رواية قابل للكتمان الفصل الأول 1 بقلم خديجة السيد
رواية قابل للكتمان الجزء الأول
رواية قابل للكتمان البارت الأول
رواية قابل للكتمان الحلقة الأولى
_____
البداية!
وصلت السياره الي المشفي وهبط منها الأسرة بالكامل مكونه من الأب شاهين وآلام مايسه التي كانت تحمل طفلها الصغير معاذ بين ذراعيها بينما لم تتوقف عن البكاء لحظة خوفاً علي طفلها بينما كان الأبن الأكبر منذر الذي لا يتعدي عمر الخمس سنوات يركض خلفهم بخطوات سريعه وهو يحاول اللحاق بهم!.
اتجه شاهين إلي الطبيب الذي يقف أمامه وهو يقول بقلق شديد
=الحقنا يا دكتور الولد تعب تاني؟ والمره دي التعب أشد حالته بقيت صعبه أوي
اتجهت إليه مايسه الأم ثم قالت بدموع غزيره
=ابوس ايدك يا دكتور اعمل حاجه الولد هيروح مني! ده صغير على التعب ده يا قلبي
و مش حمل ادويه ولا عمليه تاني.
ابتلع الأب ريقه بتوجس وهتف قائلاً متسائلاً بحذر
= لو في حاجه ممكن تشفي اسرع عن كده و غاليه قول لي يا دكتور وأنا مستعد اشتغل بدل الشغلانه 10.. بس ابني يخف من المرض ده حتى لو لازم الأمر يسافر بره.. بس حرام عيل عنده سنتين زيه يقضي عمره كده في المستشفى رايح جاي من ساعه ما اتولد
تنهد الطبيب بقوة وهو يرد عليهما بجفاء
= يا جماعه اهدوا صدقوني اللي هيعملوا بره نفس اللي عملنا هنا ما فيش حاجه زياده، و مش هينابكم حاجه غير المصاريف وخلاص! وهيفضل برده مريض بالقلب..
ثم تابع حديثه قائلاً بجدية أو ربما بقسوة
= عاوزين نصيحه الاخيرة تعيشوا مع المرض عادي لأنه لو عاش هيكمل بيه طول عمره حتى لما عملنا العمليه ما نجحتش معاه ومش هنقدر نعمل اكتر من كده حاجه؟ خطر عليه وهو في السن ده.. فخلاص بقى واقع في حياتكم أن ابنكم هيفضل طول عمره عايش بمرض القلب بالذات مع حالته !.
نظرت مايسه إلي الطبيب بصدمة كبيرة و شعرت بالألم الذي تعانيه منذ معرفتها بمرض أبنها الصغير والآن الطبيب يخبرها بكل قسوة إحتمال أن تفقده أو المرض يتملك منه طوال حياته! و الاختيارين أصعب من بعض حقا، بكت بقوه ثم قالت بحسره
= يعني ايه؟ أبني معاذ هيفضل طول العمر مريض بالقلب ومش هيخف خالص! وكمان احتمال يموت! لا أبني مش هيجرى له حاجه بعد الشر عليه ما تقولش كده يا دكتور انا ما اقدرش اعيش من غيره ده حته مني.. انت بتقول ايه؟
هز الأب رأسه بعدم تصديق بألم، ثم اختنق صوته يهتف بيأس
= اهدي يا مايسه ما تفرجيش المستشفى علينا.. لا حول ولا قوه الا بالله استرها علينا يا رب وما توجعش قلبنا عليه .
تطلعت فيه الأم وعيناها متورمه من البكاء و نظرت إلي زوجها الذي هبطت دموعه بألم شديد ولكنه ازالها بعنف وهي أردفت بتصميم وهي تتجه ناحيه باب المستشفى
=وانت ما تسمعش كلام الدكتور ده وتعالى نشوف غيره، انا ابني هيعيش غصب عنه مش هخسره فاهم يلا بينا!.
تحرك الأب خلفها بخطوات سريعة وهو ينظر إلي إبنه الصغير بين ذراعيها بعينان متألمه نظر وهو يحاول يتحكم بصعوبه شديده في دموعه بخوف الذي يجتاح كل خليه من خلايا جسده بعنف شديد وعندما خرجوا أشار لها ان تصعد إلي السيارة فتقدمت بعدما نظرت الي زوجها الواقف بعجز بألم شديد، ثم انصرفوا وأغلق شاهين الباب و تحرك للإمام بشرود.. لدرجه أنه لم ينتظر صعود إبنه الكبير معهم.
أما منذر كان يركض خلفهم وهو يلهث وقبل أن يضع يده فوق مقبض السياره ليصعد تفاجا بأن السياره تحركت ولم ينتبهوا إليه أحد منهم، ركض خلفهم خطوه لكن السياره كانت سريعه وحتى لم يسمعون صوت نداءه.
وجد نفسه بالشارع بمفرده وقلبه ينبض بعنف
و خوفاً، ليجد بعض الكلاب الضله تحوم بالشوارع ليتحرك برعب ويضطر ان يعود الى المشفى مجدداً! ليجد نفس الطبيب يقف بالداخل ونظر إليه بتعجب هاتفاً مستنكراً
= انت بتعمل ايه هنا يا ابني لوحدك؟ هو مش انت اللي كنت جاي مع اهل المريض اللي عنده سنتين تقريبا .
أنفجر منذر باكي وهو ينظر له بخوف شديد وقال بصوت مرتجف
= ده اخويا معاذ.
نظر حوله بصمت ثم قال باهتمام
= طب هم فين اهلك ما انا شايفهم خارجين من المستشفى هم نسيوك هنا ولا ايه؟
ظل محدق أمامه بأعين دامعة بخوف دون حديث ليفهم الطبيب الأمر وأن أسرته تركته هنا دون أن ينتبهوا له من صدمتهم بمرض طفلهم الأخر، وخمن بالتأكيد بأنهم خلال دقائق وسيعدون هنا يبحثون عنه! اقتربت منه أحد الممرضات التي كان يقفون في الخلف و يتبعون الحوار و ربتت علي كتفه بحنان وقالت بابتسامتها الهادئة
= طب أهدي يا حبيبي وتعالى اقعد هنا أكيد شويه وهيجوا ياخدوك بعد ما ياخدوا بالهم.. أهدي و ما تعيطش مستحيل اهلك يسيبوك هنا لوحدك ولا ينسوك.
جلس منذر فوق المقعد وعيناه لم تتحرك أنش واحد عن باب المشفى ينتظر دخول أسرته باي وقت! لكن مرت ساعه وآخري وثالثة ولم ياتي أحد مطلقاً.. وكانت كل دقيقه تمر على منذر يشعر بالخوف أكثر وهو هنا وحيد لا يعرف أحد .
وبعد ساعة أخري خرج الطبيب من غرفته و هو يرتدي جاكيته حتى يرحل وتفاجأ بالطفل مازال موجود بالخارج، عقد حاجبيه باستغراب وهو يقول باستنكار
= ايه ده هو الطفل ده لسه موجود؟ الساعه بقت ٣ الفجر ومحدش من أهله حس باختفائه! معقول كل ده مش ملاحظين ولا يكونوش بيدوروا في حته تانيه.
أخفض منذر رأسه بحزن ورعب شديد عندما مرت عليه كل تلك الساعات الطويله وهو مزال هنا بالمشفى وحيد دون أهله حتي ذلك الوقت المتأخر ثم أجابت الممرضة قائله بغرابة شديدة
= مش عارفه والله يا دكتور بس المفروض كان أول مكان يدوره فيه هنا لو فعلا لحظه اختفائه ده غير معاهم كل نمر المستشفى يعني حتى لو كانوا خدوا بالهم كانوا اتصلوا يشوفوا هنا ولا لاء.. متهيالي كده انهم لحد دلوقتي ما ركزوش انه مش موجود معاهم .
بقي الطفل في مكانه فترة أطول ولم يأتي أهله حتى استدعاهم الطبيب؟ والحقيقة أنهم فوجئوا بأنهم نسوا طفلهم في المستشفى طوال تلك الساعات ولم يعيروه أي اهتمام، لكنهم حاولوا اختلاق الأعذار لصدمتهم و خوفهم على طفلهم الثاني. أعتقد الطفل أنهم لم ينسوا للمرة الثانية، لكن منذر لم يكن يعلم أن هذه هي البداية!
❈-❈-❈
بدأت السنوات تمر سريعاً، والاخوان يكبرون سوا فا معاذ بدأت تظهر أعراض مرض القلب عليه مثل نبضات القلب غير المنتظمة (عدم انتظام ضربات القلب) والشعور بألم أو انزعاج في منطقة الصدر.. وأحيانا يشعر بالدوخة أو شبه الإغماء بالإضافة إلى سرعة نبضات القلب (تسرّع القلب) و ضيق النفس!
ورغم محاولات الأسرة العديدة وذهابهم إلى أفضل الأطباء حتى يجدوا علاجا له ويتعافى تماماً من هذا المرض، إلا أن الجواب كان دائما
لا، فأمراض القلب هي أمراض مزمنة لا يمكن الشفاء منها بشكل كامل إلا عند اتباع نظام صحي مناسب يساعد على وقف تطور هذه الأمراض والوقاية من الأزمة القلبية. وعندما مر عام آخر دون أي جديد، بدأت الأسرة بالفعل بالتعود على ذلك المرض في حياة ابنهم، كما أخبرهم الطبيب سابقآ. والقيام بإعادة التأهيل لحماية طفلهم لمساعدته على التعافي من السكتة القلبية.
وبالطبع كان معاذ يحتاج إلى معاملة خاصة في كل شيء واهتمام أكبر! وهذا ما يبدو أنه يحدث بالفعل في حالته، التي تتطلب عناية فائقة من كل شيء، طعامًا خاصًا، وصحة نفسية جيدة، وعلاجًا منتظمًا! لكن وسط كل هذا بدأت الأسرة تهمل الأبن الأكبر تماماً رغم ذلك كان في البداية يحدث دون قصد؟ ولكن مع مرور الوقت وعلى مر السنين، بدأ الإهمال يحدث بشكل اعتيادي منهم .
حيث كانوا يعتقدون أنه لم يعد صغيراً وأن الأخ الصغير يحتاج إلى معاملة خاصة واهتمام أكبر بسبب مرضه، وهذا الأمر بدأ فعلياً يؤثر على نفسية منذر حيث رأى إهمال عائلته و اختلاف المعاملة بينه وبين أخيه، الذي حظي باهتمام أكبر منه في كل شئ! فحتى لو كان أخوه مريضًا، فقد شعر أنه أيضًا يحتاج إلى هذا الاهتمام مثله تمامًا… لكن الأسرة بدأت تهمله بشدة وبشكل ملحوظ! والأمر لم يتوقف عند هذا الحد.
فمنذ صغره بدأ يتحمل مسؤولية أخيه طوال الوقت، حتى لو حدث له مكروه، يعاقب مكانه! لأنه لم يهتم أكثر لأخيه كونه الأخ الأكبر و المسئول عنه، وهو يعلم جيد بأن أخيه مريض!.
بدأ يكبر وكانت الحياة هكذا، لدرجة أنه كان يشعر دائمًا أنه وحيد في ذلك المنزل وأن العائلة تكرهه ولا تحبه… وكانت الأمور تزداد سوءًا بالنسبة له لدرجة أنه في بعض الأحيان كان يتمنى لو كان مريضًا مثل أخيه حتى يتمكن من الحصول على هذا الاهتمام أيضًا.
❈-❈-❈
كان التفريق بين الإخوة في البداية لا يحدث عن قصد، إذ حدث بسبب خوفهم الزائد على طفلهم الصغير كونه مريض بمرض مثل ذلك! ولكن مع مرور سنوات عديدة، بدأت الأمور تحدث. تعود دون أن يلاحظوا ظلم الأخ الأكبر
و التفريق في المعامله بينهما !.
وعندما تجاوز الخامسة عشرة من عمره، بدأ منذر يجد نفسه يطالب بالتنازلات من أجل أخيه ومرضه! وفي أحد الأيام كان هو وأخيه في المدرسة معًا ليكون تحت مسؤوليته الكاملة، وإذا حدث له أمر سيء، حتى لو كان المتسبب فيه هو أخوه نفسه. يتعاقب هو مكانه لعدم وجوده جانبه حينها أو منعه من ذلك. و في ذلك اليوم، تشاجر معاذ مع صديق له و انتهى الأمر بضرب زميله له بالخطأ على قلبه وتسبب في إغماء الآخر.! و لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها معاذ لشيء كهذا.
في المنزل، رفع شاهين كفه ليسقط فوق خد منذر بقوة شديدة و واصل الأب صراخه العنيف قائلاً
= يا كلب! قلت لك كام مره خلي بالك من اخوك هو انا مخليكم في مدرسه واحده عشان ايه؟؟ هو كل يوم والتاني يضرب وأنت ولا هنا، هتفضل لحد امتى فاشل كده وعديم المسؤوليه.
وضع يده فوق وجنتيه وهو يتألم من قوه الضربه، وتحدث منذر مدافع عن نفسه
= والله يا بابا ما ليش دعوه قلت له خليك جنبي زي كل مره وقت الفسحه وهو برده اللي بيروح يلعب ويسيبني .. انا ما عملتش حاجه ما تضربنيش
قاطعه صائحًا بعصبية وهو يكاد يهجم عليه مجدداً
= ده انا هموتك مش هضربك وبس! يا فاشل يا زباله تلاقيك كنت بتلعب هنا ولا هنا ومكبر دماغك منه ما انا عارفك.. ما فيش مره بطلب منك حاجه بتعملها، قلت لك هو مريض ولازم ناخد بالنا منه كلنا وبرده كل يوم يرجعلنا مضروب وانت بتكون فين نفسي افهم.
كانت مايسه الأم تحضن معاذ الى احضانها ولم تهتم الى ما يحدث إلي أبنها الآخر فكانت من وجهه نظرها أيضاً بأنه السبب فيما حدث لأخيه، ثم تحدثت قائلة بحرارة وهي تمرر إصبعها على بشرته بحنان
= وبعدين يا شاهين هنعمل ايه كده كتير كل مره يحصل كده، و الحمد لله بنلحقه صحيح بس العيال إللي في المدرسه معاه الاساتذه مش قادرين عليهم يحذروهم من حالته وان محدش يقرب لي، والفالح التاني أخوه مش عارف يخلي باله منه .
ختمت مايسه حديثها وهي تنظر الى طفلها الكبير بغضب شديد وهو بدأ يدمع أكثر شاعراً بالظلم من الجميع تجاه وهو لم يفعل شيء من الأساس، وأخيه هو المخطئ لكن من المستحيل أن يعاقبه أحدهم لذلك يفرغوا طاقة غضبهم فيه دائما و كالعاده.
إبتلع منذر مرارة الإهانة مجبرًا، فهو مضطر للقبول بأي شيء حتى لا يتم تعنيفة فإذا حاول حتى الإعتراض لا يهتم إليه أحد و يعاقب أكثر، لوح شاهين بذراعه قائلاً بجدية
= ما فيش غير حل واحد! خلاص مش هنوديهم مدرسه تاني.. مهما نحذر ونعمل مش هيجي بفايده واحنا مش مستعدين نخسر ابننا
حتى الدكتور في مره نبهني من الموضوع ده اللي زيه وعندهم امراض مزمنه مش مهم أوي يتعلموا لان المدارس اكتر مكان بيحصل في مشاكل ووجع رأس وممكن يتاذوا.. والاحسن لينا نقعده من المدرسه ويكون تحت مراقبتنا وكفايه عليهم لحد كده.. ويجوا الشغل معايا يتعلموا صنعه تنفعهم أحسن.. هناخد ايه يعني في الآخر من تعليمهم .
انتفض منذر بخضه وركض إلي والده وهو يردد من بين دموعه بنبرة ذليلة
= لأ، انا ما عملتش حاجه انا مش عاوز اقعد من المدرسه انا عاوز اكمل تعليم.. عشان خاطري يا بابا هخلي بالي منه بعد كده بس ما تقعدنيش من المدرسه.. ابوس ايدك انا آسف خلاص مش هعمل كده تاني .
كز على أسنانه وهو يبعده بعنف عنه حتي كاد أن يسقط بالأرض من شده الدفع، ثم لوح بيده مهددًا
= انت تخرس خالص وما سمعلكش صوت، ما ينفعش واحد يروح والثاني يقعد عشان نفسيه اخوك وما يحسش انك احسن منه وهو شايفك رايح المدرسه وهو لأ! وان احنا ظلمنا واحد فيكم.. الأحسن تقعدوا انتوا الإثنين.. اللي هيمشي على واحد هيمشي على التاني فاهمني ولا لاء .
زاد وجه مايسه تعقيدًا وهدرت متسائلة بانفعال
= انت بتقول ايه يا شاهين حرام عليك؟ احنا خايفين عليه من اللي بيحصل له في المدرسه من زمايله اللي بيضربوه، وانت عاوز تقعده عشان يشتغل هو ده هيستحمل شغل ولا صحته هتستحمل.
تنهد زوجها وهو يقول موضحاً بهدوء
= اسمعي مني يا مايسه انا بعمل الصح، مسيره هيكبر واحنا مش عايشين لي طول العمر.. وممكن محدش يرضى يشغله عشان مش معاه شهاده ومش هيلاقي فلوس يصرف منها ولا شغله عارفها.. خليه حتى يجي ساعتين ولا نص يوم و اخوه يكمل معايا اليوم كله بس ياخد فكره عن الشغل بيتعمل ازاي .
صمتت لبرهه تفكر جيد بالأمر ثم أردفت قائلة باقتناع
= اذا كان كده ماشي، موافقه بس تخلي بالك منه و لو حسيت انه تعب تروحه على طول ومنذر يكمل.. ده مش هيستحمل يا حبيبي!.
كان منذر يقف بعيد يراقبهم بصمت وهو يحدج بالجميع بأعين دامعة لا يعلم لما يفعلون معه ذلك أليس هو ابنهم أيضاً ويحتاج إلى كل ذلك الإهتمام والمراعاه التي يحظى بها اخوه الآخر! لما دائما يطالب منه هو بالأخص أن يقدم تنازلات الى أخيه حتى وإن كانت ضد مصلحته! مصلحته فمن منهم هنا يفكر فيه بالأساس حتى يفكر في مصلحته، فا الآن سيحرم من التعليم بسبب مرض اخيه اللعين فماذا بعد؟ وكأنه بالفعل كان يشعر بما سيحدث
لاحقا .
❈-❈-❈
بعد مرور سنوات كثيرة، في تلك المنطقة الشعبية الشهيرة “حي السيدة زينب” المزدحم بالناس والبائعين المتجولين بينما صوت النقشبندي ينبعث من الراديو بداخل ذلك المتجر الخاص بصنع الزجاج بكل انواعه وتصنيعه.
كان منذر يقف إلى جانب بطوله، ويرتدي ذلك القفاز الخشن في يده، ويصنع تلك القطعة من الزجاج ويشكلها إلى عدة أشكال بمهارة شديدة، حتى أصبحت في النهاية شكلاً رائعًا! من الصعب وصفه. فقد اكتسب هذه المهنة من والده الذي كان يجبره على البقاء معه في ذلك المحل لساعات طويلة حتى يتعلم الحرفة من بعده. بدأ يقضي كل وقته هنا ومع الوقت بدأ في تطوير نفسه بسرعة كبيرة للغاية. يشهد له جميع من في المنطقة، كما يأتي جميع العملاء تقريبًا من أجل عمله.. حتى يتمكنوا من التعامل معه وشراء شغل عمله الخاص… فيما كان الوضع عكس لدي معاذ الذي لم يكتسب المهنة بشكل متقدم، كونه كان لا يأتي الى المحل إلا لفترة قصيرة جداً خوفاً على صحته، ومع الوقت بدأ يشعر بالكسل ولم يحب العمل لأنه لم يكن معتاداً عليه، وطبعاً لم يجبروا الأهل كما فعلوا مع الأبن الأكبر.
رفع منذر رأسه لينظر أمامه في الشوارع إلى المارة دون مبالاة، حتى لاحظ الشابة التي كانت تقف بجانب المكتبة، تشتري بعض الأدوات للمدرسة. عرف على الفور أنها بسمة ابنه الحاج متولي، حيث كانت طفلة صغيرة تلعب في الزقاق أمامه، والآن أصبحت صبية يافعة تمتلك جسداً بضاً و جمالاً يسحر الألباب و يخطف الأنظار من أول وهلة، استدارت بسمة لتغادر و وضعت عينيها عليه بتعمد ثم أبتسمت بخجل عندما وجدته يتطلع إليها أيضاً و مرت أمامه بسرعة! صحيح أنها لا تعرفه جيداً، ولم يحدث اتصال عن الحديث مع بعضهما ولو لمرة واحدة، لكن هكذا كانت نوعاً ما علاقتهما حيث كانا ينظران إلى بعضهما البعض في الخفاء بصمت دون أن يجري بينهما أي حوار.
صمت للحظات وهو يفكر لماذا لا يخبر والده و يتقدم لها ويتزوجها. فأصبح عمره ثلاث و عشرون عاماً ويعمل في عمل جيد مع والده ويتقاضى منه كل شهر راتباً مناسباً له ليفتح له منزلاً، بالإضافة إلى أن والده سبق له أن بنى منزلاً من طابقين فوق منزله له ولأخيه في نفس المبنى مع أمه.. بحيث لا يكونا بعيدين عن بعضهما .. فلا هناك مانع.
بينما علي الجانب الآخر كان معاذ يقف مع صديق له بجانب القهوه في المنطقه، لتطل عيناه على شابه في عمر التاسعه عشر تمر جانبه علي استحياء! وعندما رفعت عينيها للامام وجدته يبتسم لها ويغمز بطرف عينه بإعجاب بمظهرها لتنظر اليه باشمئزاز ورحلت
بينما هو ترك صديقه دون حديث وذهب إليها وعند لاحظت أنه يتابعها غضبت بشده من وقحته و ركضت قبل أن يلحق بها، و أنتظر حتي رآها تدلف إلي داخل المنزل و عينيه مليئة بالخبث وقد علم من تكون أسرتها، ربما سيعدل عن رأيه في عدم الزواج و وجد ضالته أخيراً، كم تخيل فتاة أحلامه ان تكون جميله مثلها بالضبط، فهي مُراده الذي طالما تمناه و سيظفر به بأي ثمن. ثم عاد بعد ذلك إلي صديقة
= معلش يا صاحبي، كنا بنقول أيه؟
عوده لمحل “شاهين و اولاده” جلس منذر أمام مكتب والده الذي سلط أنظاره عليه بضيق وهو يقول بتشنج
= سايب شغلك وبتهبب جنبي ايه ما تروح عشان طلبات الناس، ولا هو لازم تتعبني معاك وخلاص. يلا روح كمل شغلك
هز رأسه بيأس من معامله والده له رغم انه لا يفعل الا ما يريده دائما لكن هو طول الوقت يعامله بذلك الجفاء، حاول أن يجمع رابط جأشه و ازدرد منذر ريقه قائلاً بتلعثم
= يابا انا خلصت شغلي و كنت جاي اقول لك على حاجه ثانيه، انا يعني بفكر اني آآ عاوز اتجوز.. ده بعد اذن حضرتك يعني.
لوت ثغره للجانب ساخراً وهو يقول
= وانت عارف بقى تشيل مسؤوليه نفسك ولا مسؤوليه اخوك حتي، لما تفتح بيت! بس ماشي حتى الجواز ممكن يلمك شويه وتتحمل المسؤوليه.. يا ترى في واحده في دماغك ولا اقول لامك تختار ليك .
ضغط منذر علي يده بتوتر و رد عليه مطأطأ الرأس بخجل نوعاً ما هاتفاً بصوت منخفض
= لا يا أبويا انا لقيتها خلاص الحمد لله.. هي اسمها بسمه.. بسمه بنت الحاج متولي حضرتك أكيد عارفه هو معانا في نفس المنطقة.
بعد مرور وقت تحرك منذر ليعود لعمله بعد أن اتفق مع والده بأنه سيذهب على آخر الأسبوع ويطلبها له للزواج من والدها، وفي ذلك الأثناء دخل معاذ الي مكتب والده الذي كان يجلس يرتشف كوب الماء، وعندما جلس أمامه لاحظ السعادة تتلألأ داخل عينيه وهو يقول دون أي مقدمات
= بابا أنا عايز أتجوز .
تفاجأ الأب بأن الاثنين يريدان الزواج في نفس اليوم، لكنه بالتأكيد لم يمانع، خاصة إلي معاذ و أعتقد أنه ربما سمع طلب أخيه وشعر بالغيرة، فرحب بالأمر رغم صغر سنه، فهو في العشرينيات من عمره! وعندما اخبره ما إذا كان هناك فتاة معينة يريدها، هز الآخر رأسه على الفور بابتسامة عريضة مرددًا
= أنا عايز اتجوز بسمه بنت الحاج متولي!.
وقبل أن يرد والده من الصدمة كان في الخلف يمر منذر واستمع الى كلماته الاخيره ورمقه بصدمة غير مصدق.. وعندما نقل نظراته الى والده وجده صامت ثم حمحم وبدأ بهدوء مريب يسأل ابنه كيف تعرف عليها وهل متاكد من اخلاقها وعن أشياء من هذا القبيل وكأنه لا يعرف بان إبنه الأكبر طلبها بالأول ويريد نفس الفتاه.
❈-❈-❈
في تلك البناية الشعبية وبداخل منزل شاهين،
اعتدل فوق الأريكة وسأله و القلق و التوتر يداهمان قلبه من ردة فعله التي يخشي توقعها
=هو انا هفضل قاعد جنبك بقى لي ساعتين عمال اتكلم وانت مش بترد ما سمعتنيش ولا ايه؟
التفت منذر مطأطأ الرأس مكسور النظرات وقد بدأ يفهم الأمر الذي سيحدث ربما! فوالده ووالدته لا يرفضون إلي معاذ طلب بالعادة مهما كان حتى لو على حساب نفسه هو! لكن لم يتوقع ان تصل بهم الجراه الى أن يزوجه نفس الفتاه التي اعجب بها وطلبها هو بالأول
فوالده حسب الأمر من ناحيه صعبه للغاية! بأن معاذ فرصه الحب و الارتباط قليله بالحياه لديه لذلك وافق على ارتباطه من تلك الفتاه دون أن يفكر في إبنه الأكبر. ثم عقب بحزن و بنبرة مليئة بالشجن
= لا سمعت بس بحاول استوعب طلبك! ما هي برده حاجه الواحد ما يقدرش يصدقها ابويا اللي انا من لحمه ودمه بيطلب مني اتنازل عن البنت اللي طلبت منه يجوزها لي عشان يتجوزها اخويا اللي طلبها من بعدي .
هز رأسه بضيق وهو يجيب عليه بجدية
=يا ابني ما تبصش للامور كده، انت شاب و صحتك كويسه وتقدر تتجوز بدل الست إثنين وعندك فرص كثير انما اخوك انت عارف اللي فيها، واللي حالته زيه فرصه قليله في الحياه ولما بتيجي بتيجي مره واحده، عشان كده لازم نستغلها وبعدين اخوك شكله بيحبها ما ينفعش بقى تتجوز واحده اخوك بيحبها وعينه منها.
داهم الحزن ملامح وجه حيث زادت كلماته أوجاعه، زفر بضيق و قلة حيلة، وأخبره بحدة
= وانت عرفت منين ان انا مش بحبها كمان امال انا طلبتها للجواز ليه؟ ولا هي تنفع بس لاخويا وانا لأ! وبعدين هي بيعه وشروه ما هي صاحبه الشان وتقرر.. وانا اللي طلبتها الاول..
وبعدين معاذ لسه صغير و ما عندوش اي شغلانه يصرف منها ويكون مسؤول عن بيت مش ده الكلام اللي قلته لي اول ما طلبت اتجوز برده!.
شبه إبتسامة ظهرت علي شفاه قائلاً بإقتضاب
= ملكش دعوه اخوك هيصرف منين عليها هو قد المسؤوليه ولو مش قدها بكره لما يتجوز هيتعلم زيه زي غيره، وبعدين مين قال لك ان اخوك ما طلبهاش قبلك مش جايز يكون فاتحني في الموضوع قبلك اصلا طالما انت واخدها مين اللي يقول الاول.
صاح منذر بنفاذ صبر ومن فرط خناق والده الذي يفرضه عليه طول الوقت و يفرق في المعامله بينه وبين شقيقه
= بطل كذب عشان انا سمعت وهو بيطلبها منك وانت كنت متفاجئ! اقول لك على حاجه كمان كنت شاكك انك هتعمل كده لما فضلت تتكلم مع ابنك عادي ولا أكن طلبتها الاول و أتعاملت مع الموضوع عادي جدا
تلقي فجاه صفعة قوية من والده مع صياحه بغضب
=آه يا زباله يا واطي و كمان بتقل ادبك عليا هو انا هقعد اتحايل عليك في الكلام ولا ايه اللي انا عاوزه هو اللي هيمشي، فاهم ولا لأ.. و بعدين ابوها ذات نفسه قال ما عنديش بنات اخد رايهم في الجواز واللي هو شايفه صح بيوافق عليه .
رمقه بصدمة غير مصدق ما فعله به للتو! رغم أنها لم تكن المره الاولى التي يعنفه لكن ذلك الحديث كان في الماضي عندما كان طفل صغير ويعاقب بدل شقيقه، لكن عندما كبر أعتقد بانه سينسى تلك الأفعال ويحترمه لكن ما زال والده مصمم علي أن يشعره بالاهانه والتقليل أمام نفسه قبل الجميع، ثم تحدثت بشك
= افهم من كلامك ان انت رحت وطلبتها من أبوها لي اصلا امال قاعد بتكلمني في ايه.. هو ليه دايما مطلوب مني ان أنا اللي اتنازل وهو لا
قطب الأب حاجبيه قائلاً بغضب
= يا ابني افهم و ما تبقاش دماغك ناشفه، بكره لما تكبر وتتجوز ويبقى عندك ولاد هتعمل نفس اللي انا بعمله و اكتر.. وبعدين فيها ايه لما تتنازل شويه عشان اخوك.. بكره لما يكبر هو كمان هيتنزل عشان مصلحتك وانا وامك بنعمل نفس الكلام ما تعملش فيها دور المظلوم بقى!
أطلق تنهيدة من أعماقه ثم أخبره بسخرية مريرة
= هو انا كل ده ومش بتنازل! على العموم هو كمان لو جاتله فرصه عشان يتنازل ليا انا اللي هرفض.. هو فين دلوقتي!.
نظر شاهين له بتوجس وقال بسأم
= بتسال على اخوك ليه؟ اوعى تقول له حاجه هو ما يعرفش الموضوع ده، واحنا خلاص قرانا الفاتحه واتفقنا مع ابوها من يومين…
وكأنه مصمم على جرحه أكثر بذلك الحديث،
إبتلع منذر مرارة الألم بقهر واردف هاتف بجمود
= ما تخافش مش هبوظلك ترتبيتك، خلاص انت عملت اللي انت عاوزه مش هيفيد الكلام
في حاجه، انا عاوزه عشان ابارك له.
نظر له مطولاً ثم هتف قائلاً بصوت متردد
=اذا كان كده ماشي هتلاقي مع امك جوه.. بس اعمل حسابك كمان ان انا طلبت ايد اختها ليك وفرحك هيكون معاه في نفس اليوم.
❈-❈-❈
وفي إحدي الأبنية القريبة لجت تلك السيدة بخطوات ثقيلة في عقده الخمسين ذات الوجه العابس و المتجهم، وقفت وسلطت انظارها على ابنتها الصغيره “بسمة” وهي كانت تجلس خلف المكتب تذاكر دروسها، تتمتم أمها بصوت غاضب
= هو احنا من شويه قلنا لك ايه؟ اقفلي بقى الكتب دي خلاص وارميها ما بقاش فيها مذاكره امال فتحت مين اللي قريناها من يومين دي؟
تركت الكتاب و نهضت قائلة بحده
= وانا ما وافقتش على الجواز اصلا عشان تروحوا تتفقوا مع الناس من ورايا، وبعدين تعليم إيه اللي عاوزه تقعديني منه ده كمان انتٍ عارفه انا مجموعي اللي فات في الثانويه كان كام و الجامعه اللي أما صدقت دخلتها؟ وانتٍ في الآخر عاوزه تقعديني عشان اتجوز
مطت أمها شفتها السفلى قائلة بعدم اهتمام
= و أنا مالي بمجموعك هيفيد بايه؟ ما تجيبي ٩٠ و لا ١٠٠٪ حتي، ابوكي كده كده حالف عليكي ما هتكملي تعليمك ولا انتٍ ولا اختك
الجواز هو الاحسن من الهبل اللي بتذاكروه ده احنا مش عايشين ليكم طول العمر! اديكي شايفه احنا خلاص انا وابوكي عدينا الخمسين سنه نعمل ايه بقى حظنا جبناكم بعد 15 سنه جواز بعد ما فقدنا الامل أننا نخلف، والعمر بيجري ولو مطمناش عليكوا دلوقتي قبل ما نموت هتتلطموا .
ثم تابعت حديثها قائلة بذلك التفكير الغير حديث والخاطئ
= واهو الحمد لله ربنا كأنه سمع مننا انا و ابوكي وانتم الاثنين جالكم عدلكم في يوم وأحد، واهو الحاج شاهين طلب ايدك لابنه معاذ وابنه الكبير لاختك يعني هتتجوزوا نفس الاخين كمان يعني فرصه مش هتتعوض يا هبله.. و الراجل ما شاء الله معاه ومقتدر، في حد عاقل بقى يرفض جوازه زي دي .. يا بنت الجواز ستره للبنات ما تقوليش لأ.. نفسي انا وابوكي نطمن عليكوا قبل ما نقابل وجه كريم .
رفعت بسمه إحدي حاجبيها بإمتعاض
= يا سلام وأنتٍ ضامنه منين بقى اللي هيتجوزونا دول هيسونونا، وبعدين دي حياتي و أنا حرة فيها، هو انتٍ بتعاقبيني يعني عشان خلفتونا بعد عمر طويل.. نفسي مره واحده تفهميني انتٍ وبابا انا طموحي اكمل تعليمي مش اتجوز..
وفي ذلك الأثناء دخلت اختها الكبيره غاده علي الأصوات، بينما هدرت فيها أمها بعصبية شديدة
= بنت انتٍ انا مش هوجع دماغي بلا تعليم بلا قرف، اعملي حسابكم انتم الاتنين اللي هتعترض على جوازها ملهاش عندي غير الجزمه فوق دماغها واللي نحن عاوزينه هيحصل مش على آخر الزمن هتمشي كلامك علينا.. قال طموح وتعليم قال.
وقبل أن ترحل أغلقت نور الغرفة بقصد حتي لا ترى شيء وتمنعها من الدراسه، وأضافت بقسوة قبل أن ترحل
= وادي النور اهو كمان وريني هتذاكري ازاي بقي، و اقسم بالله العظيم لو حد فتح النور ده تاني لا هروح اقول لابوكم على انكم رافضين تتجوزوا وهو يشوف صرفه معاكم .. بلا هم.
أثرت بسمه الصمت فلا تملك حق الدفاع عن نفسها، لطالما توسلت إلي أسرتها بعدم رغبتها بالزواج وانها تريد اكمال دراستها، لكنهم حقا لا يمتلكوا لغه الحوار بينهما ودائما يكون الأمر بهذا الأسلوب المؤذي فما كان من الأخرين سوي التهديد و الوعيد إذا لم تكف عن رشدها.
اقتربت أختها غاده وقالت بعدم رضا
= ارتحتي يا ست بسمه جبتلي الكلام معاكي مع أني ولا فتحت بقى ولا اتنيلت اعترضت على الجواز.
جلست علي حافة الفراش و أخبرتها بسأم
= هو انتٍ يا بنت ما عندكيش دم انا مش عارفه اصلا انتٍ ما اعترضتيش ازاي و عادي كده يخرجوكي من التعليم عشان تتجوزي.
هزت غاده كتفها ببساطة وقالت بعدم مبالاة
= طب وايه يعني على راي امك وابوكي مسيرنا هنتجوز والعرسان ما يتفوتوش بصراحه، وبعدين بلا تعليم بلا هم شايفاني أوي يعني بطلع من الاوائل انا ما ليش في الجو ده اصلا و اهي جت منهم.. وانتٍ عارفه ومتاكده ان ابوكي وامك مش هيسمعوا كلامك فاستسلمي انتٍ كمان للأمر الواقع بقى
رمقتها الأخري بسخط و أعين غارقة بالدموع، وصاحت في وجهها
= لا مستحيل انا مش عايزه اتجوز انا نفسي اكمل تعليمي، انا من زمان ونفسي اطلع حاجه يعني دي اخرتها هيخرجوني عشان اتجوز و كمان لواحد صايع وفاشل و ما عندوش مستقبل وأبوه هو اللي بيصرف عليه لحد دلوقتي.. انا مش عارفه ابوكي وامك شايفين ان العريس مناسب ازاي؟ ده كل إللي في المنطقه عارفين اللي فيها انه مش بتاع شغل و غير مرضه .
وضعت الأخري يديها في خصرها و قالت بحماس
= بس ابوه ما شاء الله مقتدر وهيصرف عليكم وزياده فزعلانه ليه بقى، بسمه هاتي من الاخر ابوكي وامك تفكيرهم غير تفكيرنا وكل أملهم في الحياه من و احنا صغيرين انهم يجوزونا وعمرهم ما اهتموا بتعليمنا عشان خايفين يعني انهم لا قدر الله يحصل لهم حاجه قبل ما نتجوز عشان خلفونا وهم كبار.
عقدت حاجبيها بضيق ثم رمقتها بنفور و إشمئزاز من تفكيرها قائلة بحده
= اهو دي بقي التفكير السطحي بتاع الناس اللي زيك طالما ابوه هو اللي بيصرف عليه يبقى ده مش بتاع مسؤوليه وهيعذبني معاه المشكله ان ابوكي وامك مهما نتكلم مش بيفهمونا خالص يا ريت ما كانوا خلفونا وفضلوا طول حياتهم كده مش بيخلفوا صحيح مش كل واحد ينفع يشيل المسؤوليه
تصدقي اصلا عمري ما حسيت انهم بيحبونا ولا حنينين علينا رغم انهم يعني حسب كلامهم كانوا هيموتوا اوي ويخلفونا .
نفخت بضيق شديد وهي تقول بنبرة مغتاظه
= انا مش فاهمه كلامك الكبير ده انا رايحه احسن انام و نصيحه مني ما تشغليش النور عشان امك لما بتهدد بتنفذ على طول وشيلي بقى الكتب دي، مفكره يعني لما تذاكري هيرضوا يدخلوكي الامتحان السنه دي بالعافية.. هم ما بيجوش بالطريقه دي وانتٍ عارفه .
صمتت للحظة فوجدتها تقف أمامها مباشرة تمسك بساعدها و تسألها بسمة بترقب
= غاده هو انتٍ مبسوطه عشان هتتجوزي منذر، يعني عمركم ما اتقابلتوا ولا اتكلمتوا قبل كده !.
إبتسامة عارمة دبت علي شفتيها عند ذكر اسم منذر وهي تردف بنبرة حالمة
= وده هقابله فين يعني يا حسره وابوكي وامك منعين حتى نشم الهوا، بس كنت بشوفه وهو واقف في محل ابوه.. بس ايه طول بعرض وما شاء الله شكله حلو أوي، مش مصدقه نفسي اصلا لحد دلوقتي انه اتقدم لي وهنتجوز .
رحلت غاده تجاه الفراش لتنام وهي تتخيل ملامح منذر بإعجاب فذلك هو فتى احلامها، بينما أخفضت بسمه رأسها بتفكير عميق دون فائدة ثم همست بإحباط ويأس
= آمال هو كان بيبصلي ليه كل ما يشوفني و يبتسم! لما هو اتقدم لاختي انا مش فاهمه حاجه هو كان بيشتغلني ولا ايه، يا ريتك يا منذر كنت انت اللي اتقدمت ليا كان هيبقى عندي أمل انك هتوافق تخليني اكمل تعليمي وعارف ازاي تشيل المسؤوليه.. بدل الصايع اخوك.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)