روايات

رواية قابل للكتمان الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم خديجة السيد

موقع كتابك في سطور

رواية قابل للكتمان الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء الحادي والعشرون

رواية قابل للكتمان البارت الحادي والعشرون

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة الحادية والعشرون

في منزل رانيا أخت ديمة، كانت حالتها سيئة للغاية، فقد كانت ترغب في التخلص من تلك المشاعر التي تثيرها كل ليلة وتسألها عن حبيبها آدم، ذلك الحبيب الذي عذبها وأحياها في نفس الوقت! والتي قلبت حياته رأسًا على عقب، ثم رحلت وتركت له ذكريات فقط.. حين لم تعطيها الحياة الأمان، فعل هذا.
عيناها قد امتلأت مع شهقاتها المكتومة و شعرت بضيق بصدرَها وكأنها كانت تعلم بأن إبعادها عنه هناك فجوة كبيرة في حياة كلاهما ومع ذلك إختارت العيش في تلك الفجوة.. منذ أن ذهبت الى اخواتها لتتحما حامه فيهم و تبحث عن الأمان الذي فقدته لفتره في حياه آدم وهي من جهة أخرى لا تخرج من بيتها إلا لقليل المرات لأجل أطفالها فقط..
لو فقط وافقت على طلبه ومنحته حق حمايتها والدفاع عن نفسه، ويخبرها لما حدث كل هذا.. إلا أنها عنيدة حتى اليأس.. أو ربما لا تحب الخداع، فهي كانت صادقة معه ولا ترى فيه إلا رجلاً كافيًا ووفيًا لها، ولكن ذلك تغير عندما بدأت بالتأثر ببعض الأفكار بسبب الفرق الملعون بينهما.
أخفضت عينيها عند خول رانيا لها ناظرة نحوها بحنان ثم شعرت بالارتياح عندما و جدت صينيه الطعام تناولت منها حتى وان القليل فقالت مبتسمة
=الحمد لله ان ربنا هداكٍ واكلتي، الزعل برده مالوش دعوه بالاكل وانتٍ حامل.. انا مبسوطه ان احنا رجعنا لبعض حتى لو النفوس ما اتصفتش! مع الوقت ان شاء الله كل حاجه هتتصلح
ضغطت على شفتيها وهي تتحدث بجدية
=ابله رانيا انا قلت لك مش عاوزه اتكلم في اللي فات وصدقيني بحاول فعلا انسى.. ولو ما كانش لسه في معزه ما كنتش لجأت ليكم اول ناس من تاني.. بس انا لسه عند كلامي الغلط زي ما جي منكم جي مني برده عشان كده ما لوش داعي اللي بنعمله في بعض.
ابتسمت رانيا بإعجاب مرددة بصوت هادئ
=لا ده احنا كبرنا خالص اهو وبقينا نتكلم بالعقل خير ما عملتي، واحنا والله قبل ما تتصلي بينا كنا لسه بنقول عاوزين نلاقي طريقه ونصلحك بيها ونرجع الود بينا احنا برده اخوات مهما حصل..و بالمناسبه برده مش عاوزه تقوليلي ايه اللي حصل بينك وبين جوزك
تنهدت ديمة مطولاً وأجابت بصوت متردد
=انا كان شرطي عشان اقعد هنا محدش يفتح معايا الموضوع ده ممكن!
تقدمت منها أختها وهي تقول بنبرة جاده
=يا حبيبتي والله انا عاوزه احل اوعي تفتكري ان انا هشمت فيكي! ياما بتحصل مشاكل بين المتجوزين وبيزعلوا شويه ويرجعوا تاني.. ممكن تستغربي ان بقول لك كده لكن دلوقتي الوضع اختلف! بينكم طفلين ولسه اللي جي! برده هو مش وحش خلينا نقول كلمه الحق افتكري اللي عمله معانا زمان في عز ازماتنا، حتى لو شفت ده متاخر واعترفت بيه بس برده هو شخص كويس
لاحظت صمتها المستمر دون أي رده فعل أو حديث، لوت شفتاها للجانب هاتفه باستسلام
=خلاص يا حبيبتي وقت ما تعوزي تتكلمي تعالي قوليلنا.. انا مش هغصبك حتى على الرجوع، انا لسه مش عارفه اللي حصل بينكم وجايز فعلا يكون معاكي حق وجايز برده هو معاه حق! او انتوا الاتنين غلطتوا! المهم في النهايه ما تاخديش قرار وانتٍ متعصبه و فكري براحتك.. وبالمناسبه يعني هو اتصل بيا عشان يطمن عليكي وانا اضطريت اقول له مكانك ما هو برده جوزك وعاوز يطمن عليكي وعلى العيال وهو قالي انا هسيبها براحتها فتره هنا عشان عارف ان انا زعلتها.
خرجت رانيا بعد ذلك من الغرفه وهي تحمل صينيه الطعام بين يديها، نظرت زينب إليها وهي تقول مبتسمة
=شكلها اكلت مش كده طب الحمد لله الواحد خاف تعند وهي حامل احنا مش ناقصين تتعب مننا ولا حاجه، بس برده ما رضيتش تقول لك ايه سبب المشكله اللي بينهم .
جلست الأخري جانبها وهي تقول بيأس
=لا مش راضيه تقول حاجه وانا ما رضيتش اضغط عليها اكتر بس مصيرها مع الأيام هتقول.. وانا فهمتها برده ان احنا مش هنشمت فيها لما تحكيلنا ولا هنجبرها انها تطلق ولا ترجع! ونقول لها ده اختيارك شيلي.. وبرده لمحت انها عندها عيال منه وبلاش تتهور في قرارها.. انا صحيح مش عارفه اللي بينهم بس حاسه انها مش مشكله صغيرة وهيتصالحوا ان شاء الله وسكتها ده اكبر دليل أنها متردده تسيبه وهي لسه بتحبه.
عقدت حاجيبها للاعلي قليلاً بتعجب وهي تقول بخفوت
= بصراحه افتكرتك لما تصدقي انها اتخانقت معاه وهتقعدي تقويها عليه انها تنفصل! عشان ده كان كلامك زمان كنا واثقين انا وانتٍ انها في يوم من الأيام هترجع زعلانه وندمانه.. بس اول ما شفت العيال و عرفت انها حامل كمان صعبت عليا وقلت برده خراب البيت وحش خصوصا انها معاها ثلاثه ما شاء الله وهو يعني مش وحش للدرجه دي، و كبير صغير بقى خلاص خلفت منه و خلينا نرضي بالامر الواقع .
نظرت نحوها وهي تتنهد بعمق ثم أجابت بجدية
=احنا مش وحشين للدرجه دي يا زينب برده! وده كان كلام ساعه غضب وانا برده اول ما شفت العيال نسيت كل حاجه وصعبوا عليا خلينا بس نشوف قرارها في الاخر.. وايا كان نحاول علي قد ما نقدر ما نخربش البيت عشان خاطر العيال دول!.
❈-❈-❈
عاد منذر إلى منزله على الرغم من غضبه الذي لا يزال يتراود في داخله بسبب أمر حملها، يشعر بأنها قد فعلت ذلك عمدًا، حيث حذرها عدة مرات لتتخذ كل الاحتياطات اللازمة، و على الرغم من ذلك، قامت بما تريده في النهاية لتضعه أمام الأمر الواقع!
وعندما علم برحيل ضحى مع والدتها وابنته أصبح أكثر غضبًا وهو يصيح بعصبية
=يعني ايه مشيت وانتم ازاي تسيبوها تمشي
هو انتم موجودين هنا لازمتكم ايه؟ عاوز أفهم ؟
أسرعت مديرة المنزل تهتف بتبرير
= والله حاولنا نمنعها ووالدتها كمان الصراحه ولما لقيتها مصممة ما عرفناش نعمل ايه؟ حتى حاولنا نقول لوالدتها خليكي عشان ترضى ترجع لكن هي قالت مش هقدر اسيب بنتي لوحدها ومشيوا.
اتسعت حدقتيه بعدم استيعاب فهذا يعني أنها اختارت الطفل عنه، مسح علي وجهه بغضب مكتوم وهو يهمس بتوتر كبير
=ماشي يا ضحى برده مصممه تمشي بدماغك يبقي معنى كده انتٍ اختارتي اللي في بطنك قصاد اننا نسيب بعض عادي، تمام!
وقبل ان يتحرك للرحيل خلفها، آفاق علي صوت المساعدة هاتفه بنبرة خافتة
=معلش يا منذر بيه في واحد بره بيقول عاوزك، وانه اخوك واسمه معاذ.
التفت منذر للخلف فاتجهت أنظاره إلي أخيه معاذ بصدمة فلا يعرف من أين علم بمكانه،
أطل معاذ برأسه قائلاً بحرج قليل
=ازيك يا منذر ممكن نتكلم ولا مش طايق حتى وشي انا كمان؟ هم كلمتين وصدقني همشي على طول وبعدها القرار بايدك بعد كده براحتك.
تنفس بعمق فلم يكن ينقصه رؤيته بذلك الوقت لذا تحدث قائلًا بضجر كبير
=اهلا ازيك اكيد اتفضل، بس الظاهر من كلامك كده انك جاي تتكلم على ابوك وامك مش كده؟ على العموم انا عارف اللي حصل ومش محتاج اتفاجئ! لو فاكر يعني جاي تقولي الكلمتين دول عشان أحن وارجع! لكن انا قلت بدل المره ألف انا مش هرجع ولا اسامح.
لم يستطع الرد عليه وبما يجيب وهو أنهى كل شيء، لكن صدم للغاية بفعلته تلك وبرفضه فلم يتوقع معاذ بأنه تغير بذلك الشكل حقا.. ثم
هز معاذ رأسه بالإيجاب قائلًا بتوجس وندم
=يا منذر كلنا خلاص عرفنا قيمتك وأننا غلطنا معاك، وربنا ادي كل واحد نصيبه واتعاقب و حقك اهو ابتدى يرجع واحنا بنخسر انت مش عارف حالتهم دلوقتي عامله ازاي من قبل الحادثه كمان.. جرب مره واحده وتعالى معايا اسمعهم.
ضاقت نظراته المشتعلة إليه ثم رد منذر عليه قائلًا باستهزاء متعمد
=اسمع مين يا معاذ؟ ما ياما كنت بطلب وياما كنت بتكلم كان حد منكم بيسمعلي يبقى انا ليه اعمل حاجه انتوا حرمتوني منها زمان؟؟ وبدفع ثمنها لحد دلوقتي وحياتي هتتخرب بسببهم؟ ولا دلوقتي انا اللي بقيت وحش! قصر الكلام انا مش بحاول ارد حاجه، لكن انا فعلا من جوايا مش قادر اسامح وانت عمرك ما هتفهم اللي جوايا اصلا ولا هم!.
أومــأ الأخير برأسه متفهمًا وهو يرد بنبرة متوسلة
=والله العظيم عارف ان احنا عملنا كتير معاك! وعارف كمان انها حاجه مش بايدك تسامح حد غلط معاك كثير لكن خليك احسن مننا وتعالى معايا هم نفسهم يشوفوك و يطلبوا السماح، هي مره واحده بس وبعد كده مش هتشوف وشنا تاني زي ما عاوز.
تنهد معاذ بيأس وإحباط وهو يضيف بحزم
=تمام براحتك، بس انا مبسوط اني شفتك على فكره.. لان رحيلك اثر علينا كلنا حتى انا اكتشفت ان ما كنتش عارف قيمتك وعرفت ان انت كنت شايل عني كتير برده، بس فكر حتي تشوف أبوك ممكن بعدها تكون اخر مره.. بس ذي ما عاوز عن اذنك .
فكر منذر في كلماته الأخيرة جيدًا، فربما يكون محقًا فرؤيتهم لمره واحده لم تغير قراره من الاساس، وقبل أن يلج للخارج أوقفه صوت اخيه وهو يهتف باسمه قائلاً بتوتر
= آآ.. استنى يا معاذ!؟
❈-❈-❈
كان آدم ممتد فوق الفراش وعينيه شاردتين بنظرات حزينة شاعراً بالأسى على ما حدث بينهما والكراهية لنفسه لعدم استطاعته طوال الأيام السابقة الإطمئنان عليها كما يجب..
فلقد توالت الأيام الفارغة مِن كل شَيء عليه عاد وحيد، لا يملك بعض مِن ذكرى وجودها وأطفاله وكأن كل شيء حدث البارحة وليس قبل أكثر من عشرون يوماً وَكأَن كل شيء كان حلم جميل ثم أستيقظ ليجد نفسه في ذات المكان وحيداً وصوت الفراغ هو الوحيد الذي يتردد صداه في أرجاء المنزل… لم يفهم كيف كان قادراً عَلَى عيش هذه الحياة، أدرك بأنها حياة ملعونة هذه التي كان وعاد لممارستها ، كَرِه كُل شَيء مُحاط به كل الأشياء التي كانت مُقدّسَة فِي نَظرَهُ عادت بلا قيمة، شعر بِالمَقت حول نفسه العاجزة عَن فعل شيء خارج حدود الوحده، للمرة الأولى يشعر بِالإختناق من الوحدة والعتمة التي تُحيطه.. للمرة الأولى يشعر بِالكُره نحو الهدوء.. يريد الضجيج الذي كانت تُحدِثه واصوات أطفاله ايضا، يحتاج لصوتهم ليعود نغم حياته…
فكانت الشيء الوحيد الذي يحارب كل شيء مِن أجلها، وأثمن ما يملكه، ولم يكن يتخيل أن
يستطيع أن يتزوج وينجب اكثر من طفل بعد كل هذه الوحده و بعد أن تعافى من الرهاب
الذي يمنعه مِن دخول الاخرين الى حياته بالرغم مِن ذلك لا يزال يُحب البقاء في العزله وكأنه لا يألف غيرها، حتى إنتقاءة للجلوس بعد رحيلها مع أطفاله في نفس المكان الذي كان يجلس معها به، حبها حقا كان مسيطراً عليه.. حتى مواجهتها والذهاب اليها شعر بالخوف من هذه الخطوه خوفاً من ان تصر على الانفصال ويفعل ذلك مجبر.. يعلم انه اخطاء ويعترف بذلك بكل تأكيد لكن يريد الغفران! والتسامح فهناك جزء اخر لم يخطئ به عندما أخفت عليه تعبها من حملها للمره الثالثه.. لكن مع كل ذلك ليس مبرر لما فعله!
في البداية، ظن بأنها ستعود إلى منزل والدها القديم وستكون قريبة منه، ولكن تفاجأ بأنها ترحل إلى الخارج ولم تخبره أين ستذهب. و لكنه لم يطمئن إلا عندما علم أنها عادت إلى أشقائها من جديد.. وعلى الرغم من أنه اطمأن، إلا أنه شعر بالقلق من أن يحرضوهم على الانفصال عنه لأنهم في الأساس لم يحبوه يومًا.
في تلك الاثناء عاد آدم الى وعيه وقد رأى
انه قد ارتكب اكثر خطئ في حياته بالاستسلام الى غيرته القاتله وشكوكه، لكن وجد ان ربما الانفصال لفتره قصيره سيكون خطوه جيده بين الاثنين وبعدها سيذهب اليها ويحاول ارجعها بكل إصرار، ولكن الشوق قد غلبه
بالاتصال بها يكفى انها تركته وذهبت واخذت اطفاله معها.. حاول اخفاء ذلك بكل الطرق ولكن تلك المرارة التي كانت تسود حياته
بعد رحيلها لن تزول هكذا عليه ايجاد طريقة
لإرضائها بعد الحماقة التي ارتكبها آخر مرة.
وبما أنه يعلم جيدًا أنها لم ترد على اتصالاته حصل على خط جديد واتصل بها وبالفعل، أجابت بصوت هادئ ولكنه أغلق الهاتف في نفس اللحظة برهبة! اتصل مرة أخرى وردت ديمة مرة ثانية… ثم أغلق وانتظر لمدة ربع ساعة واتصل مرة أخرى!
نطقت ديمة وهي تضع الهاتف خلف اذنها متحدثة بصوتها العذب
= مين معايا ممكن ترد؟ ألو ألو
تنفس باضطراب مغمضاً عينيه حتى ان انفاسه
المضطربة ضربت اذنها فدق قلبها دقة مؤلمة
وبشدة !! همست وهي تتنفس بقوة
=مين؟
صمت فقط انفاس كليهما تتقاتلان مع بعضهما لا يسمع منهما سوا الانفاس الحارقة والتي أقسم بأنها كانت حارقة رغم المسافة بينهما و رغم بعد سماعة الهاتف! كان آدم سيجن من فرط ما يشعر به تجاهها وكأنه لم تكن له روح على قيد الحياة من قبلها !! عصفت روحه فبثت الدم المخملي بعروقه دافعة اياه ليتحدث بصعوبة
= انتٍ كويسه انتٍ والأولاد ؟
صعدت الحرارة متسللة لجسد ديمة جاعلة
منها تسخن تتوتر بينما قلبها على وشك التوقف! عاد يهمس
= انا عارف انك بتسمعيني، سامع صوت انفاسك حتى وانا هنا بعيداً عنك !
كان صمت فقط انفاسها المضطربة ليضيف مرددًا بحزن
= انا هسيبك براحتك تستوعبي الموقف واللي حصل! بس ارجوكي فكري في اي حاجه الا انك تسيبيني.. وحاولي زي ما بتفكري في الوحش اللي انا عملته فكري في الحلو برده، انا ما كنتش وحش معاكي أوي كده يا ديمة هي غلطه واحده وحاولي تسامحيني عليها انا اسف.
ابتلع ريقه بتوجس وهو يقول برجاء وضعف
= طب مش عاوزه تقولي اي حاجه؟ ديمة انا مش مبسوط باللي احنا وصلنا له، ولا مرتاح من بعدك.. والله ندمان على كل حاجه عملتها بس انا حقيقي ما كنتش اعرف انك تعبانه.. ومع ذلك عارف اني غلطان وبعتذر.
فقط صمتها ما عم على المكالمة صمت
مختلط مع اضطراب أنفاسها المخلوطة بشهقة
تسللت من جوفها كونها لم تسيطر على احساسها فسقطت دمعة جبانة من عينها مثقلة بحزن مترفة بألم نبرة المتحدث والتي كانت
أشبه لوداع!!
فتحت فمها أخيراً هامة بالتحدث لكن قاطعها
صوت أختها هاتفه
= بتكلمي مين؟
انتفضت ديمة وأغلقت الخط فوراً ماسحة دمعتها مستديرة لأختها ونطقت بنبرة مزعجة
=رقم غلط!
قالتها وتحركت فوراً لغرفتها قفلت الباب و
توجهت نحو النافذة فتحتها تتنفس الهواء
البارد الذي داعب ارنبتها فتحولت لزهرية
محمرة مع زرقاوتيها الغريقة بدموعها متنهدة
داخل روحها، فاليس من المفترض ان تكون
سعيدة ؟! هي من رغبة في الإنفصال بسبب خداعه فلما تتألم الآن لحاله. أليس ندمه سيكون بمثابة انتصار لها.
❈-❈-❈
حرك كرسي العجل بيده من مكانه وهو فوق منه حينما سمع نقرات علي بابه ليهتف بخشونة” اتفضل” فتح منذر باب الغرفة وهو ينظر الي أبيه بشموخ ابتسم الآخر بسعادة بينما هو بصمت اغلق الباب خلفه واقترب منه
وكتف ساعديه وقال بفظاظة
= خير طلبتني ليه؟ ايه الحاجه المهمه اللي هتموت وتقولهالي دي!
أشار له يجلس وهو يشعر بالأمل من وجوده هنا وقال له شاهين ببشاشة وود
= انا طلبتك علشان نرجع لبعض.. أنا وأمك محتاجينك زي ما انت محتاجنا
اختلج فك منذر وتغضن جبينه وقال بسخرية
= مش عارف جايب العشم الزياده ده من ايه؟ بس انا الحقيقه مابقتش محتاجلكم
اتسعت حدقتيه بتوتر أكبر، فهو محقًا في رأيه لكنه اعترف باخطائه و يريد الصلح معتقد أن الأمر بسيط هكذا، تحدث بإصرار
= انا حاسس بيك يا أبني وعارف ان انا كنت قاسي عليك ومش لوحدي! ولفتره طويله كمان وما كنتش واخد بالي ولا مهتم بعمل ايه
بس لازم نضحي شويه علشان الأمور تمشي و نرجع حتى الود من جديد.. وصدقني انا اتغيرت .
نفخ بحنق ساخراً، فقد بغض من استغلال مشاعره لقناع البؤس والشفقة ليستعطف الأخرين نحوه وخاصة هو فقال من بين شفتيه بسخط
= تضحيه تاني؟؟ يااه عارف إيه الفرق بين دلوقتي وزمان انك كنت بتجبرني اضحي من غير ما تطلب مني انما دلوقتي بتطلب وتقولي اتغيرت… طب ما انا ضحيت وكتير و معروفه تحب افكرك بيهم انا فاكرهم واحده واحده؟؟ اذا كان من ناحيه تعليم ولا حاجه عاوزها و حاجات كتير ذي كده وكل ده عشان ابنك يعيش حياه كويسه انما انا مش مهم، انت ضحيت بايه بقى؟ ضحيت بأنك كنت بتطلع عقدك عليا وتهيني طول الوقت عشان تطلع إبن ساوي وكويس وواحد تاني كله عقد و كلاكيع مش عارف يتخطاها لحد دلوقتي وهو كبير .
ابتلع شاهين ريقه بتوجس، وأصر قائلاً
= منذر انا كنت بدور عليك عشان اتاسفلك وعلشان نبدأ صفحه جديده
أبتسم منذر بألم مما زاد من لهيب نيران صدره المشتعلة، فالمسـألة ليست مجرد مشاجرة عابرة تم بعدها إرضــاء الطرفين والتسوية بينهما، بل هو تألم لعده سنوات بسببهم وما يقهر كانوا معتمدين لفعل ذلك، هتف بصوت خفيض مرير
= صدقني لو كانت الصفحه القديمه تشفع كنت قبلت من زمان! بس صدقني صعب! صعب انسى قسوتك اللي دامت اكتر من عشرين سنه
هز رأسه بتريث مرددًا بتوسل
= يا أبني انا اسف على كل اللي حصل مني
هتف فيه منذر بحدة غير مكترث لاعتذاره النادم
= الاسف دايما بياجي من اللي ظلمونا متأخر اوي
استشعر القوة في نبرته، فارتجف منه قائلاً
= يعني ايه ؟
نفخ منذر مستاءً من عدم مصراحته الكامله لظالمه الأحمق، وضع يده على مؤخرة رأسه ليحكها بعصبية ثم هتف من بين شفتيه بجدية
= يعني انت جيت بعد فوات الاوان، بتستغرب ليه مش انت برده بتدور عليا بعد ما خسرت كل حاجه؟ تعالي نفكر كده مع بعض، لما كنتش سبتك وانت خسرت كنت زمانك دلوقتي قاعد قصادي وبتتاسف وحسيت بغلطك؟؟ طبعا الاجابه لا! و كنت زمانك قاعد بتهين وتظلم فيا عشان خاطر ابنك اللي تعبان أو المبرر اللي كنت بتلاقي لنفسك.. لان الدليل اول ما احتاجت نزلته وما فرقش معاك انه تعبان ولا الكلام ده كله.. اللي كنت بتفضل تقوله.
انزعج والده من عناده وهتف معترض
= يا ابني ما تصعبهاش علينا! لو فضلنا نفتكر في اللي فات يبقى مش هنعرف نبص في وش بعض؟ صدقني انا كان ليا عذري برده! لو تفتكر الدكاتره كلهم قالوا ان اخوك هيموت وانا كنت بتعامل على اساس ده اني محرومش من حاجه عشان لو حصل لا قدر الله، فصعب عليا!
أطلق منذر لفظًا نابيًا من بين شفتيه ولكن بصوت خفيض معبرًا عن سخطه الكبير من كلماته غير مصدق، وقبل أن يفتح شفتيه ليدافع عما يريد صاح معاتبًا بتوبيخ صارم
= بجد ده انا طلعت ظلمك بقي والمفروض تاخد جائزه احسن اب! مش كده؟ ده انت جبار يا أخي بقي صعب عليك إبنك و ما صعبش عليك ابنك الكبير من لحمك ودمك برده؟ ولما تفضل تهين وتظلم فيه على حسابي وعشان هو يعيش تقوم تموتني انا !!
وهنا أخيراً أدرك شاهين أنه يحمل بذور الغل والحقد والكراهية في صدره ضده ومهما فعل لم يستطيع محي ذلك ابدأ، ليقول مرددًا بحسرة
= ماكنتش اعرف انك بالقسوة دي
هز رأسه بعد عدم تصديقه، حيث يعتبر الجميع أنه هو الظالم، ولو عاشوا لحظة ما عاشه في الماضي ويعاني منه حتى الآن، لكي يدركوا حقيقة المعاناة.. فباتت لهجته ونظراته أكثر تهديدًا وهو يقول بانفعال
= القسوه دي انا اتعلمتها على ايديك! هو انتم جنسكم ايه؟ ليه فجاه قلبتوا الترابيزه و خليتوني انا اللي ظالم وبقيتوا تتعاملوا على الاساس ده؟ ياااه بقيت وحش وظالم لما بقيت اعاملكم بنفس المعامله..انا دلوقتي اللي قاسي وابن ضال وما استاهلش امال انتم ايه؟؟ هو انتم عارفين اخرتكم ايه باللي كنتم بتعملوا فيا ربنا هيسامحكم كده بسهوله من غير ما يعاقبكم على الاقل انا اللي فيه ده رد فعل.. لكن انتم كنتم الفعل نـفـسـه.
تنفس شاهين بعمق ليحافظ على هدوئه معه، فأي تهور أو تجاوز معه قد يؤدي إلى نتائج عكسية مرددًا بارتباك
= أنا مش جايبك هنا عشان أبرر لنفسي اي حاجة، لأن مفيش اي سبب يخلينا نعمل اللي عملناه دة.. دة انت الوحيد اللي كنت دايما واقف جنبنا ومهما نعمل معاك كنت بتفضل تراعاني وتهتم بينا.
رفع منذر يده على رأسه ليمررها في خصلات شعره بأعصاب منفلته، وأصــــر على حديثه قائلًا بثبات
= ما هي هنا المشكله كلكم عاوزين منذر بتاع زمان اللي يقول لكم حاضر ونعم وياخد فوق دماغه وبرده ما يفتحش بقه ضعيف الشخصيه بس الحمد لله انا فوقت خلاص وعمري ما هرجع تاني ضعيف ومش مشكلة فوقت منكم امتى، المهم اني صحيت و أنا حاسس إني مش خايف مش حاسس بوجع في قلبي وانا بتخيل ايه اللي هيحصل اليوم ده وكرامتي هتتهان والضعف اللي بحس بيه كل يوم بسببك!
رمش أبيه بجفنيه ممتعضة من كلماته القاسية ورفضه المستمر فقال بتعجب غاضب
= هو انا قصرت معاك فايه؟ عشان كل الكره ده يكون جواك انا عارف ان غلط كتير بس معقول ما عملتلكش اي حاجه حلو تشفعلي عندك وتسامحني.
اقترب منه أكثر غير مستوعب استهوانه بأفعاله ضده، أخرج زفيرًا مزعوجًا من صدره وهو يقول بغموض مقلق
=انت بتتكلم بجد انا في حياتي ما شفتش حد في بجحتك! طب تمام الظاهر لازم تعرف كل حاجه طالما شايفني ظالم بدل ما تشوف نفسك كده؟ انت عمرك ما اهتميت بيا ولا كنت في دماغك ولا تعرف حاجه عني خالص! انت فاكر بعمل كل ده عشان اهملتني سنين طويله وما كنتش بتسال فيا ولا حرمتني من اي حاجه بحلم بيها عشان ابنك هو اولى بيها! يبقي ما تعرفش حاجه ؟؟
أخذ انفاسه اللاهثة للحظات وبعدها تابع حديثة بصراحه موجعه
= إللي قدامك ده اكتشف انه عنده ضعف جـ.ـنـ.ـسي بدايه جوازه من غاده ولانك طبعا طول الوقت بتهين فيا وتقول عليا مش راجل كان مستحيل اقول لك وغاده استغلت النقطه دي وكانت بتسحب مني فلوس قصاد انها تسكت كنت طول الوقت مرعوب انك تعرف حاجه زي كده لاني ما كنتش بستحمل كلامكم كان بياثر فيا أوي .
أخذ دقائق طويلاً حتى يستوعب كلماته، ثم أردف قائلاً بصدمة كبيرة
= إيه! انت كنت عاجز ازاي مش فاهم؟!.
❈-❈-❈
في منزل والد ضحى القديم، أعادت كوثر تشغيل هاتف ابنتها بعد برهة بذهول حينما سمعت المحادثه التي دارت بين ابنتها وبين رغد! حيث تم تسجيلها دون قصد منها، لم تصدق كوثر جرأتها و وقحتها وهي تعلن عن رغبتها في الحصول على زوج ابنتها، تشنجت تعابير وجهها للغاية وهي تقول باشمئزاز
=بنت الذين ايه قله ادبها دي، مش انا غلطتك عشان ضربتيها بس لو قدامي دلوقتي لا هجيبها من شعرها وما اخليش فيها حته سليمه هي مالها حطاكي في دماغها كده ليه وعماله تقلل منك؟ من قله الرجاله يا اختي عينها من واحد متجوز وقال ايه جايه من مجتمع ما فيش زيه.. بس جدعه أن انتٍ سجلتلها اهو الكلام ده لما يوصل لمنذر خلاص الوضع هيختلف واكيد هياخد موقف
نظرت ضحي نحوها بوجهها الخالي من أي تعابير وقالت بجمود
=اولا انا ما كنتش اقصد اسجللها حتى لو عارفه نيتها مش انا اللي بعمل العمايل دي و كنت هقول لنفسي ما انا متاكده ان جوزي هيصدقني هحتاج دليل اكتر من كده ايه؟ انا اتفاجئت اني فتحته بالغلط ولسه واخده بالي دلوقتي! والاهم منذر مش هيعرف حاجه عن الموضوع ده ولا هوريه حاجه مش انا اللي اجري ورا حد عشان اثبت ان كرامتي اتهانت كفايه أوي اللي حصل لحد كده.
استشعرت كوثر رغبتها في رفض القبول بالمصالحة و الاصرار على الطلاق، فهتف بحذر
=يا بنتي انا مطوعاكي للنهايه بس بلاش خراب البيت هو غلط مش هنقول حاجه بس اديله فرصه شوفي هيقول إيه لما يعرف اللي فيها ويكشفها، اكيد هيجيبلك حقك منها هو انا اللي هقول لك برده على منذر ؟ ساعه غضب يا بنتي وهتروح لحالها.
ابتسمت بسخرية مريرة ولم تنحسر ملامحها عن حالها بل ظلت تطلعت بعينين حمراوين بألم و وجع لم تعهدهما بنفسها قط، لتقول حاسمة النقاش
=هو انتٍ لسه بعد كل اللي قلتهلك مفكره نفسه منذر بتاع زمان ما خلاص بقى يا ماما، هو اختار حياته واللي عاوز يعيشها بالطريقة اللي هو عاوزها وانا مش هغصبه من حقه يختار بس مش على حسابي ولا حساب ولادي!
لم تستطيع السيطره على أنين قلبها لتنكمش بملامحها تزيد اضطرابا وعذابا، لكنها استرسلت
وهي تردف بانفعال جعل قلبها في صدرها ينبض بتحفز
= وبعدين استني إيه اكتر من كده زمان ما كنتش عارفه اخد موقف عشان مش متاكده من شكوكي ناحيه الست دي؟ وبعد ما اتاكدت واتهنت منها وهو ما سمعنيش ومصمم يصدقها والمصيبه الاكبر انه بيساوبني على انزل الطفل فخلاص ما بقاش في عيشه ولا ينفع.. هو اللي اختار مش انا
تمتمت أمها بصعوبة من بين شفتيها محاولًا امتصاص انفعالها
=يا بنتي خراب البيت بيبقى بسهوله لكن الرجوع صعب، وانتم معاكوا طفلين ذنبهم ايه بس.. انا عارفه ان كل حاجه إلا كرامتك وانا معاكي بس برده خلينا نصبر شويه ونشوف الامور هترسي على ايه
انزعجت ضحي مما يحدث ورغبه والدتها في تجاهل كل ما حدث والعوده من جديد و كأن الاوضاع بهذه السهولة ستحل، فهتفت بصرامة
=انتٍ سامعاني كويس بقول لك طلب مني انزل اللي في بطني! إلا هيسيبني هو؟ يعني مستوعبه التغيير اللي بقى فيه وصل معاه لفين ؟! يعمل كمان حاجه حرام و مش فارقه.. منذر بقى اناني أوي ومش فارق معاه غير مصلحته زمان كنت بقول دي كلمه كبيره أوي عليه والسكينه سارقه وفي يوم هيعرف انه غلط! لكن للاسف هو حابب كده ومش هيتغير وقالها لي اتغيري انتٍ وابقي زيي عشان نمشي حياتنا .
صمتت لحظة تتنفس بمرارة وهي تتذكر كل ما فعلته معه سابقآ فيكون هذا جزاءها بالنهاية
عادت تنظر نحوها واضافت بألم أكبر
=وانا ولا هتغير! ولا هضحي واتنازل اكتر من كده.. ولا ناويه انزل ابني حتى لو وصلت اننا اتطلقنا! يا ريت بقى نقفل على الموضوع ده.. وانا هقوم اشوف بنتي احسن.
نظرت كوثر إليها بتوجس وترددت في إرسال الفيديو إلى منذر كمحاولة أخيرة للمصالحة بينهما. أمسكت هاتفها الذي نسيته على الطاولة وبدأت في إرسال الرسالة عن طريقها بعد أن أرسلتها لها أولاً، ثم وضعته في مكانه بعد فترة.
تحدثت مع نفسها متوجسة لرده الفعل بقلق ظاهرة على تعابير وجهها
=يا رب ما تخلينيش اندم ان عملت حاجه زي كده يا منذر، وربنا يهدي الحال بينكم.
❈-❈-❈
عوده الى شاهين الذي شعر بأن روحه سحبت منه بمجرد سماعه بخبر كذلك وباقي معاناه إبنه الكبير والذي كان جزء منها، كم استحقر نفسه بتلك اللحظه بشده.
بينما نظر له إبنه بأعينه الدامعة دون أن يخجل أو يشعر بالخوف من رده فعله مثل سابقآ، تمتم بازدراء
=وكل ما بتشتكيلك من حاجه كنت بتصدقها هي على طول! ما انا اللي مش مسؤول ومش راجل من وجهه نظرك شفت معاها عذاب بسببك، وبدل ما كان في حياتي واحد بيعايرني بقوا اتنين! لحد ما خلصت منها و طلقتها وده طبعا بعد ما سومتني؟ ولا انا أقول اني شفتها بتخوني في بيتي ولا هي تقول ان مش بعرف… وفضلت قافل على حياتي و خلاص قلت مش هتجوز تاني عشان مفيش واحده تعايرني تاني ولا تفضحني قصادك! و انت من الناحيه الثانيه عمال تضغط عليا ولا عارف حاجه! لحد ما قابلت ضحى وساعدتني كثير ودخلت في دماغي ان ممكن يكون ليا علاج وهنا كانت الصدمه ان انا كنت كده بسبب حالتي النفسيه واللي كنت بشوفه منكم أصلا ..
تخبطت أفكار شاهين من كلماته المريبة تلك. أدرك الآن سبب كل هذه القسوة والرفض. كان يعتقد أنه قد يكون محقًا في معظمها، لكن حديثه الجديد والمفاجئ جعله يدرك جميع تلك الردود العاطفية السلبية التي صدرت منه. ثم أضاف بصوت مكتوم وهو يكبت عبراته بيده
=يا اخي ده انا حتى الدكاتره النفسيه ما نفعتش مع حالتي! وهخسر دلوقتي ضحى بسببك لاني لسه متعقد ولسه مش ناسي حاجه من اللي كانت بتحصل زمان! كل المرات اللى انضربت فيها فكراها كويس كنت ببقى مرعوبه أعمل حاجه غلط و من كتر الرعب بغلط غصب عنى و أفضل احلم بكوابيس انى بنضرب واتهان.. يا اخي دي الحاجه الوحيده اللي كنت بتكسف اقولها لضحى ضربك ليا واحساسي زمان.. انا مش عارف اقول لك ايه ولا ايه لسه ما عملتوش معايا وبتقولي اسامحك.
رفع عيناه نحوه ليرمقه بنظرات معاندة وهو يضيف بألم كبير
= ضحى حامل تاني وانا من خوفي لاكون ظالم زيك واخلي ولادي يحسوا باللي انا كنت بحس بيه زمان بسبب تفريق المعامله قلت لها تنزل الطفل لا نسيب بعض؟ وهي اكيد مش هتموت ابنها عشان واحد زيي معقد وعنده امراض نفسيه قد كده بسبب اهله.. اكبر خساره ليا هتكون هي.. هي الوحيده اللي حضنتني وحسيت معاها بطعم الامان! وكل حاجه كنت محروم منها حققتها لي وحفظت سري.. ومن ناحيه تانيه انتوا بتعيروني والاسم اهل.
بكي منذر بقهر لعجزه عن تفسير مشاعره عن أهمية زوجته له وضرورة طلبه المُلح قبل رحيلها، أشفق عليه الآخر بشده هاتف بتوسل
= إبنك ملوش ذنب وبلاش تعمل اللي..
لكن الآخر قرأ في تعبير وجهه بأنه يريد انصاحه لكنه صاح بصلابة شديدة ونبرة تحذير التقطها الآخر بسهولة
= مش عايزك تتدخل في حياتي تاني دمرتني زمان ومش هسيبك تدمرني تاني.. انا المرة دي بحذرك أنك ترجع منذر بتاع زمان عشان تمارس عليه تحكمك وتسلطك اللي عانيت منه سنين، انا مش لعبة تسيبها وقت ما تحب و تستخدمها وقت ما تحب.. لما صدقت بدات حياه جديده بتحاول تدمرها تاني ليه مش قادر تصدق ان انا صح وانت غلط مش قادر تستوعب ان انت راجل ظالم! مش قادر تتقبل ان طلعت راجل ومسؤول مش زي ما كنت طول الوقت بتسخر مني وانت ولا حاجه .
أدمعت عين شاهين بحزن شديد ماذا! هل صوت تهشم قلبه صدر للتو؟ كيف يواجهه بحقيقة حاول مرارًا وتكرارًا الهرب منها.. وبتلك القسوة! وأنه بالفعل شخص ظالم.
نظر منذر له وعيناه تطلقان شررًا متقدًا فلو كانت المعاناه شخصًا لتجسد ببشاعته ليعكس ما يشعر به بالوقت الحالي، وهو يضيف بصوت معذب يوضح معاناته القاسية
= ما تجرب تحط نفسك مكاني انا فضلت في العذاب ده من وانا طفل صغير فاهم يعني ايه؟ ما لقيتش اهتمام ولا حنيه ولا حب.. خوف بس منكم اي حاجه حلوه ما لقيتهاش! فما تجيش تطلب مني حاجه انت ما اديتهاليش من الأول؟؟ ممكن لو كنت لقت حنية مكنتش عملت في نفسي كده واتغير ولا فضلت حاسس ان انا ضعيف الشخصيه ومش قادر اواجه اي حد بيغلط فيا
سار شاهين الكرسي خطوه للامام بحذر مرددا
بصوت باكياً
= بس ده خلاك اقوى دلوقتي!
نظر له مبتسمًا باستخفاف مزعج غير مصدق رده حقا، وقال متألم بحرقة
= انا مكنتش عايز ابقى اقوي.. انا كنت طفل؟ فاهم يعني ايه طفل بيتقال له انت مش راجل ولا عارف تشيل مسؤوليه اخوك الصغير، وكل ما يغلط انا اللي بتعاقب بدلاً و اضحي! يا اخي انا وصلت لمرحله كنت بدعي على نفسي ان يجيلي مرض وحش عشان تهتموا بيا ربع الاهتمام ده! وتقولي بقيت اقوى!
يالله، على الرغم من أنه كانت مواجهة لا بد منها إلا أنها كانت مؤلمة وقاسية للغاية للطرفين! وبالتأكيد، كان منذر هو الأكثر ألمًا وحسرةً. فكيف يمكنه أن ينسى طفولته التي ضاعت في تضحيته ليعيش أخيه؟ وكيف يمكنه أن يجبر نفسه على التسامح والنسيان وهو ليس بيده ولا يستطيع ذلك؟ فلا يفهم أحد ما يمر به حقًا طالما أنه ليس في مكانه. ولهذا السبب، يحكم الجميع بسهولة على الوضع.
أخفض الأب رأسه بانكسار حاضرًا لِمراسم
عذاب ابنه كأنه بصمته ذلك يبارك له أوجاعه بحرارة، هو ذاته الذي ظلمه أكثر من مرة لسنوات عديدة، إنه الظالم المتجبر الذي طغى
على أيامه و ادخل عليه التعاسه، تحيطه من كل الجهات وترافقه أينما كان حتي بعد زواجه و إنجابه وجد تلك المشاكل مازال يعاني منها وترافقه…
تحرك الآخر بخطى متعجلة إلى بعيد بالغرفة ليضبط انفعالاته لم يبتعد كثيرًا، بل استند بظهره على الحائط القريب. فلقد أوشك على فقدان أعصابه أكثر، فهتف بصوت حزين للغاية
=انت وصلتني لساعات كنت بخاف انام من كثر الظلم اللي كنت بشوفه منك ولما انام بخاف اصحى برده وانا مش عارف ايه اللي مستنيني منك هتضربني وتهني قدام مين المره دي؟ هتطلب مني تضحيه ايه اعملها! هتحرمني من ايه بحبه عشان خاطر ابنك؟ كل دي افكار كانت بتدور في دماغي وانا طفل صغير؟؟ انت متخيل اذيتك كانت واصله معايا لحد فين، ما كنتش بعرف أنام وأنا حاسس بوجع في قلبي و لو نمت كده مؤكد هتحصلي حاجة، و إنا قلبي بيغلى بجد
أدمعت عين شاهين بتأثر وهو يقول بصوت متعباً
= حقك تعمل اكتر من كده مش هلومك خصوصا بعد كل اللي عرفته عنك وقد ايه كنت بتعاني وانا ولا كنت شايف ولا حاسس، انا راجل ظالم يا منذر وظلمتك كتير وما استاهلش اكون ابوك.
لم يعبأ بتلك الصيحة الذكورية المذبوحة، لم يعبأ اطلاقا ان يري جانبه الضعيف.. من لا يرحم ظل يرددها في ذهنه قبل أن يهتف بصوت متهكم
= طب كويس إنك عارف إنه حقي، بس برده بعد ما اعترفت ما فيش حاجه هتتغير ما هو يا ريت الواحد يقدر ينساه اللي عاوز ينساه..او يسامح اللي عاوز يسامحه.. تعرف حتى المواجهه اللي حصلت واللي كنت مستنيها سنين طويله تحصل و انك تعترف بخطاك برده ما ارتحتش… انت وجعتني كتير أوي وظلمتني كتير أوي؟؟
نظر له بتجهم كبير ظاهر على محياه وعلى قدر المستطاع جاهد ألا يثور من جديد و تمتم بازدراء وكراهية
=عرفت بقى انت عملت فيا ايه؟ عرفت ليه مش طايقك ولا طايق كلمه اسامح! و جاي تقولي اسف وتعالى نفتح صفحه جديده، يا رايتها سهله كده عليا زي ما كلكم فاكرين… ياريت كل حاجة بتضيع مننا نقدر نرجعها بالسهوله دي.
تنهد باستسلام بقله حيله وهو يقول بندم
=انا اسف…اسف یا ابني على كل اللي عملته
فيك…اسف اني جرحتك بكلامي…واسف برضه على اللي عملتيه امك و طليقتك غاده و كنت السبب في برده..وانت مش مضطر
تضغط على نفسك وتسامح حد ما تعملش
حاجة غصب عنك.. ما تسامحش حد غصب
عنك؟ لو طول السنين اللي فاتت كلها ما قدرتش اعلمك حاجه فيبقى هي دي الحاجه اللي عاوز اعلمها لك سامح لما تقدر!!
شعرت بأن نيرانه المستعرة قد هدأت قليلًا، رد إليه جزءًا مما يستحق لذلك أردف قائلاً بجفاء كبير
= مش مستنيك تقولهالي! عشان الزمن علمهالي.. وانا فعلا مش هسامح الا لما احس بكده ولا هضغط على نفسي ولا هقول عشان خاطر أن دول اهلي ولازم انسى! لان بكل بساطه هم اصلا ما فكروش في كل ده عشان أفكر أنا..
هدأ من أعصابه الثائرة وأضاف بصوت جاد
= انا ماشي وبالنسبه لموضوع عمليتك و الوكاله ما تشيلش همهم انا هتكلف بيهم! و قبل ما تعترض وترفض انا عارف انك مش عاوز حاجه بس اللي انت عاوزه مش هقدر اديهلك زي ما انت شايف! وفي نفس الوقت لازم اعمل اللي ربنا امرني بيه وابرك حتى لو مش قادر اسامح.
أحيانا يظن الأب أن أطفاله سيسامحون كما تفعل زوجته يظن الوالدين أن لهم الحق في كثير من التعدي بإعتقاد أهمية مصلحة
الأبناء ويعتقدون أنهم بيوم ما يسامحونهم.. ظلم الآباء لا يغتفر لأنه كسر لا ينجبر
استمع شاهين بعدها إلى صفع باب غرفته حدق في الباب بعيون دامعة ومقهورة. لقد خسر، كان يعتقد أنه لم يخسر أبدًا في مسيرته المليئة بالنجاحات، لكنه خسر ابنه إلى الأبد. كان مخطئًا من البداية، مخطئًا عندما دار ظهره في الوقت الذي كان ابنه في حاجة إليه وعامله بقسوة. لذا، لا يوجد مجال للبكاء على اللبن المسكوب.
❈-❈-❈
أبعدت رانيا عنها الصينية بعد أن وضعت بها صحن حساءها الفارغ مبتسمة لها بعاطفة واضحة. شعرت بالارتياح لعودتها إلى هدوئها وتوقفها عن البكاء، جلست إلى جوارها وبقيت أنظارها عليها تراقبها عن كثب، ثم رددت
هاتفه بجدية
=يعني على حسب اللي فهمته انك خبيتي عليه انك لو حملتي تاني هتحصلك مشاكل مش كده؟ هو ما كانش يعرف حاجه عن الكلام ده خالص الا لما خبى البرشام أو بدله و خلاكي تحملي عشان ما تبعديش عنه زي ما هو كان فاكر انك مكمله عشان الاولاد! ما تزعليش مني الغلط جايه منكم انتم الاتنين .
لم تتمكن من ضبط انفعالاتها الهائجة، فقالت بنبرة عدوانية
= بس انا غلطي كان عشان مضايقوش ولا احسسه طول الوقت بالخوف عليا، او ده اللي كنت فاكره اصلا اني اهمه! انما انتٍ مستوعبه هو عمل فيا ايه؟ ولا تفكيره انا مش عارفه هكون ببالغ ولا لاء لو قلت عليه انه شخص مريض!
هتفت الأخري بصوت هادئ لتخرجها من حالة الغضب المشحون العارم
=احنا كلنا عارفين ان ادم عاش كتير فتره لوحده وما كانش بيحب يدخل حد حياته و وقته كله ضاع في المحاكم عشان يرجع بنته باي طريقه وفي الآخر خسر وما كسبش حاجه غير الوقت اللي ضاع منه! وكل الناس كانت بتعاتبه انه ما اتجوزش وعمل اسره تاني وفين وفين لما عرف ان تفكيره كان غلط، كان العمر عدى بيه! وبدل ما يحاول يصلح اللي فات استسلم تاني وكمل باقى عمره على كده.. لحد ما جيتي انتٍ وما كنتيش علي البال اصلا
هزت رأسها باعتراض ونظراتها مالت للاحتقان
وهي تهتف بحده
=عاوزه تقولي ايه يا ابله رانيا وليه اصلا بتدافعي عنه كده، ده انا فكرتك اول واحده هتقوليلي ان ياما قلتلك وانتٍ إللي مشيتي بدماغك اطلقي بقى احسن! وانه ما لوش أمان.
أجابت رانيا قائلًة بتأكيد على أهمية فض النزاع قبل تطوره بينها وبين زوجها
=عشان انا اتغيرت عن زمان في تفكيري في الموضوع ده وفي حاجات كتير حصلت أجبرتني على كده، ذي أنك خلاص اتجوزتي و خلفتي منه بدل العيل إثنين ومش بقول لك كده عشان ترجعي عشان العيال ولا حاجه لا عشان انا عارفه ان انتٍ بتحبي واستسلمت لكده خلاص.. ومش عاوزه ابقى خرابت بيوت
صدقني الموضوع ممكن يتحل لما يطمن ان انتٍ عمرك ما هتسيبيه ولا مكمله عشان خاطر العيال! وانك بتحبي فعلا.
استشاطت غضبًا، وتحول وجهها لكتلة ملتهبة من الدماء الغاضبة وابتسمت بلا تصديق وهي تسائل دون تريث
=هو انا كل ده ولسه ما خليتهوش يحس بالامان من علاقتنا؟ انتٍ مش عارفه انا عملت ايه عشان يبطل يفكر بالطريقه دي ويثق فيا
شوية؟ اي حاجه كان بيطلبها مني حتى لو مش عاوزاها كنت بعملها طالما شايفه انها ممكن تأثر على علاقتنا وبسببها حاسس بالاحراج او الخوف! ما كنتش بحب احطه في المواقف دي، عشان كده كنت بسمع الكلام و بعدت عن الناس عشانه حتى اهلي اللي بعد ما صلح علاقتي بيهم خاف ورجع وقالي ابعدي عنهم والجيران واصحابي والجامعه كل حاجه وبرده ما كانش بيثق فيا وراح استخدم طريقه تانيه .
هزت رأسها متفهمة وهي تربت على كتفها مدعمة إياها وهي تشير بيدها
=يا حبيبتي انا فاهمه كل ده! بس هو لي ظروف خاصه من ناحيه السن والسنين اللي قضاها لوحده سببتله خوف من المستقبل دايما، انك هتسيبيه والحياه اللي ما كانش يحلم بيها دي هتروح منه عشان كده كان عاوز أمان اكتر.. او بلاش انا معاكي ان انتٍ عملتي حاجات كتير عشان تحسسي انك بتحبيه بس برده بسبب ان ما كانش صريح معاكي في الحته دي خليته سامع اكتر للناس اللي بره ومتلخبط.
ابتسمت ديمة ابتسامه باهته وهي ترد بصوت متألم
=اديكي جبتي المفيد فعلا رامي ودنه للناس اللي بره ومن اقل موقف يقلب الترابيزه و بيتلكك ويمنعني! انا عمري ما كنت بعند قصاده وكنت بقول حاضر.. و بدل ما كان يسمعني ويطمن مني أنا أو يصارحني عشان نلاقي حل والافكار دي يشيلها من دماغه خالص.. كان بيسمع ويصدق ليهم اكتر مني و دايما مسيطر عليه فكرتين ان في يوم هندم ان اتجوزت واحد في سنه؟ أو هشوف اللي حواليا شبابهم وحيوين قد ايه وهنجذب ليهم واطلق منه عشان عجز وكبر..
وبقوه أضافت من كلماتها التي كانت تغزو بقلبها دون رحمه والآلم يمزق روحها
= بس انا فكرت بكل ده قبل ما اوافق اكمل معاه ومكمله عشان بحبه بجد مش عشان بحب شكله؟ ولا سنه؟ ولا بضغط على نفسي اكمل عشان الولاد! أهو انا بالعند فيه سبته بقى عشان يعرف حتي بالاولاد أهو برده قادره ابعد عنه.
هتفت أختها موضحة بهدوء رزين
=معلش جربي اسمعي لي وحطي شروطك و صارحوا بعض.. في حاجات كتير هتتحل و تشوفوا ممكن تعملوا إيه عشان يشيل الافكار دي من دماغه ويصدق انك معاه عشان بتحبيه.. ولا انتٍ لسه مش بتحبي؟
لم تستطع الرد أو نفي أي شيء، فهو كان كذلك بالفعل. كان آدم زوجًا محبًا يدافع عنها ويحميها من أي شخص ويخشى عليها من الأذى. بل يضحي بحياته من أجلها فقط وعلى الرغم من كل هذا الاهتمام الذي قدمه لها، إلا أن اندلاع شرارة التصادم بينهما في الفترة الأخيرة أدى إلى بعض الجفاء. فهمت صمت أختها وقالت بنبرة هادئة.
=تمام الاجابه وصلت يبقى بلاش نخرب بيتنا مع اول مشكله فعلا ولو لسه جواكي اللي يشفعله ويخليكي تسامحي جربي معاه فرصه ثانيه
تمتمت عفويًا من بين شفتيها بصوت هامس لكنه يعكس الكثير عن نيرانها المتأججة بداخلها
= يا ابله رانيا انا بحبه واكيد مش كرهته في الكام يوم دول! بس مش قادره اسامحه ولا اصدق انه عمل فيا كده وان كل الفتره اللي كنت عايشه معاه فيها كان مصدق وسامع للناس اللي بره اكتر.. يعني على كده كل كلمه كنت بقولها له ان انا بحبه كان بيبتسم وجواه بيقول يا ترى هي بتكدب ومكمله عشان العيال ولا لا؟؟
كان وضع رانيا مشابه لها حزينة عليها نوعًا ما و تشعر بالإشفاق على حالها، لذا أرادت أن تطمئن علي قراراتها، لكن خشيت من حسم الأخري لذلك هتفت بعقلانية
= حبيبتي ما فيش حياه من غير مشاكل او ساعات المشاكل هي اللي بتقوي العلاقه كمان يعني خلينا نبص على الحلو برده، انا اول حاجه سالتها لك لما جيتي مد ايده عليكي أو غلط فيكي أو فينا او اهانك! او كان بخيل من ناحيه الفلوس والمشاعر! أو خانك.. جاوبتي وقلتلي من غير تفكير لا طبعا ادم مستحيل يعمل كده ولا يضربني ولا يخوني ولا عمره مسني بكلمه وكان دايما مهتم بيا وبيحبني.. والدليل انك وقفتي قصادنا واخترتي الاهتمام والحب ده وانا مش بلومك هنا بس مصدقه كلامك انه كان كويس فعلا معاكي! عشان كده بقول لك فكري تاني.. و بلاش قرارات متهوره في لحظه غضب .
ثم هتفت باهتمام كبير
= المهم دلوقتي يا حبيبتي طمنيني الدكتورة قالت لك ايه على موضوع حملك، عشان انا كمان بقيت بقلق حتى بعد ما اطمنت من اخر مره رحنا سوا!
❈-❈-❈
كان معاذ يجلس في الردهة بفارغ الصبر، ينتظر أي اتصال من والدته، لكن لم يأتِ شيء. فقام وقال بعدم صبر.
=انا بقول اقوم اروح اشوفهم احسن فات ساعتين اهو وانا مش على اعصابي
أمسكته زوجته من يده بسرعه وهي تقول بحنق
=يا معاذ استنى لو كانوا عاوزينك كانوا اتصلوا عليك، وبعدين مش قلت ان ابوك عايز يقعد معاه لوحده.. حتى والدتك قاعده دلوقتي في شقه حد فيكم لحد ما ابوك يتكلم معاه ويحاول يحنن قلبه عليكم .
ظهرت ملامح الحزن عليه فقال بضيق شديد
=فات اكتر من ساعتين استنى ايه وبعدين كل ده بيتكلموا انا قلقان بصراحه وعاوز اعرف ايه اللي حصل هناك خايف بعد كل اللي عملناه وفي الآخر منذر ما يسامحش
نهضت بسمة من فوق المقعد ثم وقفت عاقدة ساعديها أمام صدرها و أجابت مترددة
=لا ما هو مش هيسامح يا معاذ وخلينا واقعيين ده اللي حصله كتير منكم احنا بس بنحاول نرجع الود وده برده هيكلف كثير فلازم تستقبلوا منه اي رده فعل، وحتي مراته قالت لك كده بنفسها وهي بتدينا العنوان بس نفسها هي كمان جوزها يطلع من الحاله اللي هو فيها .
أنتبه لكلماتها جيداً فقال مرة أخري باسي
=ضحى دي طلعت طيبه أوي وانا مش هجيب سيره ان هي اللي اديتنا العنوان فعلا زي ما وعدتها، كفايه برده أنها عاوزه تصلح اي حاجه
وانا كمان نفسي اعمل اي حاجه ليهم ونرجع زي زمان.
❈-❈-❈
جلس بسيوني أمام منذر بداخل منزله، و وضع قدم وساق فوق الأخرى بغرور وتكبر مرددًا
= كويس انك جيت يا منذر كنت لسه هتصل بيك! طبعا انت عارف ان بحبك وبقدرك قد ايه بس اللي عملتك مراته حاجه ما يسكتش عليها ولازم تعتذر لبنتي وقدام الناس كلها كمان.. اهانتها من اهانتنا وانت اكيد ما يرضاكش اللي حصل .
لوت الأم شفتيها جانباً هاتفه بنبرة صارمه
=هو انت لسه هتستاذن منه يا بسيوني غصب عنه لازم يجيب مراته وتعتذر انت مش شايف مراتك عملت في بنتي ايه؟ مش شايف وشها؟ كل ده عشان بتنصحها ازاي تتاقلم على المجتمع بتاعنا اللي هي ما تطولش تبقى منه بنتي لو مش متربيه كانت ردت عليها وضربتها
بس حقها هيجيلها.
تصنعت رغد الدموع وحزنها و أخبرتهما بزيف
=مامي من فضلك هو ما لوش ذنب وبعدين كفايه انه جه هنا وانا متاكده انه عاوز يحل! و أنا هعذرها عشانك لكن برده لازم تعتذر ليا زي ما قالوا وقدام الناس كلها كله إلا كرامتي.. هو انت ساكت ليه؟
مط فمة للإمام بملل وأجاب باقتضاب
=مستنيكم تخلصوا عشان اشغل ده! واللي مراتي سجلته بالصدفه.
فتح منذر هاتفه وإذ فجاءة يصدح اصوات الاثنين عبر الهاتف الذي أجفلها، شهقت عندما علمت أن محادثتها مع زوجته ضحي كانت مسجله وقد كشفت نواياها امام منذر وأسرتها
أتسعت عينا رغد والخوف ضرب قلبها، ولم يختلف الأمر عن أسرتها أيضا عندما علموا حقيقه ابنتهم وانها المخطئه ثم ساد على الجميع صمت بذهول.
زفر بحدة و ألقي بهاتفه علي الأريكة فجميع المصائب تتوالي فوق رأسه، رفع منذر زواية فمه جانباً بسخرية و قال باستفسار
=خير ساكتين ليه؟ مش كنتم بطالبوا بحق بنتكم واللي قلتي عليها متربيه وان مراتي ما تطولش تبقى واحده من المجتمع ده اللي بنتك منه وبتقول لمراتي بكل بجاحه سيبيلي جوزك انا استحقه عنك ولا الالفاظ اللي بتقولها لمراتي لا واضح فعلا انها متربيه وان المجتمع بتاعكم ما فيش زيه
أبتلعت رغد ريقها و أرتدت قناع الجمود وهي داخلها تشتعل من الغيرة والحقد، بينما هتف والدها بتحذير
= منذر حاسب على كلامك
صاح بغضب كالوحش الكاسر وهو يتذكر موقفه من البدايه وان لم يصدق زوجته
=وانت كنت حسبت على كلامك انت والهانم مراتك وبنتك وانت بتغلط في مراتي وفاكرين ان ليكم حق، معنى كده بقى في كل مقابله كنت بتقابليها لمراتي كنتي بتكوني قاصده ترمي كلام وانا المغفل اللي كنت فاكرك فعلا طيبه ونيتك خير.. انا ممكن كنت اتوقع أي حاجه منك الا انك فعلا تكوني عينك مني و بتحاولي توقعي بيني وبين مراتي عشان تاخديني ايه يا مدام رغد التدني اللي انتٍ فيه ده
استدارت رغد له التي رأت الغضب ينضح من عينيه وهو يسألها بجمود قاصداً
=انا مش عارف للمره كام قلتها لك، انا بحب مراتي وكان كلامنا اصلا كله عليها و افعالها معايا وقد ايه انا بقدرها وعمري ما هسيبها لكن رغم كل ده مصممة، مش بعيد تكون مش اول مره كمان والثالث جوازات اللي فاتوا لعبتي عليهم كده برده؟ ما هي اللي تعمل كل ده وتخطط نتوقع منها اي حاجه رخيصه زيها .
أظهرت جرأة سافرة واردفت بشكل عاطفي دون اهتمام بمظهرها أمام عائلتها أو أمامه، وهي تقلل من قيمتها الذاتية بشكل أكبر
= هو انت ايه يا اخي لحد اخر لحظه لسه برده بتقول انك بتحبها قدامي، ده انت كرهتني في اسمها وكل قاعده نقعدها تقعد تذكر هي قد ايه ست عظيمه وما فيش زيها وحبك ليها وانك مش قادر تستغني عنها حتى لو هي اللي غلطانه تجري تصالحها .. كان لازم اكرهها!
نظروا نحوها اهلها بذهول وحرج، واكلمت من بين دموعها بتبرير حزين
= انا مش وحشه على فكره بس كان نفسي حد يحبني فحبيت حبك ليها ايه كفرت ولا انت كمان كنت هتكون غلط لما تحبني وتديني شويه.. وعلى فكره انا اديت كتير في الثلاث جوازات اللي فاتوا عشان تنجح وفي الاخر ما نجحتش ولا لقيت اللي يحبني اشمعنا هي وانا لا
رد منذر و صدره يضيق و يشعر بالإختناق
= رغد احنا مش داخلين سباق ده كله نصيب! واللي عملتيه غلط ولازم تتحسبي عليه.. انا ضحى دي بالنسبه لي حاجه كبيره عمرك ما هتفهميها ومش موضوع بحاول ارد لها الجميل زي ما كنتي بتحاولي توصلي ليا عشان اسيبها.. بس تعرفي كويس اللي عملتيه عشان رغم كل محاولاتك دي كان بيزيد تمسكي بيها اكتر وعرفتيني قد ايه مهما تعمل ما ليش غيرها..و لو عاوزه حد يحبك بجد بطلي الحقد اللي جواكي وانك تبصي في عوض غيرك
أجهشت في البكاء رغماً عنها و صرخت بقهر مكتوم وغيرة
=ما فيش فايده مش شايف برده غيرها مهما عملت، انا حبيتك بجد على فكره حتى اسمى لما بتقوله لي طعم تانى ومش قادره اتصور انك تكون لحد غيري.. يا اخي ده انا حتى موافقه اكون زوجه تانيه وادوس على كرامتي عشانك.
ضحك بسخرية غير مصدق وقاحتها التي لم يراها من البدايه، وحاول إستيعاب ما كان سيفعله أن لم يكشفها الآن او طوعها بلحظة ضعف وخسر زوجته مقابل فتاه رخيصه مثلها ود إقتلاع لسانها و التخلص منها فمن هي لتهين زوجته ضحى وحبيبته الاولى و الوحيده، أخذ يهذي بكلمات غير مسموعة حتي صاح في وجهها و أشار لها بأصبعه قائلاً بقوة
=طب رد انتوا عليها ردي يا هانم ايه رايك في أخلاق بنتك والمجتمع اللي هي جايه منه، بصي يا بنت انتٍ انا مش ناقص قرف واللي فيه مكفيني ومهما تعملي او حتى ضحى تعمل وتبعد عني هجري وراها و ان شاء الله ابوس ايديها ورجليها عشان ما فيش زيها ومش هبص للرخيص واسيب الغالي.. والهبل اللي انتٍ فيه ده ما ليش فيه انا ولا قلت لك تعالي حبيني ولا وعدتك ان ممكن اتجوزك ولا ابص لحد غير مراتي أصلا، فمتهيالي بقى ان اهلك والمجتمع اللي انتٍ فيه محتاجين يعدوا اعاده
تأهيل لاخلاقك.
لم تستطيع الأم السيطره على نفسها رغم خطأ ابنتها وقالت بنبرة أكثر إرتفاعاً عن سابقتها و بسخط
=ما خلاص انت لما صدقت هتتفتح احنا ساكتين عشان عرفنا أن بنتنا غلطانه فعلا
لكن ده ما يدكش الحق انك..
ظل يرمقها بتلك النظرة المخيفة و المليئة بالغضب الجامح، ثم هدر من بين أسنانه بنبرة غير قابله للنقاش
=هشش انا فعلا مش ناقص كلمه زياده بنتكم عندكم وشوفوا هتربوها ازاي! احسن تعمل العمله دي مع حد تاني، وبالنسبه لحق مراتي فانا هجيبه و انتوا اقترحتوا من شويه اقتراح حلو هنعمل حفله وبنتك هي اللي هتعتذر لمراتي، لا الا التسجيل الحلو ده هنشره على الملأ وشوف بقى سمعتك يا استاذ بسيوني وسمعه الشركه وخصوصا اعدائك.
تردد الأب في الإجابة بعدما رأه في عينيه نظرة أرعبته وأنه لا يقول مجرد كلام، فقال بعدم تصديق
=بتهددني يا منذر انت نسيت نفسك ده انا اللي خليتك حاجه وشغلتك في شركتي وانت معاكش اي مؤهلات .. يكون ده اخرت الجميل اللي عملته معاك.
نهض منذر بعدم مبالاة و رمقه بإزدراء
= كل حاجه عملتها معايا خدت قصادها كتير مني، وانا فعلا لو كنت وحش كنت نشرت التسجيل ده من غير ما اجيلك او بعته لاي حد واقبض ثمنه وانت عارف كويس ممكن اعمل كده بسهوله! لكن انا عشان متربي وجاي من مجتمع انتم ما تعرفوش عنه حاجه فعمركم ما هتفهموا اللي بعمله ده!
مازالت نظرته تحتفظ بالجدية وهو يخبره بقراره الحازم
= وبعدين انا طلبت ايه غلط بنتك غلطت في مراتي و عليها انها تعتذر زي ما كنت فاكر ان مراتي هي اللي غلطانه وطلبت مني انها تعتذر لبنتك قدام الناس كلها واكتشفت العكس يبقى ده اقل حق من حقوقي لازم يحصل ومش هتنازل عنه حتى لو وصلت انك تطردني مش هيهمني قد كرامه مراتي اللي لازم تترد .
❈-❈-❈
ديمة أخيرًا وافقت على مقابلة آدم في منزل رانيا وعندما وصل اول شيء فعله، احتضن أطفاله بشوق واشتياق، وحاول بدء حديث مع زوجته عنهم، لكنها ردت على تساؤلاته بإجابات قصيرة مقتضبة، شعر بأنها لا تزال تشعر بالضيق تجاهه. في حين حاولت ديمة أن تنظر إليه بدون أن يلاحظ فشعرت بأنه مرهق للغاية ولم يعد يهتم بصحته، فاشفقت عليه بشدة. ابتلع ريقه وتكلم بتردد حرج.
=ازيك يا ديمة اخبارك ايه؟ وعامله ايه في الحمل
أجابته بنبرة خافته وهي مشبكة لكفيها معًا
=تمام بتابع مع الدكتوره اول باول ما تخافش.
تنهد آدم بحرارة وهو يقول باشتياق
=طب الحمد لله ان شاء الله تقومي بالسلامه على فكره وحشتيني، و مبسوط ان انتٍ رضيتي تقابليني و انا مش عاوز حاجه غير انك تسمعيني وبعد كده اعملي اللي انتٍ عاوزاه.
أمسك بيدها الاثنين لتصبح أسيرة كفيه، وتحدث بصوت متعباً
=انا مش هبرر انا غلطت فعلا حتى لو كنت مش عارف ان انتٍ تعبانه كان لازم افكر في صحتك قبل اي حاجه، وان طبيعي لما تخلفي ورا بعض هتتعبي لكن انا اقسملك ما فكرت في كل ده وده غلط مني اكيد.. المفروض ان انا بحبك بجد اخاف عليكي مش اذيكي! وانا فعلا اذيتك كتير يا ديمه
ارتعش جسدها من لمساته الحنون على بشرتها فأغمضت جفنيها بحرج بينما زفر آدم بصوت مسموع، وهو يضيف بصوت نادم
=اذيتك لما بدات افكر في غلطتك بتاعه زمان واحاسبك عليها وانا ما ليش حق! انتٍ ولا عملتيها وانتٍ على ذمتي ولا يحق ليا احاسبك و انا عارف كل حاجه من البدايه و وافقت اكمل، واذيتك لما ابتديت ادخل الشك في دماغي وامنعك من حاجات كتير زي مرواح الجامعه والنزول حتى أنك تشتري حاجه من مكان قريب وانا مش معاكي.. و اصحابك و الجيران واهلك، كل ده حتى لو انا جوزك ما يدينيش الحق ان اتحكم فيك بالطريقه دي.. حتى أني أمارس حياتي بشكل عادي معاكي كنت بمنعك من ده اكمني يعني بتحرج وبخاف من الناس ونظرتهم ليا؟ وللاسف انا كنت بفكر في ده اكتر من علاقتنا.
نظر لها بابتسامة باهتة مرهقة وهو يقول بصوت مبحوح
=الفتره اللي انا قعدت فيها لوحدي ما بقتش اعمل حاجه غير أني افكر وبعيد كل حساباتي ولقيت انك عملتي اللي عليكي وكنتي دايما بتوافقيني عشان مش عاوزه مشاكل وعاوزه الحياه تمشي وعاوزه ترضيني ودي اهم حاجه وانا كان لازم برده ارضيكي، عشان بتحبيني و مش عاوزه تسيبيني وانتٍ ياما كنتي بتقوليلي كده بس المشكله برده ما كنتش بتكفيني كلمه الحب دي، عارفه سبب اللي احنا فيه ده كله من ايه.. الخوف
رفعت وجهها نحوه غير مصدقة كلماته، لكن شعرت أن هناك خطب ما به، فسألته بقلق
=الخوف! بتخاف من ايه مش فاهمه؟
هز رأسه بالايجاب وأضاف مؤكدًا بشدة
= ايوه انا كنت بخاف! لما نكون مع بعض ماشيين عادي و واحد يبصلنا ويمشي كنت افضل افكر هو بيبصلي ليه شايفني طبعا راجل كبير وماشي مع عيله قد بنته ويمكن شاف دبلتي ولا شاف عيالي وقال إيه الراجل اللي بيستغل الطفله دي؟ كنت بعمل حساب للناس أوي لدرجه لو نفسي اعمل حاجه معاكي افكر اول حاجه هي ناس هتشوفني ازاي وبعد كده اقول لا مش هعملها.. بسبب الخوف ده أنا حرمت نفسي من حاجات كتير وحرمتك معايا
مش فاهم كنت بعمل كل دي ليه عشان الناس يعني طب هم مالهم هم عارفين انا شفت ايه ولا اتعذبت ازاي بحياتي ولا علاقتنا ليه بالشكل ده؟ بكل بساطه لا يبقى ليه اهتم بيهم و انا ما بدخلش في حياتهم ولا بحكم عليهم.. وبعدين سألت نفسي هم حكمهم عليا ده مهمه أوي هيفيدني ولا هينقصني في ايه طب ؟ ولا حاجه.
أدمعت عينها بانزعاج وضيق وهي تسمع كلماته بتأثر وحزن، رمش بعيناه بتعب قبل أن يقول بنبرة متوسلة برجاء
=ديمه انا اسف انتٍ فعلا تستحقي مني الأسف ده، وانا خلاص مش هفكر بالطريقه دي تاني حتى الجامعه لو عاوزه ترجعي تكملي ارجعي وكلمي اصحابك طالما هتحطي حدود بينكم انا موافق! واهلك رجعي الود بينكم من تاني
انا والله ما كنت عاوزك تقطعي علاقتك بيها الا طبعا اللي في البلد وانا وانتٍ فاهمين السبب.. خلاص لما هتقوليلي بحبك بعد كده هصدقك وهعمل حساب لحبنا اكتر من الناس وهدور على سعادتي وبس.. وانا سعادتي معاكي يا ديمه عشان كده عاوزك تسامحيني وتديني فرصه اخيره.
نظرت له مترددة بحيرة فأشار لها بسبابته كي لا تنطق الآن فامتثلت لأمره و فضل الآخر أن ينسحب ليترك لها مساحة من الحرية للتفكير بشكل افضل، أخذ شهيقًا عميقًا، ثم حرره بتمهل وهو يرد بتريث عقلاني
=مش عاوزك تردي دلوقتي خدي وقتك تاني وفكري.. بس خليكي فاكره حاجه واحده بس! مهما يكون قرارك انا بحبك و هفضل احبك وافتكري إللي كنت بعمله زمان وإني ما كنتش بقدر استغنى عنك ولا هقدر دلوقتي.. انا همشي وخلي بالك من نفسك و من الاولاد.
تنحنحت قائلة بتردد وهي تتحاشى النظر في عينيه كي لا يكشف أمر بكائها
= ماشي!.
ابتسم آدم بحب وهو يتأملها بأمل في مسامحتها وحبها له مثلما كان في السابق. ربما لم يكن هذا الحب كبيراً في البداية، ولكن مع مرور الوقت، أصبح يحظى بمزيد من اهتمامها وترسخ وجوده في قلبها. ومنحته أكثر مما يستحقه، رحل آدم قبل أن يودع أطفاله للمرة الأخيرة.
بينما دفنت ديمة وجهها في راحة يدها تبكي بحسرة، فاقتربت اختها منها تاخذها في احضانها وهي تقول بحنان
=بس يا حبيبتي خلاص، طب لما انتٍ بتحبي أوي كده ليه ما رحتيش وراه وقلتله انك مسامحه!
** ** **

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى