روايات

رواية في لهيبك احترق الفصل السادس والعشرون 26 بقلم شيماء يوسف

رواية في لهيبك احترق الفصل السادس والعشرون 26 بقلم شيماء يوسف

رواية في لهيبك احترق الجزء السادس والعشرون

رواية في لهيبك احترق البارت السادس والعشرون

في لهيبك احترق
في لهيبك احترق

رواية في لهيبك احترق الحلقة السادسة والعشرون

لَو إِنَّنا لَم نَفْتَرِق
لَبَقِيَت نَجَّما فِي سَمائكَ سارِياً
وَتَرَّكتُ عُمَرِيّ فِي لَهَيَّبَكِ يَحْتَرِق
لَو إِنَّنِي سافَرتَ فِي قِمَم السَحاب
وَعَدتُ نُهُراً فِي رُبُوعكَ يَنْطَلِق
لَكُنَها الأَحْلام تَنْثِرنا سَراباً فِي المَدَى
وَتُظِلّ سَرّا فِي الجَوانِح يَخْتَنِق.
-فاروق جويدة.
بعد مرور سبعة أشهر ….
(( رجلي الرمادي، عزيزي ذو الجبين العابس، زوجى، شعلة ظلامي، ودليلي ..
اشتقتك كشوق المحب إلى اللقاء، والطير الحبيس إلى الفضاء، كشوق العليل إلى الشفاء، وسماء ديسمبر إلى الصفاء، والليل الطويل الهادئ إلى ضجيج الضوضاء ورنين الأصداء، حتى أن شوقي إليك قد تعدى حدود هذا القلب الذي بات ينبض بك ومن أجلك، شوق عجزت معه أحرفي المبعثرة ومصطلحاتي الركيكة عن صياغته أو تعريفه، ورحت أتساءل وأنا أتطلع إلى السماء ثم إلى الشوارع الخالية من خلال نافذة غرفتي كعادة كل مساء، علِ أصادف طيفك يخرج من أحد الأزقة أو من باب إحدي البنايات، أو حتى تلمح عيني خيالك مترجلًا من خلف مقود أحد العربات، ألم يرشدك نور القمر الفضي ولو لمرة واحدة خلال السبعة أشهر المنصرمة إلى طريق رفيقك؟! أو لم يستمع قلبك مرة واحدة إلى نداء حبيبك؟!، لقد مضى الصيف والخريف وها هو الشتاء يلوح بغيومه من بعيد، وأنا لازالت أتذكر كلماتك الأخيرة لي، قسمك بأن تكون معي وحولي، وأُمني نفسي بأنتظار تنفيذ وعدك الذى لم تفي به، فكن كدائم عهدي بك، زوجى، صادق العهد……. ))..
قاطع إنغماسها في توثيق فيض إشتياقها إليه طرقة خفيفة فوق باب الغرفة، يليه صوت أنثوي ناعم قادم من خلفه يتساءل بفضوله المعتاد :
-(( رحمة.. ريمو صحيتى ولا لسة نايمة؟! )) ..
قامت رحمة بإغلاق دفترها ونافدة غرفتها بعدما ألقت نظرة أخيرة خاطفة فوق وجوه المارة أسفلها كحاجة في نفسها لا يعلمها سواها، ثم نطقت بإجابتها بعدما مطت كلتا ذراعيها المكبلين معًا للأمام كمحاولة واهنة للتظاهر بالسعادة والارتياح :
-(( صاحية يا غفرانو من بدري.. تعالي )) ..
طلت الأخيرة من خلف الباب المفتوح بفعل يدها قائلة بابتسامة صباحية عذبة :
-(( أه طبعًا.. لازم تكوني صاحية ومن بدري كمان.. ولا كأنك طفلة عندها امتحان مش أنترفيو فى شركة ماهتصدق بمؤهلاتك دى تعينك )) ..
سألتها رحمة فى تمني بعد أن عقدت ذراعيها معًا أمام قفصها الصدري ولوت فمها في عدم ثقة :
-(( بجد يا غفران تفتكري هتعين على طول.. أصلهم عارضين عليا position حلو أوى وبمرتب ممتاز.. فيارب الأمور تمشى كويس.. أدعيلي )) ..
استفسرت غفران متسائلة ومتحرية كعادتها :
-(( مش بتقولي سكرتيرة المدير هي اللى كلمتك بنفسها وقالت يشرفهم تكوني معاهم؟! )) ..
أجابتها مؤكدة بابتسامة رضا واسعة :
-(( أيوة.. قالتلي كمان أنهم لسه فاتحين قسم الترجمة جديد.. وإن مرات صاحب الشركة بنفسها هي اللي هتابع الشغل وهتكون كل حاجة تحت أيديها.. بس عشان هي مش متواجدة الفترة دي هيكون الأنترفيو بتاعي مع صاحب الشركة على طول ))
قالت غفران في راحة مستنكرة قلق رفيقتها الغير مبرر على الإطلاق :
-(( طب يعنى هما عارفين مؤهلاتك أهوووو وأكيد متمسكين بيكي وألا مكنتش شرحتلك الظروف دي كلها )) ..
صمتت لوهلة ازدردت خلالها لعابها قبل أضافتها بشيء من الحزن :
-(( مع أني عارفة أنك أول ما تنتظمي فى شغل ثابت هتسبيني أنتِ ومصطفى لوحدي وتمشوا )) ..
سارعت رحمة بمد كلا كفيها الصغيرتين كي تحتضن بداخلهما أكف رفيقتها في حنو، قائلة بصوت أجش مختنق بالعاطفة :
-(( هسيبك وأروح فين بس!.. ده أنا كل يوم هتلاقيني ناطة قدامك.. بس ع الأقل نريحك من دوشتنا وقعادنا فوق قلبك.. أنتِ عارفة أن المعاش اللي بيطلعلنا يادوب مكفي مصطفى بالعافية ومصاريف كليته.. والشغل المتقطع اللي كان بيجيلي بيمشي أسبوع وباقي الشهر عليكي.. وبصراحة لو تقلنا عليكي أكتر من كدة يبقى معنديش دم )) ..
قاطعتها غفران هاتفة في اعتراض صريح :
-(( متقلين أيه بس!!.. ده لولا وجودك جنبي أنتِ ومصطفى بعد الحادثة اللي حصلت ومساعدتكم ليا كان زماني بكلم الحيطان.. يعنى وجودكم هو اللى هون عليا اللى حصل.. وبيني وبينك أنا وخداكي حجة .. لولاكي كان زمان بابا مصمم بعد طلاقي من بدر أرجع أعيش معاهم فى البيت.. وأنا مش هتحمل أرجع لتحكماته وتصميمه أنى أسامح بدر أو أسيب شغل الجمعية.. ع الأقل كده أنا مرتاحة )) ..
نكست رحمة رأسها للأسفل عدة ثوانٍ متفهمة كل ما مرت به صديقتها قبل أن تعود وتسألها فى فضول وأعين لامعة مترقبة :
-(( ألا صحيح.. بدر خلاص بطل يكلمك؟! )) ..
أجابتها بنبرة عادية محايدة :
-(( يابنتي بدر كان بيرضي ضميره بحوار أنه عايز يردني تاني ده بعد اللى مراته عملته.. بس لما أتأكد أن اللى بينا صفحة وأتقفلت بموت البيبي نهى الموضوع والعرض.. وعمتًا الحمدلله أنها جت على قد كدة .. وإن مسمار جحا اللى بينا ده انتهى.. حتى لو كان التمن غالي.. بس خلصني من شبهه إنسان زيه )) ..
مسدت رحمة فوق كفها والذي لازال مختبئ داخل خاصتها ثم تمتمت مواسية :
-(( إن شاء الله يا حبيبتي ربنا هيعوضك خير مع اللى يستاهلك بجد وأطمن عليكي أنتِ وعلياء سوا )) ..
تأملتها الأخيرة بنظرة ذات مغزى قبل أن تسأل فى خبث مؤنبة :
-(( أنا وعلياء بس؟!.. وبالنسبة للي سايبة بيتها بقالها شهور وقاعدة فى خلقتي دي.. مفيش نصيحة تقولها لنفسها!!! )) .
ارتبكت نظراتها حتى ظهر هذا الارتباك جليًا فوق ملامحها، مستغرقة وقتها الكامل فى البحث عن إجابة مرضية شافية تخرس بها تأنيب رفيقتها قبل أن تأتيها النجدة على هيئة إتصال هاتفي من شقيقها الأكبر جعلها تُعجل فى الإجابة في لهفة شبهه مصطنعة :
-(( جواد!! عامل إيه؟!!! )) ..
أجابها من الطرف الأخر بترحاب شبهه مماثل لها رغم استنكاره لطريقتها الحماسية الغير معتادة في الترحاب به :
-(( أنا الحمد لله كويس.. شكلك صاحية مبسوطة.. خليني أكمل فرحتك وأقولك أني لقيتلك شقة للإيجار لقطة )) ..
هتفت تستجديه في حماسة حقيقية تلك المرة :
-(( بجد!! طب قولي التفاصيل بسرعة )) ..
تنحنح عدة مرات ينقى حلقه ويوازن نبرته ثم قال شارحًا بنبرة أعتيادية بسيطة :
-(( بصي يا ستي.. هو الموضوع جه صدفة كنت مع واحد صاحبي من يومين ولقيته بيتكلم أنه عنده شقة محتاج حد يراعيها ويكون أمين لأنه هيسافر كذا سنة ومش ضامن يرجع أمتي.. وهو أهله أساسًا مش من هنا وخايف يسبها من غير رعاية حد يستولي عليها.. فكان بيسألني لو أعرف حد يقدر يأتمنه عليها ولو بالفلوس.. فأنا ساعتها جه فى دماغي أنتِ.. وفهمته الحوار كله وعرضت عليه تاجريها تحت ضمانتي لحد ما يرجع.. ها أيه رأيك.. هى فى شارع فؤاد جنب ********* )) ..
همهمت مترددة وقد خفتت حماستها الزائدة عند سماعها الموقع :
-(( دي كده جنب بيت بابــ… قصدي بيتنا القديم.. وأكيد إيجارها هيكون غالي عليا أووي )) ..
قال جواد معترضًا يخشى إفساد مخططهم :
-(( يا بنتي بقولك عايز حد يحرصهاله ولما عرف أنك أختي ما صدق وافق.. عمتًا تعالي شوفيها الأول وبعدين قرري )) ..
أجابته مستسلمة في إحباط ظاهري :
-(( حاضر.. أنا عندي أنترفيو فى شركة كلمتني الساعة ٢ الضهر.. ينفع أقابلك بعدها ونروح سوا عشان مصطفى عنده جامعة النهارده؟!.. معلش هتعبك بس صعب أروح لوحدي أنت أكيد فاهم )) ..
عقب مقترحاً بعملية بعدما نظر في ساعة هاتفه :
-(( طبعًا مكنتش هسيبك تروحي لوحدك.. بصي الساعة لسه ١٠.. أيه رأيك تقابليني على ١٢ الضهر نبص عليها وأنا هوصلك الأنترفيو بنفسي )) ..
قالت موافقة على مضض :
-(( بس كدة هتعبك معايا يا جواد )) ..
قاطعها صائحًا في عتاب أخوي محبب :
-(( تتعبيني!! أنتِ زيك زي علياء يا رحمة.. وبعدين مش كفاية أنك مصممة تبعدي عن الكل ومتخليش حد يساعدك!!.. يبقي خليني أعمل حاجة زيادة عن أتصال كل أسبوع ده )) ..
بادرت بإنهاء الحديث حتى يتسنى لها الهرب من مواجهته، فمعرفة الحقيقة شيء والتعامل معها وتقبلها شيء مغاير تمامًا، وبالنسبة إليها، حتى عقلها يرفض التفكير في الموضوع أو حتى التطرق إليه، لذا قالت مذعنة لرغبته تنهي بذلك عتابه القادم :
-(( تمام هجهز نفسي على ما توصل و١٢ بالدقيقة إن شاء الله هكون عندك )) .
كيف يمكن لهذا العالم الكبير وعلي قدر امتداده ألا يتسع لَفَرَدًا واحدًا، ثم تأتي هي بقلبها الصغير والذي لا يتعدى عرضه عدة إنشات قليلة ويحتويه بكل تعقيداته؟!، حتى يصبح مسكنه وملاذه؟!، حدوده ومنزله، ابتسامة توق خفيضة محملة بكل ما يجيش به صدره من حنين إليها، اعتلت إحدى جوانب فمه، تبعتها تنهيدة اشتياق حارقة، خرجت من جوفه المتأجج بنيران رحيلها، تاركًا خياله الخصب ينسج له صورة مكتملة عن اللقاء الوشيك، لقاء طال انتظاره، لقاء أستغرق سبعة أشهر كاملة، ظل يراقبها خلال ساعاته وفي كل مساءاته من داخل سيارته الجديدة المموهة متنكرًا، كعاشق بئيس من العصور الظلامية الوسطى، حيث الطبقية المجحفة ونظرتها الدنيوية الغاشمة، رفض والد معشوقته ذو الشأن الأعلى قبول أغلى ممتلكاته، ألا وهو قلبه المحمول بين يديه، فيتسلل خلسة كل مساء مراقبًا أسفل شرفتها حتى ساعات الصباح الأولى، علها تمُن عليه برؤية وجهها الوضاء، ولا يعود بأدراجه ألا بعدما يُملي عينيه وقلبه برؤياها والاطمئنان عليها ولو بنظرة خاطفة من خلف نافذتها، ولولا نصيحة طبيبها النفسي بالابتعاد عنها حتى اكتمال شفائها لكان ربض أمام عتبة منزلها منذ اليوم الأول للفراق، تنهيدة ارتياح أخرى صدرت عنه بعدما انتهى من ارتداء ملابسه وهندامه قاطعت سيل أفكاره اللامنقطع إليها، مسترعيًا انتباهه أو ربما انزعاجه بعد فترة وجيزة، دفعة قوية لباب غرفته الخاصة يليها ظهور رفيقه يهتف بشيء من السخرية :
-(( يا عم طاهر خلصني.. مش رايح تتجوز النهارده بقالك ساعة بتلبس.. أنا كلمتها والمفروض هقابلها كمان ساعتين عند الشقة )) ..
تحولت نظرته المنزعجة إلى أخري مترقبة في الحال، قبل هتافه مستفسرًا فى لهفة :
-(( ها وأقتنعت؟! )) ..
أجابه جواد متفاخرًا في ثقة بعدما انتفخت أوداجه :
-(( عيب عليك تسأل.. هي طبعًا كان اعتراضها على أن الإيجار هيبقى غالي بس أنا شبه أقنعتها )) ..
تمتم طاهر معقبًا في قلق :
-(( أهم حاجة لما تكتشف أنها نفس شقة عيلتها تعرف تقنعها )) ..
قال جواد مطمئناً :
-(( متخافش هتبان صدفة.. وبعدين كل حاجة جاهزة.. وأكيد لما تشوف عقد الإيجار باسم مشترس غيرها هتقتنع.. سيب الموضوع عليا وركز أنت بس في اللي ناويه.. عشان ده اللي صعب مش حوار الشقة )) ..
أجابه فى إصرار حازم :
-(( متقلقش عليا.. مادام يحيى عطاني الإشارة وأكدلي أني دلوقتي أقدر أتعامل معاها وأنها أتخطت اللى حصل.. انشاله هشيلها وأحبسها فى البيت لو عاندت )) ..
هتف جواد يستوقفه معترضًا في تأهب صريح :
-(( طــاهــر!!! )) ..
همس متفهمًا في ابتسامة واسعة واثقة وهو يربت على كتفه :
-(( متقلقش .. لو عايز أغصبها ترجعلي مكنتش استنيت كل ده.. أنا عارف هعمل إيه.. يلا عشان متتأخرش عليها وأنا على مشواري )) ..
أنهي جملته بغمزة خفيفة صدرت من إحدى عينيه قبل أن يُلقي نظرة أخيرة خاطفة أمام مرأته يتأكد بها من تمام مظهره وهندامه، ثم شرع فى السير بخيلاء وثقة الفاتح المنتصر، يتبعه جواد مبتسمًا فى جذل واستسلام وداخله يتمنى نهي هذه الفُرقة، الليلة.
*****************************
بعض الأخطاء يمكننا الغض عنها، ألا تلك التي تُحدث تصدعات داخل جدار الثقة، وقد يستغرقنا إصلاحها شهور أو أعوام، أو ربما إلى الأبد، مسدت فوق بطنها المنتفخ بيد بينما الأخرى تمسح دمعة إحباط هاربة فرت عنوة من إحدى جفنيها فور مداهمة ذكرى تقاربهم عينيها، فكم يبدو ذلك اَلْمَاضِي قريبًاًّ وبعيدًا، تنهيدة حسرة أخرى فلتت من بين شفتيها مع تأوه خافت نتيجة لركلة خفيفة صدرت من داخل أحشائها تعبيرًا عن حزن جنينها هو الأخر، صغيرهم، حصيلة تقارب ليلة واحدة منذ تلك المواجهة المشؤومة، نجحت خلالها في هدم حائط غضبه، والذي سرعان ما لبث في إعادة بنائه اليوم التالي، وعلي الرغم من ذلك وعلي عكس جميع التوقعات خرجت فائزة بنطفة أخرى استقرت داخل رحمها، مضغة صغيرة تنمو بداخلها يومًا بعد يوم باعثة إليها برسالة أمل مختصرة، مفادها أن خسارتها ليست سوى خسارة عرضية مؤقتة، ومع أول صرخة يعلن بها عن حضوره ستعود كامل خيوط اللعبة إلي يديها، وحتى ذلك الحين لن تنفك محاولتها في الاعتذار إليه واسترضاءه، نعم هذا ما فكرت به في إصرار بعدما وقفت على ساقيها المتورمتين من أثر الحمل، ثم توجهت نحو غرفة نومهم المشتركة تهمس اسمه في نعومة ودلال بنية إيقاظه :
-(( بدر.. حبيبي.. يا سندي.. الساعة عدت ٩ بليل وأنت لسة نايم )) …
تجاهل ندائها الأول عن عمد فشرعت في المحاولة من جديد ويدها تعبث تلك المرة بخصلاته هبوطًا إلى عنقه فما كان منه بعدما استجاب جسده للمستها المداعبة ألا الاستسلام للأمر الواقع والاعتدال من نومته ورغم ذلك قال في فتور حفظًا لماء وجهه :
-(( أدينى قمت.. وبعدين أيه المشكله لما الساعة تكون ٩!!.. بعد كدة سبيني أنام براحتي )) ..
ابتلعت ردوده الجافة بداخلها ونجحت في رسم ابتسامة موافقة فوق ثغرها، ثم قالت وهي تختصر المسافة القليلة بينهم متعمدة بذلك الالتصاق بجسده :
-(( مفيش مشكلة غير أنك وحشتنى.. ومش عايزة تعدي دقيقة عليا وأنت بعيد عنى )) ..
صمتت لوهلة تراقب خلالها حركة حنجرته التي ارتفعت وسرعان ما عاودت الهبوط فى حركة تلقائية عنيفة، ثم استطردت بعدما بسطت كفه فوق بطنها الممتلئ :
-(( عشان أبننا يطلع شبهك )) ..
همس معنفًا في نبرة خرجت ضعيفة متحشرجة :
-(( أفنان!! ))..
أصدرت همهمة خفيضة كالفحيح، بينما شفتاها تحتك بوجنته في تلامس عفوى مدروس :
-(( عيونها )) ..
سحب نفساً عميقًا يحاول به خفض وتيرة توتره وحدة تنفسه التي تزداد ارتفاعًا بمرور الثوانِ، فالجنية الشقراء الجالسة أمامه أصبحت تجيد كل فنون الأغراء، وتعلم متى وأين وكيف تؤثر به وتتركه في حالة من الاستسلام والخضوع، قبل أن يقول هاربًا بعدما قفز من جوارها، وأنتصب في وقفته خارج الفراش :
-(( البيت فاضى.. هغير وأروح أشتري شوية طلبات )) ..
راقبت انسحابه من الغرفة بنظرات نارية مكبوتة، قائلة بتوعد بعد أختفائه من أمام ناظريها :
-(( أهرب براحتك.. مانا مش بعد كل اللي عملته هخسرك حتى لو مين بيسخنك عليا.. ومبقاش أفنان أن مكنتش أرجعك ليا زي الأول.. وأحسن )) ..
***************************
بابتسامة باهتة وملامح شاحبة لا يغفل عنها واعٍ، وقفت أمام البناية المعنية حيث وصفها لها جواد تترقب وصوله بارتياب شديد، فذلك البناء يحوي داخل أحد طوابقه وتحديدًا الثالث منزلها القديم، منزل والدها والذي لم يعد بوالدها، آآآآه من ذلك الاكتشاف المضني، حقيقية قلبت عالمها ورضاها رأسًا على عقب، والأسوأ هو كتم ذلك داخلها والتظاهر بالقوة واللامبالاة، وكأنها برفض التفكير به سينتهي من تلقاء نفسه وتعود هي رحمة النويري، طفلة والدها المدللة، وليست رحمة المناويشي كما أجبرها القدر، زفرت بضيق طاردة توجسها وألمها مؤقتًا حتى موعد وصول شقيقها والذى ما لبث أن توقف أمامها بسيارته بعد دقائق معدودة، فسارعت تُلقى ما في جوفها من شكوك فور لمحها له هاتفة في تأهب :
-(( جواد!! ده بيت ماما وبابا القديم.. هو صاحبك ده كان جارنا؟ )) ..
نجح في رسم الاندهاش مع قليل من الاستغراب فوق ملامحه، قبل هتافه مستنكرًا في براعة :
-(( غريبة!.. معقول فعلًا يكون جاركم!.. أنا مقلتلهوش اسمك أو أي تفاصيل عنك عشان أعرف.. هو بس عطاني العنوان ده وقال مستنينا فوق.. عمتًا تعالي نطلع وساعتها هنفهم )) ..
أنهى جملته بدفعة خفيفة من كفه لذراعها يحثها بها على التقدم، بينما هتفت هي تستفسر فى فضول مجارية خطواته الواسعة :
-(( طب الشقة في الدور الكام؟!.. )) ..
أجابها بانشغال وهو ينظر إلى أعلى الدرج، ويده اليمنى تعبث بهاتفه النقال :
-(( قالي في التالت.. تعالي بس وأنا برنله أهو )) ..
فرغ فاها وتوقفت قدماها عن السير، قبل تمتمها في مزيج من التوجس والضياع :
-(( جواد!! احنا كنا ساكنين فى الدور التالت!!.. أوعى يكون صاحب……. )) ..
تركت جملتها ناقصة مما دفع الأخر إلى مسايرتها في الحديث عن عدم اهتمام أثناء أسكتماله صعود الدرج :
-(( صاحبي مين؟.. حد تعرفيه ولا أيه.. مالك واقفة عندك ليه.. أنا معاكى ليه قلقانة!! )) .
فتحت فمها وعاودت إغلاقه عدة مرات تخشي الإفصاح عن شكوكها فيما يتعلق بهوية صديقه مالك الشقة المقابلة لهم ف “شريف” صفحة في دفتر قديم حُرق عن بكرة أبيه ولم يتبقى منه سوى الرماد، وبعد دقيقة واحدة تغللتها مئات التخمينات، وجدت نفسها تقف فى منزلها بكافة تفاصيله، حتى ذلك الإناء المتصدع بجرم يدها نتيجة لاصطدامها به في أحد الأيام لازال حيث هو، دمعة اشتياق مصحوبة بشهقة عدم تصديق صدرت عنها، وقبل نطقها بأي جمل اعتراضية، سارع جواد يقول في عملية :
-(( رحمة.. ده فضل صاحبي.. فضل.. رحمة أختي اللي حكتلك عنها )) ..
رفعت رحمة رأسها تنظر إلى كف صديقه الممدودة أمامها في تحية تجاهلتها، قائلة بدلًا عن ذلك ورقعة شكومها تتسع بداخلها :
-(( هو ده بيتك!!.. أنت اشتريته من قد أيه؟! )) ..
أجابها الرجل بهدوء بعد إلقائه نظرة خاطفة على الواقف جوارها يستمد منه الثبات :
-(( من ٣ سنين.. مرات صاحب الشقة كانت عرضاها بسعر لقطة عشان تسدد ديونهم.. حتى كانت معروضة بكل لوازمها واخدتها بكل العفش بتاعها.. وعشان كده خايف اسبها وأسافر تحصل حاجة.. وعلى كلًا جواد حكالي على ظروفك وطلبك وأنا موافق.. حتى جهزت عقد إيجار لو عجبتك نمضيه عشان تكوني فى الأمان ووجودك يبقي قانوني )) ..
حركت رأسها رافضة، فَمَنْطِقِيًّا هناك شيء غامض لا يستسيغه عقلها، أما ظَاهِرِيًّا فملامح الرجال المتفاجئة حولها خصوصًا بعد إفصاحها عن امتلاكها ذاك المنزل في وقت من الأوقات يقطع الطريق على جميع ظنونها، ورغم إلحاح الطرفين على استكمال طلب الاستئجار إلى أخره، قررت الاستعانة بتحريها الخاص لقطع الشك باليقين، مما جعل جواد يتنفس الصعداء فور سماعها تقترح في تخبط :
-(( طب ممكن بعد أذنكم أبعت صور العقد لغفران صاحبتي وأخد رأيها قبل ما أعمل أي خطوة.. هي محامية وهتعرف تفيدني )) …
اتسعت ابتسامته المنتصرة فها هو على وشك إتمام مهمته المكلف بها دون إخفاق، لذا سارع يقول مشجعًا في خبث بعدما جذبها إلى أحد الأركان بعيدًا عن أعين صديقه :
-(( آه وده رأيى أنا كمان.. أبعتيلها صور العقود واتس أب وشوفي ردها أيه.. لأنها صدفة غريبة.. من بين كل البيوت يطلع ده بيتكم القديم!! أنتى شكلك محظوظة يا رحمة )) ..
ابتسمت في خفوت قبل شروعها فى أكمال مكالمتها الهاتفية وشرح الوضع لرفيقتها والتي فور رؤيتها النسخ المصورة عن العقود حتى أبدت حماسة كبيرة فى القبول بتلك “الهبة السمائية” كما وصفتها، ولم تنهي المخابرة ألا بعد تأكدها من أقتناع صديقتها بل وإمضاء عقد الأستئجار، أما في الخارج وبعدما قام بأرسال رسالة نصية إلى الطرف الأخر المترقب يخبره بها بأتمام مهمته، هتف جواد يستوقفها قائلاً في عتاب :
-(( ولو أني شايف كل اللي أتعمل ده ملهوش لازمة.. أينعم فضل اتساهل معاكي بس تقريبًا كل شهر هتحطي نص مرتبك في الشقة دي.. ده يعني لو المقابلة مشت وصاحب الشغل قدرك بمرتب كويس مع أن عندك بدل البيت اتنين وكل واحد منهم يتمنى رجوعك )) ..
استدارت تنظر إليه وقد تحولت ابتسامتها المتفائلة إلى عبوس، قائلة في حدة لم يعهدها منها :
-(( تقدر تقولي فين البيتين دول!!.. أنا مليش هوية لدرجة أن حتى البيت اللي كانت بيتي ولسه ماضية عقد إيجاره دلوقتي بقي غريب عليا.. أنا واحدة حياتها كلها عبارة عن كدبة كبيرة بتحاول بقالها سبع شهور تتقبلها ومش عارفة.. فصدقني لما أقولك أن حتى دلوقتي مليش بيت.. وخليك عارف إني مضيت بس عشان خاطر مصطفى يرجع لبيته الحقيقي.. لكن بالنسبالي خلاص )) ..
قال جواد مدافعًا :
-(( أنتِ اللي رافضة تنتمي لمكان يا رحمة.. رافضة تسامحي.. رافضة حتى تسمعي.. أنتِ عارفة بابا بيسأل عنك كل يوم أزاى؟!.. عارفة حاول يتواصل معاكى كام مرة وأنتِ رفضتيه؟!!.. عارفة إحساسه أيه وأنتِ نافرة منه!!.. بلاش بابا.. عارفة حال اللى طاهر من بعدك أيه !! أنتِ بتبصي من مكان ضيق ورافضة أي منظور واسع.. من الأخر أنتِ اللى رافضة يكون ليكي حد يحتويكي )) ..
أشعل حديثه فتيل غضبها فصاحت تقول بعدائية خاصةً عند سماعها أخر جملة :
-(( أنت بتعاتبني على أيه!! على أب حتى بعد ما عرف أني بنته مكنش بيسأل عليا؟! .. ولا على حد مفتكرش حتـــ )) ..
أجبرها تهدج نبرتها في جملتها الأخيرة على التزام الصمت وبتر حديثها، فبعض الأشياء يبقي الصمت عنها أقل ألمًا من البوح بها، ومهما حاولت صياغته من كلمات لن تستطيع وصف أنين روحها المنهكة من فكرة تخليه عنها وقت حاجتها إليه؛ لذا يبقي الصمت هو أفضل الحلول وسيد كل المواقف.
*******************************
كوردة ذابلة كلما أستمر المارة فى سقية جذورها أزداد أحتضارها، وكذلك هي كلما أغدقها من حولها بكلمات المواساة، التوعد والعتاب، وأخيرًا النصح كلما تعمق جرحها، وكأنها ليست هي من يغوص فى أهوال جحيم الفراق بمفرده، أو ليس قلبها من يتكبد عناء البعاد ولوعته، حتى جسدها لاقى نصيبًا مفروضًا من شقاء حالها وظلمته، حتى أنها اتخذت من غرفتها ملجأً تختبأ به عن أعين الجميع وخاصةً والدها وزوجها، حانت منها التفاتة اشتياق إلى خزانة ملابسها، وذلك الثوب الأبيض الملقى بإهمال فى أسفل أرضيتها، ثم إلى كفها الأيسر، وذلك المحبس الدال على مروره فى حياتها، بل وعلى ربط مصيرهم سويًا، قبل أن يُخرجها من شرود أفكارها الحزينة صوت والدتها تهتف من خلف الباب المغلق :
-(( علياء.. أنا عارفة ومتأكدة أنك صاحية.. فمن فضلك أطلعي كلمي والدك.. مش كل يوم هقوله تعبانة ونايمة.. هو محتاج يتكلم معاكي ضروري )) .
رفعت كفها تمسح عدة عبرات فرت من كلا جفناها، ثم رفعتها إلى حيث خصلاتها المبعثرة تمسد تمردها بأصابع مرتعشة قبل وقوفها أمام والدتها تقول في تحدي بعد فتحها باب الغرفة :
-(( لو هيتكلم عنه مش هسمع.. قراري مفيهوش رجوع ولو سمحتم احترموه ولو لمرة واحدة )) ..
التوى فم والدتها فى اعتراض مكبوت، ثم قالت بجمود قبل انصرافها :
-(( أظن أننا محترمين قرارك لدرجة أنك قربتى تروحى من بين أيدينا.. عمتًا أنور عايزك فى أوضته وقبل ما تسمعيني أي أسطوانات عن حريتك واستقلالك.. أنا معرفش هو عايزك فى أيه.. بس أظن مش من الأدب أنه يتحايل عليكي يومين كاملين عشان يكلمك وترفضي )) ..
حركت رأسها موافقة وقد لعبت والدتها على وترها الحساس ثم تركتها تستأنف طريقها نحو غرفة والدها وتدخلها مطأطة الرأس وكأنها تخشى النظر في عينيه ورؤية ما أصابه جراء عناد كلتا أبنتيه، أما عنه هو “أنور” فبعد تفرسه ملامحها ورؤية الانتفاخ أسفل عينيها والذي يزداد مع مرور الوقت كعلامة على تواصل بكائها، هتف يقول فى حدة من لا يملك في حل معضلة طفلته سبيل أخر سواها :
-(( جوزك كان هنا إمبارح.. وأول.. وأول أول.. وأديله ع الحال ده شهور.. ممكن أعرف هنصبر على عنادك ده لأمتي !!.. فى الأول قلت معلش أديها فرصة تدلع يوم وأتنين وعشرة.. خليهم شهر.. لكن الحاجة لما بتزيد عن حدها بتبقي ماسخة.. وخصوصًا الدلع اللي مش في محله )) ..
استثار أعصابها بنبرته الحادة المعنفة، فهتفت تقول في هجوم ونبرة عالية :
-(( أنا بدلع !!.. أنت شايف موقفي ده دلع!!.. بابا أنت أصلاً حاسس بيا؟!.. يعني مثلًا جربت بدل ما كل يومين توقفني قدامك عشان تلومني وتاخد صف زي ما قلت “جوزي” تسألني أنتِ يا علياء يابنتي عاملة أيه وأنتي بتطلعي من علاقة أخدت منك سنتين ع الفاضي وطلع فى الأخر طمعان وبتدخلي في علاقة شفقة!! .. إحساسك أيه لما واحدة تطلعلك من العدم يوم فرحك تقولك أنا المفروض أبقي مكانك!!.. وأنتِ حاسة نفسك رخيصة وملكيش قيمة!.. أو أن اليوم اللى أستنتيه تكتشفي فيه أن شريكك مخبي عنك أهم حاجة في حياته )) ..
كان اختناق عبراتها يحول دون استئنافها فيض الكلمات المحبوسة داخل صدرها، مما أجبرها على التوقف قليلًا لابتلاع غصة صوتها وتنقية حنجرتها قبل أن تستطرد قائلة فى ألم، ولو رفعت عينيها إليه لرأت معاناته هو الأخر :
-(( أنا طول حياتي بعمل كل حاجة عشانك.. حتى أني كنت مستعدة أتنازل عن سعادتي وأرتبط بواحد مفيش بيني وبينه ذرة تفاهم عشانك.. وحتى بعد ما عرفت الحقيقة لبست فستان فرحي ونزلت أضحك في وش الكل وكملت الفرح وأنا بتحرق من جوايا عشانك.. مسكت أيده ومشيت جنبه وأنا شايفة نظراتها بتأكله عشان أحافظ على شكلك واسم عيلتنا.. بس معرفتش أجي على كرامتي أكتر من كده.. عايز تشوف ده دلع يبقي أه أنا مدلعة.. ولأول مرة مش هبقي تحت طوعك واقولك تحت أمرك وأمره وأروح معاه زي ما هو بيطلب كل يوم.. وأظن عدي ٧ شهور يعني مدة كافية أني أطلق بعدها من غير ما حد يعيب فيا وفيك.. بس أفتكر يا بابا أنك عمرك ما ساندتني فى حاجه تريحني.. ودايمَا بتاخد صف الغريب عشان حتة دبلة ملهاش قيمة )) ..
رمت جملتها الأخيرة في وجهه وانصرفت دون النظر إليه، متعثرة فى طريق خروجها بجسد والدتها التي كانت تقف خلف باب الغرفة تستمع إلى كافة حديثهم، ثم سرعان ما اندفعت إلى داخل الغرفة تطمئن على حالة زوجها العليل بعد هذا النقاش الحاد، فهو لايزال منذ أيام مضت يعاني من ارتفاع حاد فى ضغط الدم، وما أن وقعت عينيها فوق وجهه حتى صرخت مستنجدة فى حسرة تستوقف خطوات أبنتها :
-(( عليااااااااا.. ألحقيني بدكتور.. أنور بوقه وأيده اتعوجوا )) ..
********************************
سحب نفسًا عميقًا يحد به من فرط انفعاله وطبول الحرب القارعة داخل صدره فور سماعه همهمات خافتة قادمة من الخارج محملة بصوتها العذب، وما لبثت أن اختفت كعلامة على جلوسها في الغرفة الأخرى الخالية كما أمر، يليه أندفاع جواد داخل غرفته الجالس بها يقول في قلق :
-(( أنا وصلتها وعملت نفسى مشيت وبعدها أستنيت لحد ما طلعت وأتأكدت أنها مش في الريسشبن جيت )) ..
أرتدي قناع اللامبالاة ثم قال ببراعة متجاهلًا خفقات قلبه التي تكاد تصل إلي أخر طوابق البناية :
-(( وجيت ليه؟!.. روح أنت على شغلك وأنا هحصلك )) ..
صاح جواد لاعنًا في حنق بروده :
-(( ده أنت بنى أدم ****.. عشان أنا طالع عين أهلي معاك من هنا لهنا وعامل معاك تمثيلية وحوار عليها عشان سيادتك مش قادر تقف قدام عتبة بابها وتقولها إنك عايزها ترجع معاك.. لأ وكمان مفيش كلمة شكر واحدة!!.. عمتًا أنا مش بعمل كدة لسواد عيونك ده بس عشان طلب بابا.. ومش همشي غير لما أتأكد أن كل حاجة تمام وأطمنه )) ..
هتف الجالس أمامه يصحح حديثه في جمود :
-(( أنت عارف كويس أني بعمل كل ده بطلب من يحيى فبطل زيطة ملهاش لازمة.. روح شوف يحيى وأتفق معاه يمكن يعرف يتكلم مع علياء زى الناس وسبني أنا أشوف شغلي )) ..
قال جواد فى إصرار بعدما حدجه بنظرة مزدرية :
-(( هستني برة شوية ولو الدنيا تمام همشي.. ومتنساش أنها مش بتسمع الفترة دى لحد غيري.. يعنى أنا اللى عارف أزاي أحل الأمور لو حبت تخنقك بأيديها )) ..
صاح طاهر محذرًا فى غضب وقد لعب رفيقه على وتره الحساس :
-(( جــواد!! )) ..
قال الأخير قبل خروجه في نبرة ذات مغزى :
-(( كلمة بحبها اللى قلتهالي دي عقد أخوة لوحدها.. فمتخافش )) ..
ارتخت ملامحه قليلًا عند سماعه تلك الكلمات المطمئنة، أما فى الخارج وبعد مرور عدة دقائق هتفت مديرة مكتبه قائلة في جمود :
-(( أتفضلي يا فندم.. تقدري تدخلي ميعادك جه )) ..
ودعتها رحمة بإيماءة صغيرة من رأسها ثم انسحبت من أمام ناظريها على الفور متوجهة إلى حيث أشارت لها بيدها ومتنفسة الصعداء، فرغم الاحترام الشديد الذي أبدته لها تلك الموظفة ألا إن نظراتها محملة بشيء من الكراهية لم تستطع تفسيرها، وما أن خطت داخل الغرفة المعنية واستنشقت رحيقها حتى أنقبض صدرها وارتفعت وتيرة أنفاسها، فجسد الواقف أمامها برائحة عطره المميزة يذكرها بما حاولت جاهدة خلال الأشهر الفائتة نسيانه، وما هي ألا ثَوَانٍ قليلة تركها تتخبط فيها في حيرتها وريبها، حتى جاءه صوتها تهمس متسائلة في عدم تصديق فور استدارته بجسده نحوها ووقوفه مباشرةً أمام ناظريها :
-(( أنت؟! )) …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في لهيبك احترق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى