة العيب فيا انا.. اعترفي لمره واحده بكده، انا شخص ميؤوس وما فيش فايده مني انا لو منك اصلا اريح نفسي وتسيبيني هو انتٍ عندك امل فيا بتاع ايه؟ شفتي مني اي دليل ياكد لك ان انا هنجح في مره.. انتٍ بس بتحاولي تلاقي مبررات عشان تكملي وخلاص.
أسند رأسه للخلف بحسرة وهو يضيف بصوت منكسر
= الظاهر ان كلهم معاهم حق و ابويا كمان لما قال لي ان انا شخص فاشل وعديم المسؤوليه وعمري ما هنجح! لسه قبل ما اطلع هنا ماكد ليا الكلام ده.. امال لو عرف اللي فيها هيعمل ايه
نظرت له نظره ضيق وسألته بحدة رغم خفوت صوتها
=هو انت قابلت والدك قبل ما تطلع هنا؟ و اتكلمت معاه كمان ما يمكن ده السبب يا منذر وهز ثقتك في نفسك تاني، زي ما كل مره بيعمل ياريتك كنت حاولت تتجاهله وتسيبه.. عشان كده حالتك ما كانتش مظبوطه اصلا وانت داخل البيت
توقف عن الرد وشعر بغصه مؤلمه في قلبه آلمته بالفعل كتلك الغصه المؤلمه في حلقه، وهو يفكر في حديث زوجته ربما صحيح! وليس هناك مبرر غيره فسد معنوياته والا سيَجن بالفعل .
وجوده بجانبهم أصبح عائقًا أكثر في شفائه وسعيه للنجاح ودائمًا ما يكونون هم السبب في فشله ويتهمونه بالفشل بعد ذلك، حقًا لا يمكنك أن تشفى في نفس البيئة التي جعلتك مريضًا.
❈-❈-❈
كانت غاده في حاله غضب شديدة عندما مر أكثر من شهر ولم يحدث أي جديد في علاقتها هي ومنذر مثل ما كانت تتوقع أن يأتي حماها ويحاول يرجعها له بالاجبار، وما زاد غضبها أكثر عندما أخبرتها بسمه بانه فاتحه في الموضوع ورفض بشدة والافضل لها ان تصرف نظر وتنسى منذر .
لكن ثارت عليها ولم تهتم الى حديثها، وبدأت محاولة التفكير في طريقة اخري حتى لو كانت أكثر خطر عليها ستفعلها حتى يعود اليها وعندما توصلت الى ما تريده اتصلت علي أختها بسرعه حتى تأتي لها، تنهدت بسمة بضيق وهي تقول
= قولي عاوزه ايه بسرعه عشان ورايا جامعه وعاوزه أحضر محاضراتي قبل ما ارجع البيت.
لوت شفتاها باستخفاف لانها اصبحت تقول ذلك أمامها دون خوف لكن لم تعطيها اهميه كثيره، واخبرتها باختصار عن خطتها.
اتسعت عينا بسمة على مصرعيه لتتفاجيء بقولها وفعلتها المخزيه، بذهول وقد بلغت القمة وهي ترد عليها بنبرة مذعورة
= انتٍ بتهزري صح رحتي عملتلها عمل و عاوزاني احطه في شقتهم؟ الله يخرب بيتك ويخرب بيت سنينك انتٍ ازاي جالك قلب تعملي كده اللي بيمشي ورا الحاجات دي نهايته سوداء وبيكفر لاعوذ بالله .
اغتاظت أختها من ثرثرتها و عتابها كانها ملاك لم تخطئ مثلها، فردت عليها بتهكم
= هو انا بقول لك عملتلها عمل اموتها لا سمح الله، قلتلك المقصود منه مش هيبصلها و هيبصلي أنا! ما انتٍ شايفه بنفسك مروحي طلع على الفاضي وما فيش حاجه حصلت جديده! والبيه منذر خلاص على حظي الحلو بقي لي شخصيه وبيرفض طلبات ابوه عادي.. كنتي عاوزاني اعمل ايه هو انا لقيت حل تاني وقلت لا
ردت بسمة بصوت أكثر اعتراضاً وهي تشير بسبابتها
=لا عندك بدل الحل عشره انك تنسيه وتسيبيه يتهنى مع مراته وما تخربيش عليه حياته عشان ما تتردلكيش! هو انتٍ مستوعبه الشر بقي يتحكم فيكي لاي درجه؟ عملتي فيها البريئه اللي يهمك مصلحه ابنك وقلنا ماشي من كتر الوحده واللي بتشوفه من ابوها اقصرت عليها، انما تروحي تعملي عمل وشغل دجل اهو ده بقي اللي جنان رسمي
رمقتها غاده بنظرات خالية من أي إشفاق أو تأثر وأردفت قائله بجمود
=بقول لك ايه يا ابله النظره خلصي محاضرتك وخدي العمل واعملي زي ما قلت لك بالظبط وعلى الله تغلطي! اطلعي عندها باي حجه البيت وحطيه في مكان ما يتشافش.. لا الا يا حلوه هروح اقول لجوزك واهله علـ..
نظرت نحوها بشراسة قوية وقاطعتها سريعاً وهي تقول بنبرة غير مبالاة
= ان شاء الله تذيعيها في الأخبار وتخلصيني من القرف اللي انا فيه ده، مش هعمل كده يا غاده.. مش هكفر واعمل ذنب مش هقدر اكفر عنه عشان خاطر سيادتك تبقي مبسوطه، انا تعبت من تهديدك وزهقت وعاوزه بقى تتبلي عليا ان انا ليا علاقه باللي انتٍ صورتيه معايا ده ولا تقولي حكايه تعليمي اللي كملته من وراهم اعملي!
كانت الأخري مستمعة بحقد لصوت أختها الهادره بجدية شديدة
= انتٍ ما لكيش امان و لازم يتخاف منك ولو طاوعتك مسيرك برده هتفضحيني! وانا مش هبيع دنيتي واخرتي واعمل لك اللي انتٍ عاوزاه عشان خاطرك.. وفي الاخر انا اللي هلبس ومش هعرف اعيش حياتي من تانيب الضمير والذنب اللي هفضل شايلاه.. وفوقي بقى وبطلي القرف اللي بتعمليه ده بدل ما تصحي على مصيبه قريب
راقبت غاده رحيل أختها وهي أوج قمــة غضبها منها ثم صرخت قائله بصوت مخيف وقد بلغ القمة في بركان غضبها الهائج
= بنت الكلب والله لا اندمك! وهرجعك البيت هنا بفضيحه .
نظرت حولها بحالة غير طبيعية الآن، فما قالته أشعل نيران غضبها وزاد من حدتها. حاولت البحث عن هاتفها المحمول للاتصال بمعاذ وإخباره بأسرار زوجته الخفية، وبالتأكيد ستضيف أشياء غير صحيحة عنها. لكنها توقفت في اللحظة الأخيرة وهي تفكر في الحل الأفضل وتردد مع نفسها
= لا الاحسن ابعتله رساله بعنوان جامعتها و اخليه يروح يشوفها بنفسه، احسن ده اهبل وعلى نياته و ممكن تاكل بعقله حلاوه و ما يصدقش الصور وهي لسه بنفسها قايله انها هتروح الجامعه اول ما جت هنا؟!.
هزت رأسها بالايجاب عده مرات وهي تبتسم ابتسامة خبيثة سعيده بانتقامها بشقيقتها، و بدأت تضغط على ازرار هاتفها وعندما وجدت صورتها في الجامعه التي التقطتها لها دون ان تراها، ارسلتها لزوحها عن طريق ايميل مجهول ليس باسمها حتى لا تظهر بالموضوع نهائيا، وكانت تفعل ذلك وهي متحمسة لإنجاز ذلك الأمر.
❈-❈-❈
كان منذر يمر بفترة غير جيده بحياته وشعرت ضحي أن زوجها بدأ يكتئب ويحبط من جديد بسبب ما حدث معهم قبل أيام، ولم تعرف كيف تواسي! تقدمت منه بخطوات ثابتة وقدمت له طبق الحلو المفضل له وهي تقول بحنان
= منذر انا عملتلك الرز بلبن اللي بتحبه دوق هيعجبك أوي
تنهد بإحباط وهو يهز رأســه معترضاً وأجابها بخفوت
= ما ليش نفس يا ضحى شيلي في التلاجه وبعدين ابقى اكله
نظرت إلي فنجان القهوة الذي بيده واصبح يتناول كثيراً هذه الفترة على معده فارغه، ثم هزت كتفيها قائلة بسجيتها
= طب مش هتتغدى انت ما فطرتش وعمود الاكل رجعته زي ما هو الاكل فيه! كده غلط تقعد من غير اكل لوقت طويل عشان ما تتعبش
تنهد مجدداً بضيق من إصرارها ثم قال مبتسماً بهدوء زائف
= كولي انتٍ انا مش جعان وبطلي بقى زن جنبي و روحي شوفيلك اي حاجه تعمليها .
لم يعجبها رفضه لتقول مرددة بتذكر
= طب على فكره انت فوتت ميعاد الدكتور الاسبوع اللي فات فبلاش تفوت الجلسه اللي جايه كمان عشان ده لمصلحتك و..
أشاح بوجهه للجانب بتجهم قبل أن ينفعل عليها بعصبية مرددًا
= خلاص يا ضحى اتنيلت فهمت ان وجودي ذي قلته قدامك وانتٍ زهقتي من حالتي و عاوزاني احضر الجلسات بسرعه عشان يجي بنتيجه، خلاص بقى بطلي تعامليني كاني طفل وتديني تعليمات وبقيتي شايفاني ما ليش لازمه هنا في البيت
إحتقن وجـــه ضحي نوعاً ما، وشعرت بالحزن لأجله ولم يظهر عليها أي ضيق من غضبه نحوها فكانت متفهمة حالته جيداً، فهتفت بهدوء شديد
= طب خلاص هقوم واسيبك لوحدك زي ما انت عاوز، بس على فكره انا لما طلبت منك تروح الجلسه عشان حالتك دي تتحسن وما ترجعش تكتئب تاني وتضايقك مش عشان الموضوع اللي في دماغك، ولا انت بتروح للدكتور عشان كده وبس مش بتروح عشان نفسيتك كمان
هزت رأسها بالايجاب وهي تضيف قائله
= على العموم براحتك روح وقت ما انت عايز وانا اكيد مش باديك اوامر انا بس خايفه عليك ومش بحب اشوفك كده زعلان
لم يشعر بفداحة الأمر إلا حينما رأها ترحل بصمت بسببه لأنه غضب عليها وهي كانت لا تريد شيئا غير صحته النفسية تكون جيدة، وضــع يده على رأسه بيأس وإحباط من نفسه واستجمع رباطة جأشه ليظل متماسكاً للحظات.. ثم حبس أنفاسه وهو ينهض مترقباً
حركتها امامه وكان لم يحدث شيء.
اقترب منها بخطى بطيئة وتسارعت دقات قلبه حتى كادت أن تصم آذانه متردد من رده فعلها أن تكون حزنت منه بشدة، وقف قبالتها ومرر عينيه عليها، ثم مـد كفه ليمسك بكفها ورفعه إلى فمه ليقبله نادماً وهو يقول بحزن
=ضحى ما تزعليش مني انا اسف بس مش طايق نفسي وتعبان وابويا كل ما يشوفني كمان بيزيد عليا الموضوع عشان عاوز حاجه مني كده آآ وانا مش عاوز اعملها.. بس هو ده العادي بتاعه مش بيسكت
هزت رأسها متفهمة حالته وتقلباته المزاجيه لذلك قدرت نفسية ولم تحزن فهي تعلم جيد كيف يعاني أثر ذلك الأمر وكيف صعب على رجل ان يكون بذلك الشكل امام زوجته، شاعراً أنه ضعيف ومهزوز الشخصيه، فأجابته بنبرة هـــادئة
= أنا ما زعلتش منك يا منذر و مش محتاج تبرر انا فاهمه كويس اللي بتمر بيه ومقدره، ونفسي اعرف اساعدك ازاي لان مش بحب اشوفك كده وانا واقفه ساكته.
رمقها بنظرات نـــادمة على فعلته الحمقاء فيعلم جيد بأنها طول فتره زواجهم تحملت الكثير لأجله، وبالنهايه ياتي هو ويثور عليها دون مبرر فهي لا تريد شيء غير مصلحته ويعلم ذلك ايضا جيد، ليقول بآسى
= ضحى انتٍ طيبه أوي وانا لو لفيت الدنيا كلها عمري ما هلاقي زيك والله، صدقني لو بايدي كنت عملت لك حاجات كثيره عشان افرحك، عشان انتٍ تستاهلي تكوني سعيده بدل ما حياتك تضيع مع واحد زيي لحد دلوقتي مستقبله مش معروف
ردت عليه زوجته بنبرة مطمئنة وثقة
= ما تقولش كده انت احسن واحد انا شفته في حياتي ومتاكده ان انت بكره هتبقى حاجه كبيره اوي حتى لو في نظري انا بس.. انت أصلا من دلوقتي احلى راجل في حياتي يا منذر
غمــرت السعادة قلب منذر وهو يرى زوجته الحنونه تشاركه أبسط الأمور والدعم المعنوية
ليمســد على رأســها برفق شديد وانحنى ليقبل جبينها وهمس بشجن
= انا مش عارف عملت ايه في حياتي عشان ربنا يرزقني بزوجه صالحة زيك ربنا يقدرني و اردلك كل اللي انتٍ بتعمليه معايا ودعمك ليا المستمر طول الوقت مهما كانت حالتي والوضع اللي احنا فيه
همست له ضحي بنبرة ناعمة وهي تضغط على كتفه بقبضتها برفق
= منذر زين شباب السيدة زينب مينفعش يقلق ولا يفقد الأمل.. عشان هو ما فيش ذيه .
خفق قلب منذر وهو يطالعها بنظرات عاشقة، ثم أرادت ضحي أن تغير الموضوع قائلة بتلهف
= استنى عندي ليك خبر حلو! هو انا ما قلت لكش أن القط الجديد اللي جبناه لسلطانه جي بنتيجه وبطلت تتعصب وتتنرفز من غير سبب
عشان الجواز
عقد حاجيبة مِن كلماتها وتصرفها عندما رفعت القطه في الهواء ثم إذ بها تقول بنبرة متحمسة
= قطتي الجميلة سلطانه حامل وقريب هتجيب قطط جميله زيها صغيرين
نظر مندهشة ثم وضع كوب القهوة الذي بيده على المنضدة ليجلس جانبها وهي تناوله
القطه من بين يداها، ثم ازدادت ابتسامته اتساعًا وهو يقول بمرح
=ده بجد! يعني هنكون جدو وتيته قريب
ضحكت بشدة على كلماته تلك وهي كل اهتمامها مع القطه وفي عينيها بريق سعادة..
حينما إرتوت عيناه برؤية إبتسامتها نَبت أمل
جديد بداخله بِأن لايزال كل شيء بخير وأن
مهما حدث سيحاول إعادة صُنع أسباب لها
للأبتسام، إبتسامة واحدة قادرة على صنع
الكثير من الكوارث بداخل قلبه .
وحينها قد قرر أن يذهب ويحضر جلسه علاجه القادمة مع الطبيب مثل ما تريد لأجلها، ولأجل ان تظل سعيدة هكذا من أبسط الأشياء و الأسباب.. حقا أصبحت لها تأثير إيجابي وبشده على حياته بكل شيء .
فالشعور بالسعادة لحظات مَأخوذاً فَأَعادَ كلمات داخله بنبرة متحررة بعزيمة: سوفَ أُبالِغ في فرحتِي يومًا، ثأرًا من الأيام التي خذلتْني..”
❈-❈-❈
وقف آدم أمـــام المراه يضبط الكرفته قبل أن يذهب للعمل! بينما كانت ديمة بالداخل نائمة فلم تعد تستيقظ مبكراً بعد عطلتها، اعتدل في وقفته وذهب يحضر حقيبه حاسوبه الشخصي وإنشغل بمتابعة أعماله من خلاله قبل ان يذهب للجامعة.. وفي تلك اللحظه تفاجئ بجرس الباب يرن!.
= ايوه!.
قالها وهو مسلط أنظاره على شاشة حاسوبه ثم تحرك نحو الباب وقد أنصدم بشدة عندما رآه أشقاء ديمة الاثنين أمامه، وابتسمت رانيا وهي تردد بامتنان شديد
=ازيك يا استاذ ادم احنا جايين عشان ناخد ديمه ونخلص اجراءات الطلاق، وكتر خيرك لحد كده .
تملكه في ثواني القلق الممزوج بالخوف وهو يسمع إلي الحديث بصدمة كبيرة فلم يتخيل وجودهم الآن، حبس أنفاســـه وهو يسلط أنظاره بالخلف ولا يعرف بماذا يجيب عليهم، وكيف يخبرهم بأنه خلف الوعد.
❈-❈-❈
أمام جامعه بسمة كانت تقف تتحاور مع محمود حتى تضع حد لذلك الوضع ويبتعد عنها فلم ينقصها مشاكل اكثر، لكنه كان يرفض الانصياع لها مطلقاً، صاحت فيه بإنفعال وهي تغمض عينيها بقوة بنفاذ صبر
= هو انا مش هقعد ارغي كتير قلت لك لاخر مره بحذرك تقرب مني! عشان ما اخدش اجراء قانوني بعد كده
اقترب منها خطوه وســألها بنبرة تلهفاً وقد زاد لمعان عينيه
=انا مش مصدقك بجد هو انتٍ في حد بيهددك تبعدي عني اهلك يعني، قوليلي يا بسمه.. قولي ان في سبب قولي انك بتحبيني زي ما انا بحبك!
انفعلت بسمة وهي ترد بعصبية
= حب ايه انا لو في مشاعر ناحيتك هتبقى كره، ايوه بكرهك وبكره نفسي وبكره ضعفي اللي خلاني لمجرد تفكير بس؟ أن ممكن اعرف بواحد واخون جوزي، بس انا لازم افوق وانت كمان عشان ده حرام وغلط وربنا هيعاقبني عليه لو طاوعتك على الهبل ده .. !
تعجب محمود من كلماتها وســألها بإستغراب
= جوزك ايه! بس صاحبتك قالتلي ان انتٍ مطلقه؟!.
هزت رأسها برفض وهي تقول بجدية
= غلطانه او ما اعرفش هي قالت كده ليه بس هي عارفه كويس ان انا متجوزه وعندي طفل!
ولو عندك ذره رجوله بقي بعد ما عرفت ان انا متجوزه اصرف نظر عني والبنات كتير حواليك
لم يظهر عليه اي تأثير بأنها مرتبطه وهو يهز رأســه معترضاً وأردف قائلاً بصوت خافت
= بسمة انا بحبك ومقدرش اعيش من غيرك وصدقيني كل شيئ هيتصلح! ولو مش مبسوطه مع جوزك زي ما واضح جدا قدامي اطلقي منه ونتجوز
إرتسم على ثغر بسمة إبتسامة باهتة مصدومه من رده فعل الغريبه وســألته بصوت ضائق
= بتحبني تدمرني ومستمر تخليني اخسر نفسي وجوزي وبيتي وحياتي كلها .. بقول لك ايه انا بدات اشك فيك أصلا انت بني ادم مش كويس ازاي بعد ما عرفت ان متجوزه لسه مصر على اللي في دماغك!
وفي نفس التوقيت على بعد مسافة كان معاذ يقف ينظر للمارة وكأنه يبحث عنها في كل الوجوه وهي كانت تقف هناك مع شخص امام بوابه الجامعه لكن لم يراها، فاول ما جاءت له تلك الرساله وصورتها وهي بذلك المكان وانها تخونه اسرع الى هنا دون تفكير لانه بالاساس أصبح يشك في تغيرها مؤخرا؟ ظل يبحث حوله مثل المجنون وبتلك اللحظة وسريعة حينها إستدار ليحدّق في الجالسين لتقع عينيه عليها لكن لم تكن بصوره اوضح ولم يرى حتى الشخص الذي أمامها من بعد.
لذلك اسرع يقترب منها أكثر واتضح صوره الشخص الذي تقف معه والتي كانت تتحدث معه وفي يديها عده كتب! نظر في أعين بسمه التي كانت تقف قباله بجسدها وميزها بسرعه من بين كل اللذين يقفون.
وحينها بترت بسمة كلامها مع الذي كانت تتحدث معه وهي تنتفض بذعرٍ للخلف التصقت بظهر بوابه الجامعه بينما تشاهد زوجها أمامها يتقدم منها بوجه غير مقروء الملامح..
لتفهم على الفور بانها غاده من اخبرته بالمكان! وماذا اخبرته يا ترى ايضا؟ شعرت بأن المكان
يضيق أكثر لائت عينيها وفضحها بريقهما من الخوف والرعب، كان ينظر معاذ لها بنظرات تعني أن تغادر المكان وحسب خلفه افضل لها، وكأنه يُحذرها مِن أن تخطو خطوة واحدة للأمام، قبل أن لا يتحكم باعصابه اكثر ويقترب منها يأخذها بالاجبار وكأنه سينفجر في أي لحظة……
دون ان يهتم بمن حولهم وتلك صديقتها التي كانت تتحدث معها فنعم من كانت تقف معها عندما رآها مروه وليس محمود الذي امرته بان يذهب وليس له علاقه لها بعد الآن ومن حسن حظها بأنه راها مع فتاه وليس شاب حتى لا يزداد مشاكلها..!!!
لكن كيف ستبرر وجودها هنا والكتب التي تحملها في بيديها وماذا ستكون ردة فعله عند كشف المستور فا اللحظة التي كانت تخشاها من الواضح أن الوقت قد حان للكشف عن الحقيقة المخفية .
❈-❈-❈
أضطر منذر لترك ضحى والنزول إلى الوكالة لإخبار والده على بدأ المشروع فقبل قليل، اتصل به شخص وأخبره أن جميع الإجراءات أصبحت جاهزة للتنفيذ، و عندما هبط فوجئ بسيارة فخمة وجديدة ذات ماركة عالية تقف أمام الوكالة وكان صبي الوكالة يقف بجانبها وينظفها بقطعة قماش قديمة بعناية
فرك طرف ذقنه بكفه بدهشة كبيرة وهو يتسائل باهتمام
=ايه ده يا مصيلحي هو احنا عندنا زباين جوه في الوكاله، ولا ايه العربيه الحلوه دي شكلها شيك وغاليه أوي
رد عليه صبي الوكاله بإيماءة خفيفة من رأسه
=ما تغلاش عليك يا منذر بيه ما هي مش هتروح لحد غريب برده، دي عربيه معاذ بيه الجديده ولسه جايه بمصنعتها على الزيرو!
انتبه حواسه كليًا لجملته الأخيرة، وتصلب تعابير وجهه كرد فعل طبيعي لما سمعه توًا ونظر إلي خزنه الوكاله بسرعه بتوجس! ثم توهجت عيناه بوميض غريب، وهتف متساءل بفضول كبير
= عربيه معاذ ازاي قصدك يعني الحج جابها لي قسط
راقبه منذر بنظرات دقيقة متأمل لكل ردة فعل تصدر عنه أراد أن يعرف وبشدة من اين جاء والده بتلك الأموال، فقد دار في رأسه فكرة ما! وتمنى ان تكون خطا. بينما هز الآخر رأسه هاتفًا بتوضيح
=لا دفع فلوسها كلها مره واحده وقال لي روح استلمها و ورقها خلاص جهز واتمضى كمان مبروك عليكم ربنا يجعلها وش السعد.
اتسعت عينا غير مصدق هل والده أضع حلمه وصرف كل المال مقابل سياره الى معاذ حتى يذهب ويتظاهر بها أمام الجميع ولم يفكر أن يستشيره في الأمر حتى! او ياخذ اذنه و يستفسر لما كان يجمع تلك الأموال كلها؟
أسرع بخطواته نحو الخزنه ليتأكد من الحديث وقد وجدها فارغه بالفعل! اشتدت تعابير وجهه حدة وتجمدت نظراته المحتقنة نوعًا ما عليه قبل أن يرحل ويصعد إلي منزل والده وكل غضب الدنيا داخله.
ضرب علي باب المنزل بانفعال وهو يضرب بيده بعنف حتي فتح الباب والده وهو يقول بانزعاج قوي
= ما بالراحه على الباب هو انت في ايه؟ الدنيا اتهدت ولا ايه بتخبط كده ليه؟
لم يستطيع ضبط انفعالاته الهائجة ولاول مره لم يفكر في خوفه من والده أو تعنفه بالحديث مثل كل مره، و زادت نبرته قتامة وهو يصيح بنبرة عدائية مخيفة
= فين الفلوس اللي كانت في خزنه الوكاله اوعى تقول انك خدتها ورحت دفعتها في العربيه اللي تحت وجايبها لابنك الصايع اللي قاعد زي قلته جنبك ومستني ياخد المصروف !.
** ** **
_________________
زمجر شاهين بشراسة من بين أسنانه المطبقة بقسوة
=ما تحترم نفسك يالا مين ده اللي صايع! ازاي اصلا تكلمني بالطريقه دي فلوسي وانا حر فيها اعمل اللي انا عاوزه بيها، انت هتنسى نفسك ولا ايه انت شغال عندي زي اي عامل تاخد فلوسك على الجزمه وتسكت وما لكش دعوه بالباقي؟ ولا مفكر عشان سايبك تدير كل حاجه هتفكر نفسك صاحب الوكاله بجد وانا اللي شغال عندك
ظل منذر بمكانه عدة لحظات بجمود وهو يتطلع له باعين مظلمة ممتلئة بالغضب العاصف قبل ان يرد بانفعال ظاهر
= انت إللي ما تنساش نفسك ولا ابنك! الوكاله دي من غيري ما تعرفوش تدوروها وانا اللي كبرتها وكبرت الشغل وطورت كل حاجه فيها
وانت بقيت في الفتره الاخيره زيك زي ابنك تيجي تاخد الفلوس على الجاهز من غير ما تتعب وتشقى، اوعى تفكر ان ساكت ضعف لا كنت بقول معلش ابويا في الاول وفي الاخر وكلمته تمشي غصب عني لكن لما توصل انك تاخد شقيه، وتروح تشتري لابنك بيه عربيه عشان يتمنظر بيها قدام صحابه وانا كنت بحوش الفلوس دي بقيلي شهور كثير عشان أعمل مشروع تبقى لا بقى وكفايه أوي لحد كده انا استحملت اللي ما حدش يستحمله.
في تلك اللحظه انفتح الباب على اثر الاصوات العاليه، وتقدم معاذ وخلفه زوجته وهم قد استمعوا إلي بعض من الحديث، تصلب جسد شاهين فور سماعه كلماته تلك بينما اشتعل بداخله غضب عاصف غمغم بحدة وهو يضغط على فكه بقسوة
= هو إيه اللي استحملته هي فلوسك واحنا إللي شغالين عندك ولا إيه، انت هتصدق نفسك وتخيب انت من غيري ولا حاجه
تقدمت والدته التي كانت تتابع الموقف من بعيد ولم تتحمل تطاول منذر علي والده وهي تقول بتوبيخ حاد
= هو في حد لعب في دماغك ولا ايه؟ مالك بتكلم ابوك كده ليه ما تحترم نفسك و مالك داخل شايط في الكل كده ليه
نظرت إليها ضحي التي دخلت من باب المنزل أثر الأصوات لكن لم ترد عليها إنما انشغلت مع حاله منذر وهي تطلع له بقلق وخوف، بينما تحدث معاذ مغمغماً بحدة و نفاذ صبر
= ما تهدي يا منذر و خلينا نحل المشكله بالراحه هو انت ايه اللي مضايقك في كل ده، يا سيدي خلاص انا مستعد ارجعها طالما حته العربيه دي اللي عامله المشكله
اقترب منذر من والده ولم يهتم لأحد غيره وهو يهتف بشراسة وغضب و قد بدأ يفقد السيطرة على غضبه فكل ما يحدث يضغط على اعصابه و قوة تحمله
= عاوز تعرف مستحمل ايه! مستحمل من اول ما إبنك الحيله عرفت انه تعبان وعنده القلب وانا عمال اتنازل واقدم تضحيات مش مفروض عليا؟ بلاش تلعب اللعبه دي عشان اخوك ما يتعبش حاضر؟ بلاش تكمل دراستك وكفايه عليك لحد كده عشان اخوك بيرجع من المدرسه تعبان و زمايله بيضربوه حاضر؟ عينك تبقي عليه علي طول ولو حصله حاجه حتي لو هو اللي غلطان انت اللي هتتعاقب مكانه؟ ما هو عيان وما ينفعش يحس ان اقل من غيره لكن انت تنفع تحس وتتعاقب و تتضرب وتاخذ بالجزمه وتتعب وتشقى وما تفتحش بوقك.
اغتاظ معاذ بأنه يهين إياه بذلك الشكل أمام الجميع ولم يفهم علاقه ذلك الحديث بمشكلته مع والده هل كان يراه حمل ثقيل عليه لتلك الدرجه، أضاف منذر هاتفاً بصوت منكسر وهو يشعر انه يدور بدوامة لا يعلم متى ستتوقف و يخرج منها
= وكل دول وليه عشان استاذ معاذ ما يحسش انه اقل من حد لكن عمرك فكرت فيا انت ولا الهانم اللي وراك ان انا برده ابنكم و محتاج اهتمام ورعاية ولا بتعب ولا بشتكي من حاجه زيه؟ لكن مش مهم هو انت هتقارن نفسك بيه عيان زيه مثلا! انت عندك فرص كتير عنه اي حاجه تيجي قدامك هو عاوزها سيبها له.. و مش مهم انت في داهيه و تتهزق وتضرب بالجزمه كمان عشان يعجب استاذ معاذ.. و شيل الشغل مكانه انت لسه بصحتك وسليم! ولازم اجي عليك وانت تتحمل وما تفتحش بقك حتى لو هزقتك قدام مين عشان أنت الكبير.. و هتشيل المسؤوليه لوحدك وهتكون كبير العيله! هو انت مفكر نفسك أب اصلا أنا عمري ما حسيت بكده بحياتي وما حسيتش غير أني يتيم وسطكم .
وضعت ضحي يدها فوق فمها وجسدها كان يرتجف بينما تقاوم بصعوبة الدموع التى انسابت بصمت على وجنتيها و هى تدرك بانه
عاني كثيره ومهما يتحدث لم يفهمه احد و يشعر به، بينما وضع الآخرين كان منهم من مصدوم وحزين.. وغاضب!. وهم يشاهده بتلك الحاله لاول مره بحياته.
شعر بانفاسه تنسحب من داخل صدره كما لو ان المكان يطبق جدرانه من حوله، فقد اكتشف أمره بأنه غير مهم بالنسبة لهم مهما قال و تحدث، نظر إلي والده شزرًا وتمني لو ان يري طيف ندم واضح على محياه لكن لم يجد شخص منهم أعترف بأنه كان مقصر معه و ظلمه بالأساس، وهو قد نفذ صبر وانتهي ليصرخ بتشنج
= يا اخي ملعون الكبير على الصغير على المرض على اليوم اللي فضلت تفرق بيني وبينه لحد ما كرهتني في حياتي كلها وخلتني احس نفسي ضعيف ما ليش اي قيمه، وخليت الكل يجي عليا عشان شافوك بتعمل كده من اول اللي في الوكاله و الناس اللي في الشارع ومن الزفته اللي جوزتها لي ومن كل الناس وكل حد كان باختيارك انا دفعت ثمنه اضعاف حياتي كتير.. ولسه بعد كل ده بتسال مالي؟؟ أنت حتى مش حاسس بيا ولا شايفني ايه؟؟ للدرجه دي معمي وناسي أن ليك ابن تاني ومحتاجلك .
هز أبيه رأسه وهو يحاول التحكم بالغضب المشتعل بداخله
= بتقل ادبك على ابوك، وكل ده عشان ايه خدت فلوس الوكاله اللي فاتحها باسمي! ما الشقه اللي انت فيها كمان بتاعتي وجيت خدتها على الجاهز وسكنت فيها.. و دلوقتي بتقارن اللي كنت بتعمله زمان معانا عشان اخوك يتعالج طب ما احنا كلنا قدمنا تنازلات اشمعنا يعني انت اللي شايف نفسك المظلوم
زفر بعنف و النيران التى بصدره تشتعل اكثر وهو يري امامه مجرد تماثيل ليس لهم تعابير تدل على الشفقه والعطف، إلا ضحي.. ابتلع الغصة التى تشكلت بحلقه فور وهو يقول
باحتجاج
= انا مش شايف نفسي مظلوم، انا مظلوم فعلا عشان انت راجل ظالم ومفتري ومش انت لوحدك واللي مفروض كمان تبقى امي و المفروض كمان اسمه اخويا، كلكم ظلمتوني ومش راضيين لاخر لحظه حتى تعترفوا بكده، وعشان تعرف اكبر دليل والفرق بين تضحيتكم وتضحياتي ان انا بتعالج عند دكتور نفساني بسببكم وكل ما اوصل لنقطه كويسه ترجعوني لنقطه الصفر تاني بسببكم، بس خلاص مش مهم ما بقاش فارق حاجه
كانوا كمن تلقوا صفعة قوية في وجههم و ضربة موجعة في مقتل وذلك حينما أخبرها بأنه يتعالج عند طبيب وهم السبب بذلك…
كادت أن تقترب منه ضحي والدموع تلمع في عينها لكنها ثبتت بمكانها عندما سمعته يهمس بصوت ضعيف محبط
= هو انا بكلم مين اصلا هو انت عمرك عرفت عني حاجه ولا بهمك! انت بتتعامل معايا كاني بنك اجيبلكم فلوس وخلاص ومهما تعملوا فيه ما لوش انه يتكلم ويشتكي.. لكن ولا تعرف عن الاكتئاب اللي بعاني منه ليالي طويله لوحدي ولا الفلوس اللي كانت بتسحبها الهانم اللي جوزتها غاده عشان تكتم على اسراري وكانت بتساومني وانت شايفها ملاك.. ولا الدكتور اللي بروح لي في السر عشان اتعالج منكم.. ولا اي حاجه ما فيش بس الا ضحى اللي كانت غريبه عني ومن اول يوم ساعدتني انما اهلي ولا كان ليهم اي لازمه في حياتي، لو في حاجه بندم عليها دلوقتي ان انا كنت بسكت لكم .
اشاح منذر وجه بعيداً لكن ليس قبل ان تري زوجته خطوط الدموع المتساقطة علي خديه مما جعل ضعف غريب يستولي عليها تنحنحت وهي تتقدم قائلة بصوت متحشرج و هي تقاوم المشاعر التى تعصف بداخلها
= منذر خلاص لحد كده تعالى معايا فوق عشان خاطري.
هز رأسه عده مرات بالايجاب وهو يتحدث بصوت معذب بينما عينيه اصبحت محتقنة بالدموع
= هي خلاص فعلا، اطلعي لمي هدومك وكل حاجاتنا احنا ما لناش مكان في البيت ده، مش لسه بلسان قايل شقته ياخدها و ياخد كل حاجه انا مش عاوزها، لكن كل حاجه انا شقيت وتعبت فيها هاخدها غصب عنك.. و وريني بقى هدير الوكاله ازاي من غيري انت وابنك الصايع اللي مستني كل يوم مصروفه يخده من شقايه.
شحب وجه الجميع فور ادراكه معنى كلماته تلك وأنه سيرحل، ومن ضمنهم شاهين لكن أنكر تأثره وهو يصيح بشراسة وشرارت الغضب تتقافز من عينيه
=ما في 60 داهيه انت هتذلني! الشغل ده انا اللي علمتهلك لو كنت ناسي و لولايه ما كنتش زمانك شربت الصنعه وعرفت تشتغل بدل ما كنت زمانك قاعد على القهاوي مستني حد يشغلك، وتمسك قرش.. دلوقتي بتتقلب عليا.. بتتقلب على ابوك
اشعلت كلماته تلك الألم الذي ينبض بداخله و قد تذكر جميع ما حدث له بسببه وهتف مأكدا حديثه بصرامة شديدة
= انت صح أنا عيل فاشل وعمري ما كنت مسؤول عنكم ولا بفهم حاجه ولا ليا فايده اديني هسبها لكم اعملوا مبادلكوا بقى.. بس اقسم بالله العظيم لو جيتوا تترجوني حتى ما هرجع لكم تاني.. وخليك فاكر كويس كل حاجه عملتها معايا لأني عمري ما هنساها ولا هسامحك عليها .
أطلق منذر نفسا مرتجفا قبل أن يلقي عليهن
نظرة اشمئزاز ثم يتركهم مبتعدا نحو الخارج مع زوجته فمعها فقط يسمح لنفسه بالانهيار في أحضانها والألم يعتصر ملامح وجهه الكالحة.
صفق الباب خلفه بقوة لتهتز اركان البيت من عنفه، ثم نظر الجميع الى بعضهم عده ثواني يحاولون استوعب الأمر !!.
بينما شاهين مازال مكانه مذهولا من تصريح منذر له، بل وبمواجهته له بأنه نادم آنه تحمل سابقآ تعنفه له، هل ظن أن خضوعه يستمر من أجله كان مخطئا، فهو قالها لاشئ أسوا أن تشعر بأنك يتيم ولك أب.. لك مجرد قطعه بالحياة دون فائده، مجرد ليالى يحاول فيها أن يظهر مظهر الأب العادل وهو ظالم و متجبر وجاحد، ليفكر هل كان فعلا كذلك معه، زفر نفسه بحرارة تلهب قلبه.
ما الذي تغير به بعد مولد معاذ فهو قال ذلك بنفسه وأنه أسواء أيام حياته بدأت بعد معرفته بمرض معاذ ومن بعدها بدأت معاناته،ما سبب ذاك الوهج الذي كان ينير وجه منذر،والإجابه بسيطه.
الرضا والرحمة بقلبه ظهر على وجه لكن أين مكانه من هذا الرضا؟ لامكان له كما اختار شاهين قبل سنوات أن ينسي ابنه الأكبر و يركز مع الإبن الأصغر فقط بحجه مرضه .
❈-❈-❈
في منزل آدم، هزت رانيا رأسها بشراسة مخيفة وهي لا تصدق ما سمعته وكيف خدعها، ثم صاحت فيهما بنبرة عالية
= هو إحنا اللي بنسمعوا ده صح ولا عقلنا حصل له حاجه؟ بقي حته عيله مفعوصه زيك تقف قدامنا وتقول لنا هقعد مع جوزي ومش هروح معاكم وجوزنا بقى حقيقي! ما ترد يا أستاذ آدم يا اللي ائتمانتك على اختي وسبتها هنا امانه وانت وعدتني انك مش هتلمسها وهطلقها بعد فتره
لم يرد أن يتدخل في شؤونهم وخلافاتهم، لذا لم يجب لأنهم يتهمونه دون أن يسمعوا أو يصدقوه، وهو متأكد من ذلك بغض النظر عن ما يقول أو يبرر، ملت زينب من انتظار أي تبرير منه، وأرخت ساعديها هاتفة بغضب
=هيرد يقول لك ايه ما كل حاجه باينه؟ انا كان قلبي حاسس وما كنتش واثقه فيك من الأول بس اختي قعدت تقولي انا مطمنه لي واستاذ آدم زي اخونا الكبير وعمره ما هيخون الوعد وديمه زي ما سيبناها له هنيجي ناخدها، ادي اختك بكل بجاحه وقفت قدامنا بتقول لنا انه لمسها وبيرضاها
هزت ديمة رأسها بإيماءة صريحة وهي ترد بغل
=وانا اللي طلبت كمان ايه رايك بقى؟ اول حاجه يا ريت تتكلموا في البيت اللي انتم فيه ضيوف بادب وصوتكم يوطى واتكلموا مع جوزي بطريقه كويسه، احنا ما عملناش حاجه غلط ولا حرام نتكسف منها.. انا مش فاهمه عمالين تعاقبوني على ايه هو انا عيله صغيره قدامكم؟ ولا ادم كمان عيل صغير وعارف كويس احنا عملنا ايه
رمقتها أختها زينب بنظرات دونية مسيئة للغاية، وتمتمت من بين أسنانها بعصبية منفعله
=لا البنت دي مش طبيعيه هو لحس عقلك للدرجه دي ولا عملك غسيل مخ! نسيتي كلامك يوم كتب الكتاب كنتي مرعوبه وخايفه منه وقلتلي إزاي واثقين أوي في الراجل اللي انتم رميتوني لي وبعتوني! وانا طمنتك بنفسي وقلنا لك هنفضل جنبك ومش هيقدر يعمل لك حاجه .
ابتسمت ديمة بسخرية مريرة غير مصدقة قسوتهم عندما حاولت ان تكون مثلهم وترد الصفعه عاتبوها وقد نسوا ماذا فعلوا معها بالسابق فهم دائما يستغنوا عنها، لترد بحدة قاسية
= ولله؟! هو انتٍ مش واخده بالك ان انا اللي مفروض اعاتبكم وان انتم اللي خلفت الوعد مش هو! واخده بالك انا بقيلي قد ايه متجوزه وانتم نسيتوا الميعاد! غير الزيارات اللي كل واحده منكم لما بكلمها ترمي غلطها على الثاني وتقول انا فكرت اختك جت زريتك وسالت، وحتي المكالمات بطلتوها هي كمان… اوعوا تفكروا دلوقتي ان انا بعاتبكم لا خلاص انا رميت طبيبتكم زي ما انتم استغنيته عني من زمان! فبقيت دلوقتي انا اللي وحشه لما بعملكم نفس المعامله .
استدارت رانيا ناحية آدم ولوحت بذراعها في الهواء وهي تقول بنبرة محتقنة رامقة إياه بنظرات احتقارية
=قويت البنت علينا خلاص واستغليت انشغلنا عنها شويه! انا كنت مخدوعه فيك الظاهر و طلعت مش سهل.. دي قد بنتك يا نهار ابيض هو انتم مستوعبين الفرق بينكم قد ايه ازاي قدرته تعملوا كده، اسمعي يا بنت انتٍ غصبا عنك هتيجي معانا انتٍ لسه عيله صغيره ومش فاهمه حاجه.. لو سيبناكي دلوقتي هتجيلنا بعد كده تبوسي ايدينا وتندمي
هدرت ديمة بتحذير وهي تضرب بقبضتها بعنف على الحائط جانبها
= قلت لك اتكلمي مع جوزي بطريقه كويسه! وانا هنا برضايه ومش همشي ومش هسيب بيت جوزي، وما فيش حاجه اسمها غصب عنك انتٍ لو مش واخدي بالك انا خلاص عديت السن القانوني و اصلا أنا في حكم جوزي وما فيش قوه على الارض هتمنعني اسيبه، انا مش قاعده معاه عشان انتوا رميتوني هو صحيح ملي مكانكم وزياده و عمل اللي عمركم ما كنتم هتعملوه بس برده انا هنا عشان بحبه واخذت قراري من زمان هكمل حياتي معاه عشان بحبه .
جذبت زينب رانيا من يديها بحده وردت عليها بصراخ وهي تهدد بسبابتها
=ما تيلا يا رانيا انتٍ مستنيه ايه ما هي طردتنا هتقعدي اكتر من كده سيبيها عشان بعد كده لما يرميها رميه الكلاب تعرف قيمتنا! و ان احنا كنا صح واللي جنبها ده عمره ما هينفعها بس خليكي فاكره كويس يا ديمه ان انتٍ بعتي اخواتك عشانه!
لوت ثغرها للجانب وهي تردد بانكسار حزين
=وانتٍ كمان خليكي فاكره كويس ان انتٍ و اختك بعتوني من زمان وخلفتوا وصيه ابوكو وامكم، انا ياما عتبت وحذرت عشان تاخدوا بالكم مني لكن خلاص حتى لو هكون لوحدي مش هسامح و اعدي تاني! شرفتونا.
طالت ديمة أخواتها بنظرات متحدية بين كليهما حتى قطع ذلك انصرافهم من أمامهم تجمدت في مكانها لكن تحركت رأسها عفويًا معهم لتراهم وهم يخرجوا من المنزل ووجههم تعكسه حاله الغاضب، أخفضت رأسها ببطء بحزن وحنق فطول الوقت يفرون ويتخلون عنها بسهولة دون أي مقاومة.
وجه آدم حديثه إلى زوجته بعد خروجهم متسائلاً بتوجس
=انا ما رضيتش اتدخل عشان هم اصلا شاكين ان انا اللي بحرضك، رغم كلامهم الجارح انا مسامحهم وعذرهم، بس نصيحه مني يا ديمه بلاش تقطعي صلتك بيهم عشان اي سبب حتى لو انا، خليهم يهدوا ونروح بعد كده نتكلم بهدوء ونفهمها الموضوع
نظرت له بحدة ثم هزت رأسها باعتراض وهي تقول بحسرة
=ولا هنروح ولا هنيجي! انت مش شايفهم عمالين ازاي اول ما قلت لهم ان انا هقعد مع جوزي مايرضوش يسمعوني حتي عملوا نفس الموقف بتاع زمان! لما قلت لهم ان معجبه بواحد ما حدش سامعني للاخر برده وهي دي مشكلتهم دايما.. هم صح وانا لازم اكون غلط طول الوقت، كفايه بقى تحكم وانا إللي همشي حياتي زي ما انا عاوزه وما عدتش عيله صغيره لما سابوني لوحدي سنين طويله اتعلمت بسبب كل مشكله كنت بقع فيها لوحدي وبحلها.
لم ينتبه لملامح وجهها التي شحبت بإختناق وعجزت هي عن التنفس بصورة طبيعية فإلتفتت برأسها حولها وهي تردد بصعوبة
= يمكن لما جوزوني ليك كانت هي دي المشكله الوحيده اللي ساعدوني على حلها ويا ريتهم كملوها للاخر .
تنهد بضيق شديد وهو يقول بإصرار جاد
= انتوا ما لكوش إلا بعض و مش عاجبني خلافاتكم دي طول الوقت مع بعض.. وانا عارف كويس يعني ايه اهل، ومش عاوز اكون أنا السبب في ده!
أجابته بصوت مختنق ومتقطع وهي تسعل وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة
= آآ انت بتقولي انا ما تقول لهم هم! هم دايما لما بيصدقوا يرموني في اي حته ويستغنوا عني الـ.. آآآه
خــارت قواها ولم تستطع ساقيها حملها ولكن كان أدم الأسرع في الوصول إليها وأسندها بذراعيه ثم إنحنى ليحملها ووضعها برفق على الأريكة وسألها بهلع وهو يمسح على وجهها بكفه
= في ايه مالك؟ ديمة دري عليا.. ايه اللي بيوجعك.
غابت عن الوعي فصرخ بذعر أكبر وهو يحاول إفاقتها وبسرعه حاول مستغيثاً بمن ينجده و بالفعل تم الاتصال على الطبيب القريب منه وقام بإفاقتها للإطمئنان على حالتها الصحية وكان آدم بجانبها طوال الوقت ولم يتركها، وعندما أبتعد إندفع نحوه وســأله بتلهف
= مراتي عاملة إيه ؟
أجابه الطبيب بهدوء
= هي دلوقتي أحسن، اطمن بس الاشاعات دي لازم تعملها في اقرب وقت عشان جسمها ضعيف ولازم تخلي بالك من صحتها خصوصا الفتره اللي جايه .
تنفس الصعداء حينما أخبره الطبيب أنها بخير لكنه عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول بعدم فهم
= حاضر هخليها تعمل كل اللي انت عاوزه بس اشمعنا يعني الفتره الجايه! انت مش قلت لي انها كويسه واطمن .
أبتسم الطبيب وهو يقول بصوت هادئ
= هو انت قلقان أوي من دلوقتي امال هتعمل ايه خلال التسع شهور! مبروك المدام حامل؟!.
❈-❈-❈
أخذ معاذ زوجته أمام الجميع في استعراض قوته الزائفة لمنزلهم، فبادلها نظرات نارية مهددة بإحراقها حيًا بعد إن تجرأت التصرف أمامه أكثر من اللازم، بالاضافه أنها أخبرته بكل جرأة ماذا كانت تفعل هناك مما صدمه بشدة، فتقلص المسافة بينهما إلى خطوة واحدة، وزاد هو من نقصها بميله عليه برأسه صـــارخ بانفعال ملحوظ
= نعم يا اختي بتكملي دراستك من ورايا؟ يعني كنتي بتضحكي عليا وكل يوم تقوليلي راحه لابوكي وبتروحي الجامعه عملتي كل ده امتى وازاي؟ و ازاي قدرت تكدبي عليا بحاجه زي كده هو انتٍ مش عارفه اللي عملتيه ده غلط وحرام انك تعملي حاجه من ورا جوزك ومن غير أذنه! بتعصيني يا بسمه
احتارت بسمة في الرد عليه، فرأسها كان خاويًا هي بصعوبة تحاول الإستمرار في رسم القوة الزائفة وأنها جامده وصلبه أمامه فما رأته من منذر جعلها تتشجع هي الأخرى ولم تخفي شيء رغم قلقها من القادم، لذلك ردت هاتفة باستنكار
= طب ما انت حلو اهو وبتتكلم على الشرع والدين ويا ترى كمان عارف ان الشرع بيجبرك تصرف على مراتك وتنفق عليها من مالك مش من مال ابوك ولا انت بس بتاخد من الدين اللي على مزاجك.. انت السبب أصلا واللي خلتني اضطر اكذب عليك
اتسعت مقلتاه بغيظ وهو يردد بعصبية
= كمان هتجيبيها فيا! ناقص كمان تقوليلي هشتغل بعد ما اتخرج وكل ده من ورايا وانا اخر من يعلم.. واللي جاب اصلا موضوع اني اشتغل ولا ما اشتغلش ولا ابويا يصرف عليا بانك تكملي تعليمك من ورايا وتكذبي! مش عارف لحد امتى هتفهمي ان ما يخصكيش مين اللي يصرف وايه مشكلتك اصلا في كده
أخذت نفسًا عميقًا حبسته في صدرها لثوانٍ قبل أن تطلقه دفعة واحدة لتضبط انفعالاتها.
أرادت أن تكون هادئة معه في جدالها القادم رغم أن الأمر بالنسبة لها شبه مستحيل، لتقول بصرامة قليلة
= عاوز تعرف ايه مشكلتي؟ مشكلتي ان والدك ووالدتك من اول ما اتجوزنا لحد دلوقتي بيتحكموا في كل حاجه في البيت ومش بتقدر تقول لا ولا أنا.. عارف ليه عشان هم اللي بيصرفوا.. انت عارف يا معاذ نفسي جوزي يبقى عامل ازاي؟ نفسي يبقى راجل ماسك زمام اموره.. عنده حلم بيسعى عليه ومصر ان يحققه عشان يبقى حاجه في نظر مراته قبل عياله ويحاول رغم انه بيفشل كتير.. وبيحبط وبيخسر.. وبيقع بس يقوم! ويرجع تاني يسعى عشان عنده حلم
نفخت مستاءة منه ومن نفسها بإحباط قبل أن تضيف قائله بتوضيح جاد تشرح معاناتها وكانت صريحه معه بتلك المرة بزياده
= ونفسي حتى في عز فشل جوزي ده ابقى ساندي وبشاركه في كل حاجه نفسي نحلم مع بعض ونكبر ونخسر كمان ونكسب وعادي كل ده مش فارق معانا عشان احنا مساندين بعض
احنا مش عايشين الحياه دي عشان نموت من غير ما نسيب فيها اي اثر .
أدمعت عيناها تأثرًا، وزاد عبوس وجهها ثم هزت رأسها قائلة بصوت حزين
= كان نفسي اعيش معاك احاسيس كتير اوي اي راجل والست بيحسوها مع بعض، بس للاسف انا ما حسيتش بكل ده.. عارف ليه يا معاذ عشان ببساطه عمرك ما حسستني ان انت محتاجلي، كل حاجه بطلبها وانت كمان بتيجي بالساهل! من غير ما تتعب فيها.
كان كمن يقف على جمر ملتهب من النيران وهو يراها توبخه بوقـاحة لا متناهية متناسية
أنه زوجها ولا يحق لها ان تتحدث معه بتلك الطريقه، كور قبضة يده، وكز على أسنانه متمتم بنبرة مغلولة
= انتٍ غريبه أوي بجد، هو انتٍ بتحاسبيني عشان معايا فلوس اصرف عليكي وعلي إبنك من غير ما انزل اشتغل واتعب زي غيري.. ما تبصي حواليكي يا مدام وتشوفي الدنيا بقت عامله ازاي و اللي بيحصل في يوم وليله! غيرك مش لاقي لقمه العيش.. وفي اللي بيشتغلوا برده بيعيش بالعافيه ومش مكفي بيته.. فتحي عينيك كويس وبصي على الناس واحمدي ربنا، اللي انتٍ بتتكلمي فيه وعامله مشكله غيرك بيتمنى ربعه!. وعلي فكره كمان في أزمات كتير كانت بتحصل في الوكاله وبتأثر علي المرتب ومع ذلك عمرك ما كان ناقصك حاجه لا انتٍ ولا ابنك
أغضبها رده فنظرت له بازدراء، وردت عليه بسخط
= ولا انت كمان كان ناقصك حاجه، عشان ابوك ما كانش بيحسسك بالنقص ده كان بيدفع من جيبه ومن شقيه هو واخوك عشان يعوضلك النقص ده.. عشان كده لحد دلوقتي ما تعرفش قيمه الشغل ويعني ايه تبقى مش معاك وتتعب
عبس وجهه بانزعاج ثم أشار لها بيده هاتفًا بتجهم
= انتٍ بتحاسبيني عشان معايا فلوس وقادر اصرف على بيتي.. بتحاسبيني عشان كل اللي بتحتاجي بيجيلك تحت رجلك وكل احلامك مجابه
هزت برأسها بنفي وهي ترد بنبرة مترجفة من بين بكائها الخفيف
=افهمني بقى انا مش بحاسبك عشان معاك فلوس .. انا بحاسبك عشان عمرك ما سعيت يبقى معاك فلوس، يا معاذ النجاح والسعي وانك تكون طموح هو ده اصل الحياه واهم حاجه في الدنيا .. الانسان من غير احلام و طموح وسعي بيموت.. وانت موت نفسك بالباطيه من غير ما تاخد بالك بين اللعب على الكمبيوتر والتليفون والسهر والخروج مع اصحابك.. وضيعت وقت كبير من غير ولا حاجه حققتها ولا سعيت ليها
أضافت عليه بتشنج يأس بوجـهها المتصلب، و نظراتها المشتعلة وهي تهتز بجسدها
= عشان كده كنت دايما بحاول معاك لما مالك كبر وبقي يفهم، أنك لازم تشتغل حتى لو بالكدب.. بس تخرج قدامه وتيجي عشان يفهم انك بتشتغل وعندك طموح وبتسعي عشانه.. عشان كان لازم يعرف ويفهم ان ابوه بيشتغل.. وكنت بفضل اتحايل عليك أن شاء الله تنزل حتى وترجع بعد ما ينزل، عشان بعد كده ابنك لما يكبر مش هيحترمك غير لما يشوفك بتشتغل
حدجها بنظرات حادة قائلًا بتهكم ساخر
= يا سلام وهو الشغل يعني اللي هيخليه يحترمني، لا و انتٍ الصادقه الفلوس اللي بتتصرف عليه وبسببها دخل أحسن مدارس و بيلبس احسن لبس وبياكل احسن أكل هي اللي هتخليه يحترمني احنا بقينا في زمن الجنيه هو اللي بيتكلم ويخلي الكل يحترمه.. ويا ترى بقى لو كنت مش معايا اللي يعيشه العيشه دي كان هيحترمني برده وانتٍ كمان كنتي هتفضلي تقوليلي نفس الكلام ده دلوقتي!
كادت أن ترد لكنه قاطعها قائلًا بغلظة قاسية وقد برزت حمرة عيناها بوضوح
= كنتي فعلا هتقوليلي نفس الكلام ده بس بدل ما هتعاتبيني عشان مش بشتغل هتعاتبيني عشان مش بدخل لك الفلوس دي وكل اللي نفسك فيه بحققهلك
هزت رأسها برفض و وقفت قبالته مرددة بصوت لاهث بانكسار
= لا الفلوس مش كل حاجه زي ما انت فاكر وخصوصا بالطريقه اللي انت اتربيت بيها دي عمرهم ما هتكون الحل.. انت عارف انا تعبت قد ايه مع ابنك عشان احاول اعلمه المسؤوليه اللي انت ما عرفتش تتعلمها ولا اهلك علمها لك واحاول ادخل في دماغه ان انت بتشتغل
بالكدب
رفع رأسه ناحية زوجته ليرمقها بنظرات أشد قسوة قبل أن يرد قائلاً بامتعاض جلي
= يا دي الشغل اللي وجعه دماغك بي ليل ونهار عارفه، انتٍ ست عينك زايغة وبتقولي اي كلام عشان تبرري إللي عملتي.. بس انا استاهل انا بجريكي في الكلام وخلاص .
فغرت شفتيها معاتبة إياه بكلمات نابية مسيئة في حقه، وهي ترد قائلة بانفعال ظاهر
= عشان جوزي مش مالي عيني !.
استشاطت نظرات معاذ وغليت الدماء في عروقه، لكنها رغم ذلك لم تتوقف عن الشكوى واستمرت كأنها ترغب ان تخرج كل ما بداخلها من مخزون لسنوات عديدة، زمت شفتيها قائلة بنبرة مقهورة
= كل حاجه عندك بالسهل من غير تعب ولا مجهود، كل حاجه عندك موجوده وقت ما تطلبها في ثانيه تبقى تحت رجليك ومش عاوز تتعب عشان حاجه
مسحت عبراتها المنمهرة بغزارة من على وجهها بأناملها المرتعشة وهي تتابع قائلة بحسرة
= هو انت ليه مستصعب احلامي ومش قادر تفهمني ايه يعني لما تشتغل ان شاء الله يا سيدي ثلاث ساعات في اليوم.. إيه يعني لما اتفشخر بجوزي وابقى فخوره ان عنده احلام وطموح بيسعى ليها، واعرف اقول للكل وانا فخوره ومن غير كسوف أن جوزي ناجح و بيتعب ويشتغل مش بيستنى المصروف من أبوه.. هو انت خدت بالك ليه انا قطعت مع كل اصحابي فجاه بتاعوا الجامعه من ساعه ما اتجوزتك رغم ان دي الحاجه يعني الوحيده اللي وافقت عليها وقلتلي شوفيهم براحتك انا كده كده معظم الوقت بره مع اصحابي.. عشان كنت بتكسف ان حد يسالني جوزك بيشتغل ايه؟ وبتكسف كمان أن كدبتي تتكشف
لما كنت بقول لهم ان انت بتشتغل مع والدك واخوك فعلا في الوكاله!
صمت مجبرًا أمام صياحها المتواصل، عاجزًا عن إيجاد إجابة مقنعة لها فكيف يبرر أسبابه وهو نفسه لا يستطيع تفسير ردات فعله الغير عقلانية فيما يخصها، لكن عليه ان يعترف منذر أخيه كان محق فوالده و والدته هم السبب في ازمه الاخين والسبب في تقصير كلا من!
والآن كل منهم يحصد نتيجه تلك التربيه
تجمدت عيناه عليها، وظلت تعابيره خالية من أي إشارات متأثرة رغم ثورته المستعرة بداخله ضجرت من صمته المريب، فهتفت بصوت متعباً
= يا اخي انا تعبت من كتر المسؤوليه اللي شايلاها لوحدي وكل واحد عايش مع نفسه، ياما كنت بحاول معاك واقول لك تعالى نعمل اي حاجه مع بعض ننجح عارف النجاح و
الخساره والمكسب دول لو بتشتغل فعلا هتفهمهم بجد بس كان نفسي نعمل اي حاجه سوا ونشاركها مع بعض.. انا كان نفسي احس بيك.. احس ان انا متجوزه راجل بيشتغل ويسعى.. وابقى مطمنه وانا حاطه راسي على المخده جنبه ان بكره مش هتحوج لحد لما ابوه يقطع عنه المصروف فجاه لاي سبب
لم يعد قادر على تمالك أعصابه أكثر من هذا، فتحفز للانقضاض عليها قائلاً بجموح عدواني خطير
= نفسك جوزك يبقى راجل! ممم ملاحظه عدتي الكلمه دي بطريقه مباشر وغير مباشره كم مره في كلامناه .
تراجعت للخلف متحاشية اندفاعه الأهوج، و ردت عليه بتوجس طفيف
= هو ده اللي ركزت فيه بكل كلامي هو انت هتفضل كده دايما تمسك في الهيافه وتسيب المهم.. نفسي احل المشكله دي بجد تعبت من كتر ما بتكلم وما فيش اي حاجه بتتغير انا بقيت بعدي بمراحل صعبه أوي و وحشه أوي بسبب الضغط اللي انا بقيت فيه
اغتاظ من أسلوبها الهمجي في التطاول عليه، فصاح مهددها بهجوم ساخط
=وأي مشكله فيهم يا هانم بقي نفسك تتغير وتتحل! اصل مشاكلك معايا طلعت كتير اوي.. أن جوزك يبقى راجل مش كده.. يعني انا بالنسبه لك مش راجل يا بسمة !. شايفه كمان ان موضوع تعايري وتهني جوزك هايف وعادي
بعد ما عشتي معايا سنين واتمتعتي بخيري معايا .
جمد تعابير وجهه، يضيف بفتور متعمد
= بقيت راجل وحش دلوقتي.. بقيتي مش عاوزه فلوسي.. ويا ترى بقى في حد غيري مالي عين مراتي اللي بقت شايفه جوزها مش راجل ما تردي عليا سكتي ليه.. طالما بقيتي شايفاني ضعيف ومش مالي عينك يبقي مين بقى اللي كان بيصبرك على العيشه معايا الايام اللي فاتت
عقدت حاجيبها للاعلي قليلاً بحذر وتعجب فلم تفهم هل رآها مع ذلك الشاب حتى يتحدث معها بنبرة الشك تلك ام أنه يخمن، بينما أضاف يتحدث بوعيد مخيف
= عشان لو طلع اللي في بالي صح صدقيني هخليكي تتمني الموت ومش هتطوليه عشان مش انا يا روح امك اللي هركب قرون على آخر الزمن.. مش عماله تطلعيلي كل عيوبي ومطلعاني وحش وانتٍ ملاك ونازله جلد فيا وكل حاجه انا السبب، وانا الواطي الزباله اللي مش بساعد في اي حاجه وسايب الحمل كله على مراتي.. يلا انت كمان وريني عيوبك ولا مفكره نفسك ملاك بجد..انطقي تعرفي واحد غيري
توترت قليلاً لكنها بسرعه رسمت الثبات و
انطلقت في اتجاهه صارخة بهياج في وجهه
= لا طبعا ما تحترم نفسك وتحاسب على كلامك انا إللي كان مخليني مكمله و صابره السنين دي كلها فعشان كان عندي امل انك تتغير وكنت دايما بحاول معاك تنكر ده !؟
❈-❈-❈
كانت ديمة تجلس بجانب آدم الذي كان صامت منذ سماعه خبر حملها، ضغطت على شفتيها بتوتر ثم أفلت شفتيها لتقول لعل أن يتوقف قلبها من الخفقان
= آدم هو انت زعلان عشان انا حامل ؟ انا فكرتك هتفرح ولا ما كنتش عاوز تخلف مني
نظر لها بعمق وهو يقول بصرامة حاده
= ما تقوليش كده تاني، انا بس مصدوم ومش مستوعب كمان أن ممكن اكون اب بعد السنين ده كلها من تاني، حاسس نفسي كاني نسيت الابوه اصلا.. بس في نفس الوقت خايف عليكي دي مسؤوليه كبيره وانتٍ بتدرسي لسه.. مش عاوز احس ان انا بستغلك يا ديمة عشان احقق كل رغباتي اللي كنت محروم منها في الحياه
ابتسمت بارتياح بعد ان فهمت وجهه نظره وقالت محاوله بث الطمأنينة داخله
=اوعي تحس كده تاني مره عشان انا فرحانه بفرحتك وفرحانه ان انا هخلف عيل منك مش انت كان نفسك برده في كده انا سمعتك وانت بتكلم ابن عمك عن كده، و ما رضيتش اخد اي موانع.. ودي رغبتي زي ما هي رغبتك، انا نفسي اكون أم
نظر آدم لها بحنان كبير قبل أن يقول بشغف
= انا بحبك أوي
هزت رأسها بالايجاب عده مرات بابتسامه مشرقه ثم أضاف وهو يقول بحُب
= هو ينفع أحضنك؟ عاوز أحس بيكٍ انتٍ وابني اللي في بطنك واللي لسه ما شفتوش .
أخفضت رأسها هي بضحكة خجل هاتفه
= هو في إيه يا آدم؟ هو إنهاردة يوم حظي !
عيناه كانت تلمع بعشق وإقترب منها وهو يضمها بين يديه بقوة ثم حاوط عُنقها بيديه و قربها منه بهدوء، ليلتهم شفتيها بنهم مما جعلها تغمض عينيها وتحاول تبادله، ليوقفها هو و يبتعد عنها برقي وهو يشير بيده علي هاتفه الذي يرن ويقول بقلق
= ثانيه واحده يا ديمة ده منذر، غريبه مش عارف بيتصل في وقت زي ده ليه؟! أكيد في حاجه حصلت.
❈-❈-❈
بعد فتره هبط معاذ إلي عائلته وزوجته خلفه حتى تاخذ أبنها وتصعد علي الفور، و لاحظت حاله شاهين الغريبه فكان صامت مكانه كما تركه منذر ورحل! فلم تفهم جمود تعبيره هل هو نادم علي أفعاله أم غاضب ولم يتغير كعادته بعد.
وفي ذلك الأثناء جلست مايسه إلي أقرب مقعد وهي تقول بوهن
= الحقيني بسرعه بكوبايه ميه يا بسمه، و شوفيلي اي حاجه مسكره واعملي فنجان قهوه لعمك يظبط دماغه من الصداع ده.. اه يا دماغي الواحد مش قادر.. اتحركي يلا يا بسمه هتفضلي تتفرجي علينا.
تطلعت بسمة فيها عده لحظات تستوعب ما هي قالته رغم ما حدث و ما زالت تطلب منها
و تتعامل معها كانها خادمه بذلك المنزل و تامرها بخدمه الجميع أيضا، شعرت بسخرية الموقف فابنها قبل قليل واجهه باسوا افعالها هي وزوجها.
وعندما ظلت مكانها كثيرة دون استجابه هز رأسه زوجها محتجًا وهو يقول بشراسة
= ما تتحركي انتٍ كمان اتطرشتي ولا إيه.
حذرتها حماتها تحاول تخفيف حدة الموقف
= تلاقيها مش سمعانه كويس يلا يا بسمه اتحركي .
كزت بسمة على أسنانها كاظمة غيظها في نفسها، وفكرت للحظة في أن جاء الأوان لتعترض وتخرج من جحر جحود تلك العائلة مثل منذر وتتحدث عما بداخلها، فهتفت بنزق
مظهرة ابتسامة متشفية
= لا سمعت كويس يا حماتي! معلش انا كمان حاسه نفسي تعبانه من اللي حصل وطلعي شقتي استريح، واللي عاوز حاجه يتفضل يجيبها لنفسه المطبخ مش بعيد عليكم.
اتسعت عينا مايسة بذهول وهتف معاذ المصدوم ليقول بلا تصديق
= انتٍ واعيه لنفسك بتقولي ايه؟ اتجننتي ولا ايه يا بسمه بتقولي لحماتك لا واللي عاوز حاجه يقوم يعملها لنفسه .
رغم خوفها لكنها لم تكن تتراجع عن حديثها ولم تندم، فحتى في أعز المشاكل حماتها لا ترحمها بطلباتها! وتطلب منها أن تعمل فوق طاقتها دون أن تهتم براحتها، بل وأحيانا تتذمر وتتأفف إذا ما تأخرت بالاستجابة لطلباتها رغما عنها دون تقدير بأنها زوجة الابن الوحيدة التي تخدمها! لكن ماذا استفادت من كونها الزوجه المطيعة و الوحيدة هنا غير الإجهاد النفسي والجسدي، عليها أن تعيد حساباتها من جديد وتتغير معهم جميعا.
رمقت زوجها وحماتها بنظرات أكثر ضيقًا وهي تقول مفسرة
= ايوه سمعت نفسي كويس و بعيدها تاني انا مش خدامه هنا في البيت عندكم، بقيلي سنين طويلة بخدمكم اظن كفايه أوي لما اقول تعبانه وعاوزه استريح تقدروني زي ما انا قدرتكم و ان انتٍ ست كبيره وزي امي وبعمل اللي عليا وزياده ليكي ويوم ما اتعب ما بلاقيكيش.. وانتٍ بصحتك ما شاء الله عليكي فتقدري تخدمي نفسك وجوزك.. وابنك لو لازم الامر كمان، عن اذنكم.
أزعجها حماتها ردها ومع ذلك لم تعترض، و بضجر صمتت، بينما زفر معاذ بحنق قبل ان يقترب منها قائلاً بغموض مريب
= استنى عندك هو انتٍ مالك النهارده انا لسه لحد دلوقتي ما حسبتكيش على عملتك،و انتٍ بتزيديها اكتر تكونيش واخده حبوب الشجاعه
استشعرت هي تهديد معاذ الخفي وكشف سرها أمام عائلته، فكانت عيناه عكست نواياه السيئة، لكن مع كل ذلك لم تتحرك وظلت مكانها رافضة الانصياع لأوامر أحد من بعد ذلك، وقد وجدت مايسة حجه لتنفعل عليها وأسرعت تتساءل بفضول كبير
= هي عملت ايه؟ انا كنت شاكه ان في حاجه حصلت من اول ما دخلتوا هو يوم مش فايت فرحني السنيوره مراتك عملت ايه هي كمان
ربعت يدها أمام صدرها ثم ردت بفتور متعمدة استفزازها
= اقول لك انا يا حماتي اكتشف ان انا كنت بكمل تعليمي من وراكم! خذي بقى الصدمه التانيه كنت في وقت الفراغ بسيب ابني عند اي حد منكم عشان اخرج مع صاحبتي شويه وارتاح من الغم والنكد اللي كنت بشوفه منكم يلا بقى.. ما هي خربت على الكل.
تطلع الجميع نحوها بذهول وصدمه حتي زوجها وشاهين الذي كان سارح في ملكوت بمفرده! كانوا مصدومين من جرأتها بالحديث وكانها لم تفعل شيء خاطئ وستحاسب عليه، فلم ينكر معاذ عندما قال وكانها تناولت حبوب الشجاعه بالفعل.
❈-❈-❈
دلف منذر وضحي إلي منزل ديمة القديم فقد أعطاهم آدم المنزل لمكثوا فيه تلك الفتره بعد ان استاذن زوجته بالطبع! فلم يجد منذر غيره بذلك الوقت أن يساعده ولم يفهم آدم كثيراً ما حدت معه لكن لم يضغط عليه وفي الصباح اخبره بأنه سيأتي ويتحدثون.
دخلوا بهدوء و وضع الحقائب جانب ليجد الردهة فارغة والهدوء يعم اشعل الأنوار واغلق الباب، ثم اتجه إلي اقرب كرسي ليجلس عليه وتقدمت خلفه ضحى.
أخذ نفساً طويلاً مرتجفاً بينما عينيه مسلطة على الفراغ وهو يراجع مقتطفات مما حدثت فلا يصدق أن واجه والده وأسرته بكل ما بداخله ولم يعطف شاهين ويشفق عليه بل استمر يعامله بتلك الطريقة القاسية.. امتلئ قلبه بالألم شاعراً لأول مرة في حياته معنى انه يكون يتيم رغم ان دائماً كانت والدته تغرق معاذ بحنانها و لين قلبها وتتركه هو ولم تهتم به كأنها رافضة وجوده بحياتها اصبحت عينيه ضبابيبتين ممتلئتين بالدموع ثم همس بصوت متحشرج ملئ بالألم
=ما كنتش عاوز الأمور توصل ما بينا لكده
بس انا خلاص ما بقتش قادر استحملهم هو انا مش من حقي اقول حتى ان انا تعبت واشتكي منهم، انا بقيلي سنين طويله كاتم في قلبي
لحد ما خلاص ما بقتش قادر استحمل حاسس ان انا آآ بكرههم ما كنتش عاوز اقول كده بس هم وصلوني للاحساس ده.
رغم الالم و الحزن اللذان يعصفان بداخلها الا انها تصنعت الثبات قائلة باقتضاب
=جايز تكون الواجهه دي لصالحك انت.. كان لازم تعمل كده من زمان عشان ما تتعبش كان لازم تطلع كل اللي جواك ناحيتهم وتعرفهم هم بياذوك لاي درجه، بصراحه على قد النتيجه اللي حصلت في النهايه بس انا فرحانه ان انت عرفتهم هم كانوا بيعملوا فيك ايه وانت قد ايه شايل منها
حاول مكافحة الدموع و نهض بتثاقل وهو يقول بصوت متعباً
=مش هنكر أني مرتاح شويه بعد اللي حصل، بس برده في خسائر زي ان انا بقيت عاطل دلوقتي ومش عارف هصرف منين؟ لاني اخذت قرار ومش هرجع تاني اشتغل معاه زي ما قلت له… بس ما تقلقيش هدور على شغل بكره و كمان هروح اسحب من البنك فلوس عشان نصرف منهم عقبال ما اشتغل
نهضت خلفه وهزت رأسها هاتفة بصوت مرتجف مختنق بينما تقاوم حتى لا تنهار امامه
فيجب ان تكون الدعم والسند له في تلك اللحظه بالأخص
=انا مش قلقانه من حاجه ومتاكد ان انت هتنجح سواء والدك موجود او لا انت اصلا كنت شايل كل حاجه وهم وجودهم كان زي عدمه! يبقى معقول مش هتنجح وانت لوحدك
بس هو انت مش هتكمل المشروع اللي كنت طول الوقت بتكلمني عنه ومجهز كل حاجه؟
ألتفت ببطئ إليها لترى الألم المرتسم داخله مما جعلها ترغب بسحق شاهين وباقي العائلة على ما تسببوا به و تخريب لحياتهم! آه لو يعلموا كم المعاناه التي كان يعانيها بسببهم وكان يحاول بكل الطرق الخروج من تلك الدوام الذي اوقعه بها، هتف مرددًا بيأس وإحباط كبير
=مشروع ايه بس يا ضحى هو انتٍ ما سمعتنيش كويس.. ابويا الله يسامحه ضيع كل حاجه عشان يجيب عربيه للبيه ابنه يتمنظر بيها مع صحابه.. خلاص بقى خليني احلم على قدي اصل هجيب فلوس منين؟ مش لما اكفيك انتٍ بس يا ضحى والاقي شغل جديد
مررت يدها برفق فوق خده تزيل تلك الدموع الخفية ولم يشعر بالحرج منها ابدأ، ثم قالت بجدية شديدة
=هو انت مش كل اللي ناقصك الفلوس تمام يبقي خلاص اعتقد جي وقت ان انا لازم ابيع الذهب ولازم توافق المره دي! اعتبره يا سيدي سلفه وهو ما شاء الله كتير يعني هيجيب مبلغ حلو ومتاكده ان انت اول ما ربنا يكرمك هتعوضني بالاحسن منه
خفق قلبه أثر كلماتها و دعمها الحنون ذلك،
لكنه أردف بنبرة مليئة بالبؤس والإحباط
=يا ضحى الموضوع مش بسيط كده انا عاوز فلوس كثيره للمشروع ده صحيح لو بعت الذهب هيجيبلي مبلغ كويس بس برده هكون ناقصني كتير أوي، وعلى الفلوس اللي معايا في البنك برده مش هيكفي وانا مش عاوز اصرفهم كلهم احسن لا قدر الله تحصل حاجه وانتٍ في رقبتي و انا اللي لازم اصرف واخلي بالي منك، والبيت ده كمان لازم ناجره من آدم مش معنى ان اديهولنا هنسوق فيها وانا هصمم على كده معاه لا إلا اشوف مكان ثاني.. و كل دي مصاريف برده لازم اعمل حسابها
تابع بصوت مختنق و هو يفرك وجهه بيده التى كانت ترتجف بوضوح
= خليني حتى اجل الموضوع ده لحد ما الاقي شغل.. المشكله حتي لو حاولت اخد قرض برده ما عنديش اللي يضمن وهيترفض وانا مش عاوز بصراحه امشي ورا في الموضوع ده بدل ما اتسجن في الاخر ويجي فوق دماغي
غير أني صرفت كتير في موضوع جوازي على العفش فالمبلغ اللي في البنك مش كتير زي ما قلت لك.
عضت على شفتها السفلى كاتمة توترها وهي تفكر في حل لحالته الجديدة تلك، ثم انتبهت علي كلماته لتقول بخفوت مضطرب
= العفش! هو مش باسمك صحيح وانت اللي شاريه كله حتى الاجهزه و والدك ما ساعدكش فيه، طب ما تبيعه هجيبلك برده مبلغ واهو يساعد .
تصلب جسده بصدمة فور سماعه كلماتها ليفكر بالأمر لكنه هز رأسه بقوة و هو يقول بغضب
=مشاركش في حاجه ده كان عمال يقطمني وانا بشتري كل حاجه وصعبان عليه الفلوس اللي انا تعبت فيها، بس مش طايق اروح هناك واشوفهم اصلا اول ما يشوفوني هيفكروني ندمت ورجعت استسمحهم.. تغور كل حاجه بس ما اشوفهمش تاني
لم تيأس وهتفت مجددًا متمتمة بجدية أكبر
=مش لازم تشوفهم ابعت اي حد معرفه عندك في الشارع ولا بلاش استنى يوم يكونوا مش موجودين كلهم وانت اكيد عارف امتى البيت كله بيفضى وروح في الوقت ده وهاته بس خساره ما تسيبوش طالما باسمك وانت محتاجه.. منذر عشان خاطري احسبها معايا فلوس الذهب وفلوس العفش وفلوس البنك هتخليك تعمل المشروع وهتنجح تقف على رجلك وهتعرف الكل انك مش محتاجهم ومش فاشل زي ما هم طول الوقت عاوزين يوصله ليك الفكره دي، واذا كان على مصاريف البيت نحاول نزنق نفسنا الكم يوم دول لحد ما المشروع ينجح
رفع يدها طابعاً قبلة عميقة براحتها قبل ان يزيح شعرها المتناثر على وجهها الى خلف أذنها، وهو يقسم بداخله انه سيعوضها عن كل هذا أن نجح بالفعل فهي تكون أكبر جزءا داعم بحياته كلها، تنهد متحدثاً بنبرة عاشقة صادرة من فؤاد ذاق لوعة الحب
= ضحي هو انتٍ ازاي كده؟ كل اللي حواليا بيقولوا ان انا عمري ما هنجح ولا هبقى حاجه وانتٍ الوحيده اللي مؤمنه بيا! ومصدقاني و مصممه ان اكمل مش خايفه بعد كل ده افشل فعلا وما توصليش لحاجه معايا وتندمي انك كملتي مع واحد مستقبله ضايع .
طالعت تعابير وجهه بنظرات متيمة، وردت عليه هامسة بصدق
= عشان انت مش فاشل يا منذر واللي بيقول كده هو اللي بيحاول يطلع فشله عليك بص حواليك كده! هما نجحوا في ايه اصلا من غيرك نجاحهم ده عشان هم لجاوا ليك وانت ساعدتهم من غير ما يطلبوا لكن هم من غيرك اللي هيفشله وهيحسوا ساعتها بقيمتك، انت اللي عملت اسم للوكاله وكبرتها و انت اللي طورت نفسك في شغلك.. فيبقى ازاي مش هتعمل كل ده لوحدك!
تقافزت نبضات قلبه بجنون بصدره و هو لا يصدق أنه حصل عليها وفاز بامرأة رائعه مثلها،
امسك بيد ضحي الأخري بين يده يضغط عليها بلطف و استجابت له و ضغطت على يده برفق مما جعله يبتسم، ثم تابعت حديثها قائلة بنبرة ثبت فيه القوه والإرادة داخله
= منذر انت قوي وهتقدر بيا او مش بيا، فكر في الموضوع واحسبها تاني زي ما كنت بتعمل حساباتك على أساس تفتح المشروع في دكان والدك وتطوره.. اعمل ده بقى بس لوحدك مشروع يخصك انت وباسمك بدل ما كنت بتنسب شغلك لحد تاني يجي ياخد على الجاهز شقك وتعبك.
أخذ يتطلع إليها عدة لحظات بتشوش قبل ان يتركها جالس بتفكير جاد ثم قال متردد
= حاضر.. اوعدك هفكر في كلامك.
ابتسمت ضحي وهي تتنهد بارتياح ثم تحركت قائلة
= انا هروح اجهز الأكل اللي انت جبته وهتاكل معايا ما فيش اعتراض.
ما ان دخلت المطبخ بعد أن بحثت عن مكانه ظل هو جالس بمكانه يتفحص حالته، شاعرا بالدموع العالقة به، لكن رغم كل ذلك كان دائماً فخوراً أن تزوج بضحي وانها معه طول الوقت
ولم تتركه لحظة واحدة.
وتساءل هل إذا حدثت الأمور كما حدثت وكان وحده كالمعتاد، هل سيكون قائمًا على قدميه ولدي بعض الإرادة التي هو مشتاق لها الآن بسببها.. وبسبب حبه لها.
بينما بذلك الأثناء تعالي صوت ضحي بالداخل وهي مشغوله بتحضير الطعام مرددة بإعجاب
= تعرف البيت ذوق جميل أوي! انا صحيح ما شفتش مرات آدم صاحبك دي هي جت فرحنا انت قلتلي بس مش فاكره ملامحها أوي، بس بما انها ساكنه في نفس العماره وخدنا شقتها يبقي لازم اشوفها واشكرها بنفسي.
= ضحي أنا بحبك.
التفتت خلفها بمفاجاه وهي تحمل العصير بيديها و سرعان ما شهقت عندما وجدت وجه منذر أمامها ممتلئ بالعصير و سريعاً تحركت إتجاه الخزانه تجلب أحد المناشف تمسح بها وجه منذر الذي كان ساكناً، وهي تردد بتوجس
= أنا آسف يا منذر… هدومك كلها اتبهدلت معلش ما انا ما خدتش بالي انك ورايا بحسبك بره وبكلمك على اساس ده بصوتي عالي .
ظلت تقول ذلك ولكن منذر أمسك بكف يدها وهو ينظر الى عيناها مقترب منها و يكرر اعترافه
=ضحي انا أحبك ، انتٍ سمعتيني.
تجمدت و رمشت عده مرات محاولاً أن تسيطر على مشاعرها التي تفجرت الآن داخل قلبها اعتراف منذر لها كان غير متوقع منه و الان وبذلك الوقت وسط كل تلك الاجواء العصيبه، حاولت ضحي أن تتحدث ولكن أنفاسها فقط كانت تخرج بصعوبه، تلاشت أعصابها و نبض قلبها و شعرت أنها تطفه فوق السحاب من بعض مجرد كلمات فقط
حدقت عينيها الملتمعة كالنجوم في الفضاء في عيناه القهوائية، شعور راؤدُها حينها بأنها يجب عليها قول تلك الكلمة التي خرجت مِن زنزانة قلبها وشفتيها بكل حرية فأطلقت سراحها
= انا كمان بحبك يا منذر.. بحبك أوي أنت احلى حاجه حصلت في حياتي، ومهما يحصل هفضل احبك وهفضل معاك .
لا يعلم كم مِن الوقت تاهت عيناه في شواطئ
عينيها أو كم مِن الوقت توقف قلبه عَن النبض
ثُم عاد ينبض كَنبض رجلا في سباق ركض ،
كل مايدركه هو تلك الحروف التي خرجت من
شفتيها لتكون تلك الكلمة التي سقطت عَلَى قلبه كدواء لَهُ مِن كل جروحه السابقة…
كانت المرة الأولى التي يسمعها منها ، ويا الله
كم أحب سماعها وكأنها أغنية حب متفردة و
فريدة مِن نوعها مستعداً للاستماع أليها حتى
أخر يوم لَهُ في الحياة، لم يَكُن يعتقد بِإِن هذه الكلمة الصغيرة ستحمل كل هذه اللذة، آه لو
تعلم ضحي كم أحبها وسط سيل عيناه ليهمس لها قائلاً
=وانا كمان بحبك أوي ويوم ما اسيبك هكون ميت.
أدمعت باكياً وضحكت بخفه من فيضان المشاعر التي تشعر بها بذلك الوقت واحتضن جسد معشوقته وسط حزنه والامه لتكون له الشفاء وهم ينظروا لبعض بشفقَة.. وكانت بالفعل افضل واحسن لحظه للاعتراف في ذلك الوقت حتى تتولد مشاعر جديده بذلك المكان، وفي اول طرقهم للبدء من جديد والسعي.
صحيح ثانية واحدة قادرة عَلى تغيير أشياء طويلة الأمد والأن أدرك بأن هذه الثانية
أتت وغيرت كل شيء لأنها كانت فوق مَخاوِفَهُ
أخرجته هذه الثانية مِن العُتمة التي عاش حياته بأكملها فيها وجعلته يتخطى مخاوفه في قول أحبكِ.. ولكن الحب غالباً يأتي متأخرة عَن آوانُه.. لكن بالنهايه المهم انه يأتي.
أخذت تنظر له بعين متهمة و تنهج من كم
ثورانها لم يمهلها تخيل ما فعلته كلماتها به، و اختطف شفتيها وسار بها الى اقرب فراش بالمنزل و أخيرا سينعم بدفئ اللقاء بينهم.. و أخيرا سيدخل جنته التى حرم منها..حاولت أن تدفعه بعيداً عنها، وهي تهرب من عيونه التي ترى فيها رغبه الاشتياق.. وكانت مستغربه اصراره على خوض العلاقه هنا ولكن هيهات من ذراعين قويتين مثل الحصن المنيع تحاصرها ولم تقدر على الهروب منه.. تأكدت من ظنونها عندما أطبق ذراعه أكثر على خصرها.
أبتعد عنها لاهث ثم اقترب يستند برأسه علي جبهتها يشتم انفاسها بدهاء.. يريدها ان تفقد ما تبقى لها من صبر ومشاعر.. هو يريدها زوجته فعليا تشبع رغبته.. امرأته التى يذوب فيها عشقا.. زوجته منبع الحنان.. يريدها كما عاهدها حنونه عطوفه عليه تسانده وتعاونه على الصبر.. يستكين فى أحضانها لتحتويه بحب وصبر وكأنها والدته.
كان هو أيضاً لا يعرف لما هذه المشاعر اشتعلت به بذلك الوقت لكن لم يتوقف ابتلعت ريقها بضعف، قلبها وجسدها خاضعين له.. عقلها رافض ضعفها بذلك الوقت.. قررت أن تتغلب علي مشاعرها وأحاسيسها وامسكت ذراعيه لكي تبعدهم بعيداً عنها.. إلا أنه شدد في احتضانها.
وبتمهل مرهق لأعصابها دنى منها مجدداً يرتشفها قطره قطره بشفتيه، وأنامله تركت ذراعها لتمر علي ظهرها تعزف لحن سيمفونية شغف لها.. ظل يتنقل من قطر لأخرى بشفتان مثل الجمر يستكشف جسدها فهي مرته الأولى معها.. حتى أفقدها تحملها ولم تعد قدميها قادره على حملها.. ترنحت في وقفتها ليلف ذراعيه حول خصرها بتملك.. وحسم أمره لن يتركها الليله الا وهى ملكه بكل جوارحها سيطالب بحبيبته وزوجته ليكون لها أسدها المغوار الذي سيحطم الأسوار التى بنيت داخله لسنوات.
وهذه المره لم يجد ما يوقفه أو يمنعه من الإقتراب الى الحد المرغوب! لتختم ضحي معه ذكرى سيئه بيومه الى نهاية جميله ورائعه.
❈-❈-❈
في نفس التوقيت، وقفت زوجة مروان أسفل البناية القاطنة بها غاده وعائلتها رافعة رأسها للأعلى في شرفة منزلها بأعين لا تنتوي خيرًا مطلقًا، فالايام السابقه لم تتوقف غاده عن
تهديد زوجها واتصالاتها المستمره حتى يعترف زوجها بالطفله إلا ستفضحه في منطقته!
وبالنسبه إلى شخصيه مثل سعاد زوجته سيده ليس سهله بالمره ولا تهتم بالفضايح لذلك جاءت الى هنا لتفعل ما كانت تريد فعله غاده في زوجها، ويحل الخراب بها بدلاً منه.
وخلال الفتره السابقه طلبت من زوجها ان يثبتها بالحديث ويخبرها بأنه سيفعل ما تريد
بينما هي كانت تتولى البحث عن معلومات كافيه عنها ومن زوجها علمت معلومات أكثر عنها، جعلتها تنوي لها فضيحه كبرى لن تستطيع اخمدها .
صفقت بكلتا يديها بقوة لتجذب الانتباه وتشد الأنظار نحوها، قبل أن تخرج صوتها المنفعل صارخة بكل ما أوتيت من قوة لتجذب الأنظار إليها
= يا اهل المنطقه.. تعالوا يا ناس اسمعوا كلكم و اعرفوا الأشكال الوسخـ.. إللي عايشة وسطكم! تعالي شوفوا الهانم اللي عامله نفسها العفيفه الشريفة طلعت ايه؟!.
نجحت في سعيها وبدأ الناس في التجمع حولها لمعرفة التفاصيل القائمة وعن من تتحدث، مررت سريعًا أنظارها عليهم بحماس، ثم تابعت بصوتها الهادر الحقود
= اتفرجوا يا ناس على البجحة عديمة الرباية! طلعت خاينه وكدابه! وملبسه عيل لجوزها مش إبنه وهي عارفه كده كويس.. و إسمها غاده متولي الـ.. !.
اخبرتهم باسمها بالكامل مما صدمه الجميع و ذهل، وسرعان ما صدرت همهمات جانبية فضولية لمعرفة أكثر وقد انكشف سترها بينهما، لكن تدخل رجل كبير وهو يقول بعتاب حاد
=يا مدام عيب اللي انتٍ بتقولي ده دي اعراض ناس واللي انتٍ بتتكلمي عنها دي احنا نعرفها كويس ونعرف ابوها راجل غلبان وطيب مش حمل الكلام ده .
أشارت بذراعها مرددة بصياح هائج و صرحت علنًا دون ان تهتم بالفضائح التي حدثت
= ومين قال لك يا اخويا اللي انا بقول كلام و خلاص! ولو هي جدعه تطلع وتكذبني، وانا مسؤوله عن كل كلمه بقولها؟ غاده بنت متولي اللي عايشه معاكوا ست خاينه ومش كويسه وفاجـ… وملبس عيل لجوزها الاولاني أو اللي
طليقها دلوقتي .
أخذت نفسًا عميقًا ثم عاودت رفع رأسها وهي تكمل صراخها الجريئة واللاعن
= ودلوقتي بتلف على جوزي! اللي كانت بتخون جوزها معاه زمان، وكانت مقرطاسه الغلبان جوزها اللي اول ما عرف أصلها الواطي طلقها.. وقال يستر عليها ويعتبرها كلبه من كلاب الشوارع! مش تسكت بقى وتلم الليله لا أول ما شافت جوزي ثاني بالصدفة والقرش جري في أيده لفت عليه تاني وكانت عاوزه توعده في الحرام!.
اتسعت أعين الجميع حولها وبدا الجميع مصدوم من تلك الحقائق التي يسمعها، و بدات الهمسات يتساءلون بعضهم البعض هل بالفعل غاده خائنه وانجيب طفل من رجل غير زوجها، وهل لذلك السبب لم يهتم منذر بالطفل لانه ليس إبنه حقا.
ابتسمت سعاد بسعادة بانجازها التي وصلت إليه لكن بعد كل ذلك لم تتوقف واستمرت في بعد الإدعاءات الباطله عنها، وترى من وجهه نظرها أنها تستحق ذلك واكثر! أضافت بصوت مرتفع باحتجاج ناقم
= اطلعي يا بنت متولي كلميني، اطلعي قصاد الناس دي كلها وانكري إن بقول كلمه غلط! وما كنتيش بتشغلي جوزي في الرايحة والجاية لحد ما جاب أخره منك! وعرفني بغلطته زمان، وفضايح بفضايح بقى؟ انا بقولها قدام الناس دي كلها ان جوزي فعلا كان يعرفك يا واطيه معرفه قديمه وعمل معاكي علاقه وحملتي وانتٍ متجوزه، بس لما اتجوزني صارحني بكل حاجه وتاب بتشغلي من تاني ليه يا الـ…
استمر الوقت ولم يخرج احد وهي كانت تعلم جيد ذلك الذي سيحدث، وان الجميع سيترك فضيحه الرجل ويهتم بفضيحة المرأة، زادت من حدة نبرتها ورمقته الشرفه بنظرات نارية مضيفة
= شايفين بنفسكم يا ناس مش قادره تطلع هي ولا حد من اهلها يكدبني لو مش مصدقين المستشفيات موجوده تعمل تحليل لابنها، خلاص ريحتك فاحت والحتة كلها لازمًا تعرف وساخـ.ـتك!
وعلي بعد مسافة بدأت الهمسات بين النساء عن غاده و صدمه الجميع فيها وفي أخلاقها، نظرت أحد السيدات إلي تلك المرأة بنظرات تحمل الاحتقار ثم قالت بهمس الي التي بجانبها
= يادي الفضايح عشان كده منذر ما كانش بيسال على الواد ولا عليها، اتاري مش ابنه!
أكدت الأخري علي كلماتها مشيرة بيدها
= طول عمرنا صحيح عارفين منذر انه كويس وابن حلال وما تطلعش منه العيبه، ده مهما بيعمل ابوه فيه بيقوله حاضر ويوطي يبوس ايديه ومتربي، يبقى مش هيسال على ابنه يبقى الحكايه كده الواد مش ابنه شفتي القادره
هزت رأسها مستنكرة تصرفاتها الوقاحه لتقول مجدداً بنظرات نافره
=منها لله البعيده، لا وكمان عاوزه تشاغل جوز الوليه تاني! ده إيه بجحتها دي و كانت عايشه وسطينا ازاي؟ انا ما كنتش بستريحلها من الأول بصراحه .
هزت رأسها بالايجاب عده مرات وهي تردد باشمئزاز
= على رايك بنت لسانها طويل ووشها اعوذ بالله اتاري من غضب ربنا عليها، ربنا يستر على وليانا .
في الاعلي بالطبع انتبه متولي و غاده إلى تلك الصرخات المسيئة عمدًا إليهم، وتوقف بالقرب من الشرفة وهو يستمع الى كل شيء بأعين مغلولة غير مصدق حديث تلك المرأة، لكن عندما نظر بطرف عينه الى ابنته وجدها تقف مثل الفأر ترتعش بخوف شديد وقد ذهلت من فعل تلك السيدة الغير متوقع.
احتقنت مقلتي متولي على الأخير مع كل كلمه تهتف بها تلك السيدة ضد ابنته، ثم التفت نحوها بازدراء واقترب بسرعه منها و هدر بصراخ متعصب
= يا بنت الكلب الكلام ده حقيقي! الست اللي تحت دي بتتبلى عليكي ولا كلامها صح! انطقي لا الا والله العظيم هسمع كلامها واعمل تحليل للواد فعلا.. و منذر كان يعرف عشان كده ما كانش بيعبرك ولا بيسال عليكم
أحست بنظرات والدها تخترقها، ابتلعت ريقها بخوف شديد عندما أخبرها بأنه سيفعل ذلك التحليل حتى يتأكد من صدق حديثها، لم تجد مخرج إليها فقد فضحتها الأخرى بكل شيء وزادت في ادعاءات باطله عنها أيضاً مثل ما كانت تنوي فعل ذلك مع بسمه وتفضحها أمام الجميع! وقد سعت الى ذلك الخراب بالفعل لكن انعكس عليها بصوره سيئه للغايه، همست بصوت متقطع بتلعثم
= آآ اسمعني الاول.. في حاجات بتتبلى عليا فيها! مش كل حـ.. حاجه صح آآ اكيد! انا هفهمك الموضوع و… آآه
أمسكها بقوة شديدة بعد أن صفعها عده مرات بكل قسوة ثم جذبها عنوة لتقف أمامه وهي تبكي بحرقة وتتألم، نظر أبيها لها شزرًا ثم هدر بغضب مستنكر
= تفهميني ايه؟؟ يا وسـ.ـخه يا واطيه انا تعملي فيا كده بعد العمر ده كله؟ تفضحيني الفضيحه دي! حرام عليكي عملت لك ايه.. ليه كده؟ حرام عليكي خليتي سمعتنا بقت على كل لسان .
وضع يده على رأسه ضاغطة عليه بقوة وهو يكمل بانكسار
= عامله فيها الطاهرة الشريفة العفيفة، وانتٍ مية من تحت تبن! وعمال في الراحه وفي الجاية اشتم منذر وادعي عليه في كل صلاتي مفكره ظلمك زي ما مفهماني وفي الآخر ساتر عليك وساكت! منك لله يا شيخه يا ريتني مت قبل اليوم ده .
** ** **

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى