رواية قابل للكتمان الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم خديجة السيد
رواية قابل للكتمان الجزء الثاني والعشرون
رواية قابل للكتمان البارت الثاني والعشرون
رواية قابل للكتمان الحلقة الثانية والعشرون
كان صوت الأمطار يتزايد وهو اسفله، كان يقف أسفل بنايه ضحى القديمه متردد في الصعود لها لكن في النهايه حسم الأمر وذهب
للاعلي يدق علي باب المنزل، وعندما فتحت انصدمت من وجوده وهو بتلك الحاله وأسرع قائلاً بصراحة وضعف
= محتاجلك.. وكلي أمل ما ترفضنيش!
لم يكن هناك حاجة للتفسير، فقد فهمت أن مواجهته مع والده قد حدثت وأن النتيجة كانت سلبية للغاية، ولكن هل يمكنها أن ترده خايب الرجاء وتنتقم على ما فعله بها؟ بالطبع لم تكن تلك الأفعال من ضحي التي احبها.. حتى في غضبها منه، لا تستطيع منعه من حنانها.
فبهتت إبتسامتها وهي تنظر له، فقربها وهو بيسند رأسه فوق راسها بينما ضمها لصدره يحتضنها أغمضت عينيها وهي بحضنه ساكنه، وبعد فترة دلف إلي غرفتها فبدا يحكي ما حدث في أحضانها كالعاده ليشعر بالأمان من جديد.
رفع عيونه الغارقه بالدموع لها وهي تستمع له
في اهتمام شديد هاتفا
= لسه فاكر المرات اللى انضربت فيها حتي في مره أغمى عليا من الخوف و فاكر لسعه الحازم و هو نازل على جسمی.. ومره من المرات دي عشان سرحت عن معاذ شويه رغم انه ما حصلوش حاجه وكان كويس بس
بابا ضربنى جامد والجيران صحيوا على
صوتی و فضلت اسبوع تعبان و مش بقدر اتحرك
لتشعر ضحي بضربات قلبه تتصاعد بشده أثر كلماته وأطرافه أصبحت كالثلج، لتهتف بخوف
=عمرك ما حكيتلي انه كان بيضربك انا كنت فاكره ان كان بيعنفك بالكلام وبس او حتى لو بيضربك ما توصلش للدرجه دي.
توقف عن الكلام ليلتقط أنفاسه وتلفت حوله بنظرات زائغة كأنه تائه في دروب الحياة المريرة، لم يعد يتحمل كل تلك الضغوطات.
هو أوشك على الإنهيار كلياً، لكن هي كانت واصبحت دونا عن الجميع بارقة أمل لاحت في الأفق حينما قابلها وزينت حياته للافضل كثيراً لذلك من المستحيل الابتعاد عنها. منذر وهو يبتعد عنها لينظر لها واردف بحسرة
=اي حاجه خيالك يجيبها هو عملها معايا بمنتهى الجبروت من غير ما يفكر! وماما كانت بتقول له ايوه اضربه خليه يتعلم ازاي يبقى راجل اصل كنت هفرح لما اخوه يحصل له حاجه بسببه، حتى قالتلي كمان لو كنت رجعت من غيره كنت قتلتك! ضحي انا اخدت القرار مش هسامح الناس دي في حياتي ابدأ. ودي مش قسوه انا مش هقدر علي الخطوه دي
مررت انظارها بقلق عليه وشعرت بأنه معاناته مع عائلته لم تنتهي بعد وهناك الكثير حدث لكنه غير قادر على البوح به، لذلك رغم عدم رضاها على الخصام بين عائلته الذي لم يحسم حتى الان الا انها لم تضغط عليه ولم تعترض على رايه، بل تحدثت هاتفة بإشفاق
= طب بلاش تقفلها سيبها للظروف هو انت حقك ما حدش هيلومك وهم كمان ما عملوش حاجه يخلوك تقدر تنسى القسوه دي منهم والكلام لوحده مش كفايه ولا الاعتذار .. بس عشان خاطر بنتك سيب الباب مفتوح ولو جاتلك فرصه وقدرت ما تترددش
أبتسم كونها متفهمة جيد الى حالته كعادتها كان يتمدد على فراشه الوثير ثم تحرك تجاهها ليضمها اليه بحنان وهو يقبل عينيها ويلتقط بشفتيه دموعها مرددًا بحب
=بالظبط هم ما عملوش حاجه تخليني اشفع ليهم انتٍ الوحيده اللي بتكوني فهماني يا ضحى عشان كده جيتلك، مش عشان بحبك وبس؟ كل ده مش كفاية جنب انك لما تلاقيني بتألم او زعلان تقعدي تسمعني باهتمام يمكن ما بتقدميش حلول يمكن مش عندك رأي طول الوقت بس دايما تسمعيني.. دايما تصدقيني.
كانت تسمعه بصمت ثم أبتعد عنها ليقبل كتفها بحنان، و التوى ثغر منذر للجانب مُشكلًا ابتسامة متشوقة ولمعت نظراته ببريق الحب
وهو يضيف بتأثر
= كنت فاكر إني كبرت كفاية و فهمت الدنيا والناس وبقيت بقدر عليهم بس اكتشفت إن مهما كبرت هفضل عاوز أجري أعيط في حضنك يا ضحي.. يمكن هي دي فايدة الحُضن
إنه يشيل وجع قلبك اللي ماحدش بيقدر يشيله!! غيرك في حياتي.
تنهدت بقوه واردفت بخيبة أمل
= وانا كمان علي فكره كان نفسي اجي افضفضلك بس كل اللي فيني بسببك
احمرت وجنتاه كليًا بحرج منها من تذكيرها له بذلك الموقف المشحون بينهما، ثم تابع قائلًا بابتسامة لطيفة
=أنا آسف بس معنديش غيرك أفضفضله، ضحي أنتٍ احلي حاجه حصلت في حياتي و الشخص الوحيد اللي بحبه اكتر من نفسي.. تعرفي ساعات كنت بسأل نفسي أنا بحبك ليه! المنطقي إنه ميبقاش في سبب علشان لو السبب ده راح الحب ده هيروح برضه بس مؤخراً بقيت احسن ان في سبب أنا و إنتٍ شبه بعض في حاجات كتير جداً .. أنا بجد بحبك و بحب أبقى جنبك و بحب تبقى جنبي بس لما اكتشفت سبب للحب ده ، سألت نفسي لو سبب ده راح ايه اللي هيحصل !
اعترضت ضحي بشدة على قوله مرددة بعتاب
= منذر هو انت واخد بالك قبل ما امشي قلتلي ايه؟؟ اللي في بطني ينزل وما رضيتش تسمعني وتعرف ايه اللي حصل بيني وبين رغد
هز رأسه بتفهم، ثم ربت على فخدها متحدثاً بنبرته الجادة
= فاكر وما رضيتش اجي هنا غير وانا مصلح كل حاجه، انا رحت لرغد بعد الفيديو اللي بعتته مامتك واجهتها بيه قدام اهلها وما عرفتش تفتح بقها في الأول وانا ما سكتلهمش
وقللت منها قدام نفسها وقدام اهلها زي ما كانت بتعمل معاكي بالظبط.. واتفقت معاهم نعمل حفله وتعتذر قدام الناس كلها ليكي يا اما هنشر الفيديو و افضحها حتى لو وصلت انهم يرفدوني انا ما عنديش مانع بس المهم ارجع كرامتك.
انصدمت وخفق قلبها بشدة من المفاجاه ولم تنكر سعادتها الكبيره بعد كلماته تلك، لكنها قالت بتصميم وهي تمسح دموعها
= برده ماما ماسمعتش كلامي وبعتت الفيديو
ما كانش في داعي على فكره تعمل كل ده و ممكن ما يوقفوش وساعتها هتخسر شغلك اللي ما فيش زيه والمجتمع اللي مش قادر تسيبه
ليقبل منذر وجنتيها بحنان وهو يقول بندم
= أنا والله العظيم نـدمان ومبتمناش أي حاجة في الدنيا دي غير إنك تسامحيني، دة انا منذر حبيبك وعوضك زي ما كنتي بتقولي زمان..
أرجوك يا ضحي ما تدمريش كل حاجه بنيناها
عشان خاطر الإنسان اللي غيرتي ده حافظي عليه وصونيه.
نهضت لتجلس بعيداً عن الفراش وفركت يدها بضيق قليل ثم نفت قائلة بعبوس خفيف
= احنا صحيح كنا بنبني سوا فعلا لكن دلوقتي بتهد لوحدك! انت ما سمعتنيش والله واعلم لو كنت سمعت كنت هتصدقني ولا لاء؟ والتغير اللي هحولك لواحد قاسي لدرجه تقولي اللي في بطنك هينزل عاوزني اقتل ابني يا منذر هو ده التغيير اللي انت فرحان بيه
نهض منذر خلفها و رد عليها بخشونة هادئة
= ممكن تسمعيني! على فكره المواجهه بين ابويا برده جت بفايده وخليتني اواجه نفسي وأعرف ان انا غلطت معاكي انتٍ بالذات كثير، مش عارف كنت معمي ولا في غشاوه على عيني بس غصب عني اندمجت ونسيت نفسي شويه مع المجتمع والشهره اللي حواليا و العالم الغريب ده او زي ما بتقولي السكينه كانت سرقاني عيل صغير فرحان بلعبه جديدة بالذات ان كنت كاره حياتي زمان و المجتمع اللي كنت جاي منه بسبب اللي عملوا اهلي فكنت عاوز اندمج فده عشان انسى بس في الآخر اكتشفت ان عمري ما هنسى و لا عشان انجح ولا انسى لازم اتغير مع التغير اللي حواليا لا لازم احافظ على اللي انا اتعلمته واتربيت عليه والحلال والحرام عمرهم ما بيتغيروا مهما رحت وقابلت مجتمعات جديده حواليا.
تنفست ضحي الصعداء لعودته أخيراً الى رشده لكنها حاولت كتم ابتسامتها بصعوبه فلم تحصل على كل ما تريده بعد، وأجابت بصوت منهك
=لسه فاكر ترجع دلوقتي بعد ما جرحتني و خليتني خلاص أفقد الأمل فيك و ابدا اسرح بدماغي واقول الدور شكله عليا وانا اللي هتغير وهيروح لغيري.
هز رأسه نافياً وهو يدنو منها فلم يختلف حاله عنها كثيرًا بل ربما أشد حزن منها، هو يحترق شوقًا بداخله ليرد عليها بعتاب لطيف
=طب تعرفي بقى انا اللي مفروض احاسبك على التفكير ده، طب هاتي مره لمحتلك بكده؟ انا من كتر حبي فيكي كنت عاوزك تدخلي معايا في المجتمع ده عشان ما نحسش ان في فرق بينا وانتٍ اللي تسيبيني، طب هتصدقني لو قلتلك طول الوقت كلامي بره الشغل مع رغد كنا بنقعد نتكلم اكثريه الكلام عليكي واقول لها قد ايه بحبها وهي وقفت جنبي وبرتاح معاها في الكلام وانا اللي قليل عليها وهي كتير عليا.. لدرجه حتى قالتلي النهارده لما واجهتها انها كرهت اسمك من كتر ما انا بتكلم عليكي
ضغطت على شفتيها بضيق وهي ترد بغيرة
=اه باماره ما رحت حكيتلها على مشاكلك مع ابوك مش كده هي قالتلي كده بنفسها طالما التسجيل وصل لك اكيد سمعت ده كمان و قالتلي كنتي فاكره نفسك هتفضلي طول الوقت الزوجه الصالحه اللي هيقعد يحكيلها ويفضفض معاها.. وخلاص راحت عليا.
تبدلت تعابير وجهه للإشراق ولم يكترث بافتضاح أمره فالمهم الآن أن تشعر هي تحديدًا بما يكنه لها في قلبه رغم كل ما حدث وتحدث بإبتسامة راضية
=وتزعلي لما اقول عليكي غبيه طب انا بعمل ايه دلوقتي؟ انا على فكره اول حاجه عملتها لما عرفت انك مشيتي كنت رايح اجيبك بالعافيه بس اتفاجئت بمعاذ قدامي ورحت و سمعت والدي، وبعدها شفت التسجيل اللي بعتته مامتك ورحتلها على طول وخلال الفتره دي كنت عاوزه اخلص كل ده بسرعه عشان اروحلك واجري افضفض معاكي.. على فكره انا ما قلتلهاش حاجه عن أهلي او يعني مجرد كلام كده من غير ما ادخل في تفاصيل! رغم أنها كانت بتحاول كثير ونفسها احكيلها اي حاجه عن حياتي وانا كنت دايما ارد عليها رد واحد كان بيغظها أني ما برتاحش إلا مع ضحى لما بتكلم معاها
اشاحت وجهها عنه بغيظ كبير منه فأضاف عليها بإقتضاب
= يا ضحى ما انا برده ما كنتش عارف نيتها ايه كنت بعتبرها فعلا مجرد صديقه عادي عمري ما اتعرضت لحاجه زي كده واحده تبقى حقوده كده وتلف حواليا، أنا كنت لما اشوف غيرتك منها اقعد اقول طب هتبصلي انا على ايه ما حواليها ناس احلى واحسن مني، والله لحد دلوقتي ما بصدق أن كنت اعرف واحده وحشه بالشكل ده وما عرفتش إلا متاخر.. على الاقل غاده زمان كانت واضحه عنها في شرها.
هتفت ضحي بخوف كبير وهي ممسكة بكفه دون وعي
=و أهو حصل عشان بعد كده تصدق وتسمعني من اول كلمه، الستات بيعرفوا الحاجات دي من اول نظره..وشكل الحاجات دي هنقابلها كتير بقى والهانم رغد دي مش هتكون اول واحده و..
وضع إصبعه على شفتيها مقاطعها بجدية
=طب ما نقابل ايه يعني عارفه انا قلت لها ايه انا مبسوط أنك عملت كده عشان عرفتيني ان انا بحب مراتي قد ايه ومهما تعملي هجري وراكي عشان انتٍ اللي تستاهليني وعمري ما هفكر اسيب الغالي واروح للرخيص.. هو انتٍ ليه مش عايزه تصدقيني انا بحبك بجد ومهما اشوف واقابل عمري ما هروح ابص لغيرك.. يا ضحى اللي بيبص كده بيبقى عينه فارغه و الغلط فيه
فكرت كثيرًا في الأمر بمفردها، لقد جاء بنفسه إليها ليعتذر وفعل المستحيل لكي تعود إليها كرامتها المهانة وأمام الجميع أيضًا، حتى وإن كلفه الأمر استقالة من وظيفته وأهم شيء أن يتنازل عن كبريائه قليلاً ويسمح لها بالاحتفاظ بالطفل وأنه لم يجبرها على التغيير معه، فماذا ترغب أكثر من ذلك؟ ابتسمت لتصرفه بحكمة وأردفت قائله بتردد
=لا مصدقة خلاص، تفتكر فعلا ممكن يوافقوا على طلباتك ما فكرتش يعني ان ممكن فعلا يطردوك هتلاقي شغل فين بعد كده.
تحدث بجدية وهو يضمها إليه بتملك ويده تمر بعشق وشوق على ظهرها بحنان و ضحي تضمه إليها هي الاخرى بشوق وهي تشعر بحبه لها يكاد يغرق الكون من شدته
=ما تقلقيش ما احنا سيبنا بيت بابا زمان و ما كناش نعرف اي حاجه ولا معانا فلوس وواحده واحده ابتدينا نفكر وندبرها فهندبرها برده المره دي، وبعدين انا قلت لك كله إلا كرامتك
فاكره يعني لو قالوا ليا ما فيش شغل طالما مصمم على اللي في دماغك هقول لهم خلاص وارجع في كلامي ما في داهيه المهم انتٍ! وبعدين ما انا رحتلها وقللت منها زي ما عملت وصممت على اعتذر منها قدام الناس كلها عاوزه ايه تاني اكتر من كده وانا اعمله لك
أجابت بحزن وهي تشعر بتجدد الدموع في عينيها بضعف فهي تخشى تجدد غضبه منها من جديد بذلك الموضوع
=ما جبتش سيره اللي في بطني واللي حصل غصب عني ولله وانت فكرت كنت قصده، انا لحد دلوقتي مش قادر استوعب انت ازاي قدرت تنطقها وتقولي نزليه.. دي نعمه من ربنا اديها لنا من غير عمليات ولا تعب بترفضها ليه؟
ليميل منذر يقبل عينيها بحنان حتى يمنع بكائها، واردف بنبرة عميقة متأثرة
=كانت لحظه غضب وقتها انا كنت على الاخر اصلا وسواء اللي حصل ده ولا ما حصلش اكيد لما كنت هقعد مع نفسي كنت هقول ايه الهبل ده ومستحيل طبعا اعمل كده واعرض حياتك وحياه ابني للخطر، مش هينزل يا ضحى اكيد انا مش وحش لدرجه اموت ابني عشان شويه عقد جوايا، مع العلم انا لسه خايف والفكره دي جوايا اني افرق بينهم واعمل نفس اللي اتعمل فيا زمان بس هو نصيب بقى لازم أرضي بي
ابتسمت مرددة بثقة بصوت مطمئن وهي تمرر يدها على وجهه بحب
= على فكره، فكره انك تفكر كده في حد ذات الموضوع يبقي مستحيل تعمل كده، احنا عمرنا ما هنكون اب وام مثاليين يا منذر مهما عملنا
أكيد هنغلط وهيجي وقت وهنندم وهنتاسف
ومش عيب.. شيل المسؤوليه مش سهل عشان كده هنيجي في النص نغلط وهنرجع تاني احسن من الأول
هز رأسه بالايجاب وقرب منها وهتف بحرارة
=عارف وطول ما انتٍ معايا متاكد ان ده عمره ما هيحصل، تعرفي كنت فاكر وجودي اساسي في حياتك، بس اكتشفت ان وجودك انتٍ اللي بيكملني مش بعرف اعيش من غيرك..هترجعي معايا مش كده؟ وبيتنا مش هتسيبيه تاني فاهمه حتى لو غلطنا انا اللي هسيبه مش انتٍ
وبعدين ما نزعل ونغضب في نفس البيت هو من قله الاوض هناك ولا هي لازم شحططه وخلاص.
لم ينتظر ردها فقام بمعانقتها بشده لدرجة أن ضحي شعرت بوجع في عظامها من شده احتضانته لها، بالرغم من قسۏة عناقه الا أنها شعرت بالأمان والطمأنينة بعد أن كانت تشعر بالضياع ثم ابتسمت ابتسامه بدلال وردت
=ماشي هعتبرك عيل وغلطت وهعديها طالما حقي من البنت الصفراء دي هيرجعلي كمان، و بعدين برده فرق السن اللي بينا متهيا لي هيوضحلك قد ايه انا عندي عقل ونضح اكبر منك
ابتسم منذر بصدمه وسألها بانزعاج
=هو انتٍ ليه فجاه حسستيني كانك امي! وانا لسه عيل صغير بتعلم؟ جري إيه يا ضحى ما تقوليش الكلام ده تاني عشان انا الكبير مهما كان
ضحكت بخفة عليه وردت عليه بابتسامة متسعة للغاية
= المفروض أنا إللي ازعل مش أنت علي فكره
وبعدين تعالى هنا نسينا نقطه مهمه بالنسبه للتغيير وكل مرحله وليها تغييرها انا مش هتغير عشان أعجب حد و أكون لايقه على المجتمع يا منذر المفروض اجبر اللي قدامي يحترمني مهما كنـ..
قاطعها ليقوم بتقبيل إذنها بشوق وهو يهمس لها بعشق و يمرر يده على وجهها بحب
=شش خلاص من غير ما تكملي انتٍ معاكي حق واكثر كلمه قلتيها اثرت فيا وزعلتني من نفسي لما قلتلي انا قابلتك زي ما انت يبقى انت ليه عاوزني اتغير ومش عاوز تقبلني زي ما انا، اعملي اللي انتٍ عاوزاه طالما باحترام و مش بتتعدى حدودنا و تقاليدنا مش لازم صحيح اتغير عشان احنا ما كناش غلط ولا وحشين من الأول، خلاص انسى كل ده بقى وما تقلقيش مش هطلب منك حاجه زي كده تاني.
❈-❈-❈
مرت الأيام وآدم على نفس الحال حتى اسود
وجهه و غادرته الرغبة في الحياة.. واستقرت
هالات سوداء تحت عينيه اللتان كانتا مليئتين
بالحيوية والنشاط كل هذا كان بسبب غيابها
عن حياته وكعادته كان يراقبها وينتظرها
حتى تخرج من منزل أختها ويبقى يتبعها لساعات ويستمع الى احاديثهما و اكثر ما
المه هو انها لم تذكره ولو للحظة وهنا تأكد انها لم تحبه قط وعندما رفضت الإعتراف بانها سامحته، كانت صادقة ولم تكن تحاول التظاهر..
كان آدم فعل كل ما بوسعه ولكنها عنيدة ذلك البعد كان قد جرحها جرحاً لم يشفى باي
طريقة كانت وهو كان قد وعدها ان لم تقبل
بالبقاء معه لن يجبرها على ذلك أكثر من هذا .
وبين ذلك لم يفهم ضاعت الكثير من المحبة .. هو لم يكن لديه اي علم انها تحاول الوقوف على رجليها ومن خلال عدم ذكره كانت تحاول الغفران له على فعلته تلك معها.. هو لم يفهم تجاهلها ذلك على انها تريد ان تجعله يقلق عليها ويتصل ويعاتبها وتعاتبه وتتصلح الأمور
من جديد هذه المرة، هو لم يكن يعلم بتلك الدموع التي تظرفها كل ليلة عندما تغلق على نفسها الباب في غرفة منعزلة وتبقى تبكي حتى تنام.. للأسف الشديد هو لم يكن يعلم باي شيء واستقرت في عقله تلك النظرية.. بمعنى اصح في عقولهم!؟ هي تظن انه يأس وقام
بالقائها دون وجه حق والآن يعيش حياته بطريقة عادية بينما هي تعيش جحيما لا يطاق وهو يظن انها لم تعد تحبه قط وانه بسبب ما فعله بها لا يستحق الحب ولا يستحق حتى الحياة وانتهت قصتهما وعندما يأس توقف عن مراقبتها
وفي يوم من الأيام عاد للمنزل وقبل ان يخطي اي خطوه استمع الى صوت عزف موسيقى! عقد حاجيبة بعدم تصديق واقترب بسرعه للداخل على أمل ان تكون هي عادت.. وبالفعل كانت هي.. اغلقت الموسيقى و دنت منه بخطوات مرهقة لتقف امامه بكل هدوء مبتسمة .
رمش بعينه برهبة وتوتر ثم رفع يده وحاول وضعها على خدها ولكنه تراجع في آخر لحظة والدموع تملئ عينيه خائف أنه تكون حلم! لكنه لم يكن لديه حل آخر من التحقق ان كانت حقيقة ام حلما غير ان يلمسها ابتلع ريقه بعد ذلك و رفع يده و وضعها فوق خدها وراح يتحسس وجهها الناعم بينما هي أغمضت عينيها وسافرت الى عالم آخر ..وتلك الأثناء تأكد أنه لا يحلم بل هي أمامه بشحمها ولحمها وعنادها.
أمسك بذراعها بارتياح يجتاح كل كيانه أيّ مشاعر تردد داخله وفي قلبه زقزقة صغيرة مترقب نظراتها لوجهه عندما همس
= ديمة!.
هتفت له مبتسمة ببشاشة لنشوة السعادة التي سرت داخلها
= آدم!.
ثم همس مجدداً بإنتشاء وكأن روحه عادت له من جديد وهو يحتضنها بقوة شديدة
= وأخيرًا رجعتي و بقيتي ليا من تاني… وفي حضني.. كده هنت عليكي كل الفتره دي تسيبيني ما كنتش اعرف ان قلبك قاسي كده
قطبت حاجبيها تقول بعتاب رقيق
= ما كانتش قسوه! بس كنت بحاول اصفي قلبي عشان ارجعلك من جديد وانا مسامحه فعلا.. صحيح اللي عملته مش قليل لكن لقيت ليك عذر وعلى راي اختي انت سبت في قلبي اللي يشفعلك ويخليني اغفرلك الغلطه دي
أطلق آدم تنهيدة طويلة قبل أن تتبدل تقاسيم وجهه لحماس مرتقب ويهدر
= بجد سامحتيني خلاص ومش هتسيبيني تاني يا ديمة ولله اللي حصل ده كان..
تطلعت له بحب جارف قبل أن تقاطعه بحزم بينما اقتربت منه تلاعب تلابيب قميصه
=هششش طالما سامحت ورجعت يبقى مش هنفتح الموضوع تاني! خلاص خلينا ننسى طالما وعدتيني مش هتعمل كده تاني و وعدتني بحياه جميلة زي ما كان نفسي فيها مش كده.
أبتسم آدم يبادلها نظرات الحب ثم أمسك إحدى كفيها التي تداعب مقدمة قميصه ومال برأسه ليلثمها بشفتيه، معقبا بحنان ولهفة
= طبعا يا حبيبتي والله لسه عند وعدي! ما فيش خوف تاني من الناس ولا هتردد في اي حاجه عاوز اعملها معاكي ولا همنعك تعملي حاجه لمصلحتك.. آه يا ديمة ما تتصوريش الفتره اللي عدت عليا كانت صعبه ازاي وعرفت قيمتك وإني بحبك أوي
لم تنحسر ابتسامتها وهي تخبره بصوت هادئ ثابت ونظرات حانية
= وانا والله العظيم كمان يا ادم بحبك، وكنت عارفه قيمتك من زمان وانك حاجه عمرها ما هتتعوض في حياتي لو خسرتك.. عشان كده كنت بحاول اعمل المستحيل أن علاقتنا تكمل، والفتره اللي فاتت كنت بحاول اصفي قلبي و نفسي.. لأنني نتستحق فرصه ثانيه فعلا واللي بينا كتير.. وانت عمرك ما كنت وحش معايا انت بس غلبتك غيرتك زياده عن اللزوم بدون تفكير
حَدَقَ فيها مُتبسّمًا ثم تحدث بعشق وحزن
= انا بحبك.. بحبك مش هينفع تبقي لحد غيري ولا انا ينفع ابقى لحد غيرك.. انتٍ عارف كويس اني بحبك وانتٍ كمان بتحبيني.. مش عارف كنت غبي قلقان خايف بس كل اللي اعرفه اني مش هسيبك تضيعي مني
وقفت ديمة بعدها على اطراف أصابعها قبل أن تميل برأسها لتقبله وقبل ان يتعمق معها جفلا الاثنان مبتعدان عن بعضهما بارتباك اثر صوت الباب يدق هتف آدم بتعجب وهو يهندم ثيابه، متغضنة الجبين
= غريبه مين هيخبط علينا دلوقتي هو حد من اخواتك قالك جي ولا انتٍ طلبتي حاجه من البوابه قبل ما تطلعي .
هزت رأسها برفض وهي تقول بصوتٍ خافت
= لا خالص ما طلبتش حاجه و اخواتي قالوا هيعدوا عليا بعد أسبوع يطمنه وما رضوش يستنوا معايا، ما تفتح وانت تعرف مين؟!.
هز رأسه بقلق وتحرك ليفتح الباب وسرعان ما اتسعت عينا آدم بصدمة كبيرة وهو يقول
= رنا!.
إندفعت رنا بجسدها داخل أحضانه مطوقة رقبته بذراعيها الصغيرتين و هي تجهش ببكاء
متمتمة بين شهقاتها بصوت متقطع
= بابا، لسه في مكان ليا في قلبك ولا خلاص كرهتني ومش عاوزني زي خالتي وابنها.. من ساعه ما بطلت اديهم الفلوس اللي بتديها لي وهم اتغيروا معايا أوي وعرفتهم على حقيقتهم المفروض كنت ارجعلك بس كنت خايفه تقولي دي نتيجه اختيارك وشيلي وانا ياما حذرتك.. بس مش قادره اكتر من كده اقعد معاهم ولا استحمل.
أرجع رأسه للخلف مطلقًا ضحكة عالية رنت
في الأرجاء لا يصدق عوده ابنته أخيرا له، و بسرعه احتضانها هو الآخر بلهفة غير مستوعب عودتها قائلاً بصوت مشتاق
=انتٍ فعلا عبيطه طالما لاحظتي حاجه زي كده من الاول تعالي وقوليلي انتٍ متخيله ان ممكن تيجيلي لحد عندي واقول لك لا مش عاوزك، تبقى لسه ما تعرفنيش! ولا تعرفي قلبي كان مستني اللحظه دي قد ايه وكان واثق انها هتحصل حتى لو فاتت سنين كتير
أكمل حديثه لها بعبث وهو يجذبها الى الداخل واغلق الباب وهي إحتضانه براحه وسعادة
= بس يا حبيبتي خلاص تعالي أما اعرفك على ديمه هتحبيها أوي ومن البدايه كده مش عاوز شغل ستات وغيره! هاه اعتبروا نفسكم اخوات.. وانتم الاتنين حبكم عمره ما هيقل ولا يزيد بالنسبه لي.
لترفع رنا عينيها الدامعتين بتردد إلي ديمة التي رسمت ابتسامة مشرقة وهي تقول بلطف
= ازيك يا رنا انا ديمه، ادم كان بيحكيلي عنك كتير و كان نفسي اشوفك من زمان وتتعرفي على اخواتك .
❈-❈-❈
عاد معاذ إلى منزله وهو يحمل عدة أكياس كثيرة ووضعها في المدخل بنفاذ صبر وضيق فلم تتوقف زوجته عن طلباتها واستغلاله عندما يكون في الأسفل ليحضرها. ثم نظر نحو زوجته ليجدها جالسة على الأريكة وقد اختطفت الكيس الكبير وأخرجت الفطيرة التي طلبتها وبدأت تتناولها. عقد حاجبه بغضب وهو يشاهد زوجته وهي تأكل الفطيرة بشهية ولذة. هتف مرددًا بصوته الحانق
= ما براحه وخدي نفسك وانتٍ بتاكلي وبعدين انتٍ بتاكلي نصيبي ونصيبك كمان؟ ما تسيبي حاجه للغلابه اللي معاكي في البيت
نظرت إليه بضيق ثم عقبت بغضب مصطنع
= نعم واللي في بطني ده ملهوش هو كمان نصيب .
اتسعت عينا معاذ بدهشة ثم قال بعدم تصديق
= ايه ده هو انتٍ حامل بالسرعه دي؟؟ بس احنا لسه راجعين من عند الدكتور امبارح وشيلتي الوسيله لحقتي ولا انا اللي جامد أوي كده
تجهمت ملامحها بزيف لتصحح قولها الغير مقصود من باب المرح مردده
= اكيد طبعا لا ما لحقتش، ما انت قلت بنفسك لسه شايلاها امبارح بس انا بدرب نفسي مش اكتر عشان لما يحصل، وبطل تبصلي في اللقمه وروح شوف حالك.
لم يجيبها إنما ألقا نظرة طويلة على شفاه زوجته الملوثه بفتات الفطيرة ولم يستطيع البقاء مكتوف الأيدي ويبقيها كذلك لذا اقترب منها وقام بلعق الفتات من فوق شفتيها لتتوقف بسمة على الأكل لتنظر إلى زوجها بصدمة ولكن هذه صدمة تحولت فوق وجه معاذ أيضاً، حقا لا يعرف تلك المشاعر التي بدأت تتحكم فيه رغم نفوره منها الذي لم يفارقه حتى الآن.. لكن أحيانا يشعر بأنه يريد فعل العكس دون السيطره على نفسه مثل سابقآ !.
تلبكت ملامحه ثم تنحنح يحاول رفع الحرج عنه قبل أن يصحح بلهفة
= كان في حاجه بمسحها لك، صحيح نسيت اقول لك أمي طلبت مني ان احنا نرجع تاني الشقه بتقول ابويا قال ما فيش مانع لو رجعنا، إيه رأيك.
انتفضت بسمة باعتراض وهي تهتف بحنق
= مش موافقه طبعا و لو نسيت كان من ضمن شروطي اني مش هرجع البيت تاني وامك لما تصدق تعمل عمايل زمان، تقدر تديني وعد انها مش هتيجي جنبي و تنكد علينا هي لحد دلوقتي لسه ما اتغيرتش وخليك صريحه مع نفسك .
لم يتفاجأ من رده فعلها فهو أيضاً متردد في فعل ذلك، فالحياه بينهم قد تصالحت كثيراً عندما أبتعد عن أسرته ولا يستطيع إنكار ذلك، حرك معاذ شفتيه بامتعاض ثم عاد يؤكد هاتفا لها
= عارف بس اكيد مش هفضل هنا ده مش بيتي برده يا بسمه، وممكن اختك تظهر في اي وقت وتطالب بحقها.. غير انك لازم تعيشي في بيت يكون انا اللي صاحبه عشان انا الراجل.
أعجبها تفكيره ثم نهضت لتقف أمامه وهي تقول باقتراح
= و هو حد قال غير كده؟ بس انا عندي حل إيه رأيك لو اجرت الشقه هناك لحد كويس ومنها تطلع فلوس ونستفاد احنا الاثنين.. و اعتبر نفسك بتدفع ايجار هنا وانا هاخد النص من غير ما اعرف هتاجرها بكام.. لكن لو عاوزين حياتنا تمشي معلش في الكلمه نبعد عن أمك احسن وكفايه كل فتره بنروح نشوفها لكن سكن جنب بعض من تاني المشاكل هترجع.
رفع حاجيبة باستغراب وهو يقول بتفكير
= ااجر الشقه مش عارف؟ ما فكرتش في حاجه زي كده.. بس تفتكري ممكن يوافقوا!.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين، في منزل شاهين حرك منذر صوابعة بخفه فوق ذلك المقعد الذي يجلس فوقه بتوتر مبالغ فيه، فكلما نظر الى شبر في ذلك المنزل يتذكر مأساته والمعاناه الكبيره التي كان يعانيها منذ الصغر! دون ان يرف به احد؟ لذلك يجد صعوبه في تجاهل كل ذلك والنسيان ولا يستطيع التعامل معهم كأن شيء لم يحدث، يعلم جيد بانهما نادمون لكن ذلك لا يكفي حقا.
فكيف يستطيع النسيان وكلما نظر في و جوههم يشعر بتلك الانتفاضة المخيفة تنعش ذاكرته من جديد وتذكر قسوه والده وابتسامته الشامته التي كانت تبرز بثقة من خلف أنيابه وهو يخبره بانه ليس رجل ولا يستطيع النجاح بشيء، انكمش على نفسه في كريسي لا يصدق حاله ذلك حتى بعد مرور تلك السنوات وعمره الكبير ما زال يخشى منهم، أبتسم بألم وسخرية فلو احد يعلم حالته ليعرف كيف الأمر صعب عليه التجاوز حتي.
صمت ثقيل كان بين الجميع لبعض الوقت، ثم تحدث أخيراً هاتفا بصوت متردد
= معاذ لما كان بيوصلني هنا المره اللي فاتت قالي على كل حاجه الوكاله اللي ضيعها و الشغل اللي كان في النازل! وانا وعدتك ان هتولى الأمور دي واتفضل ده عقد الوكاله انا عرفت اخذه من الولد اللي نصب على معاذ واديتله قرشين.. و تقدر تفتحها من تاني
شعر باحتمالية رفضه لمساعدته فأردف قائلاً
=وبالنسبه لعمليه رجلك خلاص ما تشيلش هم انا وديت التحاليل لدكتور كبير هنا في مصر وقالي العمليه نسبت نجاحها كبيره و هتقدر تمشي من تاني عادي.. وعلى اخر الاسبوع هتعملها ان شاء الله ومن فضلك مش عاوز اي اعتراضات!
رآه شاهين إبنه وهو يقاوم الألم الشديد فزاد وخزات قلبه نحوه، أليس ابنه البكري؟ أليس قطعة من روحه؟ والاهم من كل ذلك هو السبب في حالته، لذلك لم يضغط عليه و أبتسم بمرار قائلاً
=مش هرفض طالما دي رغبتك ان الوكاله ترجع تاني تتفتح واعمل العمليه! بس برده هتفضل حاجه وحيده نفسي فيها وانت مش قادر تعملها لي.
كان صوت نبضاته المتلاحق تصم أذنيه من شدة توتره و ارتباكة، لكنه مع كل ذلك رد مصرًا
=انا فاهم كويس انت عاوز ايه؟ بس صدقني مش هقدر ومش عاوز اكذب عليك ولا اجبر نفسي على حاجه خارج ارادتي فده اللي اقدر اقدمهلك دلوقتي! واحاول اوصل الود حتى من بعيد.
لاحظ والده حدته معه فاستشفي سريعًا سببه دون حاجته للتخمين، لذا أجابه بلا تردد قائلاً بألم
=خلاص يا أبني زي ما تحب وأنا قلتلك مش هغصبك على حاجه مش عاوزها، لما حكيتلي اللي حكيتهلي المره اللي فاتت فهمت ان ده اخر الطريق وعمرنا ما هنرجع زي زمان.. او احنا زمان ما كناش حاجه من الاساس وانت تستاهل تعيش حياه بعيد عننا افضل.
شحب وجه مايسة سريعًا، فهتفت بعناد ممتزج بخوف صادق
=هو في ايه مالك مستسلم كده ليه يا شاهين معاه وكل ما ابنك يقول لك حاجه تقول له حاضر وانت يا منذر خلاص ده آخر الطريق فعلا ومش هتسامحنا ولا هترجعلنا؟ طب ليه يا ابني ما احنا اعتذرنا لك.. يا ابني انا نفسي ترجعوا حوالينا زي زمان اخوك رافض يرجع وانت كمان.. عارفين اني غلطنا كبير معاكوا بس سامحوا وخليكم احسن مننا.
قطع عليها أحلامها الوردية هاتفا باقتضاب
=انا لما اتكلمت مع معاذ قالي انه كل يوم تقريبا بيعدي عليكم ويجيلكم بس هو حابب هو ومراته ينفصلوا عنكم وانا بصراحه مش شايف دي حاجه غلط سنه الحياه بقى معلش
وكمان كده افضل منعا للمشاكل.
دفعتها غريزتها الأمومية للسؤال بصوت حزين مقهور
=طب وانت يا منذر! بعدك عننا عشان منعا للمشاكل برده؟ ولا انت اللي عاوز تبعد.
استشعر قصدها من كلماتها المتوارية، فتنحنح بخفوت ليرد بجمود زائف
= طب ما انا قلت إني هاجي كل فتره والتانيه عاوزاني اكدب عليكي واقول لك ان سمحت ولا نسيت؟ بصراحه حتى الكذب مش هقدر اعمله! خلينا كده احسن وده اللي في ايدي اقدر اعمله صدقيني
هز شاهين كتفيه بقلة حيلة وهو ينظر نحو زوجته الذى أشار لها هاتفا ببطء
=وبعدها لك يا مايسه سيبي الواد في حاله خلاص! قال لك هيودينا فين وفين هنعوزي ايه اكتر من كده ما تضغطيش عليه.. وادعيله ربنا يوفقه في حياته.
رحل منذر بهدوء بينما يئست من إقناعه بالعكس فهزت رأسها مستسلمة لبكائها الذي يحرك القلوب وخطت نحو زوجها محاولة فهم الأمر سريعًا في حجة مقنعة لتبرر سبب رفضه واستسلامه في محاوله الصلح، نفخت بصوت مسموع مرددة
=انا عاوزه اعرف بالظبط المره اللي فاتت قال لك ايه خلاك من ساعتها حالك متشقلب و بقيت خلاص مستسلم وحاسس فعلا ان عمره ما هيسامحنا.. هو قال لك ايه يا شاهين.
تنهد بتعب و رد عليها بلا تردد
=مش لازم تعرفي يا مايسة وصدقيني ده لمصلحتك سيبيني شايل الهم والندم لوحدي، بس يكفي اقول لك ان احنا عيشنا ابنك من ساعه ما اتولد لحد دلوقتي في ظلم وعذاب كبير لدرجه انا مش مسامح نفسي عليه عشان كده عارف انه مش هيسامحني.. ولي حق ما يبصش في وشنا وكفايه أوي أنه قال هيسال علينا كل فتره والثانيه.
شعرت أن الأمر صعب بالفعل وهناك الكثير كان مخفي عن معاناته، فبكت بشدة مرددة
=للدرجه دي اللي عرفته صعب! سامحنا يا رب وحنن قلبه علينا.
❈-❈-❈
في الأسفل عند رحيل منذر لاحظ مرور معاذ امامه لكن الآخر توتر وأسرع في خطواته يهرب منه، هتف منذر بصوت مرتفع
=معاذ استنى تعالي عاوزك، عامل نفسك مش شايفني ومش عاوز تسلم عليا ليه
تقدم بخطوات متردده وهو يقول بحرج
= آآ انا لا، خالص بس توقعت ان انت اللي مش هتبقى عاوز بعد ما عرفت ان انت رفضت تسامح امك وابوك او مش قادر يعني بمعنى اوضح.. لكن انا نفسي نرجع زي زمان
أبتسم منذر بهدوء قائلاً بخفوت
=طب تمام لما تشوفني ما تدورش وشك و تعالى سلم عليا وكمان هات تليفونك عشان اديلك نمرتي الجديده عشان نسال على بعض ونتفق نتقابل لما نكون فاضيين! مش احنا اخوات برده و المفروض نسال على بعض.
اتسعت عينا معاذ بعدم تصديق وقال بفرحه
= اه طبعا اخوات.
هز رأسه باهتمام وهو يتساءل باستفسار
= اخبار شغلك ايه؟ مش قلتلي انك بتشتغل اوبرا متهيالي على العربية اللي جابها ابوك ليك زمان.. لو الشغل مش ماشي كويس انا ممكن اشوفلك شغل احسن بمرتب اكبر
تلاشت ابتسامته تدريجياً بعبوس وقال بإحباط وبكبرياء
= لا يا منذر انا كويس كده ومرتاح وبعدين ما تحسسناش بقى كل شويه ان انت باقي علي اللي بينا عشان محتاجين فلوس منك ولا مصلحه، احنا عاوزينك عشان بنحبك او هتكلم على نفسي انت واحشني ونفسي نرجع نتكلم زي زمان انا بقيت لوحدي ومش لاقي حد اتكلم معاه فعلا حتى اهلك لما بزورهم بنكون ساكتين ومش عارفين نقول لبعض ايه ؟!.
ضحك منذر بخفة علي وجه العابس ثم تحدث
بجدية
=طب يا سيدي ما تقفش كده والله ما كنت اقصد حاجه انت عشان اخويا وبحبك زي ما انت بتحبني لو احتاجت حاجه تعالى قول وما تتكسفش، طب خلاص ما تقلبش وشك تاني ان شاء الله عندك ما عوزت حاجه حلو كده، ما نيجي نقعد على القهوه زي زمان انا وحشتني قعده قهوه السيده زينب!
عادت الإبتسامة علي وجه من جديد وهو يردد بسعادة
= ماشي يلا بينا ده انا عندي كلام كثير هحكيهلك للصبح.
❈-❈-❈
انجزت ديمة امتحانها الأول بنتيجة غير مقبولة للغاية بسبب مسؤوليتها الزائد وحملها لكن حاول آدم تخفيف الأمر عنها وأخبرها أنها بالتأكيد ستعوض في الترم القادم. بينما اقتربت موعد ولادتها وبقيت رنا معهم أيضًا، فوجد آدم أنه يجب أن يبحث عن منزل آخر بمساحة أكبر ليكفيهم جميعًا فمن كان يصدق آدم الوحيد أصبح الآن يمتلك أسرة كبيرة.
أخذها بالفعل ليعرض عليها المنزل الجديد و أعجبها كثيرًا، احتضنها آدم بشغف وربت على ظهرها بحركات لطيفة. كان يمسكها بأمل وكأنه يعوض ما فاتهم دخلوا للداخل لتنظر إلى هذه الصالة الفاخرة ذات الطراز المحدث والرخام اللامع الأبيض وفخامة البناء وكل شيء. نظرت ديمة حولها بإعجاب مردده
= مش معقول يا ادم ذوقه يجنن حلو أوي انت لقيته فين ده لقطه.. والأولاد هيفرحوا بيه أوي
استمع اليها مبتسماً ولم يجب انما سحبها يسار الدرج لتقف متحجرة مكانها وهي ترى ذلك المنظر وهتفت ديمة بشرود حزين
= حتي البيانو ما نسيتوش وجددته !
رمقها بعمق كبير ثم ردًّ عليها بحزم زائف وهو يرفض تحرير كفها
= بالظبط كده كل حاجه هنجددها هنا زي ما هنغير من نفسنا، خلينا نرجع زي زمان وندي لنفسنا فرصه و لرحنا اللي ياما زمان كانت عايشه في وحده ومفتقده حاجات كتير
و جاء الوقت تاخد حقها من الحياة.. عشان كلنا نستحق فرصه تانيه !
عضت ديمة شفتاها بقلب منتفض ناطقة بفرحه
= موافقة أكيد!.
كانت ديمة حقا صادقة بكلامها فحياتها بالفترة الأخيرة أصبحت أجمل مما كانت تحلم، وهي راضيه بالفعل بما يجود به عليها وتغيره معها عما كانت عليه قبل! ولن تكون إلا سعيدة الآن بأن لا يضغط عليها مثل سابقآ وتجاوزوا اشياء كثيره.. فيكفي أنه يبذل جهد في الاعتناء بأطفالهما في غيابها ومذاكرتها وشغفه و اهتمامه لطموحاتها التي لا تنهي ويساعدها في التزاماتها اليومية، و احيانا يقوم بتجهيز لها أوقات حالمة رومانسية.
أبتسم آدم بسعادة ثم سحبها و جلس على معقد البيانو واضعاً اياها بين اضلعه حيث بنيتها الرقيقة جعلتها تضيع جسدها خلف جسده الضخم! وضع اصابعه على احد المفاتيح وبدأ بالعزف لتدمع عينها وتضع يده على المفاتيح الأخرى ليبداان بالعزف معاً و لقدر غير معلوم !!
الى أنه شعرت ارواحهم بشئ من الرضى! فكل شيء سيء حصل بينهما قد قام بتمزيق الكتاب برمته وليس الصفحة فقط.. ليبدأ كتابا آخر جديد مملوء بالحب والحنان والذكريات الجيدة فقط.
وبعد فتره التفتت برأسها لتقوم بامساك أزرار قميصه قبل أن تشب برأسها تقبل كلا من وجنتيه تلثمها حبًا ومودةً وهو استقبلها ليرد لها غيثا من القبلات الجارفة ونهض حامل إياها بين ذراعيه بثقل بطنها الكبيره، إلي أقرب غرفة في منزلهما الجديد، ليبدوا في رسم أول خطوه في حبهم به.
التعاسه صوتها عالي و السعاده صوتها هادي… لذا السعداء يعيشون بهدوء و سلام.
❈-❈-❈
ضاقت كل السبل برغد للوصول إلى حل غير الاعتذار الى ضحى! لكن أجبرها والدها بأسلوبه الصارم وقطع عليها الطريق للتواصل للاعتراض أو حتى تكتفي بالاعتذار بينهما فقط، فذلك الحدث كان بمثابه كبيره الى هدم كبريائها، لكن تفاجأت بوالدها هو من أصر أن تعتذر امام الجميع حتى يلقنها درس لا تنساه وكان ذلك عقابها!
فعندما حاول التحدث معها بعقلانية، فوجئ بأنها لا تزال تصر على رأيها وبكل جرأة أخبرته بأنها فعلت كل ذلك لأنها تريد منذر لها وما زالت تريده وأنها أحق به من زوجته، فلم يجد الأب سوى أن يحطم كبريائها الذي زرعه في داخلها من البداية.
فهو لن يتهاون فيما يتعلق بسمعة العائلة، خاصة بعد رؤيته للوضع المخزي الذي واجهته وهي مصممة على أفعالها دون الاعتراف بالخطأ وحقدها الواضح، مما جعله يفكر في إبعادها أيضًا، ليقرر هو مصيرها بنفسه قبل أن تضعه في موقف آخر لا يعرف كيف يتصرف فيه.
وكم كانت رغد متألمة في تلك اللحظة و جعلتها تيأس من حصولها عليه عندما قرأت في عيني منذر تأثير زوجته عليه حتى في غيابها أو حضورها، وتأكدت أنه محق بحبها ومتعلق بها فالحب أعمى ويفعل المستحيل وله تأثير كالسحر لا يمكن للبشر تصوره، لذلك تراه مسحورًا بحبها.. وتمنت كثيرًا أن تكون في مكانها حتى لو لحظة واحدة وتعيش كل هذه المشاعر واللحظات التي حُرمت منها..
وكأنه الآخرون ليس لديهم مشاكل ومنذر و ضحي لم يعاشوا مثلها معاناة وهم يتجاوزون لذلك بعوض صبرهم.. لكنها للأسف كانت ترى نفسها الوحيدة الضحية والتي تعاني وتستحق ذلك.
بينما في الشركة رأي بسيوني منذر أمامه قد جاء بعد أيام من اعتذار ابنته لزوجته وأخبره بصرامة شديدة
=انا عملتلك اللي انت عاوزه وعملنا الحفله و بنتي اعتذرت لمراتك مش كده! يبقي التسجيل اللي عندك يتمسح خالص وما يتنشرش عشان هتشوف مني رد فعل مش هتحبه خالص.. انا اللي خلاني سكت لاني فعلا حسيت ان بنتي غلطانه وعشان ما تتمداش في الغلط أكثر ده كان عقابها مني.. لكن مش هسمحلك تشوه صورتها ولا سمعتها.
أجاب منذر عليه مرددًا دون تردد
= من غير تهديد انا مسحت اصلا التسجيل من قبل ما تعمل الحفله وبنتك تعتذر لمراتي! لان حتى لو كنتم رفضتوا الاعتذار مش انا اللي اعمل كده.. انا بفهم كويس في الاصول و عارف تسجيل زي كده هيعرض سمعه بنتك وسمعت العيله قد ايه للخساير، على العموم خلاص الموضوع انتهى .
وقبل أن يتحدث مد يده بورقه وهو يضيف باختصار
=واتفضل استقالتي حاولت اعفيك بدل ما تيجي منك وبرده مش هنسى الأيام الحلوه اللي انا قضيتها في الشركه هنا، اشوف وشك بخير.
تنهد الآخر براحة وعبر عن ندمه على اعتقاده السيء به ومعاملته القاسية والبغيضة التي حدثت قبل أن يعرف نوايا ابنته وأنها المخطئة، وقبل أن يرحل تحدث الآخر بصوت جاد
=استنى يا منذر انا ما قلتلكش اني هفصلك ولا طلبت منك تجهز استقالتك، وبعدين انت لسه قال من شويه خلاص الموضوع انتهى بنتي أخذت جزاها واعتذرت لمراتك يبقى ليه نكبر الموضوع؟ وانت بصراحه شاب طموحه ومجتهد ومش هلاقي زيك ومش عاوز اخسرك مهما حصل
عاد مجدداً يجلس مكانه وتحدث قائلاً بنبرة هادئة
=صدقني الموضوع مش فيك وانا عذرك بنتك ممكن اعتبرها طايشه اتصرفت شويه بتهور! لكن المشكله عمرها ما هتنتهي لهنا طول ما انا وهي موجودين في مكان واحد؟ هنرجع تاني لنفس اللي حصل والخلافات هتزيد سواء بينها وبيني او بينها وبين مراتي يبقى ما عملناش حاجه عشان كده انا بريحك وبقدم استقالتي.
هز رأسه بالايجاب دون اعتراض فيعلم بان أبنته أخطأت عندما ركضت وراء أهوائها متناسية يومًا كذلك، ثم هتف مرددًا بتبرير
= على فكره رغد مش وحشه أوي كده وانا مش بدافع عنها عشان هي بنتي! بس هي كانت نفسها تقابل حد فعلا يحبها من قلبه بجد ويخاف عليها ويهتم بيها زي ما كنت بتعمل مع مراتك! والثلاث جوازات اللي فاتوا هي حاولت بكل جهدها انها تنجحهم وكان على يدنا و كانت دايما بتفشل للاسف واخر جوازه دخلت في مرحله اكتئاب واتعقدت عشان كده اتصرفت التصرف ده معاك وهي مش واعيه.
شعر منذر بالنفور من تصرفات أبنته وهو يتذكر طريقتها المتدنيه في جذبه اليها حتى لو بالقوه التي لا يستسيغها على الإطلاق، لكنه أردف قائلاً بجدية شديدة
=بس ده برده مش مبرر للي هي عملته ويا عالم لولا كشفتها بدري كانت هتوصل لايه و تاذي مراتي! وعلى فكره انا مش شايفها وحشه ولا حاجه لأني لما ركزت في تصرفاتها وكلامها اللي كله كان باين قد ايه هي حاقده على ضحى وصعبانه عليها أنها لاقت حد بتحبه و يهتم بيها وهي لا.. فهمت انها ولا بتحبني ولا حاجه هي حبه حبي واهتمامي لمراتي مش اكتر! و مستخسره عليها وشايفه انها احق بده عشان حياتها واللي حصل لها زي ما قلت من شويه مع ان هي ما تعرفش عننا حاجه وما عرفتش قد ايه ضحى عانت ولا انا وعشان كده احنا نستاهل بعض، حبيت بس تشوف نفسها الضحيه وانها تستاهل ده عنها.. عشان كده انا اسف مهما كان مبررها برده غلطانه.
تنهد الآخر بضيق شديد من أبنته وهو يقول بتوضيح جاد
=انا لما حاولت انا وامها نكلمها ونفهمها اتفاجئنا انها اتغيرت خالص ومصممه ان حقها حد يحبها ويهتم بيها وكلام من ده حتى لو الحد ده هتاخده متجوز او مش مديها اهتمام، عشان كده ما قدرتش اساعدها وصممت انها فعلا تعتذر وصممت كمان انها تسافر بره عند عمها في لندن وتشتغل هناك عشان كده بقول لك ما تمشيش واذا كان عليها فهي خلاص قريب هتسافر وهتمسك فرع لينا بره وانا اجبرتها على كده.. و انت برده معاك حق ما ينفعش احط البنزين جنب النار وبعد كده ارجع اشتكي جايز لما تسافر بره عقلها يرجعلها او تقابل حد هناك يحبها فعلا.. قلت ايه مش هتمشي صح.
تحفزت حواس منذر بعد كلماته الباعثة للتفاؤل على الشروع في عمله ونجاحه هنا، لكنه حاول الثبات كي لا يفهم الآخر بأنه بحاجه الى ذلك العمل ولا يريد خسارته وهتف قائلاً بتفكر زائف
=مش عارف والله انا كنت عامل حسابي ان انا احاول افتح شركه جديده لوحدي ومش عارفه الدنيا هتمشي معايا ازاي؟ لاني توقعت انك هتقبل استقالتي بس كلامك فاجئني و يعني معلش سيبني مهله أفكر وهم يومين بس وهرد على حضرتك.
** ** **
_________________
خلال الأشهر التاليه، استمرت الأجواء الهادئة سائدة مع الجميع دون وجود ما يعكر الصفو العام وتوطدت العلاقات العاطفية مع كل من ديمة و آدم وباتا كيانًا واحدًا، كذلك تقرب منذر من ضحي أكثر ليجعلها تنسى خطأه السابق و اقترب أيضا من صغيرته وأغدقت عليهم بالكثير من الحب الذي حرم منه منذ لحظة ميلاده، حتى أنه بدأ يتجاهل شعوره بالتوجس من طفله القادم والاهتمام به أيضا وهو مازال في أحشاء زوجته فكان يذهب معها ويتابع زيارتها الى الطبيبه ويطمئن على صحه الاثنين وظل الوضع متأرجحًا بينه وبين عائلته..
أما عن العمل، فقد عاد إلى وظيفته في الشركة بعد أن أخبر زوجته بالأمر ولم تعترض طالما أن رغد غادرت ولم تعد موجودة. وفي الأساس، فكرت بعقلانية أكثر بوجود رغد أو غيرها يجب أن تثق بزوجها وبنفسها وهذا سيكون الحل الأفضل لممارسة حياتهما براحة. فمن المحتمل أن تذهب رغد وتأتي غيرها و المشكلة ليست فيها فقط! هناك الكثير من الأمثلة المشابهة لها.
أما عن الجانب الآخر، فلم يعد منذر يزعج ضحى بالتغيير والحديث عن ذلك المجتمع. فقد اقتنع وانتهى الأمر بأن ذلك المجتمع ليس الأفضل كما كان يتوقع في السابق وشاهد ذلك الدليل بنفسه ومع مرور الأشهر، أنجبت زوجته طفلهما الثاني وأطلقا عليه اسم “كريم”.
كما إهتم آدم بحضور المتابعة الدورية للحمل مع زوجته، ولم يفوت أي جلسة كشف تخص ديمة فكان على إطلاع أولاً بأول بنمو طفلته في أحشائها.. فنعم كانت المولودة الجديده فتاه مما أسعد الاثنين بشده فتلك ستكون الفتاه الوحيده لديمة والمدلله بعد رنا لوالدها واتفقوا على تسميتها “تقى”، ورغم ان آدم اطمئن على صحه ديمة لكن لم يهدا إلا عندما انجبت أخيراً ولم يصدق حينها بأنها عادت من جديد له سالمه، وبدأت على الفور في أخذ احتياطاتها حتى لا تنجب مره أخرى وكان يتابع آدم بنفسه وهذه المره كان صادق بذلك.
أما عن بسمة و معاذ لقد وافقت على إنجاب طفل جديد لهما وانجبت بالفعل فتاه وقد اسميتها أمها “همس” وكان بالفعل معاذ محق في كلمته فلم يتركها طوال شهور حملها ابدأ و حينما كانت تئن ليلاً من التعب والإرهاق كان يظل جوارها مستيقظاً، وأحيانا يمسد على رأسها ويدلك كتفيها حتى يرتخي جسدها ويجعلها تغفو على صدره، في البدايه كانت تحاول ان تحمله مسؤوليه أكبر حتى تختبره هل بالفعل سيكون صادق ام لا لكنه فاجئها حقا.
فلم يدخــر وسعه في تلبية كل رغباتها حتى الغريب منها كون شخصيه مثل بسمه فلم تطلب او تتوحم على اشياء عاديه بالفعل، و ظل مرافقاً لها وحريصاً على صحتها حتى انجبت أخيرا.
ولكن كان هناك شيء يغضب بسمة دائماً منه، وهو عدم مسؤوليته بالعمل في بعض الأحيان، كان يتكاسل عنه ويظل في المنزل معهم حتى تنفذ النقود التي معه ويضطر للنزول مجدداً. وعلى الرغم من محاولتها معه لعدم فعل تلك العادة السيئة، إلا أنه كان مصراً على فعلها لأنه لم يتحمل المسؤولية من البداية. لذا لا يزال يؤثر عليه تلك النقطة في بعض الأحيان، حيث يتكاسل لكنه يعود مجبراً لأنه بحاجة إلى الصرف على أسرته.
❈-❈-❈
في أحد المطاعم البسيطة، تجمعت الثلاث فتيات مع بعضهن البعض بعد أن تركوا أطفالهم مع اهلهم وجاءه هنا حتى يرتاحون قليلاً من المسؤوليه ويتسلون، بينما في الجانب الآخر من نفس المكان علي طاوله اخري، كانت الأزواج يجلسون مع بعضهم أيضاً.
فقد عادت علاقة ضحى مع بسمة من جديد ولم يتغير الأمر بين ديمة وبسمة. كما استمرت علاقة منذر ومعاذ بصورة وديّة وفيما يتعلق بآدم، لقد وفى بوعده مع ديمة وتركها تلتقي بأصدقائها وتخرج ولكن أمام عينيه و رحب بخروجه مع جيرانه القدماء.
عند طاوله الرجال التي تبعد عنهما بمسافة قصيره، ردد آدم باهتمام وبنبرةٍ ذات مغزى
= لسه عند كلامك يا منذر ومش قادر تسامح ولا حتى بتفكر.. بصراحه انا بقول قدام اخوك اهو من زمان وانا بحاول مع ابوك انه يبطل المعامله دي وكنت متوقع النهايه دي! حتى كنت خايف انك توصل للاخر وتتغير وتنتقم منه
هز منذر رأسه قبل أن يرد بحكمه وهدوء اكتسبها من تجاربه
= مين قال إن عشان اخد حقي لازم أعمل فيك نفس اللي إنتَ عملته فيا! ما أنا ممكن أَخُُد حقي منك من غير ما أقلل من قيمتي ولا حتى أعمل تصرفات ثُعبانية تصغّرني في نظر نفسي، مثلًا ممكن أقول(حسبي الله ونعم الوكيل).. وأستعوض ربنا وأستناه يجيبلي حقي منك، بس ياريت إنتَ وقتها تقدر تتحمل عواقب دُعاء المظلوم .. عشان كده عمري ما فكرت انتقم من امي وابويا ولا اي حد ظلمني.
بينما علي الجانب الآخر عند طاوله الفتيات بنفس المطعم، أردفت ضحي بعمق
= مش هنكر يا بنات ان انا نفسي العلاقه ترجع بين أهله كويسه، بس في نفس الوقت مش هضغط عليه وعلى صحته انتم ما تتصوروش قد ايه الموضوع ده مآثر فيه
عوده الى الطاولة الأخري التي تخص الرجال،
تحدث منذر بجدية وتفهم
= أنا فاهم أنه عمل كل ده بدافع الخوف بس هو مش صح خالص وأنا مخدتش حاجة وأنا صغير عشان اديله دلوقتي وهو ده اللي حاصل، أنا محتاج حب وحنان واهتمام و تسامح وحاجات أنا عمري ما شوفتها منهم، محتاج حضن وهم عمرهم ما حضنوني فاهمين حاجه.؟؟
عوده مجدداً الى طاوله الفتيات، لتقول بسمة بنبرة متفهمة
= انا فاهمه ده كويس والله يا ضحي ودايما بقول لمعاذ انه يقول لاهله كده ومتاكده لو سيبنا الموضوع مع الوقت هيجي لوحده مش هيحصل بالزن والضغط بتاعهم .
هنا لم يستطع آدم التعقيب بشيء إلا أن يقول بصوت نابع من الجدية
= عارف انت ايه حلك يا منذر، أنك تحاول تنسي معاملة أهلك ليك و انت صغير و
تسامحهم علي كل المشاعر اللي حستها
بسببهم، و بعدها سامح نفسك انك دورت علي الحب و الامان في المكان الغلط.. لحد ما قابلت مراتك وعوضتك.
بينما عند طاوله الفتيات، تدخلت ديمة في الحوار مردده بصوت خافت
= بس والله يا بنات لو بصينا للموضوع بزاويه تانيه ان زي ما خسركم الموضوع جي بفايده برده!.
دمدم معاذ لاخية وآدم بتعاطف صادق
= فيه حاجات بتبان كإنها خساير وبتزعل عليها…لكن لما تقعد مع روحك وتفكر بتعرف إن خسارتها مكسب.. وانا متاكد ان الخسائر اللي حصلت معايا ومع أهلي كمان جات لصالحنا كلنا، ما كناش هنتغير اصلا لولا منذر سابنا.. بس هم والله فرحانين ان احنا علاقتنا لسه زي ما هي! وبيقولوا كويس انه ما قطعش من كله ودايما يقولوا لي بلاش تبعد عنه واسمع كلامه .
تكَّدر وجه بسمة عند سيرة تغير معاذ مرسلة لهما تعابير الخذلان منها.. ألا يكفي أنها بالكاد تماسكت غيظها وهي تتعامل مع تغيراته المزاجيه وقالت مشتقة من الغضب
=ما تتصوريش بفرح قد ايه يا ضحى لما منذر يتقابل مع اخوه، بحس من كلامه معاه بيقدر ياثر عليه ويخليه يتحمل المسؤوليه فعلا.. نفسي ربنا يهديه ويبطل العاده المستفزه والكسل إللي فيه ده، بيفضل قاعد فتره في البيت واول ما الفلوس تخلص ونحتاج يرجع ويشتغل.. هقول ايه الله يسامحهم اهله.
أومأ لهما معاذ وعقب بتكاسل
=يا جماعه ما انا برده بني ادم وبتعب هو لازم الشغل 24 ساعه ولا كل يوم فيها ايه لما اريح يومين ولا ثلاثه؟ مش كل اللي عاوزاه بتلاقيه ما لهاش بقى فيه الا لما اقصر .. لكن هي على طول نازله زن عليا لحد ما طهقت.
ضحك منذر علي أخيه وهو يردد محاوله تعديل الأمر وسلوكه السيء
= يا ابني ما هي بتزن ليه على كل ده؟ اكيد عشان مصلحتك.
لدي طاوله النساء، لوت بسمة ثغرها فغمغمت بامتعاض
=يعني انا اللي ما طهقتش ولا بعمل كل ده عشان ايه؟ نفسي يشيل قرشين للزمن بدل ما تحصل لنا مصيبه ونحتاج، ما هي دي مشكلته مش بيعمل حساب لبكره.. عليه حاجات عجيبه.
عقِب مُعاذ على كلامهما مستنكراً بعبوس
= هو يعني انا لقيت الفلوس بتجري في ايدي وقلت لا؟ وهي برده عليها حاجات عجيبه يعني في مره قبل ما تولد دخلت عليا لقيتها نازله اكل ولما سألتها قالتلي لا مش حامل بس بعود نفسي عشان لما أحمل.. والله يا جماعه اليوم ده خفت لا تصحى بالليل تاكلني وانا جنبها انا شخصيا..
صارحت بسمة إلي الفتيات متمتمه والغيظ يلتهمها رغم تمالك نفسها
=ده بارد ومستفز! اقول له هاتلي شويه طلبات بالمره وانت تحت يقولي وما تنزليش ليه ولا فاكره نفسك لسه حامل و بتتوحي؟ انا بقيت ذيك مسؤول في البيت ده وبشتغل
رفع معاذ إحدى حاجبيه بعبوس ثم غمغم باستياء
=ولا الوحم وقرفه انا عارف ايه اللي خلاني اتسحب من لساني واقول لها احملي بقت كل شويه تطلب مني حاجه ملهاش علاقه بالوحم وتقولي نفسي جايه عليها.. يا جماعه والله ده أنا ليا الجنه اللي انا مستحملها دي عليها شويه حاجات لا تطاق !.
ترققت ملامحها المكفهر لبعيد لدي طاوله الرجال بمسافة قصيرة، لتمتم بأسى
= انا عارفه أن ربنا بيخلص كل ذنوبي اللي عملتها واللي ما عملتهاش في الدنيا معاه عشان ليا الجنه في الآخر، هو حد يقدر يستحمله غيري والله ساعات بحس ان انا مخلفه ثلاثه مش اتنين.
دمدم معاذ متهكمًا على تصرفات زوجته بضيق
= وعليها دلع مايص تحسسك كانها طفله وسط مالك وهمس ولادي! وكل ده عشان تخليني اعمل اللي هي عاوزاه وللاسف بعمل ما يا ريتها بتسكت .
قالت بسمة فجأة إلي الفتيات بصوتٍ مفعم بالحماس
=اصلاً الصمت العقابي ده ما ليش فيه، ده يخلي الراجل مبسوط.. عشان كده بقرار اعاقبه بكلامي وطلباتي و لن اصمت ابدأ.. ابدأ
شمخت بذقنها تضيف بثقة عالية وقد ارتدت رداء الكبرياء الذي يليق بها
= مش قرفنا على السوشيال ميديا ويقولوا ماذا لو عاد معتذر؟؟ ارجعيله وطلعي عيني يا حبيبتي، ياجي يسالوا الخبرة اللي زيي والناس اللي بتفهم
عوده لطاوله الرجال، ليسألهم معاذ بنفس العبوس مستنكراً
=هي مين دي اللي بتفهم دي مكانها مستشفى العباسيه؟ طب تصدقوا بالله مره قلتلها جربي تحتوي اخطائك حضنتني؟ والله ما فهمت قصدها إلا بعد شهرين! بنت متولي تقصد ان انا أخطائها! بذمتكم دي اتعامل معاها ازاي ولا ارد اقول ايه .
أطلقت بسمة زفيرًا ضجرًا ثم اعتدلت مكانها بإنهاك وقالت متذمرة وهي تشير الى نفسها بثقه وكبرياء
= على الأقل انا لما بغلط بعترف، يعني انا مثلا ما عنديش يعود معتذر انا عندي يعود منتقم ماشي اصل انا شريره وباخد حقي اول باول فمش هيرجع، بس اهو ربنا جبر بخاطري و رجعلي اسيبه ؟!.
تذمّر لهما معاذ مبرراً بدفاعية وتهديد
= هي هتفضل كده ما بتفصلش لحد ما اجيب اخري منها؟ وساعتها هتشوف الوش التاني اللي ما تعرفش عنه حاجه لحد دلوقتي ومش هتستحمله، ماشي يا بسمة .
أشاحت الأخري بوجهها للجانب تسترسل أيضا بغضب متقد وتوعيد
= هو انا هسيبه، ماشي يا معاذ يا أبن مايسة النميسة .
بعد مرور وقت طويلاً بالخارج أمام المطعم كان معاذ يقف بهدوء تام في انتظار خروج زوجته من الداخل، وعندما التفت خلفه وجدها تتقدم منه بحماس قبل ان تتعلق في ذراعه هاتفه بشقاوه
=حبيبي يا ابو همس وحشتني والله!
انشق ثغره عن ابتسامة صغيرة قبل ان يقول بنفس حماسها
=وانتٍ كمان ليكي وحشه يا أم مالك، عارفه الشويه اللي قعدتهم معاهم ما بطلتش سيره عليكي.. إلا بكل خير وحياتك ؟؟.
هتفت بسمة بصوتٍ يضج مرحا من بين ضحكاتها المفعمة بالمتعة
=بجد! القلوب عند بعضها بقى عشان انا كمان من ساعه ما سبتك ورحتلهم وأنا ما بطلتش سيره عنك إلا بكل خير برده.
ناظرته بحب واضافت قائله بدلال
=هو انا ليا بركه الا انت يا أبو همس، حبيبي!
ضيق معاذ عينيه الذي كان يحدق بها وعم الصمت بينهما لدقيقة وكأنه يدرس شيئا ما قبل أن يقول ببطء لها
=تعرفي لما بقيتي تقوليلي حبيبي بقيت احس انك بتقوليها بصدق وحساها فعلا عكس السنين اللي فاتت، هو انتٍ ما كنتيش بتحبيني الا دلوقتي ولا إيه؟!. قولي صدقيني مش هزعل
في لحظة صمتت تفكر، فلم يكن يدرك أنه جعلها تشعر بسعادة كبيرة، بل قد ملأ أي نقص فيها وحتى إن كانت تنكر وجوده، لتشعر لأول مرة أنها امرأة حقيقية تمتلك كامل الأنوثة بسبب اتباعها لكل ما تطلبه من إثارة وجنون في حياتهم…
ثم انطلق لسانها تجيب بصراحة مدغدغة أحاسيسه لأول مرة بكلمات صريحة بالحب الذي اكتسحها اكتساحا وأتخم أنوثتها بالرضا
=بص هقول لك على حاجه ذكرى قديمه كده من غير ما ندخل في تفاصيل عشان ما ننكدش على بعض، زمان مروه كانت بتسالني لما انتٍ مش طايقة أوي كده ما تطلقتيش ليه؟ قلتلها وقتها ان في احساس بحسه غريب ان انا بحبه أوقات وما كنتش عارفه هل انا بحس الاحساس ده عشان انت الراجل الوحيد في حياتي ولا ايه، بس وقتها كنت مرعوبة إن أنا أتنيل أحبك.. و الحمد لله إتنيلت.
كان الآخر مندمج في الحديث لكن عند آخر كلمات، لوى فمه بابتسامة وسخر يردد
=و لازمتها ايه بحبك بقى مع اتنيلتي!! دي عليكي مصطلحات في الرومانسيه عجيبه!
ثم هز رأسه بقله حيله و اقترب منها يحتضن وجهها النحيف الجميل بيديه هامسا بنبرة مميزة
= بس اعمل ايه ما انا متنيل انا كمان بحبك ولازم استحمل، بحبك يا ام العيال.
ضحكت بسمة بشده وهو أبتسم بسعادة… نعم يختلفان في جميع صفاتهم الا ان شاء القدر وجمع بين قلبيهما.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع، راقبت كوثر دخول ابنتها مع زوجها بوجه محتقن عقدت حاجيبها باستغراب وهي تسألهم بقلق بالغ
=في ايه مالكم والله قلبي كان حاسس هتاخدوا لكم عيني وانتم ماشيين، انتم مش وش حفلات مع بعض أصلا ما فيش مره بتروحوا إلا لما ترجعوا كده عملتي ايه ثاني يا ضحى
استدارت ضحي ناحيتها بدهشة وهي تردد بضيق
=يا ستي انتٍ هو انتٍ امي ولا امه طب ايه رأيك بعد المره دي هو اللي غلطان! ويا ريت كده وبس كان هيضرب واحد هناك ويعملها خناقه ويرجع يقول انتٍ إللي بتبوظيلي شغلي مش قادر يمسك اعصابه
نظر منذر إليها بصدمه وهو يقول بغضب شديد
=امسك اعصابي في ايه ده جاي يقولي عاوز يرقص مع مراتي لا وكمان بجح مش يتكسف على دمه بعد ما عرف أنك مراتي لا يقولي فيها ايه، ده أقل واجب معاه عشان يتعدل.. والله لولا بسيوني بيه لحقني كنت خليت وشه شوارع اللي فرحان بيه ده
فكرت للحظات في العبث معه لتلقينه درسًا تثير أعصابه أكثر مثل ما كان يفعل معها سابقا، وهتفت بنبرة استفزاز
=يا حبيبي عادي كل مرحله وليها تغييرها الله ما هو ده المجتمع ولازم نتعود عليه، متهيا لك ما تاخدش الكلام بحساسيه أوي كده! انا عمري ما هبص لغيرك وانت عارف كده كويس.. لازم يكون عندك ثقه في كده.
أبتسم منذر ساخراً وهز رأسه متفهم قبل أن يرد قائلاً بغيظ شديد
=آه هي بقت كده وانا اقول مالها بارده كده ولا فارقه معاكي حاجه، طب تصدقي بالله والله وانا بضربه لمحتك فرحانه وبتضحكي بس رجعت وقلت وهي هتفرح ليه وجوزها بيتخانق اتاري الهانم شمتانه فيا مش كده؟؟. جاتلك على الطبطاب بتعدي نفس كلامي زمان مش ده اللي زعلك وقلنا مش هنفتحه ثاني.
نظرت إليه مبتسمة ببرود وأجابت بصوت خافت يحمل الخبث
=انا هروح اشوف الاولاد أحسن، تكون ماما هددك شويه انا عارفه الحاله دي ما تقلقش يومين وهتروق.. بتحصل عادي! و ماما كمان
ما اقولكش في النصايح اللي زي دي ايه بروفيشنال.. وانت برده يا حبيبي ما تقفش على الوحده عشان البيت يمشي وبلاش شغل غيره اللي طلعلي فيها دي مش عارفه منين .
راقب رحيلها بأعين غاضبة ثم ردد بتبرم
=شايفه استفزاز بنتك طب اعمل فيها ايه دلوقتي؟ هو انتٍ بتضحكي انتٍ كمان يا طنط يبقى بنتك هتجيبه من بره صحيح
حيث لم تتمالك الأخرى نفسها من الضحك عليهم وردت كوثر ضاحكة
= ما لازم اضحك هي دي تصرفات ناس عاقله والله انا حاسه اني قاعده مع عيال صغيره مش ناس كبار ربنا يهديكم.
❈-❈-❈
بعد مرور عشر دقائق، دلف منذر من باب الجناح ليجد زوجته تغير ثيابها وهي مازالت تضحك على منظره قبل قليل، تطلع فيها بامتعاض متوعدا لها لكن لم يستطيع امساك نفسه وضحك من إضحاكها له، اقترب باغتها بتطويقها من كتفيها ليضمها إلى صدره ورفض إبعادها عنه رغم تلويها بجسدها للتخلص منه، امتص مقاومتها كليًا، فقال مداعبًا
= ينفع اللي عملتيه تحت ده؟ وبعدين ما كنتش اعرف ان قلبك اسود اتاريكي مخزنه وساكته عشان مع اول فرصه تطلعلي القديم والجديد.
تغنجت بكتفيها بدلال قبل أن تردد ببراءة زائفة
= انا لا خالص بريئه طبعاً، انا عملت كده عشان احاول اهديك واعرفك أن ياما بتحصل حاجات زي كده عادي! بس بذمتك اتعلمت وعرفت انك ممكن تتحط في ظروف و ما تعرفش تتحكم في غيرتك ولا لأ
عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول مبتسماً
= ده احنا اتعلمنا اهو وبقيتي مش سهله هقول إيه بعتذر يا ستي للمره مش عارف الكام على الموضوع ده، وبعدين مش انا حبيبك برده فوتيلي بقى.
هزت رأسها بالايجاب واردفت برومانسية حالمه
= أيوة انت حبيبي يا منذر، ومش حبيبي وبس انت حب عمري وحياتي ودنيتي كلها
أبتسم منذر بسعادة وعانقها اكثر قائلاً بحب
= بجد أنا كل ده
انخفضت عينها خجله من اعترافها بكل ذلك بعشقه وقالت ضحي باحتياج وهي تتنفس انفاس الحارة
= واكتر من كده انا……
ماكان عليه سوى أن يعقد علاقة منفردة أمام صمتها الذي جعل وجنتاها يشتغلان بحمرة الخجل، واشعلت فيه الرغبة والشوق ليأخذها لعالمه الساحر الخاص بهما وحدهما، خاطفا أنفاسها وروحها لجنة عشقهما.
❈-❈-❈
في حي السيده زينب، تم فتح الوكاله من جديد وتعلقت اليافطه مرة أخرى باسم “الحاج شاهين واولاده” بدأت الانظار تتجمع بفضول حول شاهين الذي كان يقف على قدميه بصحة جيدة لا يشكو من شيء، لكن عندما تحرك خطوه ظهر عرج بسيط في قدمه أثر جلسات العلاج لم يمحي بعد، كان يشعر بالفخر والسعاده وهو يراه عودت الوكاله من جديد له، اقترب منه شخص هاتفا بترحيب حار
=حمد لله على سلامتك يا حاج شاهين والله ما صدقت نفسي لما الصبي بتاعي قالي انك فتحت الوكاله من تاني.. ايوه كده يا عم انزل ونور الحته من تاني.. ده السيده زينب كانت مظلمه من غيرك.
التفت له شاهين وابتسم مجاملاً وهو يرد
=تسلم وتعيش!
فسأله الآخر بفضول مرددًا
=على كده في حد من ولادك هيمسك معاك الشغل!
ضغط شاهين على شفته ليرد بألم طفيف
=لا خلاص كل واحد منهم فتح باب رزق لي و ربنا معاهم.. هشتغل شغل على قدي لوحدي اهو اسلي نفسي بدل القعده في البيت والتفكير بدون فايده.
أصبح الآخر منزعجًا من تسرعه الدائم عندما لاحظ حزنه وتفهم الامر، ثم حاول تغيير الموضوع مرددًا بتشجيع
=خير ما عملت برده يا شاهين القعده وحشه للي زينا واللي واخد على الشغل بتتعبه القعده! بس الشغل معاك لي وحشه، طب ايه رايك بقى ان اول طلبيه هتكون ليا يلا بقى شد حيلك و ورينا .
صمت قليلاً بتفكير ثم عاود التحديق تارة في وجه الآخر وتارة أخر في الخلف للوكاله، ليشعر بحماس شديد بالعمل حقا.
❈-❈-❈
دخلت بسمة المنزل بوجه متجهم لتذهب وتري ماذا يفعل معاذ بالداخل، و من بعيد رأته يصيح تارة و يهلل تارة يشجع فريقه لكره القدم، اقتربت منه وعندما رآها أردف قائلاً بابتسامة عريضة
= ازيك يا حبيبتي كويس انك جيتي اخيرا، انا هموت من الجوع .
رمقته بإمتعاض وقالت بغيظ
= تعرف الواحد نفسه يرجع طفل تانى
ياكل ويلعب و ينام ويتف على اى حد يضايقه
رمقها معاذ بعدم إستفهام وهو يقول بدهشة
= ايه قله الادب دي مالك؟ هو مين ده اللي عاوزه تتفي عليه .
اقتربت أكثر منه وهي تشعر بنار الغيرة تلتهمها من الداخل، فصاحت بغضب
=البنت اللي شبه عروسه الباربي قابلتني تحت وقالتلي ما تبطلي غيره شويه وخلي جوزك يعرف يشتغل بتمنعيه يوصلني ليه؟ و المفروض تكوني عندك ثقه في نفسك شويه هي مين هي عشان تقولي كده؟ ولا مين قال لها ان انا مش واثقه في نفسي.. هي تيجي جنبي حاجه على الاقل انا طبيعي مش كله سيليكون زيها.
ضم شفته بملل ثم هتف معاذ قائلاً بجدية
=بتلمحي لايه يا بسمة اكيد ما قلتلهاش حاجة عليكي، وبعدين فضلتي تزني عليا ابعد عنها
وما وصلهاش تاني وسمعت كلامك هروح بقى اتكلم معاها ليه عنك.. كبري دماغك منها هي بتحاول تحرق دمك وخلاص
ضاقت عينها بتوعيد لها، ثم حركت رأسها تبعد عنها تلك الطاقه السلبيه مرددة بتذكر
= ماشي ليها صرفه معايا لما اقابلها تاني والله لانتف ريشها زي الفراخ، وبعدين ما تاخدنيش في الكلام انا لسه خارجه طازه من عند الكوافير ومش عاوزه نكد.. ايه رايك بقي في النيولوك الجديد.
عقد حاجيبة باستغراب عندما وجدها تخلع الحجاب وانتباه الى لونه ليرد عليها متسائلاً بضيق
=ايه اللي انتٍ عامله في شعرك ده؟ انتٍ غيرتي لونه وإيه الألوان إللي في وشك دي كمان؟ هو انتٍ كنتي مختفيه من الصبح عشان كده وقلتلي إنساني انت وعيالك لمده ساعتين و هفاجئك.. هي دي بقى المفاجاه؟
هزت رأسها بالايجاب ثم أبتسمت و أخبرته بزهو وفخر
= طب بذمتك مش شكلي بالمكياج احلى.. بس قول بصراحه.
اكتفي معاذ بالابتسام الودود لها، قبل أن يرد بعبوس
= هاه الصراحه يعني لا.. شكلك من غير مكياج احلى و بريئة
تلاشت ابتسامتها تدريجياً وحل الوجوم عليها من جديد، لتقول بصوت غاضب وهي ترجع خصلاتها خلف أذنها
=طب ما انا عارفه ان انا بريئه واحلى من غير مكياج كمان ايه الجديد، بس انا صرفت ولازم استغل الصرف!
اتسعت عينا وهو يقول متعجباً
=صرف؟؟ انتٍ مالك بتتحولي فجاه كده ليه؟ مش انتٍ اللي سالتني وقالتلي قول الصراحه.
جزت بسمة علي شفتيها بضيق شديد ثم
تحركت وأقتربت منه بشدة مما جعله يلتصق بظهر الكرسي من الدهشة والخوف، أستندت بيديها علي مساند الكرسي الجانبية و أخبرته بصوت منفعل بشراسة
= يا اخي اكدب عليا جمالني حتي.. ما انت لو تعرف قعدت كام ساعه تحت أيد الكوافيره ولا الموضوع ده كلفني كام؟ مش هتقول كده.. وفي الآخر يقولي شكلك احلى من غير مكياج، انا استاهل اللي باخد رايك اصلا تفهم انت ايه في شغل الستات ده .
كاد أن يضحك رغماً عنه لكن نظراتها الجادة جعلته يمنع الضحك بصعوبة وهز رأسه بصمت، ثم ابتعدت و رحلت بترطم بكلمات غير مفهومه تحت نظراته المتعجبة و المتسعة من الصدمة، ليردد مبتسماً بخفوت
= مجنونه، بس بحبها اعمل ايه نصيبي كده!
❈-❈-❈
في أحد المدن الصيفيه، كانت رنا تسير امام البحر وفي يديها إخوتها الصغار وهم يلعبون بحماس ومرح، بينما كان يتمشون خلفهم ديمة وزوجها آدم لم ترهقه أي مخاصمة أو مقاطعة من زوجته في حياته بقدر هذه المرة السابقة.. ربما لأنه عرف أنها ستؤدي للفراق لا محال..
لكن لولا في آخر لحظه عاد عقل له ما كانت بالوقت الحالي عادت اليه.
كانت الأنظار حولهما كالعاده لكن هذه المره لم يهتم آدم لهما وحاوط زوجته محتضنها متجاهل إياهم، ابتسمت ديمة وهمست له بصوتٍ أنثوي رقيق
= حبيبي.
قبل آدم وجنتيها بحنان قبل أن يردد بحب
= حبيبك من النهاردة هيكون ملكك أنتٍ وبس جه الوقت اللي تكوني فيه حبيبتي بجد و مراتي قدام الناس كلها ومن غير كسوف!.
انطلقت بعدها يداه تحاوط جسدها وشفتاه تنتهل من القبلات الي ان أبعدته ديمة بحرج شديد من جراءته التي اصبحت زائده فعندما يشعر بأي وقت في التعبير عن حبه لم يعد متردد أو خائف، بينما الأخرى لم تكف على ان تطمن إياه بالكلمات والافعال و انها لم تتركه، اتسعت ابتسامتها وهي تقول بنبرة عشق
=بأحبك! وعمري ما هاسيبك!
❈-❈-❈
انقضى عده أسابيع سريعًا لتجتمع بعدها العائلة في زيارة ودية في منزل شاهين بما أن تفرقوا الأخوات وكلا منهم أصبح في منزل، لكن لم يفوت معاذ اي زياره إلي أسرته حتى بسمه أحيانا كانت تذهب معه وتحاول تجاهل مايسة الى حد ما، لكن ما زالت على قرارها لم تعود الى ذلك المنزل مجدداً فما زالت الأخري من الأساس لم تنسى ما فعلته ولم تسامحها لذلك كانت بسمه على يقين كبير بان حماتها ستعود كما كانت لذلك من الافضل لها ان تقطع ذلك قبل حدوثه وتكتفي بالزيارات كل فتره منعا للمشاكل.
أما منذر فكان يأتي ليراهم علي فترات طويله
رغم أنه لم يبخل عليهم باي شيء يحتاجوه وقد ساعدهم كثيراً من ناحيه عوده الوكاله و
وشفاء والده والأموال التي يعطيها لهم كل فتره، فالوكاله بالطبع لما تدخل لهم نقود كثيره وكان الآخر يعرف ذلك، ورغم اعتراض والده على مساعدته لكن الآخر أصر بشده.. فكان هذا الشيء الوحيد الذي قادر عليه منذر ان يعطي لهما.
أما ضحي فكانت تأتي زيارات متكررة مع اولادها بمفردها وبالطبع لم تدخر مايسة وسعها في الترحيب بالجميع بما يليق بهم، و احيانا كانت تعاونها بسمة على قدر الإمكان في إعداد الصحون لكن تفعل ذلك كمحبه منها وليس بالاجبار مثل سابقآ.
لاحظت مايسة رحيل منذر قبل ان يتناول فهو عندما يأتي كان يجلس مده بسيطه لا تعد و يرحل علي الفور لذلك لم ياخذ ضحى معه لان غير قادر على الجلوس بذلك المنزل الذي كان كل ركن فيه يذكره بالماضي الذي لم يستطيع نسيانه حتى الان، أسرعت أمه تهتف بزعل
= خير يا أبني حتي الاكل مش عاوز تاكلوا معانا يعني المره اليتيمه اللي بتيجي تزورنا كل شهرين، بتكون على طول مستعجل كده.. ما وحشكش أكل امك ولا إيه.
أبتسم منذر لها ابتسامة باهتة وهو يرد
=هو انا كنت دقتة عشان يوحشني؟ الظاهر انتٍ اللي نسيتي معلش خليها بظروفها وبعدين ضحى زمانها مستنياني وانا عارفها مابتحطش لقمه في بقها غير لما اجي ومش عاوز اتاخر.
أقتربت منه و بحلقها غصة عالقة، و أجابت
بتوتر وحزن
=معاك حق صحيح ده انا كنت بعمل لك الاكل اللي كنت بتتعب منه ولا كنت اعرف بتحب ايه، بس شوف انا عامله لك باميه وافتكرت أخيراً مره في حياتي انك ما بتاكلش سمك وعندك حساسيه منه؟
ابتسم منذر بمرارة، فقد كان يتمنى أن يتم التعامل معه بنفس الإهتمام الذي تمتع به في الماضي! ولكن للأسف، حدوث الأمور مؤخرًا لم تعد نفس الحماس السابق! ليت تلك الوجبة تخفف من آلامه، وقد سدت الطريق أمامه وهي تمسك بيده برجاء وأضافت بودًا وحماسًا
= اقعد بقي عشان تعرف اكل امك طعمه ايه؟ ولا خلاص حتى اللقمه مش قادر تاكلها معانا
ضغط على شفته ليرد بتلعثم طفيف
= مش النهارده! خليها بظروفها او بوقتها بعدين يا.. آآ أم منذر !!.
لم تفهم هل يعطيها الأمل عندما يناديها كذلك أو ليس قادر على مناديتها بامي وهي لم تكن الأم الصالحه له من البداية، رحل منذر بالفعل هذا اليوم لكنها لم تفقد الأمل في الوصول إليه من جديد وعاتبت نفسها لتفكيرها المحدود معتقدة أنه سيلبي ندائها بعد كل الخلافات الدائرة بينهما من أول مرة، لم يعد أمامها غير انتظاره يأتي بنفسه و يخبرها بانه اصبح قادر على إيصال الود اكثر من ذلك؟؟ فهي اصبحت متاكده هي و زوجها شاهين أنه لم ينسي ابدأ لذلك سيكتفون بذلك الحال، فما فعلوا ليس سهل ولا ينسى .
فلقد أنهت الود تجاه أبنها الكبير دون قصد منها وبات الأمر متأزمًا بصورة أكبر، ربما لو تريثت قليلاً أو تناولت الأمور بصورة عقلانية لأختلف الوضع كثيرًا لكنها ستحصد تبعات أعمالها هي و زوجها، مسحت بيدها فوق مقعد السفرة مكانه المخصص سابقآ بتأثر وكانت عيناها مليئه بالدموع ثم همست لنفسها بنبرة متفائلة
= مهما تطول السنين هفضل مستنيه اللحظه اللي تقدر تتعامل معانا فيها من تاني وتسامح يا منذر !.
❈-❈-❈
عند عوده منذر الى منزله اول شيء فعله حضن زوجته سريعاً فبادلته العناق وحاوطته بذراعيها عنقه فقبلها بقوة و أردف بحزن بسبب تأثيره بزيارات عائلته
= أوعي تسبيني يا ضحي مش عايز قلبي يتوجع تاني واكون وحيد، أنا بحبك وخايف بعد كل التعلق ده بيكي وتبقى جزء من حياتي وتمشي وتسبيني.. إنتٍ الحاجة الوحيدة اللي مشاعري ناحيتك اللي بتحسسني بأدميتي ، وإني لسه بحس!
ضحي وهي تمرر يدها بحنان على وجه تحاول تهدئته
= مستحيل أمشي واسيبك أنت حبيبي، ايه بس مالك؟ ما احنا كلنا جنبكم و محدش قالك تضغط على نفسك
أغمض عينيه بألم هاتفا بقهر مكتوم
= هو ليه محدش عاوز يصدق ويقتنع أن مش كل غلطه ينفع بعدها اسف، في غلطه لازم تكون النهايه.. انا كل ما اروحلهم بتخنق بجد يا ضحى وبيجيلي نفس احساس زمان
لتحتضنه ضحي بلهفه وهي تدفن وجهها الغارق في الدموع في عنقه حزينة على حاله، ثم ابتعدت عنه متردده في قول شيء ثم تحدثت هاتفه بحب وحنان
= هو انا لو قلت لك ممكن ترجع تروح لدكتور نفساني تاني هتزعل مني عشان خاطري افهمني الاول والله العظيم ما حد هيضغط عليك ولا انا ولا هم.. وانت بنفسك قلت محدش بقى يكلمك، بس هيفرق معاك عشان نفسيتك.. وحياه ولدنا فكر في الموضوع تاني.. احنا كلنا عاوزينك احسن وعاوزين مصلحتك والله.
نظر لها مطولاً بصدمة لكنه لم يعترض وبعد تفكير بالأمر، ضمها إليه بتملك وهو يقول بصوت متعباً يحاول السيطره علي نفسه
=حاضر يا ضحى.. اوعدك ارجع تاني انتظم مع دكتور نفساني في العلاج.
اتسعت عينا ضحي بسعادة غامرة بعدم تصديق واحتضنته أيضا من جديد وهي تبتسم وتبكي بفرحه في أن واحد فذلك سيكون الامل الوحيد والقريب باذن الله ليسامح! نفسه اولا ثم عائلته.
الحياة لا تُصبح أسهل، أنت فقط تصبح أقوى
لذا لا تحزن إذا جاءك سهم قاتل من أقرب الناس إلى قلبك. فسوف تجد من ينزع السهم.
ويعيد لك الحياه.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة سنوات.
في أحد الليالي كانت اوليندا مريضة للغاية وضحي جانبها طول الوقت و انضم إليها منذر، وحرص على عدم إزعاج الطفله واستمرت ضحي في عمل كمادات لها بحرص وخوف، بينما ركض طفلهما الصغير كريم ببالون صغير في يده وهو يقول بحماس
=ماما تعالي العبي معايا؟ اوليندا تعبانه ونايمه وانتم الاتنين جنبها علي طول ومش لاقي حد العب معاه.
هزت ضحي رأسها باعتراض وأجابت بقلق دون النظر له
=معلش يا حبيبي مش دلوقتي، لما تصحى واطمن عليها وتاخذ العلاج الاول هبقى اجيلك روح دلوقتي علي اوضتك .
هز الطفل رأسه برفض وهتف متذمرة
=ما انتٍ امبارح قلتلي كده وما جيتيش و نمتي جنبها، تعالي العبوا معايا زي زمان يلا يا بابا انت كمان
نظر منذر له بضيق قبل ان يردد بصوت أمر
=وبعدين يا كريم! اسمع الكلام يلا و روح هناك العب وبطل تعمل دوشه هنا عشان اختك تعبانه.. يلا اتحرك واعمل اللي قلتلك عليه.
ضم شفتيه بزعل وركض للخارج بسخط طفولي، وهو يهتف بغيرة
=يوووه هو ما فيش غير اوليندا في البيت ده بيحبوها وبس، هم نسيوني خلاص و محدش بيحبني هنا.
في ذلك الوقت، خرج منذر من الغرفة وتجمد في مكانه عندما سمع كلمات طفله بذهول! ابتلع ريقه بخوف وبدأ يعيد نفس الموقف في ذاكرته عندما تم تجاهله من قبل عائلته في المستشفى بسبب مرض أخيه وهذا كان بداية حياته المؤلمة. فهل سينسى حقًا وستعود مخاوفه ويفعلون مثل ما فعلته عائلته معه في أطفاله؟ لقد قام بأشياء مستحيلة طوال حياته لكي لا يحدث هذا الأمر أبدًا.
هز رأسه برفض بسرعه يحاول يفيق على نفسه هو ليس شاهين ولم يكن شاهين بيوم،
اقترب منذر وطـــوق طفله بذراعه مسح وجهه براحتيه قائلاً بصوت متوتر
=كريم حبيبي اوعى تقول الكلام ده تاني، ما حدش هنا بيحبك قدنا انا وماما حتى اختك! ومش معنى ان احنا هننشغل شويه عنك ان احنا هنفضل كده على طول.. لا يا حبيبي احنا بنحبكوا انتوا الاتنين قد بعض.
شعر كريم بالذنب فهو يحصل بالفعل علي اهتمام كبير منهم هم الاثنين لا يستطيع انكاره، لذا اسرع يقول بنفي و ارتباك
=عارف بس بقيلكم كام يوم مش بتلعبوا معايا وعلى طول جنب اوليندا.. اكتر مني.
كانت هذه الاجابه اثبات بانه كان اب جيد و ليس سيء انما تغيب قليلا عن طفله، ضمه إلى صدره وهمس بتنهيدة إرتياح
=عشان هي تعبانه زي ما انت شايف! فعاوزه اهتمام شويه زياده في الوقت ده انما بعد كده كل حاجه هترجع زي ما هي.. انا وماما بنحبكم أوي وعمرنا ما هنفرق بينكم.. ولما تحس كده ثاني مره تعالى قولنا، اتفقنا.
أبتسم كريم وهز رأسه بالايجاب وهو يردد
= وانا كمان بحبك يا بابا وبحب ماما وبحب اختي أوي.. ونفسي تخفي عشان كلنا نرجع نلعب زي الأول.
أبتعد عنه لينحني على رأسه مقبل إياه بحنو
ثم ردد مداعبة
= ما تقلقش يا بطل ان شاء الله هتكون كويسه بس ادعيلها.
يا ليتهم لم ينسوا عائلته في المستشفى في ذلك اليوم، أو حاولوا تجاوز الأمر معه واقتربوا منه من البداية، وفعلوا نفس ما فعل هو مع طفله الآن، لكانوا سيوفرون عليه الكثير من المعاناة، وكل ذلك لم يحدث.
نظر منذر للخلف حيث تقف ضحي ليجدها تحيي برأسها فكانت تقف من البداية وتشاهد المشهد الرائع أمامهم، حيث شعرت بالذنب قليلا تجاه طفلها هي الأخري وذهبت حتى تتفقده لكن وجدت زوجها قد سبقها وتولى هو الامر الذي كان يخشيه من البدايه.
كانت تقف مبتسمة له وكأنّها تقول هنيئا له الفوز العظيم فلقد تجاوز، ها هو يهديهم سعادة بحجم العالم، كان طول حياتهم يخشي أن يعيد تجربة أبيه وأمه من جديد مع أولاده لكن اليوم اثبت العكس .
فلقد تجاوز سابقآ، لكنه كان إنتصاراً حزيناً للغاية لأنه خسر الكثير أمامه.. مثل عائلته الذي كان ومازال ليس قادر على التسامح ولا النسيان.. لكن خسارة معركة لا تعني نهاية الحرب!؟.
كاذِبًا من قال أن فاقد الشيء لا يعطيه، بل يعطي ويصدق، يعطي فوق الوصف، فاقد السعادة يعطي لمن حوله بطريقة لم يسبق لأحد تخليها وهكذا هو منذر، رجل يُعطي دون توقف، دون ملل وليس مُجبرًا على ذلك؟ أن يرسم الحياة المثالية، حقا منذر رجلا الشدّة
و زوج وافي و حبيب الروح المعتمة.
أبتسم منذر بحنان وتفهم سبب نظراتها فهي كانت معه صديقة المواقف، الشاهد على كل سقطات والتي مدّت له كفها ليسند أوجاعه عليه كم هو مُمتن لحياة جمعته بها وهي نادره المصنوعة من الوفاء والشهامة، الواقفة بجانبه لتطبطب على قلبه كانت مثل الصديق الذي يكبره بأعوام من الوجع والذي علمه أشياء لن ينساها طول حياته.. ليصبح الرجل الذي رغم كل تشوهات روحه لايزال جميلًا الحزين الذي يعطي السعادة والموجوع الذي يعطي الراحة، الرجل الذي يعطي ما فَقدَهُ والذي رغم كل حُطامهُ لايزال شامخاً وثابتا في وجه كل شيء..
بعدها ركضت ضحي في إتجاه صغيرها هي
و زوجها ليلهو معه قليلاً وبدأ الطفل كريم يضحك بشدة وبسعادة واضحة عليه، بدأ منذر
يدغدغه في جسده فتعالت قهقهاته الطفولية ومع تلك الضحكه السعيدة شرد الآخر في ماضية وبدأ كأنه يضع تتر نهاية للحياة السابقة بنفسي….
لم أنسى ظلمي ومعاناتي! ولكن هذا لا يعني أنني قاسي القلب، بل لكي لا أعيد تلك التجارب مع أطفالي في الحياة، حتى ذاكرتي بأكملها! حاليًا وفي طفولتي المشوهة لا زلت أستعيد تلك الذكريات كل يوم.
أحب ذاكرتي ولا أريد أن أستأصل منها أي شيء وعندما أقف في يوم الحساب، سأأخذ حقي بالكامل. مررت بفترة غير واضحة الملامح سلكت طرقًا لا أعرف نهايتها واقتربت من أشخاص لا يشبهونني، وفعلت أشياء لا تمثل حقيقتي في هذه الأيام التي أود أن تستأصل من ذاكرتي.
وفي النهاية، علمت أن فعل الخير يجب أن يحصل على رد فعل مؤلم حتى تصبر و تحتسب، وتحصل على أجرين، أجر الصبر وأجر فعل الخير وعندما أصبحت واضحة نعمة الله في الحياة، عرفت أن الله يسعى لي خيراً رغم الانكسار، لكي أعرف من أكون..؟؟
فأنا كنت الطفل المهزوم من عائلته وأصبحت الآن الرجل المنتصر في الحياة والمخلص لأبنائي.
** ** **
تـمـت بحمد الله.
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)